الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٤٢ – لبّيك يا فاطمة ج٥٩ – فاطمة القيّمة ق٥ Show Press Release (17 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 142 – لبّيك يا فاطمة ج59 – فاطمة القيّمة ق5 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (12٬795 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سَلَامٌ عَلَيك يَا وَجْه الله الَّذِيْ إِلَيهِ يَتَوجَّهُ الأَوْلِيَاء… بقيَّةَ الله… مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَك وَمَا الَّذِيْ وَجَدَ مَنْ فَقَدَك؟!… الْحَلَقَةُ الثَّانِيةُ وَالأَرْبَعُون بَعد الْمِئَة لَبَّيكِ يَا فَاطِمَة الجُزْءُ التاسع والخَمسوُن فَاطِمَة القَيِّمَة – القِسم الخَامِس سَلَامٌ عَليْكُم إِخْوَتِيْ أَخَوَاتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ … لا زِلنا في مجموعةِ حلقاتِ: لبَّيكِ يا فَاطِمة …!! والعُنوانُ الَّذِيْ أَتَحدَّث في أجوائهِ هُوَ نَفسَهُ العُنْوَان الَّذِيْ تَقَدَّم فِيْ الحَلَقَاتِ الْمَاضِيَة: فَاطِمَةُ القَيِّمة صَلَواتُ اللهِ وسَلامهُ عَلَيهَا..!! تقدَّمت تَفاصيل كَثيرة تَحتَ هذا العنوان فاطمةُ القَيِّمَة، ولكنَّني أُذَكِّركم فقط بمعنى القَيِّمَة، القَيِّمةُ: هي صاحبةُ القيمومة، وصاحبةُ القيمومة لابُدَّ أنْ تكونَ حاضرة وناظرة، ومرَّ الحديثُ وأنا أتقلَّبُ بَيْنَ آيات الكتاب وأحاديثِ العِترة الطَّاهرة في تَفاصيلِ هَذا المضمون. مِمَّا ذكرتهُ في الحلقةِ الماضية ما جَاء في التوقيعِ الشَّريف عن إمام زماننا الحُجَّةِ ابن الحَسَن صلواتُ اللهِ وسَلامهُ عليه والَّذي قَرأتهُ عليكم مِن الجُزء الثَّالث والخَمسين من بحار الأنوار لشيخنا المجلسي، طبعة دار إحياء التراث العربي، في صفحة 180، والكلمةُ الَّتي أُريد أنْ أمرَّ عليها هي جُزءٌ من رسالةٍ طويلة، قرأتُ عليكم سطوراً منها في حَلقةِ يوم أمس الرِّسالةُ الَّتي بَعثها جَماعةٌ من الشِّيعةِ إلى إمام زماننا بعد الشِّجار الَّذي حدَث مع ابن أبي غانم القزويني، فمن جملة ما قالهُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه: (وَفِي إِبْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآله لِي أُسْوَةٌ حَسَنَة)، إمامُ زماننا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه يُعبِّرُ في توقيعهِ هذا عن الصدِّيقةِ الزَّهراء يُعبِّرُ عَنها بأنَّها أُسوةٌ لهُ، وهذهِ صورةٌ من أدبِ إمام زمانِنا معَ أُمِّه الزَّهراء، صورةٌ من أدبِ آلِ مُحَمَّد معَ الصدِّيقة الكُبرى، وهذا المضمونُ يتجلَّى من مضمونٍ كَبيرٍ وواسعٍ جدَّاً تِلكَ هي كَلمةُ إمامنا العسكريّ والدِ إمامِ زَماننا: (نَحنُ حُجَجُ اللهِ عَلَى الخَلْق، حُجَجٌ اللهِ عَلَى العِبَاد، وَفَاطِمَةُ أُمُّنَا حُجَّةٌ عَلَينَا)، كلمةُ إمام زمانِنا هنا هي لوحةٌ مَهدويَّةٌ جَليَّةٌ واضحةٌ بيِّنةٌ من هذا المضمون، فَفَاطِمةُ حُجَّةٌ عليهم. إذا أردتُ أنْ أتتبَّع كلمات المعصومين أو ما كَانَ يَصدرُ منهم من أدبٍ عالٍ جدَّاً معَ الصدِّيقةِ الطاهرة قد أحتاجُ إلى وقتٍ إلى تقليب كتب الحديث فيطول البرنامج، لكنَّني أختصرُ عليكم الطريق بكلمتين: الكلمةُ الأولى: كلمة إمامنا الصَّادق حين سألوهُ عن إمام زماننا الحُجَّة ابنِ الحَسن، فماذا قال؟ قال: (لَو أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي)، مَن الَّذي يتكلَّم؟ جَعفرُ ابن مُحَمَّد إمامُنا الصَّادق يتحدّثُ عن إمامِ زمانِنا الحُجَّة ابن الحسن، (لَو أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَيَاتِي)..!! وإمامُ زماننا صلواتُ الله عليه يتحدّثُ عن أُمّهِ الزَّهراء فيقول: (وَفِي إِبْنَةِ رَسُولِ الله لِي أُسْوَةٌ حَسَنَة)، أعتقد أنَّ معالم الأدب العالي في التعاملِ مع الصدِّيقة الكُبرى واضحةٌ جدَّاً من هذهِ الكلماتِ الموجزةِ المختصرة، وهذا الأدبُ هُوَ من أدبِ رسول الله، بل هُو أدبُ رسول الله صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم، أَوَّلُهُم مُحَمَّد، أَوْسَطُهُم مُحَمَّد، آخِرُهُم مُحَمَّد، كُلُّهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِه. رَسُول الله صلّى الله عليهِ وآله وسلَّم يُخاطبهُ القُرآن في سورة القلم في الآيةِ الرَّابعة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، هل هذا الخطابُ خاصٌّ فقط بالنَّبيّ الأعظم؟ هذا الخطابُ مُوجَّهٌ لرسول الله، ولكنَّ المضمون مضمونٌ يتجلَّى فيهم جَميعاً، كَالمضامين الَّتي تَتجلَّى في الزِّيارةِ الجَامعةِ الكَبيرة، المضامين الَّتي تتجلَّى في الزِّيارةِ الجامعةِ الكبيرة هي تفصيل قولٍ وبيانٌ جَزلٌ لهذهِ الكلمة، فالكلمةُ هذه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، إنَّها لا تتحدَّثُ عن خِصالٍ في التعاملِ معَ الآخر، هذا جزءٌ منها، إنَّها لا تتحدَّثُ عن ملكاتٍ نفسيّةٍ معيّنة يتحدَّثُ عنها عُلماءُ الأخلاق، هَذا جُزءٌ مِن المعنى، إنَّها لا تتحدَّثُ عَن سِماتٍ شَخصيةٍ تَرسمُ صُورَةً متكاملة هذا جُزءٌ منها، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، هذه الآيةُ تتحدَّثُ عن مجمعِ معاني الأسماءِ الحسنى الَّتي تجلَّت في ذاتِ رسولِ الله وفي صِفاتهِ وفي أفعالِه، وأقوالهُ قطعاً هي جُزءٌ من أفعالِه، هذا المضمون جزءٌ منه ما يتجلَّى من أدبٍ عالٍ حين يقول صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّم: (أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأدِيبِي وَعَلِيٌّ أَدِيْبِي)، كلمةٌ تَجمعُ كُلَّ المحاسنِ وتنفي كُلَّ شرٍّ كما هو في وصفِ فاطمة، فاطمة هي المفطومةُ عن الشَّرّ، فحينما تُفطَمُ عن الشَّرّ سيتجلَّى فيها كُلُّ الخير، لذا قال صلَّى الله عليه وآله: (لَوْ كَانَ الحُسْنُ هَيْئَةً لكَانَت فَاطِمَة، لَو كَانَ الحُسْنُ صُورَةً لَكَانَت فَاطِمَة صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامهُ عَلَيهَا)، فهذا المضمون مضمونٌ مُحَمَّدِيٌ عَلَويٌّ فَاطِمَيٌّ، هذا هو مضمونهم الَّذي تكفّلت الزِّيارةُ الجامعةُ الكبيرةُ ببيانهِ وشرحهِ وتوضيحهِ. فصورةٌ من صُوَرِ الأدبِ المُحَمَّديّ معَ فَاطمة، معَ مُهجتهِ فَاطمة، مع بضعتهِ، مع رُوحه الَّتي بين جنبيه، صورةٌ من صُوَرِ الأدبِ معَ فاطمة ما كان يُردِّدهُ صلَّى اللهُ عليه وآله: (فِدَاهَا أَبُوهَا)، في مواطن عديدة وهو يُريد أنْ يُلفِتَ أنظارنا، يُريد أنْ يُلفتَ أنظار الأُمَّةِ كيفَ تتعاملُ معَ فاطمة، إذا كان مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وآلهِ يقول لها: (فِدَاهَا أَبُوهَا). مرّت علينا كلمةُ النَّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلَّم الَّتي حَدَّثنا بها إمامُنا بابُ الحوائج وأنا أقرأُها من عوالم العلوم، الجزء الثَّاني من عوالم الزَّهراء صَلواتُ اللهِ عليها، صفحة 554: (ثُمَّ واللهِ يَا فَاطِمَة – وهي من كلمات النَّبيّ الأعظم في اللحظاتِ الأخيرة من حياتهِ – ثُمَّ واللهِ يَا فَاطِمَة لَا أَرْضَى حَتَّى تَرْضَي ثُمَّ لَا أَرْضَى حتَّى تَرضَي)، حِينَ نَسَبَ نَفسَهُ إِليها رَسَم لنا صورةً عاليةً وأنيقةً وسَامقةً من صُوَر الأدب حين تحدَّث عن حقيقتِها فسمَّاها بأُمِّ أبيها، فَجعلها أصلاً ونَسَبَ نَفسَهُ إلى ذلك الأصل، هِي صُورةٌ من صُوَر التعبير الأدبي الرَّاقي والَّذي يتحدَّثُ عَن حَقيقةٍ واسعةٍ جدَّاً. أمير المؤمنين يُحدِّثنا عن الصدِّيقة الطَّاهرة: – قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ الله – أمير المؤمنين يقول، فاطمة قالت – قَالَ لِي رَسُولُ الله يَا فَاطِمَةُ مَنْ صَلَّى عَلَيكِ – من صلَّى عليكِ مرَّة واحدة، أو كان مُستمرَّاً في الصَّلاةِ عليها، ولكن من صلَّى على فَاطمة مرَّةً واحدة بأدبٍ، بأدبٍ حتَّى لو كان في حدود النيَّةِ الخالِصة السَّليمةِ وبمعرفةٍ – يَا فَاطِمَة مَنْ صَلَّى عَلَيكِ غَفَرَ اللهُ لَه – من صلَّى صلاةً تتناسب وفاطمة، بحسبهِ قطعاً، بحسب المصلِّي، صلَّى صلاةً تتناسبُ وفاطمة – مَنْ صَلَّى عَلَيكِ غَفَرَ اللهُ لَه وَأَلْحَقَهُ بِي حَيثُ كُنْتُ مِنْ الجَنَّة – ألا تُلاحظون هذا المعنى يَنسجمُ انساجاماً جليَّاً معَ زِيارتِها الشَّريفة، فماذا نقرأُ في زيارتها الشَّريفة؟ (فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا – ألحقتِنا بمُحَمَّدٍ وعليّ – لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، وهل المغفرةُ إلَّا صورةٌ من صُوَرِ التطهُّرِ والتطهير!! يَا فَاطِمَة مَنْ صَلَّى عَلَيكِ – يُصلِّي عليها حين يُصدِّقُها، حين يُؤمِنُ بها، حين يَرتَبطُ بها – مَنْ صَلَّى عَلَيكِ غَفَرَ اللهُ لَه وَأَلْحَقَهُ بِي – برسول الله – حَيْثُ كُنْتُ مِنْ الجَنَّة – ومعنى الصَّلاة هُنا على فاطمة هو نفسُ المعنى الموجود في زيارتها الشِّريفة: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وَبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُسْتودَعِ فِيَهَا)، هذهِ الرِّوايةُ قرأتُها عليكم من عوالم العلوم، الجزء الثَّاني من عوالم الصدِّيقة الطاهرة، صفحة 1133. تعالوا معي إلى حديثِ الكِساءِ الشَّريف لنَرى كَيفَ كَانَ الأدبُ الإلهيُّ معَ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، حين تحدَّث عنها سُبحانهُ وتَعالى لقّبها، الله سُبحانه وتَعالى هو الَّذي يتحدَّث، العالي إذا تحدَّث عمّن هو دُونه لا يُلقّبهُ إلَّا إذا كَانت هُناك خُصوصيّة أو هُناكَ حكمة يُريدُ العالي أنْ يُبَيِّنها، فهُنا في حديث الكِساء الله يقول حين سأل جَبْرَائيل مَن هؤلاء الَّذين هُم تَحت الكساء؟! فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ هُم أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالَة – هذهِ الألقاب ألقابٌ لهم جَميعاً ولكنّها في هذهِ الجُملة بالدرجة الأولى تنصرفُ إلى فاطمة، لماذا؟ لأنَّ الله سُبحانهُ وتَعالى بَيَّنَ الَّذين يقصدهم قال: – هُمْ فَاطِمَة – العنوان الأول فَاطِمَة – هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – أولاً، لقّبها ذكرها بالألقاب وبأشرف الألقاب – هُمْ أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالة – وذكرها أوَّلاً – هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – هذا ثانياً، ونَسَبَ إليها أشرف الموجودات! هؤلاءِ سادةُ الكائنات نَسَبَهُم إلى فاطمة، لقّبها أوَّلاً وبدأ بذكرِها، ثانياً، نَسَبَ إليها أشرف الموجودات، جاء ذكرُهم تبعاً لها – هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا – وقبلَ ذلك فإنَّ الله سُبحانه وتعالى يُحدِّثُ ملائكتهُ – يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سُكَّان سَمَاوَاتِي – الحديث للجميع، لأنَّ السَّماوات لا تسكنها الملائكةُ فقط، سُكَّان السَّماوات أصناف وأصناف، وصنفٌ كبير منهم الملائكة – يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَمَاوَاتِي إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءَاً مَبْنِيَّة وَلَا أَرْضَاً مَدْحِيَّة وَلَا قَمَراً مُنِيراً – لو أنَّ الجملة هكذا كانت – إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءَاً مَبْنِيَّة – جميع هذهِ التفاصيل تَدخلُ في السَّماء المبنية لأنَّ العناوين الَّتي جاءت مذكورةً هي تفاصيل تحت عنوان السَّماء المبنيّة، ولكنَّ الله سبحانه وتَعالى يُريد أن يُفصِّل في جميع الجهات، ليُبيِّن ولايتَهم ومنزلتَهم وظهورَهم صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين وفاطمةُ هي العنوان الأوَّل – إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَمَاءَاً مَبْنِيَّة وَلَا أَرْضَاً مَدْحِيَّة وَلَا قَمَرَاً مُنِيراً وَلَا شَمْسَاً مُضِيئَة وَلَا فَلَكَاً يَدُور وَلَا بَحْرَاً يَجْرِيْ وَلَا فُلْكَاً يَسْرِيْ إِلَّا فِي مَحَبَّةِ هَؤُلَاءِ الخَمْسَة الَّذينَ هُمْ تَحْتَ الكِسَاء – وحين نَزلَ جَبْرَائيل بَيَّن هذا المعنى، أنَّ كُلَّ شيءٍ مَا خُلِقَ إلَّا لأجلِكم ومحبَّتِكُم، هذا الحديثُ إلى أيِّ شَيءٍ يُشير؟ يُشير إلى أنَّ كُلَّ الأشياء هي في طاعتهم، هي في مُستوى العبوديّةِ والخُضوعِ والطَّاعةِ لفاطمة وآلِ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، هكذا يُعلِّمُنَا حَديثُ الكِساء كَيفَ نَتأدَّبُ معَ فَاطمة، وكَيف نَتحدَّثُ عن فاطمة، وفي أي مستوىً من المستويات نتحدَّث. هل كما يتحدَّثون عن فَاطمة من أنَّها مُناضلةٌ تُناضلُ في جوِّ العمل الإسلامي؟! هل نتحدَّثُ عن فَاطمة بِهذهِ الأوصاف الضيِّقة كَانت تُحسِنُ إدارةَ شؤونِ بيتها وكَانت تُحسنُ تَربيةَ أطفالِها؟! أساساً هل أنَّ أطفالَها هُم بِحاجةٍ إلى تَربية؟! أيُّ منطقٍ هذا؟! نَحنُ نَتحدَّثُ عن هذهِ الكائنات، هَل أنَّ أطفالَها بحاجةٍ إلى تَعليمٍ وإلى تَربية وأطفالُها هم مُشرِّعون؟! أنا هنا لا أُريد أنْ أخوض في هذه التفاصيل، لكنَّ حديثَ الكِساءِ يُعلِّمنا كَيف نتأدَّبُ معَ فَاطمة وكيفَ نتحدَّثُ عن فَاطمة، هذا لا يعني أنَّنا لا نذكرُ المطالب الَّتي أشرتُ إليها ولكنَّ هذهِ المطالب في الحاشية، لا أنْ نَجعل مِن هَذه المطالب متناً وفي ضوء هذا المتن نُريد أنْ نعرفَ فاطمة، هذا طَمسٌ لمعرفة فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، أنْ نتحدَّث عن شؤونِ بيت فاطمة، أنْ نتحدَّث عن الجانب الأُسَرِي في حياةِ فَاطمة شَيءٌ تحدَّثت بهِ أحاديثُهم الشَّريفة ولكنَّ هذا يَبقى على الحاشية، لا تتحوَّل الحواشي إلى مُتُون وبالتالي ستغيبُ المتون، وإذا غابت المتون حينئذٍ سنؤكِّدُ الجَريمةَ الَّتي ارتُكِبَت في الواقع الشِّيعيّ بحقِّ فاطمة وهي إحراقُ منزلتِها، من الأساليبِ الَّتي تَجعل هذهِ الجريمة ليسَت واضحةً حين نتحدَّث بهذا المستوى عن فَاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، حديثُ الكساء حينما تقرأونهُ ألا تتدبَّرون فيه؟! المستوى الَّذي تحدَّث بهِ الله سُبحانهُ وتَعالى عَن فَاطمة هو هذا المستوى، المستوى عن الكَون والوجود، وعَن رَبطِ هذهِ الكائنات بمحبَّتهم وبِهِم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، وحينَ وَصَفَهم وَصَفَهُم بهذهِ الأوصاف الَّتي هي مِنطقُ الزِّيارة الجامعة الكبيرة، هذا هو المستوى: (عَلِّمنِي يَا اَبْنَ رَسُولِ الله قَوْلاً أَقُولُه بَلِيغَاً كَامِلاً إذَا زُرْتُ وَاحِدَاً مِنْكمُ)، ثُمَّ تحدَّث اللهُ بهذهِ الإشارة الواضحة فقال: (فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، يتحدَّث عن خصوصيةٍ في فاطمة، فلابُدَّ أنْ نُحافظ على هذهِ الخصوصيَّة في فاطمة، هذا هو مستوى الأدب الإلهي الَّذي يُريده اللهُ سُبحانه وتعالى مِنَّا..!! رسالةُ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وآله: (إِنَّما بُعِثْتُ – لأيِّ شيءٍ؟ – لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاق ؛ إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاق) – مكارمُ الأخلاق هذهِ تجمعها هذه الكلمة: (تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الله)، تخلَّقوا بأخلاقِ الله، هذهِ هي أخلاقُ اللهِ مع فاطمة، وهذهِ هي آدابُ الله معَ فاطمة، الَّذين يَخرجون عن هذا المستوى هؤلاء يَخرجون عن أدبِ الله، بعبارةٍ أخرى هؤلاء ليسوا بِمُؤدَّبين، هؤلاء هُم الَّذين يَخرجون عن حدود الآداب وليست فاطمة الَّتي تخرجُ عن حدود الآداب!! تُلاحظون كيفَ أنَّ الله يتحدَّثُ عن فاطمة، إنَّهُ يتحدَّثُ عن رَبط التكوين، عن ربطِ الحركةِ والسُكون، الحركةُ والسكون في هذا الوجود مُرتبطةٌ بهم. في الزِّيارةِ الجواديّة الشَّريفة، الزِّيارةُ الجواديّةُ مرويةٌ عن إمامِنا الجواد نزورُ بها إمامَنا الرِّضا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهما وآلهما الأطيبين الأطهرين، هكذا نُخاطبهم، نُخاطبُ الإمامَ الرِّضا، نُخاطِب آلَ مُحَمَّد: (وَبِكُم تَحرَّكَت المُتَحَرِّكَات – وبِكُم، بِكُم تتحرَّك المتحركات – وَبِكُم تَسْكُنُ السَّوَاكِنْ)، الحركةُ والسكون في هذا الوجود مُرتبطٌ بهم، والحركةُ والسكون يعني كُلَّ شيء، وحديثُ الكِساءِ يتحدَّثُ عن هَذا المضمون، وحين يأتي هذا الوصف: (هُمْ أَهْلُ بَيتِ النُبُوَّة وَمَعْدِنُ الرِّسَالَة)، هذا إجمالٌ لكلِّ مضامين الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة، وحين يقول الباري: (هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، هذه خصوصيّةُ فاطمة، فحينَ نتحدَّثُ عن فاطمة لابُدَّ أن تكون لها خصوصيّة، وخصوصيّةُ فاطمة هي هذه الَّتي أقولها في هذا البرنامج: (فَاطِمَةُ القَيِّمة)، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، هذهِ خصوصية فاطمة حيثُ ربط القُرآن الدِّين بها، فجعلَ الدِّينَ دينَها صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، إذا أردنا أنْ نتحدَّث عَن فَاطمة لابُدَّ أن نتحدَّث بهذا الأفق، بهذا المستوى كي نتأدَّب بآدابِ اللهِ معَ فاطمة، كي نتخلَّق بأخلاقِ اللهِ معَ فاطمة صلواتُ الله عليها وعلى أبيها وعلى بعلِها وبنيها. ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۞ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۞ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ سورةُ الكوثر صورةٌ من صور الأدب الإلهي، من صُور الأدب القُرآني معَ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، صَحيحٌ ما عندنا نَصٌّ لفظيّ في معنى أنَّ الكوثر فَاطِمَة عليها أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام ولكنَّ الآية والسُّورة والوقائع التأريخية المُلابِسة لهذهِ السُّورة صريحةٌ في معنى الكوثر، ولا حاجةَ للجَدَلِ والنِّقاشِ في مثل هذا المطلب، على طول القُرآن أجملُ الأوصاف بحسبِ أحاديثِ أهل بيت العصمة لا بحسبِ كُتُبِ تفسيرِ عُلمائنا، أبداً، في كُتبِ تفسيرِ علمائنا ما جاء من رواياتٍ تُفسِّرُ العديد والكثير من آيات الكتاب الكَريم في شأنِ فاطمة وتُطلقُ أوصافاً وأسماءاً ومُصطلحات خاصَّة بِفاطمة في كُتُبِ عُلمائنا التَفسيرية في تَفاسيرِهم لم يُشيروا إلى ذلك، لكن في كلماتِ أهلِ بيت العصمة في كتب الحديث هذه القضيَّة واضحة وصريحة وبَيِّنة، الكلمةُ الطيّبة فَاطمة، الشَّجرةُ الطيّبة فَاطمة، الحبَّة، الحبَّةُ المباركة الَّتي تُنبِتُ سَنابلَ الطهر والخير فَاطمة، ليلةُ القَدرِ فَاطمة، اللَّيلةُ المباركة فَاطمة، مِشكاةُ النُّورِ والزَّيتونةُ اللاشرقية واللاغربية، والنُّورُ على النُّورِ فاطمة وشؤونُ فاطمة..!! إلى قائمةٍ طويلةٍ من الألقابِ والأسماء والأوصافِ القُرآنيةِ الزَّهرائيَّة ورَدَت في كَلماتهم الشَّريفة. كما قُلتُ في تفاسير علمائنا ومراجعنا لا ذِكرَ لها، في كَلماتِ أهلِ البيت، والكوثرُ في هذا السِّياق، وهذا لونٌ عالٍ من الأدب الإلهيّ ومن الأدب القُرآني في التعاملِ مع فَاطمة، الألفاظُ الجَميلة، الكلماتُ الفَخمة، المعاني العالية، المصطلحاتُ المنيرة، أَسبغَها الله في قُرآنهِ على فاطمة، والكوثرُ هذا شأنٌ من شؤونِها كحالِ بَقِيَّة الأسماء والأوصاف، الكوثرُ هو الكَثيرُ والكَثيرُ والكَثير، هذهِ الصِّيغة صيغة الفَوْعَل تتحدّثُ عن الكَثيرِ والكَثيرِ والكَثيرِ والكثير، سِياقُ السُّورةِ والآيات واضح: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾؛ أعطيناك كُلَّ شيء، فبعد أنْ أعطيناك كُلَّ شيء: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وهذا المعنى صِيغَ البرنامجُ على أساسهِ لذا بعد مجموعةِ حلقات لبَّيكِ يَا فَاطِمَة سَتأتينا حَلقاتٌ بهذا العنوان: (معاني الصَّلاة)، فبعدَ الكَوثر تأتي الصَّلاة: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وانحر أي ضع اليدين عند المنحر، هكذا بيَّن أئِمَّتُنا مَعنى هذهِ الآية، روايات عديدة من رواياتهم بيَّنت معنى الآية: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، أي وتوجّه، توجّه إلى الجهة الصَّحيحة، وهذا ما سيأتي بيانهُ في الحَلقاتِ الَّتي سَتكونُ تحت هذا العنوان: (معاني الصَّلاة). ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾؛ أعطيناكَ كُلَّ شَيء، أعطيناك كُلَّ شيءٍ وبعدَهُ فإنَّك لا تَحتاجُ إلى شيء، الخطابُ بالصِّيغة اللفظيّة إلى رَسُول الله ولكِن المعنى مُوجَّهٌ إلينا، الخطابُ مُوجَّهٌ إلينا، نَحنُ أُعطيِنا الزَّهراء، فُتِحَت لنا الأبواب، هذا المعنى هُو مَعنى زِيارتها الشَّريفة: (فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا – من دونها لنْ نَستطيعَ اللِّحاقَ بهما، بمُحَمَّدٍ وعليٍّ – فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ)، الطهارةُ بهذا الكَوثر وما الكَوثرُ إلَّا نَهرٌ في الجنة، والكوثرُ نَهرٌ في الجنَّة هذهِ صورةٌ في طبقةٍ من طبقاتِ الوجود من معنى الكَوثر، الكَوثرُ في هذهِ الدنيا هو ولاءُ فَاطمة، ولاءُ فاطمة هوَ النَّهرُ الَّذي يُطَهِّرُنا، هوَ الحوضُ الَّذي إذا ما شَربنا منه يُنَظِّفُنا، يُلْحِقُنا بمُحَمَّدٍ وعليٍّ، أليس القُرآن نَزلَ بإيَّاك أعني واسمعي يا جارة، فالخِطابُ لفظاً لمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآله ومعنىً إِليَّ وإليك، المعاني موجّهة إلينا. نحنُ نَقتربُ من وقت الأذان بحسبِ التوقيت المحلي لمدينة النَّجف الأشرف، نذهبُ إلى فاصل فاصل الأذان النَّجفي وبعدَ الفاصلِ أعود إليكم. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيْهَا والسِّرِّ المُسْتَودَعِ فِيَها … أعتقدُ أنَّ مَا تَمَّ بَيانهُ لحدِّ الآن تَحت هذا العُنوان: (فَاطِمَةُ القَيِّمَة)، وصل إلى الحدِّ المناسب في عرضِ المطلب وتوضيح المسألة وتَشخيص هَذا المفهوم بحشدٍ واضحٍ من الآيات الكريمة والنُّصوص المعصوميّة الشَّريفة. هناك جملةٌ من التنبيهات أحببتُ أنْ أُشير إليها، أنْ أتناولها في هذا الجُزءِ من البرنامج: التنبيهُ الأوَّل: هناك روايةٌ ذكرها الشَّيخ المجلسي، هذا هو الجُزء الثَّالث والأربعون من بِحار الأنوار، طبعة دار إحياء التراث العربي، وهذهِ الصَّفحة 42، ورقمُ الحديث 43، ينقُل عن مناقب ابن شَهر آشوب المازندراني، وصاحب المناقب ينقل هذهِ الرِّواية عن كُتب المخالفين، يَنقلُها عَن صحيح الدارقطني: – أنَّ رَسُولَ الله صلَّى اللهُ عليه وآله أَمَرَ بِقطعِ لِصّ – يعني بقطع يدهِ – بِقَطْعِ لِصّ، فَقَال اللّصّ: يَا رَسُول الله قَدَّمْتُهُ فِيْ الإِسْلام وَتَأمُرُهُ بِالقَطَع؟ فَقَال: لَوْ كَانَت اِبْنَتِيْ فَاطِمَة لَفَعَلْت – يعني لقطعت يدَها – فَسَمِعَتْ فَاطِمَة فَحَزَنَت، فَنَزَلَ جَبْرَائِيل بِقولهِ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، فَحَزِنَ رَسُول الله، فَنَزَل: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، فَتَعَجَّب النَّبيُّ مِنْ ذَلِك، فَنَزَلَ جَبْرَائِيل وَقَال: كَانَت فَاطِمَةُ حَزَنَت مِنْ قَولِك فَهَذِهِ الآيَات لِمُوافَقَتِهَا لَتَرْضَى – الرِّوايةُ لم ألحظها في كُتبِنا مَرويةً عن أئِمَّتِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، لكنَّها يمكن أن تكون في هذا السياق، في سياقِ الأدب القُرآني معَ فَاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها مع أنَّ هناك ركّةً واضحةً في الرِّواية. الشَّيخ المجلسي في صفحة 44، علَّق على الرِّواية تحت عنوان (بيان)، فقال: – لعلَّ المعنى أنَّ هذهِ الآيات نزلت لتُعلِّم فاطمة أنَّ مثل هذا الكلام المشروط لا يُنافي جلالةَ المُخاطَب والمُسنَد إليه وبراءَته لوقوعِ ذلك بالنِّسبةِ إلى الرسول من اللهِ عزَّ وجلَّ – الشَّيخ المجلسي يقول: هذه الآيات نزلت كي تُعلِّم فاطمة، وكأنَّ فاطمة تجهلُ مسألةً بسيطةً من هذا النَّوع – لعلَّ المعنى – هكذا يقول الشَّيخ المجلسي – بيان: لعلَّ المعنى أنَّ هذه الآيات نزلت لتُعلِّمَ فاطمة عليها السَّلام أنَّ مثل هذا الكلام المشروط – باعتبار ماذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله؟ (لَوْ كَانَت اِبْنَتِي فَاطِمَة)، يعني لو كانت ابنتي فاطمة هي الَّتي سرقت لأمرتُ بقطع يدِها، هذا هو المراد من الكلام المشروط – لِتَعَلَم فاطمة أنَّ مثل هذا الكلام المشروط لا يُنافي جلالةَ المُخاطَب والمُسنَد إليه وبراءَته لوقوعِ ذلك بالنِّسبةِ إلى الرسول من الله عزَّ وجلَّ – باعتبار أنَّ الخطاب جاء للنَّبي: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾، فبحسبِ كلامِ شيخِنا المجلسي رحمةُ الله عليه أنَّ هذهِ الآيات نَزلت لتعليم فَاطمة هذهِ المسألة – أو لبيانِ أنَّ قطع يَدِ فاطمة بمنزلة الشِّرك أو أنَّ هذا النوع من الخطاب المراد بهِ الأُمَّة إنَّما صَدَر لصدور هذا النوع من الكلام بالنِّسبةِ إلى فاطمة فكان خلافاً للأَولَى، والأوَّل أصوَب وأوفَق بالأصول – هذهِ التخريجات وهذهِ الشروح تخريجات وشُروح ساذجة إلى حدٍّ كبير: لأنَّ التخريج الأوَّل: يتحدَّث عن جهل فاطمة بمسألةٍ بديهيّةٍ جدَّاً. والتخريج الثَّاني: لا دلالةَ في الآيةِ على هذا المعنى لبيانِ أنَّ قطعَ يدِ فاطمة هو بمنزلةِ الشّرك. والتخريج الثَّالث: أو أنَّ هذا النوع من الخطاب المراد به الأُمَّة إنَّما صدر لصدور هذا النوع من الكلام بالنِّسبة إلى فاطمة فكان خلافاً للأولى، يعني أنّ هذا الأمر صدر من النَّبيّ وكان خِلافاً للأولى، فالنَّبيّ يُخالفُ في فعلهِ وفي قولهِ الأولى!! – والأوَّلُ أصوب وأوفق بالأصول – الأوَّل، أوَّلُ تخريج أنّ فاطمة كانت تجهل هذه المسألة البديهيّة – والأوَّلُ أصوب وأوفق بالأصول. أولاً: هذه الرِّواية هي من روايات المخالفين، هذا أولاً، لم تَرِد في كُتبِنا، صحيح رواها علماء الشِّيعة ولكن رواها عُلماء الشِّيعة عن كُتُبِ المخالفين، مثلما رواها هنا الشَّيخُ المجلسي رواها عن مناقب ابن شهر آشوب، وابن شهر آشوب نقلها عن صحيح الدارقطني. وثانياً: لنفترض أنَّ المعنى لا إشكالَ فيه من أنَّ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم قال هذا الكلام ونزلت هذه الآيات، جاءت هذه الآيات لتبيِّن الأدبَ القُرآنيَّ معَ فاطمة، ولا بأسَ بذلك، يمكن أن نقبل هذا المضمون وأن نقبل هذا المعنى، الميزان الموجود عندنا وهو الميزان القُرآني: ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، فلا شأنَ لنا هنا بقضيَّة المصدر، نحنُ والمضمون، إذا أردنا أن نناقش هذا النصّ، هذا المضمون يمكن أنْ يكون صحيحاً إذا كان في سياقِ بيان الأدب القُرآني للأُمَّة، لا أنَّ فاطمة كانت تجهل هذه البديهيّات، ولا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله قد خالف الأَولَى، هذه الظَّاهرة في فهم النصوص بهذا النَّحو السَّطحي وبهذا النَّحو السَّاذج والَّذي يقودُ بالتالي إلى إساءةٍ، إساءَةٍ إلى فاطمة وإساءَةٍ إلى رسول الله، من جهة إساءة إلى فاطمة نَسَب إليها الجهلَ بمثل هذهِ الأمور البسيطة، ومن جهةٍ أُخرى نَسَب إلى رسول الله مخالفةَ الأولى، وذلك ما لا يمكن أنْ يصدر عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلَّا لحكمةٍ معينة، فإذا كانت هناك من حكمة فلا يُقال حينئذٍ هذهِ مخالفة للأَولَى، حينئذٍ يكون الأَولَى هو هذا. لكن يمكن أنْ يكون هذا توجيه للأُمَّة وفقاً للقاعدة القُرآنيّة من أنَّ: القُرآن نزلَ بإيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، تَنبيه للأُمَّة لَمَّا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله: (لو كَانَت اِبْنَتِي فَاطِمَة)، أي لو سرقت ابنتي فاطمة فلربَّما يحدث في الأذهان، النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله لم يخالف الأَولَى لأنَّهُ أراد أنْ يُبيِّن القاطعيّة في إقامةِ الحدود، وأنَّه لا توجد هناك مُهادنة في إقامة الحدود إذا ما ثبتت الأدلَّة القطعيّة، فحتَّى لو كَانت ابنتي فاطمة قد سرقت فالنَّبيُّ لم يُخالف الأَولَى وكَان كلامُهُ عينَ الصَّواب وعينَ الحقيقة وما تَقتضيه الحكمة، ولا فَاطمة كَانت تَجهل بذلك ولا أنَّها حَزنت، ولكن يمكن أنْ تكون هذهِ الآيات قد نَزلت لبيانِ هذا الأمر للأُمَّة، احتمال أنَّ أحداً حِين سَمع النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله يقول: لو كانت فاطمة سرقت فإنَّهُ يحتمل في فاطمة أنْ يصدرَ هذا الأمرُ منها، فجاء الخطابُ للنَّبيّ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾، باعتبار أنَّ الشِّرك لا يمكن أنْ يصدر من النَّبيّ، وجاء الخطابُ أيضاً في الآيةِ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾، باعتبار أنَّهُ لا يوجد إله ثاني، فهو بيان للأمَّة مِن أنَّ هذا السِّياق الَّذي جاء في كلام النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله عن فاطمة يمكن أنْ يكونَ عن رسولِ الله بل يمكن أنْ يكونَ عن الله. إذا كانت الرِّواية بهذا المضمون فالرِّواية مقبولة والمعنى سليم وهي تأتي في سياق الأدب القُرآني لبيانِ ما يجب على الأُمَّة في كيفيّةِ تعامُلِها مع فاطمة. أمَّا أنْ تكون الرِّواية هكذا: من أنَّ النَّبيّ خالف الأولى بحسب تخريج الشَّيخ المجلسي، أو من أنَّ فاطمة كانت جاهلةً بحكمةِ حديثِ النَّبيّ، ويقول عن هذا التخريج أو هذا التوجيه: أنَّه أصوب وأوفق بالأصول، أيّ أصول هذه الَّتي تجعل فَاطمة تَعترِضُ على رسول الله ويُصيبها الحُزن من كلام النَّبيّ! وأيَّةُ أصولٍ هذهِ الَّتي يمكن أنْ نتوقَّع أنَّ فاطمة تجهلُ الحكمةَ في مثلِ هذهِ الأمور الجزئيّة، هذا الكلام لا ينسجمُ مع المضامين الكبيرة العالية الَّتي وردت في حقِّ فاطمة، إنْ كان ذلك في آيات الكتاب الكريم أو في كلمات النَّبيّ أو في أحاديث المعصومين أو في زياراتها الشَّريفة، لذلك الرِّواية أساساً منقولة من كُتُبِ المخالفين. يمكن أنْ تكون الرِّوايةُ صحيحة ولكن النَّقل ليس دقيقاً، خصوصاً فيما يرتبط بحُزنِ فاطمة، إلَّا إذا كَانت أظهرت الحُزنَ لأجل أنْ يكون سبباً لظُهُور هذهِ الآيات القُرآنية كي يصلَ هذا المفهومُ إلى الأُمَّة، ولكن بحسب البيان الَّذي ذكرتُهُ من أنَّ النَّبيّ حين قال هذا الكلام قالهُ بحكمةٍ لأجلِ قطع النِّقاش والجَدَلِ في مسألةِ إقامةِ الحدودِ إذا ما ثبتت بالأدلة القطعيّة، فقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: القانون ينطبقُ على الجميع حتَّى لو كانت فاطمة قد سرقت فإنَّ القانون يُطبَّقُ عليها!، فكلامُ النَّبيّ كَان كَلاماً صحيحاً لأجل بيانِ حقيقيةٍ واضحةٍ جليّة، والآياتُ نَزلت كي تَدفع عن أذهان الأُمَّة ما يمكن أن يعلق بأذهان النَّاس من أنَّ فاطمة يمكن أنْ يصدرَ عنها هذا الأمر، فجاءت الآيةُ تُخاطِب النَّبيّ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾، وجاءت الآيةُ تتحدَّثُ عن الله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، بحسب هذا الفهم ستكون هذهِ الرِّواية تُمثِّلُ لوناً مِن ألوان الأدبِ القُرآني في التعاملِ معَ الصدِّيقة الطَّاهرة صلواتُ اللهِ وسَلامهُ عليها. صاحب العوالم أورد الرِّواية ولكنَّهُ لم يُعلِّق عليها شيئاً، مؤسَّسة الإمام المهديّ ذَكرت كَلام الشَّيخ المجلسي في الحاشية في صفحة 97، في الجزء الأوَّل من عوالم الزَّهراء، فجاءت الرِّوايةُ في صفحة 97، في الجزء الأوَّل من عوالم الزَّهراء من دون تعليقٍ من الشَّيخ عبد الله البحراني صاحب العوالم، ولكنَّني كما قلت: المؤسَّسة، مؤسَّسةُ الإمام المهديّ ذكرت كلام الشَّيخ المجلسي في الحاشية ولم تُعلِّق عليهِ شيئاً، أصلاً لا حاجةَ ولا ضرورةَ لذكرِ كلامهِ في هذا الموطن، فهو كلامٌ ضَعيف. المشكلة في تخريجات وفي بيانات الشَّيخ المجلسي خُصوصاً في شؤونِ أهل البيت على طول الخط في كتاب بحار الأنوار هي أنّها من هذا اللون، تخريجات ساذجة وسطحية إلى أبعد الحدود، وهذهِ القضيَّة يبدو أنَّها تُلازم المدرسة الإخباريّة لأنَّ مثل هذا أيضاً موجودٌ في كُتُبِ الحرّ العاملي رضوان الله تعالى عليه، وفي كُتبِ غيره، باعتبار أنَّهُم يتجنّبون التعمُّق وأنا هنا لا أُريد الخوض في هذه القضيَّة. في تفسير البُرهان وهذا هو المجلَّد السَّادس، مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات، فيما يرتبط بالآية: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، هذهِ الآية هي الآيةُ الخَامسة والستون من سورة الزُّمر: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۞ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ﴾، الآيتان 65 و 66، من سورة الزُّمر، ماذا جاء في تفسير عليّ ابن إبراهيم؟ جاء في تفسير عليّ ابن إبراهيم: – عَنْ أِبي حَمَزة، عن إمامنا البَاقِر، قَال: سَأَلْتُه عَنْ قَولِ اللهِ عَزَّ وَجَّل لِنَبِيِّه: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، قَالَ: تَفْسِيرهَا لَئِنْ أَمَرتَ بِوَلَايَةِ أَحَدٍ مَعَ وَلَايَةِ عَلِيٍّ مَنْ بَعْدِك لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِين – أي لَئِن أشركتَ مع عليٍّ شريكاً هذا هو المراد، قطعاً هذا وجهٌ من وجوه الآية الشَّريفة وهو الوجهُ الأهمّ. هُناك قضيَّةٌ مهمَّةٌ لابُدَّ من الإشارة إليها: قد لا يكون هذا المطلب مُرتبطاً بالموضوع المعنوَن فاطمة القَيِّمة بشكلٍ مُباشر ولكنَّني أوردت الرِّواية من كتب المخالفين فلابُدَّ أنْ أمرّ على حديث أهل البيت بشأن الآية: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، في أحاديث أهلِ البيت صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، لَمَّا جَمع النَّبيُّ المسلمين في غدير خُمّ والصَّحابةُ عرفوا ذلك، وأصحابُ الصَّحيفة الَّذين كتبوا الصَّحيفة وتعاهدوا على أنْ تكون الخلافةُ خارجَ البيتِ الهاشمي، عرفوا أنَّ رسول الله حين جمع المسلمين في غدير خُم يُريد أنْ ينصِّب عليَّاً للخلافة من بعده، المخطَّط خافوا عليه فبعثوا مُعاذ ابن جبل، معاذ ابن جبل هو أحد الَّذين اشتركوا في الصَّحيفة، فبعثوا معاذ ابن جبل إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله يَقترحُ عليه يقول: يا رسول الله النَّاس قد لا يقبلون عليَّاً فلماذا لا تُشرِكُ معهُ أحداً آخر، أنْ تُشرك أبا بكرٍ، أنْ تُشرك عُمر، أنْ تُشرك بعض الصَّحابة مع عليٍّ، فالآيةُ تتحدّث عن هذا المضمون: ﴿لَئِن أَشْرَكْتَ مَعَ عَلِيٍّ لَيَحبِطَنَّ عَمَلُك وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرَين﴾..!! وهذا المضمون يتماشى مع المضمون الَّذي جاء في سورة المائدة في الآيةِ السَّابعةِ والستين: ﴿بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، هذا المضمون يَنسجمُ معَ هذا المضمون: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وقطعاً الخطاب في تلك الآية في سورة المائدة والخطاب في هذه الآية في سورة الزُّمر، هذا الخطاب بلسان إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، لفظاً موجّه لرسول الله ومعنىً مُوجَّه للأُمَّة، وإلَّا فَليسَ من شأنِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله أنْ يُخاطَبَ بمثلِ هذه الخطابات. المعنى الَّذي جاء مذكوراً في الرِّوايةِ المتقدِّمة بخصوصِ ما قاله رسول الله أنَّهُ لو كانت فاطمة قد سَرَقت لأقمتُ الحدَّ عليها، هذا المضمون الَّذي تحدَّث عنهُ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليه وآله وجاء ذكر هذه الآيات بحسب التوجيه والبيان الَّذي ذكرتُهُ يمكن أن يكون المعنى مقبولاً، وإلَّا فما جاء في نفس النَّص بما هُوَ هُوَ أو ما جاء في توجيهات الشَّيخ المجلسي فإنَّ المعاني تلك لا تُقبَل وليست سليمةً وليست مُستقيمةً ولا تتماشى مع عقيدتِنا في الصدِّيقة الطاهرة إلَّا في حدود التوجيه والبيان الَّذي شرحتُهُ وذكرتُهُ من أنَّهُ لونٌ من ألوان الأدبِ القُرآني، القُرآن يُبيِّنُه للأُمَّة..!! في بعض الأحايين يتحدَّثُ المتحدِّثون لا بقصدٍ سيّء وإنَّما بقصدٍ حَسَن، وبتصوُّرٍ مِّنهم أنَّهم يُحسِنون في حديثهم وفي طرحهم وفي بيانهم، والحديث هنا فيما يتعلَّقُ بالصدِّيقة الطَّاهرة هُناك موضوعٌ سمعتُهُ مراراً وقرأته أيضاً في عديدٍ من الكتابات آتيكم بمثالٍ من الأمثلةِ الوَاقعية: أَعرضُ بَينَ أيديكم فيديو يتحدَّثُ فيه سماحة الشَّيخ عبد الله الدَّشتي من عُلماء الكويت ،يتحدَّث في هذا الفيديو عن مقامات وعن منزلة الصدِّيقة الطَّاهرة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، نشاهد ونستمع معاً: [ أردت أن أقول حينما تقرأون: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾، نزلت لكي تُبيِّن أحدَ خصائصِ فاطمة عليها السَّلام، وهكذا قوله تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، الحصيلة عليٌّ آية، وفاطمة آية، وابنا فاطمة آية كما قال: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وكلُّ هذا حديثُ عن العالمين من الأوّلين، وأمَّا علي وفاطمة والحسنان فهم آياتُ الله عزَّ وجل في الآخرين، ولذا ورد أيضاً وبنحوٍ متواتر وفي جميع مصادر المسلمين كما قال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله في حقِّ فاطمة: إنَّ فاطمة أحصنت فرجَها فحرَّم الله ذريَّتَها على النَّار، نعم إخواني الشيء الآخر الَّذي يجب أنْ ننطلق إليه معاً ما الَّذي أوصل مَريم إلى سُدَّة السيادة على نِساء العالمين؟ ما الَّذي أوصل فاطمة إلى سُدَّة السيادةِ على نساء العالمين؟ ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾، إنها ليست إلَّا عبارة أخرى عن العفّة الَّتي يدعو إليها الشَّرع، في الواقع قمَّة العفّة هي الَّتي أنتجت السيادة، البشر العاديين القُرآن حينما يتحدّث عنهم يقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، لا يستخدِّم عبارة: ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾، لكن لمريم وفاطمة يقول أحصنت فرجَها، إذاً الَّذي فعلوه يتعدّى ما يفعلهُ النَّاس من حفظِ فروجهم، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾، فعلوا ما هو أعظم من ذلك حينما قال تعالى: ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾، هذا هو السبب الَّذي يوصل الإنسان إلى سُدَّة السيادة وليس الحديث بطبيعة الحال عن النساء فقط، إنَّما الحديث عن سيادة الرَّجُلِ أيضاً إنَّ العفة هي الأساس لبلوغ السيادة، إخواني، سواءاً كان الأمر متعلّقاً برجلٍ أو بإمرأة ]. قطعاً الشَّيخ يُحاول أنْ يتحدَّث بالنَّحو الَّذي يُبيِّنُ منازلَ الصدِّيقة الطاهرة بأحسنِ أُسلوبِ بحسب ما هو يعتقد، لكن هذا الأسلوب وهذا الطرح وهذا الفهم، وليس فَقط الشَّيخ الدَّشتي يطرحهُ، يُطرَحُ على المنابر، يُطرَحُ على المنابر ويُطرَحُ في الحوزات ويُذكَرُ في الكُتُب، وهذا الطرحُ طرحٌ مُخالِفٌ لذوقِ أهلِ البيتِ مئة في المئة، قد تقولون كيف؟! سأُبَيِّن لأنَّكم أنتم حين تستمعون إلى مثلِ هذهِ الأحاديث فإنّها تُعجبكم، السَّبب أنَّ أذهانكم شُحِنت بالفكرِ المخالف لأهلِ البيت، الشَّيخ قال بأنَّ هذه الرِّوايات مُتواترة، أبداً، لا متواترة ولا هم يحزنون بحسبِ اصطلاح المتواتِر بين المتخصّصين. قال: عند جميع المسلمين، ما عندنا نَحنُ عن الأئِمَّة روايات بهذا اللسان، ما عندنا روايات عن الأَئِمَّة، روايات عن الأَئِمَّة بهذا اللسان الصَّريح من أنَّ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها أحصنت فرجَها فحُرِّمَت على ذُريَّتِها النَّارُ، هذا المعنى ليس موجوداً في رواياتِنا، وإذا وُجِدت رواية على سبيل المثال فهي لا تُمثِّل الخطّ الواضح، أنا لم أعثر على رواية، ولكن لنفترض أنَّ روايةً من الرِّوايات وُجِدت في كُتُبِنا فهي لا تُمثِّل الخطَّ العام لحديثِ أهلِ البيت عن فاطمة. هذا المضمون جاء في كُتب المخالفين نعم، هُناك العديد من الرِّوايات في كُتُب المخالفين لسانُها هذا اللسان الَّذي كان يتحدَّثُ بهِ الشَّيخ الدَّشتي ولكنَّها في نَظرهم أيضاً أخبار آحاد لا تنطبقُ عليها أوصاف الخبر المتواتِر، كُتُب الحديث موجودة، أسانيد هذهِ الرِّوايات موجودة في كتبِهم، مصطلحُ التواترِ والخبرِ المتواتر معروف، بالإمكان الرُّجوع إلى هذهِ الرِّوايات والرُّجوع إلى هذهِ الأحاديث في كُتُبِهم ولا شأنَ لي بهذا المصطلَح، ولا شأنَ لي أتواترت الأخبار عندهم أم لم تتواتر، أنا أتحدَّث عن حديثِ آلِ مُحَمَّد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، يُمكِن أنْ نقبَل شيئاً من أحاديثِهم ولكن إذا جاءت مُوافقةً لمنطقِ آلِ مُحَمَّد، نعم يُمكِن إذا جاءت موافقةً لمنطقِ آل مُحَمَّد، مع أنَّنا لسنا بحاجةٍ إلى رواياتِهم، ما عندنا في كُتُبِنا عن آلِ مُحَمَّد يكفي ويكفي ويكفي ويكفي، فلا هذهِ الرِّوايات متواتِرة ولا هي موجودة عند جميع المسلمين، عندنا ليست موجودة هذه الرِّوايات، هذه رواياتٌ في كُتب المخالفين وهي من أخبار الآحاد بحسبِ مصطلحات الآحاد والمتواتِر، إذا أردنا أنْ نُطبِّق هذه المصطلحات بشكلٍ دقيق، فما هي عندهم بأخبارٍ متواتِرة ولا شأنَ لي بهم حتَّى لو كانت مُتواتِرة عندهم، الربط بين مقام السيادة وبين إحصان الفرج لا وجودَ لهُ لا في رواياتِنا ولا في القُرآن الكريم، ولا في منطقِ أهلِ البيت. إذا ذهبنا إلى الآيةِ الحَاديةِ والتِسعين في سورة الأنبياء: ﴿وَالَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ والحديث عن مريم ﴿وَالَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، لا يوجد فيها ولا في الآية الَّتي قبلها ولا في الآية الَّتي بعدها إشارة إلى أنَّ إحصان الفِرج كَان سَبباً للسيادة، أبداً، لا وجودَ لهذا المعنى في هذهِ الآية، هما آيتان في القُرآن تحدَّث فيهما القُرآن عن السيِّدة مريم وعن إحصان فرجها، الآية الَّتي تحدَّثت عن إحصان فرجها في سورة الأنبياء هي الحادية والتسعون. وآيةٌ أخرى هي في سورة التحريم، آخر آية وهي الآيةُ الثَّانيةُ بعد العاشرة: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾، لا يوجد إشارة إلى سَيادتِها، لا علاقةَ بين إحصانِ الفرج وبين السِّيادة، لا في السيِّدة مريم ولا في سيِّدة نِساء العالمين الصدِّيقةِ الطَّاهرة، هذا الكلام لا وُجودَ لهُ في القُرآن. إذا ذهبنا إلى سورة آل عمران في الآيةِ الثَّانيةِ والأربعين: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾؛ ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ﴾ هو الَّذي اصطفاها ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ وهو الَّذي طهرها ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾، هذه الآية هي الآيةُ الَّتي تتحدَّثُ عن سيادة مريم، وإذا أردنا أنْ نفهم الآية في مضمونِ منطق أهل البيت نعودُ إلى حديث آل مُحَمَّد: هذا هو الجزء السَّادس والعشرون من بِحار الأنوار للشَّيخ المجلسي، صفحة 281، رقم الحديث 27، عن بصائر الدرجات، عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله: (مَا تَكَامَلَت النُبُوَّةُ لِنَبِيٍّ فِي الأَظِلَّة حتَّى عُرِضَت عَلَيهِ وَلَايَتِي وَوَلَايَةُ أَهْلِ بَيْتِي – وفاطمة سيِّدةُ أهلِ بيته – وَمُثِّلُوا لَه فَأَقَرُّوا بِطَاعَتَهِم وَوَلَايَتِهِم)، النُبُوَّات لأولي العزم ما تكاملت إلَّا بالطَّاعةِ والإقرار لفاطمة وآلِ فاطمة، كذلك بالنِّسبةِ لسيادة مريم، لو لم تكن مريم مُقرّةً بالطَّاعةِ والولايةِ لفاطمة وآلِ فاطمة لَمَا بَلَغت ما بَلَغت إليهِ من المراتب، وهذا هو معنى الاصطفاء والتطهير. مثل ما نحنُ نخاطب فاطمة ونطلبُ منها أنْ تُلحِقَنا بمُحَمَّدٍ وعليٍّ: (لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّنَا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِهَا)، المضمون هنا: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ﴾ طهَّرها بالطَّاعةِ والولايةِ والخضوعِ والتَّبعيَّةِ لفاطمة وآل فاطمة ﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ هذا هو سرُّ السيادة، أمَّا سرُّ السيادةِ عند فاطمة فلأنَّها فاطمة، لأنَّها فاطمة، سِرُّ السيادةِ عند فاطمة لأنَّها فاطمة. مرَّ علينا الحديثُ في الكافي الشَّريف رواية مُحَمَّد ابن سنان عن إمامنا الجواد – إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَل مُتَفَرِّدَاً بِوَحْدَانِيَّتِه ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّدَاً وَعَلِيَّاً وَفَاطِمَة فَمَكَثُوْا أَلْفَ دَهْر ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاء فَأَشْهَدَهُم خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُم عَلَيهَا وَفَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيهِم فَهُم يُحِلُّونَ مَا يَشَاءُون وَيُحَرِّمُونَ مَا يَشَاءُون – مُحَمَّدٌ، عليٌّ، فاطمة، هذه هي الكلمات الأتمّ. إِنَّ الله خَلَقَ الْمَشِيئَة بِنَفْسِهَا – والمشيئةُ هُم – ثُمَّ خَلَقَ الأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَة – فالمشيئةُ هذا العنوان الكلمةُ الأولى: (وَبِاسْمِكَ الأَعْظَّمِ الأَعْظَّمِ الأَعْظَّم الأَعَزِّ الأَجَلِّ الأَكْرَم الَّذي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِّنْكَ إِلَى غَيْرِك)، استقرَّ في ظلّك فلا يخرجُ مِّنكَ إلى غيرك، الشؤونات الأرضيّة والتُرابيّة، إحصان الفرج هذا شأنٌ ترابيٌّ، شأنٌ أرضيٌّ، هذهِ المعاني الت يوردونها أُخِذت من روايات المخالفين وفيها إساءةُ أدبٍ واضحة بحقِّ الصدِّيقة الطَّاهرة. إذا ما رجعنا إلى كلماتِ أهل البيت: هذا هو الجزء الثَّامن من تَفسير البُرهان، لاحظوا كيف أنَّ أهل البيت يُبَيِّنون لنا الحقائق وكيف نَعمل بِقانون الثَّقَلين، الصدِّيقة الطاهرة الزَّهراءُ البتول القَوم قذفوها، روايات صريحة عن الأَئِمَّة من أنَّهم قذفوها على منابرِهم، وإذا تتذكَّرون مرَّ علينا كلامُ أبي بَكر الَّذي اشتمل على قذفِ الصدِّيقةِ الطَّاهرة، مرَّ علينا، ونقلتُ لكُم الكلامَ من شَرح نَهج البَلاغة لابن أبي الحديد، والرِّوايات صريحة عن الأَئِمَّة حتَّى أنَّ أمير المؤمنين حين ناقشهم: لو أنَّ أحداً شَهِد على فاطمة بالفاحشة فماذا تفعلون؟ قالوا: نُقِيم عليها الحدَّ، قال: إذاً تكفرون بكتابِ الله؛ آيةُ التطهير نزلت فيها، تُكذِّبون اللهَ وتكذِّبون رسولهَ؟ إنَّما قال أمير المؤمنين ذلك لأنَّ القوم قذفوها، وهذا المعنى موجودٌ في رواياتنا، وفي رواياتٍ عديدة. في سورة التحريم هناك تعريضٌ بالَّذين قذفوا الزَّهراء، وهناك دفاعٌ عن فاطمة ولكن بأسلوبٍ عالٍ جداً في التعبير الأدبي، حين كَان الحديث عن اِمرأةِ نُوح واِمرأةِ لوط، في الآية العاشرة من سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾، ماذا تقول كلمات المعصومين؟ في تفسير عليّ ابن إبراهيم، ماذا تقول كلماتهم؟ (قَال وَاللهِ مَا عَنَى بِقَولهِ: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾، إِلَّا الفَاحِشَة)، الفاحشة معناها واضح، لا نُريد أنْ نطيل الوقوف عند هذهِ المطالب، فقط أُريد أنْ أُبَيِّن الخللَ في الطريقة الَّتي يتحدَّث بها المتحدِّثون عن الصدِّيقة الطاهرة، فما جاء في هذه الآية: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾، الإمام يقول فخانتاهما – وَاللهِ مَا عَنَى بِقَولهِ: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ إِلَّا الفَاحِشَة – والفاحشة معناها واضح وهذا تعريض بأولئك الَّذين قذفوا فاطمةَ صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾ كان الحديث عن آسية زوجة فرعون: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾، ماذا تقول الرِّوايات؟ عندنا روايتان عن الإمام الصَّادق: الرِّوايتان موجودتان في تأويل الآيات الظاهرة، عن إمامنا الصَّادق: – ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ مَثَلٌ – مَثَل، هذا مَثَل – ضَرَبَهُ الله لِفَاطِمَة – هذا مَثَل، يعني أنّ الله ما أراد أنْ يتحدَّث عن فاطمة بهذه العبارات، تحدَّث عن مريم، تحدَّث عن مريم فكان مثَلاً، مثل ما تحدَّث عن زوجة نوح ولوط: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾، تحدَّث عن مريم بأسلوب الإشارة المركّبة، هذهِ إشارة مركّبة، تحدَّث عن مريم بهذا الأسلوب وأراد الإشارة إلى فاطمة، لذلك الإمام هكذا يقول: – مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِفَاطِمَة – ما المراد من هذا المثل؟ – وَقَال: إِنَّ فَاطِمَة أَحْصَنَت فَرْجَهَا فَحَرَّم اللهُ ذُرِيَّتَهَا عَلَى النَّار – هذا التعبير لم يَرِد في القُرآن ولم يَرِد في كلمات المعصومين، وإنَّما أوردهُ الإمام الصَّادق هنا شرحاً لهذا المَثَل، فإذا أردنا أنْ نتحدَّث عن فاطمة علينا أنْ نتحدَّث بأسلوب القُرآن وأنْ نتحدَّث بأسلوبِ أهل البيت، لأنَّ هذا المضمون لم يُذكَر في رواياتٍ أخرى وإنَّما ذُكِرَ هنا لشرحِ هذا المَثَل: – مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله لِفَاطِمَة، وَقَال: إِنَّ فَاطِمَة أَحْصَنَت فَرْجَهَا فَحَرَّم اللهُ ذُرِيَّتَهَا عَلَى النَّار. الرِّواية الثَّانية كيف وردت؟ عن إمامنا الصَّادق: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾، فقط الإمام قال:- هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله لِفَاطِمَة بِنتِ رَسُولِ الله – وانتهينا، ويبدو أنَّ هذا النَّص هو النَّصُّ الأصل، هذهِ الإضافة، هذهِ الإضافة جاءت من صاحب تأويل الآيات، لأنَّ صاحب تأويل الآيات يُضيف كثيراً من الكلام فيما بين الرِّوايات لشرحِها، بينما هذهِ الرِّواية جَاءت من تَفسير محَمَّد ابن العباس، هذهِ الرِّواية أيضاً موجودة في تأويل الآيات، لكن المصدر لهذه الرِّواية هو هذا مصدر قديم من مصادر التفسير القديمة ولكن ضاع، صاحب تأويل الآيات الظاهرة نقل قسماً من هذا التفسير في كتابهِ، فأوردَ هذه الرِّواية من تفسير مُحمَّد ابن العبَّاس قال: – هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله لِفَاطِمَة بِنت رَسُولِ اللهِ – من دون إضافة، وهذا هو النَّصّ الَّذي ينسجمُ مع بقيَّة أحاديث أهل البيت، أمَّا هذا الشَّرح، هذا الشَّرح ينسجم مع روايات المخالفين الَّتي تحدَّث عنها الشَّيخ الدَّشتي، فما جاء في هذه الآية جاء مثلاً، لاحظوا كيف يتحدّث القُرآن عن فاطمة، لم يتحدَّث بأسلوبٍ صريح وإنَّما جاء بِمَثَلٍ، هذا المَثَل عن السيِّدة مريم، لذلك هذهِ الطريقة الَّتي كَان يَتحدَّثُ بها الشَّيخ الدَّشتي ويتحدَّث بها كثيرون يتحدَّثون بهذهِ الطريقة، هذه الطريقة مُخالِفة لذوقِ أهلِ البيت ولا توجد روايات مُتواترة كما قال الشَّيخ الدَّشتي، هذه روايات آحاد عند القوم ولا شأنَ لنا بهم أكانت رواياتهم متواترة أم آحاد، منطقُ أهل البيت، ذوقُ أهل البيت هو هذا الَّذي أشرتُ إليه وهذا هو الموجود في رواياتهم وفي أحاديثهم، ولا علاقة لهذا الموضوع بسيادة الصدِّيقة الطاهرة وكُلّ الكلام الَّذي ذُكِر هو كلامٌ بعيدٌ عن منطقِ أهل البيت صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين. التنبيه الثَّالث: كلامٌ يذكَرُ في بعض الأحيان بخصوصِ سورة الدَّهر يرتبطُ بالصدِّيقةِ الطاهرة، إذا ما رجعنا إلى سورة الدَّهر أو سورة الإنسان أو سورة هل أتى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ﴾، وتتبّعنا الآيات القُرآنيّة الموجودة في هذهِ السورة، هناك حَيِّزٌ واضح ومِساحة واضحة في هذهِ السُّورة عن أوصاف الجِنان، وعن خصوصيّات الأبرار الَّذين سيتنعَّمون بجنانِ الخُلد، معَ أنَّ المساحة كبيرة وواسعة لكن لا وجودَ للحورِ العِين في هذهِ السورة، فالسورة تتحدَّث عن جِهاتٍ عديدة بل ربَّما هي من أكثر السور القُرآنية الَّتي حشدت مُصطلحات وعناوين وألفاظ وأسماء عن الِجنان وعن شؤوناتهم، لكن لا ذكرَ للحورِ العِين في هذهِ السُّورة المباركة!! هناك كلامٌ يتردَّد في بعض الأحيان قد يُنسَب إلى الإمام الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، أنا شخصيّاً سمعتُ من أكثر من خطيب على المنبر حينما كُنَّا في مدينة قُم، سمعت من أكثر من خطيب وهو يطرح هذا المعنى، وربَّما لا أتذكّر الآن كُنت مقتنعاً بهذا المعنى لأنَّهُ صار جُزءاً من الثَّقافةِ المنتشرة في الوسط الشِّيعيّ من أنَّ سورة الدهر تخلو من ذكر الحور العين اِحتراماً لفاطمة، المعنى جميل، أنا لا أعترض على المعنى ولكنَّني أعترض على نسبةِ هذا المعنى للإمام الصَّادق، هذا المعنى ما عندنا دليل على أنَّهُ قد صدرَ عن إمامِنا الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، أنا لا أعترضُ على المعنى ولكنَّني كما قلتُ قبلَ قليل أعترضُ على نسبة المعنى إلى الإمام الصَّادق. بحسبِ تتبّعي لم أجد أحداً قبل الآلوسي في تفسيرهِ قد ذكر هذا المعنى، الآلوسي صاحب روح المعاني المفسِّر السُنِّي المعروف، قبل الآلوسي بحسب تتبُّعي وإذا كان من أحدٍ عنده معلومة ينفعني بها فإنِّي شاكرٌ له، بحسب تتبُّعي لم أجد أحداً قبل الآلوسي في كُتب التفسير قد ذكر هذا المعنى، يبدو أنَّهُ استنتاج استنتجهُ الآلوسي من خلالِ تمعُّنهِ في سورة الدهر أو في سورة الإنسان فلم يجد ذكراً للحور العين فقال: إنَّ ذلك فيه ما فيه من الإكرام والإجلال من قِبل الله سبحانه وتعالى لسيِّدة نِساء العالمين، الكلام جميل لكنْ لا يمكن أنْ ننسبَهُ إلى أهلِ البيت، ومع ذلك يمكن أيضاً أنْ يُناقَش في هذا الكلام من أنَّ السورة تتحدَّث عن مقاماتٍ في الجنانِ عاليةٍ جدَّاً، بحيث حين يكون الحديث عن الحور العِين سيكون مُخِلَّاً بوصفِ هذهِ المقامات، كما في الآية: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾، هذهِ الآية تتحدَّث عن أفاق عالية وعالية جدَّاً، فلربّما لا يناسب هذا الأفق أنْ تُذكَر الحورُ العِين، أو لم تُذكَر الحور العِين للفارق الكَبير في المنزلةِ والدرجةِ بين الَّذين ذُكِروا في هذهِ السورة والحور العِين ليس لها من الشَّأنِ ومن المنزلة أنْ تُذكَر في هذه السورة، ويمكن ويمكن، لكن بجهةٍ من الجهات يُمكن أن يكون كلام الآلوسي كلاماً جميلاً لا نفرضُهُ على القُرآن ولا ننسبُهُ إلى أهلِ بيتِ العصمة فيه لونٌ من ألوانِ الأدبِ القُرآنيّ..!! التنبيهُ الرَّابع: فيما يتعلقُ بالسيِّدةِ مَريم، في الحلقاتِ المتقدِّمةِ من هذا البرنامج وحينما تحدَّثتُ عن ظُلامة الصدِّيقة الطَّاهرة في الوسَطِ المسيحي إذا تتذكَّرون، قلتُ: بأنَّ السيِّدة مريم في الوسط الشَّعبي المسيحي لها قُدسيّة مُعيَّنة ولكن في المؤسَّسة الدِّينيَّة المسيحيّة لها شأنٌ آخر، ووعدتُكم أنْ أُحدِّثَكم عن هذا الموضوع فهناك ترابطٌ واضح بين الصدِّيقة الطاهرة وبين السيِّدة مريم. الكتاب الَّذي بين يدي هو الكتابُ المقدَّس: جولة سريعة أعرضُ عليكم نُصوصاً أقرأُها وأقرأُ شرحَها أيضاً وبعد ذلك أُبَيِّن لكُم الموقف الشَّعبي في الوسط المسيحي، هذا هو إنجيل متّى، وهذا هو الإصحاح الثَّاني عشر، السُّطور الأخيرة من الإصحاح الثَّاني عشر، بالضَّبط من الرَّقم 46 إلى آخر الإِصحاح الثَّاني عشر: – وفيما هو يُكلِّمُ الجموع – مَن هو؟ يَسوع – وفيما هو يُكلِّم الجموع إذا أمُّهُ واخوتُهُ – بحسب العقيدة المسيحية فعيسى لهُ أخوة وأُمَّهُ متزوّجة ولكن هو وُلِد بالطريقةِ الغيبيّةِ الإعجازيّة الإلهيّة – وفيما هو يُكلِّم الجموع إذا أُمُّهُ وأُخوتُه قد وقفوا خارجاً طالبين أن يُكلِّموه، فقال لهُ واحد: هو ذا أُمُّكَ وإخوتُك واقفون خارجاً طالبين أنْ يُكَلِّموك فأجاب وقال للقائل له: مَن هي أمّي ومن هُم أخوتي؟! ثُمَّ مدَّ يده نحو تلاميذهِ وقال: ها أُمِّي وأُخوتي لأنَّ مَن يَصنعُ مشيئةَ أبي الَّذي في السَّماوات هو أخي وأختي وأمِّي – ماذا تفهمون؟ ألا تلاحظون أنَّ كلام يسوع بحسب إنجيل متى كأنَّهُ ينتقص من شأن أُمِّهِ، ألا تلاحظون ذلك؟! ماذا قالوا له؟ – هو ذا أُمّك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أنْ يُكلِّموك، فأجاب وقال للقائل له: مَن هي أُمِّي ومن هم أخوتي؟! – هو لايعبأُ بهم، فلو كانت لأمّهِ من المنزلة العالية مثل ما فعلاً للسيِّدة مريم المنزلة العالية – وقال: ها أُمِّي وأخوتي – يُشير إلى تلاميذهِ – لأنَّ من يَصنعُ مشيئةَ أبي الَّذي في السَّماوات هو أخي وأختي وأمي – يريد أن يقول: إنَّ أمي وأخوتي هؤلاء لا ينطبق عليهم هذا الوصف أنَّهم يصنعون مشيئةَ أبي الَّذي في السَّماوات. في التفسير وأنا أقرأ من تفسير الكتاب المقدَّس لجون ماك آرثر: وهذهِ الطبعة طبعة دار منهل الحياة، الطبعة الثَّانية، 2012 ميلادي، في الحاشية يعني في التفسير – أُمُّهُ وأخوته هؤلاء هم أسرة يسوع وجاؤوا لَمَّا ذاعت شُهرتهُ وابتدأ الكَتَبَة يُقاومونهُ – الكَتَبَة هم مجموعة من رجال الدين – كَانت رَغبتهم – يعني رغبة أمِّه وإخوتِه – كانت رغبتهم أنْ يُعيدوه إلى بيتِهِ وقريته – لماذا؟ – لسوء الظَّن بسلامةِ عقلِه – يعني أُمُّهُ كانت تتصور أنَّ عقلَهُ فيهِ خلل – كَانت رَغبتهم أن يُعيدوه إلى بيتهِ وقريته لسوء الظن بسلامةِ عقلِه لذلك كانت مريم أُمُّه تَغارُ عليه ولا تَرغب أنْ يُسيءَ إليه القادةُ الدينيّون الَّذين في العاصمة أورشليم وقد شرعوا يتَّهمونهُ بأنَّهُ يُجرِي المعجزات بقوَّة الشَّيطان – هذا ما جاء في إنجيل متّى وفي تفسيرهِ. نذهب إلى إنجيل مرقس: نفس القضيَّة مذكورة، وهذا هو الإصحاح الثَّالث، أيضاً في آخر الإصحاح الثَّالث: – فجاءت حينئذٍ أخوتهُ وأمّه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونهُ وكان الجمعُ جُلّاساً حوله، فقالوا له: هو ذا أمّك وأخوتك خارجاً يطلبونك، فأجابهم قائلاً: من أُمِّي وأخوتي؟ ثُمَّ نظر حوله إلى الجالسين وقال: ها أمّي وأخوتي، لأنَّ من يصنع مشيئةَ الله هو أخي وأختي وأمي. في التفسير – أطلقَ يسوع عبارةً باتَّةً وشاملةً حول التَّلمذة المسيحية الحقيقية، إنَّهُ نوع التلمذة الَّذي يتضمَّنُ علاقةً روحية تتجاوز العائلة البشرية لتتسَّع لجميع الَّذين ينقادون بروح الله الَّذين يأتون إلى المسيح بالتوبةِ والإيمان والَّذين يصبحون قادرين أنْ يعيشوا حياة الطاعة لكلمة الله – والَّذين يُصبحون قادرين أنْ يعيشوا حياة الطاعةِ لكلمة الله، هذا الكلام ماذا يُشعِر؟ يُشعِر أنَّ المفسِّر أيضاً ينتقص من مقام السيِّدة مريم، لأنَّهُ يُخِرج السيِّدة مريم والَّذين معها الَّذين جاءوا لملاقاة يسوع من هذا الوصف، من وصف التلمذة الحقيقيّة المسيحيّة. في إنجيل لوقا: في إنجيل لوقا، في الإصحاح الأوَّل، قبل أنْ نقرأ ما في الإصحاح الأوَّل فلنقرأ ما في الإصحاح الثَّامن، ثُمَّ نعود إلى الإصحاح الأوَّل، في الإصحاح الثَّامن من إنجيل لوقا: – وجاء إليه أمّهُ وأخوتهُ ولم يقدورا أنْ يصلوا إليه لسبب الجمع فأخبروه قائلين: أُمُّك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أنْ يروك، فأجاب وقال لهم: أُمِّي وأخوتي هم الَّذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. هذه النُّصوص موجودة في كُّل هذهِ الأناجيل، في إنجيل متى، في إنجيل مرقس، في إنجيل لوقا، هنا لا يوجد تفسير كما مرَّ في الإنجيلين السَّابقين، واضح أُمُّه وإخوته جاءوا لرؤيته وهو لا يعبأ بهم، ومرَّ في التفسير من أنَّ أمّه وإخوته جاءوا لأيِّ شيءٍ؟ لأنَّهم كانوا يتوقعَّون أنَّ خللاً في عقله! فجاءوا لِيُرجعوه إلى بيتهِ وإلى قريته، وجاء أيضاً في التفسير من أنَّ المسيح، من أنَّ يسوع هنا بكلامهِ هذا وضع قاعدةً للتلمذةِ المسيحيةِ الحقيقية. وبالتالي بعد هذا الكلام الموجود في متن الأناجيل وفي التفاسير إلى أيِّ نتيجة نصل؟ نصل إلى أنَّ يسوع المذكور هنا لم يكن يعبأ بأُمِّهِ، لو كانت أُمُّهُ لها من المنزلةِ الإلهيةِ الخاصَّة لكان المفروض أنَّ يسوع يعبأُ بها، ولكنَّهُ يتعامل مع أُمُّهِ ككائنٍ تَربطهُ به علاقة اجتماعيّة وأُسريّة عاديّة، ولذلك يُفضِّلُ تلامذتَه على أُمُّهِ وعلى أخوتِه، والَّذي يبدو أنَّ أمّهُ وأخوتَه لم يكونوا متفاعلين مع رسالتِه، هذا هو الواضح من هذه النُّصوص من الأناجيل وهذا الكتابُ المقدَّس هو الكتاب المقدَّس المعتمَد اليوم عند المسيحيين، والَّذي تعتمدُه المؤسَّسةُ الدِّينيَّةُ المسيحيَّةُ الرِّسميَّة. في إنجيل لوقا في الإصحاح الحادي عشر: في الإصحاح الحادي عشر وفي الفقرة السَّابعة والعشرين وما بعدَها، من الفقرة السابعة والعشرين إلى الفقرة الثَّامنة والعشرين، ماذا يقول إنجيل لوقا؟ – وفيما هو يتكَّلمُ بهذا – من الَّذي يتكلَّم؟ يسوع – رفعت امرأةٌ صوتَها من الجمع – امرأة من الجمع رفعت صوتها – وقالت لهُ: طوبى، طوبى للبطن الَّذي حملك والثَّديين الَّذين رضعتَهُما – ماذا قال؟: – أمَّا هو فقال: بل طُوبى للَّذين يسمعونَ كلامَ الله ويحفظونه – هي تقول طوبى لأجل أُمِّه، لو كانت أُمُّه على منزلةٍ عالية بحسب عقيدتهِ لَمَا قال هذا الكلام، يعني هذه المرأة هكذا تقول: – طوبى للبطن الَّذي حملك والثَّديين الَّذي رضعتَهُما، أمَّا هو فقال: بل طوبى للَّذين يَسمعون كَلام الله ويحفظونه. في التفسير ماذا كتبوا؟ – فقال: بل عبارة تنطوي على معنى، على معنى أجل ولكن بالأحرى ففي حين لم يُنكر المسيح الطوبى لمريم – هو لم ينكر الطوبى لمريم بحسب المفسِّر – فإنَّهُ لم يشجِّع أيَّ مَيلٍ لإعلاء شأن مريم كموضوع تبجيل، فعلاقة مريم بيسوع لجهة كونها أُمَّهُ الطبيعة لم تُضفِ عليها أيَّة كرامة أعظم من الطوبى الَّتي نالها كُلُّ الَّذين يسمعون كلام الله ويطيعونهُ – ماذا يريد المسيح؟ – فإنَّهُ لم يُشجِّع أيَّ ميلٍ لإعلاءِ شأن مريم، كموضوع تبجيل. هذه نصوص الأناجيل قرأتُها من نفس الأناجيل، وهذا هو تفسير الإنجيل وهذا التفسير موجودٌ في بقيَّة التفاسير الأخرى، هذا التفسير ليس بتفسيرٍ شاذ، هذهِ الصور إذا أردنا أن نُقارنها مع العقيدة المنتشرةِ في الوسط الشَّعبي المسيحي، هل تتناسب هذهِ النصوص وهذه التفاسير؟ أبداً، في الوسط الشَّعبي المسيحي هُناك عقيدةٌ قويَّةٌ وهُناك من المقامات ومِن الأوصاف ومِن المعجزات الَّتي يَذكرونها ويَعتقدون بها في الوسَطِ الشَّعبي المسيحي، ولكن في المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ المسيحيَّةِ الرِّسميَّة لا وجودَ لذلك، هذه نُصوص الأناجيل وهذا تفسير المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ المسيحيَّة الرَّسميَّة، وبالمناسبة هذا الإنجيل بتفسيرهِ يُقدَّم هديَّة من المؤسَّسة الدِّينيَّة الرَّسميَّة من الكنائس للمسيحيّين الَّذين يتزوَّجون في الكنائس، خُصوصاً في مصر، وتلاحظون هذهِ الطبعة طبعة مُذهَّبة ومُزيّنة وفي داخلها مكتوب أيضاً مواطن لاسم الزَّوج والزوجة والعائلة في داخل هذا الكتاب، فهذهِ النصوص الرِّسميَّة واضحة على مستوى نصوص الكتاب المقدَّس وعلى مستوى التفاسير. هذه دائرةُ المعارف الكتابية: وهذا هو الجُزءُ السَّابع، دائرةُ المعارف الكتابيّة مجموعة من الدكاترة والقساوسة، الطبعة الثَّانية، صَدَر عن دار الثَّقافة القاهرة، عِدَّة أسماء لدكاترة وقساوسة هم الَّذين أشرفوا على هذه الدائرة، على دائرة المعارف الكتابية، وهذا هو المجلَّد السَّابع، صفحة 128، في نهاية موضوع مريم، ماذا يقول في نهاية الموضوع؟ – إنَّ جميع المسيحيين بل والكثيرين من غير المسيحيين يُطوِّبُونها لأنَّها أم يسوع – التطويب من كلمة طوبى، يُطوُّبُونها يعني يُباركونها، مثل ما نَحنُ نقول نُصلِّي عليهم – إنَّ جميع المسيحيين بل والكثيرين من غير المسيحيين يُطُوِّبُونها – التطويب مُصطلح ديني في الجو المسيحي، مُشتق من كلمة طوبى، مثل ما قالت قبل قليل هذه المرأة تخاطب يسوع: – طوبى للمرأةِ الَّتي حملتك في بطنها – إنَّ جميع المسيحيين بل والكثيرين من غير المسيحيين يُطُوِّبُونها لأنَّها أُمّ يسوع وهي بلا شكّ تستحقُّ ذلك فجميع الأجيال تُطوِّبها. هذه الكلمة فجميعُ الأجيال تُطوِّبُها هو يُشير إلى ما جاء في إنجيل لوقا في الإصحاح الأول، عند الآية 46 – فقالت مريم – هذه الَّتي تسمّى بتسبيحة مريم في الوسَطِ المسيحي – فقالت مريم: تُعَظِّم نفسي الرَّبّ وتبتهجُ رُوحي بالله مُخَلِّصي – هذهِ بعد أنْ ولدت عيسى، بعد أن ولدت يسوع – تُعَظِّم نفسي الرَّبّ وتبتهجُ رُوحي بِالله مُخَلِّصي، لأنَّهُ نَظَر إلى اتِّضاع أمَتِه فهو ذا مُنذُ الآن جَميعُ الأجيال تُطوِّبُني لأنَّ القدير صَنَع بي عظائم واسمهُ قُدُّوس – مريم هنا تتحدّث عن عُلُوِّ مرتبتِها، ولكن حينما نذهب إلى الأناجيل لا نجد هذا، حينما نذهب إلى الأناجيل نتتبّع ما هو موقف يسوع من أُمِّه مريم لا نجد هذا التبجيل، مريم هنا تقول: – تُعَظِّم نفسي الرَّبّ وتبتهجُ رُوحي بِالله مُخَلِّصي، لأنَّهُ نَظَر إلى اتِّضاعِ أمَتِه فهو ذا مُنذُ الآن جميعُ الأجيال تُطوِّبُني – تباركُ عليّ – لأنَّ القدير صَنَعَ بي عظائم واسمهُ قُدُّوس – في التفسير ماذا كتبوا؟ – وهذا يُعِلن أنَّ قلب مريم وعقلها كانا مُشبَعَين من كلمةِ الله. نستمرّ في قراءة ماذا جاء في دائرة المعارف الكتابية: – فجميع الأجيال تُطوِّبها – هذا بحسب قولها الَّذي جاء في إنجيل لوقا – لكن لا سندَ من الكتاب المقدَّس لِكُلِّ الأساطير الَّتي ينسجونها حولها – مَن الَّذين ينسجون الأساطير؟ الوسَطُ المسيحيُّ الشعبيّ، هذا بحسب المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ الرَّسمية المسيحية، فيعتبرون العقائد المنتشرة بين المسيحيين، بين عامة المسيحيين وعقيدتهم عالية جدَّاً بالسيِّدة مريم، يعتبرون ما يحملونهُ من روايات ومن أخبار ومن حكايات كلُّها أساطير، [مو نفس الفلم..!! هو نفس الفلم موجود عندنا، هو نفس الفلم!! هو الفلم نفسه] – لكن لا سند من الكتاب المقدَّس لِكُلِّ الأساطير – [إي هذا شغل أبو مُرَّة واضح، أبو مرَّة هو نفسه اللي يشتغل هناك يشتغل هنا هو نفسه، نفس البرنامج]!! القُرآن الكريم أتدرون كم مرَّة ذكر اسم مريم؟ 34 مرّة، ذُكِرت مريم بشكلٍ واضح وبتقديسٍ عالٍ بخلاف الأناجيل، والقُرآن هُنا يريد أنْ يُشير إلى ظُلامةِ مريم، وإن كانت مريم هي أَمَةٌ للصديقة الطاهرة، وإذا ما ذُكِرت فذُكِرت على سبيل المَثَل، كما مرَّ في الرِّواية. لكن لا سندَ من الكتاب المقدَّس لكُلِّ الأساطير الَّتي ينسجونها حولها ويجب أن نلتزمَ بكلمة الله لأنَّها هي الحقَّ – أمَّا ما يسمى بالمصطلح المسيحي: (الأبوكريفا)، يعني هذهِ روايات وأساطير وأحاديث ضعيفة السَّند. هناك مجموعة من الكتب الأبوكريفيه موجودة عند المسيحيين و توجد فيها معجزات وكرامات وأحداث وتفاصيل هي الَّتي سبَّبت انتشار هذهِ المعاني في الوسط الشَّعبي المسيحي، لكن المؤسَّسة الديينة الرِّسميَّة تَعتبر هذا خروجاً عن كلمة الله، تَعتبر هذهِ الرِّوايات و هذهِ الوقائع، هذهِ الأحداث، هذهِ الحكايات أساطير فهي ضعيفة السند، الكتب الأبوكريفيه الموجودة عند المسيحيين هي على مجموعتين: o هناك الكتب الأبوكريفيه القديمة. o والكتب الأبوكريفيه الجديدة الحديثة. في الكتب القديمة هناك وقائع القُرآن تحدَّث عنها، مثلاً: في الأناجيل لا يوجد ذكر لعلاقة الملائكة بالسيِّدة مريم، وأنَّ الملائكة كانوا على تواصل مع السيِّدة مريم، بينما القُرآن يتحدَّث عن هذهِ القضيَّة، القُرآن يتحدَّث عن السيِّدة مريم مثلاً في سورةِ آل عمران: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾. وإذا ما ذهبنا إلى سورة مريم فالحديثُ أيضاً عن ولادة عيسى وأنَّ عيسى هكذا قال: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ۞ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً﴾، وبرَّاً بوالدتي، فهل هذه النصوص الَّتي قرأتُها من الإنجيل تعكسُ هذا الوصف؟ في الكُتب الأبوكريفيه هذه المعاني موجودة. وما جاء مثلاً في سورة آل عمران: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ والملائكةُ تخاطبها: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، بحسب الآيات القُرآنية وبحسب رواياتنا هُناك تواصل فيما بين السيِّدة مريم والملائكة، وهناك معجزات، في هذه الكُتب الأبوكريفيه موجودة هذه القصص، والوسَط الشعبي المسيحي يعتقدُ بها، في هذهِ الكُتب الأبوكريفيه تتحدَّث أيضاً عن أنَّ السيِّدة مريم بقيت لمدَّة سَنتين بعد صَلب المسيح بحسب روايتهم يعني بعد رفع المسيح، وكانت تزور قبرَهُ، ولكنَّ اليهود اضطهدوها اضطهاداً كبيراً وشديداً بحيث أنَّها ما باتت تتحمَّل هذا الاضطهاد، فطلبت من المسيح أنْ يأخذها عنده فنزل عليها الملاك جَبْرَائيل وأخبرها بعد ثلاثة أيَّام ستُرفَع، ولَمَّا وصل الخبر إلى تلامذة المسيح، وفي بعض الكُتُب أنَّ الرُّسل الموتى خرجوا من قبورهم وحضروا أيَّامها الأخيرة وحدثت مُعجزات كبيرة وتجلَّى عيسى مع الملائكة وأخذها إليه، تفاصيل مثل هذه موجودة في الوسط الشَّعبي المسيحي، لكن كُلِّ هذه الحقائق مرفوضة عند المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ المسيحيَّةِ الرِّسميَّة، لماذا؟ هذه أساطير، هذه روايات ضعيفة السَّند، وتبقى السيِّدة مريم في جوِّ المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ المسيحيَّةِ الرِّسميَّة بحدود النُّصوص وبحدود التفاسير الَّتي مرَّت الإشارةُ إليها، بينما في الوسط الشَّعبي المسيحي السيِّدة مريم لها شأنٌ آخر. ألا تلاحظون أنَّ المشروع الإبليسي هُوَ هُوَ يتحرَّك في الوسط المسيحي ويتحرَّك في الوسط المسلم، فما موقف السُنَّة من الزَّهراء؟ وما موقف الشِّيعةِ من الزَّهراء؟ ألا تلاحظون أنَّ القضيَّة هِيَ هِيَ، المضمون الَّذي أشرتُ إليه في الحلقات المتقدِّمة، الحربُ الإبليسيةِ على الصدِّيقة الطاهرة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها..!! هُناك بقي عندي مطلبٌ واحد ولكنَّني أعود إليكم بعد فاصلِ الأذانِ والصَّلاة وربَّما يكون الفاصلُ طويلاً شيئاً ما بعد فاصلِ الأذانِ والصَّلاة بحسب التوقيت المحلّي لمدينة لندن كي أُكمل حديثي نلتقي بعد الفاصل. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستودَعِ فِيها … هذا هو الجزء الأخير من الحلقةِ الثَّانية والأربعين بعد المئة من برنامج الكِتابُ النَّاطق، قَبل فَاصل الأذان والصَّلاةِ بحسبِ التوقيت المحلِّي لمدينة لندن كُنت قد أنهيتُ حديثي في بعضٍ من التنبيهات ومن جُملةِ هذهِ التنبيهات كان الحديثُ عن السيِّدة مريم والفارق الموجود بين الاِعتقاد بها في الوسط الشَّعبي المسيحي والمؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ المسيحيَّةِ الرِّسميَّة. هذا هو الكتابُ المقدَّس بشطريه العهدُ القديم والعهدُ الجديد: نحن نتحدَّث في الأجواء المسيحية قطعاً الكلام يدور حول العهد الجديد، فقط ملاحظة صغيرة ما جاء في رؤيا يوحنّا في الإصحاح الثَّاني عشر وقد مرَّ ذكرُ هذا الأمر في الحلقات المتقدِّمة ما جاء في الإصحاح الثَّاني عشر ومن أوَّله: – وظهرت آيةٌ عظيمةٌ في السَّماء امرأةٌ مُتسربلةٌ بالشَّمس والقَمرُ تَحت رجليها وعلى رأسها إكليلٌ من اثني عَشرَ كوكباً وهي حُبلَى تصرخُ متمخِّضة ومُتوجّعة لتلد وظهرت آيةٌ أُخرى في السَّماء هو ذا تنّينٌ عظيم أحمر لهُ سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسهِ سبعةُ تيجان وذَنَبهُ يجرُّ ثُلُث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض والتنّينُ وَقَفَ أمام المرأة العتيدة أنْ تلد حتَّى يبتلع ولدها متى ولدت، فولدت ابناً ذكراً عتيداً أنْ يرعى جميع الأُممِ بعصاً من حديد واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه والمرأةُ هربت إلى البريَّة حيثُ لها موضعٌ مُعدٌّ من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومئتين وستين يوماً – إلى آخرِ ما جاء في هذا الإصحاح، هذه المرأةُ المتسربلة بالشَّمس والقمرُ تحت رجليها وعلى رأسها إكليلٌ من اثني عشر كوكباً لم يُفسِّرها المسيحيون بالسيِّدةِ مريم، وأعتقد بعد التوضيحات المتقدِّمة صار السَّبب واضحاً لماذا لم يُفسِّروا هذه المرأة بالسيِّدةِ مريم، قطعاً البعض منهم فسَّرها وفسَّر الوليدَ بيسوع، البعض منهم، لكن أكثر التفاسير وأهمّ المفسِّرين لم يُفسِّروا هذهِ المرأة بالسيِّدةِ مَريم، وإنَّما البعض منهم أهملَ الموضوعَ وتركَهُ، والبعض منهم فسَّرها بالكنيسة، يعني المنظومة العقائديّة، يقصدون بالكنيسة المنظومة العقائديّة المسيحيّة، والبعض منهم فسَّرها بالأُمَّة المسيحيّة. مثلاً في هذا التفسير وهو تفسير جون ماك آرثر، أنا أقرأ من صفحة 2310:- إنَّ كونها مُتسربلةً بالشَّمس – باعتبار النَّص ماذا قال؟ (امرأةٌ مُتسربلةٌ بالشَّمس والقمرُ تحت رجليها) – إنَّ كونها متسربلةً بالشَّمس يرمز إلى مجد الأُمَّةِ وكرامتها وحالة رفعتها وإلى شعب الوعد الَّذي سيَخلصون ويعطونَ ملكوتاً ويُحتمل أنْ تكون صورة القمر تحت قدميها رمزاً إلى علاقة الله بالأُمَّة بموجب العهد، إذْ أنَّ الأهلّة كانت مُرتبطةً بالعبادة، والاثنا عشر كوكباً تُمثِّلُ أسباط الأُمَّةِ الاثني عشر – أسباط الأُمَّة الإسرائيلية يعني، والاثنا عشر كوكبا تُمِّثلُ أسباط الأُمَّة الاثني عشر، فهنا قد فسَّرها بالأُمَّة المسيحية، بأُمَّة يسوع، لا علاقة لهذه المرأة بالسيِّدة مَريم، ومن الجهة التأريخية لا يوجد هناك ترابط بين التفاصيل الَّتي جاءت في هذا النص في الإصحاح الثاني عشر من رؤيا يوحنا وبين التفاصيل التأريخية أو الشؤون الشَّخصية للسيِّدة مريم والدة يسوع. ومن جهة أخرى فإن الرؤيا هنا تتحدّث عن آيةٍ عظيمة وعن امرأةٍ لها خصوصيات لا تمتلكها السيِّدة مريم – بحسب اعتقاد الأناجيل، فقد مرَّ علينا كيف أنَّ الأناجيل تتحدَّث عن السيِّدة مريم، وكيف أنَّ التفاسير الرِّسميَّة وصفت السيِّدة مريم غاية ما هُناك أنَّ التطويب الَّذي شَمَلها هو التطويب الَّذي شمل عامَّة الأُمَّة المسيحية المباركة العامّة، ليست هناك من خصوصيّة، وبَيَّنت أنَّ السيِّد المسيح لا يُريد أن يَجعل لأُمِّه أي خصوصيّة، وتحدَّثت التفاسير عن أنَّ السيِّدة مريم علاقتها بيسوع هي المرأة الَّتي ولدتهُ لا أكثر من ذلك، وقد قرأتُ ذلك عليكم، ومن هنا هم لا يُفسِّرون هذهِ المرأة بكُلِّ هذه الخصوصيّات العظيمة والرموز والإشارت الكبيرة بالسيِّدة مريم، لذلك تارةً يغمضون عن تفسير هذه المقطوعة أو هذا النَّص وأُخرى يُفسِّرونها بالكنيسة وأُخرى يفسرونها بالأُمَّة المسيحيّة كما هو الحال في النَّصّ التفسيريّ الَّذي قرأتُهُ عليكم. قطعاً هذهِ النصوص تعرَّضت لتحريف والترجمة هي بدورها هي أيضاً تُحَرِّف، نفس الترجمة بقصدٍ أو من دون قصد ومع ذلك فهناك امرأةٌ هنا تتحدَّثُ عنها رؤيا يوحنّا بكُلِّ هذه الخصائص العظيمة، حتَّى أنّها وصفت هذه المرأة – وظهرت آيةٌ عظيمةٌ في السَّماء – وصفت هذهِ المرأة بالآية العظيمة في السَّماء، وتحدَّثت عن التنّين والتنّين هنا هو المشروع الإبليسي في مواجهةِ هذه الآيةِ العظيمة..!! لا أُريد أن أتحدَّث أكثر من ذلك ولكن أعتقد أنَّ كثيراً من الإشارات وأنَّ كثيراً من الرموز وأن كثيراً من الألغاز يمكن أنْ تُفكَّك إذا ما ربطنا بَين كُلِّ هذهِ التفاصيل وبين ما جاء عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم وهو يقول لأمير المؤمنين: – هَذِهِ وَاللهِ – يُشير إلى فَاطمة، أنا اقرأ من عوالم العلوم، الجزء الثَّاني من عوالم الزَّهراء، صفحة 553، النَّبيّ الأعظم في آخر لحظات حياتهِ يقولُ لأمير المؤمنين: – هَذِهِ وَاللهِ سيِّدةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّة مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين وَقَد وَضَعَ يَدَ الزَّهراءِ فِي يَدِ عَلِيٍّ هَذِهِ وَاللهِ مَرْيَمُ الكُبْرَى. زُبدة القول من كلِّ ما تقدِّم، أعني من كُلِّ ما تقدِّم من حديثي بشكلٍ خاص في الحلقاتِ الَّتي عُنوانها: (فاطمةُ القَيِّمة صلواتُ الله عليها)، وبنحوٍ عام من كُلِّ مجموعةِ حلقاتِ لبَّيكِ يا فاطمة فقد وصلنا إلى آخرِ المطاف وحلقةُ يوم غد هي الحلقةُ الأخيرةُ من مجموعةِ حلقاتِ لبَّيكِ يا فَاطِمَة. أعودُ إلى ما ذكرتُ قَبل قليل زُبدةُ القول: هذه سورة البينة: وكما قُلتُ في الحلقاتِ المتقدِّمة سُورةُ البَيِّنةِ هي سورةُ شِيعةِ عليٍّ، شيعةِ فَاطِمَة، الآيةُ الخامسة من سورة البَيِّنة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، ومرَّ علينا: القَيِّمةُ هي فاطمة. ولكنَّني أُريد أنْ أذهب معكم في جولةٍ في آيات الكتاب الكريم: السورةُ هنا تتحدَّثُ عن دينِ القَيِّمة، والقَيِّمة لفظةٌ مُؤنَّثة، ما قالت السُّورةُ: وذلك دينُ القَيِّم، قالت: ﴿دِينُ الْقَيِّمة﴾، هناك القَيِّمةُ وهذا الدّينُ أُضِيفَ إليها، في الإعراب ما هي علاقة كلمة دين والقَيِّمة هنا، أليس مُضاف ومضاف إليه، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، القَيِّمة هنا مجرورة لماذا؟ جُرَّت بالإضافة، فالدّين والقَيِّمة أحدُهما أُضِيفَ إلى الآخر، دِينُ القَيِّمة، إذاً عندنا دينٌ يُضاف إلى القَيِّمة، هذا الدِّين صاحبتهُ وسيِّدَتهُ المشرفةُ عليه هي الموصوفة بهذا الوصف: (دِينُ القَيِّمة..!!). في سورة الروم: في الآية الثَّالثة والأربعين: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾، لأيِّ شيءٍ؟ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾، أنت أيُّها الشِّيعي إذا أردتَ أن تُقيمَ وجهَك فإلى أيِّ جهةٍ؟ ماذا تقرأ في دعاءُ النُدبة؟ (أَيْنَ وَجْهُ اللهِ الَّذِي إِلَيِه يَتَوجَّهُ الأَوْلِيَاء)، فإنَّك تُقيم وجهَك باتِّجاه وجهِ الله الَّذي يتوجَّهُ إليه الأولياء، الآية الثَّالثة والأربعون من سورة الروم ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ لأيِّ شيءٍ؟ ﴿لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾ الدِّينُ القَيِّمُ وُصِف بهذا الوصف لماذا؟ لأنَّهُ مرتبطٌ بالقَيِّمة، دينُ القَيِّمة ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، فهذا الدِّين نُسِب إلى القَيِّمة فأخَذَ منها هذهِ الصِّفة فَوُصِف بالدِّين القَيِّم، لاحظوا هنا: القَيِّم صفة للدّين، وليس الدِّينُ مُضافاً إليهِ، الدّين أُضِيف إلى القَيِّمة، فلأنَّهُ أُضيف إلى القَيِّمة فصار دينا قيِّماً ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ فالآيةُ هنا تأمرُنا أنْ نُقيمَ وُجُوهَنا للدِّينِ القَيِّم، هذا الدِّين القَيِّم صار قَيِّماً لماذا؟ لأنَّهُ نُسِبَ إلى القَيِّمة، هذا في سورة الروم، في الآيةِ الثَّالثةِ والأربعين. في الآيةِ الثَّلاثين أيضاً من سورة الروم، هناك تفصيل أكثر، الآية الثَّالثة والأربعون: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾، هنا ذِكرٌ مُجمَل، عنوانٌ عامّ، في الآيةِ الثَّلاثين من نفس السورة من سورة الروم هناك شيء من التفصيل: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾، تلاحظون هذا الوصف جاء في سورة البَيِّنة، في سورة البَيِّنة ماذا جاء الوصف؟ جاء الوصف: (حُنَفَاء)؛ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء﴾؛ جمع حنيف، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾، هذا هو دينُ الفطرة، وحين نسألُ الإمام الصَّادق عن معنى الفطرة، يقول: (الفِطْرَةُ لَا إلَهَ إِلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُول الله عَليٌّ وَليُّ الله)، هذ هي الفطرة، الفطرةُ ولايةُ عليٍّ، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ دينُ الفطرةِ هو الدِّينُ القَيِّم، هو دينُ القَيِّمة ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، أكثر النَّاس لا يعلمون، لا يعلمون أنَّ دين الفطرةِ هو الدِّينُ القَيِّم وهو دينُ القَيِّمة، والقَيِّمةُ عليهِ هي فَاطمَة، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾؛ بعبارةٍ أخرى ولكن الشِّيعةَ لا يعلمون..!! إذا نذهب إلى سورة يوسف وإلى الآية الأربعين من سورة يوسف: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ أسماء هذِه أسماء أصنام، أصنام حجرية، أصنام بشرية، أسماء ومُصطلحات علمية، أسماء وسِمات لمنهجٍ فكريٍ مُعيَّن ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾، ماذا نقرأ في سورة البَيِّنة؟ نعود مرَّة أخرى إلى سورة البينة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾؛ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، ذلك الدِّين القَيِّم، تلاحظون نفس النَّسق في هذه الآية في سورة البَيّنة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، ماذا نقرأ في هذه الآية؟ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، هذا هو الدِّينُ القَيِّم وهو دينُ القَيِّمة، وإنَّما سُمِّي بالقَيِّم لأنَّهُ نُسِبَ إلى القَيِّمة، لماذا هنا مُذكَّر؟ لأنَّ الدِّين مُذكَّر، هذه اللفظة مُذكَّرة، ولكن هناك جاءت الكلمة مُؤنَّثة والدين نُسِب إليها لأنَّها فاطمة..!! وحينما نذهب إلى سورة التوبة، الآية السَّابقة من سورة يوسف، ماذا قالت؟ الآن إذا رجعنا إلى الآية من سورة يوسف، إن هي إلَّا أسماء سمّيتموها، ماذا قالت الآية الأربعون من سورة يوسف؟ ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾، هذه الأسماء سمَّيتموها أنتم وأباؤكم أنتم اخترعتموها، قواعد للفهم، قوانين، أصنام بشرية، سمِّ ما شئت ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ وهذهِ كُلُّها تَتَعارض مع الدِّين القَيِّم ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، هذا في سورة يوسف الآية الأربعون. في سورة التوبة الآيةُ السَّادسة والثلاثون: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾؛ العليُّون الأربعة في الرِّوايات، عليٌّ المرتضى! عليٌّ السَّجاد! عليٌّ الرِّضا! عليٌّ الهادي! أربعةٌ حُرُم، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً﴾؛ هم الأَئِمَّة ﴿فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، إلى آخر الآية، هذا وجهٌ من وجوه الآية، للآية وجوه، قد يكون الحديث عن الشهور وعن الحساب ولكن التعبير: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، الدِّينُ القَيِّم هم آلُ مُحَمَّد، هذا التعبيرُ ناظرٌ إلى هذا الوجه، إلى وجه الآية في الأَئِمَّة الاثني عشر: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً﴾، وهذا ما هو تفسيري، رواياتُ آل مُحَمَّد تقول هذا المعنى في تفسير هذه الآية: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾، حين كان الحديث عن أسماء سمَّيتموها أنتم وأباؤكم في سورة يوسف كان هناك رفضٌ لهذهِ الأسماء، أمَّا هذه الأسماء الَّتي عُنوِنَت بالاثني عشر شهر هذهِ الأسماء ماذا قالت عنها الآية؟ ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾..!! ماذا نقرأ في زيارة فاطمة؟ في زيارة الصدِّيقة الطَّاهرة ماذا نقرأ؟ هذا هو (مفاتيح الجنان)، زيارتها الموجودة في المفاتيح: (أُشْهِدُ الله وَمَلاَئِكَتَهُ أَنِّي وَلِيٌّ لِمَنْ وَالَاكِ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكِ وَحَرْبٌ لِمَن حَارَبَكِ، أَنَا يَا مَوْلَاتِي بِكِ، بِكِ، وَبَأَبِيكِ)، لماذا بكِ من البداية؟ هو نفس المعنى الموجود في الزيارة: (وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء)، لأنَّها هي القَيِّمةُ على الدِّين، يا جماعة فاطمة هي القَيِّمةُ على الدِّين والنُّصوص واضحة: (أَنَا يَا مَوْلَاتِي بِكِ وَبَأَبِيكِ)، كما قال الله: (هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، تلاحظون أهميَّة حديث الكساء، معاني هذا الحديث تتجلَّى في كُلّ النصوص الَّتي نمرُّ عليها، من هنا قلت من أنَّ حديث الكساء هو الوثيقة الأولى والوثيقة الأهمّ، ولذلك إبليس في حربهِ بَذَل كُلَّ جُهدِهِ لطمسِ هذا الحديث، ومن جميع الاتجاهات، آخرُ شيء ماذا فعل إبليس؟ طَمَسَهُ فجعلهُ طقساً فقط للقراءة، والعلماء الَّذين يتحدَّثون عنه في الكُتب أو على المنابر إذا ما تحدَّثوا عنه تحدَّثوا عنه بشكلٍ سطحيٍّ فغابت كُلُّ معانيه وهذا هو الَّذي يريده إبليس: (أَنَا يَا مَوْلَاتِي بِكِ وَبَأَبِيكِ وَبَعْلِكِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكِ مُوقِن وَبِولَايَتِهِم مُؤْمِن وَلِطَاعَتِهِم مُلْتَزِم أَشْهَدُ أَنَّ الدِّيْنَ دِيْنُهُم وَالحُكْمَ حُكْمَهُم) أشهدُ أنَّ الدِّين دينُهم والحكمَ حكمُهم. ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾؛ (أَشْهَدُ أَنَّ الدِّيْنَ دِيْنُهُم وَالحُكْمَ حُكْمَهُم). نذهب إلى الآية الأربعين من سورة يوسف: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾؛ (أَشْهَدُ أَنَّ الدِّيْنَ دِيْنُهُم وَالحُكْمَ حُكْمَهُم)، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾، ليس لهذه الأسماء الَّتي أنتم سمَّيتمُوها أنتم وأباؤكم، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾. هذه هي القَيِّمةُ والدّينُ دينُها، وحين صار الدِّينُ دينَها صار الدّينُ قيِّماً لوجودِ فاطمة، صار الدّين قيِّماً بسببِ فاطمة، وكتابُ هذا الدِّين صار قَيِّماً أيضاً بسبب فاطمة..!! إذا ذهبنا إلى سورة الكهف: ماذا نقرأ في الآيتين الأوليَّتين بعد البسملة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ هذه الآية الأولى بعد البسملة من سور الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ۞ قَيِّماً﴾ ﴿قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً﴾، هذا الكتاب ما هو وصفهُ؟ (قيِّماً)، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ۞ قَيِّماً …﴾، فاطمةُ القَيِّمةُ ودينُها القيِّم، وكتابُها (قيِّماً)، هي القَيِّمةُ وأيضاً هذا الكتابُ (قيِّماً) لماذا؟ ماذا يقول هذا الكتاب في سورة الإسراء في الآيةِ التاسعة؟! هذا الكتاب الَّذي وُصِف في الآيات الأولى من سورةِ الكهف ﴿قَيِّماً﴾ ماذا تقول سورة الإسراء في الآية التاسعة؟ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، ما قال للَّذي هو أقوم، فُسِّرت في حديث أهل البيت: ﴿يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾؛ للإمام؛ الإمامُ فاطمة، إذا رجعنا إلى الرِّوايات: ﴿يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾؛ يهدي للإمام، ولكن الضَّمير مُؤنَّث: ﴿يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، الَّتي هي أقوم مَن هي؟ القَيِّمة، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾؛ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، في زيارتها ماذا نقول؟ (لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، ألا تُلاحظون أنَّ الآيات والرِّوايات والزِّيارات والأدعية، كلمات المعصومين يشرحُ بعضُها بعضاً بشكلٍ واضحٍ وجليّ، الآية صريحة: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ﴾ هِيَ هِيَ هِيَ، ضمير مؤنّث، ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، الَّتي هي أقوم مَن هي؟ القَيِّمة؛ ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾؛ ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾، الكلام واضحٌ وصريحٌ وجليٌّ وبيِّنٌ جدَّاً. هذا هو الجزء الثَّامن من تفسير البرهان: صفحة 346، 347، والرِّوايةُ ينقلها عن تأويل الآيات الظاهرة عن جابرٍ الجعفي عن باقر العلوم: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، قَالَ: هِي فَاطِمَة. الرِّواية الثَّانية عن الإمام الصَّادق عَن أَبِي بصير: – في قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، قَال: هُو ذَلِك دِينُ القَائِم – ونَحنُ ما بين القائم والقَيِّمة..!! هذهِ هي منظومتُنا العقائديّةُ الشِّيعيَّة، فأصلُ الدِّينِ هو القائم وفاطمةُ هي القَيِّمة..!! فدينُنا ما بين قائمٍ وقَيِّمة، هذا هو كلامُهم ما هو بكلامي، أتحدَّاكم أنْ تقولوا إنَّ كلمةً جئتُ بها من عندي، هذه آياتُ الكتابِ الكريم وهذه كلماتُهم، فماذا يقول باقر العلوم: – ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، قَالَ: هِي فَاطِمَة – وهذا القُرآن يهدي لأيّ شيء؟ ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، الَّتي هي أقوم فاطمة، وفاطمة لها القيمومة على القائمِ صلواتُ اللهِ عليه، هو قال: هي أُسوتُهُ، هي أُسوتُهُ وهي الحُجَّةُ عليه، حُجَّةٌ على الحُجَج – ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمة﴾، قَال: هُو ذَلِكَ دِينُ القَائِم – فاطمةُ هي القَيِّمة وإمامُ زمانِنا هو القائم، وفاطمةُ هي المنصورةُ وإمامُ زمانِنا هو المنصورُ، فاطمةُ المنصورة، من أسمائِها الواضحةِ جدَّاً في رواياتِ أهلِ البيت (المنصورة). نقرأُ في زيارتها الشَّريفة وهذا هو المفاتيح: (وَحَبِيبَةِ الْمُصْطَفَى وَقَرِينَةِ الْمُرْتَضَى وَسَيِّدَةِ النِّسَاء وَمُبَشِّرَةِ الأَوْلِيَاء حَلِيفَةِ الوَرَعِ وَالزُّهْد وَتُفَّاحَةِ الفِرْدَوسِ وَالخُلْد) إنها تُفَّاحةُ الوجود، فَاطمةُ صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عليها. رواية ينقلها صاحب العوالم عن تفسير فرات: والرِّوايةُ عن إمامِنا الصَّادق، الرِّواية طويلة آخذ منها موطنَ الحاجة: – فَرَأَيتُ مِّنْهَا نُوْرَاً سَاطِعَاً – النَّبيّ يقول مِن تُفَّاحة الفردوس والخلد – فَرَأَيتُ مِّنْهَا نُوْرَاً سَاطِعَاً فَفَزَعْتُ مِنْ ذَلِك النُّور، فَقَال جَبْرَائِيل: كُلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ نُورُ الْمَنْصُورَة – والحديث عن كُل وعن الأكل ليس المراد بالأكل بهذا المعنى الدُّنيوي، هذه هي الممازجة – كُلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ نُورُ الْمَنْصُورَة وَفِي الأَرْضِ فَاطِمَة – هذا اسمها في السَّماء فاطمةُ المنصورة – كُلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ نُورُ الْمَنْصُورَة وَفِي الأَرْضِ فَاطِمَة، فَقُلتُ: يَا جَبْرَائِيل وَمَن الْمُنْصُورَة؟ قَالَ: جَارِيةٌ تَخْرُجُ مِنْ صُلْبِك وَاَسْمُهَا فِي السَّمَاءِ مَنْصُورَة وَفِي الأَرْضِ فَاطِمَة، فَقُلْتُ يَا جَبْرَائِيل: وَلِمَ سُمِّيَت فِي السَّمَاءِ مَنْصُورَة وَفِي الأَرْضِ فَاطِمَة؟ قَال: سُمِّيَت فَاطِمَة فِي الأَرْض لأَنَّها فَطَمَت شِيعَتَهَا مِنْ النَّار وَفَطَمَت أَعْدَاءَها عَن حُبِّهَا وَهِي فِي السَّمَاء الْمَنْصُورَة وَذَلِك قَولُ اللهِ فِي كِتَابِه: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله﴾ – جاء مذكوراً في سورة الروم ولكن الآيات لها وجوه لا حصرَ لها – ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله﴾ بِنَصْرِ فَاطِمَة لِمُحِبِّيهَا – فاطمةُ هي النَّاصرةُ المنصورةُ. فَانْصُرِينا انْصُرِينا أيَّتُها النَّاصرةُ المنصورة، انصرينا باتّباعكِ، انصرينا بمعرفتكِ، انصُرِينا بالتمسُّكِ بِعروتكِ، يا ناصرةُ يامنصورةُ، صلواتُ الله عليكِ..!! فهي القَيِّمةُ وإمامُ زماننا القائم..!! وهي المنصورةُ وإمامُ زماننا المنصور..!! ماذا نقرأُ في الكتاب الكريم؟ في الآية الثَّالثة والثَّلاثين من سُورة الإسراء: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ﴾ بحسب القراءة المشهورة، ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا﴾، بحسب قراءة أهل البيت: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلاَ يُسْرِفُ فِّي الْقَتْلِ﴾؛ وبحسب القراءة المشهورة من قراءات المخالفين (فلا يُسْرِفْ) هذ لا الناهية! لذلك الفعل مجزوم، فعل مضارع يُجزَم بلا الناهية، وفي خطِّ المصحف تركوه من دون إشارة: ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلاَ يُسْرِفُ﴾، هذه لا النافية بحسب قراءة آل مُحَمَّد: ﴿فَلاَ يُسْرِفُ فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا﴾، وهو صاحبُ الأمر، أحاديثُ أهل البيت في تفسير القُرآن تتحدَّث عن صاحبِ الأمر في هذهِ الآية، والأدعيةُ والزِّياراتُ مشحونةٌ بهذا المضمون. في دعاء النُّدبةِ ماذا نقرأ؟ في دعاء الندبةِ بعد أن نقرأ: (أَيْنَ الطَّالِبُ بِذُحُولِ الأَنِبِيَاءِ وَأَبْنَاءِ الأَنْبِيَاء، أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلَاء، أَيْنَ الْمَنْصُورُ عَلَى مَنْ اِعْتَدَى عَلَيهِ وَاَفْتَرَى)؛ أين المنصور..؟! المنصور هذا هو نفسه الَّذي نذكرهُ في زيارة عاشوراء: (فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِك أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُور مِنْ أَهْلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه). فاطمةُ المنصورة الَّتي تنصرُ أولياءَها في الدنيا والآخرة، وإمامُ زماننا هو المنصور، هو الَّذي سيظهرُ على يديه الحقُّ وإنَّنا حين نقرأُ في دعاء الفرج: (يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ اِكْفِيَانَا فَإنَّكُمُا كَافِيَان واَنْصُرَانِا فَإنَّكُمُا نَاصِرَان – بعد هذه العبارة مباشرةً – يَا مَوْلَانَا يَا صَاحِبَ الزَّمَان)، تحقُّقُ الكفايةِ والنَّصر على يَدِهِ، هذا الدعاء كيف تفهمونَهُ؟ الكفاية والنَّصر نَحنُ نتوجَّه إلى الإمامين الأصلين إلى مُحَمَّدٍ وعليّ، ولكن تحقُّق هذا المعنى هو على يَدِ إمامِ زمانِنا: (اِكْفِيَانَا فَإنَّكُمُا كَافِيَان)، الكفايةُ هي على يدِ الحُجَّةِ ابن الحَسن (واَنْصُرَانِا فَإنَّكُمُا نَاصِرَان)؛ (أَيْنَ الْمَنْصُورَ عَلَى مَنْ اِعْتَدَى عَلَيهِ وَافْتَرَى)..؟! ففاطمةُ القَيِّمةُ وإمامنا القائم، وقُرآننا يدعو للَّتي هي أقوم، يهدي للَّتي هي أقوم إلى فاطمة، وفاطمةُ المنصورة والحُجَّة ابن الحسن هو المنصور، ألا تلاحظون انسجاماً واتساقاً والتئاماً حتَّى في حدود الألفاظ، في عالم الحقيقةِ القضيَّةُ تأخذُ اتِّجاهاً آخر لأنَّها تَذهبُ إلى عُمقِ النُّوريةِ الَّتي تحدَّثت عنها الزِّيارةُ الجَامعةُ الكَبيرةُ بكُلِّ تِلكَ التفاصيل، ولكنَّكم ألا تتلمَّسون هُنا هذا التناسُقَ حتَّى في حدود الألفاظِ والتعابير الحروفيّة هذهِ الضيِّقة المحدودة، هذهِ هي منظومتُنا العقائديّةُ الشِّيعيَّةُ ما بين القَيِّمة والقائم، فالقائمُ هو أصلُ الدين، أصلُ دينِنا هو القائم. ماذا نقرأُ في حديث المعرفةِ بالنَّورانية؟ وقد قرأتُ ذلك عليكم ولكنَّني أُعيدهُ كي أُذكِّرَكُم وكي تترابطَ المعاني:- يَا سَلْمَانُ وَيَا جُنْدَب، قَالَا: لَبَّيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين، قَال: مَعْرِفَتِي بِالنَّورَانِيَّة مَعْرِفُةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْرِفَتِي بِالنَّوْرَانِيَّة وَهُوَ الدِّينُ الخَالِص – إلى أنْ يقول: – وَذَلِكَ دِيْنُ القَيِّمَة – ثُمَّ يقول في جهةٍ أُخرى من حديث المعرفةِ بالنَّورانِيَّة – فَمَنْ اِسْتَكْمَل مَعْرِفَتِي فَهُو عَلَى الدِّيْنِ القَيِّم – من استكمل معرفتي – فَهُو عَلَى الدِّيْنِ القَيِّم كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿وَذَلِكَ دِيْنُ القَيِّمَة﴾. هذا الدِّين يقوم على قائم، يقوم على أصل، وهذا الأصل يُحدِّثُنا عنه إمامُنا الرِّضا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه فماذا يقول؟ هذا هو الكافي الجزء الأوَّل كتابُ الحُجَّة، بابٌ نادر جامع في فضل الإمام وصفاتهِ، وهذا هو الحديث الرَّضوي، طالما أقرأ منهُ نصوصاً وجُمَلاً وكلماتٍ، ماذا يقول إمامُنا الرِّضا؟ يقول:- إِنَّ الإِمَامَة هِي مَنْزِلَةُ الأَنْبِيَاء وَإِرْثُ الأَوْصِيَاء، إِنَّ الإِمَامَةَ خِلَافَةُ الله وَخِلَافَةُ الرَّسُول وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِين – هذه العبارة: (وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِين)، بينما حين تحدّث عن الحَسنِ والحسين قال: (وَمِيرَاثُ الحَسَنِ وَالحُسَين) ؛ (وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِين)، لأنَّ الزَّهراء مقامها يكافئُ مقامَ أميرِ المؤمنين، الإشارة واضحة جدَّاً خصوصاً إذا نستمرّ في الكلام: – إِنَّ الإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّين وَنِظَامُ الْمُسْلِمِين – ماذا قالت الصدِّيقةُ الكبرى في خطبتِها؟ هذه خُطبة الصدِّيقة الكُبرى وأنا أقرأُ عليكم من عوالم العلوم، الجزء الثَّاني من عوالم الزَّهراء، صفحة 660- فَجَعَلَ اللهُ الإِيْمَان تَطْهِيرَاً لَكُم مِنَ الشِّرْك – إلى أنْ تقول: – وَطَاعَتَنَا نِظَامَاً لِلْمِلَّة وَإِمَامَتَنَا أَمَانَاً لِلْفُرْقَة – حين تقول: (وطاعتَنا) هل تُخرجُ نفسَها؟ وحين تقولُ: (وإمامتَنا) هل تُخرجُ نفسَها؟ ماذا تقولون أنتم؟ – وَطَاعَتَنَا نِظَامَاً لِلْمِلَّة – هي موجودة في هذا التعبير أم لا؟ – وَإِمَامَتَنَا أَمَانَاً لِلْفُرْقَة. هنا إمامُنا الرِّضا ماذا يقول؟ – إِنَّ الإِمَامَة زِمَامُ الدِّين وَنِظَامُ الْمُسْلِمِين وَصَلَاحُ الدِّين – ماذا يقول إمامنا الرضا؟ – إِنَّ الإِمَامَة زِمَامُ الدِّين وَنِظَامُ الْمُسْلِمِين وَصَلَاحُ الدُّنْيَا وَعِزُّ الْمُؤْمِنِين ؛ وَطَاعَتَنَا نِظَامَاً لِلْمِلَّة – هو نفس التعبير – إِنَّ الإِمَامَة زِمَامُ الدِّين وَنِظَامُ الْمُسْلِمِين ؛ وَطَاعَتَنَا نِظَامَاً لِلْمِلَّة وَإِمَامَتَنَا أَمَانَاً لِلْفُرْقَة ؛ وَصَلَاحُ الدِّين وَعِزُّ الْمُؤْمِنِين – التعابير هي نفس التعابير، والإمامةُ هي الإمامةُ الَّتي تتحدَّثُ عنها الصدِّيقةُ الكُبرى صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. إلى أن يقول إمامُنا الرِّضا: – إِنَّ الإِمَامَة أُسُّ الإِسْلَامِ النَّامِي وَفَرْعُهُ السَّامِي – هي الأصل – إِنَّ الإِمَامَة أُسُّ الإِسْلَامِ النَّامِي وَفَرْعُهُ السَّامِي – حديثٌ عن إمامةِ الزَّهراءِ وعن إمامةِ إمامِنا الحُجَّة، والعبائر واضحة واجمعوا بين هذه النصوص. في بصائر الدرجات: ماذا يقول إمامُنا الصَّادق في الرسالةِ المطوَّلة الَّتي بَعَث بها إلى المفضَّل ابن عمر؟ بصائر الدرجات لمُحَمَّد ابن الحَسن الصَّفار من أصحاب إمامنا العسكريّ صلواتُ اللهِ عليه، مؤسَّسة النعمان للطباعة والنَّشرِ والتوزيع بيروت، لبنان، 1992، الطبعة الثَّانية، ماذا يقول إمامنا الصَّادق؟ وهذا الحديث دائماً نعرضهُ على شاشة القَمَر: (ثُمَّ إِنِّي أُخْبِرُك – الإمام الصَّادق يقول للمُفضَّل – ثُمَّ إِنِّي أُخْبِرُك أَنَّ الدِّينَ وَأَصْلَ الدِّين هُو رَجُل وَذَلِكَ الرَّجُل هُو اليَقِين وَهُو الإِيمَان وَهُو إِمَامُ أُمَّتِهِ وَأَهْلِ زَمَانِه فَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ الله وَمَنْ أَنْكَرَهُ أَنْكَرَ الله وَدِينَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ جَهِلَ الله وَدِينَهُ)، إلى آخر الرِّواية والرِّواية طويلة، الكلمة واضحة وصريحة – ثُمَّ إِنِّي أُخْبِرُك أَنَّ الدِّينَ وَأَصْلَ الدِّين هُو رَجُل – هو الحُجَّةُ ابنُ الحسن، هو القائِمُ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، فدِينُنا أصلهُ القائم وقَيِّمَتُهُ فاطمة!! هذهِ هي المنظومةُ العقائديّةُ الشِّيعيَّةُ الَّتي أتحدَّثُ عنها: (مَنْ مَات وَلَم يَعْرِف إِمَامَ زَمَانِه مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة)، ما قالت الرِّواية من مات ولم يعرف أصولَ الدينِ الخمسة، (مَنْ مَات وَلَم يَعْرِف إِمَامَ زَمَانِه)، بهذا الفهمِ وبهذا المستوى العقائدي. هذا هو مفاتيحُ الجِنان: وهذا هو دعاء الغيبة الدعاء المعروف: (اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَك فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَك لَم أَعْرِف رَسُولَك، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُوْلَك فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي رَسُوْلَك لَم أَعْرِف حُجَّتَك، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي مِيْتَةً جَاهِلِيَّة وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي)، هذهِ المضامين مرتبطة بمعرفة الحُجَّة، ماذا قال الدعاء؟! (اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَك فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَك – ما الَّذي يحدّث؟ – لَم أَعْرِف رَسُولَك، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُوْلَك فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي رَسُوْلَك – ما الَّذي يحدّث؟ – لَم أَعْرِف حُجَّتَك، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك – ما الَّذي يحدّث؟ – ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي مِيْتَةً جَاهِلِيَّة) ؛ (مَنْ لَم يَعْرِف إِمَامَ زَمَانِه مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة)، هذا المقطع ليس مرتبطاً بالمعرفة الأولى والثَّانية، مرتبطٌ بالمعرفةِ الثَّالثة بمعرفةِ الحُجَّة، معرفةُ الحُجَّةِ هي الأساس، بمعرفة الحُجَّة تَعرفُ الرَّسولَ وتعرفُ اللهَ ومَعرفةُ إمامِ زمانِك هي معرفةُ دِينِك بكُلِّ تفاصيلهِ، لذلك:- اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي مِيْتَةً جَاهِلِيَّة وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي – هذا هو أصلُ دينِنا، هذا هو القائم، معرفةُ إمامِ زماننا تعني أنَّنا قد عرفنا دينَنا، وهذا هو أصلُ دينِنا، دينُنا لهُ أصلٌ واحدٌ هو القائم ولهُ قَيِّمةٌ واحدةٌ هي فاطمة، هي سيِّدةُ حديث الكساء اليماني، هي المنصورةُ النَّاصرة، هي المفطومةُ الفاطمة وهي المعصومةُ العاصمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. هذا هو ديني!! ما قرأتُهُ عليكم قبل قليل من زيارة الصدِّيقة الكبرى هذا هو ديني، هذه الخلاصة: (أُشْهِدُ الله وَمَلَائِكَتُهُ – الخطاب مُوجَّه لفاطمة – أُشْهِدُ الله وَمَلَائِكَتُهُ أَنَّي وَلِيٌّ لِمَن وَالَاكِ وَعَدُوٌّ لِمَن عَادَاكِ وَحَرْبٌ لِمَن حَارَبَكَ – هذه هي البراءة، أَنَا يَا مَوْلَاتِي – أَنَا يَا مَوْلَاتِي بِكِ – أوَّلاً – وَبِأَبِيكِ – ثانياً – وَبَعْلِكِ – ثالثاً؛ (هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا) – بِكِ وَبِأَبِيكِ وَبَعْلِكِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِك مُوقِن وَبَوَلَايَتِهِم مُؤْمِن وَلِطَاعَتِهِم مُلْتَزِم – بتوفيقكِ يا زَهرَاء – أَشْهَدُ أنَّ الدِّيْن دِينُهُم وَالحُكْمَ حُكْمُهُم)، وَأَنتِ، أَنْتِ القَيِّمةُ عَلَى دِينَي وَعَلى نَفْسَي..!! والقيمومة هذه تُبِّينها هذه الزِّيارة، القيمومة هذه آثارها ونتائجها تتجلَّى أين؟ كما قلتُ قبل قليل من أنَّ القيمومة تعني أنَّ الزَّهراء حاضرة وناظرة في نفس الوقت، وهي صاحبةُ الولاية، الآثار المُترتّبة على هذا والَّتي تنعكسُ على دِيني ما هي؟ هناك عنوانان واضحان في هذه الزيارة: o عنوانُ التصديق. o وعنوان التطهير. هذه هي الآثار المترتّبة على التزامي بقيمومةِ فاطمة، هذه هي الآثار. ماذا يقول الأَئِمَّة مثلاً في عقيدة الرَّجعة؟ (لَيسَ مِّنَّا مَنْ لَم يُؤْمِن بِكَرَّتِنَا بِرَجْعَتِنَا)، يعني من لم يؤمن برجعتِنا لا علاقةَ لهُ بنا، الَّذي لا يؤمنُ برجعتنا نحنُ لا نلتفتُ إليه، حتَّى لو قال إنَّني من شيعتِكم، الَّذي لا يعتقدُ بقيمومة فاطمة على الدِّينِ وعليه، الَّذي لا يعتقدُ بذلك فليس لهُ الحقَّ في التصديقِ والتطهير، لأنَّ هذهِ القضيَّة مُرتبطة بقيمومةِ فاطمة، فحينما نقرأُ في الزِّيارة: (وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء – هذا زعم – وَمُصَدِّقُون وَصَابِرون لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ وَأَتَى بِهِ وَصِيُّه) – هذا الزَّعم يشتركُ فيه الجميع، ولكن الَّذي يعقتد قيمومتَها يتوجَّهُ إليها، لأنَّ الإنسان الَّذي لا يعتقد قيمومتَها يكتفي بهذا الزَّعم يقول: أنا أعتقد بولاية فاطمة وأنا مُصدِّق وصابر ومُسلّم للَّذي جاء بهِ مُحَمَّدٌ وعليّ. تلتفتون إلى الزِّيارة أم لا؟ القِسم الأول من الزِّيارة: (وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء)، الزَّعم ادِّعاء ونحنُ دِينُنا كُلُّه ادِّعاءات!! في دعاء يوم عرفة المروي عن سيِّد الشُّهداء: (إِلَهِي مَنْ كَانَت مَحَاسِنُهُ مَسَاوِي فَكَيفَ لَا تَكُون مَسَاوِيه مَسَاوِي، وَمَنْ كَانَت حَقَائِقُهُ دَعَاوِي فَكَيفَ لَا تَكُون دَعَاوِيه دَعَاوِي – ادِّعاءات كُلُّها ادِّعاءات – وَمَنْ كَانَت حَقَائِقُهُ – يتصوَّر هي حقائق ولكنَّها دعاوي – فَكَيفَ لَا تَكُون دَعَاوِيه دَعَاوِي). وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء – هذا زعم، لكن عقيدتَنا بمُحَمَّدٍ وعليّ هي تصديقٌ وتسليم – وَمُصَدِّقُون وَصَابِرون لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ وَأَتَى بِهِ وَصِيُّه – مَن يعتقد في نفسهِ هذا المعنى ويعتبر أنَّهُ على الهدى وعلى الحقّ، فليس لهُ الحقّ في تصديقِ فاطمة ولا في تطهيرِ فاطمة لأنَّهُ لا يلتزم بقيمومتِها للدِّين..!! القيمومة تبدأ من هنا:- فَإِنَّا نَسْأَلُكِ – هذا مع اعتقاد القيمومة – فَإنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا – هذا الأثر الأوَّل التصديق. الأثر الثَّاني: (لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، هذه آثارُ عقيدةِ قَيمومةِ فاطمة واضحة جدَّاً في الزِّيارة. لا أُريد أنْ أُشَعِّب الحديث أكثرَ من ذلك، لكنَّني أعتقد أنَّني أوصلتُ لكم الصورةَ بنحوٍ كَافٍ معَ هذه النُّصوص الكثيرة، مع هذه البيانات الَّتي رَسمت لكُم خارطةً لمنظومةِ العقيدةِ الشِّيعيَّة: دِينُنا لهُ أصلٌ واحد وهو إمامُ زمانِنا القائم قائمُ الدِّين، وفاطمةُ واحدةٌ هي، هي القَيِّمةُ على الدّين، فنحنُ ما بين القَيِّمةِ والقائم، إنَّها فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها..!! اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُسْتَودَعِ فِيَها … زَهْرَائيُّون، سَنَبْقَى “زَهرائِيُّون”..!! زَهرَائِيُّونَ نَحنُ والهَوَى، والهَوى، والهوىَ زَهرائِي..!! حلقة يوم غد هي آخرُ حلقةٍ من مجموعةِ حلقاتِ: (لبَّيكِ يا فاطمة)، حتَّى لو انتهت حلقاتٌ بهذا العُنوان: (لبَّيكِ يا فاطمة) سنبقى نُردِّدُ مع كُلِّ نَفَسٍ من أَنفاسِنا: لبَّيكِ يا فاطمة …!! بتوفيقٍ من فاطمة إذا وفَّقتنا فاطمة، إذا كان الأمرُ راجعاً إلينا فواهاً واهاً، بتوفيقٍ من فاطمة آمَالُنا مشدودةٌ إلى وَجهِ إمامِ زمانِنا وتَحتَ خَيمةِ أُمِّهِ فاطمة، تَحتَ الكِساءِ اليمانيِّ الكبير، تَحتَ خيمةِ فاطمة والعُيُونُ مشدودةٌ إلى وجهِ الله الَّذي إِلَيهِ يتوجَّهُ الأولياء، آمالُنا ما بَين الرَّجاءِ والخَوف، نمدُّ أيدينا ونستجدي فَضلَهُ ورحمتَهُ، ونَستجدي نَظرةً خَاصَّة منه بِحقِّ أُمّهِ فَاطِمَة..!! مُلْتَقَانَا غداً … أَتْركُكُم فِي رِعَايَةِ القَمَر … يَا كَاشِفَ الكَرْبِ عَنْ وَجْهِ أَخِيكَ الحُسَين إكْشِف الكَرْبَ عَنْ وُجُوهِنَا وَوُجُوهِ مُشَاهِدِينَا وَمُتَابِعِينَا عَلَى الإنْتَرْنِت بِحَقِّ أَخِيكَ الحُسَين … أَسأَلُكم الدُّعَاء جَميعاً … في أمَانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم السبت 29 ذو الحجّة 1437هـ الموافق 1 / 10 / 2016م تقدّمت تفاصيل كثيرة تحت هذا العنوان (فاطمة القيّمة) ولكنّني أُذكّركم فقط بمعنى القيّمة.. القيّمة: هي صاحبة القيمومة، وصاحبة القيمومة لابدّ أن تكون حاضرة وناظرة. ممّا ذكرته في الحلقة الماضية ما جاء في توقيع إمام زماننا في [بحار الأنوار- ج53] والكلمة التي أُريد أن أمرّ عليها في هذا التوقيع الشريف هي كلمة إمام زماننا عليه السلام (وفي ابنة رسول الله لي أُسوة حسنة). الإمام يُعبّر في توقيعه هنا عن الصدّيقة الكبرى أنّها أُسوة له، وهذه صورة من أدب إمام زماننا مع أمّه الزهراء.. صورة من أدب آل محمّد عليهم السلام مع الصدّيقة الكبرى، وهذا المضمون يتجلّى من مضمون كبير وواضح جدّاً.. تلك هي كلمة إمامنا العسكري عليه السلام (نحن حُجج الله على العباد، وفاطمة أمّنا حجّة علينا). إذا أردت أن أتتبع كلمات المعصومين و ما يصدر منهم من أدب عالٍ جدّاً مع الصدّيقة الطاهرة قد أحتاج إلى وقت، لكنّني أختصر عليكم الطريق بكلمتين: ● الأولى: كلمة إمامنا الصادق حين سألوه عن إمام زماننا، قال: (لو أدركته لخدمته أيّام حياتي) المُتكلّم هنا هو الإمام الصادق، والحديث عن إمام زماننا. ● الثانية: كلمة إمام زماننا وهو يتحدّث عن أمّه الزهراء فيقول: (وفي ابنة رسول الله لي أُسوة حسنة). معالم الأدب العالي في التعامل مع الصدّيقة الكبرى واضحة من هذه الكلمات الموجزة، وهذا هو أدب رسول الله صلّى الله عليه وآله. القرآن يُخاطب النبي في سورة القلم (وإنّك لعلى خُلُق عظيم) هذا الخطاب موجّه لرسول الله، ولكن مضمونه يتجلّى في أهل البيت جميعاً، كالمضامين التي تتجلّى في الزيارة الجامعة الكبيرة، فمضامين الزيارة الجامعة هي تفصيل قولٍ لهذه الكلمة (وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم). هذه الآية لا تتحدّث عن خصال في التعامل مع الآخر، ولا عن مَلَكات نفسّة معيّنة يتحدّث عنها علماء الأخلاق (هذا جزء من الأخلاق)، ولا تتحدّث عن سمات شخصية ترسم صورة مُتكاملة (فهذا جزء منها).. هذه الآية تتحدّث عن مجمع معاني الأسماء الحسنى التي تجلّت في ذات رسول الله وفي صفاته وفي أقواله وأفعاله.. هذا المضمون هو جزء منه ما يتجلّى منه صلّى الله عليه وآله من أدبٍ عال حين يقول: (أدّبني ربّي فأحسن تأديبي، وعليٌ أديبي) كلمة تجمع كلّ المحاسن وتنفي كلّ شر كما هو في وصف فاطمة.. فاطمة هي المفطومة عن الشرّ، فحينما تُفطم عن الشرّ ستجلّى فيها كلّ الخير، ولذا قال النبي الأعظم (لو كان الحُسن صُورة لكانت فاطمة). فهذا مضمون محمّدي علوي فاطمي (هذا هو مضمونهم الذي تكفّلت الزيارة الجامعة بشرحه وتوضيحه). ● وصورة من صور الأدب المحمّدي مع فاطمة هو ما كان يُردّده صلّى الله عليه وآله: (فداها أبوها) في مواطن عديدة، وهو يُريد أن يُلفت أنظار الأمّة كيف تتعامل مع فاطمة.. إذا كان النبي الأعظم يقول (فداها أبوها) فكيف نتعامل نحن الصدّيقة الكبرى؟! ● ومرّت علينا كلمة النبي الأعظم التي حدّثنا عنها الإمام الكاظم في [عوالم العلوم] وهي من كلمات النبي الأعظم في الّلحظات الأخيرة من حياته أنّه كان يقول: (ثُمّ والله يا فاطمة لا أرضى حتّى ترضي) ● وحين نسب نفسه إليها رسم لنا صورة عالية وأنيقة وسامقة من صور الأدب حين تحدّث عن حقيقتها فسمّاها بأمّ أبيها.. فهي صورة من صور التعبير الأدبي الراقي والذي يتحدّث عن صورة راقية جدّاً. ● أمير المؤمنين يُحدّثنا عن الصدّيقة الطاهرة يقول: (أنّ فاطمة قالت: قال لي رسول الله: يا فاطمة، مَن صلّى عليكِ غفر الله له وألحقه بي حيث كُنت من الجنّة) وهذا المعنى ينسجم انسجام جلي مع زيارتها الشريفة التي نقرأ فيها (فإنّا نسألكِ إن كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنُبشّر أنفُسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ) وهل المغفرة إلّا صورة من صور التطهّر والتطهير! ومعنى الصلاة هنا على فاطمة هنا هو نفس المعنى الموجود في زيارتها الشريفة (الّلهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها). وقفة عند الأدب الإلهي مع فاطمة في حديث الكساء: ●حين تحدّث عنها سُبحانه وتعالى لقّبها.. مع أنّ العالي إذا تحدّث عمّن هو دونه لا يُلقبّه إلّا إذا كانت هناك خُصوصية أو هناك حكمة يُريد العالي أن يُبيّنها. في حديث الكساء حين سأل جبرئيل الباري تعالى: ومن تحت الكساء؟ فقال الله عزّ وجل: (هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها و بعلها وبنوها) ● فهنا أولاً: لقبّها بأشرف الألقاب. ● ثانياً: ذكرها أولاً. ● وثالثاً: نسب إليها أشرف الموجودات، فجاء ذكرهم تبعاً لها (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها). وقبل ذلك فإنّ الله تعالى يُحدّث ملائكته (يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي إنّي ما خلقتُ سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولاقمراً مُنيرا…) لو أنّ الجملة كانت هكذا (إنّي ما خلقتُ سماء مبنية) فإنّ جميع هذه التفاصيل التي ذُكرت تدخل تحت عنوان (السماء المبنية) ولكن الله تُعالى يُريد أن يُفصّل في جميع الجهات ليُبيّن ولايتهم ومنزلتهم وظهورهم صلوات الله عليهم، وفاطمة هي العنوان الأوّل.. وحين نزل جبرئيل بيّن هذا المعنى: أنّ كلّ شيء ما خُلِق إلّا لأجلكم ومحبّتكم. هذا الحديث يُشير إلى أنّ كلّ الأشياء هي في مُستوى العبودية والخضوع والطاعة لفاطمة وآل فاطمة صلوات الله عليهم،هكذا يُعلّمنا حديث الكساء كيف نتأدّب مع فاطمة وكيف نتحدّث عن فاطمة وفي أيّ مستوى من المستويات نتحدّث. ● الحديث عن شؤون بيت فاطمة، وعن الجانب الأسري في بيت فاطمة، هذا الحديث يقع في الحاشية، إذا جعلنا هذا الحديث في المَتن تغيب الحقائق حينئذٍ، وسنكون بذلك مُشتركين جميعاً في إحراق منزلة فاطمة. ● حين تحدّث الله تعالى بهذه الإشارة الواضحة البليغة (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) هذه خصوصيّة لفاطمة لابُدّ أن نُحافظ عليها، فاطمة القيّمة، حيث ربط القرآن الدين بها. ● قول رسول الله صلّى الله عليه وآله (إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق) هذه رسالة النبي.. ومكارم الأخلاق هذه تجمعها هذه الكلمة (تخلّقوا بأخلاق الله) هذه هي أخلاق الله مع فاطمة يبيّنها حديث الكساء.. فالذين يخرجون عن هذا المستوى هؤلاء يخرجون عن أدب الله، فهم ليسوا مؤدّبين (هم الذين يخرجون عن حدود الآداب وليس فاطمة عليها السلام). ● وقفة عند سورة الكوثر : سورة الكوثر هي صورة من صور الأدب الإلهي والأدب القرآني مع فاطمة عليها السلام.. صحيح أنّه لا يُوجد عندنا نصّ لفظي أنّ (الكوثر) هي فاطمة عليها السلام، ولكن الآية والسورة والوقائع التأريخية الملابسة لهذه السورة صريحة في معنى الكوثر. على طول القرآن أجمل الأوصاف – بحسب أحاديث أهل بيت العصمة – (الكلمة الطيبة: فاطمة، الشجرة الطيّبة: فاطمة، الحبّة المُباركة التي تُنبت سنابل الطهر والخير: فاطمة، ليلة القدر: فاطمة، الّليلة المباركة: فاطمة، مشكاة النور، والزيتونة الّلاشرقية ولا غربية، والنور على النور كلّ هذه العناوين تعني فاطمة أو شؤون فاطمة) إلى قائمة طويلة من الألقاب والأسماء والأوصاف القرآنية الزهرائية وردت في كلماتهم الشريفة.. و (الكوثر) في هذا السياق. وهذا لونٌ عالٍ من الأدب الإلهي والقرآني في التعامل مع فاطمة (الكلمات الجميلة والكلمات الفخمة، والمعاني العالية، والمُصطلحات المُنيرة، أسبغها الله في قرآنه على فاطمة) ● الكوثر: صيغة (الفوعل) تتحدّث عن الكثير والكثير والكثير. (إنّا أعطيناك الكوثر) أعطيناك كلّ شيء، وبعده فإنّك لا تحتاج إلى شيء (الخطاب هنا بالصيغة الّلفظية موجّه إلى رسول الله، ولكن المعنى إلينا) نحن أُعطينا الزهراء، وفُتحت لنا الأبواب.. وهذا المعنى هو المعنى المذكور في زيارتها الشريفة (فإنّا نسألكِ إن كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنُبشّر أنفُسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ) من دونها عليها السلام لن نستطيع الّلحاق بمحمّد وعليّ.. (لنُبشّر أنفُسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ) الطهارة بهذا الكوثر، وما الكوثر إلّا نهر في الجنّة، وهذه صورة من في طبقة من طبقات الوجود من معنى الكوثر.. الكوثر في هذه الدنيا هو (ولاء فاطمة).. فولاء فاطمة هو الحوض الذي إذا ما شربنا منه فإنّه يُنظّفنا ويُطهّرنا ويُلحقنا بمحمّد وعلي. ● (فصلّ لربّك وانحر) هذا المعنى الوارد في الآية، صِيغ البرنامج على أساسه.. ولذا بعد مجموعة حلقات (لبيّكِ يا فاطمة) ستأتينا حلقات تحت عنوان (معاني الصلاة)، فبعد الكوثر تأتي الصلاة.. قول الآية (وانحر) أي ضع اليدين عند المنحر، هكذا ورد في الروايات. أي توجّه إلى الجهة الصحيحة، وهذا ما سيأتي بيانه في الحلقات التي تحمل عنوان: معاني الصلاة. (وقفة عند جملة من التنبيهات أحببتُ أن أتناولها في هذا الجزء من البرنامج) التنبيه 1: وقفة عند رواية ينقلها الشيخ المجلسي في [بحار الأنوار: ج43] نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب، وصاحب المناقب ينقل الرواية عن أحد كتب المخالفين وهو: صحيح الدار قطني، تقول الرواية: (أنّ رسول الله أمر بقطع لص، فقال الّلص: يا رسول الله قدّمته في الإسلام وتأمره بالقطع، فقال: لو كانت ابنتي فاطمة، فسمعتْ فاطمة فحزنتْ، فنزل جبرئيل بقوله: (لئن اشركت ليحبطن عملك) فحزن رسول الله، فنزل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فتعجّب النبيّ مِن ذلك فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك فهذه الآيات لموافقتها لترضى) الرواية لم ألحظها في كتبنا مروية عن أئمتنا عليهم السلام، لكنّها يُمكن أن تكون في هذا السياق (سياق الأدب القرآني مع فاطمة عليها السلام) مع أنّ رهناك ركّة واضحة في الرواية. ● الشيخ المجلسي حين أورد الرواية علّق عليها فقال: (بيان: لعلّ المعنى أنّ هذه الآيات نزلتْ لتُعلّم فاطمة أنّ مثل هذا الكلام المشروط لا يُنافي جلالة المخاطب والمُسند إليه وبراءته، لوقوع ذلك بالنسبة إلى الرسول مِن الله عزّ وجل، أو لبيان أن قطع يد فاطمة بمنزلة الشرك، أو أن هذا النوع مِن الخطاب المُراد به الأمّة إنّما صدر لصدور هذا النوع من الكلام بالنسبة إلى فاطمة فكان خلافاً للأولى، والأوّل أصوب وأوفق بالأصول)! هذه التخريجات والشروح ساذجة إلى حدّ كبير، لأنّ التخريج الأوّل يتحدّث عن جهل فاطمة بمسألة بديهية جدّاً! والتخريج الثاني: لا دلالة فيه على هذا المعنى أنّ قطع يد فاطمة بمنزلة الشرك، والتخريج الثالث: أنّ هذا الأمر صدر من النبي وكان خلافاً للأولى.. فالنبي يُخالف في قوله وفعله الأولى! ● تعليقاً على الرواية وعلى كلام الشيخ المجلسي، أقول: ● أولاً: هذه الرواية من روايات المخالفين ● ثانياً: لنفترض أنّ المعنى لا إشكال فيه من أنّ النبي قال هذا الكلام، وجاءت هذه الآيات لتُبيّن الأدب القرآني مع فاطمة ولا بأس بذلك.. يُمكن أن نقبل هذا المضمون وهذا المعنى فالميزان الموجود عندنا هو الميزان القرآني (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا) فلا شأن لنا هنا بالمصدر.. نحن والمصدر هذا المعنى يُمكن أن يكون صحيحاً إذا كان في سياق بيان الأدب القرآني للأمّة، لا أنّ فاطمة كانت تجهل هذه البديهيات، ولا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد خالف الأولى. ● هذه الظاهرة في فهم النصوص بهذا المعنى السطحي وبهذا النحو الساذج والذي يقود بالتالي إلى الإساءة إلى فاطمة حين نسب إليها الجهل بهذه الأمور البسيطة، وكذلك الإساءة إلى رسول الله حين نسب إليه أنّه جاء بخلاف الأولى، وهذا ما لا يُمكن أن يصدر من النبي صلّى الله عليه وآله إلّا لحكمة معيّنة، فإذا كانت هناك حكمة لا يُقال حينئذٍ أنّه خلاف الأولى. ولكن يُمكن أن يكون هذا الخطاب توجيه للأمّة وفقاً للقاعدة القرآنية (إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة).. فالنبي لم يُخالف الأولى وإنّما أراد أن يُبيّن القاطعية في إقامة الحدود، وأنّه لا توجد هناك مهادنة في إقامة الحدود إذا ما ثبتت الأدّلة القطعية. فالنبي لم يُخالف الأولى وإنّما كان كلامه عين الصواب، وعين الحقيقة وما تقتضيه الحكمة، ولا فاطمة كانت تجهل بذلك، ولا أنّها حزنت.. ولكن يُمكن أن تكون هذه الآيات قد نزلت لبيان هذا الأمر للأمّة (فلربّما أحد حين سمع النبي يقول: لو كانت فاطمة بنت محمّد سرقت.. لربّما يحتمل أن يصدر هذا الفعل من فاطمة، فجاء هذا الردّ القرآني (لئن أشركت…) فهو بيان للأمّة أنّ هذا السياق الذي جاء في الرواية عن فاطمة يُمكن أن يكون عن رسول الله، بل يُمكن أن يكون عن الله. (إذا كانت الرواية بهذا المضمون فالرواية مقبولة والمعنى سليم وهي تأتي في سياق الأدب القرآني لبيان ما يجب على الأمّة في كيفية تعاملها مع فاطمة) ● يُمكن أن تكون الرواية صحيحة ولكن النقل ليس دقيقاً، خصوصاً فيما يرتبط بحزن فاطمة، إلّا إذا كانت فاطمة أظهرت الحُزن لأجل أن يكون سبباً في ظهور هذه الآيات القرآنية كي يصل هذا المفهوم إلى الأمّة. (فبحسب هذا الفهم تكون الرواية لوناً من ألوان الأدب القرآني في التعامل مع الزهراء). ● المُشكلة في تخريجات الشيخ المجلسي في بحار الأنوار خصوصاً في شؤون أهل البيت أنّها تخريجات ساذجة جدّاً على طول الخط!. ● وقفة عند ما يقوله أهل البيت عليهم السلام في [تفسير البرهان: ج6] في معنى قوله تعالى {لئن أشركت ليحبطنّ عملك} وهي الآية 65 من سورة الزمر. (عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله لنبيه {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} قال: تفسيرها لئن أمرتَ بولاية أحد مع ولاية عليّ من بعدك ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين) هذا وجه من وجوه الآية وهو الوجه الأهم. ● قضيّة مهمّة أريد الإشارة إليها: هي أنّه في أحاديث أهل البيت لمّا جمع النبي المسلمين في غدير خم، والصحابة عرفوا ذلك، وأصحاب الصحيفة الذين كتبوا الصحيفة وتعاهدوا أن تكون الصحيفة خارج البيت الهاشمي، هؤلاء عرفوا أنّ رسول الله حين جمع المُسلمين أنّه يُريد أن يُنصّب علياً من بعده، فخافوا على مخطّطهم حين علموا أنّ النبي جمعهم لتنصيب عليّ من بعده.. فبعثوا معاذ بن جبل (وهو أحد الذين اشتركوا في الصحيفة) بعثوه إلى رسول الله يقول للنبي: إنّ الناس قد لا يقبلون علياً فلماذا لا تُشرك بعض الصحابة مع عليّ.. فهذه الآية (لئن أشركت – مع عليّ – ليحبطنّ عملك). وهذا المضمون يتماشى مع المضمون الذي جاء في سورة المائدة {يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس} وقطعاً الخطاب في كلا الآيتين في سورة الزمر والمائدة هو بلسان (إياكِ أعني واسمعي يا جارة). التنبيه 2: في بعض الأحايين يتحدّث المتحدّثون لا بقصد سيء، وإنّما بقصد حسن، وبظنّ منهم أنّهم يُحسنون في طرحهم وبيانهم. هناك موضوع سمعته مراراً وقرأته أيضاً في العديد من الكتابات.. وسآتيكم بمثال من الأمثلة الواقعية. (عرض فيديو يتحدّث فيه الشيخ عبدالله الدشتي من علماء الكويت عن مقامات ومنزلة الصدّيقة الطاهرة، فيقول أنّ الزهراء عليها السلام لأنّها أحصنت فرجها حرّم الله ذريّتها على النار، وأنّ الذي أوصل الصدّيقة الزهراء إلى مقام السيّادة هو العفّة وإحصان الفرج)! الشيخ يُحاول أن يتحدّث بالنحو الذي يُبيّن منازل الصدّيقة الطاهرة بأحسن أسلوب بحسب ما يعتقد.. علماً أنّ هذا المضمون يُطرح على المنابر وفي الحوزات وفي الكتب وهو ذوق مخالف لأهل البيت 100%. ● الشيخ في الفيديو قال أنّ هذه الروايات التي ذكرت هذا المضمون متواترة، والحال أنّها ليست متواترة – بحسب معنى التواتر عند الرجاليين – ولا يوجد عندنا روايات عن الأئمة تقول أنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله على ذرّيتها النار.. ولو فرضنا أنّ هناك رواية وُجدت في كُتبنا تقول بهذا المضمون فهي لا تُمثّل الخط العام في رواياتنا. هذا المضمون الذي ذكره الشيخ الدشتي مأخوذ من المخالفين.. وهي من أخبار الآحاد – بحسب مُصطلحات الآحاد والمتواتر – ولا شأن لي بهذه القذارات.. فنحن يُمكن أن نقبل شيئاً من روايات المخالفين إذا كان موافقاً لذوق آل محمّد عليهم السلام، مع أنّنا لسنا بحاجة إلى ذلك. ● الربط بين مقام السيادة وبين إحصان الفرج لا وجود له لا في القرآن ولا في روايات أهل البيت. ● إذا ذهبنا للآيات التي تحدّثت عن إحصان فرج مريم في القرآن: ● الآية 91 من سورة الأنبياء {والتي أحصنتْ فرجها فنفخنا فيها مِن روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين} لا يوجد في هذه الآية ولا في الآيات التي تسبقها، ولا في الآيات التي تلحقها ما يُشير إلى أنّ إحصان الفرج طريق للسيادة. ● وكذلك الآية 12 من سورة التحريم {ومريم ابنت عمران التي أحصنتْ فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكُتُبه وكانتْ من القانتين} أيضاً لا يوجد إشارة في هذه الآية لسيادتها، لا يوجد علاقة بين إحصان الفرج وبين السيادة. ● الآية التي تحدّثت عن سيادة مريم هي قوله تعالى: {وإذ قالتْ الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين} وإذا أردنا أن نفهم هذه الآية في مضمون منطق آل محمّد فلابدّ أن نذهب لحديث آل محمّد عليهم السلام. ● وقفة عند حديث النبي الأعظم في [بصائر الدرجات] (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما تكاملت النبوّة لنبيّ في الأظلّة حتّى عُرضتْ عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومُثّلوا له فاقروا بطاعتهم وولايتهم) النبوّات لأولي العزم ما تكاملت إلّا بالطاعة والإقرار لفاطمة وآل فاطمة عليهم السلام.. فكذلك الأمر بالنسبة لسيادة مريم، لو لم تكن مريم مقرّة بالطاعة والولاية لفاطمة وآل فاطمة لما بلغت ما بلغت إليه من المراتب.. وهذا معنى الاصطفاء والتطهير. (مثلما نحن نطلب من الزهراء أن تُلحقنا بمحمّد وعلي لنبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتها). السرّ في سيادة مريم في هذه الآية {يا مريم إنّ الله اصطفاكِ وطهّركِ} هو أنّ الله طهّرها بالطاعة والولاية والخضوع والتبعية لفاطمة وآل فاطمة. أمّا السرّ في سيادة فاطمة، فلأنّها فاطمة، وقد مرّ علينا حديث محمّد بن سنان مع الإمام الجواد في الكافي الشريف: (عن محمد بن سِنان قال: كنتُ عند أبي جعفر الثاني فأجريتُ اختلاف الشيعة ،فقال: يا محمّّد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، كان ولم يكن معه شيء ثمّ خَلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمَكثوا ألفَ دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم فهُم يُحلّون ما يشاءون ويُحرّمون ما يشاءون). محمّد، علي، فاطمة هذه الكلمات الأتم. ● وما جاء في الحديث الشريف (إنّ الله خلق المشيئة بنفسها، ثُمّ خلق الأشياء بالمشيئة) المشيئة هم صلوات الله عليهم.. فهم الكلمة الأولى، والإسم الأعظم. مسألة إحصان الفرج من شؤون عالم التراب، وهذا المعنى أنّ إحصان الفرج هو سبب السيادة أُخذ من روايات المخالفين وفيه إساءة أدب واضحة بحقّ الصدّيقة الطاهرة. ● الزهراء عليها السلام القوم قذفوها، والروايات صريحة عن الأئمة من أنّهم قذفوها على منابرهم، وقد قرأت عليكم في الحلقات السابقة كلام أبي بكر الذي اشتمل على قذف الصدّيقة الطاهرة ونقلت لكم كلامه من شرح ابن أبي الحديد.. حتّى أنّ أمير المؤمنين حين ناقشهم وقال: لو أنّ أحدكم شهد على فاطمة بالفاحشة فماذا تفعلون؟! قالوا: نُقيم عليها الحد، فقال لهم: إذاً تكفرون بكتاب الله، فإنّ آية التطهير نزلت فيها.. وإنّما قال لهم أمير المؤمنين ذلك لأنّ القوم قذفوها، وهذا المعنى موجود في رواياتنا. ● في سورة التحريم، هناك تعريض بالذين قذفوا الزهراء، وهناك دفاع عن فاطمة ولكن بإسلوب عالٍ جدّاً في التعبير الأدبي. وقفة عند الآية 10 من سورة التحريم، حين كان الحديث عن امرأة نوح وامرأة لوط {ضرب الله مثلا للذين كفروا امراة نوح وامراة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} (وقفة عند ما جاء عن أهل البيت بشأن هذه الآية من سورة التحريم) ● في تفسير القميّ (في قوله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} قال: والله ما عنى بقوله فخانتاهم إلّا الفاحشة..) والفاحشة معناها واضح.. وهذا تعريض بأولئك الذين قذفوا فاطمة عليها السلام. ● وقفة عند كتاب [تأويل الآيات الظاهرة] لمعرفة ما قاله أهل البيت في معنى هذه الآية من سورة التحريم {ومريم ابنت عمران التي أحصنتْ فرجها فنفخنا فيه من روحنا} 1- (عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزّ وجل {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها} قال: مثل ضربه الله لفاطمة، وقال إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذُرّيتها على النار) يعني الله ما أراد أن يتحدّث عن فاطمة بهذه العبارات، فتحدّث عن مريم بأسلوب الإشارة المركبّة ليكون مثلاً. 2- رواية أخرى عن الإمام الصادق (عن أبي عبد الله في قوله عزّ وجل ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها} قال: هذا مثلٌ ضربه الله لفاطمة بنت رسول الله) ويبدو أنّ هذا النص هو النصّ الأصل، وأنّ الإضافة في الرواية الأولى هي من صاحب تأويل الآيات، لأنّ صاحب تأويل الآيات يُضيف كثيراً من الكلام فيما بين الروايات لشرحها، بينما هذه الرواية الثانية هي من تفسير محمّد بن العبّاس وهو تفسير قديم.. وهذا هو النصّ الذي ينسجم مع روايات أهل البيت.. أمّا الرواية الأولى التي اشتملت على شرح ، فهي تنسجم مع روايات المخالفين. فما جاء في هذه الآية جاء مثلاً، فالقرآن لم يتحدّث بشكل صريح عن الزهراء، وإنّما جاء بمثل عن السيّد مريم.. ولذلك هذه الطريقة التي يتحدّث بها الشيخ الدشتي ويتحدّث بها كثيرون هي طريقة مخالفة لذوق أهل البيت عليهم السلام. التنبيه 3: كلام يُذكر في بعض الأحيان بخصوص سورة الدهر، يرتبط بالصدّيقة الطاهرة. إذا ما رجعنا لسورة الدهر وتتبعنا الآيات القرآنية الموجودة في هذه السورة، نجد هناك مساحة واضحة في هذه السورة عن أوصاف الجنان وعن خصوصيات الأبرار الذين سيتنعّمون بجنان الخلد، مع أنّ المساحة كبيرة وواسعة ولكن لا وجود للحور العين في هذه السورة.. فالسورة تتحدّث عن جهات عديدة، بل ربّما هي من أكثر السور القرآنية التي حشدت مصطلحات وعناوين وأسماء عن الجنان، ولكن لا وجود للحور العين في هذه السورة. فهناك كلام يُتردّد .. وبعض الخطباء ينسبونه للإمام الصادق (أنّ الإمام الصادق يقول: بأنّ سورة الدهر تخلو من الحور العين احتراماً لفاطمة)! المعنى جميل وأنا لا أعترض على المعنى، ولكنّي أعترض على نسبة هذا المعنى للإمام الصادق.. إذ لا يوجد عندنا دليل أنّ هذا المعنى صدر من الإمام الصادق عليه السلام. ● بحسب تتبّعي لم أجد أجداً قبل الآلوسي في تفسيره قد ذكر هذا المعنى.. يبدو أنّه استنتاج استنتجه الآلوسي من خلال تمعّنه في سورة الدهر فلم يجد ذكراً للحور العين، فقال إنّ هذا من الإجلال والإكرام لسيدة نساء العالمين.. الكلام جميل، ولكن مع ذلك يُمكن أن يُناقش في هذا الكلام: من جهة أنّ السورة تتحدّث عن مقامات في الجنان عالية جدّاً بحيث حين يكون الحديث عن الحور العين سيكون مُخلّاً بوصف هذه المقامات، كما في قوله تعالى: {وسقاهم ربّهم شراباً طهورا} فهذه الآية تتحدّث عن آفاق عالية جدّاً، فلربّما لا يُناسب هذا الأفق أن تُذكر الحور العين، أو لم تُذكر الحور العين للفارق الكبير في المنزلة والدرجة بين الذين ذُكروا في هذه السورة.. والحور العين ليس لها من الشأن والمنزلة أن تُذكر في هذه السورة، ويُمكن ويُمكن.. بالنتيجة حتّى لو كان كلام الآلوسي جميل، وفيه لون من ألوان الأدب القرآني، فنحن لا نستطيع أن ننسبه للإمام الصادق، لعدم وجود دليل على ذلك. التنبيه 4: يتعلّق بالسيّد مريم في الحلقات المتقدّمة من هذا البرنامج حينما تحدّثتُ عن ظلامة الصدّيقة الكبرى في الوسط المسيحي، قلت بأنّ السيّدة مريم في الوسط الشعبي المسيحي لها قُدسية مُعيّنة، ولكن في المؤسسة الدينية المسيحية لها شأن آخر.. فهناك ترابط واضح بين الصدّيقة الطاهرة وبين السيّدة مريم. (جولة سريعة أعرض عليكم فيها نصوصاً من الكتاب المقدّس (العهد الجديد)، وأعرض عليكم شرحها أيضاً وبعد ذلك أُبيّن لكم الموقف الشعبي في الوسط المسيحي). هذه الصور ممّا جاء في الأناجيل وممّا جاء في شروحها إذا أردنا أ نُقارنها مع العقيدة المُنتشرة في الوسط الشعبي المسيحي فهي لا تتفق مع تفسير المؤسسة الدينية المسيحية الرسمية. في الوسط الشعبي المسيحي هناك عقيدة قويّة وهناك من المقامات والأوصاف والمعجزات التي يذكرونها ويعتقدون بها للسيّدة مريم، ولكن في المؤسسة الدينية المسيحية لا وجود ذلك!! ● ملاحظة صغيرة: ما جاء في رؤيا يوحنّا الإصحاح 12 (وظهرتْ في السماء آية عظيمة: امرأة مُتسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل مِن اثني عشر كوكبًا، وهي حُبلى تصرخ متمخّضة ومُتوجّعة لتلد، وظهرت في آية أخرى في السماء هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رؤوسه سبعة تيجان، وذنبه يجر ثلث كواكب السماء، فطرحها إلى الأرض، والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد ، حتى يبتلع ولدها متى ولدت، فولدت ابناً ذكرا عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصاً من حديد…)! هذه المرأة لم يُفسّرها المسيحيّون بالسيّدة مريم.. البعض منهم فسّرها أنّها مريم وأنّ وليدها يسوع، ولكن أكثر التفاسير وأهم المُفسّرين لم يُفسّرها بالسيّدة مريم: ● البعض أهمل الموضوع ● والبعض فسّرها بالكنيسة ● والبعض فسّرها بالأمّة المسيحية. ● زُبدة القول من كلّ ما تقدّم (من حديثي بشكل خاص في الحلقات التي عنوانها: فاطمة القيّمة) وبنحو عام من كلّ مجموعة حلقات (لبيّكِ يا فاطمة) فقد وصلنا إلى نهاية المطاف، وحلقة يوم غد هي الأخير ة من مجموعة حلقات (لبيّكِ يا فاطمة) زبدة القول هي: أنّ سورة البيّنة كما بيّنت في الحلقات السابقة هي سورة شيعة عليّ.. والآية {وما أُمروا إلّا ليعبدوا الله مُخلصين لهُ الدين حُنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة} والقيّمة هي فاطمة. السورة هنا تتحدّث عن (دين القيّمة) و(القيّمة) لفظة مؤنثّة.. هناك قيّمة وهذا الدين أُضي إليها. ● في الآية 43 من سورة الروم: {فأقم وجهك للدين القيّم من قبل أن يأتيَ يوم لا مردّ له من الله} هنا القيّم وصف للدين وليس مُضاف إليه.. صار الدين القيّم لأنّه يُنسب إلى القيّمة. الآية هنا تأمرنا أن نُقيم وجوهنا للدين القيّم.