الثائر الحسينيّ الوفيّ المختار الثقفيّ – الحلقة ٢١ الثائر الحسينيّ الوفيّ المختار الثقفيّ – الحلقة 21 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع يا زهراء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ الثَّائِرُ الحُسَينِيُّ الوَفِيّ….المُخْتَارُ الثَّقَفِيّ الحَلَقَةُ الحَادِيَةُ و العِشْرُونْ 7/9/2015م سَلامٌ عَلَيْكُمْ جَمِيْعَاً .. إذَا كَانَ لَنَا قِصَّةٌ فِي الحَيَاة قِصَّتُنَا الحُسَين.. لِسَبَبٍ بَسِيطٍ وَوَاضِحٍ جِدّاً عَلَى الأَقَلِّ عِندَنَا.. الحُسَينُ الحَقِيْقَةُ الوَحِيدَةُ فِي حَيَاتِنَا وَالبَاقِي كُلُّهُ سَرَاب.. حَاءْ سِينْ يَاءْ نُونْ مَتْنُ الْمُتُونْ.. وَكُلُّنا نَحْنُ وَمَا حَوْلَنَا.. وَمَا عِندَنَا وَعِندَ غَيرِنَا.. مِن حَقٍّ أو بَاطِل.. فِي حَوَاشِي الحَوَاشِي.. .. يَا حُسَينْ .. بعدَ أن خَرجَ المختارُ الثقَفي مِن سِجنِ الوالي الزُبيري في الكُوفة واجتمَعت الشيعةُ حَوله، بَدأ يَجمعُ خيوطَ مُخطّطهِ شَيئاً فَشيئاً، وقَد عَزَلَ ابنُ الزُبيرِ واليَهُ السابق وأرسَلَ والياً جَديداً هو عبدُ الله بنُ مُطيع، وصلَ الكُوفةَ في الخامسِ والعشرين من شهر رمضان للسنةِ الخامسةِ والستّين للهجرةِ الشريفة، وكَانَ فِيمَا بَين المختار وابنُ مُطيعٍ هذا شيءٌ من المعرفةِ والعَلاقةِ الاجتماعيَة، حَاولَ عبدُ الله بن مُطيع أنْ يُهدِّىء الأمور في الكوفة ولكنَّ القضيّة خرجت من يَدهِ رغم أنَّ أشراف الكوفة، بحسبِ ما يقول الناس أشراف الكوفة، وإلَّا هُم أنجاسُ الكُوفة، هم قَتَلَةُ الحُسين، هُم حُقراءُ الكُوفة وأنجاسُ الكُوفة ولا أجدُ تعبيراً آخر، ماذا أقول؟ هم أوساخ الكُوفة، قذارات الكُوفة، يسمّونهم في كتب التأريخ بأشراف الكوفة، قد تجمّعوا حولَهُ، حولَ ابنِ مُطيع، أمّا المختارُ فكانَ يعملُ بهدوءٍ وهدوء، وقد جَمَع أمرهُ وحشّد جُندهُ ولكنَّ ذلك كان يجري في الخفاء، صحيح كانوا يتحسَّسونَ حركة الشيعةِ ليلاً ونَهاراً حولَ المُختار ولكنَّهم لم يلحظوا شيئاً واضحاً علَناً، لِذا إياس بنُ مُضارب وهو رئيسُ الشُرطة عندَ ابن مُطيع عندهُ من يتجسّسُ له ووصلتهُ أخبار بأنَّ المختارَ قريباً ما سيُعلنُ نهضته وثورته، لِذا اقترح على ابنِ مُطيع أنْ يستدعيه إلى قصرِ الإمارة بأسلوبٍ ليِّن، بخُدعةٍ، وإذا ما جاء إلى قصرِ الإمارة يُلقي القبضَ عليه، وفعلاً أرسلَ إليه رَجلين أحدهُما زائدةُ بنُ قدامة وهو قريبٌ للمختار لكنّهُ يعمل مع الحكومات، كانَ يعمل مع إبن زياد، حينما ولَّت السُلطة الأموية على نفس الطريقة يعمل مع الزُبيريين، فجاءَ زائدة بن قُدامة وحُسين بنُ عبد الله البرسمي إلى المختار ينقلان رسالةً ودعوةً من عبد الله بن مُطيع كي يأتي إلى زيارتهِ، المُختار وافق باعتبار أنَّهُ إلى الآن لم يُعلِن مُعارضتهُ الصَريحة للحُكمِ الزُبيري في الكُوفة، دعوة من قِبَلِ الوالي يذهب كي يطّلِع، لكنَّ زائدة قرأ هذهِ الآية، زائدة قريب المُختار ومرَّ علينا هو الذي أخذ رسالةً من المُختار إلى عبد الله بن عُمر بن الخطاب وأخذ كتاباً من عبد الله بن عُمر بن الخطاب إلى يزيد بن معاوية وجاء بكتابٍ من يزيد إلى عُبيد الله بن زياد لإطلاق سراح المُختار، هو هذا نفسه، هو هذا زائدة بن قُدامة الثقفي، فلمَّا رأى أنَّ المختار أمر بإسراجِ فَرَسه وَلَبِسَ ثيابَه فقرأ زائدة هذهِ الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، المُختار رأساً استلم الإشارة، فلمَّا استلم الإشارة تظاهر بالإعياء، جَلس، وقال: ألقوا عَلَيَّ القطيفة ما أراني إلَّا قد وُعِكْت، أصابتني وعكة، ما أراني إلَّا قد وُعِكْت، ألقوا عَلَيَّ القَطيفة، القطيفة غطاء، بعض الأحيان يُلبَس، يُفرَش، هو قِماش، قِماشٌ له خمْل، هو هذا القطيفة، نوع قِماش، نوع قِماش سميك، ألقوا عَلَيَّ القطيفة إنّي وُعِكْت، فرجع الخبر إلى الوالي الزُبيري عبد الله بن مُطيع بأنَّ المختار حالُهُ كذا وكذا مع أنَّ الرجل الثَّاني أحسَّ بالموضوع، أحسَّ بأنَّ زائدة قد أعلم المُختار بمخطط ابن مُطيع من خلالِ قراءة الآية ولكن اتّفقَ الإثنان على إخبار الوالي الزُبيري بأنَّ المُختار كانَ موعوكاً كان، مريضاً، وتستمرُّ الأيّام، الوالي الزُبيري في قلقٍ من أمرهِ، وقَتَلَةُ الحسين على ريبةٍ من أمر المُختار، والمختارُ يجمعُ الجموعَ في الخفَاء إلى أنْ تمَّ الاتّفاق على ساعة الصفر، ليلةُ الخميس الرابع عَشر مِن شَهرِ ربيعٍ الأوّل تنطلقُ الثورة، هكذا كان الاتّفاق، ليلةُ الخميس، هذا في السنة السادسةِ والستّين من الهِجرة، كانَ الاتّفاق بينَ المُختار وبين إبراهيم بن الأشتر وسائر القيادات الأخرى، أبرزهم كان إبراهيم، فكان الاتّفاق أنَّ الإعلان ليلة الرابع عشر، ليلة الخميس المصادف الرابع عشر من شهرِ ربيعٍ الأوّل وكلمةُ السرِّ تُعلَن من على السُطوح، تُسجَّر النِيران، المشاعل، والصيحةُ في جهةٍ يا منصورُ أَمِت وفي جهةٍ أخرى يا لثارات الحُسين ومن هنا تبدأُ الثورة، ولكن حَدَثَ شيءٌ، لم تجري الأمور كما خُطِّطَ لها، القرار كان ليلة الخميس، ليلة الأربعاء خرجَ إبراهيم بنُ الأشتر من بيتهِ ومعهُ مئة من رجالهِ، من رجال قبيلتهِ وأعوانه وقد أمرهم أنْ يلبسوا الدروعَ ويتقلَّدوا السيوف ولكن لا يحملوا رماحاً، لا يحملوا أسلحةً ظاهرة، كانَ هذا الأمر مِنهُ احتياطاً أو ربّما هو كان في ذهنهِ شيء آخر، كان قد خطّطَ لشيءٍ آخر، فلبسوا الدروع وتقلّدوا السيوف وأمرهم أنْ يلبسوا عليها الثياب، فلبسوا ثيابهم على دروعهم ولكنَّهم خرجوا على خيولهم، الوالي الزُبيري كانَ قد وضع المسالح في أمكنةٍ مختلفة من الكُوفة والناس تخاف تخرج لوجود المسالح، مسالح يعني نقاط تفتيش ولكنَّها نقاط تفتيش مركَّزة مدعومة بقوات عسكرية، إبراهيم يُريد الذهاب إلى المختار للمناقشة في أمرِ الثورة، ففي الليلة القادمة ستكون الثورة، ليلة الخميس