الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٤١ – لبّيك يا فاطمة ج٥٨ – فاطمة القيّمة ق٤ Show Press Release (17 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 141 – لبّيك يا فاطمة ج58 – فاطمة القيّمة ق4 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (14٬088 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سَلَامٌ عَلَيك يَا وَجْه الله الَّذِيْ إِلَيهِ يَتَوجَّهُ الأَوْلِيَاء… بقيَّةَ الله… مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَك وَمَا الَّذِيْ وَجَدَ مَنْ فَقَدَك؟!… الْحَلَقَةُ الحَادِيَة وَالأَرْبَعُون بَعد الْمِئَة لَبَّيكِ يَا فَاطِمَة الجُزْءُ الثامن والخَمسوُن فَاطِمَة القَيِّمَة – القِسم الرَّابِع سَلَامٌ عَليْكُم إِخْوَتِيْ أَخَوَاتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ … لا زِلنا فِي أَجْواءِ العُنوان الْمُتَقَدِّم: لَبَّيْكِ يَا فَاطِمَة …!! والحَديثُ فِي هَذهِ الحَلقَة كَالحَلَقَات الَّتي سَبقتْها: فَاطِمَةُ القَيِّمَة صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عَليها..!! مرَّ الحديثُ في الحلقةِ الماضية وما قبلَها في أجواءِ حديث الكساء، بشكلٍ مُوجز لا أُريد أَنْ أُعيد كُلَّ التَّفاصيل الَّتي تقدَّمت ولكنَّني أُلفِتُ النَّظر إلى هَذهِ النُّقطة مِن أنَّ حَديث الكِساء كما قُلت صحيحٌ أنّه في ألفاظهِ الَّتي بينَ أيدينا يدورُ حول واقعةٍ حَدَثت في بيت الصدِّيقة الطاهرة وفي هَذا الأُفق، في هذا الأفق الحسّي كما نُقِل لنا، وقَطعاً كانَ المجلسُ يتجاوز هذا الأفق الحسّي، لكثرةِ المعطيات والدلائل الَّتي ورَدت في نفسِ هذا الحديث، وقد مرَّت الإشارةُ إلى ذلك فيما تقدَّم لا أُريدُ أنْ أُعيد، ولكنَّني أُلفِتُ النَّظر إلى نقطةٍ مهمَّةٍ جداً: إذا ما تدبّرنا في حديثِ الكساء الشَّريف وهذا هو (مفاتيح الجنان) بين يديّ، سنجدُ أنَّ الَّذي حدَّثنا بحديث الكساء هي الصدِّيقةُ الطاهرة، جابرُ الأنصاري نَقَل الحديثَ لنا عن الصدِّيقةِ الطاهرة، فالَّتي حدَّثت بالحديث هي الصدِّيقةُ الطاهرة، وفي تفاصيل الحديث وفي الأجزاء الأخيرة من هذا الحديث جَاء: – مَا ذُكِرَ خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْلِ الأَرْض وَفِيهِ جَمْعٌ مِن شِيعَتِنَا وَمُحِبِّينَا إَلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة وَحَفَّت بِهُم الْمَلَائِكَة وَاَسِتَغْفَرَت لَهُم إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا – فهُناكَ حثٌّ على ذكرِ هذا الحديث، الَّتي حدَّثت بالحديث فاطمة، التي نَقَلت الحديث إلينا فاطمة، وهُناك حثٌّ على ذكرِ هذا الحديث. النُّقطة الَّتي أريد أنْ أُلفِت النَّظر إليها: أوَّلُ من تحدَّث بهذا المضمون، بمضمون حديث الكساء هو الله سبحانهُ وتعالى، هو أوَّلُ من تحدَّث به، وقد حدَّث ملائكتَهُ بذلك، الحديث هو الَّذي يقول، ماذا قال حديثُ الكساء؟ وفاطمة أيضاً هي الَّتي تُحدِّثنا عن هذا المجلس: – فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَّل يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَمَاوَاتِي إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّة وَلَا أَرْضَاً مَدْحِيَّة وَلَا قَمَراً مُنِيرَاً وَلَا شَمْسَاً مُضِيئَة وَلَا فَلَكَاً يَدور وَلَا بَحراً يَجْرِي وَلا فُلْكَاً يَسْرِي إِلَّا فِي مَحَبَّةِ هَؤُلاءِ الخَمْسَة الَّذين هُم تَحتَ الكِسَاء – هذا هو حديث الكساء، الله يُخبِر الملائكة مِن أنَّ الخَمسة قد اجتمعوا تحت الكساء، نحنُ ماذا نقرأُ في حديث الكساء؟ نقرأُ أنَّ الخمسة قد اجتمعوا تحت الكساء، وبقيَّة التفاصيل الَّتي وردت، الله سُبحانه وتعالى هنا يُحدِّث ملائكتَهُ بحديث الكساء – إِلَّا فِي مَحَبَّةِ هَؤُلَاءِ الخَمْسَة الَّذينَ هُم تَحتَ الكِسَاء، فَقَالَ الأَمِينُ جَبرَائِيل: يَا رَبِّ وَمَن هُم تَحتَ الكِسَاء – الله لا زال يُحدِّثهم بحديث الكساء – فَقَالَ عَزَّ وَجَل: هُم أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالَة هُمْ فَاطِمَةُ وَأبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – بعد ذلك جبرائيل يسأل وإلى آخر التفاصيل، الكلام واضح أنَّ الله حَدَّث الملأ الأعلى بحديثِ الكِساء الَّذي كَان بحسبِ هذهِ الألفاظ يجري في هذهِ الطبقة المحسوسة. وهذا ما قصدتُهُ في يوم أمس من أنَّ واقعة حديث الكساء في بيت فاطمة لم تكن مقصورةً على هذا العالم الحسّي مثل ما حدث في بيت أُمِّ سَلَمة، هذهِ قضيَّة أُخرى، وتلاحظون إنَّ أوَّل من حدَّث بها هو الله، ولهذا السَّبب كان الحديثُ بها بين شيعة أهل البيت لهُ هذهِ الخصوصيات – إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة وَحَفَّت بِهِمُ الْمَلَائِكَة وَاَسْتَغْفَرَت لِهُم إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا، مَا ذُكِر خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْل الأَرْض وَفِيه جَمْعٌ مِنْ شِيعَتِنَا – يعني حتَّى لو ذُكِر هذا الحديث في أيِّ مجموعةٍ بشريّة ولكن بهذا الشَّرط لابُدَّ أن يكون في تلك المجموعة البشرية جمعٌ من الشِّيعة – مَا ذُكِرَ خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْل الأَرْض – من أيِّ الديانات، من مختلف الاتِّجاهات، التفتوا إلى هذهِ القضيَّة، هذه قضيَّة مهمَّة جدَّاً – مَا ذُكِر خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْلِ الأَرْض – من كُلِّ الدِّيانات – وَفِيهِ – في ذلك المحفل – جَمْعٌ مِن شِيعَتِنَا وَمُحِبِّينَا إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة وَحَفَّت بِهُم الْمَلَائِكَة وَاَسْتَغْفَرَت لِهُم إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا – نَزلت عليهم الرَّحمة وحفَّت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أنْ يتفرَّقوا، هذا الكلام ليس بالضَّرورةِ خاصَّاً بالشِّيعة، الحديث عن فاطمة هنا، فاطمة لها شيعة ولشيعتِها شيعة، هذا المضمون نفسهُ، هذا الحديث مشحون بالأسرار، الوقت ما يكفي وإلَّا لتناولتهُ عبارة عبارة لكن الوقت ما يكفي، تُلاحظون الحلقات صارت طويلة، طويلة في الوقت، والحلقات صارت كثيرة العدد، البرنامج تَشعَّب وأنا أُحاول أنْ أُلَمْلِم أطراف الحديث بقدرِ ما أتمكَّن. الجزء الثَّاني من الكلام أيضاً – مَا ذُكِر خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِنْ مَحَافِلِ أَهْلِ الأَرْض – من أيِّ الأُمم، هذه هي الرَّحمة الفاطميَّة – وَفِيه جَمْعٌ مِنْ شِيعَتِنَا – في هذا المحفل – وَمُحِبِّينَا وَفِيهِم مَهْمُوم – ليس من الشِّيعة، من الشِّيعة ومن غيرهم – وَفِيهِم مَهْمُوم إِلَّا وَفَرَّج اللهُ هَمَّه – هذهِ القضيَّة مُهمَّة جدَّاً، لابُدَّ من الإلتفاتِ إليها – وَفِيهِم مَهْمُوم – ليس من الشِّيعة، من الشِّيعة ومن غيرهم – إِلَّا وَفَرَّج اللهُ هَمَّه وَلَا مَغْمُوم إِلَّا وَكَشَفَ اللهُ غَمَّه وَلَا طَالِبُ حَاجةٍ إِلَّا وَقَضَى اللهُ حَاجَتَه، فَقَالَ عَليٌّ عَلَيهِ السَّلام: إذَاً وَاللهِ فُزْنَا وَسُعِدْنَا – الإمام هنا لَمَّا يقول:- فُزْنَا وَسُعِدْنَا وَكَذَلِكَ شِيعَتُنا فَازُوا وَسُعِدُوا – لا لأنَّ هذا الكلام الَّذي مرّ في تفريج همِّ المهموم وغَمِّ المغموم، لا لأنَّ هذا الكلام كان خاصَّاً بالشِّيعة، وإنَّما سعادة الشِّيعة بولاءِ عليٍّ وآل عليّ، سعادة الشِّيعة بكونِهم تحت هذه الخيمة، تحتَ هذا الكساء، حقائقُ الشِّيعة تدورُ حول عليٍّ..!! المضمون الموجود في قصَّة إبراهيم وأنَّ إبراهيم حين كُشِف لهُ عن ملكوت السَّماوات ماذا رأى؟ رأى الأنوار الخمسة ورأى الأنوار التسعة ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ ماذا يقول الأَئِمَّة؟ – ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾، قَالَ: إِلَى القَائِم – هي كلماتُ آدم، ولكنَّ إبراهيم تَمَّت لهُ الكلمات – ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ قَالَ: إِلَى القَائِم – فرأى الأنوار الخمسة، ورأى الأنوار التسعة والتاسع في ضحضاحٍ من نور، ورأى حول تلك الأنوار أنواراً كثيرة، حين سأل فقيل لهُ: إنَّهم شيعتهم، فتلك الحقائقُ تدورُ حولهم، حقائقُ الشِّيعة تدور حول عليٍّ وترتبط بهذا الجوهر..!! ولذا أميرُ المؤمنين هنا حين يقول:- فُزْنَا وَسُعِدنَا وَكَذَلِك شِيعَتُنا فَازُوا وَسُعِدوا – الحقائق كانت موجودة، هذه الحقائق النورية كانت موجودة، موجودة تحت هذا الكساء لأنَّها مُرتبطة بعليٍّ، بهذا الجوهر، ومن هُنا هؤلاء لو وُجِدوا في محفلٍ من محافل أهل الأرض من الَّذين يَبقى إيمانُهم مُستقِرَّاً لا من شِيعة الدنيا، هناك شيعةٌ لعليٍّ هم من شيعة الدُّنيا يُسلَبُ منهم حبُّ عليٍّ، الحديث هنا عن شيعةٍ هُم شيعةُ الدُّنيا والآخرة، الَّذين يُثبِّتُهم الله بالقول الثابت: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾، هؤلاء هم الَّذين يتحدَّثُ عنهم هذا الحديث، وهؤلاء هم الَّذين رآهم إبراهيم أنوارهم مُحيطةٌ بتلك الأنوار. فحديثُ الكساء يتحدَّثُ في هذا الجوّ، هؤلاء لو كانوا في محفلٍ من محافل أهل الأرض وذُكِر هذا الحديث فما الَّذي يجري؟ – إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة – على كُلّ ذلك المحفل، مَن جاور السَّعيدَ يسعد، هذا هو كلامهم، كلامُ آل مُحَمَّد، والإمام يقول: – إِذَاً وَالله فُزْنَا وَسُعِدْنَا – الشِّيعة يُجاورونَهم – وَكَذَلِكَ شِيعَتُنَا فَازُوا وَسُعِدوا – ولكن الحديث هنا عن سعادةٍ أبديّةٍ في الدنيا والآخرة، أمَّا هؤلاء أهلُ المحفل فالمجاورة مُؤقَّتة، فالسعادةُ مؤقَّتة، من جاور السَّعيد يسعد، ما دام جَمعٌ من شيعتنا في هذا المحفل وما دام حديث الكساء يُردَّدُ في هذا المحفل – إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة وَحَفَّت بِهُم الْمَلَائِكَة – لا تستغربوا هذا المعنى، لا تستغربوا هذا المعنى، الأحاديث ماذا تقول؟ (لَوْلَا بَهَائِم رُتَّع – بهائم بهائم – لَوْلَا بَهَائِم رُتَّع – بهائم في المراعي راتعة تأكل علفها تأكل العُشب – لَوْلَا بَهَائِم رُتَّع وَأَطْفَال رُضَّع وَشُيُوخٌ رُكَّع وَشَبَابٌ خُشَّع – لَوَلا هُؤلَاء – لَصَبَبْتُ البَلَاء عَلَيكُم صَبَّا، لَصَبَبْتُ العَذَابَ عَلَيكُم صَبَّاً) – هؤلاء يكونون سبباً لرحمة العِباد، الحديث عن بهائم وعن أطفال!! فما بالكم وهذا الجوّ وهذه الحقائق؟! إذاً القضيَّة بعيدةٌ جدَّاً في حديث الكِساء، وهذا هو الَّذي قَصدتُهُ من أنَّ حديث الكساء هو الوثيقةُ الأهمّ الَّتي تتحدَّثُ عن محوريّة الصدِّيقة الكُبرى في هذا الوجود، وتتحدَّثُ عن هذا المضمون: (فَاطِمةُ القَيِّمة)، إنَّها قَيِّمةُ الدِّين والدُّنيا. وحديثُ الكساءِ هذا بحرٌ فيه الكثير من الحقائق، فيه الكثير من المضامين، من يَستطيع أنْ يُفكك شفرتَهُ ففيه الكثير من الأسرار في هذا الحديث، ولذلك كانت لهُ هذه الخصوصية، بحيث لو ذُكِر في محافل أهل الأرض من كُلِّ الدِّيانات، من كُلِّ الاتجاهات، محافل أهل الأرض حتَّى الملحدون، حتَّى الكافرون، الحديث هنا حتَّى النَّواصب، في محفلٍ من محافل أهل الأرض – ما ذُكِرَ خَبَرُنَا – والنَّبي يُقسِم – وَالَّذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيَّا وَاصْطَفَانِي بِالرِّسَالَةِ نَجِيَّا مَا ذُكِر خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِن مَحَافِلِ أَهْلِ الأَرْض – محافل أهل الأرض كلُّ شيءٍ فيها، لكن بهذا الشَّرط – وَفِيه جَمعٌ مِن شِيعَتِنا وَمُحِبِّينَا إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحْمَة – على المحفل كُلِّه بما فيهِ مِن ناصبٍ وكافرٍ وعدوٍ، هذا عطاءُ آل مُحَمَّد، هذا عطاءُ فاطمة – إِلَّا وَنَزَلَت عَلَيهُم الرَّحمَة وَحَفَّت بِهُم الْمَلَائِكَة وَاسْتَغْفَرَت لَهُم إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا – بهذا الشرط، قد تَقول الملائكة استغفرت، استغفرت لهم ما داموا في هذا الموضع، ما دام ذكرُ آلِ مُحَمَّدٍ بالذَّات في حديث الكساء مع جمعٍ من شيعتِهم، الملائكة تستغفرُ لهم، ولكن إذا تفرَّقوا هم سيعودون إلى ما كانوا عليه، وسينسِفون هذا الاستغفار بأعمالِهم، إلَّا إذا كَان هذا الاستغفار يكونُ سبباً لتوفيقِهم للهداية وللتمسُّك بعروةِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، وذلك شَيءٌ آخر – وَفِيهِم مَهْمُوم إِلَّا وَفَرَّجَ اللهُ هَمَّه وَلَا مَغْمُوم إِلَّا وَكَشَفَ اللهُ غَمَّه وَلَا طَالِبُ حَاجةٍ إِلَّا وَقَضَى اللهُ حَاجَتَه – هذا الكلام عن الجميع. أنا سؤالي هنا: إذاً أين نحنُ عن آل مُحَمَّد؟! إذاً أين نحن عن الزَّهراء؟ هذا هو سؤالي!! إذاً لماذا عبر الأجيال طمسوا حديثَ الكساء؟! إذاً لماذا غُيِّبت فاطمةُ من منظومة العقيدة الشِّيعيَّة لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟!! وكما قُلت في حلقة يوم أمس آيةُ التطهير من جُملةِ شُؤونات حديث الكساء، وآية التطهير بحسبِ عُمق حديث الكساء لها دلالاتٌ أبعد مِمَّا تُطرَح وتُشرَح وتُفسَّر في حدود العِصمةِ وفي حدود الإمامة على أهل الدُّنيا، ولكن حتَّى مع هذا الأفق فإنَّ سَيِّدة آية التَطهير هي فَاطمة، فَاطمةُ وأبوها هَذهِ هي سيِّدة آية التطهير، هذه هي سيِّدةُ آية التطهير: (فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، حتَّى في هذا الأفق في الأفق التفسيري المعروف آيةُ التطهيرِ نستدلُّ بها على العصمة، نستدلُّ بها على الإمامة، فكُلُّ ما في آية التطهير من استدلالٍ على العصمة والإمامة ينطبقُ على فاطمة قبل أنْ ينطبق على الحَسنِ والحُسين، آيةُ التطهيرِ تَنطبقُ عليهم جميعاً بلحاظِ النوريّة الواحدة والحقيقة الواحدة، بلحاظ: (أوَّلُنا مُحَمَّد أوْسَطُنا مُحَمَّد آخِرُنا مُحَمَّد كُلُّنا مُحَمَّد)، هذا الكلام ينطبق على فاطمة، بهذا اللحاظ آيةُ التطهيرِ تنطبقُ على الجميع، وبلحاظِ تجلّيات الأسماء بحسبِ حاجة الخلق، فالخلقُ يحتاجون إلى مُحَمَّدٍ بما هو مُحَمَّد، ويحتاجون إلى عليٍّ بما هو عليّ، ويحتاجون إلى فاطمة بما هي فاطمة، فآيةُ التطهيرِ تنطبقُ بكُلِّ حقائقها على فاطمة قبل أنْ تنطبق على الحَسَنِ والحُسين، فهي في الوسط، من هنا مُحَمَّدٌ وعليّ، فاطمة، بعد ذلك الحَسنُ والحُسين، فإمامتها ثابتة من دون الحاجة إلى نقاشاتٍ سخيفةٍ، القضيَّة واضحة جدَّاً، آيةُ التطهير أدلُّ أدلَّتِنا حتَّى في الأفق الكلامي على إمامة الأَئِمَّة وهي تنطبقُ على فاطمة قبل انطباقِها على الحَسن والحُسين وعلى أولاد الحُسين، حديثُ الكساء لوحدهِ وآيةُ التطهير حتَّى في أفقِها الظاهري بمستوى استدلالات علماء الكلام دالّةٌ على إمامتِها في جميعِ الأفاق، على الإمامة الكونية، على الإمامةِ الشرعية، على إمامة الحُكم والسياسة، على أيِّ لونٍ من ألوان الإمامة. لكن لا تنسوا هذه النقطة مهمَّة جدَّاً: إنَّ أوَّل من حَدَّث بحديث الكساء يعني بما جرى في بيت فاطمة هو الله، حديثُ الكساء هو الَّذي يُخبرنا عن ذلك، الله هو أوَّل من تحدَّث..!! شؤونُ فاطمة شؤونٌ سماوية..!! زواجها في السَّماء مَن الَّذي عقدها؟ من الَّذي زوَّجها؟ زواجها في السَّماء الله زوَّجها، سقفُ بيتها عرشُ ربِّ العَالَمين ومرَّت علينا الرِّواية، حجابُها حجابُ الله، هذا ما هو كلامي هذا كلام الأَئِمَّة، حجابها حجابُ الله، سقفُ بيتها عرشُ ربِّ العالمين، زواجها في السَّماء، والزواج الَّذي حدث في الأرض كان انعكاساً لذلك الزَّواجِ هناك. ما جرى في بيتها من تفصيل واقعة الكساء اليماني أوَّلُ من أخبر عن هذهِ الواقعة الله أخبر الملائكة، هو يُحدِّثُهم: – يَا مَلَائِكَتِي – يُخَاطِب الملائكة – وَيَا سُكَّان سَمَاوَاتِي إِنِّي مَا خَلَقتُ – إلى أنْ يقول – إِلَّا فِي مَحَبَّة هَؤُلَاءِ الخَمْسَة الَّذينَ هُمْ تَحتَ الكِسَاء، فَقَالَ الأَمِينُ جَبْرَائِيل: يَا رَب وَمَنْ تَحْتَ الكِسَاء – في الحقيقة نحنُ حين نقرأ حديث الكساء إنَّنا نقرأ حديثاً ترويه فاطمة عن الله، الله هو الَّذي يتحدَّث بهِ، وهل ذلك بغريب؟! وقد مرَّت علينا الرِّوايات يومَ أمس حين كان الحديثُ عن مُصحف فاطمة، ماذا قال الإمام؟ إمامنا الصادق ماذا قال؟ الله، الله، الله بنفسهِ هو الَّذي أملاها، أملى فاطمة. ربَّما البعض يتصوَّر [رحت زايد بالكلام، ربَّما البعض يتصوَّر أنَّني رحت زايد]، خرجت عن الحدِّ المقبول في نظركم، في الحقيقة أنا [ما رحت زايد أنا رحت ناقص]، قد تقولون كيف؟ [خلّوني أسولف لكم هذي السَّالفة]: [قبل أنْ أسولفلكم هذه السالفة] نذهب إلى فاصل وبعد الفاصل أعودُ إليكم. [هذا يﮕولون: أكو إيراني يعلِّم له عراقي] قراءة سورة الفاتحة، ويبدو أنَّ القضيَّة حقيقية، مُلّا إيراني، يبدو لي هكذا من أهالي شمال إيران، في شمال إيران هُناك بعض القبائل، بعض المناطق يصعُب عليهم حين يتعلَّمون العربية أنْ يتلفَّظوا بعض الحروف العربية بشكل صحيح وبشكل دقيق، ويبدو أنَّ هذهِ القضية [ما راح نخلص من عندها]، الرِّوايات تقول هكذا عن المعصومين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين – (كَأَنِّي بِأَبْنَاءِ العَجَم عَلَى أَبْوابِ مَسْجِدِكُم هَذَا – يشير إلى مسجد الكوفة – يَضْرِبُونَ فَسَاطِيطَهُم يُعَلِّمُونَكُم القُرآن كَمَا نَزَل)، يعلّمونكم القُرآن، يُعلِّمون أَولَادَكُم القُرآن كما نَزَلَ، على أيّ حال أعود إلى [سالفتي]، فهذا الإيراني يعلِّم العراقي قراءة سورة الفاتحة كي يقرأها بشكل صحيح في الصَّلاة، هذا الملّا الإيراني كان يعرف قواعد القراءة ولكنَّهُ لا يستطيع أنْ يتلفَّظ الحروف كما هي، فكان يُعلِّم هذا العراقي العربي: (قيرِ المقزوبِ)، فهذا العراقي العربي أيضاً يلفظها مثل الإيراني: (قيرِ المقزوبِ)، الإيراني يقول لهُ: لا، اقرأها بشكل صحيح، هو يريد منه أن يقرأها أن يتلفَّظها وإنْ يُخرج الحروف من مخارجها باعتبار هو عربي، المشكلة عند الإيراني هو لا يستطيع أن يُخرج الحروف بشكل صحيح ولكن هذا العراقي أيضاً لا يفهم ماذا يريد منه الإيراني؟ يصرّ على القراءة: (قيرِ المقزوبِ)، فالإيراني قال لهُ: [لا، لا، گول مسلِ اللي بﮕلبي…!! إي ﮔاله أنا شمدريني شكو بﮕلبك انتَ]! فأقول: إنَّني لا أستطيع أنْ أتحدَّث عن هذهِ المطالب ولذلك قُلت أنا رحت بالناقص لأنَّ اللغة قاصرة، ولا تُوجد أمثلة أستطيع أنْ أسوقها لكُم مع أنَّكُم خبرتموني أمتلك القُدرة على أنْ أسوق الأمثلة حتَّى للمطالب المعقَّدة وأُسهِّل المطالب الصعبة على الفهم من خلال الأمثلة ومن خلال الشَّرح، ولكِن الحديث هُنا في أجواء فاطمة العبارات قاصرة، وما ذكرتهُ وما بيَّنتهُ هو بحدود مُرونةِ اللغة، لكن البقيَّة الكبيرة فهي: (مسلِ اللي ابﮕلبي)، لا أستطيع أن أبيِّنَها لكم، كما قال هذا الإيراني فأنا أشرحُ لكُم وبعد ذلك أقول لكم: (لا لا مسلِ اللي بﮕلبي]!! لا أُريد أن أُطيل كثيراً عند حديث الكساء، أتمنَّى أنْ تكون هناك فرصة ويكون برنامج أُخصِّصهُ لشرحِ حديث الكساء بشكلٍ تفصيلي، ولكن في الحقيقةِ الوقت، الوقت هو الَّذي يُسلِّط سيفَهُ علينا فلا نجد وقتاً. خُلاصة الكلام: حديثُ الكساءِ بكُلِّ مضامينهِ المُجمَلة الَّتي مرَّت الإشارة إليها وكذاك آيةُ التطهير الَّتي هي من جملة شؤونات حديث الكساء كُلُّ شيءٍ في هذهِ الوثيقة النُّوريّة يصدعُ ويصدحُ صَريحاً: (فَاطِمةُ هي القَيِّمة) والقرآن قبل ذلك صدح بها: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، هذا ما يرتبطُ بحديث الكساء الشريف. وأمَّا الوثيقة الثَّانية الَّتي طمسوا تفسيرَها أيضاً: طمسها إبليس، أعوان إبليس، طمسوا تفسيرَها، سورةُ القدر، سورةُ القدر بكُلِّ رموزها الَّتي تتحدَّثُ عن عميق أسرارٍ لا نستطيعُ أنْ نُحيط بها، هذهِ الكَلمات الَّتي تَتحدَّث عَن تنزُّل الملائكة، الملائكة جميعاً، ما سِعةُ الأرض؟ ما قيمتها؟ الرِّوايات تُحدِّثنا عن أنَّ الملائكة أعدادهم من الكَثرة ومن الزُّحام تَكادُ السَّماوات أنْ تأُطَّ بهم أطيطاً، يعني أنْ تُصدِرَ صوتاً، تكادُ السَّماوات أنْ تأُطَّ أطيطاً من كثرة الملائكة وزُحامهم وازدحامهم، سورةُ القدر تقول: (الملائكة)، هذا جمع تَكسير مُعرَّف بالألف واللام، وذكرت الروح، والإمام يقول: لو كان الروح من الملائكة لَمَا ذُكِر على حِدَة، يعني الملائِكة بقضّهم وقضيضهم، كيف تحسب القضيَّة بالزَّمان؟! بالمكان؟! بالأحداث؟! قضيَّة كبيرة جدَّاً، قضيَّة من السعة، والسورة تتحدَّث عن كُلِّ أمر، بِكُلِّ أمر، ليس النزول نزول تبرُّكي، هذا النزول تقنيني، هذا نزول نزول وظائفي، هذا نزول تتحقَّقُ فيه معاني العبودية، العبودية أيضاً: عُبوديةٌ صاعدة وعبوديةٌ نازلة، مثل الوحي وحيٌ صاعد ووحيٌ نازل..!! هذا الحديث عن الوحي بهذا المستوى السَّطحي جبرائيل ينزل بآياتٍ والنَّبي لا علمَ لهُ بهذه الآيات، هذا الكلام مثل ما القُرآن يتحدَّث عن أُمِيَّة النَّبي وكَان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلّم لا يُمارس القراءة والكتابة أمام النَّاس، نحنُ أمام وجود لفظي، ألفاظ القُرآن في المصحف لها بطون إلى السَّبعين، فما بالكم إذا كان الحديث عن حقيقة القُرآن (مُحَمَّد)!! عن حقيقة القُرآن (عليٌّ)!! عن حقيقة القُرآن (فَاطِمَة)!! الكلام طويل وعميق وبعيد والعُقُول قاصرة واللغة محدودة، ولكن نحنُ لا نملك إلَّا أنْ نُوجِّه وجوهنا إلى إمام زماننا: (أَيْنَ وَجْهُ اللهِ الَّذي إِلَيهِ يَتَوَجَّهُ الأَوْلِيَاء)، نطلبُ نظرةَ لطفٍ أنْ يفتح أفاقنا وأنْ يُوفِّقنا أنْ نتلمَّس شيئاً من عَبَق هذهِ الحقائق، قطعاً بقدر أوعيتنا كما قال سيِّد الأوصياء: (القُلُوب أَوْعِيَة وخَيرُهَا أَوْعَاهَا). فسورة القدرِ بِكُلِّ عُمقها وقد أشرتُ في الحلقة الماضية إلى ما جاء في الآية الرَّابعة والخمسين من سورة النساء: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ وهُم آلُ إبراهيم، هُم آل مُحَمَّد الَّذين شرحوا لنا معنى المُلك العظيم، الإمامة، الوَلاية، الطاعة المفروضة، حقيقةُ ليلة القدر هي من جُملةِ شؤونات هذا الملك العظيم. أنا أتحدَّث عن المُلك العظيم عن الإمامة على الوجود، إمامة الوجود، هذا هو المُلكُ العظيم، وليس المراد من المُلك العظيم أنْ يكون خليفةً في المدينة المنوّرة مثلاً، المُلكُ العظيم هو الإمامةُ على الوجود، ومثلما يتوجَّهُ الأولياء إلى وجه الله، تتوجَّهُ الكائنات إلى وجه الله، هم وجهُ الله، هذا التوجُّه الَّذي نتوجَّه بهِ إلى إمام زَماننا وهو توجُّهٌ مَحسوس، توجُّهٌ فيهِ الجانب المادي وفيه الجانب المعنوي، هذا التوجُّه هو صورة مُختصرة مُوجزة عن توجُّه حقائق الكائنات إليهم، إلى وجهِ الله، هم وجهُ الله، لا أُريد أنْ أطيل الحديث كثيراً في هذهِ الجهة ولكن هذه المضامين، المضامين الَّتي تَجري في ليلة القدر تجري في الوعاء الفاطمي!! وهذا المُلك العظيم مُلكٌ لفاطمة قبل أنْ يكون مُلْكَاً للحَسنِ والحُسين ولأولادِ الحُسين، فعلى أيِّ أساسٍ تُخرَج فاطمة من منظومة العقيدة الشِّيعيَّة وتُوضَع على الحاشية..؟! ويأتوننا بأصولٍ من الأشاعرة والمعتزلة وتتحوَّل المنظومةُ الحقَّةُ إلى منظومةٍ يُلَصِّقون بها الإمامة تَلصيقاً، وبعد ذلك يُخرجون الإمامة بعنوان أنَّها من أصول المذهب وليست من أصول الدِّين..!! أرى أنَّ الوقت بات قريباً من وقت الأذانِ والصَّلاة بحسب التوقيت المحلي لمدينة النَّجف الأشرف لذا أقطعُ حديثي ونذهبُ إلى فاصل وبعد الفاصل أعودُ إليكم. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستودَعِ فِيهَا … آخذكم في جولةٍ بين آياتِ الكتابِ الكريم وأحاديثِ العِترَة الطَّاهرة، نتقلَّبُ في أجواءِ هذا المضمون وهذا العُنوان: فاطمةُ القَيِّمة صَلواتُ اللهِ عَليهَا..!! نذهبُ إلى سُورة الأنبياء: إلى سورة الأنبياء وإلى الآيةِ التاسعةِ بعدَ العَاشرة، والآية الَّتي تَليها، هذهِ سورة الأنبياء وهذهِ الآيةُ التاسعةُ بَعدَ العاشرة: ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، السَّماوات والأرض في الكتاب الكريم عنوانٌ لكُلِّ الوجود، لا يعني أنَّ كُلَّ الوجود مُنحصرٌ في السَّماوات والأرض، فالأرضُ هي جزءٌ من السَّماوات، جرمٌ سابحٌ في فضاء السَّماء الدُّنيا، ولكن في الكتاب الكريم أُخِذ هذا المصطلح يُشير إلى صفحة الوجود، وإنْ كان هناك ما هو أوسع من السَّماوات والأرض، الكرسي، العرش، ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ثُمَّ ماذا تقول الآية: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾، إذاً هناك صنفان، مجموعتان، عنوانان، سمِّ ما شئت: المجموعة الأولى: ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ كلُّ ما في الوجود لهُ، (مَن)، الآية ما قالت ولهُ ما في السَّموات والأرض، (مَن) الَّتي تستعملُ للعاقل، يعني الملائكة، الجان، البشر، وسائر المخلوقات الأخرى، ممّن ينطبقُ عليهم هذا الوصف (مَن) للعاقل ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، هذهِ مجموعة. ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾؛ وهذه مجموعة ثانية: ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الجملة انتهت تبدأ جملة جديدة: ﴿وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ۞ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾، هذهِ الأوصاف للمجموعة الَّتي عنده: ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ انتهينا، الآية هنا تتحدَّث عن ملكيَّته سبحانه وتعالى لكُلِّ مَن في السَّماوات والأرض، أمَّا الَّذين عنده: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾ هذه أوصافهم: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ يعني لا يصيبهم الملل ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ مَن هم هؤلاء؟ الرِّواية عن الإمام الصَّادق يرويها لنا المفضَّل ابن عمر صريحة واضحة، هؤلاء هُم، لأنَّ الجملة الأولى في الآية: ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الملائكة، الجان، البشر، وسائرُ المخلوقات العاقلة، ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾؛ هذه المجموعة الَّتي جَاء وصفها بالتفصيل الّذَي مرَّ ذكرهُ في الآية التاسعة بعد العاشرة وفي الآية العشرين: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾، ما جاء في دعاءِ ليلة السَّابعِ والعشرين من شهر رجب: (وبِاسْمِكَ الأَعْظَّمِ الأَعْظَّمِ الأَعْظَّم الأَجَلِّ الأَكْرَم الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلَّك)؛ ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾؛ (فَلَا يَخْرُجُ مِّنْكَ إَلَى غَيْرِك). أوردتُ هذهِ الآية إذْ قد يقول قائل الآية قد لاتتحدّث عن مضمون القَيِّمة، قَيِّمةِ الدِّين، صحيحٌ الآية لوحدها لا تتحدَّث عن هذا المضمون ولكنَّني أريد أنْ أجمع هذهِ الآية مع آياتٍ أُخرى مع حديثهم الشِّريف، مثل ما فهمنا الآية من خلال رواية المفضَّل عن إمامنا الصَّادق وهو يحدِّثنا عن أنَّ الشّطر الأوّل من الآية يشمل الملائكة والجان والبشر والآية واضحة: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾؛ هم مُحَمَّدٌ وآل مُحَمَّد. هذهِ الآية نأخذها ونضيف إليها آية النور، في سورة النور: الآية الخامسة والثلاثون: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، لستُ بصددِ تفسير الآيةِ ولا بصددِ ذكرِ تفاصيل الرِّوايات، الآيةُ في مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد وعندنا حشدٌ كبير من أحاديثهم يُفسِّرُ الآيةَ في مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد، فهُم المَثَلُ الأعلى، المَثَلُ الأعلى الَّذي جاء ذكره في القُرآن الكريم وجاء ذكرهُ في الزِّيارة الجامعة الكبيرة هم مُحَمَّدٌ وآل محمَّد: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ هذا هو المَثَلُ الأعلى، واضحٌ من هذا المَثَل أنَّ هذهِ الشَّجرة هي الشَّجرةُ المتكاملة الَّتي يكادُ زَيتُها يُضيء، هذهِ شجرةُ الفيض، شَجرةُ الحقيقة، شَجرةُ الوجود، شَجرةُ النُّور، فالآية آية النور والسورة سورة النور وهذهِ الشَّجرةُ شَجرةُ النُّور، مَثَلٌ لحقيقةِ نور الأنوار الَّذي مرَّ ذكرهُ في الحلقة الماضية، حيث قرأتُ عليكم الرِّواية من الكافي الشَّريف ولا مجالَ لإعادةِ قراءة وذكرِ الرِّوايات المتقدِّمة. أقرأُ عليكم هذهِ الرِّواية: هذا هو المجلَّد السَّادس والعشرون من بحار الأنوار، صفحة 281، هذهِ الطبعة طبعة دار إحياء التُراث العربي، الحديث السَّابع والعشرون: – قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآلِه – ينقلهُ عن بصائر الدرجات، وبصائرُ الدرجات هذا هو المصدر الأصل: – قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآلِه: مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة – في عالم الأظلِّة في طبقةٍ من طبقات الوجود قبل هذا الوجود الحسّي، إذا تتذكَّرون مِراراً أقرأ عليكم ما جاء في زيارة سيِّد الشُّهداء: (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الخُلْد وَاَقْشَعَرَّت لَهُ أَظِلَّةُ العَرْش مَعَ أَظِلَّة الخَلَائِق)، فعالمُ الأظلَّةِ إليه الإشارةُ في زياراتهم الشَّريفة، النَّبيُّ هنا يتحدَّثُ عنه: – قَالَ رَسُولُ الله: مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة حَتَّى عُرِضَت عَلَيه وِلَايَتِي وَوِلَايَةُ أَهْلِ بَيْتِي – ألا تلاحظون الزِّيارة ماذا قالت؟ (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الخُلْد وَاَقْشَعَرَّت لَهُ أَظِلَّةُ العَرْش)، أظلَّة العرش هذه أظلَّتُهم مع أظلَّة الخلائق، أظلَّةُ الخلائق اقشعرَّت لدم الحُسين لماذا؟ لأنَّها تعرفُ هذا الدم – مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة حَتَّى عُرِضَت عَلَيه وِلَايَتِي وَوِلَايَةُ أَهْلِ بَيْتِي وَمُثِّلُوا لَه – مُثِّلوا له، مُثِّلُوا للأنبياء فَرأى مُحَمَّداً وعليَّاً وفَاطِمةَ والحَسَنَ والحُسين إلى إمامِ زمانِنا: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ (قَال ﴿فَأَتَمَّهُن﴾؛ أَتَمَّهُنّ إِلَى القَائِم) – مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة حَتَّى عُرِضَت عَلَيه وِلَايَتِي وَوِلَايَةُ أَهْلِ بَيْتِي وَمُثِّلُوا لَه فَأَقَرُّوا بِطَاعَتِهَم وَوَلَايَتِهِم. وفاطمةُ سيِّدةُ أهل بيتِه، فاطمة إمامٌ للأنبياء، وإمامٌ للأوصياء، الرِّواية صريحةٌ في ذلك: – فَأَقَرُّوا بِطَاعَتِهَم وَوَلَايَتِهِم – الإقرار بالطاعة والولاية ماذا يعني؟ أنَّ فاطمة إمامٌ لهم لهؤلاء الأنبياء، إذا كانت فاطمة إماماً للأنبياء كيف لا تكون إماماً لي؟! هُناك خللٌ في العقول أم ماذا؟! هذا هو كَلام رسول الله صلَّى الله عليه وآله، [سويﭽات..؟!] هكذا يقول العراقيون في وصف أصحاب العقول الممتازة. سيِّدُ الأنبياء يقول:- مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة حَتَّى عُرِضَت عَلَيه وِلَايَتِي أو (وَلَايَتِي)، وَوِلَايَةُ أَهْلِ بَيْتِي أو (وَولَايَةُ أهلُ بَيْتِي)، وَمُثِّلُوا لَه فَأَقَرُّوا بِطَاعَتِهَم وَوَلَايَتِهِم – وسيِّدتُهم، سيِّدةُ أهل بيتهِ فاطمة، فالأنبياء ما تكاملت نُبُوَّتهم حتَّى أقرَّوا بالطاعةِ والولاية لفاطمة. فكيف لا تكون إماماً فاطمة؟! الرِّوايات صريحة: (عَلَى مَحَبَّتِهَا – على محبَّة فاطمة – دَارَت القُرُون الأُوْلَى)، القرون الأولى ليس الحديث عن قرون زمانيّة في الأرض، القرون الأولى هي طبقات العوالم المختلفة، ومرَّت علينا قبل قليل الآية في سورة الأنبياء الآية التاسعة بعد العاشرة: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾، (خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيْرِك)، ما دون ذلك من العوالم هي الَّتي يُسمِّيها الإمام بالقرون الأولى، على حُبِّها دارت القرون الأولى، إذا كان الأنبياء لا تتكامل نبوّتهم حتَّى تتمثَّل لهم فاطمة ويُقرُّوا لها بالطاعة والولاية، إنَّها شجرة النُّور، هذه الشَّجرةُ الَّتي على محبَّتها دارت القرون الأولى، هذهِ الشَّجرةُ الَّتي لم تتكامل نُبُوّات الأنبياء حتَّى أقرُّوا لها بالطاعة والولاية هذهِ هي فاطمة، فاطمةُ هي هذهِ الشَّجرةُ المباركة، وهي هذهِ الزيتونة الَّتي هي لا شرقية ولا غربية، لماذا هي لا شرقية ولا غربية؟ لأنَّها هي المحور، هي المحور، فهي لا تُميل إلى الشَّرق ولا تميلُ إلى الغرب، هي المحور، فاطمة، أبوها، بعلها، بنوها، هي المحور هي المركز..!! إذا ذهبنا إلى سورة الكهف: وإلى الآية الحادية والخَمسين من سورة الكهف، في الآية الخمسين من سورة الكهف: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ۞ مَا أَشْهَدتُّهُمْ﴾ مَن هم؟ الظالمون ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾ فالظَّالمون ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾. إذا ما ذهبنا إلى سورة البقرة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ الآية الرَّابعة والعشرون بعد المئة من سورة البقرة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ۞ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾ الظَّالمون لا يكونون أَئِمَّة، ولا يُشهِدُهم الله خلق السَّماواتِ والأرض ولا يتَّخذُ الله المضلّين عَضُداً، ماذا تقول الرِّوايات؟ هذا الكافي الشريف: والرِّواية مرَّت علينا، لن أقرأها بكاملها فقط آخذ منها موطن الحاجة، الرِّواية الَّتي رواها مُحَمَّد ابنُ سنان عن إمامنا الجواد صلواتُ اللهِ عليه: – إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يَزَل مُتَفَرِّدَاً بِوَحْدَانِيَّتِه ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيَّاً وَفَاطِمَة فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْر ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاء فَأَشْهَدَهُم خَلْقَهَا – أشهدهم خلقها لماذا؟ لأنَّهم هم الأَئِمَّة، آية إبراهيم الرابعة والعشرون بعد المئة من سورة البقرة: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾؛ عهد الإمامة، ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾، هنا في سورة الكهف الآية الخمسون: ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، لكنَّ مُحَمَّداً وعليَّا وفاطمة لَمَّا مكثوا ألف دهر ثُمَّ خَلَق جميع الأشياء – فَأَشْهَدَهُم خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُم عَلَيهَا وَفَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيهِم – الحديث في سورة إبراهيم عن إمامة دنيوية، إمامة شرعية، لكن هؤلاء إمامتهم كونيّة، إمامة على الوجود، لذلك – أَشْهَدَهُم خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُم عَلَيهَا وَفَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيهِم، فَهُم يُحِلُّونَ مَا يَشَاءُون وَيُحَرِّمُون مَا يَشَاءُون – التحليل والتحريم هنا ليس في النِّطاق الشَّرعي القانوني، وإنَّما في نطاق الإيجاد والإعدام، وفي نطاق الفيض، وفي نطاق التكوين بكُلِّ تفاصيله، ويأتي التشريع من جملة شؤونات التكوين، في حاشية التكوين، الرِّواية قرأتُها من الكافي الشَّريف الجزء الأوَّل من باب مولد النَّبي صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم. في دعاء شهر رجب ماذا نقرأ؟ الدعاء المروي عن إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، الدعاء الَّذي يستحبّ قراءته في كُلِّ يومٍ من أيَّام شهر رجب:- لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك – ومرَّ علينا الكلام، هذا المستوى من التعبير هو أعلى مستويات التعبير في الحديث عن آلِ مُحَمَّد – لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك فَتْقُهَا وَرَتْقُهَا بِيَدِك بَدْؤُهَا مِّنْكَ وَعَودُهَا إِلَيك أَعْضَادٌ وَأَشْهَاد – ماذا تقول الآية هنا؟ ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ﴾ مَن هم؟ الظالمون؛ ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾، أمَّا آلُ مُحَمَّد فهم أعضادٌ لله، فاطمة عَضدٌ لله، الدعاء هكذا يقول لستُ أنا الَّذي أقول – أَعْضَادٌ وَأَشْهَاد وَمُنَاةٌ وَأَذْوَاد وَحَفَظَةٌ وَرُوَّاد فَبِهِم مَلَأْتَ سَمَاءَكَ وَأَرْضَك حَتَّى ظَهَرَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت – إلى آخر ما جاء في دعاءِ شهر رجب المروي عن إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه. ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مَن هم؟ الظالمون؛ ﴿وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾، أمَّا الهادون فهو يتَّخذهم أعضاداً..!! في دلائل الإمامة للمُحدِّث الطَّبري الإمامي رحمةُ اللهِ عليه: هذهِ الطَّبعة طبعة مؤسَّسة البعثة، قم المقدَّسة، الطبعة الأولى، 1413 هجري قمري، صفحة 106، إمامنا الباقر صَلوات اللهِ وسلامهُ عليه الرِّواية طويلة تبدأ من صفحة 104، ينقلها لنا أبو بصير، ماذا يقول إمامنا الباقر؟ يقول: – وَلَقَد كَانَت – يعني فاطمة – وَلَقَد كَانَت طَاعَتُها – كانت طاعتُها – مَفْرُوضةً عَلَى جَمِيعِ مَن خَلَق الله مِنَ الجِنِّ وَالإِنْس وَالطَّيرِ وَالبَهَائِم وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَة – يبدو فقط الشِّيعة خارجون من هذه القضيَّة..!! حتَّى البهائم داخلة في طاعتِها وفي إمامتِها، يبدو فقط المؤسَّسة الدِّينيَّة خارجة فهي الَّتي ترفضُ إمامةَ فاطمة – وَلَقَد كَانَت طَاعَتُها مَفْرُوضةً – هذا كلام الباقر – وَلَقَد كَانَت طَاعَتُها مَفْرُوضةً عَلَى جَمِيعِ مَن خَلَق الله مِنَ الجِنِّ وَالإِنْس وَالطَّيرِ وَالبَهَائِم وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَة. هو نفسُ المضمون الَّذي مرَّ ذكرهُ في أحاديث أهل البيت في تفسير الآية الرَّابعةِ والخمسين من سورة النِّساء: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، المُلك العظيم ماذا قال الأَئِمَّة؟ الطاعةُ المفروضة؛ وَلَقَد كَانَت طَاعَتُهَا مَفْرُوضَةً..!! ألا تلاحظون أنَّ آيات الكتاب الكريم مع الزيارات مع الرِّوايات مع الأدعية تُشكِّل بُنياناً واحداً مُتكاملاً، وهذهِ هي الحقيقة الَّتي تُلغي كُلَّ هذا الهُراء الَّذي يُصطَلح عليه بعلم الرجال، بعلم الدراية، بعلم الكلام، هناك بناء مُتكامل ما بين القُرآنِ وحديثهم وزياراتهم وأدعيتهم، وما بين كُلِّ ذلك مع المنطق السَّليم مع الذوق والوجدان الشِّيعي الأصيل، معَ منطق الفطرة، كلُّ ذلك يُنتج هذهِ النتائج الواضحة الصَّريحة الجليّة البينة الَّتي نحنُ في أجوائِها. إذا ما جمعنا هذهِ المعاني، المعاني الَّتي تحدَّثت عنها الآية التاسعة بعد العاشرة من سورة الأنبياء: ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾، الحديثُ عن الحقيقة الَّتي خلقها فاستقرَّت: (خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيْرِك)، إذا جمعنا هذا المضمون مع آية النُّور الآية الخامسة والثلاثون في سورة النور، مع الأحاديث الَّتي أشرتُ إليها في بيان مضامين هذهِ الآيات، مع آية الإشهاد هذهِ، والنصوص الحديثيّة الأخرى الَّتي قرأتُها، كُلُّ ذلك يُوصلنا إلى حقيقةٍ واضحة وصريحة وجليَّة: لفاطمة وَلاية نافذة على جميع الأشياء..!! فإذا أردنا أنْ نُضيف إلى هذهِ المجموعة من الآيات ومن الرِّوايات، إذا أردنا أنْ نُضيف ما جاء في الأحاديث الشَّريفة من أنَّ فَاطِمة ليس لها من كفؤٍ إلَّا عليّ. قبل أنْ أتناول هذا المطلب نذهب إلى فاصل وأعود إليكم بعد الفاصل. في عيونِ أخبار الرِّضا الكتابُ المعروف لشيخنا الصَّدوق الَّذي جَمعَ فيهِ أحاديث إمامنا الثَّامن صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، إمامنا الثَّامن الرِّضا يُحدِّثُ عن آبائهِ الأطهار عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله، في حديثٍ آخذ منهُ موطن الحاجة: – فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبرَائِيل – النَّبيُّ يقول والرِّواية عن إمامنا الرِّضا عن آبائه عن أمير المؤمنين – فَهَبَطَ عَلَيَّ جَبرَائِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّ الله جَلَّ جَلَالُه يَقُول: لَو لَم أَخْلُق عَلِيَّاً لَمَا كَانَ لِفَاطِمَة اِبْنَتِك كُفُوٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْض آدَم فَمَن دُونَه – والحديث عن آدم وعن الأرض باعتبار أنَّ الزَّواج هو في هذا العالم، وإلَّا فليس لفاطمة من كفءٍ، الكفء يعني المساوي، ليس لها من كفء في كُلِّ طبقات الوجود، وكذاك هم آل مُحَمَّد، (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُك وَخَلْقُك)، ولكن في هذهِ الجهة وباعتبار أنَّ الحديث عن شأنٍ من شؤونات الإمامة الأرضية ونحنُ نتحدَّث عن فاطمة القَيِّمة: – لَو لَم أَخْلُق عَلِيَّاً لَمَا كَانَ لِفَاطِمَة اِبْنَتِك كُفُوٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْض آدَم فَمَن دُونَه – لماذا؟ لأنَّ آدم فمن دونه من رعاياها ومرَّت الرِّوايات قبل قليل، أنَّهُ ما تكامَلت النُبُوَّة في نبيٍّ من الأنبياء حتَّى مُثِّلَت لهُ فاطمة، حتَّى مُثِّل لهُ آلُ مُحَمَّد وأعلنَ طاعتهُ لهُم وقَبِلَ ولايتَهم، حتَّى أقرَّ بطاعتهم وولايتهم، ومرَّ علينا قبلَ قليل الرِّواية الَّتي نقلها لنا أبو بصير عن إمامنا الباقر في دلائل الإمامة للمُحدِّث الطَبري الإمامي، أنَّ طاعتها كَانت مَفروضةً على الجميع، على جميع من خلق الله ومن جملتهم الأنبياء: – لَو لَم أَخْلُق عَلِيَّاً لَمَا كَانَ لِفَاطِمَة اِبْنَتِك كُفُوٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْض آدَم فَمَن دُونَه – لأنَّ الجميع من رعايها فلا يمكن أنْ يُكافِئُوها..!! فإذا كان الجميعُ من رعاياها فلماذا لسنا نحنُ من رعاياها؟! نحنُ من رعاياها أيضاً. أيضاً عن إمامنا الرِّضا عن آبائه عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله:- أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّ الله يَقْرَأُ عَلَيكَ السَّلَام وَيَقُولُ لَك: قَدْ زَوَّجْتُ فَاطِمَة مِنْ عَليٍّ – أين؟ في السَّماء – فَزَوِّجْهَا مِّنْه – هذا الزَّواج الَّذي عُبِّر عنهُ في الأحاديث ب: زواج النور من النور، ففاطمة كفؤٌ لعليٍّ وعليٌّ كفؤٌ لفاطمة، الكفاءة هنا ليست كفاءةً أرضية، لو كانت الكفاءة أرضيةً لماذا بدأ التزويج في السَّماء؟ الكفاءةُ هذهِ في المرتبة الإلهية لوجودهم، والمرتبةُ الإلهية تعني الإمامة، وتعني الإمامة بكُلِّ شُؤونها وبكُلِّ تفاصيلها، فعليٌّ إمام وفاطمة كفؤهُ إمام، وفاطمةُ إمام وعليٌّ كُفؤها إمام، أمَّا أنَّ عليَّاً كَان إماماً لفاطمة فهذه عمليةٌ تنظيميّة! مثلما كان الإمامُ الحَسن إماماً للحُسين وهكذا، هذه عمليةٌ تنظيمية بلحاظِ حاجة الخلق لا بلحاظِ ذواتَهم، بلحاظ ذواتهم هم نورٌ واحد، أوَّلُهم مُحَمَّد أوسطهم مُحَمَّد آخرهم مُحَمَّد كُلُّهم مُحَمَّد، ولكن بلحاظ حاجة الخلق وتنظيم شؤون العباد تكون هذه التراتبيّة ويكون هذا التنسيق وهذه التشكيلات في أنظمةِ الإمامة. هذهِ العِبارة: زَواجُ النُّورِ مِنْ النُّور؛ يعني التطابُق، يعني التكافؤ، زواج النُّور من النُّور، في طبقة النوريّة، وحين التجلِّي إلى الواقع الترابي وإلى الواقع الأرضي فالآثار الظَّاهرة من تِلكُم النُّورية ستكون مُتطابقة أيضاً فالإمامة هناك والإمامة هنا. هذا التعبير واضح إذا ما ذهبنا إلى سورة الرَّحمن: إذا ذهبنا إلى سورة الرحمن، في الآية التاسعة بعد العاشرة والآيات الَّتي تليها: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۞ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ ۞ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، (لَا بِشَيءٍ مِن آلَاءِ رَبِّ أُكَذِّب)، يستحبّ أنْ يُقال هكذا حينما تُقرأُ هذهِ الآيات: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ۞ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، (لَا بِشَيءٍ مِن آلَاءِ رَبِّ أُكَذِّب)، مرج البحرين مَن هما؟ البحران هنا فاطمةُ وعليّ، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾، فلا عليٌّ يبغي على فاطمة ولا فاطمة تبغي على عليّ، بحران معاً مُتكافئان، يعني فلا يزيد هذا على هذا ولا يزيدُ هذا على هذا، ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾، عبارة جميلة جدَّاً: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾. ماذا يقولُ آلُ مُحَمَّد في هذهِ الآيات الكريمة؟ هذا هو المجلَّد السَّابع من تفسير البرهان، مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات، صفحة 387، والرِّواية عن تفسير القُمِّي عليّ ابن إبراهيم:- عَنْ يَحْيَى ابن سَعِيد القَطَّان، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا عَبدِ الله – إمامنا الصَّادق، ولولا أحاديثُ الصَّادق أين نُعطي وجوهَنا؟! – سَمِعتُ أَبَا عَبدِ الله يَقُول فِي قُولِ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۞ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾، قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمةُ بَحْرَانِ عَمِيقَان – بحران عميقان في أسرارهما – بَحْرَانِ عَمِيقَان – التعابير مترابطة حينما نقرأ في دعاء الجوشن الكبير: ماذا نقرأ؟! (يَا مَنْ فِي البَحْرِ عَجَائِبُه)، البحر البحرُ المحدودُ على الأرضِ فيه عجائب وعجائب بالقياسِ إلى ما على سطح التراب، ولكنَّ البحار، البحار الحقيقية هي عليٌّ وفاطمة – بَحْرَانِ عَمِيقَان – يا مَن في هذهِ البحار عجائبه. نادِ عليَّاً مُظهِرَ العَجَائِبِ تجدهُ عَونَاً لَكَ في النوائب (يَا مَنْ فِي البَحْرِ عَجَائِبُه)..!! عَلِيٌّ وَفَاطِمةُ بَحْرَانِ عَمِيقَان لاَ يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِه – ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، الحَسَنُ وَالحُسَين – تلاحظون التعابير عن عليٍّ وفاطمة بحران، بحرٌ وبحر، عن الحَسَنِ والحُسين لؤلؤٌ ومرجان تعابير مختلفة. ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ كما يقول صادقُ العِترَة في رواية ثانية ينقلها ابن بابويه: – عَلِيٌّ وَفَاطِمَة بَحْرَانِ مِن العِلْمِ عَمِيقَان – الحديث عن العلم هنا ليس عن العلم الصُّوَر، العلم هو انطباعُ صورة المعلوم في الذهن هذا هو العلمُ الأرضي، أمَّا الحديثُ هُنا عن العلم، العلم يعني الوجود، الوجود بما هُوَ هُوَ، هو هذا العلم، أنا هنا لا أريد أنْ أدخل في الحديث عن معاني علمٍ يُسمَّى بالعلم الحصولي وعن علم يُسمَّى بالعلم الحضوري، لا أريد الخوضَ في هذه التفاصيل. ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۞ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾، في تفسير محمَّد ابن العباس كما ينقل السيِّد هاشم البحراني، الرِّواية عن الإمام الصَّادق يُحدِّثنا بها جابر الجعفي: – ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾، قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَة، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾، قَال: لَا يَبْغِي عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَة وَلَا فَاطِمَة تَبْغِي عَلَى عَلَيٍّ – صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها عليهما وعلى آلهما الأطيبين الأطهرين. بحران عميقان عليٌّ كفؤٌ لفاطمة وفاطمة كفؤٌ لعليٍّ إذا جمعنا هذه المضامين مع الآيات المتقدِّمة مع الرِّوايات مع ما بيَّنتُهُ من نُتَفٍ من أسرارِ حديث الكساء الشَّريف وما ذكرتُهُ من مُجمَلِ مضمونِ سورة القدر، كلُّ هذه الحقائق ألَا تُوصِلُنا إلى معنى الحضور الفاطميّ والنَّاظريّة الفاطميّة، فاطمة القَيِّمة يعني الحاضرة والناظرة. نذهبُ إلى فاصل وأعود إليكم بعد الفاصل. في سورة التوبة: الآيةُ التاسعة بعد العاشرة بعد المئة، آية 119 من سورة التوبة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، هذه الكونيّة كونيّة ثاتبة وعلى طول الخط: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ هنا يتحقَّقُ معنى الإيمان وبعد ذلك معنى التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ﴾ والتقوى هي ولايتُهم، لأنَّ الَّذي يُتَّقَى بهِ غَضبُ الله، والَّذي يُتَّقى بهِ جَهنّم هو ولايتُهُم، ما هو الشَّيء الَّذي يَنالُ بهِ الإنسان الجِنان بحسب عقيدتِنا؟! ولايتُهم، ما هو الشيءُ الَّذي يُتَّقى بهِ النيران؟ ولايتُهم، ما هو الشَّيءُ الَّذي يُقرِّبُ إلى الله؟ ولايتُهم، سائرُ التفاصيل وسائرُ الشؤون الدِّينيَّة والدنيوية، سائرُ التفاصيل إذا لم تكن مرتبطةً بولايتهم ومُتفرِّعةً عن ولايتِهم وراجعةً إلى ولايتِهم لا معنى لها ولا قَيِّمةَ لها، وستبقى في حدودِ التُّراب في أحسنِ أحوالها، إنْ لم تنقلب وبالاً على الإنسان في دنياه وفي أُخراه. فالتقوى في كتاب الله المراد منها ولايتهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ﴾، قد يقولُ قائل والأعمال الصَّالحة، الأعمالُ الصَّالحة تُوفِّقُ الإنسان إذا كَان قد دخل من البوّابةِ الصَّحيحةِ، مِن بَوّابة الهداية، إذا دخَل من بوّابتِهم، البابُ الَّذي فتحهُ الله للهدايةِ وللاِستقامةِ وللرِّشاد، إذا دخلَ الإنسانُ من هذا الباب فالصَّالحاتُ تكونُ سبباً لرُقِيِّهِ في هذا الطريق الَّذي سلكه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، هذه كونيّة ثابتة، وهذهِ الكونيّة الثَّابتة، الصَّادقون واضح، الصادقون هم الَّذين في مقام الصدق، والَّذين هُم في مقام الصدق صادقون في علمِهم، صادقون في فِعلهم، صادقون في قولهم، صادقون في كُلِّ شيءٍ، وهذا المعنى لا يمكن أنْ يُتصوَّر من دون عصمةٍ مطلقة! من دون كمالٍ مطلق! ومن دون علمٍ مطلق! كيف يصدقون في قولهم إنْ لم يمتلكوا علماً مُطلقاً؟! كيف يصدقون في فعلهم إنْ لم يمتلكوا عُصمةً مطلقة؟! فهذا وصفٌ خاصٌ بهم في هذه الآية لأنَّ الآية تأمرُ بالكينونة الدائمة معهم بعد الإيمانِ والتقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، هذه كينونة ثابتة وعلى طول الخط، الإيمان حاصل والتقوى حاصلة والأمرُ في الآية للكونيّة المستمرّة على طول الخط مع الصَّادقين، فاطمة في هؤلاء الصادقين أم لا؟ فاطمة في أَئِمَّة الصَّادقين، أئِمَّةُ الأَئِمَّة ثلاثة مُحَمَّدٌ وعليٌّ وفاطمة، الكونيّة الثَّابتة يعني أنَّ إمامتَها جارية في كُلِّ مَراتب الإمامة، في الإمامة السِّياسية، في الإمامة الاجتماعية، في الإمامة العلمية، في كلِّ مراتب الإمامة، فكيف نخرجُها؟! إخراجُها من الآية يعني إخراجها من الصدق، من مقام الصدق، وهل يمكنُ ذلك؟! الآية واضحة الآية تُخاطب المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، هذهِ كينونة ثابتة على طول الخط إلى نهاية الحياة وفي جميع الشؤون، كينونة ثابتة، فاطمة في جملة هذهِ المجموعة، على أيِّ أساس حينما نصل إلى فاطمة نَقرِضُ شؤوناتِ إمامتِها، ونقول لفاطمة أنتِ لستِ إماماً في عالم السِّياسة أو في عالم الاِجتماع، أيُّ هُراءٍ من القول هذا؟ فالآية واضحةٌ وصريحةٌ ولا حاجة لتطويلِ الكلامِ بخصوصها. إذا ما ذهبنا إلى سُورة الإنسان أو سُورة الدهر أو سُورة هل أتى: تُسمَّى بسورة الإنسان، بسورة الدهر، بسورة هل أتى، فنقرأ: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾، الأبرار هؤلاء هم نفس الصَّادقين، كلمة الأبرار جوهرها الصدق، الأبرار هم الصّادقون، ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾، إذا نقرأ هذه السورة فإنَّنا لا نجدُ حديثاً عن سيّئات، ولا نجدُ حديثاً عن خطأ، إنَّنا نجدُ حديثاً عن أشخاصٍ ليس فيهم من عيب، ولذلك في الآية الحادية والعشرين: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾، ربُّهم هو الَّذي سَقاهم، هذهِ مَجموعة، مَجموعةٌ خاصَّة، لا يوجد في الكتاب الكريم وصف كهذا الوصف، لأنَّ المجموعة الَّتي تحدَّثت عنها سُورةُ الإنسان أو سورةُ الدَّهر هذهِ مجموعة أُطلِق عليها هذا الوصف: الأبرار! وهؤلاء الأبرار هم نفُسُهم أولئك الصَّادقون. سيِّدة الأبرارِ في هذه السورة مَن هي؟ فاطمة! هذه سُورةُ فاطمة وآلِ فاطمة، تفاصيل سورة الدهر أين جرت؟ في بيتِ فاطمة، مثل ما تفاصيل حديث الكساء أين جرت؟ في بيتِ فاطمة! تفاصيل هذه السورة جرت أيضاً في بيتِ فاطمة. ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾، هذه السُقيا، هذهِ السُقيا جرت في كُلِّ طبقات الوجود، مثل ما حديث الكساء جَرى في كُلِّ طَبقات الوجود، تفاصيل سورة الدَّهر كذلك، أنا لستُ بصدد الحديث عن سُورة الدهر أو الإنسان، ولكنَّني أقول: الصَّادقون الَّذين تقدَّم ذكرهم في سورة التوبة: ﴿وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، هؤلاء هم الأبرار، نفسُ الأبرار، فالصادقون المعصومون هناك هؤلاء هم الأبرار المعصومون هنا، وسيِّدةُ الأبرارِ هنا فاطمة، فاطمة هي سيِّدةُ البيت، الحديثُ هنا عن بيت الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾، أين جرى هذا؟ في بيت فاطمة، في بيت البحرين في بيت عليٍّ وفاطمة. المضامين واضحة، أنا لا أستطيع أنْ أتكلَّم في تفصيلٍ كثير لكنَّ الآيات والحوادث والوقائع والشَّواهد كُلَّها تقودنا إلى نفسِ النَّتيجة، فاطمة سيِّدةُ الدُّنيا والآخرة، فاطمة هي القَيِّمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. نذهبُ إلى فاصل وبعد الفاصل أعود إليكم. ففاطمة سيِّدةٌ في الصَّادقين! وفاطمة سيِّدةٌ في الأبرار! سيِّدةٌ في الصَّادقين الَّذين أُشِير إليهم في الآية التاسعة بعد العاشرة بعد المئة من سورة التوبة، وهي سيِّدةٌ في الأبرار الَّذين سقاهم ربُّهم شراباً طهوراً، وهِيَ هِيَ الَّتي يتحدَّث عنها ولدُها الإمام العسكريّ فيقول:- نَحنُ حُجَجُ الله عَلَى العِبَاد، نَحنُ حُجَجُ اللهِ الخَلْق وَفَاطِمَة أُمُّنَا حُجَّةٌ عَلَينَا – حُجَّةٌ على هؤلاء الصَّادقين، حُجَّةٌ على هؤلاء الأبرار، إذا كانت حُجَّةً عليهم فهل حُجِيَّتُها كاملة أم ناقصة؟! هل يجرؤ أحد فيقول إنَّ حُجيَّتَها ناقصة؟! حُجِيَّتُها كاملة عليهم، من جملةِ شؤوناتهم الإمامةُ السِّياسية! وإمامة الحكم، وأصلاً هذه الأوصاف وهذهِ المنازل هي في حاشية منازلهم وفي حاشية مقاماتهم الذاتية، فكيف لا تثبتُ لفاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها وهي صاحبةُ الحُجِيَّة الكاملة عليهم، كيف يُعقَلُ هذا؟! فهي سيِّدةٌ في الصَّادقين في سورة التوبة، وسيِّدةٌ في الأبرار في سورة الدهر وهي الحُجَّةُ على الإطلاق على أولادِها المعصومين كما قال إمامُنا الزكيُّ العسكريّ. هذه سورة الواقعة: الآية السَّابعة والسبعون وما بعدها: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۞ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۞ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾، فاطمة من جملتهم أم لا؟ فاطمة سيِّدةُ آية التطهير ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ وهذا القُرآن فيه تِبيانٌ لِكُلِّ شيء، وهذا القُرآنُ فيه قوانين الإمامة السياسية والاجتماعية والقضاء والحكمِ والحربِ والسِّلمِ وسائر الشؤون الأخرى، ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۞ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۞ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾، فاطمة من هؤلاء أم لا؟ إذا كانت من هؤلاء، هؤلاء هم حقيقةُ القُرآن، كيف أستطيع أنْ أتصوَّر فاطمة وقد حُسِرت عنها وأُبعدت عنها شؤوناتُ الإمامةِ القُرآنيّة..؟! معَ أنَّني أعتقدُ بأنَّ هذهِ الآية سيِّدتُها فاطمة: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۞ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۞ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾. هؤلاء هم بعينهم الَّذين جاء ذكرهم في سورة آل عمران في الآية السَّابعة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، هؤلاء المطهَّرون هم، هم الرَّاسخون في العلم، فاطمة داخلةٌ في هذه الآية أم لا؟ ماذا تقولون أنتم؟ ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، هؤلاء هم المطهَّرون وهؤلاء هم الرَّاسخون في العلم. إذا ما ذهبنا إلى سورة النِّساء: إلى الآية التاسعة والخمسين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، مَن الَّذين يعرفون تأويل القُرآن؟ مرَّت علينا الآية السَّابعة من سورة آل عمران: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، هُم المطهَّرون الَّذين مرَّ ذكرهم في سورة الواقعة، هذهِ سورة النِّساء وهذهِ الآيةُ التَّاسعةُ والخمسون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، أولوا الأمر هنا مَن هم؟ فاطمة من جملتهم أم لا؟ أولوا الأمر هنا هم المطهَّرون الَّذين مرَّ ذكرُهم في سورة الواقعة وهُم هُم أنفسُهم الرَّاسخون في العلم. في نفس السورة في الآية الثَّالثة والثَّمانين: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾، مَن هؤلاء الَّذين تتحدَّث عنهم الآية؟ قطعاً غير أولي الأمر، لأنَّ أولي الأمر هم من الرَّاسخين في العلم بدليل الآية الَّتي بعدها، الآية الثَّانية والثمانون ماذا تقول؟ ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾، الآية الَّتي بعدها الثَّالثة والثَّمانون: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾ هؤلاء نفسهم الَّذين لا يتدبَّرون القُرآن ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ مَن أولوا الأمر: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، أولوا الأمر هم الَّذين يستنبطون الحقائق من الكتابِ الكريم، هم الرَّاسخون في العلم، فاطمة منهم أم لا؟! إذا كانت فاطمة من أولي الأمر كيف أتصوَّر أنَّ فاطمة من أولي الأمر وهي ليست إماماً؟! هل يصحُّ هذا الكلام؟!! أيُّ منطقٍ هذا؟ الآيات واضحة وصريحة جدَّاً. إذا نذهب إلى سورة التوبة: إلى الآية الخامسة بعد المئة، ماذا تقول الآية الخامسة بعد المئة: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ هؤلاء هم المطهَّرون، الرَّاسخون في العلم، هؤلاء هم أولوا الأمر، هؤلاء هم الَّذين يستنبطونه، يستنبطون الحقائق، هؤلاء هم المؤمنون الَّذين رؤيتهم رؤية الله ورؤية رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذه المضامين يشتركون فيها جميعاً، وصف (المطهَّرون) في سورة الواقعة هو لجميعهم، وفاطمة هنا سيِّدةُ أولادِها، من الحَسَنِ المجتبى إلى الحُجَّةِ ابن الحسن، فاطمة إمام الأَئِمَّة، ثالثُ أَئِمَّةِ الأَئِمَّة: (مُحَمَّدٌ وعليٌّ وفاطمة)، المطهَّرون في سورة الواقعة فاطمة سيِّدةٌ في هذا العنوان في هذه المجموعة، الرَّاسخون في العلم فاطمة سيِّدةٌ في هذا العنوان، أولوا الأمر فاطمة سيِّدةٌ في هذا العنوان، وسائر التفاصيل الأخرى، المؤمنون: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. إذا تتذكَّرون في حلقة يوم أمس مرَّت علينا الرِّواية والرِّواية مُفصَّلة في كامل الزِّيارات، ماذا تقول الرِّواية؟ أنْ إذا كُنتُم في زيارة الحُسَين فَالزَمُوا الصَّمت، لماذا؟ الرِّواية بيَّنت بعد تفصيل من أنَّ فاطمة تنظرُ إِليكُم وتدعو لكم، وبيَّنت بأنّ ما يأتي في الشؤون الحسينيَّة لهُ خُصوصيّاتهُ، ولكنَّها ناظرة في جميع الشؤون، الآية واضحة: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، لا يُمكن لأحدٍ مِمَّن يعرفُ تفسيرَ القُرآن بحسبِ ذوق أهل البيت ولا يُمكن لأحدٍ مِمَّن لهُ خبرةٌ بحديثِ أهل البيت ولحنِهم أنْ يُخرِج فاطمةَ من أيٍّ من هذه الأوصاف، من حُشُود هذهِ الآيات والرِّوايات الَّتي أشرتُ إليها ابتداءاً من حديث الكِساء الشَّريف وانتهاءً بهذهِ الآية: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، فاطمة الَّتي في حديث الكساء انكشف لها كُلُّ شيء بهذهِ الرؤية حين تُحدِّثُنا عن مجلسٍ يتحدَّث فيه الباري مع ملائكتهِ بشكلٍ مباشر، بهذه الرؤية فاطمة ترانا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، هذه هي رؤيتُهم، رؤيةٌ عُطِفَت على رؤيةِ الله، فكما أنَّ الله يرانا هم كذلك يَطَّلعون علينا، ولكن لفاطمة خُصوصيات تَرتَبط بهذا العالم، هي القَيِّمةُ على الدِّين وقَد أشرتُ إلى جُملةٍ من الشَّواهد والقرائن في حلقةِ يومِ أمس الَّتي تُشير إلى حُضورها وإلى ناظريّتها، فهذا الدِّينُ دينُها وهي القَيِّمة، ذلك دين القَيِّمة والقَيِّمة تَعني الحاضرة والنَّاظرة في نفس الوقت. هذا هو كتاب (عوالم العلوم والمعارف والأحوال): وهذا هو المجلَّد الثَّاني تحقيق ونشر مؤسَّسة الإمام المهديّ، قم المقدَّسة، المجلَّد الثاني من عوالم الزَّهراء صلواتُ اللهِ عليها، في صفحة 774، ينقل محاورة وهذه المحاورة نُقِلت في كُتُب التأريخ، ونُقِلت أكثر من مُحاورة بهذا المضمون، هذه مُحاورة من المحاورات كانت بين إمامنا الكاظم صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه وهارون العبّاسي، هارون يقول للإمام الكاظم يُريد أنْ يُرجِع فدكاً، أنْ يُعطي الإمام الكاظم فدكاً الَّتي سلبتها السَّقيفةُ من الزَّهراء، فيقول لهُ: حُدَّ فَدَكَاً حتَّى أَردَّهَا إِلَيك فَيَأبَى – كان الإمام يأبى ذلك – حتَّى ألَحَّ عَلَيهِ، فَقَالَ إِمَامُنَا الكَاظِم: لَا آخُذُها إِلَّا بِحُدُودِهَا، قَالَ: وَمَا حُدُودُهَا، قَالَ: إِنْ حَدَّدتُها لَم تَرُدَّهَا؟ قَالَ: بِحقِّ جَدِّك إِلَّا فَعَلَت، قَالَ: أَمَّا الحدُّ الأَوَّل فَعَدَن – اليمن، نهاية الجزيرة العربية، يعني من جهة البحر العربي – قَالَ: أَمَّا الحدُّ الأَوَّل فَعَدَن فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الرَّشِيد، وَقَال: إيهاً!! قَالَ: وَالحَدُّ الثَّانِي سَمَرْقَنَد – من جهة روسيا – فَأَرْبَدَ وَجْهُه – أرْبَد يعني اسودّ – فَأَرْبَدَ وَجْهُه، قَال: وَالحَدُّ الثَّالِث إِفْرِيقيَا، فَاسْودَّ وَجْهُهُ – أكثر، أَرْبَد يعني بان عليه الغَضب، كاد أن يسودّ – فَاسْودَّ وَجْهُهُ وَقَال: هِه!! قَال: والرَّابِع سَيفُ البَحر – يعني السَّواحل، السَّواحل البحرية – سَيفُ البَحر مِمَّا يَلِي الجُزُر وَأرمِينيَا، قَالَ الرَّشِيد: فَلَم يَبْقَ لَنَا شِيء فَتَحوَّلْ إِلَى مَجْلِسِي – يعني [تعال ﮔوم اﮔعد بمكاني] – قَالَ الرَّشِيد: فَلَم يَبْقَ لَنَا شِيء فَتَحوَّلْ إِلَى مَجْلِسِي، قَالَ مُوسَى – يعني إمامنا الكاظم – قَدْ أَعْلَمْتُك أَنَّنِي إِنْ حَدَّدتُها لَم تَرُدَّهَا، فَعِنْدَ ذَلِك عَزَمَ عَلَى قَتْلِه – بعدها الإمام اعتُقِل صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، وتُوجد أكثر من محاورة بهذا الخصوص. أنا أسأل فأقول: مَن هو المَالكُ الحقيقي لفدك؟ المالك الأوَّل مَن هو؟ الزَّهراء صلوتُ اللهِ وسلامهُ عليها، هذا التفسير أليس هو تفسير للإمامةِ السِّياسية؟! هل يَستطيع أحد أنْ يقول من إنَّ فدكاً لا تملكها الزَّهراء؟ أتحدَّث عن شيعتِها لا شأنَ لي بالَّذين لا يعتقدون بكُلِّ هذه المطالب، هناك من الشِّيعة أيضاً ومن كِبار علماء الشِّيعة من قال من أنَّ الزَّهراء لا تملكُ فدكاً! لكنَّني أتحدَّث عن الَّذين يتمسَّكون بالحدود العقائدية الشِّيعيَّة المعروفة، هل يَستطيع أحد أن يقول مِن أنَّ الزَّهراء لا تَملكُ فدكاً؟ المالك الأوَّل والحقيقي، ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، هذه الآية مُرتبطة بملكيّة فدك، يعني وآتِ ذا القُربى حقَّه وذو القربى هنا فاطمة بالنَّحو الحقيقي، والآية تَتحدَّث عن حقِّ فَاطمة بالنَّحو الحقيقي، فهي مالكةٌ لفدك بالنَّحو الحقيقي، ومالكةٌ لمعنى فدك ومعنى فدك هو هذا، إذا ملكت فدكاً ففدك هو العُنوان، المُعنوَن هو هذا، الزَّهراء حين طالبت السَّقيفة طالبت أبا بكر والخطبة الفدكيّة المعروفة هل طالبت ببستان؟ لو كانت المُطالبة ببستان لوافقت الخِلافةُ آنذاك على البستان، وعندنا أنَّها استطاعت أنْ تُحصِّلَ على صكٍّ من أبي بكر موجود هذا، لكن القضيَّة فدك في معناها هو هذا المعنى الحقيقي، هذا المعنى الحقيقي إذا ثَبت وهو ثَابتٌ عندنا، إذا ثبت ثبتت إمامتُها السِّياسية، وحين أقول ثبتت إمامتها السياسية لا على أساسِ هذهِ المحاورة فقط، وإنَّما على أساسِ كُلِّ ما تقدَّم من حقائق وما سيأتي وما يبقى من الحقائق الَّتي لا يُمكن أنْ أُوردها جميعاً في برنامجٍ محدود وفي ساعاتٍ محدودة، لكِن هذهِ المحاورة تَكشفُ عن جَانبٍ مُهمٍّ من أنَّ الإمامة السِّياسيةَ بكُلِّ تفاصيلها الَّتي تحدَّث عنها إمامُنا الكَاظم والَّتي فَهِمها هارون العباسي هذهِ ثابتة لفاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. هذا هو المزارُ الكبير، ومرَّت الإشارة إلى ما جَاء في زِيارةٍ جَامعةٍ للأَئِمَّة ذكرها ابنُ المشهديّ في المزار الكبير، هذا هو المزار الكبير الطبعة الأولى، المطبعة مؤسَّسة النَّشر الإسلامي، 1419 هجري قمري، صفحة 104، والزيارة تبدأ في صفحة 102، تحت عنوان: (مُختصر زيارة جامعة للأَئِمَّة عليهُم السَّلام)، جاء في السَّلام على الصديقة الطاهرة:- السَّلَامُ عَلى الطَّاهِرَةِ الحَمِيدَة وَالبَرَّة التَقِيَّةِ الرَّشِيدَة النَّقِيَّةِ مِن الأَرْجَاس الْمُبَرَّاةِ مِن الأَدْنَاس – إلى أنْ تقول الزِّيارة: – فَاطِمَةِ الأَفْطَام مُرَبِيَّة الأَيْتَام – بحسب الطبعة هنا مكتوب: (الاِنْفِطَام)، وهو خطأ واضح – فَاطِمَةِ الأَفْطَام مُرَبِيَّة الأَيْتَام – الأفطام، جمعٌ لفطيم، والأيتام، جمعٌ ليتيم، واليتيم في الغالب يُطلَق على الأطفال، والفطيم في الغالب يطلق على الأطفال، الَّذي يُفطَم هو الرَّضيع تنتهي مُدَّةُ رِضاعهِ فيُفطَم بعد ذلك، واليتيم لا يُقال للرَّجل الكبير من أنَّهُ يتيم بلحاظ فقدهِ لأبيه، يمكن أنْ ينطبق عليه ولكن هذا ليس معروفاً وليس شائعاً، قد يقالُ للكبير من أنَّه يتيم بلحاظٍ آخر كما يطلق هذا العنوان: (اليتامى) على شيعة أهل البيت في زمان غيبة إمامهم، هذا بلحاظٍ آخر، لكن في التعابير العربية اليتيم يُطلَق على الصَّغير وكذلك الفطيم أيضاً يطلق على الصَّغير. هُناك إشارات في هذه الأوصاف الفاطمية، دعوني أقرأ لكم بعضاً من الرِّوايات الَّتي تكشف لكم عن جانبٍ من المعنى: هذا هو المجلد الخامس، الجزء الخامس من بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، صفحة 293، والرِّوايات نَقلها عن كتاب الفقيه، من لا يحضرهُ الفقيه للشَّيخ الصَّدوق: – عَنْ أبِي بَصِيرٍ، قَال: قَالَ أَبُو عَبدِ الله عَلَيهِ السَّلام: إذا مَات طِفلٌ مِن أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِين نَادَى مُنَادٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض ألَا إنَّ فُلان اِبنِ فُلان أو ابنَ فُلان قَد مَات – يمكن أنْ نقول ابنَ أو ابنِ – أَلَا إِنَّ فُلان ابنَ فُلان قَد مَات فَإن كَان مَاتَ وَالده أَو أَحَدُهُما أو بَعضُ أَهل بَيتِه مِن الْمُؤمِنِين دُفِعَ إِلَيه يَغْذُوه – هذا الكلام خارج العالم الدُّنيوي – وَإِلَّا دُفِع إِلَى فَاطِمَة عَلَيهَا السَّلام تَغْذُوه حتَّى يَقْدِمَ أَبَوَاه أو أَحَدُهُما أو بَعضُ أَهْل بَيتِهِ فَتَدفَعهُ إِلَيه. رواية ثانية: – عَن الحَلَبي، عَن أبِي عَبد الله عَلَيه السَّلام: إِنَّ الله تَبَاَرَكَ وَتَعَالى يَدْفَعُ إِلَى إِبْرَاهِيم وَسَارة أَطْفَالَ الْمُؤْمِنين يَغْذُوانهم بِشَجَرةٍ في الجَنَّة لَهَا أَخْلَاف كَأَخْلَافِ البَقَر – الأخلاف يعني الضروع – لَهَا أَخْلَاف كَأَخْلَافِ البَقَر – مثل ما لثدي المرأة حُلمة، لضرع البقرة أو لضرع الحيوان يُقال أخلاف، المواطن الَّتي يخرج منها الحليب – إِنَّ الله تَبَاَرَكَ وَتَعَالى يَدْفَعُ إِلَى إِبْرَاهِيم وَسَارة أَطْفَالَ الْمُؤْمِنين يَغْذُوانَهُم بِشَجَرةٍ في الجَنَّة لَهَا أَخْلَافٌ كَأَخْلَافِ البَقَر فِي قَصْرٍ مِن الدُّرّ، فَإِذَا كَان يَومُ القِيَامة أُلْبِسُوا وَأُطِيبُوا وُأُهْدُوا إِلَى آبَائِهِم فَهُم مُلُوكٌ فِيْ الجَنَّة مَعَ آبَائِهِم وَهُو قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾. رواية أخرى يرويها عن كتاب المختصر، الشَّيخ المجلسي ذكرها في صفحة 294 رقم :19:- عَن يَزِيد اِبن عَبدِ المَلِك، عَن البَاقر صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُه عَلَيه: لَمَّا صَعَد رَسُولُ الله إِلَى السَّمَاء وَانْتَهَى إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة وَلَقى الأَنِبِيَاء قَالَ: أَين أَبِي إِبْرَاهِيم؟ قَالوا لَهُ: هُو مَعَ أَطْفَال شِيعَة عَليّ، فَدَخَل الجنَّة فَإذَا هَو تَحتَ شَجَرةٍ لَهَا ضُرُوع كَضُرُوع البَقَر فَإذَا اَنَفَلَتَ الضَّرعُ مَن فمِ الصَّبِي قَامَ إِبْرَاهِيم فَردَّ عَلَيه، قَالَ: فَسَلَّم عَلَيه، فَسَأَلُهُ عَن عَلِيٍّ، فَقَال: خَلَّفْتُهُ فِي أُمَّتِي، قَال: نِعْمَ الخَلِيفَةُ خَلّفْت، أَمَا إِنَّ الله فَرَضَ عَلَى المَلَائِكَة طَاعَتَه وَهَؤُلَاءِ أَطْفَالُ شِيعَتِه سَأَلتُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي القَائِم عَلَيهِم فَفَعَل، وَإِنَّ الصَّبِي لَيُجَرَّع الجُرعَة فَيَجِد طَعمَ ثِمَارِ الجَنَّة وَأَنْهَارِهَا فِي تِلْكَ الجُرعَة. هذه الرِّوايات قطعاً تأتي بلسان التقريب، وبلسان الرَّمز، الرِّوايات بمجموعها تتحدَّث عن رعاية فاطمة للأطفالِ، لليتامى، للصغار وتتحدَّث أيضاً عن أنَّ إبراهيم وأنَّ سارة في ضمن هذهِ الأجواء، قطعاً يكونون تحت نظر فاطمة صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، فإبراهيم الخليل هو تحت نَظر فاطمة في هذهِ المنظومة في رعاية هؤلاء الأطفال والعناية بهم، وكما قُلت، الرِّوايات هي بلسان الرَّمز وبلسان الأمثلة وبلسان التقريب. النُّقطة الَّتي أريد أنْ أُشير إليها: إبراهيمُ الخليل إمامٌ بصريح القُرآن، إذا ذهبنا إلى سورة البقرة وإلى الآية الرَّابعةِ والعشرين بعد المئة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾، إمام لكُلّ النَّاس، والإمامة هنا إمامةٌ علمية، إمامةٌ شرعية، إمامةٌ سياسية، إمامةٌ دنيوية، إمامةٌ في الحُكمِ والقضاء، إمامةٌ في كُلِّ التفاصيل ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾، حين أتمَّ الكلمات جعلهُ الله إماماً ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾، ما هي هذه الكلمات؟ أحاديثُ أهل البيت تُخبِرُنا، هذه الكلمات هي نفسها الكلمات الَّتي نَزلت على آدم فأعادت إليه نُبُوَّته، وآدم حين أُنزِلَ إلى الأرض سُلِب منهُ كُلُّ شيء. الآية السَّابعة والثَّلاثون من سورة البقرة: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾، عادَ عليه ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾؛ ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾، بحسب حديث أهل البيت الكلمات هي أسماءُ الخمسة، والدُّعاء مشهور ومعروف: (يَا مَحُمُودُ بِحَقِّ مُحَمَّد، يَا عَالِي بِحقِّ عَلِيّ، يَا فَاطِرُ بِحَقِّ فَاطِمَة يَا مُحْسِنُ بِحَقِّ الحَسَن يَا قَدِيمَ الإِحْسَانِ بِحَقِّ الحُسَين)، أليس الرِّوايات تُحدِّثُنا عن دعاءِ آدم هو هذا، قطعاً الكلام عن الكلمات وعن آدم أعمقُ من ألفاظٍ، القضيةُ أعمقُ وأبعدُ، ولكن هذهِ الكلمات هي رموز تُشير للَّذي جرى، بالنِّسبة لإبراهيم: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾، هِيَ هِيَ نفس الكلمات ولكن الفارق هو: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾، وفي الرِّوايات: (فَأَتَمَّهُنَّ إِلَى القَائِم)، هذهِ هي كلماتُ آدم الكلمات الخمسة ولكنَّها أُكمِلَت إلى القائم، وعلى هذا الأساس: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾. مرَّ علينا قبل قليل حديثُ النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله:- مَا تَكَامَلَت النُبُوَّة لِنَبِيٍ – فضلاً عن الإمامة، الإمامة أعلى درجةً من النُبُوَّة، بصريح القُرآن إبراهيم كان نبيِّاً وكان خليلاً ولكن بعد ذلك جعلهُ الله إماماً، إبراهيم كان نَبيَّاً وكان رسولاً وكان خليلاً قريباً من الله، ولكن بعد ذلك أعطاه هَذه الرُّتبة، أعطاه رتبةَ الإمامة، هذهِ الرُّتبة تحقّقت في آخر أيَّام حياته لماذا؟ لأنَّ إبراهيم كَان عَقيماً وهنا يقول: ﴿قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ يعني عندهُ أولاد، متى رُزِق إبراهيم بالأولاد؟ في آخرِ عمره رُزِق بالأولاد، وإبراهيم من شَبابهِ كان نبيَّاً ورسولاً وكان خليلاً لله، فالإمامةُ أعلى رُتبةً والآيةُ واضحة وصريحة في ذلك: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾، ماذا قال رسولُ الله في الرِّواية قبل قليل؟ – مَا تَكَامَلَت النُبُوَّة لِنَبِيٍّ حتَّى عُرِضَت عَلَيه وَلَايَتُهَم وَأَقَرَّ بِوَلَايَتِهِم وَطَاعَتِهِم – بل الرِّواية قالت ماذا؟ أنَّ أهل البيت يُمَثَّلُون له فَيُقِرّ ويخضع لهم بالولاية والطاعة، حينئذٍ تتكامل النُبُوَّةُ لذلك النَّبي، فما بالُكم بدرجةٍ أعلى من النُبُوَّة والرِّسالة وهي الإمامة؟! فلابُدَّ أنْ يكونوا قد تَمثَّلوا له وهو قد رأى أنوارَهم حينما كُشِف لهُ عن ملكوت السَّماوات، هذهِ الكلمات، فَاطمةُ سيِّدةٌ في هذهِ الكلمات، فاطمةُ سيِّدةٌ في الكلمات الخَمسة الَّتي أنزلِت على آدم، فإمامةُ إبراهيم أساساً لم تكُن حتَّى أقرَّ بالطاعةِ والخُضُوعِ لفاطمة. إبراهيم، إذا ذهبنا إلى سورة الصافَّات، في سورة الصافَّات في الآية الثَّالثةِ والثَّمانين: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾، بحسب السِّياق اللغوي اللفظي وإنَّ من شيعةِ نُوح، لأنَّ الآيات السَّابقة كَانت تتحدَّث عن نوح: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ الآية الخامسة والسَّبعون وما بعدَها من سورة الصَّافات: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ۞ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ۞ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ۞ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۞ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ۞ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۞ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ۞ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾، ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾، إنَّ من شيعة نوحٍ لإبراهيم، ونوحٌ مَن الَّذي يشهدُ لهُ في القيامة؟ هذا هو الجزء الثَّامن من الكافي الشريف، الرِّواية عن يوسف ابن أبي سعيد، هذا هو الكافي الجزء الثَّامن، دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان، ضَبَطهُ وصحَّحهُ محَمَّد جعفر شمس الدِّين، 1990 ميلادي، الصفحة 213، رقم الحديث 392، بسندهِ: عَن يُوسُف ابن أَبي سَعِيد، قالَ: كُنتُ عِندَ أَبِي عَبدِ الله – عِنْدَ إِمَامِنَا الصَّادق – ذَاتَ يَوم، فَقَالَ لِي: إذَا كَانَ يَومُ القِيَامة وَجَمَعَ الله تَبَاَركَ وَتَعَالى الخَلَائِق كَان نُوحٌ أَوَّلَ مَن يُدْعَى بِه فَيُقَال لَه: هَل بَلَّغْت؟ فَيَقُول: نَعَم، فَيُقَالُ لَه: مَنْ يَشْهَدُ لَك؟ فَيَقُول: مُحَمَّد اِبنُ عَبدِ الله – باعتبار أنّه هو الشَّاهد على الجميع – قَال: فَيَخْرُج نُوح فَيَتَخطَّى النَّاس حَتَّى يَجيء إِلَى مُحَمَّد وَهُو عَلَى كَثِيبِ الْمِسْك – المكان الَّذي يعلو عليه رسول الله وقد ذُكِرَ في الرِّوايات – وَمَعهُ عَليٌّ وَهُو قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذينَ كَفَرُوا﴾، فَيَقُول نُوح لِمُحَمَّد: يَا مُحَمَّد إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى سَأَلَنِي هَلْ بَلَّغت؟ فَقُلتُ: نَعَم، فَقَال: مَن يَشهَدُ لَك؟ فَقُلتُ: مُحَمَّد – صلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ وآلهِ الأطيبين الأطهرين – فَيَقُول – من الَّذي يقول؟ مُحَمَّد صَلَّى الله عليه وآله – فَيَقُول: يَا جَعْفَر يا حَمزَة إذهَبَا وَاشْهَدَا لَهُ أَنَّه قَدْ بَلَّغ، فَقَال أَبُو عَبَد الله – إمامنا الصَّادق – فَجَعفر وَحَمزَةُ هُمَا الشَّاهِدَانِ لِلأَنْبِيَاء بِما بَلَّغُوا – ونُوح هو أفضل الأنبياء، بدليل أنَّ إبراهيم عُدَّ من شيعتهِ، فإبراهيم من شيعة نوحٍ عليهما السَّلام، وإذا أردنا أنْ نقرأ في زيارات الأنبياء هُناك زيارة نَزورُ فيها النَّبيّ نوح حينما نزورُ النَّجف فماذا نُسلِّم عليه في هذه الزِّيارة؟ نُسلِّم عليه هكذا:- السَّلامُ عَلَيكَ يَا شَيخَ الْمُرْسَلِين – فهو شيخُ المرسلين، هكذا نزور النَّبيّ نوح: – السَّلامُ عَلَيكَ يَا شَيخَ الْمُرْسَلِين. فَقَال أَبُو عَبَد الله – إمامنا الصَّادق – فَجَعفر وَحَمزَة هُمَا الشَّاهِدَانِ لِلأَنْبِيَاء بِما بَلَّغُوا، فَقُلتُ: جُعِلتُ فِدَاك فَعَلِيٌّ أَينَ هُو؟ – عليٌّ أين هو؟! – فَقَال: هُو أَعظَمُ مَنْزِلَةً مِن ذَلِك – عن أيّ شيء أنت تتحدَّث؟! عليٌّ أعظم من أنْ يشهد للأنبياء، الَّذين يشهدون للأنبياء وهذا نوح أفضل الأنبياء الَّذي عُدَّ من شيعتِه إبراهيم بحسب التعبير اللفظي: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِه﴾، من شيعة عليٍّ، والأنبياء كُلُّهم من شيعة عليٍّ – فَقُلتُ: جُعِلتُ فِدَاك فَعَلِيٌّ أَينَ هُو؟ فَقَال: هُو أَعظَمُ مَنْزِلَةً مِن ذَلِك ؛ فَجَعفر وَحَمزَة – كما يقول إمامُنا الصادق – هُمَا الشَّاهِدَانِ لِلأَنْبِيَاء بِما بَلَّغُوا – جعفر وحمزة صلواتُ اللهِ عليهما. ماذا يُحدِّثنا الشَّيخ الصَّدوق في كتابه الخِصال؟ مؤسَّسة النَّشر الإسلامي، قم المقدَّسة، صفحة 93، رقم الحديث 101، باب الاثنين، بسندهِ عن إمامنا السَّجاد، ماذا يقول إمامنا السَّجاد؟ – رَحِمَ اللهُ العَبَّاس – القَمَر، قَمرُ الهاشميين – رَحِمَ اللهُ العَبَّاس يَعْنِي اِبْنَ عَليِّ فَلَقَد آثَر وَأَبْلَى وَفَدَى أَخَاهُ بِنَفْسِه حتَّى قُطِعَت يَدَاه فَأَبْدَلَهُ الله بِهِمَا جَنَاحَين يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكةِ فِي الجنَّة كَمَا جَعَل لِجَعفَر اِبنَ أَبِي طَالِب وَإنَّ لِلْعَبَّاس – انتبهوا لهذه الكلمة – وإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِندَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَنْزِلَة يَغْبِطهُ بِها جَمِيعُ الشُّهَدَاء – الشُّهداء، الحديث هنا ليس عن الَّذين قُتِلوا في المعارك، الشهداء الَّذين يشهدون على الأُمم، وإن كان حمزة قُتِل أيضاً في المعارك، وجعفر أيضاً، ولكن الحديث عن الشُّهداء هنا ليس عن الَّذين قُتِلوا في المعارك – وإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِندَ الله – حتَّى لو كَان الحديث عن هؤلاء فالحمزة وجَعفر من الشُّهداء الَّذين قُتِلوا في المعارك – وَإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِندَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَنْزِلة يَغْبِطهُ بِها جَمِيعُ الشُّهَدَاء يَومِ القِيَامَة – يعني حتّى جعفر والحمزة يغبطون العبَّاس على منزلتِه. تُلاحظون الكلام إلى أين يتَّجه؟ جعفر وحمزة هُم الشَّاهدان لِنوح، يعني هما أعلى رُتبةً، هما اللَّذان يُوثِّقان أمرَ نوح، الحديث ليس عن شهداء كشهداء المحاكم، الَّذين لهم الشَّهادة في يوم القيامة هم أصحاب المراتب العالية، نُوح هو أفضل الأنبياء وهو شيخ المرسلين كما نُسلِّمُ عليه في زيارته، والقُرآنُ بصريح العبارة يقول: ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ﴾، من شيعة نوح: ﴿لَإِبْرَاهِيمَ﴾، وإبراهيم بحسب التعبير اللغوي واللفظي هنا فهو معدودٌ في شيعة نوح، والشَّاهدان على نوح جعفر وحمزة، وجعفر وحمزة من الشُهداء والإمامُ السَّجاد يقول:- وَإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِندَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَنْزِلة يَغْبِطهُ بِها جَمِيعُ الشُّهَدَاء يَوم القِيَامَة – إنْ كان المراد من الشُّهداء الَّذين قُتِلوا في المعارك فحمزة وجعفر قُتِلا في المعارك، وإنْ كان المراد من الشُهداء الَّذين يَشهدون في يوم القيامة فجعفر وحمزة هما من هؤلاء الشُّهداء، فَجميع الشُّهداء يغبطون العبَّاسَ على منزلتهِ، إذاً كَم هو الفارق؟ إبراهيم من شيعة نوح، نوح الشَّاهدان لهُ جعفر وحمزة، جعفر وحمزة يغبطان العبَّاس على منزلتهِ، والعبَّاسُ سيِّد شُهداءِ الطفوف، الحُسين سيِّد الشُّهداء مُطلقاً، والعبَّاس سيِّد شهداء الطفوف، شهداء الطفوف هم سادة الشُهداء على طول التأريخ، والعباس سيِّدُ شُهداء الطفوف، العباسُ عبدٌ للحسُين، العبَّاسُ من عبيدِ الحسين. عليٌّ صلوات الله وسلامه عليه كان يقول: (أَنَا عَبْدٌ مِن عَبِيدِ مُحَمَّد)، العبّاس عبدٌ للحسين، وما نال العبَّاس هذه المنزلة أن قال لهُ الحُسين: (اِرْكَب بِنَفْسِي أَنْت) حتَّى كان في أعلى درجات العبوديّةِ للحُسين، (فَالعبُودِيَّة جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرّبُوبِيَّة)، لو لم يكن في أعلى درجات العبوديّة لَمَا تجلَّت نَفسُ الحُسين فيه، (العبوديّةُ جَوهرةٌ كُنهُهَا الرُبُوبيَّة)، ونَفسُ الحُسَينِ نفسٌ ربوبيّةٌ، فالعباسُ عبدٌ للحُسين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، والحُسين مأمومٌ للحَسَن بلحاظ من اللحاظات، وفاطمةُ حُجَّةٌ على الحَسَن ومَن دونَه مِن وُلدِها، إذاً إبراهيم أين يكون في هذهِ السلسلة بالنِّسبة لفاطمة؟ ماذا تقولون؟ أحِبُّ أن أقرأ عليكم هذه السطور قبل أنْ نذهب إلى الفاصل، أصبحنا نَقتربُ شيئاً فشيئاً من وقتِ الأذان والصَّلاةِ بحسب التوقيت المحلّي لمدينة لندن، أُحِبُّ أنْ أقرأ عليكم هذهِ السطور. الحديثُ طَويل، أنا أقرأ من العوالم، من عوالم العلوم، وهذا هو الجزء الثَّاني، الحديث عن إمامنا موسى ابن جعفر، وأحاديث موسى ابن جعفر تتميَّز بالوضوح إلى أبعد الحدود، لكُلِّ حديثٍ من أحاديثِ آل مُحَمَّد خُصوصيّتُهُ ولحنُهُ، على أيِّ حالٍ، إمامُنا بَابُ الحَوائج يُحدِّثنا عن السَّاعات الأخيرة، عن الأوقات الأخيرة من حياةِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم، لا أُريد أنْ أقرأ الحديث بكاملهِ، سأقرأُ عليكم شطراً منه، الزَّهراء هنا عند رسول الله:- فَبَكَت ثُمَّ بَكَت وَأَكَبَّت عَلَى وَجِههِ – على وجهِ رسول الله – فَقَبَّلَتهُ، وَأَكَبَّ عَلَيهِ عَليٌّ وَالحَسَن وَالحُسَين، فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِم – رسول الله – وَيَدُهَا – يدُ الزَّهراء – فِي يَدِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ عَلِيٍّ وَقَال لَهُ: يَا أَبَا الحَسَن هَذِه وَدِيعَةُ الله وَوَدَيعَةُ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عِنْدَك فَاحْفَظ الله وَاحْفَظنِي فِيهَا، وَإِنَّك لَفَاعَل، هَذهِ واللهِ سَيِّدةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّة مِنْ الأَوَّلِين والآخِرِين، هَذهِ وَاللهِ مَريمُ الكُبْرَى، أَمَا واللهِ مَا بَلَغَت نَفسِي هَذا الْمَوضِع حتَّى سَأَلتُ الله لَهَا وَلَكُم فَأعْطَانِي مَا سَأَلتُهُ، يَا عَلِيّ أَنْفِذ لِمَا أَمَرَتكَ بِهِ فَاطِمَة فَقَد أَمَرتُها بِأشيَاء أَمَرَنِي بِها جَبْرَائِيل، واَعْلَم يَا عَلِيّ أَنِّي رَاضٍ عَمَّن رَضِيَت عَنهُ اِبْنَتِي فَاطِمَة وَكَذَلِك رَبِّي وَالْمَلَائِكَة، يَا عَلِيّ وَيْلٌ لِمَن ظَلَمَها وَوَيلٌ لِمَن ابتَزَّهَا حَقَّها – حين نُخرِجها من منظومة العقائد الشِّيعيَّة هذا ابتزازٌ لحقِّها أم لا؟! ماذا تقولون أنتم؟ يَا عَلِيّ وَيْلٌ لِمَن ظَلَمَها وَوَيلٌ لِمَن ابتَزَّهَا حَقّهَا وَوَيلٌ لِمَن اِنْتَهَكَ حُرْمَتَها وَوَيلٌ لِمَن أَحْرَقَ بَابَهَا وَوَيلٌ لِمَن آذَى حَلِيلَهَا وَوَيلٌ لِمَن شَاقَّها وَبَارَزَهَا اللَّهُمَّ إِنِّي مِنْهُم بَرِيء وَهُم مِّنِّي بُرَآء، ثَمَّ سَمَّاهُم رَسُولُ الله وَضَمَّ فَاطِمَة إِلَيه وَعَلِيَّاً والحَسَنَ وَالحُسَين وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَهُم ولِمَن شَايَعَهَم سِلْم وَزَعِيمٌ بِأَنَّهم يَدْخُلُونَ الجَنَّة – مَن هُم؟ الَّذين يُشايعونهم – وَحَربٌ وَعَدوٌ لِمَن عَادَاهُم وَظَلَمَهُم وَتقَدَّمَهُم أو تَأخَّر عَنْهُم وَعَن شِيعَتِهم، وزَعِيمٌ بِأَنَّهم يُدخلُونَ النَّار، ثُمَّ واللهِ يَا فَاطِمَة لَا أَرْضَى حتَّى تَرضَي، ثُمَّ لَا أَرْضَى حتَّى تَرضَي. رواية أخرى أيضاً ينقلها إمامنا الكاظم:- أَلَا إِنَّ فَاطِمَة بَابُهَا بَابِي وَبَيتُهَا بَيِتِي فَمَن هَتَكَهُ فَقَد هَتَكَ حِجَابَ الله – حِجابُها حجابُ الله، وحجابُها حجابُ رسول الله، وحجابُها حجابُ عليٍّ، وحجابها حجابُ إمامِ زمانِنا – أَلَا إِنَّ فَاطِمَة بَابُهَا بَابِي وَبَيتُهَا بَيِتِي فَمَن هَتَكَهُ فَقَد هَتَكَ حِجَابَ الله – إلى أنْ يقول عيسى الَّذي روى لنا الحديث – فَبَكَى أَبُو الحَسَنِ طَويلاً – إمامُنا الكاظم – وَأَكْثَرَ البُكَاء وَقَال – الإمام يبكي ويقول: – هُتِكَ وَاللهِ حِجَابُ الله، هُتِكَ واللهِ حِجَابُ الله، هُتِكَ واللهِ حِجَابُ الله يَا أُمَّهْ يَا أُمَّهْ – يا أمّهْ، يعني يا أُمَّاه، هُتِكَ واللهِ حجابُ الله يا زهراء. زهرائيُّونَ نحنُ وسنبقى … زَهرائيُّون نحنُ يا بقيَّة الله والعِشقُ كَربَلائِي … زَهرائيُّونَ نحنُ والهَوى والهَوى يا بقيَّة اللهِ زَهرائي..!! نذهبُ إلى فاصلِ الأذان والصَّلاة بحسب التوقيت المحلي لمدينة لندن وبعد الفاصل سأعود إليكم. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِها وبَنِيها والسِّرِّ المُسْتَودَعِ فِيَهَا … هذا هو الجزءُ الأخير من الحلقةِ الحادية والأربعين بعد المئة من برنامج (الكتابُ النَّاطق)، قبل أنْ يبدأ فَاصل الأذانِ والصَّلاة بِحسبِ التوقيت المحلّي لمدينة لنَدن قَرأتُ عَليكُم سُطوراً من أحاديث رَواها لنا وحدَّثنا بِها إمامُنا الكَاظم عن اللحظات الأخيرة مِن حَياةِ رَسول الله صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم، وجاءت في سياقِ كلامٍ كُنتُ قد فصلَّتُ القولَ فيه، لكنَّ الوقت أدركني وما أكملت، حينَ قَرأتُ عليكم من زيارةٍ جامعةٍ أوردها ابن المشهدي في المزار الكبير حيثُ جاء في أسماء الصدِّيقة الطاهرة أنَّها فَاطِمةُ الأَفْطَام وَمُربِّيَةُ الأَيْتَام، وما قرأتُهُ عليكم من روايات عن أنَّها تَرعى الأطفال الَّذين يُتوفَّون وآباؤهم وأُمَّهاتهم في الحياة مِن أبناءِ شِيعة عليٍّ، وما جاء من رواياتٍ عن إبراهيم النَّبيّ وعن زوجتهِ سارة، وما فصلَّتُ من القول من منزلة إبراهيم وأين يقع في سلسلة شِيعة الزَّهراء صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، بحسبِ ما بأيدينا من معطيات ونحنُ لا نملكُ كُلَّ المعطيات هذا أوَّلاً، ولا نعرف مقام الزَّهراء ثانياً، ولكنَّنا نُحاولُ أن نتقلَّب كما قُلتُ في أوَّل الحَلقة بين آيات الكتابِ وأحاديث العِترة الطاهرة كما عوّدتكم على طول البرنامج، وفي بقيَّة برامجي لنْ أُخرجَكم من سياج مزرعةِ ورياضِ حدود الكتاب والعِترة الَّتي لا حدودَ لها إلَّا الفلاحُ والسَّعادةُ والنَّجاحُ والكونُ مع إمامِ زَمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه تحتَ خيمةِ الزَّهراء، أسأل الله أن يُبقيَني ومن يُحبّ أنْ يُشاركني في دعائي هذا تَحت خيمةِ الزَّهراء في الدنيا والآخرة بحقِّ جَبينِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم. ما جاء مذكوراً في هذه الرِّوايات هو صورةٌ في طبقةٍ من طبقاتِ هذا الوجود عن رعاية القَيِّمة، هي قَيِّمةٌ على أطفال المؤمنين، وإبراهيم النَّبيّ وزوجتهُ سارة إنَّما هُم في منظومةِ فاطمة لرعاية الأطفالِ والأيتام والأفطام، هذهِ صُورةٌ تَتناسبُ والأمثلة الَّتي سِيقت وتَتناسبُ معَ الطبقة الَّتي تَمَّ الحديثُ عنها من كَلامٍ حولَ الجِنانِ وحَولَ تِلك العَوالم، لكِنَّ فَاطمة تَبقى هي القَيِّمة، القَيِّمةُ عَلى الأفطام والأفطام جَمعُ فَطيم وهم الَّذين فطمتهم عن النَّار، ذراريها وشيعتُها، وتَبقى مُربَّيةً للأيتام بِرعايتها للأيتام الَّذين يَدورون حولها والأيتامُ هُم شيعةُ المهديّ في غيبتهِ، هم أيتام ولكن هُناك يتيمٌ وَقِح! وهُناك يتيمٌ ضالّ! وهناك يتيمٌ شاذّ! وهناك، وهناك، الأيتام الَّذين يدورون في فناءِ فاطمة هي الَّتي ترعاهم وتُربّيهم، وهذهِ صورةٌ تُقرِّبُ لنا معنى القَيِّمة، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، فالقَيِّمةُ فاطمةُ صلوات الله وسلامهُ عليها، لها القيمومة على الدين وأهل الدين، والقيمومة تعني أنَّها حاضرةٌ وناظرة، وهذا الكلام تقدَّم وإنَّما فقط أعيدُه لأجل التذكير كي يتواصل الحديثُ من حيثُ انقطع. أذكركم حينما نقرأ المقتل، وواضحٌ حين أقول المقتل يعني المقتل الحُسيني، وحينما نسمعُ المقتل، هذا هو مقتل الحُسين للمُقرَّم، منشورات الشريف الرضي، صفحة 273، بَعد أنْ ذبحوا الرضيع من الوريد إلى الوريد، هكذا نَقرأ في المقتل ونَسمع من قارئ المقتل – وسَمِعَ عليهِ السَّلام قائلاً يقول: دَعهُ يا حُسين فإنَّ له مُرضِعاً في الجَنَّة – هناك ترابط واضح، المُرضِع فاطمة صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، إذا كانت هي الَّتي ترعى أطفال المؤمنين فهذا عبد الله ذبيحُ الطفوف، هذهِ الأُضحية الَّتي قدّمها الحُسينُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، إذا كَانت عقيلة بني هاشم ليلة الحادي عَشر خَرجت في ذلك الظلام حتَّى وقفت على جسد أبي عبد الله ووضعت يديها تحت ظهرهِ المقطّع الَّذي داستهُ الخيول ورفعتهُ إلى السَّماء من دونِ رأسٍ وقالت: (اللَّهُمَّ تَقَبَّل مِن آلِ مُحَمَّدٍ هَذا القُربَان)، فإنَّ حُسيناً قدَّم قُربانَهُ قبل أن يُقطَع رأسُهُ الشِّريف حين قدَّم الرَّضيع، هذهِ الأضحية، هذا القربان الَّذي قدَّمهُ الحُسين فَسِمع صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه قائلاً يقول: – دَعهُ يا حُسين فإنَّ لهُ مُرضِعاً في الجَنَّة – هذا أيضاً جزءٌ من التواصل الفاطمي مع ما جرى في كربلاء، فاطمة هي القَيِّمة، القَيِّمةُ في زمن الحُسين والقَيِّمة في زماننا هذا!! هذا جزءٌ من قيمومتها أيضاً. هذه صورة أخرى، لكنَّنا لا نمتلك كُلَّ الصُّوَر، ولا نمتلكُ كُلَّ المعطيات إنَّنا نَبحثُ هنا وهناك ولكِن تُلاحظون إنَّ اللوحة تكتملُ شيئاً فشيئاً، صورةٌ أُخرى هي هذه الصُّورةُ من صعيد كربلاء وهذا النِّداءُ إنْ لم يكن من فاطمة فمن منظومة فاطمة في رعاية الأيتام والأفطام. الزِّيارة الجامعةُ الكبيرة الدستور الشِّيعي المقدَّس: حتَّى لو أردتُ أنْ أُغمِض عيني عن كُلِّ ما تقدَّم، ما تقدَّم ذكرهُ في الحلقةِ الماضية وما تقدَّم ذِكرهُ في هذهِ الحلقة من بِدايتها إلى هذهِ اللحظة، لو أردتُ أنْ أُغمض عيني عن كُلِّ تلك الحقائق فماذا أصنعُ مع الزِّيارة الجامعة الكبيرة؟ الزِّيارة الجامعة الكبيرة من أوَّلها إلى آخرها تَصدعُ ما بين أُذُنَيّ بإمامةِ فَاطمة في كُلِّ طبقات الوجود وبإمامتها في هذا العالم الحسّي بكُلِّ مَراتب الإمامة، بكُلِّ أنحائها وأشكالها، مرور سريع أنا لا أستطيع أن أطيل الوقوف كثيراً فقد طال البرنامج وطالت هذه الحلقة، مرور سريع ولكنَّكم يمكنكم أنْ تَتّبِعوا نفس الأسلوب مع سائر المضامين الموجودة في الزِّيارة الجامعة الكبيرة، أنا أعطيكم أمثلة ونماذج مِمَّا جاء في هذه الزِّيارة: أوَّل ما تبدأ الزِّيارة: الزِّيارة في البداية الزَّائر يُوجِّه السَّلام إلى الجهة الَّتي يُسلِّم عليها، أول ما تبدأ ماذا تقول؟ السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيْتِ النُبُوَّة – فاطمة موجودة في هذا المصطلح أم لا؟ الَّذي يقول إنَّ فاطمة ليست موجودةً لعنةُ اللهِ عليه – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيْتِ النُبُوَّة – فَمن هُم أَهلُ بيت النُبُوّة، إذا لم تكن فاطمة في أوَّل القائمة فمن هم أهلُ بيت النُبُوة؟ هذهِ أوَّل عبارة، يعني أنت الآن تُوجِّه سَلامَك إلى الجهة الَّتي تُريد أنْ تزورَها – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيْتِ النُبُوَّة – فاطمة في البداية، أنت حتَّى إذا أردت أنْ تزور إماماً واحداً من الأَئِمَّة فحين تقول: – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيْتِ النُبُوَّة – ستكون أُمُّه فاطمة حاضرةً هنا، أيّ إمام من الأَئِمَّة تزورهُ (يا أهل بيت النُبُوّة) لا يكون شخصاً مُفرداً واحداً، فحين تنوي زيارة الإمام الصَّادق وتُسلِّم عليه بهذه الزِّيارة – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيْتِ النُبُوَّة – الزَّهراء داخلة، الزَّهراء أُمُّهُ، والصَّادقُ هنا هو عنوانُ أهلِ بيت النُبُوَّة، لكنَّ هذا البيت لا يكون بيتاً من دون الزَّهراء – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُبُوَّة – ثُمَّ ماذا؟ – وَمَوضِعَ الرِّسَالَة. تعالوا معي إلى حديث الكساء الشريف، حين سألَ جبرائيل، سألَ الله – يَا رَبِّ وَمَنْ تَحْتَ الكِسَاء – ماذا قال الله في التعريف؟ بعد أنْ قال الله سبحانه وتَعالى – يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَمَاوَاتِي إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءاً مَبْنِيَّة – إلى آخر ما جاء في الحديث الشَّريف – إِلَّا فِي مَحَبَّةِ هَؤُلَاءِ الخَمْسَة الَّذِين هُم تَحْتَ الكِسَاء – جبرائيل ماذاقال؟ – يَا رَبِّ وَمَنْ تَحْتَ الكِسَاء – فماذا قال الله؟ – فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: هُم أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالَة – ماذا تقول الزِّيارة هنا؟ – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُبُوَّة وَمَوضِعَ الرِّسَالَة – الموضع هو المعدن – فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: هُم أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالَة – الله يُعرِّفُهم هنا، مَن هم هؤلاء أهلُ بيت النُبُوة ومعدن الرسالة؟ – هُم فَاطِمَة – فاطمة في بداية القائمة – هُم فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – الله هو الَّذي يشرح الزِّيارةَ الجامعةَ ولستُ أنا، هذا شرحٌ من الله، الله سبحانه وتعالى وصفهم بأنَّهم أهل بيت النُبُوة ومعدن الرِّسالة وشَرَح هذه العبارة قال: – هُم فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – هل هناك من شرحٍ أفضل من شرح الله للزِّيارة الجامعة؟ الزِّيارة الجامعة هكذا تقول: – السَّلَامُ عَلَيكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُبُوَّة وَمَوضِعَ الرِّسَالَة – جبرائيل يسألُ الله أنْ يشرح لهُ، الله شرح هذه العبارة قال: (هُم فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، هل هناك شرحٌ أفضل من شرحِ الله للزِّيارة الجامعة الكبيرة؟ الله هو يشرحُها لنا: (هُم فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا). بقيَّةُ الأوصاف تنطبقُ على فاطمة إذاً، كُلُّ الأوصاف – وَقَادَة الأُمَم، وَسَاسَةَ العِبَاد – هذهِ الأوصاف تنطبقُ على فاطمة – وَسُلَالَة النَّبِيِّين – أوَّل ما ينطبق هذا العنوان على فاطمة، هي السُلالة الحقيقيّة من مُحَمَّد – وَسُلَالَة النَّبِيِّين وَصَفْوَة المُرْسَلِين وَعِتْرَة خِيَرَة رَبِّ العَالَمِين – العنوان الأوَّل للصفوة وللعترة هو فاطمة، وبقيَّة التفاصيل تنطبق على فاطمة. ومن هنا حين يأتي الكلام – وَأَشْهَدُ أَنَّكُم الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُون الْمَهْدِيُّون الْمَعْصُومُون الْمُكَرَّمُون – هذهِ الأوصاف تنطبقُ على فاطمة، غايةُ الأمر أنَّ فَاطمةَ لم تُفصِح عن إمامتِها في الواقع اليوميّ لعدم الحاجة إلى ذلك، لم تُفصِح بتصرُّفٍ مُعيَّن باعتبار أنَّ رسول الله موجود، أمير المؤمنين في زمان رسول الله لم يُفصِح عن إمامته لكنَّهُ كَان إماماً، والزَّهراءُ كَذلك، وهكذا بقيَّةُ الأَئِمَّة، هذهِ الزِّيارة، الزِّيارة الجامعة الكبيرة جاءتنا من إمامنا الهاديّ، فلو كُنَّا نزور بها الإمام العسكريّ في ذلك الوقت هل نكون مُخطِئين؟ هو إمامٌ من الأَئِمَّة، كان الإمام العسكريُّ الحَسن المطهَّر والدُ إمام زمانِنا كان موجوداً في زمانِ أبيه، لكنَّهُ لم يُصرِّح فِعليّاً بإمامتهِ، عدمُ التصريح وعدمُ التفعيل في الواقع اليومي وفي الواقع العادي هل يُلغي الحقائق؟ تَبقى الحقائقُ تحملُ قيمتَها في نفسِها. حين نقول – وَإِيَابُ الخَلْقِ إِلَيكُم وَحِسَابُهُم عَلَيكُم – هذا الوصف أليس يَنطبق على فاطمة بشكلٍ أوضح خصوصاً وهي سيِّدةُ ساحةِ الحساب، وهي صاحبةُ الشَّفاعة بل هي الَّتي تُعطي ولاية الشَّفاعة حتَّى لشيعتِها، تقول لهم: اذهبوا وتشفَّعوا في شيعتِكم، في شيعةِ شيعتِها، هي تتشفَّعُ في شيعتِها وتعطي لشيعتِها الولايةَ في الشَّفاعةِ في شيعتِهم وليس في شِيعةِ فاطمة، هي تُريد أنْ تُعلِي من شأنِ شيعتِها، فتجعل شيعتَها شُفعاءَ في شيعتِهم، فشفاعتها لشيعتِها ولشيعةِ شيعتِها، ويُنادي المنادي أين شيعةُ شيعةِ فاطمة؟ فهي صاحبةُ الحِساب وهي السيِّدةُ الأولى – وَإِيَابُ الخَلْقِ إِلَيكُم وَحِسَابُهُم عَلَيكُم. واضح، هذا الخطاب هو مُتوجِّهٌ للجميع: – مَنْ وَالَاكُم فَقَد وَالَى الله وَمَنْ عَادَاكُم فَقَد عَادَى الله وَمَنْ أَحَبَّكُم فَقَد أَحَبَّ الله وَمَنْ أَبْغَضَكُم فَقَد أَبْغَضَ الله وَمَنْ اِعْتَصَمَ بِكُم فَقَد اِعْتَصَمَ بِالله – هذا الخطاب أليس بالدرجة الأولى يتوجَّهُ لفاطمة وبعد ذلك يتوجَّهُ لأولادها، بسببِ هذا العنوان الكبير يرضى الله لرضا فاطمة ويغضبُ لغضبِها، لماذا؟ لأنَّها هي القَيِّمة، هذا العنوان وضعهُ رسول الله لأنَّها هي القَيِّمة: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. حين نقرأ هذا المقطع – فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمِين وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْمُقَرَّبِين وَأَرْفَعَ دَرجَاتِ المُرْسَلِين حَتَّى لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّب وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَل وَلَا صِدِّيقٌ وَلَا شَهِيد – هذه المقاطع الَّتي تتحدَّث عن عَظَمة معرفةِ فاطمة وعن عَظَمة مقاماتِ آلِ مُحَمَّد، وأنَّ جُزءاً من شأنِهم سينكشفُ لهذهِ المراتب من المخلوقات – حَتَّى لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّب – ولا … ولا … ولا … – إِلَّا عَرَّفَهُم جَلَالَة أَمْرِكُم وَعِظَمَ خَطَرِكُم وَكِبَرَ شَأْنِكُم – فاطمة فُطِمت الخلائقُ عن معرفتِها، هذهِ المعاني لا تتجلَّى بنحوٍ واضحٍ جدَّاً إلَّا في فاطمة وبعد فاطمة تتجلَّى في أولادِها. حين نقرأ هنا في نفس الزِّيارة: – وَبَرِئتُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَعْدَائِكُم وَمِن الجِبْتِ وَالطَّاغُوت – الجبت والطاغوت بالدرجة الأولى هم أعداءُ فاطمة! فالبراءةُ تكون لفاطمة، نحنُ نتبرّأ منهم بين يَدَي فاطمة – وَبَرِئتُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَعْدَائِكُم وَمِن الجِبْتِ وَالطَّاغُوت والشَّيَاطِين وَحِزْبِهِم الظَّالِمِينَ لَكُم الجَاحِدِينَ لِحَقِّكُم وَالمَارِقِينَ مِنْ وِلَايَتِكُم وَالغَاصِبِينَ لِإرْثِكُم – من المصاديق الواضحة والَّتي تتبادرُ إلى الأذهان إرثُ رسول الله، لا أتحدَّث عن فدك، فدك ما هي بإرث، إرثُ رسول الله هو بيتُهُ، إرثُ رسول هو ما لَهُ من أموال، والَّتي اغتُصِبَت وأعطيت لِغَيرِ آلِ رسول الله، فضلاً عن الإمامة والخلافة وسائر التفاصيل الأُخرى، لكن من العناوين الأولى فاطمة هي الَّتي غصبوا إرثَ أبيها منها – وَالغَاصِبِين لِإرْثِكُم الشَّاكِّينَ فِيكُم – لو لم يكونوا شاكّين في فاطمة هل طالبوها بالأدلَّة وهل قذفوها؟ قذفوها على منابرِهم، إمامنا الصَّادق يقول هذا. وحين نقرأ في هذه الزيارة: – وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم – أليس هذا المعنى ينطبقُ على فاطمة، وقبل قليل قرأنا في الرِّوايات إنَّ طاعتَها مفروضةٌ على الجميع – وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم – وحين نقول:- كَلَامُكُم نُور – هذا المعنى ينطبق على فاطمة أم لا؟ إذا انطبقت هذهِ العبارة إذاً بقيَّة الخطابات هي مُتوجِّهة لفاطمة، هذه العبارة:- كَلَامُكُم نُور – كلامُ فاطمة نور أم ليس بنور؟ إذ انطبقت هذهِ العبارة الموجودة في الزِّيارةِ الجامعة الكبيرة على فاطمة بقيَّة العبائر كُلُّها ستنطبقُ على فاطمة، وحينئذٍ الزِّيارةُ الجامعةُ الكبيرة كُلُّ حرفٍ فيها وكُلُّ كلمةٍ وكُلُّ جملةٍ وكلُّ سطرٍ فيها يدلُّ على إمامةِ فاطمة، وبكُلِّ مَراتب الإمامة، في التكوين والتشريع، في الآخرة وفي الدنيا، في الرِّجالِ وفي النِّساء، وفي كُلِّ مكان، الزيارةُ الجامعة الكبيرةُ واضحةٌ جدَّاً وصريحةٌ جدَّاً من أوَّلها إلى آخرها في إمامة الصدِّيقة الكُبرى وبِكُلِّ مراتب الإمامة. أمَّا حديثُ المعرفةِ بالنَّورانيَّة: فهو الآخر يَشعُّ وضوحاً في بيان هذه القضيَّة، وقرأتُ عليكم بعضاً ممَّا جاء فيه، ممَّا جاء في هذا الحديث: وأنا أقرأ عليكم من الجزء السَّادس والعشرين من بحار الأنوار، طبعة دار إحياء التُراث العربي، أوَّل حديث في هذا الجزء، أمير المؤمنين ماذا يقول؟ – يَا سَلْمَانُ وَيَا جُنْدَب، قَالَا: لَبَّيكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، قَالَ عَليهِ السَّلام: مَعْرِفَتِي بِالنَّورَانِيَّة مَعْرِفَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَةُ اللهِ عزَّ وَجَلَّ مَعْرِفَتِي بِالنَّوْرَانِيَّة وَهُو الدِّينُ الخَالِص الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ – السُّؤال هنا مَن هي القَيِّمة بحسب حديث أهل البيت؟ القَيِّمةُ فاطِمَة، فمضمونُ حديث المعرفةِ بالنَّورانية بتصريحهِ وتلميحهِ وتلويحهِ، بعبائرهِ وبإشاراتهِ، هذا الحديث فيه عبارات وفيه إشارات، فيهِ تصريح وفيه تلميح، بكُلِّ ما فيه من عبارة وإشارة، بكلِّ ما فيه من تصريح وتلميح وتلويح أيضاً، التلويح أبعد من التلميح، بِكُلِّ ما فيه يُشير إلى هذا المقام إلى مقام القَيِّمة، ماذا قال؟ قال: – مَعْرِفَتِي بِالنَّورَانِيَّة مَعْرِفَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَةُ اللهِ عزَّ وَجَلَّ مَعْرِفَتِي بِالنَّوْرَانِيَّة وَهُو الدِّينُ الخَالِص؛ ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ – والقَيِّمة فاطمة كما قال أئِمَّتُنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين. في جُزءٍ آخر من هذا الحديث من حديث المعرفة بالنَّورانية الكلام واضح في مسألة الإمامة، الإمامة بكُلِّ مراتبِها، ماذا يقول أمير المؤمنين: – وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ نَبِيٌّ مُرْسَل وَهُو إِمَامُ الخَلْق – الحديث عن إمامة – وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ نَبِيٌّ مُرْسَل وَهُوَ إِمَامُ الخَلْق وَعَلِيٌّ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامُ الخَلْق، وَوَصِيُّ مُحَمَّد كَمَا قَالَ لَهُ النَّبِيّ: أَنْتَ مَّنِّي بِمَنْزِلَة هَارُون مِن مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَأَوَّلُنَا مُحَمَّد وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّد وَآخِرُنَا مُحَمَّد فَمَنْ اِسْتَكْمَل مَعْرِفَتِي – أمير المؤمنين هنا لم يتحدَّث عن أئمَّة اثني عَشر، قال: أوَّلنا مُحَمَّد وأوسطنا مُحَمَّد، بما فيهم فاطمة، حين يتحدَّثون بضمير (نا) تكون فاطمة داخلة – وَأَوَّلُنَا مُحَمَّد وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّد وَآخِرُنَا مُحَمَّد – وما ذُكِر من الأَئِمَّة ذُكِرَ رسولُ الله، وذُكِرَ عليٌّ، وفاطمة الإمامُ الثَّالث من أَئِمَّة الأَئِمَّة، (نَحنُ حُجَجُ الله عَلَى العِبَاد، عَلَى الخَلْق، وَفاطِمَة أُمُّنا حُجَّةٌ عَلَينا). أقرأ عليكم الكلام مرَّة أخرى وستجدون المعنى واضحاً جليَّاً جدَّاً – وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ نَبِيٌّ مُرْسَل وَهُو إِمَامُ الخَلْق وَعَلِيٌّ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامُ الخَلْق، وَوَصِيُّ مُحَمَّد كَمَا قَالَ لَهُ النَّبِيّ: أَنْتَ مَّنِّي بِمَنْزِلَة هَارُون مِن مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَأَوَّلُنَا مُحَمَّد وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّد وَآخِرُنَا مُحَمَّد فَمَنْ اِسْتَكْمَلَ مَعْرِفَتِي فَهُو عَلَى الدِّينِ القَيِّم – وإِنَّما وصف الدِّين بالقيِّم لأنَّهُ دينُ القَيِّمة – فَهُو عَلَى الدِّينِ القَيِّم كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ – هذا كُلُّه كلامُ عليٍّ وما هو بكلامي، هذهِ السطور واضحة صريحة جدَّاً في هذا المطلب، فاطمة هي القَيِّمة، قَيِّمةُ الدِّين – فَمَنْ اِسْتَكْمَل مَعْرِفَتِي فَهُو عَلَى الدِّينِ القَيِّم كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ – أعتقد أنّ العبارات واضحة وصريحة وجليّة. ثُمَّ القضية لا تتوقف على هذهِ العبارة، هذهِ العبارة تأتي في سياق الزِّيارة الجامعة الكبيرة بكُلِّ دلالاتها الواضحة، والكلام لا يقف عند الزِّيارة الجامعة الكبيرة الَّتي تتعانق هي الأُخرى مع حديث الكساء الشريف، ولاحظتم أنَّ الجهة الَّتي توجَّه لها السَّلام الله سبحانه وتعالى شرحها وبيَّنها في حديث الكساء الشَّريف وسورةِ القدر وكُلِّ هذا الكمّ الهائل من الآيات والرِّوايات. ماذا تقولون في هذا التوقيع الشَّريف؟ هذا هو الجزء الثَّالث والخمسون من بحار الأنوار، الطبعة هي طبعة دار إحياء التراث العربي، صفحة 179، باب ما خرج من توقيعاته، هذا التوقيع بدأ في صفحة 178، رقم التوقيع: (9)، ينقلهُ الشَّيخُ المجلسي عن كتاب الاحتجاج لشيخنا الطبرسي رحمةُ اللهِ عليهم جميعاً، هذه الرسالة وهذا التوقيع ربَّما هو الأشهر من بعد رسالة إسحاق ابن يعقوب، رسالة إسحاق ابن يعقوب هي الأشهر بين التوقيعات، ربَّما هذا التوقيع ينالُ شهرةً بين التوقيعات من بعد رسالة إسحاق ابن يعقوب، وهذا التوقيع جاء بعد أن تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشِّيعة في الخَلَف، وأرسلوا كتاباً إلى النَّاحية وجاء هذا الكتاب، لا شأنَ لي بكُلِّ هذه التفاصيل، لكنَّني أقرأ عليكم ما جاء في سطورٍ تَرتبط بالمطلب الَّذي أتحدَّث عنه، ماذا يقول إمامُ زماننا؟ وَإِنَّ الْمَاضِي – يُشير إلى أبيه العسكريّ – وَإِنَّ الْمَاضِي مَضَى سَعِيدَاً فَقِيدَاً عَلى مِنْهَاجِ آبَائِه حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْل ؛ وَإِنَّ الْمَاضِي مَضَى سَعِيدَاً فَقِيدَاً عَلى مِنْهَاجِ آبَائِه حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْل وَفِينَا وَصِيَّتهُ وَعِلْمُهُ وَمَنْ هُو خَلَفُهُ وَمَنْ يَسُدُّ مَسَدَّه وَلَا يُنَازِعُنَا مَوضِعَهُ إِلَّا ظَالمٌ آثِم – الإمام يتحدَّث هُنا عن نفسهِ، حتَّى في هذهِ الضمائر الَّتي جَاءت بِصيغة الغائب لأنَّها تتحدَّثُ باللفظ الغَائب ولكنَّها تُشيرُ إلى شخصهِ الشَّريف، بِحُكم السِّياق المتقدِّم والمتأخّر – وَإِنَّ الْمَاضِي مَضَى سَعِيدَاً فَقِيدَاً عَلى مِنْهَاجِ آبَائِه حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْل وَفِينَا وَصِيَّتهُ وَعِلْمُهُ وَمَنْ هُوَ خَلَفُهُ – يعني وفينا من هو خَلَفُه – وَمَن يَسُدُّ مَسَدَّه وَلَا يُنَازِعُنَا مَوضِعَهُ إِلَّا ظَالمٌ آثِم وَلا يَدَّعِيه دُوْنَنَا إِلَّا جَاحِدٌ كَافِر – يُشير إلى عَمِّه جعفر. إلى أنْ يقول: – وَلَوْلَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُم وَرَحْمَتِكُم وَالإِشْفَاق عَلَيكُم لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُم فِي شُغْل مِمَّا قَدْ اِمْتُحِنَّا مِنْ مَنَازَعِة الظَّالم العُتُلّ الضَّالّ المُتَابِع فِي غَيِّه – يُشير إلى جعفر الكذَّاب – المُضَادّ لِرَبِّه الْمُدَّعِي مَا لَيسَ لَه الجَاحِدِ حَقَّ مَنْ اِفْتَرَضَ اللهُ طَاعَتَه الظَّالِم الغَاصِب – الإمام في كُلِّ هذهِ العبائر يتحدَّثُ عن إمامةٍ وعَن غَصبٍ وإنكارٍ لهذهِ الإمامة وواضح هذا. بعد ذلك ماذا يقول صلواتُ اللهِ عليه؟ – وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ الله لِي أُسْوةٌ حَسَنَة – ما المراد: (وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ الله لِي أُسْوةٌ حَسَنَة)؟ الأسوة ما هي جهتُها هنا؟ واضح الإمام يتحدَّث عن إمامةٍ مغصوبة، الإمام لا يتحدَّث مثلاً عن بستانٍ كبستان فدك أُخِذ منه، صحيح هم أيضاً أخذوا أموال الإمام العسكريّ ولكن لا يوجد في التوقيع أيّ إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى هذا الموضوع، الإمام يتحدَّث عن نفس الإمامة..!! أقرأ عليكم الكلام مرَّة ثانية: هذا الكلام أقرأُه من صفحة 179، من الجزء الثَّالث والخمسين من بحار الأنوار، التوقيع رقم: (9)، المنقول عن كتاب الاحتجاج للشَّيخ الطبرسي، البحار، طبعة دار إحياء التراث العربي، ماذا يقول إمامنا الحُجَّة في التوقيع؟ – وَإنَّ المَاضِي – يعني الإمام العسكريّ – مَضَى سَعِيدَاً فَقِيدَاً عَلى مِنْهَاجِ آبَائِه حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْل وَفِينَا – في الإمام الحُجَّة – وَصِيَّتهُ وَعِلْمُهُ وَمَنْ هُو خَلَفُهُ وَمَن يَسُدُّ مَسَدَّه وَلَا يُنَازِعُنَا مَوضِعَهُ إِلَّا ظَالمٌ آثِم وَلا يَدَّعِيه دُوْنَنَا إِلَّا جَاحِدٌ كَافِر – إلى أنْ يقول – وَلَوْلَا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَحَبَّةِ صَلَاحِكُم وَرَحْمَتِكُم وَالإِشْفَاقِ عَلَيكُم لَكُنَّا عَنْ مُخَاطَبَتِكُم فِي شُغْل مِمَّا قَدْ اِمْتُحِنَّا مِنْ مَنَازَعِةِ الظَّالم العُتُل الضَّالّ – المنازعة في أيِّ شيء؟ المنازعة في الإمامة – مِنْ مَنَازَعِة الظَّالم العُتُل الضَّالّ المُتَابِع فِي غَيِّه المُضَادّ لِرَبِّه الْمُدَّعِي مَا لَيسَ لَه – جعفر ادَّعى الإمامة – الجَاحِدِ حَقَّ مَنْ اِفْتَرَضَ الله طَاعَتَه الظَّالِم الغَاصِب، وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ الله لِي أُسْوةٌ حَسَنَة – أليس الإمام هنا يتحدَّث عن إمامةٍ للصدِّيقة الطاهرة، فهل يتحدَّث هنا عن بستان أو عن قرية فدك أو عوالي الَّتي غُصِبت من فاطمة؟ قد يقول قائل هو يتحدَّث عن ظُلامتِها بالمجمل، يمكن ذلك!! ولكن إذا جمعنا هذا الكلام مع بقيَّة كُلِّ تِلك النُّصوص، مع المضامين الواضحة في حديثِ الكساء وفي سورة القدر وهي سورةُ فاطمة، مع كلِّ تلك الآيات والرِّوايات مع التفسير الرَّمزي الواضح لفدك وأنَّها ليست ببستانٍ صغير، مع كُلِّ ما جاء في الزِّيارة الجامعة الكبيرة وفي حديثِ المعرفةِ بالنَّورانيَّة، إذا جمعنا كُلَّ هذا هل نستطيع أنْ نقول بأنَّ مراد الإمام الحُجَّة – وَفِي اِبْنَةِ رَسُولِ الله لِي أُسْوةٌ حَسَنَة – المراد منها قضيَّة مخصوصة في مسألة ماليّة أو في إرثٍ جُزئيّ؟ الحديث هو عن إرث الإمامة وهذا يُثبِتُ بشكلٍ واضحٍ وصريح إمامتَها صَلوات اللهِ وسلامهُ عليها. دعوني أضربُ لكُم مثالاً لتوضيحِ الفكرة بشكلٍ مُجمل: سورة العنكبوت، الآيةُ الثَّامنةُ والأربعون من سورة العنكبوت، ماذا تقول هذهِ الآية؟ تُخاطِبُ النَّبيَ: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَاب وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُون﴾، الآية ما قالت إنَّك يا رسول الله لا تعرف القراءة والكتابة، الآية قالت إنَّك لم تُمارس القراءة والكتابة بمرأىً وبمسعٍ من النَّاس: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَاب﴾، النَّاس لم يُشاهدوك في يومٍ من الأيَّام وأنتَ تقرأ في كتاب، ولم يُشاهدوك في يومٍ من الأيَّام وأنت تكتب، فتكوَّنت صورة في أذهان النَّاس عن أنَّ النَّبيَّ لا يعرفُ القراءة والكتابة، ولذلك القُرآن يُبَيِّن أنّ هذهِ الصُّورة وهذا الأمر كان بحكمةٍ من النَّبي، هو ما كان يُريد أنْ يُظهِر القراءةَ والكتابةَ بمشهدٍ من النَّاس، وهذا من باب اللطف النَّبوي، أراد أنْ يَقطع الطريق على من سيُشَكِّك برسالتهِ وبكتابِه، فمن البداية هو لم يُظهِر للنَّاس قُدرتَه على القراءة وقدرتَهُ على الكتابة، ولذلك القُرآن هنا يخاطبهُ لا يقول له إنَّك لا تستطيع القراءة ولا تستطيع الكتابة، لاحظوا الآية، الآية الثَّامنة والأربعون من سورة العنكبوت: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَاب وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُون﴾، لربَّما يُشكِّك المُشكِّكون فلقطع الطريق أمام هذهِ المشكلة فإنَّ النَّبيَّ من البداية لم يُظهِر قُدرتَهُ على القراءة ولم يظهر قدرتَهُ على الكتابة، وإلَّا لا يُمكن أنْ يكون النَّبيُّ الأعظم ليس بقارئٍ وليس بكاتب، الَّذي نعتقدهُ في النَّبيّ وهذا الاعتقاد لم يأتِ جُزافاً، هذا منطقُ آل مُحَمَّد، النَّبيُّ أكملُ الخلائق في كُلِّ شيء، فلو كَتَب فخطُّه أَجملُ الخُطوط، ولو قرأ فقراءَتُهُ أجملُ القِراءات وأكملُ القراءات وصوتهُ أجملُ الأصوات، في رواياتنا المعصوم لو أراد أن يُبدي حلاوةَ صوتهِ فإنَّ النَّاس لا تحتملُ جمالَ صوتهِ وحُسنَ صوته، وإنَّما يُظهِرُ من جمال صوتهِ ما يتحمَّلهُ النَّاس، الرِّوايات هكذا تقول، هكذا أخبرونا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، وهذهِ هي عقيدتُنا بهم، يوافقنا من يوافقنا، يخالفنا من يخالفنا، لا نعبأُ بذلك، هذهِ عقيدتنا، نحن هكذا نعتقدُ بهم. فالقُرآن هُنا يُخاطبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَاب﴾، النَّاس ما رأوك تفعلُ ذلك ﴿وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك﴾، وهذا جزءٌ من حكمة النَّبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم، لكن لَمَّا انتفت الحاجة لِمثل هذا الأمر أظهرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلهِ قُدرتَهُ على القِراءةِ والكتابة، في السَّنوات الأخيرة من حياتهِ أظهر قُدرتَهُ على القراءةِ والكتابة. ولذا ماذا قال أئِمَّتُنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين وقد قرأتُ عليكم هذه الرِّوايات فيما سلف أكثر من مرَّة لأهميَّة هذهِ الرِّوايات، هذه الرِّواية عن الإمام الباقر، السَّائل يسأل الإمام: – قُلْتُ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَزعُمُون أَنَّ رَسُول الله لَم يَكْتُب وَلَا يَقْرأ، فَقَال: كَذَبُوا لَعَنَهُم الله، أَنَّى يَكُونُ ذَلِك وَقَد قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، فَكَيفَ يُعَلِّمُهم الكِتَاب وَالحِكْمَة وَلَيسَ يُحْسِن أنْ يَقَرأ وَيَكْتُب. ونفسُ الشَّيء الإمام الجواد السَّائل أيضاً يسألهُ – لِمَ سُمِّي النَّبِيُّ الأُمِّي؟ فَقَال: مَا يَقُولُ النَّاس؟ قُلت: يَزعُمُون أَنَّه إِنَّما سُمِّي الأُمِّي لِأَنَّهُ لَم يُحْسِن أَنْ يَكْتُب، فَقَال: كَذَبُوا عَلَيهِم لَعْنَةُ الله – إلى آخر كلامه صلواتُ اللهِ وسلامه عليه، إلى أن يقول: – واللهِ لَقَد كَانَ رَسُولُ الله يَقْرَأ وَيَكْتُب بِثَلَاثَةٍ وَسَبْعِين لِسَانَاً وَإِنَّما سُمِّي الأُمِّي لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّة وَمَكَّةُ مِنْ أُمَّهَاتِ القُرْى وَذَلِك قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. والرِّواية هنا عن إمامنا الصَّادق: – إِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقْرَأ وَيَكْتُب وَيَقْرَأ مَا لَم يُكْتَب – حتَّى الَّذي لم يُكتَب كان يقرأُهُ صلَّى اللهُ عليه وآله، هذا هو الجزء الثَّامن من تفسير البرهان، منشورات مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. قضيَّةُ إمامة فاطمة كهذه القضيَّة: أوَّلاً: لم تكن هناك حاجةٌ بسبب وجودِ النَّبيِّ الأعظم وبسبب وجودِ أمير المؤمنين..!! أنا أسألكم لو نفترض أنّ النَّبيّ ليس موجوداً، وأنّ الأمير ليس موجوداً، فقط فاطمة موجودة، ألا نرجع إلى فاطمة نأخذ دينَنا ونأخذ تفاصيلَ حياتِنا منها، وإذا أمرت بأمرٍ نأتمرُ بأمرِها؟ يعني إذا أمرت فاطمة وطلبت إقامة مؤسَّسةٍ من المؤسَّسات للحكومة بين النَّاس أو لأيِّ أمرٍ آخر ألا يكون أمرُها مُطاعاً؟ ما هذا الهُراء؟ هُراء هذا، أن نتحدَّث وأن نتناقش في إمامة فاطمة وفي طاعتها وفي معصيتها!! ما هذا الهُراء؟ القضيَّة واضحة وبديهيّة، ولكن حينما يتحرَّك المنهج الأبتر الخبيث تكون هذه هي النتائج. مثلما أحرقوا منزلَها، السَّقيفة أحرقت منزلَ فاطمة، أحرقوا منزلتَها وجاءنا الشَّيطانُ بهذهِ المنظومة العقائدية الخبيثة الَّتي جِيء بها من النَّواصب وأُخرجت فَاطمةَ من أصل الدِّينِ وأُسسِ عقيدتِه، المنظومة العقائدية الحقَّة هي هذه، أصلُ الدِّين الحُجَّة ابن الحَسن وقَيِّمَةُ الدِّين فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. في الحقيقة بودّي أنْ أُكمِل ولكن أَتعبني طول الحديث وأخشى أنْ لا أفي بالمقصود على أحسن وجه لذا أكتفي بهذا المقدار وبقيَّة الحديث تأتينا إنْ شاء اللهُ تعالى في حلقةِ يوم غد. مُلتقانا يتجدَّدُ غداً على نفسِ هذه الشَّاشة في أجواء فاطمة، لا زال الحديثُ عن فاطمة القَيِّمة، مثلما نقرأ في أحاديثنا: مَنْ اِسْتَمَع إِلَى فَضِيلةٍ مِن فَضَائِل عَلِيّ تُغْفَرُ لَهُ جَميعُ الذُّنُوب الَّتِي اِكْتَسَبَهَا بِالسَّمْع، وفاطمة كفؤ عليٍّ، أوَّلُنَا مُحَمَّد أَوْسَطُنَا مُحَمَّد آخِرُنَا مُحَمَّد، أَوَّلُنَا عَلِيٌّ أَوْسَطُنَا عَلِيٌّ آخِرُنَا عَلِيٌّ، أَوَّلُنَا فَاطِمَة أَوْسَطُنَا فَاطِمَة آخِرُنَا فَاطِمَة، أَوَّلُنَا حَسَنٌ أَوْسَطُنَا حَسَنٌ آخِرُنَا حَسَنٌ، أَوَّلُنَا حُسَينٌ أَوْسَطُنَا حُسَينٌ آخِرُنَا حُسَينٌ، أَوَّلُنَا القِائِمُ الْمُهْدِيُّ أَوْسَطُنَا القَائِمُ الْمُهْدِيُّ آخِرُنَا القَائِمُ الْمَهْدِيُّ، كُلُّهم مُحَمَّد، كلُّهم عليٌّ، كُلُّهم فاطمة، هؤلاء أئِمَّةُ الأَئِمَّة، نفس الكلام: مَنْ اِسْتَمَع إِلَى فَضِيلةٍ مِن فَضَائِل عَلِيٍّ غَفَرَ اللهُ لُه جَميعُ ذُنُوبِه الَّتِي اِكْتَسَبَهَا بِالسَّمْع وفَمَن اسْتَمَع إِلَى فَضِيلَةٍ مِن فَضَائِل أمِّ الحَسَنِ والحُسَين غَفَر الله لهُ جَميعَ ذنوبهِ الَّتي اِكتَسَبَهَا بِالسَّمْع وَمَن ذَكَرَ فَضِيلَةً مِن فَضَائِل أُمِّ الحَسَن كذلك. في الرِّوايات عندنا الصديقة الطاهرة هي الَّتي تقول: أَنَّهُ مَن يُصَلِّي وَيُسَلِّم عَلَيهَا طَريقهُ إِلى الجَنَّة. هذه فاطمة فاطمةُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها من إذا ذُكِر حَديثُها حديثُ الكِساءُ اليماني في أيِّ محفلٍ من محافل أهلِ الأرض، من أيِّ ديانةٍ ومن أيِّ مجموعة ولكن هناك مِن شيعتِها، تَحفُّ الرَّحمة بالجميع، هذهِ هي فاطمة، نَحنُ هنا في أجواءِ فاطمة وهنيئاً لنا، هنيئاً لكم، وهنيئاً للفاطميّين. وزهرائيُّون نَحنُ والهوى وَالهوى يَا بَقِيَّة الله والهوى، والهوى زهرائي..!! أَتْركُكُم فِي رِعَايَةِ القَمَر … يَا كَاشِفَ الكَرْبِ عَنْ وَجْهِ أَخِيكَ الحُسَين إكْشِف الكَرْبَ عَنْ وُجُوهِنَا وَوُجُوهِ مُشَاهِدِينَا وَمُتَابِعِينَا عَلَى الإنْتَرْنِت بِحَقِّ أَخِيكَ الحُسَين … مُلتَقَانا غداً على نَفسِ هذهِ الشَّاشة على شَاشَة القَمَر … أَسأَلُكم الدُّعَاء جَميعاً … في أمَانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الجمعة 28 ذو الحجّة 1437هـ الموافق 30 / 9 / 2016م مرّ الحديث في الحلقة الماضية وما قبلها في أجواء حديث الكساء.. وهنا أُلفت النظر إلى هذه النقطة وهي: صحيح أنّ حديث الكساء – من ألفاظه التي بين أيدينا – يدور حول واقعة حدثت في بيت الصدّيقة الطاهرة وفي هذا الأفق الحسّي (أي ما نقل لنا) وقطعاً المجلس يتجاوز هذا الأفق الحسّي لكثرة المعطيات والدلائل التي وردت في هذا الحديث، ولكنّي أُلفت النظر لهذه النقطة الهامّة وهي أنّنا إذا تدبّرنا في حديث الكساء الشريف، سنجد أنّ الذي حدّثنا بحديث الكساء هي الصدّيقة الطاهرة، وفي الأجزاء الأخيرة من هذا الحديث جاء: (ما ذُكر خبرنا هذا في محفل مِن محافل أهل الأرض وفيه جمعٌ مِن شيعتنا ومُحبّينا إلا ونزلتْ عليهم الرحمة، وحفّتْ بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرّقوا) فهناك حثٌ على ذكر هذا الحديث الشريف. النقطة التي أريد أن أُلفت النظر إليها هي: أنّ أوّل من تحدّث بمضمون حديث الكساء هو الله تعالى، وقد حدّث ملائكته بذلك، وحديث الكساء هو الذي يُخبرنا بذلك، حين جاء فيه: (فقال الله عزّ وجل: يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي إنّي ما خلقتُ سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولا قمراً مُنيرا، ولا شمساً مُضيئة ولا فَلَكاً يدور، ولا بحراً يجري، ولا فُلكاً يسري إلّا في محبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الامين جبرائيل: يا ربّ ومَن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجل: هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) هذا هو حديث الكساء، الله يخبر الملأ الأعلى أنّ الخمسة اجتموا تحت الكساء، وهذا هو المضمون الذي نقرؤه في حديث الكساء، وهذا ما قصدته في حلقة يوم أمس حين قلت أنّ واقعة حديث الكساء لم تكن مقصورة على هذا العالم الحسّي مثلما حدث في بيت أمّ سلمة، فأوّل من حدّث بالحديث هو الله، ولهذا كان ذكر هذا الحديث بين شيعة أهل البيت له هذه الخصوصيات: ● مثلاً هذه الخصوصية: (ما ذُكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا إلّا ونزلتْ عليهم الرحمة وحفّت بهم الملائكة، واستغفرتْ لهم إلى أن يتفرّقوا) يعني أنّ هذا الحديث ما ذُكر في أيّ مجموعة بشرية (من كلّ الديانات، حتّى الملحدون، بل وحتّى النواصب) ولكن بهذا الشرط: أنّ فيهم جمعٌ من الشيعة، إلّا ونزلت عليهم الرحمة جميعاً الشيعة وغيرهم حتّى الكفّار والنواصب الموجودين في المجلس، وحفّت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرّقوا (هذا عطاء فاطمة، فهذا الحديث مشحون بالأسرار). فما داموا في هذا المجلس الذي ذُكر فيه حديث الكساء تستغفر لهم الملائكة، ولكن إذا تفرّقوا فهم الذين سينسفون هذا الاستغفار بأعمالهم! إلّا إذا كان هذا الاستغفار سيكون سبباً لهدايتهم وتمسّكهم بعروة محمّد وآل محمّد، فذلك شيء آخر. ● أيضاً من عطايا هذا الحديث هذه العطيّة الفاطمية (ما ذُكر خبرنا هذا في محفل مِن محافل أهل الأرض وفيه جمعٌ من شيعتنا ومحبّينا وفيهم مهموم إلّا وفرّج الله همّه، ولا مغموم إلّا وكشف الله غمّه ولا طالب حاجة إلّا وقضى الله حاجته) وهذه العبارة تشمل أيّ مهموم كان حاضراً في المجلس، سواء كان الشيعة أو من أيّ ملّة كان. هذه هي (الرحمة الفاطمية) ● قول سيّد الأوصياء في أواخر حديث الكساء (إذن والله فُزنا وسُعدنا، وكذلك شيعتنا فازوا وسُعدوا في الدنيا والآخرة وربّ الكعبة) الإمام هنا لا يقول فُزنا وسُعدنا لأجل أنّ هذا الكلام الذي مرّ في تفريج همّ المهموم، وكشف غمّ المغموم هو خاصّ بالشيعة، وإنّما سعادة الشيعة بولاء عليّ وآل علي، وهي سعادة في الدنيا والآخرة، أمّا هؤلاء أهل المحفل من الديانات الأخرى فسعادتهم مؤقتّة، لأنّه مَن جاور السعيد يسعد كما يقول أهل البيت.. أمّا سعادة الشيعة فلكونهم تحت هذه الخيمة، تحت هذا الكساء، فحقائق الشيعة تدور حول عليّ، ويُشير إلى هذا المعنى قصّة إبراهيم حين كُشف له عن ملكوت السماوات رأى الأنوار الخمسة والأنوار التسعة. ●{وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهُنّ..} هذه الكلمات هي كلمات آدم، ولكنّ إبراهيم أتمّهنّ إلى القائم (هكذا ورد في الروايات).. فرأى الأنوار الخمسة، ورأى الأنوار التسعة، والتاسع في ضحضاح من نور، ورأى حول تلك الأنوار أنوار كثيرة، وحين سأل عنها: قيل له إنّهم شيعتهم، فحقائق الشيعة تدور حول عليّ، ترتبط بهذا الجوهر. والشيعة المقصودون في هذا الحديث هم الذين يُثبّتهم الله بالقول الثابت في الدنيا والآخرة (فيُحشرون يوم القيامة شيعة، لا أن تُسلب منهم الولاية)، هؤلاء هم الذين رآهم إبراهيم أنوارهم محيطة بتلك الأنوار. ● قد يستغرب البعض أن تطال السعادة والعطاء في مجلس حديث الكساء أولئك الذين هم على غير ولاية أهل البيت. أقول: لا تستغربوا هذا المعنى، فإنّ الروايات تُحدّثنا وتقول: (لولا بهائم رُتّع – أي في المراعي تأكل علفها – وأطفال رُضّع، وشيوخ رُكّع، وشباب خُشّع، لصببتُ العذاب عليكم صبّا) الحديث عن بهائم وعن أطفال، هؤلاء يكونون سبباً لرحمة العباد فما بالكم وهذا الجوّ، هذه الحقائق.. فالقضيّة بعيدة جدّاً في حديث الكساء، وهذا الذي قصدته من أنّ حديث الكساء هو الوثيقة الأهمّ الذي تتحدّث عن محوريّة الزهراء في هذا الوجود، وتتحدّث عن هذا المضمون: فاطمة القيّمة (إنّها قيّمة الدين والدنيا). ● بعد كلّ هذه البيانات أسأل: إذاً أين نحن عن آل محمّد؟ أين نحن عن الزهراء؟ ولماذا عِبر الأجيال طُمس حديث الكساء؟ ولماذا غُيّبت فاطمة من منظومة العقيدة الشيعية؟! ● آية التطهير هي من جملة شؤونات حديث الكساء، وهي بعمق حديث الكساء لها دلالات أبعد ممّا تُطرح وتُشرح في حدود العصمة وحدود الإمامة على أهل الدين، ومع ذلك حتّى في هذا الأفق التفسيري المعروف فإنّ فاطمة هي سيّدة آية التطهير بنصّ حديث الكساء (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) فهي تنطبق عليهم جميعاً بلحاظ النورية الواحدة والحقيقة الواحدة. فإمامة الزهراء ثابتة من دون الحاجة إلى نقاشات سخيفة.. فآية التطهير – حتّى في الأفق الظاهري الكلامي – هي أدلّ الأدلّة عندنا على إمامة الأئمة، والصدّيقة الكبرى هي سيّدة هذه الآية. ● شؤون فاطمة شؤون سماوية (سقف بيتها عرش ربّ العالمين، حجابها حجاب الله، زواجها في السماء.. والزواج الذي حدث في الأرض كان انعكاساً لذلك الزواج هناك، ما جرى في بيتها من حادثة الكساء اليماني أوّل مَن أخبر به هو الله تعالى) فنحن حين نقرأ حديث الكساء نقرأ حديثاً ترويه فاطمة عن الله، فهو أوّل مَن أخبر به. ● بالأمس حين ذكرت حديث أهل البيت عن مُصحف فاطمة، وأنّ الله هو الذي أملاها، قد يرى البعض (أنّي خرجت عن الحدّ المقبول في الكلام) وأنا أقول: (أنّي قصّرت في حديثي عن فاطمة، وذهبت في الاتّجاه الناقص في الكلام وليس الزائد لأنّ الّلغة قاصرة) وأمّا تفسير ذلك فأبيّنه لكم في هذه الحكاية (وقفة عند حكاية الإيراني الذي يُريد أن يُعلّم العراقي القراءة الصحيحة للقرآن). ● خلاصة الكلام هي: أنّ حديث الكساء بكلّ مضامينه المُجملة التي مرّت الإشارة إليها وكذلك آية التطهير التي هي من جملة شؤونات حديث الكساء، كلّ شيء في هذه الوثيقة النوريّة يصدع ويصدح صريحاً بأنّ فاطمة هي القيّمة، والقرآن صدح بذلك أولاً (وذلك دين القيّمة). ● أمّا الوثيقة الثانية التي طمسها إبليس لعنه الله وأتباعه هي: سورة القدر.. هذه السورة بكلّ رموزها التي تتحدّث عن عميق أسرار لا نستطيع أن نُحيط بها. الروايات تُحدّثنا أنّ السماوات تكادّ أن تأطَّ أطيطاً – أي تُصدر صوتاً – من كثرة الملائكة وازدحامهم، فكيف نتصوّر تنزّل مع الروح الملائكة في ليلة القدر، وهذا النزول ليس تبرّكي، وإنّما نزول تقنيني وظائفي تتحقق فيه معاني العبودية؟! ● تحدّثت في حلقة يوم أمس عن الآية 54 من سورة النساء {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيما} وذكرت تفسير أهل البيت للملك العظيم بأنّه الإمامة والولاية والطاعة المفروضة.. حقيقة ليلة القدر هي من جملة شؤونات هذا الملك العظيم. (علماً أنّني حين أتحدّث عن الملك العظيم، فإنّي أعني بذلك الإمامة على الوجود لا أن يكون خليفة في المدينة المنوّرة! ومثلما يتوجّه الأولياء إلى وجه الله، تتوجّه الكائنات إلى وجه الله. ● هذه المضامين التي تجري في ليلة القدر تجري في الوعاء الفاطمي، وهذا الملك العظيم هو ملك لفاطمة قبل أن يكون مُلكاً للحسين وأولاد الحسين.. فعلى أيّ أساس تُخرّج فاطمة من منظومة العقيدة الشيعية وتُوضع على الحاشية؟ جولة في آيات الكتاب الكريم والعترة الطاهرة نتقلّب في أجواء هذا المضمون وهذا العنوان: فاطمة القيّمة. ● وقفة عند الآية 19 من سورة الأنبياء {وله مَن في السماوات والأرض ومَن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} السماوات والأرض في الكتاب الكريم عنوان لكل الوجود، ولكن هذا لا يعني أنّ كلّ الوجود منحصر في السماوات والأرض، فالأرض هي جزء من السماوات ● هناك مجموعتان في الآية الكريمة: 1- مجموعة (مَن في السماوات والأرض: ويدخل تحت هذه المجموعة الملائكة، الجآن، البشر، وسائر المخلوقات العاقلة). 2- مجموعة (ومّن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون – أي لا يُصيبهم الملل – * يُسبّحون الّليل والنهار لا يفترون) هذه الأوصاف للمجموعة التي عنده تعالى. الإمام الصادق في رواية المفضّل بن عمر يبيّن أن المراد من هذا العنوان (ومن عنده) هم آل محمّد عليهم السلام، وإلى ذلك يُشير دعاء ليلة المبعث (وباسمكَ الأعظم الأعظم الأعظم، الأجلّ الأكرم الذي خلقته فاستقرّ في ظلّك، فلا يخرج منك إلى غيرك) ● قد يقول قائل أنّ (الآية 19 من سورة الأنبياء) لا تتحدّث عن مضمون (القيّمة) وأقول: هذا صحيح، ولكنّي أريد أن أجمع مضمون هذه الآية مع آيات أخرى من حديثهم الشريف. ● وقفة عند الآية 35 من سورة النور {الله نور السماوات والأرض مَثَل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ دُرّي يُوقد مِن شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نورٌ على نور يهدي الله لنوره مَن يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكلّ شيء عليم} الآية في محمّد وآل محمّد، وعندنا حشد كبير من روايات العترة تؤكّد هذه الحقيقة، فهم المَثَل الأعلى الذي جاء ذكره في القرآن، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة أيضاً. واضح من هذا المثل أنّ هذه الشجرة هي الشجرة المُتكاملة التي يكاد زيتها يُضيء (هذه شجرة الفيض، شجرة الحقيقة، شجرة الوجود، شجرة النور…) مَثَل لحقيقة نور الأنوار. ● وقفة عند حديث النبي الأعظم في [بصائر الدرجات] (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عُرضتْ عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومُثّلوا له فاقروا بطاعتهم وولايتهم) ● الأظلة: هي طبقة من طبقات الوجود قبل هذا الوجود الحسّي، كما جاء في زيارة سيّد الشهداء (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد، واقشعرّتْ له أظلّة العرش، مع أظلّة الخلائق) أظلة العرش هي أظلّتهم عليهم السلام.. وأظلّة الخلائق اقشعرّت لدم الحسين لأنّها تعرف هذا الدم. ● قول الرواية (ومُثّلوا له) أيّ مُثّل لكلّ نبي أهل البيت عليهم السلام.. ففاطمة إمام للأنبياء، وإمام للأوصياء، والرواية صريحة في ذلك حين تقول (فاقروا بطاعتهم وولايتهم) فالإنبياء ما تكاملت نبوّتهم وولايتهم حتّى أقرّوا بالولاية لفاطمة، فإذا كانت فاطمة إماماً للأنبياء كيف لا تكون إماماً لنا؟! ● (على محبّتها دارت القرون الأولى) ليس الحديث عن قرون زمانية في الأرض، وإنّما الحديث عن طبقات العوالم المختلفة. ● فاطمة هي الشجرة المُباركة الزيتونة، وقول الآية (لا شرقية ولا غربية) لأنّها هي المحور فهي لا تميل إلى الشرق وإلى الغرب. ● نقرأ في سورة الكهف {وإذ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربّه أفتخذونه وذرّيته أولياء مِن دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً* ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنتُ متّخذ المُضلّين عضُدا} أمّا في سورة البقرة نقرأ {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } الظالمون لا يكونون أئمة ولا يُشهدهم الله خلق السماوات والأرض ولا يتّخذ الله المُضلّين عضداً.. أمّا أهل البيت فإنّ الله يُشهدهم خلق السماوات والأرض، وقدّ مرّت الرواية في حلقة يوم أمس حديث الإمام الجواد (إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، كان ولم يكن معه شيء ثمّ خَلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمَكثوا ألفَ دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها) علماً أنّ الحديث في إمامة إبراهيم حديث عن إمامة شرعيّة دنيوية، أمّا الحديث هنا فهو إمامة على الوجود. ● في دعاء شهر رجب نقرأ: (لا فرق بينكَ وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤُها منك وعودها إليك، أعضاد وأشهاد، ومناة وأزواد وحفظة وروّاد، فبهم ملأت سماءكَ وأرضك حتّى ظهر أن لا إله إلا أنت) آل محمّد هم أعضادٌ وأشهادٌ لله، فاطمة هي عضدٌ لله. ● وقفة عند مقطع من رواية الإمام الباقر في كتاب [دلائل الإمامة] للطبري الإمامي (ولقد كانتْ طاعتها مفروضة على جميع مَن خلق الله مِن الجن، والإنس، والطير، والبهائم، والأنبياء، والملائكة) حتّى البهائم داخلة في طاعة الزهراء وإمامتها، يبدو أنّ المؤسسة الدينية فقط خارجة عن إمامة الزهراء! وهذا المضمون الوارد في الرواية هو نفس المضمون الذي جاء في كلمات أهل البيت في تفسير الآية 54 من سورة النساء {وآتيناهم مُلكاً عظيماً} الملك العظيم هو: الطاعة المفروضة. كما جاء في حديثهم عليهم السلام. ● إذا ما جمعنا هذه المعاني التي تحدّثت عنها (في الآية 19 من سورة الأنبياء قوله تعالى (ومَن عنده) جمعناه مع آية النور، مع الأحاديث التي أشرت إليها في بيان مضامين هذه الآيات وآية الإشهاد والنصوص الأخرى) كلّ ذلك يوصلنا إلى حقيقة واضحة وهي أنّ لفاطمة ولاية نافذة على جميع الأشياء. ● وقفة عند حديث الإمام الرضا في [عيون أخبار الرضا] (فهبط علي جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة ابنتكَ كفوٌ على وجه الأرض، آدم فمَن دونه) والحديث عن آدم وعن الأرض باعتبار أنّ الزواج هو في هذا العالم، وإلّا فإنّه ليس لفاطمة كفؤ في كلّ طبقات الوجود، وكذلك هم آل محمّد عليهم السلام، والسبب في أنّ آدم فمَن دونه ليسوا كفؤاً لفاطمة لأنّهم من رعاياها، فإنّ نبوّة الأنبياء ما تكاملت لهم حتّى أقرّوا بالولاية والإمامة لفاطمة عليها السلام. فإذا كانت جميع الكائنات بما فيهم الأنبياء من رعاياها، فكيف لا نكون نحن مِن رعاياها؟! ● وقفة عند حديث النبي الأعظم، يقول (أتاني ملك فقال يا محمّد: إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد زوّجت فاطمة من عليّ – في السماء – فزوّجها منه) هذا الزواج الذي عُبّر عنه في الأحاديث بزواج النور من النور.. علماً أنّ الحديث عن الكفاءة بين عليّ وفاطمة هنا ليس المراد منه الكفاءة الأرضية، لو كانت كفاء أرضية لماذا كان التزويج في السماء؟! الكفاءة هذه هي في المرتبة الإلهية لوجودهم وهذه المرتبة تعني الإمامة بكلّ شؤونها وكلّ تفاصيلها، فعليٌ إمام وفاطمة كفؤه إمام، وفاطمة إمام وعليٌ كفؤها إمام. ● أمّا أنّ علياً إماماً لفاطمة فهذه عملية تنظيمية مثلما كان الإمام الحسن إماماً للحسين وهكذا.. هذه عملية تنظيمية بلحاظ حاجة الخلق وتنظيم شؤون العباد تكون هذه التراتبية وهذه التشكيلات في أنظمة الإمامة، وليس بلحاظ ذواتهم عليهم السلام، فبلحاظ ذواتهم هم نور