شيعيٌّ أنا … لماذا؟ – الحلقة ٢ Show Press Release (7 More Words) شيعيٌّ أنا … لماذا؟ – الحلقة 2 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (6٬826 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم صَلَواتٌ تَتْرَى عَلَيْكَ سَيِّدِي يَا بَقِيَّة الله وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه شِيْعِيٌّ أَنَا… لِمَاذَا؟ الْحَلَقَةُ الثَّانِيَة أَشْيَاعَ الحُجَّةِ اِبْن الْحَسَنْ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيه إِخْوَتِيْ أَخَوَاتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ جَمِيْعَاً ذكرتُ في الحلقةِ الماضيَة أنَّ حَديثي في هَذا البرنَامج يَدورُ حَول نُقطتين، وبَينتُ السببَ الَّذي حَداني لِتقديم هَذا البرنامج لا أعيدُ ولا أكرِّر. تَقدّم الحديثُ عن نُقطةٍ مِن هَاتين النُقطتين في الحَلَقةِ الماضيَة. النقطةُ الثانية الَّتي سأتحدّثُ عنها في هذه الحلقة وربّما في حلقاتٍ أخرى أيضاً ستأتي بعد هذهِ الحلقة، النقطةُ الَّتي سأتحدّثُ عنها: هو ما سَمِعتهُ من إِخوَتي وأخَواتي وأبنَائِي وبَناتي المؤمنون بِعليٍّ وآلِ عليّ، القَادمون إلى سَاحة العِترة الطّاهرة بَعد أنْ هَجروا سَاحاتِ الجَفاءِ والقَطعيةِ مَع آلِ مُحَمَّدٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين، مُعاناتهم مَع أقربائهِم مَع أصدقائهِم مع أُسرِهِم ومَا يَلقونهُ مِن شِدّةِ وطأَةِ ذَلك، وكَانَ الحديثُ لو طُرِحَ بَحثٌ عَلى دَرجةٍ عَاليةٍ أو بيّنةٍ مِن الوضُوحِ والإِقناع لربّما عَرضوه على عوائلهِم على ذويهِم كي يَكون عُذراً بأيديهِم أنْ عَدلوا عَن ماضٍ يجفون فِيه أَهل البيت إلى حاضرٍ يتواصلون فيهِ مَع أهل بيت العصمَة صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين. لا أُطيلُ كَثيراً في المُقدِّمة وأَذهبُ بنحوٍ مُستقيم إلى حَديثٍ يَنقلهُ لنَا المُفضَّل ابن عُمر عَن إمامنا الصّادق صلواتُ اللهِ وسلامُه عَليه، لكنّني قبلَ أنْ أتلُوَ عَلى مَسامعكُم ما جَاء في كَلام المُفضّل ابنِ عُمر وهُو مقدّمةٌ لكتابٍ معروف لكتابِ التَوحيد للمُفضّل ابنِ عُمر، سَأتلو عليكم سُطوراً مّما جاء في مقدِّمةِ هذا الكتاب. لكنّني أقول: الجَدَل لمْ يَكُن في يومٍ مِن الأيّام سَبيلاً للهدَاية، وأَهلُ بيت العِصمة لمْ يَستعملوا الجَدَلَ سَبيلاً لهداية النّاسِ إلّا اضطِراراً، الجَدَلُ لا يَقودُ إلى الحقِيقة، الجَدَلُ في الأعَمِّ الأغلب هُو عِنادٌ فِكري، والعناد الفكري والعِنادُ العَقائدي لا أعتقد أنَّ طرفاً من طرفي العِناد سيُذعن للحقائق حتّى لو كَانت بيّنة، لذلك فإنَّ المُتغلِّبَ أو الفائِزَ في الجَدَل لا يدلُّ فوزهُ ولا تَدلُّ غلبتُهُ على أحقيّتهِ، لأنَّ الجَدَل لُعبة، تَلاعُب بألفاظ، بمصطلحات، بمفاهيم، تَرتيب لقواعِد فِكرية وعَلى ضَوء ذَلك التَرتيب والترَكيب بينَ بديهيات ومُستنتجات من تلكم البديهيات، بينَ قواعد وفروع لتلك القواعد الشّيءُ إمّا أنْ يكون كذا وكذا وكذا، فإنْ كان