الثورة، الآن خرج إبراهيم من بيتهِ، خرج ليلة الأربعاء، لكنَّ إبراهيم لم يكن خائفاً ولم يكن متخفيّاً فسارَ في الطرق الاعتيادية فقطعاً سيصطدم بالمسالح، يعني إبراهيم لم يذهب في الأزقّة في الأماكن التي تكونُ بعيدةً عن نظرِ جلاوزة الزُبيريين والَّذينَ معه يقولون أنّه كان مُتَعمّداً في ذلك، يريد أنْ يُغيظهم، في الطريق إلى دارِ المختار إياس بن مُضارب رئيس الشرطة، مسؤول الشرطة عندَ الوالي الزُبيري اعترضَ إبراهيم بن الأشتر وأرادَ أن يُلقي القبض عليه، كان هناك رجل صديق لإبراهيم يعرفه، فيما بينهُ وبين إبراهيم صُحبة إسمهُ أبو قطن وكان أيضاً صديقاً لإياس بن مُضارب كان موجوداً، كان يعمل معهم، يعمل في جو الحُكَّام، في جوِّ قصر الإمارة، فلمّا حدثت هذهِ المشادّة الكلامية فيما بينَ إبراهيم وبين بن مُضارب، إبراهيم قال لأبي قطن، أشار إليه أن أقترب منّي، أبو قطن ماذا تصوّر؟ تصوّر أنَّ إبراهيم يريد أنْ يُوسّط أبا قطن، يُوسّطهُ عندَ إياس بنَ مُضارب كي تنتهي هذهِ المشكلة ويمرُّ إبراهيم مع صحبه إلى المكان الذي يريد أن يذهبَ إليه، السبب الذي دعا إبراهيم أن يؤشّر لأبي قطن أن ادنو منّي لأنَّ أبا قطن كان يملكُ رمحاً طويلاً وإبراهيم ما كان عندهُ رمح، لأنَّهم أرادوا أنْ يُغطّوا أسلحتهم بثيابهم فتقلّدوا السيوف فقط، فلمّا دنا أبو قطن من إبراهيم قال له: أرني رُمحك، رمحك طويل، أخذَ الرمح ونحرَ بهِ إياس بنَ مُضارب، طعنهُ بالرّمح في نحرهِ ونَحَرَه فقتَلَه، لَمَّا قَتَلَه فرَّ الجُند، مُلِئُوا خوفاً وفرّوا، استمرَّ إبراهيم في طريقهِ إلى دارِ المُختار، لَمَّا وصل قال للمُختار: لقد حَدَث حَدثٌ فلتَكُن الثورة هذه الليلة، وفعلاً بدأت الثورة تلك الليلة. كما هو في تأريخِ الطبري المختار فَرِح – قالَ فبشّرك الله بخير – هذا فألُ خير على بركةِ الله نُعلِن الثورة هذهِ الليلة – وهذا أوّلُ الفَتحِ إنْ شَاءَ الله، ثُمَّ قال المُختار: قُمْ يا سَعيدَ بن مُنقِذ فأشعل في الهرادي النيران – المشاعل – ثَّم ارفعها للمسلمِين، وقُمْ أنتَ يا عبد الله بنِ شَدّاد فنادي: يا منصور أَمِت – هذا الشعار الذي رُفِعَ في بَدر وهُو شِعارُ الملائكة أساساً، منصور هو قائدُ الملائكةِ الذينَ نزلوا في بَدر، فكان شِعاراً للمسلمين، وكان شعاراً أيضاً لمسلم بنِ عقيل، وهو من شعارات صاحبِ الأمر صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه كما في أحاديث أهل بيت العصمة – وقُمْ أنتَ يا عبد الله بنِ شَدّاد فنادي يا منصور أَمِت، وقُمْ أنتَ يا سفيانَ بنِ ليل وأنتَ يا قُدامة بن مالك فنادي يا لثارات الحُسين، ثُمَّ قال المُختار عَلَيَّ بدرعي وسِلاحي فأُتيَ به فأخذ يلبسُ سلاحهُ ويقول: قد عَلِمَت بيضاء حسناءُ الطلَل واضحةُ الخدّينِ عجزَاء الكَفَل أنّي غداة الروع مقدامٌ بطل ……………………………………… تكملةٌ لم تُذكر هنا ………………………………….. لا عاجزٌ فيها ولا وغدٌ فَشَل ذُكِرت في مصادر أخرى، فلمَّا أُشعِلت النيران في المشاعل وسَمِع أصحابُ المُختار وهم متفرّقونَ في بيوتهم، سَمعوا هذهِ العلامة لأنَّهم ما كانوا يعرفون متى الوقت، تحديد الوقت ليلة الخميس كان معروفاً لدى القادة، العلامة لعموم الأتباع هو هذا الشِعار، عندهم خبر في هذهِ الليالي إذا ما رأيتم النار قد سُجِّرت في المشاعل وارتفعت الصيحات: يا منصورُ أَمِت.. يا لِثارات الحُسين.. فإنَّ الثورة قد بدأت، فعلاً رُفِعت المشاعل، ومشاعل كثيرة رُفِعت في مناطق مختلفة من الكُوفة وارتفعت الصيحات في مناطق مختلفة: يا منصور أمت.. يا لثارات الحُسين.. مِمّا أرعبت الزبيريين وأرعبت الأمويين في نفسِ الوقت، بدأت الثورة، الطرف الآخر أيضاً كان قد تهيَّأ، وضعوا المسالح، تحرَّك المُختار وإبراهيم بنُ الأشتر وبدأت المعارك والاصطدامات العسكرية منذُ تلك الليلة، هناك تفاصيل كثيرة لا مجالَ لذكرها لكن الفارس المقدام الأوّل كان في هذهِ الثورة هوَ إبراهيم بنُ الأشتر، وكانَ الأمويون والزبيريون يخافون من ذكر اسمهِ، حينما يتوجَّه إلى أيِّ جهةٍ لا يرجع إلَّا ومعهُ الفتح والنصر، إبراهيم بنُ الأشتر أرعبَهُم إرعاباً لا مثيلَ لهُ، فَتَكَ فيهم فتكاً شديداً، مع أنَّ التفاصيل والمعطيات لم تَرد كاملةً ولكن ما جاء مذكوراً في كتب التأريخ، إنْ كانَ في تأريخِ الطبري، في تأريخِ ابنِ الأثير، في تأريخ المسعودي، في سائر كتبِ التأريخ، هُناك معطيات تشير إلى شدّة بأس إبراهيم بن الأشتر وإلى خوفهم الشديد، خوف الزبيريين والأمويين، لذلك الوالي الزبيري هربَ من الكُوفة، خرجَ من قصرِ الإمارة متخفّياً بلباسِ النِساء وبعد ذلك هرب وخرجَ من الكُوفة، للقصَّة تفاصيل لا مجالَ لذكرِ كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، لكنَّني آخذ هُنا لقطتين من تاريخ الطبري: أبو مَخنف يُحدّث عن الحارث بن كعبِ الوالبي: قالَ: حملت علينا – كانَ مع المُختار – حملت علينا خيل شِبث بن رِبعي – هم نفسهم قَتَلَة الحُسين كانوا موجودينَ في الكُوفة – حَمَلت علينا خَيلُ شِبث بن ربعي حَملتين فمَا يَزول منَّا رجلٌ من مكانهِ – ما استطاعوا أنْ يُضعِفُونا – فقالَ يَزيدُ بنُ أنَس – من قادة المُختار – فقال يزيدُ ابنُ أَنَس لَنا: يا مَعشرَ الشِّيعة قد كنتم تُقتَلُون وتُقطَّعُ أيديكم وأرجلُكم وتُسمَلُ أعينُكم وتُرفَعون على جذوع النخل في حُبِّ أهلِ بيت نبيِّكم وأنتم مُقيمون في بيوتكم وطاعةِ عدوّكم فما ظَنُّكم بهؤلاء القوم إنْ ظهروا عليكم اليوم إذاً والله لا يدعونَ منكم عيناً تَطْرِف وَلَيقتُلَنَّكُم صَبراً ولتروُّن منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموتُ خيرٌ منه، واللهِ لا يُنجيكم منها إلّا الصدق والصبر والطعن الصائب في أعينهم والضرب الدارك على هامهم فتيسَّروا للشدَّة وتهيّئوا للحمَلة فإذا حرّكتُ رايتي مرَّتين فاحملوا – إلى آخرِ الكلام، أنا أخذت هذهِ العبارات لأبيّن الخطاب الذي كان يدور في وسطِ جُندِ المُختار. ولقطة أخرى أيضاً يذكرها الطبري – وخرجَ أشرافُ النَّاس – أشرافُ الناس من هم؟ القذارة، قَتَلَة الحُسين، يعني أنجاس الناس – وخرجَ أشرافُ النّاس – أبناءُ الزواني المأبونون، هذهِ القذارات هي التي تُسَمّى بأشرافِ الناس – وخرجَ أشرافُ النَّاس فَلَحِقوا بالبَصرَة – باعتبار البصرة كانت تحتَ الحكمِ الزُبيري – وتجرَّد المُختار لِقَتَلَةِ الحُسين – يعني المختارُ ما كانَ عندَهُ شيء إلَّا أنَّهُ يقتلُ قَتَلَة الحُسين، هذا تعبير الطبري، والغريب تجد في الشِّيعةِ من يُشكّك في نيّتهِ – وتَجرَّدَ المُختار – المختار ما كان عنده شيء، كُلُّ هَمِّه أنْ يَقْتُلَ قَتَلَة الحُسَين – وتجرَّد المُختار لِقَتَلَةِ الحُسين، فَقَالَ: مَا مِنْ دِينِنَا تَركُ قَومٍ قَتلوا الحُسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين بئس ناصرُ آلِ مُحَمَّد أنا إذاً في الدنيا، أنا إذاً الكذّاب كما سمّوني، فَإنّي باللهِ استعينُ عليهِم الحمدُ لله الَّذي جعلني سيفاً ضربَهُم به ورُمحاً طعنَهُم به وطالِبَ وترِهم والقائمَ بحقِّهِمْ إنَّهُ كانَ حَقّاً على اللهِ أنْ يَقْتُلَ مَنْ قَتَلَهُمْ – تلاحظون هذا فهمٌ لقانون الأصلاب، القانون الذي مرَّ الحديثُ عنه – إنَّهُ كانَ حَقّاً على اللهِ أنْ يَقْتُلَ مَنْ قَتَلَهُمْ وأنْ يُذِلَّ مَنْ جَهِلَ حَقَّهُم فَسَمُّوهُم لِي – سَمّوا لي هؤلاء الذينَ خرجوا، قطعاً الأسماء المشهورة يعرفها لكنَّهُ يبحث عن الأسماء غيرِ المشهورة – فَسَمُّوهُم لِي ثُمَّ أَتبِعُوهُم – اِتبَعوهم – حَتَّى تُفْنُوهُم، اطلبوا لِي قَتَلَة الحُسين فإنَّهُ لا يَسوغُ لِي الطعامُ والشراب حتَّى أُطَهِرَ الأرضَ مِنهُم – هذه الكلمات تتحدَّث عن عزمٍ ثابتٍ وعن رؤيةٍ واضحة – اطلبوا لِي قَتَلَة الحُسين فإنَّهُ لا يَسوغُ لِي الطعامُ والشراب حتَّى أُطَهِرَ الأرضَ مِنهُم – عِبارة يبدو حصل فيها تحريف أو خطأ – وأنْفَى المِصرَ منهم – يبدو أنَّ أصل العبارة وأُنَقِّي – وأنَقِّي المِصرَ منهم – أُنَقِّي البلاد منهم. انتصرت الثورة وها هو الصقرُ العلويُّ يبسطُ نفوذهُ على الكوفة، ولاذ الكثيرونَ من أعداءِ آلِ مُحَمَّدٍ بالفِرار والبقيّة اختبأوا في بيوتهم، وكانت سيوفُ ابنِ الأشتر قد حَصدَت وحَصَدَت وَحَصَدت، استتبَّ الأمرُ للمُختارِ وما كان المُختارُ يطلبُ سُلطةً وحكومةً، لو كانَ كذلك لَمَا استَعْجَلَ في إرسالِ إبراهيم بن الأشتر لملاقاة عُبيدِ الله بنِ زياد وقَتَلَة الحُسين في الشام للقضاءِ عليهم، وفعلاً جيَّش الجيش لإبراهيم بنِ الأشتر وتوجّهَ إلى جهةِ الشام، الأمويون والزبيريون قَتَلَةُ الحُسين كانوا ينتظرونَ خروج إبراهيم من الكوفة علّهم يستطيعون أنْ يَثوروا على المُختار ويقتلوا المُختار، خرجَ المختارُ مُشيِّعاً لإبراهيم مودّعاً، وشَيَّعَ المُختارُ إبراهيم ماشياً بينما كان إبراهيم راكباً، كان يتحرَّك باتّجاهِ ابنِ زِياد، المُختار خرجَ ماشياً لماذا؟ – وَشَيَّعَ إبراهيمَ ماشياً فَقَالَ: اركَب يَرحَمُكَ الله – ماذا قال المُختار؟ – إنّي لأحتسبُ الأجر في خُطاي معك – أنا أطلب الأجر، أُريد أنْ أمشي – إنّي لأحتسبُ الأجر في خُطاي معك – أيُّ مشيٍ هذا؟ خطوات الزائر إلى كربلاء لها ولها من الأجر ولكن هل تُقاس بهذهِ الخطوات؟! – إنّي لأحتسبُ الأجر في خُطاي معك وأُحِبَ أنْ تتغبّر قدماي في نصرِ آلِ مُحَمَّد والطلبِ بدَمِ الحُسين ثُمَّ ودَّعهُ وانْصَرَف وباتَ إبراهيم بموضعٍ يُقال لَهُ حَمّام أَعْيَن ثُمَّ رَحَل حتَّى وافى ساباط المدائن – مدائن كُسرى – فحينئذٍ توسَّم أهلُ الكُوفة في المُختار القِلّة والضعف – لأنْ أكثر القوّة خرجت مع إبراهيم – فخرج أهلُ الكوفةِ عليه وجاهروه بالعداوة ولم يبقَ أحدٌ مِمّن شَرَك في قتلِ الحُسين وكان مُختفياً إلَّا وظَهر ونقضوا بيعتَه – نقضوا بيعة المختار – وسَلُّوا عَلَيهِ سيفاً واحداً واجتمعت القبائلُ عليه من بجيلة والأزد وكِندَة وشمر بن ذي الجوشن فبعثَ المُختار من ساعتهِ رسولاً إلى إبراهيم وهو بساباط لا تضع كتابي حتَّى تعودَ بجميعِ من معكَ إليّ فلمَّا جاءَهم كتابهُ نادى بالرجوع – نادى إبراهيم بالرجوع – فوصلوا السير بالسُرى – يعني ليل ونهار بسرعة – فوصلوا السير بالسُرى – السير في النهار والسرى في الليل – فوصلوا السير بالسُرى وأرخوا الأعِنَّة والمُختار يشغلُ أهلَ الكوفة بالتسويفِ والملاطفة – ما كانوا يتوقَّعون أنَّ إبراهيم سيرجع بهذه السرعة – والمُختار يشغلُ أهلَ الكُوفة بالتسويفِ والملاطفة حتَّى يرجع إبراهيم بعسكرهِ فيكفّ عاديتَهُم ويَقمَع شِرَّتهُم ويحصُد شوكتَهم وكانَ مع المختار أربعة آلاف فبغى عليهِ أهلُ الكوفة وبدأوه بالحرب فحاربهم – حارب المختار – وباتوا على ذلك يوماً كاملاً فوافاهم إبراهيم في اليوم الثاني فحصدهم حصداً – وقد ذُهِلوا من أين جاءَ إبراهيم والكلامُ في وسطِ الكُوفة بأنَّ المُختار يدّعي النبوة، بأنَّ المُختار صاحب مُعجزة وإبراهيم، طُويت لهُ الأرض وكلامٌ طويلٌ عريض، والحال القضيّة لم تكن هكذا، جرت الأمور بأسبابها الطبيعية ولكن بتخطيطٍ وحِنكةٍ وذكاء وحكمة، هكذا جرت الأمور، ثُمَّ بعد ذلك بعدَ أنْ استتبَّ الأمر بشكلٍ كاملٍ للمُختار الثقفي رجعَ إبراهيم بنُ مالك الأشتر للغاية التي كان قد قصدها وتوجّه إلى جهةِ الجزيرة، إلى نفس الجهة التي توجه إليها التوّابون لملاقاة الجيش الشامي بقيادة عُبيد الله بن زياد. أمَّا المُختارُ رضوان الله تعالى عليه فكانَ من شأنهِ أنْ تتبّعَ قَتَلَة الحُسين وكان هذا هو الهدف الرئيس لهذا الثائر الحُسيني، أوّل ما بدأ كانَ هناك شيء يشغلُ ذهنَ المُختار، إنَّهُ يبحث عن العشرة الذينَ داسوا جسدَ الحُسين، هؤلاء العشرة الذين نادى فيهم بنُ سعد: يا خيلَ الله اركبي وابشري بالجنّة ودوسي صدرَ الحُسين، فأرسلَ أعوانَهُ يقودهم أبو عَمرة رئيسُ الشرطة عندَ المُختار في الكُوفة والذي كان يعرفُ قَتَلَة الحُسين فرداً فرداً ويعرفُ أماكنهم وهو من أكثرِ أعوانِ المُختار قتلاً لقتَلَةِ الحُسين، فجاءوه بالعشرة الذينَ داسوا صدر الحُسينِ بحوافرِ الخيول، وكانَ الأمر من عُبيدِ الله بن زياد لعمُر بن سعد أنْ يُداس الحُسين بحوافر الخيول حتَّى لا يبقى لهُ أثر، ولكن هناك تفاصيل لا أستطيع الدخول في كلِّ ما وردَ في كتب السيَّر والتأريخ والمَقَاتل، فجاءوا بهؤلاء العشرة وفي كتبِ التأريخ هكذا يذكر المؤرّخون بأنّنا حينَ نظرنا في أصلِ هؤلاء كُلُّهم أبناءُ زنا سواء قال المؤرِّخون أم لم يقولوا، ماذا يكونون هؤلاء؟ هل يكونون يعني في حالٍ أحسن من هذا الحال؟ فجيء للمُختار بهؤلاء العشرة الذين داسوا صدرَ الحُسين بحوافر الخيول، قال: أنيموهم على ظهورهم على الأرض واربطوا أيديهم وأرجُلَهُم بسلاسل الحديدِ والأوتاد ثُمَّ جالت عليهم الخيول، داستهم كما فعلوا، ركضت عليهم خيولُ الشيعةِ بحوافرها فداستهم ثُمَّ بعد ذلك أُحرِقوا، الناس أحرقتهم. عَمرو بنِ الحَجّاج الذي كان على الشريعة، الرمز في منعِ الماء عن أطفالِ الحسين وعن عيال الحسين، فرَّ ولكنَّهُ مات عطشاً، تنقَّلَ بينَ القبائل خائفاً من المُختار فارّاً من سطوة المُختار ومات عطشاً بحسبِ ما هو المشهور، قَتَلَهُ العطشُ وخوفُ المُختار. • خِولّا بن يزيد الأصبحي، هذهِ أسماء المجرمين الكِبار، خِولّا هو الذي حملَ الرأس الشريف، جاء بهِ من كربلاء إلى الكُوفة، الذي وضعهُ في التنور، القصّة المعروفة المذكورة، وضع الرأس الشريف في التنور، خِولّا أرسل المُختار إليهِ من أعوانهِ وجُنده، لَمَّا وصلوا إلى البيت زوجتهُ النوار ويبدو من خلال القرائن التأريخية المذكورة أنّها كانت مُحبّةً لعليٍّ وآلِ عليّ، فلمّا فتحت الباب لهم سألوها أينَ خِولّا؟ قالت نحنُ لا ندري أينَ هو وهي تُشير إلى بيتِ الخلاء بيدها لأنَّهُ كان مختبئاً في بيتِ الخلاء وقد وُضِع قوصرةً عليه، فدخلوا عليه رفعوا القوصرة وأخرجوه، خِولّا هذا من أكثر اللعناء الذين آذوا عائلة الحُسين وآذوا أطفال الحُسين، قتلوه وأحرقوه بعدَ ذلك. • حكيم بن الطفيل، قاتِلُ أبي الفضلِ العبَّاس، الذي قطعَ يمينَ العبّاس وقطعَ شِمال العباس حكيم بنُ الطفيل، الغريب أنَّ زعيماً شيعياً كبيراً هو عَدي بن حاتم الطائي يذكر المؤرّخون بأنّهُ جاء ليتشفَّع فيه عندَ المُختار، عَدي بن حاتم من زُعماء الشيعة، مُحاورة معروفة في كتبِ التأريخ فيما بينهُ وبينَ معاوية بعد شهادة أمير المؤمنين حين قال لهُ: أين الطرفات؟ الطرفات هم أولاد عدي طارف وطريف وطُرفة، قالَ: قُتِلوا مع عليٍّ في صِفّين، معاوية يعرفُ ذلك، قُتِلوا مع عليٍّ في صِفّين، فقالَ: ما أنصَفَك عليٌّ لقد قتل أولادك وبقي وُلده، قال: أنا ما أنصَفتُ عَليّاً لقد قُتِل وبقيتُ بعده، محاورة فيها تفصيل، الغريب أنَّهُ أنْ يأتي للمختار يتشفَّع في حَكيم بن الطفيل لأنَّه طائي، لأنَّهُ من نفس القبيلة، ولكن عبدُ الله بن كامل الذي ألقى القبض على حكيم بن الطفيل عرف بأنَّ عدي بن حاتَم في طريقهِ ليتشفَّع فقال: رُبّما يوافقهُ المُختار لوقتٍ ما فقال للجند اقتلوه، فقالوا لهُ: أنتَ سَلبتَ قمر بني هاشم بن عليٍّ سلبتهُ ثيابه، بعد أنْ وقعَ العبّاسُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه على الأرض، نحنُ نسلبُ ثيابك، سلبوه ثيابه ثُمَّ وجّهوا إليهِ السِّهام وقُتِل في ذلكَ المكان. • مالكُ بنُ النسر، هذا الذي ضربَ رأسَ الحُسين على مفرَقهِ، كانت من أقسى الضربات التي وقعت على رأس سيِّد الشُهداء، وكان البرنسُ على رأسهِ فامتلأ دماً فألقى البرنس على الأرض، اللعين أخذ البُرنس الملطخ بالدم وذهبَ به إلى بيتهِ يغسلُهُ – وهوَ الَّذي ضربَ الحُسين على رأسهِ يَوم عاشوراء عندما وقعَ على الأرض بعد أنْ دنى منهُ وشَتَمَهُ – شَتَم الإمام وضرب الإمام – فَقَالَ لَهُ الحُسين لا أكلتَ بها ولا شَرِبت وحَشَرَكَ اللهُ مع الظّالِمين وكانَ على رأسِ الإمام بُرنُسُ خَزّ فامتلأ دَماً فَرَماهُ مِنْ عَلَى رَأسِه فأخذهُ مالك بنُ النسر وجاء بهِ إلى بيته وأخذ يغسلُ عنهُ الدماء فرأتهُ زوجته فبكت وقالت: تبّاً لك، قتلت ابنَ رَسولِ الله وسَلبتَ سِلاحه، اِبعد عنّي حشا اللهُ قبرَك ناراً فلست لي حليلاً ولا أنا لك زوجة ولا عشتُ معكَ تحتَ سقفٍ واحد، رفعَ يَدَهُ ليضرِبَها على وجهِهَا فوقعت الضربةُ على مسمارٍ فدخل في يده فَجَهَدوا أنْ يُخرجوه منها فما استطاعوا حتَّى قُطِعت يَدهُ مِنَ المِرفَق وعاشَ عُمرهُ ذليلاً إلى أنْ قُتِل – إلى أن قتلَهُ المختار. • حرملة بنُ كاهل، مرَّت قِصّةُ قتلهِ في الحلقاتِ السابقة، فحينَ جاءوا به ونادى الجزّار الجزّار النّار النّار وحرملةُ قصتهُ قِصّةُ الألم، تُذكِّرنا بسهامٍ عِدَّة، سهمٌ ذُبِحَ به رضيع الحُسين أطلقهُ حرملة، وسهمٌ وقع في قلبِ الحُسين، هذا السهم الذي أخرجهُ من ظهرهِ سيّد الشُهداء فانبعث الدمُ كالميزاب كما يصف المؤرّخون، وسهمٌ في عينِ أبي الفضل العباس، وسهمٌ ذبحَ به عبد الله بن الحسن من أطفالِ الإمام الحسن في حِجر سيّد الشُهداء. • زَيد بن ورقاء، الذي قتل عبد الله بنَ مُسلم، رماه بسهم فسمر يَدَهُ إلى جبينهِ، اللعين حتَّى بعدَ أن قُتِل عبد الله بنُ مُسلم بن عقيل وهو بنُ رقيّة الكُبرى بنت أمير المؤمنين جاءَ ليستخرج السهم فما استطاع أنْ يستخرج النصل فأخرج الخشبة، فقط أخذَ الخشبة، أيضاً جيء بهِ، كُلُّ القَتَلَة، كُلُّ المجرمين لقوا جزاءَهُم على يَدِ المُختار. • بجدل بنُ سليم، هذا الذي قطعَ خُنصر الحُسين أيضاً جاءوا بهِ وأمرَ المُختارُ بقطعِ أناملهِ. • قيسُ بنُ الأشعث، عَمرو بن صَبيح أو ابن صُبيح. • سِنانُ بنُ أَنَس، من يعرف واقعة عاشوراء يعرف مدى الألم الَّذي سبّبهُ سِنان للحُسين، نحنُ نقرأ في كتب المَقاتِل ما الذي فعلهُ سِنان؟ – فصاحُ الشِّمرُ: ما وقوفُكُمْ وما تنتظرون بالرجل وقد أثخَنتهُ السِّهامُ والرِّمَاح؟ – بعد أنْ سقط الإمام على الأرض – احْمِلُوا عَلَيه وَضرَبَهُ زَرعَةُ بنُ شُريكٍ على كَتِفِه الأيسر ورماهُ الحُصين – الحُصين بنُ نُمير السَكوني، سيقتلُهُ إبراهيم مع عُبيدِ الله بن زياد – ورماهُ الحُصين في حلقِه – يعني في مكانِ الذبح، رماهُ بسهم – وضَربَهُ آخر على عاتِقِه – العاتق يعني ما بينَ الرقبة والمَنكَب – وطَعنَهُ سِنان – هذا هو سِنان الذي أتحدّث عنه – وطَعنَهُ سِنانُ بنُ أَنَس في ترقوتِه – في هذا المكان – ثُمَّ في بواني صَدرهِ – هذه الطعنة القاتلة لسيِّد الشُهداء، في بواني صدرهِ، في أضلاعهِ – وطَعنَهُ سِنانُ بنُ أَنَس في ترقوتِه ثُمَّ في بواني صَدرهِ ثُمَّ رماهُ بسهمٍ في نَحرِه – سِنان بن أنس فرَّ من الكُوفة ولجأ إلى البصرة لكن المُختار كان على يقين حتّى الفارّين رجعوا بأرجلهم وأمسكَ بهم وقتلَهُم، لَمَّا فرَّ عُمر بن سعد من بيتهِ وكان هُناك في الشيعةِ من يلوم المُختار لماذا تركت عُمر بن سعد وها هو فرّ، ماذا قال المختار؟ قال أين يفرّ سلسلة دمِ الحُسين ستُرجعهُ إلى الكوفة وفعلاً رجع، رجع لأنَّهُ خرجَ فارّاً من الكُوفة، تَعِب في الطريق فنامَ وهو على فرسهِ فرجعت به الفَرس حتّى وقفت ببابِ داره، فأين يفرّ في وضَحِ النهار وقتلهُ بعد ذلك المُختار، فجيء بسِنان بن أنس، سِنان ابن أنس فرّ إلى البصرة إلى الزبيريين، ولكن بعد ذلك لشأنٍ من شؤونه خرج إلى القادسية، عيون المُختار أوصلت الأخبار إلى المُختار، رأساً أرسل قُوّة وأُلقيَ القبض عليهِ وجيءَ به وانتقم المختارُ منه شرَّ انتقام. • وشمرٌ وماذا فعلَ المختارُ بشمر؟ وَشِمرٌ ماذا فعل؟ شِمرٌ تُحدِّثُنا كتبُ المقاتلِ فتقول، ماذا تقول كتب المَقاتِل؟ – ثُمَّ صَاحَ بنُ سَعدٍ بالنَّاس اِنزِلوا إليهِ وأريحُوه – أيْ انزلوا للحُسين – فبَدَرَ إليهِ شِمرٌ فَرفَسَهُ بِرجلِه وجَلَسَ علَى صَدرِه وقَبضَ على شيبتهِ المقدّسة وَضَرَبهُ بالسيف اثنتي عشرة ضربة واحتزَّ رَأسَهُ المُقدّس – شِمرٌ هذا ألقى القبض عليه أبو عَمرة، وجيء بهِ إلى المختار الثقفي، في روايات تقول بأنَّهُ أبو عَمرة قتَلَه، ولكن عندنا أخبار بأنَّ المُختار الثقفي أمرَ بقدرٍ مُليء بالزيت وأخذ الزيت يغلي، إنّهُ لَم يجد شيئاً يُعاقب به الشمر إلَّا هذا، ماذا يصنع؟ الشمر كيف يُعاقَب؟ أخذ قِدراً وملأه زيتاً حتّى غلى وألقى الشمر في ذلك الزيت، حتّى أنَّهُ بعدَ ذلك تحوّلَ إلى شيءٍ لا يُعرف ما هو، بعد أنْ غَلَى في وسطِ الزيت. • عُمر بن سعد، كانَ المختار قد كتبَ لهُ أماناً وعُمر بن سَعد شخصيّة مهمّة في الكُوفة، ومرَّ علينا يوم أمس كيف أنَّ الكوفيين بما فيهم الشيعة أرادوا أنْ يُنصّبوا والياً عليهم بعد موتِ يزيد بن معاوية، مرَّ الكلام يوم أمس والذي قرأتهُ عليكم من مروج الذهب للمسعودي، على أيِّ حالٍ، المختار كتبَ لهُ أماناً – إنَّك آمنٌ بأمانِ الله على نفسكِ وأهلك ومالِكَ وَوِلدِك لا تُؤاخَذ بِحَدَثٍ كَانَ مِنْكَ قَديماً – يعني لا تؤاخَذ بقتلك للحُسين – ما سَمِعتَ وأطَعت ولَزَمتَ مَنْزِلَك – يعني لا تخرج من الكوفة – إلَّا أنْ تُحْدِثَ حَدَثاً – إذا أحدثت حَدَثاً، الإمام الباقر يقول: كان مقصود المُختار أنْ يُحدّث حَدَثاً هو أنْ يدخُل بيتَ الخلاء، وكم مرّة دخلَ عُمر بن سَعد بيتَ الخلاء، مقصود المختار في هذا الأمان – إلّا أنْ تُحْدِثَ حَدَثاً – لا يقصد يعني أنْ تَخرُجَ عاصياً لحكومتي، كما يقول إمامنا الباقر صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه بعدَ ذلك أرسلَ إليه أبا عَمرة فقُتِل عُمر بنُ سَعد، قَتَلَهُ أبو عَمرة وقُتِل ولَدُهُ حَفص وكان من كِبار المجرمينَ أيضاً في يوم عاشوراء، ولَمَّا جيء برأس ابنِ سَعد وولدهِ حَفص أخذ المُختار يبكي، قال: يعني هذا برأسِ الحُسين وهذا برأس عليٍّ الأكبر؟ هل يُمكنُ ذلك؟ أمّا إبراهيم فقد اتّجهَ إلى جهةِ عُبيدِ الله بن زِياد، وكانت المعركة التي خطبَ فيها إبراهيم بنُ مالك الأشتر، بعد الفاصل أكمِلُ الحديث، ملّا باسم يُنشدنا عن فاطمة بنت الحُسين صلواتُ اللهِ عليهِ وعليها. وصلَ إبراهيم بنُ مالك الأشتر إلى نهر الخازر قريباً من الموصل وهناك كانت المعركة مع ذلك الجيش الجرّار، إبراهيم كان جيشهُ لا يتجاوز العشرة آلاف، ولكن ابنُ زياد كان في ثمانين ألف – فخطبَ ابنُ الأشتر في جُندهِ: أيُّها النَّاس أنتم أنصارُ الدين وشيعةُ أمير المؤمنين وهذا عُبيدُ الله بن مرجانة – مرجانة معروفة – وهذا عُبيدُ الله بنُ مرجانة قاتلُ الحُسين بن عليٍّ بنِ فاطمة ظمآن منعهُ من شربِ الماء وعيالَهُ وأطفاله وهم ينادون العطش العطش وسدَّ عليهِ المسالِك وحضر عليه التوجّه إلى بلاد الله العَريضة وأحاط بهِ من كلِّ جانب حتَّى قَتَلَهُ عطْشاناً لم تبُلّهُ شِفَةٌ بماءِ الفُرات وأجرى الخيلَ على جسدِه وسبى عياله كما تُسبى الإماء من الكُوفةِ إلى الشام وأُقْسِمُ بالله إنَّ فِرعونَ لم يفعل ببني إسرائيل ما فعلهُ ابنُ زياد بآل الرسول وأنا واثقٌ بنصرِ الله عليهم وسيُقتَلُ ابنُ زياد بأيديكم ويُشفي صُدور قومٍ مؤمنين لأنَّ الله يعلم بأنَّنا غضبنا لأهل بيت نبيِّه، وكان يخطب بهذا ونحوه عندَ كُلِّ رايةٍ يصلُها من راياتهِ – يعني من رايات جيشهِ – ويحثُّ النَّاس على القِتالِ ويُرغّبُهم فيه ويُشجّعهُم عَلَيه – فهجمَ إبراهيم وجيشهُ وقتلَ إبراهيم بنُ مالك الأشتر عُبيد الله بنَ زياد بسيفهِ وبيده، بعدَ أنْ انتهت المعركة وحطَّت الحربُ أوزارها في ذلك اليوم قال لأصحابهِ – إنّي قَتلتُ رَجلاً تحتَ رايةٍ وحده وقد شَمَمتُ منهُ رائحة المِسك ساطعةً من المكَان – كان يُكثر استعمال المِسك عُبيدُ الله بنُ زياد، هناك حادثة مذكورة ذُكِرت في كتب التأريخ بأنَّهُ حينَ جيء برأس سيّد الشُهداء ووضِع بين يديه رفَعهُ وشدَّ الرأس من شَعرهِ مستهزئاً فسقطت قطرةُ دمٍ من الرأس الشريف على فخذهِ فثقبت الفخذ فكان يؤلمهُ ويصرخ ليل نهار من هذا الأثر الذي بقيَ في فخذهِ وتخرج منه رائحة كريهة جِداً لا تُطاق، فكانَ يصبُّ على نفسهِ قوارير المسك بشكلٍ كثيرٍ ومكثَّف، هكذا ذُكِر في كتب التأريخ، لا أريد أنْ أَقِفَ طويلاً عند هذهِ القضيَّة – إنّي قَتلتُ رَجُلاً تحتَ رايةٍ وحده وقد شَمَمتُ منهُ رائحة المِسك ساطعةً من المكان وقد رميتُ به على شاطئ نهر الخازر وأحسبهُ ابنَ زياد، فلمّا ذهبوا يتحسّسونَ عن أمرهِ وجدوهُ ابنَ زِياد نفسَهُ فسجدَ إبراهيم للهِ شُكراً – أتدرون متى كان؟ كان في اليوم العاشر من مُحرّم في السنة السابعةِ والستّين، في يوم العاشر من المحرَّم في السنةِ السابعة والستّين قتل إبراهيمُ بن الأشتر عُبيدَ الله بنَ زِياد ومن معهُ من قَتلَةِ الحُسين مثل الحُصين بن نُمير السَكوني وغيرهم من هؤلاء الطُغام، ولم يفرح المُختار فرحاً كفرحهِ بمقتلِ عُبيدِ الله بن زياد وبُعِثَ بالرؤوس إلى الحجاز، إمامنا الصادق يقول: (ما اكْتَحَلَت هَاشِمِيَّةٌ ولا اَخْتَضَبَت ولا رُإيَ في دَارِ هَاشِمِيٍّ دُخان خَمْسَ سِنِين إلى أنْ قُتِل عُبيدُ الله بن زِياد)، وجيء برؤوس قَتَلَة الحُسين عندَ إمامنا السجاد صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وربَّما ما جاء في الرواية ذكر خمس سنين هو اشتباهٌ من ناقل الرواية لأنَّ سيّد الشُهداء قُتِل في بدايةِ سنةِ إحدى وستّين وهؤلاء اللعناء قُتِلوا ما بين السادسةِ والستّين والسابعةِ والستّين، الفترة التي نهضَ فيها المختار الثقفي بحسبٍ ما هو مُثبّتٌ في كتبِ التأريخ، وربَّما حتَّى هذهِ التواريخ ليست دقيقة، لكن الحساب بحسبِ ما هو مُثبّتٌ في كتب التأريخ، وكما قُلتُ مراراً بأنَّ كتبَ التأريخ لا تنقل الحقائق كاملةً، الحقائق مجزوءة وفوق هذا هُناك تحريفٌ مقصود، وهناك تحريفٌ ليس مقصوداً في كتب التأريخ، فنحنُ حين نقرأُ هذه التفاصيل لا يعني أنَّ هذهِ التفاصيل هي التي وقعت بكامل الحقيقة وبكاملِ الدقيقة، أبداً، هذه هي المعطيات المتوفرَّة بين أيدينا، لم يَدُم الأمر طويلاً بعد ذلك فالمأمورية تَمَّت، المُختارُ قامَ بالأمر الذي لابُدَّ أنْ يقومَ به، تتبَّع قَتَلَة الحُسين في كلِّ مكان، أبادهم وأفناهم وقَتَلَهم وتحقَّق الانتقامُ الإلهي المباشرُ والقريبُ من قَتَلَة سيّد الشُهداء على يَدِ المُختار رضوان الله تعالى عليه، وفي أيّامِ نهضتهِ وثورتهِ الحُسينية، شيئاً فشيئاً نقتربُ من نهاية الحكاية. تحرّك الزبيريون بعد أنْ استتبَّ الأمرُ لهم في الحجاز وجاءَ مُصعب بن الزبير قاصداً الكوفة والناس الذينَ حول المُختار خفَّت حماستهم ودارَ حربٌ وقتالٌ بين مصعب بن الزبير والمُختار الثقفي ولم يكن إبراهيم بنُ الأشتر حاضراً في المعركة، فقد استقرَّ في البلاد التي فتحها في شِمالِ العراق، دارت المعركة وكانت قوّات مصعب بن الزبير متفوِّقة على قوات المختار ممّا اضطرَّ المُختار أنْ يرجعَ إلى الكوفة وحوصِرت الكُوفة وحوصِرت بعد ذلك دارُ المُختار، أعني قصر الإمارة، تفرَّق الكثير من جندِ المُختار ولكن بقيت معهُ بقيَّة، يُقال بأنَّ الذين بقوا داخل القصر يصل عددهم إلى ستّة آلاف والأمر قد يكون مُستبعداً، لكن هذا الأمر ذُكِر في الكتب، بالنتيجةِ هناك أعدادٌ من الجُندِ والأعوان بقوا مع المختار وحُوصِروا بحيث نَفَذَ منهم الماء والطعام والشراب، نفذَ كُلُّ شيء، حفروا بئراً داخل قصر الإمارة وكان ماؤها شديد الملوحة، ما كانوا يستطيعونَ أنْ يشربوه، فأمرَ المُختارُ بمزجهِ بشيءٍ من العسل حتَّى يستطيع الناس أنْ يشربوا ذلك الماء المالح، أمّا الأطعمةُ فقد نفدت، حِصارٌ شديد استمرَّ لشهورٍ طوال، لا يصل إلى قصرِ الإمارة إلَّا طعامٌ قليل تحملهُ بعض النسوة لأزواجهنّ ويدخلن إلى القصر بشكلٍ خفي، فكم هو مقدارُ الطعام الذي تحملهُ إمرأة وبشكلٍ خفيٍ تحتَ ثيابها، المُختارُ كانَ يُصِرُّ على أصحابهِ وعلى جُندهِ أنْ نخرج للقتالِ دفعةً واحدة فإمَّا أنْ نصلَ إلى مُرادنا أو أنْ نُقتل بكرامةٍ، فما كانوا يرغبونَ بذلك، كانوا يطمعون أنْ تحدث اتّفاقية أو مُعاهدة ويسلّموا أنفسهم ويذهبون إلى بيوتهم ونسائِهِم، لَمَّا رأى المُختار بأنَّهُ لا أملَ في أنصارهِ فخرجَ مع مجموعةٍ قليلة ممِّن أخلصوا لهُ وقاتل الزبيريين حتَّى استُشهِد واستُشهِد الَّذين خرجوا معه، تسعة عشر رجلاً خرجوا معه، قُتِلوا جميعاً، بعدَ ذلك هؤلاء سلَّموا أنفسُهم للزبيريين فذبحوهم عن آخرهم، لم يتركوا واحداً منهم لا من العربِ ولا من الفُرس، فجيشُ المُختار كان يتألّفُ من مجموعتين: من القبائل العربية الشيعية، ومن الفُرس، كان أعداد الفُرس الذين نصروا المختار واعتمدَ عليهم، كانت أعدادهم كثيرة في جيشِ المُختار. ماذا قال المُختارُ لأصحابهِ؟ الكلمات الأخيرة التي قالها المُختار وبعد ذلك استُشهِدَ والتحقت روحهُ بمن أحبّهم، بحُسينٍ وآلِ حُسين، المختار هكذا قال لهم: وَيْلَكُمْ إنَّ الحِصَارَ لا يَزِيدُكُمْ إلَّا ضَعْفاً – لأنَّهُم كانوا يرغبونَ في البقاءِ للحصار ولا يخرجونَ للقتال – وَيْلَكُمْ إنَّ الحِصَارَ لا يَزِيدُكُمْ إلَّا ضَعْفاً فَانْزِلوا بِنا فَنُقاتِل حَتَّى نُقْتَلَ كِراماً إنْ نَحنُ قُتِلنَا فواللهِ ما أنا بآيسٍ إن صدقتموهم أنْ ينصركم الله فَضَعفوا ولم يفعلوا، فقال لهم: أمَّا أنا واللهِ لا أُعطي بيدي – هو الكلامُ الحسينيُّ: (لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليل) – أمَّا أنا فواللهِ لا أُعطي بيدي ولا أُحَكِّمُهُم في نفسي – نفس الكلام، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقِرُّ لكم إقرار العبيد – وإذا خَرَجت فَقُتِلت لَم تَزْدَادُوا إلَّا ضَعفاً وَذُلَّاً فإن نزلتُم على حُكمِهِم وثَبَت أعداؤكم فقتلوكم وبعضكم ينظرُ إلى بعض – وفعلاً هو هذا الذي حصل فيهم بعد ذلك – فَتَقُولون يا لَيتنا أطَعْنا المُختار وَلَو أنَّكُم خَرَجْتُم مَعِي كُنْتُم إنْ أخطأتُم الظَّفَر مُتّم كِراماً – لم يسمعوا ولم يستمعوا لِمَا قالَهُ المُختارُ الثقفي رضوان الله تعالى عليه، خرج مع مجموعة قليلة واستُشهِد، بعدَ ذلك لَمَّا فُتِحت الأبواب أخذوهم جميعاً عندَ مُصعَب بنِ الزبير فذبحهم عن آخرهم، كما قال لهم المُختار: تُذبَحون وبعضكم يرى البعض الآخر لا تستطيعون أنْ تدفعوا عن أنفسكم شيئاً. إلى هُنا تنتهي حكاية المُختار التأريخية، قطعاً عرضتها بشكلٍ مُقتضب، لا أستطيع أنْ أتناولَ كُلَّ تفاصيلها التي ذُكِرت في كتب التأريخ، مع أنّها ذُكِرت مجزوءةً في كتبِ التأريخ، لأنَّ هذا يحتاج إلى حلقاتٍ أكثر وأكثر. البرنامج لا زالت له بقيَّة، الحديث يتواصلُ تحت هذا العنوان: (الثائر الحسيني الوفي المختار الثقفي)، وقد بيّنتُ منذُ البداية بأنَّ هذا البرنامج ليس برنامجاً تأريخياً، قضيّةُ المختار كما ذكرتُ قضيّةٌ عقائديةٌ تأريخية، فيها وجهٌ عقائدي وفيها وجهٌ تأريخي، وقُلتُ بأنَّ دراستي في هذا البرنامج هيَ تطبيقٌ عمليٌ لمنهجِ لحنِ القول الذي أزعمُ بأنَّ هذا المنهج هو أقربُ منهجٍ في الدرسِ والبحثِ والتحقيقِ في جوِّ الكِتابِ والعترة، أقربُ منهجٍ إلى آلِ مُحَمَّدٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين الذي تُشير إليهِ الروايةُ عن صادقِ العترة الأطهر: (اِعْرِفوا مَنَازِلَ الرِّجَال عِنْدَنَا بِقَدْرِ مَا يُحْسِنُونَ مِن رِوَايَتِهِم عَنَّا وفَهْمِهِمْ مِنَّا)، فإحسانُ الروايةِ يحتاجُ إلى فهمٍ يتفرّعُ منهم، كيف يتفرّعُ هذا الفهم؟ يتفرّعُ هذا الفهم من خلالِ حديثهِم، من خلالِ ثقافةِ الكتابِ والعترة، فهناك أصولٌ وقواعد وقوانين ثُبِّتت في ثقافة الكتابِ والعترة منهم صلواتُ اللهِ عليهم، هذهِ الأصول هي التي تُعتَمَد وعلى أساسها يُمكننا أنْ نستنتجَ أو أنْ نَصِلَ إلى النتائج الصحيحةِ باعتمادِ هذهِ القواعد والقوانين، وقد مرَّت الإشارةُ في الحلقات السابقة إلى قانون الأصلاب وتحدَّثتُ عن هذا الموضوع وقلتُ: وفقاً لهذا القانون فإنَّ ثورة المُختارِ ضرورةٌ لابُدَّ أنْ تكون، بغضِّ النظر أنَّ المُختارَ يقومُ بها أو شخص آخر، فقانونُ الأصلابِ يقتضي أنَّ هذهِ الأصلاب تُقطَع، هذهِ الأصلاب التي اشتركت بقتلِ الحُسينِ لابُدَّ أن تُقطَع ومرَّت الروايات والآيات والأحاديث وأعتقد كان المطلبُ واضحاً في طوايا الحلقات السابقة، اعتماداً على قانونِ الأصلاب فثورة المُختارِ لابُدَّ أنْ تتحقّق، واعتماداً على قانون المكر تشخَّص لنا كيف أنَّ الأمور تجري في السيرة المعصومة، في الجانب القولي، وفي الجانب الفعلي، وقد حشدتُ الكثيرَ من الوقائع ومن النصوصِ والكلماتِ والأقوال التي تُبيّنُ هذهِ الحقيقة، وحينَ نُطبّقُ هذا القانون تتّضح لنا الصورةُ جليّةً بأنّهُ ما جاء من حديثٍ فيه شيءٌ من قَدحٍ في شخصيّة المُختار إنَّما هو تطبيق من تطبيقاتِ قانون المكر الرحماني الذي مرَّ الحديثُ عنه، وهناك قوانينُ أخرى سيأتي الحديثُ عنها ربّما مرّت الإشارةُ إليها فيما سلفَ من الحلقات الماضية، لكنَّني سأتحدَّثُ عن مجموعةٍ من القوانين التي لها عُلقةٌ بالموضوع الذي بين يدَيّ، ثورة المختارِ وشخصيّةُ المُختار، من هذهِ القوانين قانون الحقائق وقد تحدَّثت عن هذا المطلب حين ذكرتُ أهمَّ مفرداتِ منهجِ لحنِ القول: من أنَّ الحقائقَ تحملُ قيمتها في نفسها، الحقائق تحملُ قيمتها في نفسها دونَ الحاجةِ إلى شيءٍ يُضافُ إلى تلك الحقائق، وكذلك ما تقدَّم الحديثُ عنه من قانون التطهير الحُسيني، وأنَّ الانتماء إلى الحقيقة الحُسينية يؤدّي إلى تطهيرِ من ينتمي إلى تلك الحقيقة وجئتُ بمثالٍ ما جاء في زيارةِ أنصار سيِّد الشُهداء صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ونحنُ نخاطبهم: (السَّلَامُ عَلَيكُم يَا طَاهِرِينَ مِنَ الدَّنَس)، هذا الخطاب يُوجَّه لأنصارِ الحُسين، أنّهم نالوا هذهِ الدرجة من الطهارة والتطهُّر لأنَّهم في حالةِ قُربٍ شديدٍ من هذه الذات الطاهرة المطهَّرة، أعني الذات الحُسينية، هناك قانونٌ آخر سأتحدّث عنه وهو قانون الرموز والإشارات، وستعرفونَ المراد والمقصود من هذا القانون في الحلقات القادمة إنْ شاء اللهُ تعالى، وهناك قانونٌ آخر وهو قانون الأدعيةِ والزيارات، سندرس ثورة المختار وشخصيّة المختار وفقاً للمفاهيم التي بُنيت عليها الأدعيةُ والزيارات التي وردتَ عنهم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين. هناك مجموعة من المطالب المهمّة سأتناولها في الحلقات القادمة، لا أريد أنْ أشرعَ فيها الآن لأنَّهُ لم يبقَ شيءٌ كثيرٌ من الوقت، فقط أشير إلى قضيّةٍ واحدة، كما أشرتُ قبل قليل من أنَّ الحقائقَ تحملُ قيمتها في نفسها، فنحنُ حينَ سلّطنا الضوء على الجانب التأريخي لثورة المُختار وشخصيّة المُختار، هذهِ المعلومات وهذهِ المعطيات معَ أنّنا نعلم بأنّها مجزوءة، لم يذكر التأريخ كلَّ شيء ومع أنّها تعرَّضت للتحريف، تعرّضت للتحريف المقصود من قِبَل نفس الناقلين، من قِبَل نفس المؤرّخين، من قِبَل مُحرِّفِين أُخَر، بعدَ أنْ كُتِبَت الكُتُب وتعرّضت الكتب للتحريف بعد أنْ كتبها مؤلّفوها، فهناك تحريفٌ مقصود، وهناك تحريفٌ لم يكن مقصوداً، لكنّهُ وقعَ فعلاً، بالنتيجة هو تحريف، ما يُسمّى بالتصحيف، الاختلاف فيما بينَ النُسَخ، رغم كلِّ ذلك لكن هذهِ المعطيات لا تخلو من الحقائق، نستطيع أنْ نتلَّمس الحقيقة الواضحة في كلِّ هذهِ المعطيات، ما سمعتموه أنتم من نصوصٍ تأريخية نقلتها من كتبٍ ليست شيعية، وكتب موقفها سلبيٌ من المُختار، موقفها سلبيٌ من شخصيّة المُختار، هذهِ الكُتب نقلت حقائق ومعطيات وضعتها بين أيديكم في هذه الحلقة، في الحلقات الماضية، حين ننظر إلى هذهِ المعطيات ماذا نستنتج؟ الذي نستنتجهُ هو إخلاصُ المُختار لقضيّتهِ، إخلاصُ المُختار لهدفهِ، الذي نستنتجه أنَّ الهاجِسَ الحُسيني هُو الذي كانَ يسكنُ المُختار، وأنَّ الانتقامَ من قَتَلَةِ سيّدِ الشُهداء كانَ أمراً يأكلُ ويشربُ مع شخصيّة المُختار، كُلُّ ذلك كان واضحاً مع أنَّ الحقائق لم تُنقَل والكلمات بشكلٍ دقيق لم تُذكَر، ذُكِرت الأشياء بنحوٍ مُقتضب، وبنحوٍ مُحرَّف، وبنحوٍ مُبدَّل ولكن بقيَ الكثير من الحقيقةِ موجوداً بين طيّاتها، فما أشرتُ إليه وهناك أشياء لم أُشر إليها لأنَّ الوقت لم يكن كافياً لأن أتحدَّث عن كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ جاءت في كتبِ التأريخ، هناك تفاصيل كثيرة منها ما وردَ في كتب التأريخ وهناك تفاصيل أيضاً وردت في رواياتنا في كتبِ الحديث عندنا، إنَّما سلَّطتُ النظر على أهمِّ المفاصل، على أهمِّ الأحداث، على أهمِّ العناوين، الملاحظات التي تُشكِّلُ أُسساً في فهمِ حركة المُختار وثورة المُختار هو الذي حاولت أنْ أُشيرَ إليه، من دون الدخول في كلِّ التفاصيل، ومن كلِّ ذلكَ تتجلّى لنا شخصيّة المُختار بشكلٍ واضح من دونِ الحاجةِ إلى توثيقٍ أو إلى مدحٍ، حتَّى لو لم تَرد عن المعصومين صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين أحاديث في مدحِ المُختار الناظر إلى هذهِ التفاصيل يستطيع أنْ يتلمَّس إخلاصَ المُختار لأهلِ البيت، يستطيع أنْ يتلمّس إصرارَ المُختار في تحقيقِ هذا الهدف، فضلاً عن الروايات الكثيرة التي مرَّت وفضلاً عن القواعد والقوانين المُستقاة من عُمقِ ثقافة الكتابِ والعترة التي كلُّها تصرخُ وبصوتٍ عالٍ ثورة المُختارِ لابُدَّ أنْ تكون، والمختارُ هو الثائرُ الحسينيُّ الوفيّ. تَتِمَّةُ الحديث إنْ شاءَ اللهُ تعالى تأتينا في حلقةِ يومِ غَد والحلقات التي بعدها، نلتقي على مَحبَّةِ المُختار الثقفي ونذهب إلى الفاصل الأخير إلى زيارة سيِّد الشهداء، ملّا باسم وخَدَمَة الحُسين وأنتم وخادمكم. ألقاكم غداً إنْ شاء اللهُ تعالى في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجنا الثائرُ الحسيني الوفي، ألقاكم على مودَّةِ ومحبَّةِ وولايةِ مُهجَة الحُسين ونور عينِ الحُسين الحُجَّةِ بن الحسن إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه. سَلامٌ على نَحْرِكَ الدَّامِي يَا حُسَين… في أمَانِ الله.. ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الإثنين 22 ذو القعدة 1436هـ الموافق 7 / 9 / 2015م بعد أن خرج المُختار مِن سجن الوالي الزّبيري في الكوفة، واجتمعت الشيعة حوله بدأ يجمع خيوط مُخطّطه شيئاً فشيئاً. وقد عزل ابن الزّبير واليه السّابق وأرسل والياً جديداً هو عبد الله بن مطيع.. مخطط الوالي الزّبيري الكيدي للإيقاع بالمُختار، وعلم المُختار بذلك، ومقابلة مكره بمكرٍ رحماني. ليلة الخميس السّنة 66هـ ليلة 14 من شهر ربيع الأوّل كان الاتّفاق بين المُختار وبين إبراهيم الأشتر، وسائر القيادات الأخرى. وقد بدأت ثورة التّوابين انطلاقتها بشعارات: [يا منصور أمت] .. وشعار[يالثارات الحسين] وكان الفارس المقدام في هذهِ الثّورة إبراهيم بن مالك الأشتر.. فقد أرعب الزّبيريّين وفتك فيهم فتكاً شديداً.. (عرض لقطتين من تأريخ الطّبري تصف شيئاً من الوقائع والأحداث الَّتي وقعت عند انطلاق ثورة المُختار) أوّل ما بدأ المُختار كان يبحث عن العشرة الَّذين داسوا صدر الحُسين عليه السَّلام. عرض سريع لصُور قتل المُختار لقتلة الحُسين صلوات الله وسلامه عليه وقَتَلة أهل بيته الأطهار. مَن يعرف واقعة عاشوراء يعرف أيّ ألمٍ سبّبه حرملة بن كاهل لقلوب أهل البيت عليهم السَّلام، وأيّ ألم سبّبه سنان بن أنس للحُسينعليه السَّلام. في يوم العاشر مِن المُحرّم سنة 67هـ قتل إبراهيم بن مالك الأشتر عبيد الله بن زياد، وآخرين مِن قتلة الحُسين عليه السَّلام. حديث عن الحصار الَّذي أصاب المُختار ومن كان معه من أنصار في قصر الإمـارة .. والكلمات الأخيرة الَّتي قالها المُختار لأصحابه قبل استشهاده. إلى هنا إنتهت حكاية المُختار التأريخيّة وسيتواصل البرنامج تحت هذا العنوان: “الثَّائر الحُسيني الوفي المُختار الثّقفي” دراسة لشخصيّة المختار وثورة المُختار وفقاً لمنهج لحن القول المُستل من الكتاب والعترة .. إذ أنَّ هذا البرنامج هو تطبيق عملي لمنهج لحن القول على دراسة شخصية المختار، وثورة المُختار. وفقاً لقانون الأصلاب، فإنّ ثورة المُختار هي ضرورة لابُدّ أن تكون .. واعتماداً على قانون المكر اتّضح لنا كيف أنّ السّيرة المعصومة تتشخّص لنا في الجانب القولي والفعلي، فُيعرف أنَّ ما صدر مِن روايات قدْح للمُختار، فهي في إطار الكيد والمكر الرّحماني. هناك قوانين أُخرى ربّما سلفت الإشارة إليها في الحلقات الماضية، ولكنّي سأتحدّث عنها: ● قانون الحقائق : أنّ الحقائق تحمل قيمتها في نفسها، دون الحاجة إلى شيء يُضاف إلى تلك الحقائق. ● قانون التّطهير الحُسيني: أنّ الانتماء للحقيقة الحُسينيّة يُطهّر كُلّ شيء يتّصل بتلك الحقيقة. ● قانون الرّموز والإشارات .. وستعرفون المقصود مِن هذا القانون في الحلقات القادمة. ● قانون الأدعية والزّيارات .. سندرس شخصيّة المُختار وفقاً للأدعية والزّيارات الَّتي وردتْ عنهم صلوات الله عليهم. ملاحظة أخيرة: حين سلّطنا الضّوء على الجانب التّأريخي لشخصيّة المُختار، وثورة المُختار.. برغم أنّ هذه المعلومات مجزوءة وتعرّضتْ للتّحريف والتّصحيف.. رغم كُلّ ذلك، لكن هذه المُعطيات لا تخلو من الحقائق..فنستطيع أن نتلمّس الحقيقة الواضحة من كُلّ هذه المُعطيات، برغم أن الكُتب شيعية وهي كُتب سلبيّة تجاه المُختار. فنستنتج من كُلّ ذلك: اخلاص المختار لأهل البيت عليهم السَّلام، واخلاصهِ لقضيّتهِ، وإصرار المُختار لتحقيق هذا الهدف.. وأنَّ الانتقام من قتلة سيّد الشّهداء كان هاجساً عند المُختار لا يُفارقه أبداً..