واحد. ● وقفة عند هذه الآيات من سورة الرحمن {مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان} وقفة عند أحاديث أهل البيت في معنى هذه الآية. ● (عن يحيى بن سعيد القطّان قال : سمعتُ أبا عبدالله يقول: في قول الله تبارك وتعالى: «مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان» قال: عليّ وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه..) وفي رواية أخرى (عليٌ وفاطمة بحران من العلم عميقان) ● أيضاً رواية أخرى في معنى الآية ({مرج البحرين يلتقيان} قال: – عليٌ وفاطمة – بينهما برزخ لا يبغيان} قال: لا يبغي علي على فاطمة، ولا فاطمة تبغي على علي) ● وقفة عند الآية 119 من سورة التوبة {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين} هذه الكونية ثابتة على طول الخط.. والتقوى هنا هي ولايتهم لأنّ الذي يُتّقى به غضب الله هو ولايتهم، والشيء الذي يُنال به الجنان ويُتّقى به النيران ويُتقرّب به إلى الله – في عقيدتنا – هو ولايتهم.. وسائر التفاصيل إذا لم تكن مُرتبطة بولايتهم ومتفرّعة عن ولايتهم وراجعة إلى ولايتهم فلا معنى لها ولا قيمة لها إن لم تنقلب وبالاً على صاحبها.. أمّا الأعمال الصالحة فتكون سبباً لرقيّ الإنسان إذا دخل من باب الهداية وهو ولايتهم. ● الصادقون: هم الذين في مقام الصدق، وهؤلاء صادقون في علمهم، وفي فعلهم وقولهم، وهذا المعنى لا يُمكن أن يُتصوّر من دون علم مُطلق، وعصمة مُطلقة، وكمال مُطلق، لأنّ الآية تأمر بالكونية الدائمة والثابتة والمطلقة على طول الخط مع هؤلاء الصادقين.. وإخراج الزهراء من الآية يعني إخراجها من مقام الصدق. ● وقفة عند آيات سورة الدهر {إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} هؤلاء الأبرار هم الصادقين، فكلمة الأبرار جوهرها الصدق. إذا قرأنا هذه السورة فإنّنا لا نجد حديثاً عن سيّئات، ولا نجد حديثاً عن خطأ! إنّنا نجد حديث عن أشخاص ليس فيهم من عيب، ولهذا في نفس هذه السورة تأتي هذه الآية {وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً} هذه السُقيا المذكورة في الآية جرت في كلّ طبقات الوجود، فكما أنّ حديث الكساء جرى في كلّ طبقات الوجود، كذلك تفاصيل سورة الدهر جرت في كلّ طبقات الوجود. علماً أنّ تفاصيل هذه السورة أيضاً جرت في بيت فاطمة وفاطمة سيّدة البيت. ففاطمة سيّدة الصادقين، وسيّد الأبرار، وهي التي يتحدّث عنها ولدها الإمام العسكري فيقول (نحن حجج الله على الخلق وفاطمة أمّنا حجّة علينا) فإذا كانت الزهراء حجّة على هؤلاء الصادقين والأبرار، فهل حجّيتها ناقصة؟! قطعاً حجّية الزهراء كاملة عليهم، ومن جملة شؤوناتهم (الإمامة السياسية، وإمامة الحكم) ثُمّ إنّ نفس الإمامة السياسية هي في حاشية مقاماتهم الذاتية عليهم السلام. فكيف لا تثبت لها الحجّية السياسية وهي صاحبة الحجّية الكاملة عليهم ● وقفة عند الآية 77 وما بعدها من سورة الواقعة {إنّه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسّه إلّا المطهّرون} فهل فاطمة من هؤلاء أم لا؟! الزهراء هي سيّدة هذه الآية. وهؤلاء المطهّرون هم الراسخون في العلم في قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم} ● وقفة عن هذه الآية من سورة النساء {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإنْ تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} الذين يعرفون تأويل القرآن هم الراسخون في العلم والمطهّرون وهم أنفسهم أُولي الأمر المذكورين في الآية.. وهم الذين يستنبطون الحقائق من القرآن الكريم بنص القرآن في نفس السورة حين يقول: {وإذا جاءهم أمرٌ مِن الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم..} إذا كانت فاطمة من أولي الأمر، فكيف نتصوّر أنّ الزهراء ليست إماماً! ● وقفة عند الآية 105 من سورة التوبة {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستُردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} هؤلاء هم المطهّرون، وهم الراسخون في العلم، وهم أولو الأمر، وهم المؤمنون الذين رؤيتهم رؤية الله ورؤية رسول الله ● وقفة عند المحاورة التي جرت بين الإمام الكاظم وبين هارون العبّاسي في كتاب [عوالم العلوم – عوالم الزهراء: ج2] (أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكا حتّى أردّها إليك، فيأبى حتّى ألحّ عليه، فقال الإمام: لا آخذها إلّا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: إنْ حدّدتها لم تردّها. قال: بحقّ جدّك إلّا فعلت. قال: أمّا الحدّ الأوّل فعدن – أي اليمن -، فتغيّر وجه الرشيد وقال: إيهاً ! قال : والحدّ الثاني سمرقند، فأربد وجهه – بان عليه الغضب -. قال: والحدّ الثالث إفريقية، فاسودّ وجهه وقال: هيه ! قال: والرابع سيف البحر ما يلي الخزر وإرمينية. قال الرشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي. قال الإمام: قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها، فعند ذلك عزم على قتله) أنا أسأل فأقول: من هو المالك الأوّل والحقيقي لفدك؟ أليس هذا التفسير الذي بيّنه الإمام عن فدك أليس تفسير للإمامة السياسية؟ هل يوجد أحد يقول: أنّ الزهراء لا تملك فدك؟! إذا ثبت هذا المعنى الحقيقي لفدك ثبتت إمامتها السياسية لا على أساس هذه المحاورة فقط، وإنّما على أساس كلّ ما تقدّم من حقائق وما سيأتي وما لا أجد وقتاً لذكره. ● وقفة عند زيارة جامعة للأئمة أوردها ابن المشهدي في [المزار الكبير] ممّا جاء فيها، والخطاب للزهراء: (السلام على الطاهرة الحميدة، والبرّة التقيّة الرشيدة، النقيّة مِن الأرجاس، المُبرّاة من الأدناس..) إلى أن تقول (فاطمة الأفطام، مُربيّة الأيتام). أفطام: جمع فطيم، والأيتام: جمع يتيم، والفطيم واليتيم في الغالب تُطلق على الأطفال. هناك إشارات في هذه الأوصاف الفاطمية. (وقفة عند مجموعة من الروايات التي تكشف لنا جانباً من المعنى) : ● (عن أبي بصير قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إذا مات طفل مِن أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض: ألا إن فلان بن فلان قد مات، فإن كان مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته مِن المؤمنين دُفع إليه يغذوه، وإلّا دُفع إلى فاطمة عليها السلام تغذوه، حتّى يقدِم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته فتدفعه إليه) ● رواية أخرى: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى يدفعُ إلى إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذونهم بشجرة في الجنّة لها أخلاف كأخلاف البقر – أي الضروع – في قصر مِن الدُر، فإذا كان يوم القيامة أُلبسوا وأُطيبوا وأُهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم، وهو قول الله تعالى: {والذين آمنوا واتّبعتهم ذُرّيتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم}) ● رواية أخرى: (عن الباقر عليه السلام قال: لمّا صعد رسول الله إلى السماء وانتهى إلى السماء السابعة ولقى الأنبياء: قال: أين أبي إبراهيم؟ قالوا: هو مع أطفال شيعة علي، فدخل الجنّة فإذا هو تحت شجرة لها ضروع كضروع البقر، فاذا انفلتَ الضرع مِن فم الصبي قام إبراهيم فرد عليه، قال: فسلّم عليه، فسأله عن عليّ، فقال: خلّفته في أمّتي، قال: نِعْم الخليفة خلّفت، أما إن الله فرض على الملائكة طاعته، وهؤلاء أطفال شيعته سألت الله أن يجعلني القائم عليهم ففعل، وإنّ الصبي ليجرع الجرعة فيجد طعم ثمار الجنّة وأنهارها في تلك الجرعة) هذه الروايات تأتي بلسان التقريب وبلسان الرمز، وهنا نقطتين أُشير إليهما: 1- أنّ هذه الروايات بمجموعها تتحدّث عن رعاية فاطمة للأطفال لليتامى للصغار وتتحدّث أيضاً عن أنّ إبراهيم وأنّ سارة في ضمن هذه الأجواء.. قطعاً يكونون تحت نظر فاطمة عليها السلام في العناية بهؤلاء الأطفال. 2- النقطة الثانية: أنّ إبراهيم الخليل إمام بصريح القرآن في قوله تعالى {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ بكلمات فأتمّهنَّ قال إنّي جاعلك للناس إماما} والإمامة هنا إمامة (علمية، شرعية سياسية دنيوية، إمامة في الحكم والقضاء) حين أتمّ إبراهيم الكلمات جعله الله إماماً، وهذه الكلمات التي أتمّهُنّ إبراهيم هي نفس الكلمات التي تلقّها آدم، ولكن إبراهيم أتمّهنّ إلى القائم. -هكذا تُحدّثنا الروايات- وهذه الكلمات التي تلقّاها آدم، وأتمّهنّ إبراهيم ونال بذلك مرتبة الإمامة، هذه الكلمات فاطمة سيّدتها، فإمامة إبراهيم أساساً لم تكن حتّى أقرّ بالطاعة والخضوع لفاطمة عليها السلام. ● ما جاء مذكوراً في هذه الروايات هو صورة في طبقة من طبقات هذا الوجود عن رعاية القيّمة، هي قيّمة على أطفال المؤمنين، وإبراهيم النبي وزوجته سارة إنّما هم في منظومة فاطمة لرعاية الأطفال والأفطام.. لكنّ فاطمة تبقى هي القيّمة على الأفطام (جمع فطيم، وهم الذين فطمتهم عن النار ذراريها وشيعتها) وتبقى مُربيّة للأيتام الذين يدورون حولها، وهم شيعة المهدي في غيبته. ● وقفة عند هذه العبارة الواردة في [مقتل الحسين] للمقرّم، يقول: (وسمع عليه السلام قائلاً يقول: دعه يا حسين فإنّ له مُرضعاً في الجنّة ) المرضع فاطمة.. إذا كانت الزهراء هي التي ترعى أطفال المؤمنين فهذا عبدالله ذبيح الطفوف (الأضحية التي قدّمها الحسين عليه السلام) فهذه صورة أخرى من صعيد كربلاء، وهذا النداء الذي سمعه الحسين إن لم يكن من فاطمة، فهو من منظومة فاطمة عليها السلام، وهذا أيضاً من التواصل الفاطمي مع ما جرى في كربلاء، هذه صورة أخرى من صور قيمومتها. ● وقفة عند الآية 83 من سورة الصافات {وإنّ مِن شيعته لإبراهيم} بحسب السياق الّلغوي الّلفظي {وإنّ من شيعة نوح لإبراهيم} لأنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن نوح، ونوحٌ الذي يشهد له في القيامة ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [الكافي الشريف: ج8] (عن يوسف بن أبي سعيد، قال: كنت عند أبي عبد الله ذات يوم فقال لي: إذا كان يوم القيامة وجمع الله تبارك وتعالى الخلائق كان نوح أوّل مَن يُدعى به، فيُقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم فيُقال له: مَن يشهد لك؟ فيقول: مُحمّد بن عبد الله – باعتبار أنّه الشاهد على الجميع – قال: فيخرج نوح فيتخطّى الناس حتّى يجيء إلى محمّد وهو على كثيب المسك ومعه علي وهو قول الله عز ّوجل: {فلمّا رأوه زُلفة سيئتْ وجوه الذين كفروا} فيقول نوح لمُحمّد “صلّى الله عليه وآله”: يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى سألني هل بلّغت؟ فقلتُ: نعم فقال: مَن يشهد لك؟ فقلتُ: محمّد (صلّى الله عليه وآله) فيقول: يا جعفر يا حمزة اذهبا واشهدا له أنّه قد بلّغ. فقال أبو عبد الله: فجعفر وحمزة هما الشاهدان للأنبياء بما بلّغوا، فقلتُ: جُعلت فداك فعليٌّ أين هو؟ فقال: هو أعظم منزلة من ذلك) ونوحٌ هو أفضل الأنبياء بدليل أنّ إبراهيم عُدّ مِن شيعته، فهو من شيعة نوح عليه السلام.. وفي زيارة النبي نوح نخاطبه ونقول: (السلام عليك يا شيخ المُرسلين) نوحٌ أفضل الأنبياء والذي يشهد له ولبقية الأنبياء جعفر وحمزة ● وقفة عند رواية الإمام السجاد في كتاب [الخِصال] للشيخ الصدوق، وهو يتحدّث عن عمّه العبّاس، يقول: (رحِمَ الله العباس – يعني ابن علي – فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب. وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) الحديث هنا ليس عن الشهداء الذين يُقتلون في المعارك، وإنّما الحديث عن الشهداء الذين يشهدون على الأمم – وإن كان حمزة وجعفر من الشهداء الذين قُتلوا في المعارك – الرواية تقول أّنّ جميع الشهداء يغبطون أبا الفضل العبّاس يوم القيامة، مع أنّ حمزة وجعفر شاهدان للأنبياء بل لأفضل الأنبياء وهو نوح، يعني هما يُوثّقان نوح! الحسين سيّد الشهداء مُطلقاً، وأبو الفضل العبّاس سيّد شهداء الطفوف، والعبّاس عبدٌ للحسين.. لو لم يكن في أعلى درجات العبوديّة للحسين لما نال هذه المرتبة. ● وقفة عند حديث الإمام الكاظم في [عوالم العلوم: ج2] وهو يُحدّثنا عن الساعات الأخيرة من حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله (فبكت، ثمّ بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته، وأكبّ عليه عليّ والحسن والحسين، فرفع رأسه إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمّد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنّك لفاعل، هذه والله سيّدة نساء أهل الجنّة من الاولين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أما والله ما بلغتْ نفسي هذا الموضع حتّى سألتُ الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته، يا عليّ انفذ لمَا أمرتكَ به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل، واعلم يا عليّ إنّي راضٍ عمّن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي والملائكة، يا علي ويل لمَن ظلمها، وويلٌ لمَن ابتزّها حقّها، وويلٌ لمَن انتهك حُرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها، الّلهم إنّي منهم بريء، وهم منّي بُراء، ثمّ سمّاهم رسول الله وضمّ فاطمة إليه وعليّاً والحسن والحسين، وقال: الّلهم إنّي لهم ولمن شايعهم سِلم وزعيم بأنّهم يدخلون الجنّة، وحربٌ وعدوٌ لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخّر عنهم وعن شيعتهم زعيم بأنّهم يدخلون النار، ثمّ والله يا فاطمة لا أرضى حتّى ترضي…) ● ورواية أخرى عن الإمام الكاظم: (ألا إنّ فاطمة بابُها بابي وبيتُها بيتي، فمَن هتكه فقد هتك حجاب الله) إلى أن يقول: (فبكى أبو الحسن طويلاً وأكثر البكاء، وقال: هُتك والله حجاب الله، هُتك والله حجاب الله، هُتك والله حجاب الله يا أُمّه) ● حتّى لو أردت أن أُغمض عيني عن كلّ ما تقدّم من حقائق في هذه الحلقة والحلقة السابقة، فماذا أصنع مع الزيارة الجامعة الكبيرة التي هي من أوّلها إلى آخرها تصدع بإمامة فاطمة في كلّ طبقات الوجود وبإمامتها في هذا العالم الحسّي بكلّ مراتب الإمامة وأشكالها. (وقفة مرور سريع على نماذج ممّا جاء في هذه الزيارة) ● أوّل ما تبدأ الزيارة بهذه العبارة (السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة) إذا لم تكن فاطمة في قائمة “أهل بيت النبوّة” فمَن هم أهل بيت النبوّة إذاً؟ وفي حديث الكساء الشريف نقرأ حين سأل جبرئيل(يا ربّ ومن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجل: هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة هم: فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) هذا شرح من الله للزيارة الجامعة الكبيرة، حين شرح أهل بيت النبوّة ابتدأ بفاطمة.. فهل هناك شرح للزيارة الجامعة أفضل من شرح الله تعالى؟! فبقيّة الأوصاف الواردة في الزيارة الجامعة الكبيرة كلّها تنطبق على فاطمة كهذه الأوصاف (وقادة الأمم، وساسة العباد، وسلالة النبيّين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة ربّ العالمين) العنوان الأوّل للصفوة والعترة فاطمة. ولهذا حين يأتي الكلام في الزيارة الجامعة (وأشهد أنّكم الأئمة الراشدون، المهديّون المعصومون المُكرّمون) هذه الأوصاف تنطبق على فاطمة، غاية الأمر أنّ فاطمة لم تُفصح عن إمامتها في الواقع اليومي لعدم الحاجة إلى ذلك، كما أنّ أمير المؤمنين لم يُفصح عن إمامته في زمان رسول الله باعتبار رسول الله موجود، ولكنّه كان إماماً، وجميع الأئمة بالمثل. ● حين نقول (وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم) أليس هذا الوصف ينطبق على فاطمة بشكل أوضح خصوصاً وأنّها سيّدة ساحة الحساب، وهي صاحبة الشفاعة، بل هي التي تُعطي ولاية الشفاعة حتّى لشيعتها، فتقول لهم: اذهبوا واشفعوا لشيعة شيعتهم، فهي صلوات الله عليها صاحبة الحساب. ● هذا الخطاب (مَن والاكم فقد والى الله، ومَن عاداكم فقد عادى الله، ومن أحبّكم فقد أحبّ الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله) أليس بالدرجة الأولى يتوجّه لفاطمة وبعد ذلك يتوجّه لأولادها بسبب هذا العنوان الكبير (يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها) هذا العنوان وضعه رسول الله لأنّها هي القيّمة. ● حين نقرأ هذا المقطع (فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلى منازل المُقرّبين وأرفع درجات المرسلين..حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد..إلّا عرّفهم جلالة أمركم وعظم خطركم وكبر شأنكم..) هذه المقاطع التي تتحدّث عن عظمة معرفة فاطمة وعن عظمة مقامات آل محمّد وأنّ جزءاً من شأنهم سينكشف لهذه المراتب من المخلوقات. هذه المعاني لا تتجلّى بنحو واضح جدّاً إلّا في فاطمة، وبعد فاطمة تتجلّى في أولادها. ● حين نقرأ هذه العبارات (وبرئتُ إلى الله عزّ وجل مِن أعدائكم، ومِن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم، والجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم، والشاكين فيكم، والمنحرفين عنكم) الجبت والطاغوت بالدرجة الأولى هم أعداء فاطمة، فالبراءة تكون لفاطمة.. نحن نتبرئ منهم بين يدي فاطمة. ● من المصاديق الواضحة لمُصطلح (إرثكم) هو بيت رسول الله وماله من أموال والتي اغتُصبت وأُعطيت لغير أبناء رسول الله، فضلاً عن الإمامة والخلافة وسائر التفاصيل الأخرى. ولكن من العناوين الأولى: أنّ فاطمة هي التي غصبوا إرث أبيها منها. ● قول الزيارة (الشاكّين فيكم) لو لم يكونوا شاكّين في فاطمة هل طالبوها بالأدلّة؟ وهل قذفوها على منبارهم؟! ● حين نقرأ في الزيارة (وذلّ كلّ شيءٍ لكم) أليس هذا المعنى ينطبق على فاطمة؟ ألم نقرأ في الروايات أن طاعتها مفروضة على الجميع؟ ● حين نقرأ في الزيارة (كلامكم نور) إذا انطبقت هذه العبارة على فاطمة، فبقيّة العبارات متوجّهة لفاطمة. ● وقفة عند مقاطع مُقتطفة من حديث سيّد الأوصياء في المعرفة بالنورانية في [بحار الأنوار: ج26] وقد قرأت عليكم مقاطع من هذا الحديث مُسبقاً. مضمون حديث المعرفة بالنورانية بتصريحه وتلميحه وتلويحه، بعباراته وإشاراته وبكلّ ما فيه يُشير إلى مقام القيّمة. ● وقفة عند مقطع من توقيع لإمام زماننا في [بحار الأنوار: ج53] ممّا جاء فيه: (وإنّ الماضي – أي الإمام العسكري- مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه: حذو النعل بالنعل، وفينا وصيّته وعلمه ومَن هو خَلَفه ومَن يسدّ مسدّه، ولا يُنازعنا موضعه إلّا ظالم آثم، ولا يدعيه دُوننا إلّا جاحد كافر- يُشير إلى عمّه جعفر -) إلى أن يقول: (ولولا ما عندنا من محبّة صلاحكم ورحمتكم، والاشفاق عليكم، لكنّا عن مُخاطبتكم في شُغل ممّا قد امتحنّا مِن منازعة الظالم العُتلّ الضال المُتابع في غيّه، المضاد لربّه، المُدّعي ما ليس له، الجاحد حق مَن افترض الله طاعته، الظالم الغاصب) الإمام في كلّ هذه العبائر يتحدّث عن إمامة، وعن غصبٍ لهذه الإمامة.. إلى أن يقول عليه السلام: (وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة) فالإمام هنا يتحدّث عن ظلامة للصدّيقة الطاهرة، وهو يتحدّث عن إرث الإمامة، وهذه إشارة واضحة إلى إمامتها عليها السلام. ● أضرب لكم مثال (لتوضيح الفكرة بشكل مُجمل) (وقفة عند 48 من سورة العنكبوت {وما كنتَ تتلو من قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك..} والفكرة التي تكوّنت في أذهان الناس أنّ النبيّ أمّي لا يقرأ ولا يكتب لأنّه لم يُمارس ذلك أمام الناس.