كذا فإنَّ الأمر كذا وعلى هذِه الطريقة، الجَدَلُ لا يُوصلُ إلى الحقِيقَة لكنَّ الإنسانَ قد يضطرُ لاستعمالهِ حِينما يُحشر في زَاويةٍ مُعيّنة، مِن هُنا الأئمَّة صلواتُ اللهِ عليهم أمروا بعض أصحابهم أنْ يتعلَّموا علم الكلام علم الجَدَل لأجلِ المُنافَحةِ الإعلامية، لأجلِ أنْ لا يُقال أنَّ أصحاب الإمام الصّادق مثلاً لا يُحسنون الدّفاع عن عقائدهم، وإحسانُ الدّفاع عن العَقائدِ ليسَ محصوراً بهذهِ الطَريقة لكنّ هذه الطريقة كانت هي الشائعة، المشكلةُ أنَّ هذا الجَدَل ما سُمِّي بعلمِ الكلام تَحوّل إلى مصدرٍ علميٍ لعقائدنا ولا أُريد الآن الخوض في هذهِ القضية. لكنَّ نصيحتي لإخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي أنْ لا يتجهُوا باتجاه الجَدل، الجَدَل لا يُوصلُ إلى الحقائق، ولا يكون سبباً لهداية الآخرين، إلّا إذا اضُطروا إليه ولو اضطُروا إلى الجَدَل فليكُن الحوارُ حينئذٍ حواراً هادئاً رُبّما يُحرِّكُ شيئاً عندَ الطَرف المقابل ويثيرُ إثاراتٍ رُبّما تَجعلهُ يُدقِّق النَظر يُعيدُ الفكر، الحوارُ المُتشدِّد يَدفعُ الطَرف الآخر للعناد وهَذه هِي القضيةُ الطبيعية، أساساً الجَدَلُ ليس مفيداً ولكِن لو اضطرَّ الإنسانُ إليه فَليكُن الحوارُ حِواراً هادئاً، الحوارُ النّاعِم، رُبّما يُثير إثاراتٍ في ذِهن الآخر الَّذي يُجادل يُناقش يُحاور يثير إثاراتٍ قد تَدفعهُ للتَشكِيك فيمَا عِنده أو تَدفعهُ لإعادة النّظر والفكرِ حولَ القضيّة الَّتي يُدافع عنها أو يُعتقدُ بها أو يَدعو النّاسَ إليها. لذلك سأقرأ سطوراً من مقدّمةِ كتاب التَوحيد و هُو كِتابٌ أملاه إمامنا الصّادقُ على المُفضَّل ابن عُمر رضوان الله تَعالى عليه، المُقدِّمة مُهمّة، كلامٌ ينقلهُ المُفضَّل ابنُ عُمر عن السبب الَّذي جعلهُ يلجأُ إلى إمامنا الصّادق وإمامُنا الصّادق يُملي عليه ذلك الكتاب. الرواية ينقلها مُحمَّد ابن سنان من الغُلاة يعني من جماعتنا أو نَحنُ من جماعتهم كما يَقول الآخرون عنّي، مُحمَّد ابن سِنان حدّثنا المُفضَّل ابنُ عُمر هو أيضاً من الغُلاة ومَا ذنبُ الغُلاةِ إذا لم يُوردِوا كَذِبا!! وَقُلتَ ذَلِكَ مِنْ قَولِ الغُلاةِ ومَا ذَنبُ الغُلاةِ إِذَا لَمْ يُوردِوا كَذِبا روى مُحمَّدُ ابنُ سنان قَالَ حَدَّثَنا المُفَضَّلُ ابنُ عُمَر قَالَ: كُنْتُ ذَاتَ يَومٍ بَعدَ العَصْر – بعد العصر يعني بعد صلاة العصر – جَالِسَاً فِي الرَّوْضَة بَينَ القَبْرِ وَالْمِنْبَر – في مسجدِ النَّبيّ – وأَنَا مُفَكِّرٌ فِيمَا خَصَّ اللهُ بِهِ سَيَّدَنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ مِنَ الشَّرفِ وَالفَضَائِل ومَا مَنَحَهُ وَأعْطَاهُ وَشَرَّفَهُ بِهِ وَحَبَاه مِمَّا لا يَعْرِفُهُ الْجمْهُورُ مِنَّ الأُمَّة – الجمهور هذا المُصطلح كانَ يُستعملُ في المخالفين لأهل البيت لأنَّهم هم الأكثر عَدداً – مِمَّا لا يَعْرِفُهُ الْجمْهُورُ مِنَّ الأُمَّة وَمَا جَهِلُوهُ مِنْ فَضْلِه وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِه وخَطَرِ مَرْتِبَتِه – خطرُ المرتبة علو المرتبة – فَإنِّي لَكَذَلِك إذْ أَقْبَلَ ابنُ أبي العَوجَاء – عبد الكريم ابنُ أبي العوجاء من رموز الدهريّين، هذا المُصطلح الدهريون؛ يعني الطبيعيين، بعبارة أخرى، في زماننا هذا يُقال لهم الملاحدة، وهذا كان من كِبارِ رؤوسِهم عبد الكريم ابن أبي العوجاء – فَإنِّي لَكَذَلِك إذْ أَقْبَلَ ابنُ أَبِي العَوجَاء فَجَلَسَ بَحَيثُ أَسْمَعُ كَلَامَهُ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهِ الْمَجْلِسْ إذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ – الكلام أين؟ في مسجدِ النَّبي:- إذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيه فَتَكَلَّمَ اِبنُ أَبِي العَوْجَاء فَقَالْ: لَقَدْ بَلَغَ صَاحِبُ هَذَا القَبْر – يُشير إلى رَسُولِ الله – العِزَّ بِكَمَالِه وَحَازَ الشَّرِفَ بِجَمِيعِ خِصَالِهِ وَنَالَ الحُظْوَةَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ – هو يتحدَّث من جهةٍ دنيوية – فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إنَّهُ كَانَ فَيْلَسُوفَاً اِدَّعَى المَرْتِبَة العُظْمَى وَالْمَنْزِلَةَ الكُبْرَى وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ بَهَرَت العُقُول وضَلَّتْ فِيهَا الأَحْلَامْ وَغَاصَت الأَلْبَابْ عَلَى طَلَبِ عِلْمِهَا فِي بِحَارِ الفِكْر فَرَجَعَت خَاسِئَاتٍ وَهِيَ حَسِير فَلَمَّا اسْتَجَابَ لِدَعْوَتِهِ العُقَلَاءُ والفُصَحَاءُ والخُطَبَاء دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِهِ أَفْوَاجَاً فَقَرَنَ اسْمَهُ بَاسْمِ نَامُوسِه – يشير إلى الله سبحانه وتعالى، وكلمة ناموس، مصطلح أتى من الديانات السابقة، في الديانات السابقة يستعملون هذا المصطلح، مثلاً في الديانة المسيحية في الديانة اليهودية، يقصدون بالناموس: الملاك الَّذي يأتي بالوحي إلى الأنبياء، وتستعمله الديانات الأخرى المراد من النّاموس الجهة الَّتي من خلالها يأخذ هذا الزعيم الديني هذا النَّبي يأخذ علمهُ، الجهة الَّتي توحي إليه. فَقَرَنَ اسْمَهُ بَاسْمِ نَامُوسِه فَصَارَ يَهْتِفُ بِهِ أو يُهْتَفُ بِهِ عَلَى رُؤُوسْ الصَّوامِعِ فِي جَمِيعِ البُلْدَانْ والْمَواضِع الَّتِي انْتَهَت إِلَيهَا دَعْوَتُه وَعَلَتْ بِهَا كَلِمَتُه وَظَهَرَت فِيهَا حُجَّتُه بَرَّاً وبَحْرَاً وَسَهْلَاً وَجَبَلَاً فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيلَة خَمْسَ مَرَّات مُرَدَّدَاً فِي الأَذَانِ والإِقَامَة لِيَتَجَدَّدَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ذِكْرُه لِئَلَّا يَخْمَلَ أَمْرُه، فَقَالَ ابْنُ أَبِي العَوْجَاء: دَعْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه – قطعاً ابن أبي العوجاء لا يقول ذلك، وإنّما هذا هو قول المُفضَّل صلّى اللهُ عليهِ وآلِه – فَقَالَ ابْنُ أَبِي العَوْجَاء: دَعْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ فَقَد تَحَيَّرَ فِيهِ عَقْلِي وضَلَّ فِي أَمرِهِ فَكْرِي وَحَدِّثْنَا فِي ذِكرِ الأَصْلِ الّذِي يَمْشِي بِه – في ذكرِ الأصل الَّذي يمشي به؛ يعني دينهُ، فكرهُ – ثُمَّ ذَكَر اِبْتِدَاءَ الأَشْيَاء وَزَعَمَ أنَّ ذَلِكَ بِإهْمَال لا صُنْعَةَ فِيهِ وَلَا تَقْدِير – يعني صُدفة هذا المقصود – ثُمَّ ذَكَر اِبْتِدَاءَ الأَشْيَاء وَزَعَمَ أنَّ ذَلِكَ بِإهْمَال لا صُنْعَةَ فِيهِ وَلا تَقْدِير وَلَا صَانِعَ لَهُ وَلا مُدَبِّر بَلْ الأَشْيَاء تَتَكَوَّنُ مِنْ ذَاتِهَا بِلا مُدَبِّر – هذه عقيدة الدهرية – وعَلَى هَذا كَانَتْ الدُّنْيَا لَمْ تَزَل وَلا تَزَال، قَالَ المُفَضَّلُ: فَلَمْ أَمْلِك نَفْسِي غَضَبَاً وَغَيظَاً وَحَنَقَاً، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ الله أَلْحَدْتَ فِي دِينِ الله – كما قُلت الآن يُسمّون بالملاحدة، هو هذا الإلحاد – فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ الله – يخاطب ابن أبي العوجاء – أَلْحَدْتَ فِي دِينِ الله وَأنَكَرتَ البَارِي جَلَّ قُدْسُه الّذِي خَلَقَكَ فِي أَحْسَنِ تَقَويِم وَصَوَّرَكَ فِي أَتَمِّ صُوْرَة وَنَقَلَكَ فِي أَحْوَالِكَ حَتَّى بَلَغَ بِكَ إلَى حَيثُ انْتَهَيت فَلَو تَفَكَّرْتَ فِي نَفْسِك وَصَدَقَكَ لَطِيفُ حِسِّك لَوجَدْتَ دَلَائِلَ الرُّبُوبِيَّة وَآثَارَ الصُّنْعَةِ فِيكَ قَائِمَة وشَوَاهِدَهُ جَلَّ وتَقَدَّس فِي خَلْقِكَ وَاضِحَة وَبَراهِينَهُ لَكَ لَائِحَة – انتفض المُفضَّل في وجهِ ابن أبي العوجاء، فماذا قال لهُ ابنُ أبي العوجاء؟ انتبهوا لكلامهِ – فَقَالَ: يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الكَلَام – يعني من أهلِ الجَدَل من عُلماءِ عِلمِ الكلام وما هو بعلم في الحقيقة ولكنْ هكذا يُسمّونه – فَقَالَ: يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الكَلَام كَلَّمْنَاك فَإِنْ ثَبَتَ لَكَ حُجَّة تَبِعْنَاك وإنْ لَمْ تَكُن مِّنْهُم فَلَا كَلَامَ لَكْ – يعني أنتَ لا تمتلك القُدرة على النقاش – وإنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّد – يعني أصحاب الكلام مجموعة وأصحاب جعفر ابن مُحَمَّد مجموعة، لا علاقة لهم بعلمِ الكلام، وإنّما يتعلّمون علم الكلام لأجلِ مجادلة الآخرين. يعني الدهريون أعرف من كثير من علمائنا ومراجعنا هؤلاء الَّذين يشترطون أخذ العقائد من علم الكلام هؤلاء يعرفون أنَّ أصحابَ جعفرِ ابن مُحَمَّد لا علاقة لهم بعلم الكلام، وإنّما يدخلون في الجَدَل لأجلِ الجَدَل للمنافحة، فمصدر العلم والعقيدةِ الكتاب والعترة بعيداً عن علمِ الكلامِ وقواعدهِ وما وضعوا فيه من أساليب استخرجوها من عند أنفُسهم – يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الكَلَام كَلَّمْنَاك فَإِنْ ثَبَتَ لَكَ حُجَّة تَبِعْنَاك وإنْ لَمْ تَكُن مِّنْهُم فَلَا كَلَامَ لَكْ وإنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِق – ماذا يقول ابنُ أبي العوجاء؟ – فَمَا هَكَذَا يُخَاطِبُنَا – حِوارُهُ هادِئ ليس بهذه القوّة بهذه الشدّة – وإنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِ جَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِق فَمَا هَكَذَا يُخَاطِبُنَا وَلَا بِمثْلِ دَلِيلِك يُجَادِلُنَا وَلَقَدْ سَمِعَ مِنْ كَلَامِنَا أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْت فَمَا أَفْحَشَ فِي خِطَابِنَا ولَا تَعَدَّى فِي جَوابِنَا وَإنَّهُ لَلْحَلِيمُ الرَّزِين العَاقِلُ الرَّصِين لا يَعْتَرِيهُ خَرْقٌ ولَا طَيشٌ ولَا نَزَقْ، وَيَسْمَعُ كَلَامَنَا وَيُصْغِي إِلَيْنَا وَيَسْتَعْرِفُ حُجَّتَنَا حَتَّى اسْتَفْرَغْنَا مَا عِنْدَنَا وَظَنَنَّنا أنَّا قَدْ قَطَعْنَاه أَدْحَضَ حُجَّتَنَا بِكَلَامٍ يَسِير وَخَطَابٍ قَصِير يُلْزِمُنا بِهِ الحُجَّة وَيَقْطَعُ العُذْر ولا نَسْتَطِعُ لِجَوابِهِ رَدَّاً فَإنْ كُنْتَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَخَاطِبْنَا بِمثْلِ خِطَابِه. هذا هو الَّذي دعوتكم إليه الحَوار الهَادئ، الحوارُ الهادئ رُبّما يُثيرُ في نفوس الآخرين رُبّما يُثيرُ أموراً تدفعهُ للتفكُّر أو على الأقل يُخفِّف من حِدَّة العِنادِ ومن شِدَّةِ وطأةِ الآخرِ عليكم، حينما تُعرض الأفكار بأسلوب هادئ وبطريقة هادئة وبشكلٍ واضح من دونِ تجريحٍ وتعنيفٍ بالطرفِ الأخر رُبّما يكون ذلك سبباً لأنْ تُفتح نافذة أمام ذلك الآخر أو رُبّما تهدأ حالة التَشنُّج فيما بينكم وبين أُسرِكم، بين أصدقائكم. سأستعرضُ الكتابَ الكريم وسيكون دليلنا في الحديث هو قُرآننا، لن أعتمدَ حَديثاً من حَديثهم الشريف، لنْ أرجع إلى كتابٍ شيعي، الكلامُ من القُرآنِ وإلى القُرآنِ اعتماداً على اللغة وإذا احتجت إلى حديثٍ فإنّي سأرجعُ إلى صحيحِ البُخاري. سورة الأحزاب، لو عندنَا من القُرآن سُورة الأحزاب فقط تَكفينا أن نستكشف من خلالها الحقَّ والحقيقة، نذهب إلى الآية الحادية والعشرون من سورة الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} السورةُ هنا ترشدنا إلى هذا العنوان عنوان: الأُسْوَة، رسولُ الله هو أسوتنا، كيف نتواصلُ مَع هذهِ الأُسْوة؟ الآية واضحة وصريحة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} من كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً أسوتهُ رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِه. سورة الأحزاب تحدّثت عن مجموعاتٍ ثلاثة: تحدّثت عن صحابة النَّبي، وتحدّثت عن نساء النَّبي، وتحدّثت عن هذا العنوان: أهلُ البيت. إذاً عندنا: • مجموعة الصحابة. • مجموعة نساء النبي. • مجموعة أهل البيت. وهذهِ المجموعات هيَ المجموعات الَّتي عاصرت النَّبي وعاش النَّبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه معها، وهذه المجموعات هي أقرب المجموعات إلى رسول الله، وإذا أردنا أن نعرفَ تفاصيل الأسوة فإنَّ هذهِ المجموعات هي التي يمكنْ أنْ تُوصل لنا هذهِ التفاصيل، هذهِ المجموعات هل كانت متوافقة الصحابة، نساء النَّبي، أهل البيت؟! الواقع العملي والتأريخ يُفصِّل لنا الحقائق أنَّ هذهِ المجموعات اختلفت فيما بينها، لا أُريد أنْ أقفَ طويلاً عند مسألة الاختلاف بين هذهِ المجموعات، فلربّما الآخر يقول: بأنَّ الشيعةَ تُضخّم قضية الاختلاف، لا نريد أنْ ندخل في مناقشة هذهِ القضية. ما جاء في سورة الأحزاب، هذه الآيات الَّتي تتحدّث عن واقعة الخندق، الآية العاشرة وما بعدها: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من الَّذينَ جاؤوا؟ الأحزاب، {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} هؤلاء هم الصحابة، وهؤلاء هم خيرةُ الصحابة، في زَمن واقعة الخندق لم يكُن الكَثير من قبائل العرب قد اعتنق الإسلام، هؤلاء هم الجيلُ الأوّل {وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} وهم جزءٌ من المجتمع المدني وجزءٌ من مجتمع الصحابة {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} هؤلاء جزء من المسلمين {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} الله يقول: {مَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ؛ {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} يعني يُمكن أنْ تكون هدفاً للأحزاب {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ} هؤلاء هم الصحابة {لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}. هذا هو جَوُّ الصّحابة، لن يجرؤ أحد فيقول: بأنَّ عليّاً جزءٌ من هذا الوصف لنْ يستطيع، عليٌّ لا من شأنهِ الخوف ولا من شأنهِ الهزيمة ولا من شأنهِ الفِرار والمعركةُ تمّت بنصرِ النَّبيّ بسيفِ عليّ والقضيةُ معروفة، لا أريد أنْ أقف عندها طويلاً، عليٌّ ليس جزءاً من هذه الآيات، لكنَّ الآيات تشمل جميع الصحابة ولنْ تجدَ أحداً يقول: بأنَّ هذه الآيات تتحدّث عن مجموعةٍ معيّنةٍ من الصحابة، الحديث عن الجميع، المستثنى رسولُ الله وعليٌّ. فهذا الوصف: {وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} هذا الوصف لا ينطبقُ على عليٍّ، تأريخُ عليٍّ يرفضُ هذا الوصف والَّذي جرى منه في واقعة الخندق يقول صريحاً بأنَّ هذهِ الأوصاف لا تنطبقُ عليه، الصحابةُ بَشر يُخطئون يُصيبون ولكن هذه الظاهرة هذه الأوصاف هذا الرُّعب الَّذي ملأ قُلوبهم والحديث عن الفرار: • {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} هذا الخلل العقائدي. • والتكذيب لرسول الله {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}. • والكذب على رسول الله {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}. هذه القضية قضية متكررة. إذا ما ذهبنا إلى سورةِ آلِ عمران سنجد أنَّ القضية متكررة، في الآية الثانية والخمسون بعد المئة وما بعدها، نقرأُ الآيات: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} حينما فرَّ الصَّحابةُ في واقعة أُحُد {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فرَّ الصَّحابةُ والرَّسولُ بنفسهِ يدعوهم في أخراهم وما استجابوا له، سؤالٌ هنا يطرحُ نفسه: إذا كانَ رَسُولُ الله بنفسهِ يدعوهم فلا يستجيبون له، فرّوا خوفاً جُبْناً هَلَعاً سَمّي ما شئت، السؤال هنا: هل يُمكن أن يستجيبوا لأحدٍ يستغيثُ بهم؟! الجواب واضح نستمر، إلى أنْ تقول الآية الخامسة والخمسون بعد المئة: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }. نحنُ لا نريد أنْ ننتقصَ من الصحابة لكنَّ الآيات واضحة الشيطان استزلّهم، الله عفا عنهم، إذاً نحنُ نتحدّث عن مجموعةٍ من البشر تُخطئ وتُصيب، كما قال القُرآن: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} قطعاً الَّذي يريد الدُّنيا لا يكونُ مُشابهاً للّذي يريدُ الآخرة، كما في الأحاديث الدنيا والآخرة ضرّتان في حالة عِناد، الَّذي يريد الدنيا له منهجهُ وله طريقه والَّذي يريد الآخرة لهُ منهجهُ ولهُ طريقه، طريقان مختلفان مئة في المئة. إذا نذهب إلى سورة الأنفال في الآية الخامسة بعد العاشرة والَّتي بعدها -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} عفا الله عنه لنْ تكون جهنّم مأوىً له لكنَّه كان في مقطعٍ من مقاطع حياتهِ محلّاً لغضبِ الله، الآية واضحة: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} يعني لِخُطَّةٍ في المعركة انسحاب ضمن خطة {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} أو ينتقل إلى مجموعة أخرى لأجلِ إعانتها فينسحب من هذا المكان كي يلتحقَ بمجموعة أخرى، إنْ لم يكن الْمُنسحب من ساحة المعركة ليس متصفاً بهذين الوصفين {فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ} فهو في حال فرارهِ صار موضعاً لغضب الله سبحانه وتعالى وغضبُ الله له آثارُه، آثار تكوينية آثار تشريعية آثار نفسية آثار أخلاقية آثار على العاقبة قانون البداء هُنا يتحرّك في تقديرِ الأجل في تقدير الرزق قانون التوفيق والخذلان هنا يتحرّك. إذا نذهب إلى سورة التوبة وإلى الآية الخامسة والعشرين: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} هذا الفرار في حُنين متى كان؟ كان بعد بيعة الشجرة الَّتي يستدلُّ بها السُنّة على أنَّ الله سُبحانهُ وتعالى قد رَضيَ عن الصّحابة في بيعة الشجرة ولذا كان العباس يُنادي الصّحابة الفارين: يا أصحاب سورة البقرة يا أهل بيعة الشجرة، كان هكذا يُناديهم العباس ابنُ عبد المطلب لكي يُحمّسهم لعلّهم يعودون إلى ساحة المعركة. الَّذي جاء في سورة الفتح في الآيةِ العاشرة: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} هذا الفِرار في حُنين بعد هذهِ البيعة، يعني هو نكث لهذه البيعة {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} هذهِ البيعة قبل فتح مكّة، وحُنين وقعت بعد فتح مكّة {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. الآية الثامنة بعد العاشرة من سورة الفتح: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} هؤلاء الَّذين بايعوا تحت الشجرة فرّوا في حُنين فإذاً مضمون الآية انتفى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} الله عفا عنهم بعد ذلك بعد حُنين ذلك موضوع آخر، نحنُ هنا لا نريد أنْ نحكم على الصحابة صحابة النَّبي لهم منزلتهم ولكن هذا هو القرآن. في سورة الأحزاب الآيات واضحة أنَّ الصّحابة كانَ موقفهم في غاية الضعف وفي غاية الانهزام، فقد بلغت قلوبهم إلى حناجرهم كما وصفهم القُرآن الكريم وقد ظنّوا باللهِ الظنونا، هناك خلل عقائدي واضح. وفي سورة آل عمران الرسول يدعوهم في أخراهم وهم قد فرّوا ولا مُجيب لكنْ هل يقول قائل بأنَّ هذه الآيات تتحدّث عن عليٍّ؟! يا جماعة صاحبنا ما يشرد هو هذا السبب الَّذي نحتمي به، يعني في حال الشدائد عندك صديقان صديقٌ لا يتركك وصديق يفرّ بمن تحتمي؟ صاحبنا لا يخاف ولا يشرد من ساحة المعركة، الآيات في سورة الأحزاب واضحة، الآيات في سورة آل عمران في واقعة أُحُد واضحة لم يبقى إلّا عليٌّ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، في حُنين كذلك، خيبر قضيتها معروفة ولكنْ لم ترد آيات صريحة بخصوص خيبر وبخصوص فِرار الصّحابة ورجعَ أبو بكرٍ ورجع عُمر فَارّاً يُجَبِّنُ أصحابهُ ويُجَبِّنُونَه، هذا مذكور في كتب التأريخ في كتب السِّير في كتب الحديث، الفِرار واضح الله تاب عليهم بعد ذلك هذا موضوع آخر، الصّحابة هذا هو حالهم هذا هو موقفهم. إذا أردنا أنْ نذهب إلى سورة الفتح، آخر آية من سورة الفتح: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ} مَثَلُهُم؛ يعني صِفَتَهُم {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} كُلّ هذه الأوصاف واضحة، لكن في آخر الآية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم} الوعد لبعضهم، الآية ما قالت وَعَدَهُم الله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} فالآيةُ لا تتحدّثُ عن الجميع، إنّما تتحدّثُ عن بعضهم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وهذه المضامين تتطابق مع سائر الآيات القُرآنية الأخرى وحتّى مع الأحاديث الَّتي جاءت في صحيح البخاري في صحيح مُسلم سنأتي على نماذج من هذه الأحاديث. إذا نذهب إلى سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} حديثُ الإفك ولنمشي مع الرّواية السنيّة بأنَّ هذه التُهمة كانت موجّهة لعائشة، القذف الّذي قُذفت به عائشة {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} يعني من المسلمين يعني من الصحابة، الصحابةُ يتّهمون عائشة زوجة النَّبي، يتهمون زوجة نبيّهم، والقضيَّة معروفة في كتب التفسير في كتب التأريخ في كتب السير أنَّ مجموعة من الصحابة اتهموا عائشة بالزنا وبالفاحشة مع صفوان ابن المعطل وهذهِ قضية مذكورة في الكُتب وإنْ كُنَّا نحنُ في أحاديثنا في رواياتنا القضية تأخذ اتجاهاً آخر، لكن هذا هو الموجود في كتب السُنّةِ وسنسير مع هذا الاتجاه، ثُمَّ نزلت الآيات في تبرئة عائشة، ليس الحديث الآن عن عائشة وعن واقعة الإفك، الحديث عن مجتمع الصحابة هؤلاء هم الصحابة: • هؤلاء هم الصحابة الَّذينَ يظنون بالله الظنون. • هؤلاء هم الصحابة الَّذينَ فرّوا ورسول الله يدعوهم في أخراهم. • هؤلاء هم الصحابة الَّذين بايعوا بيعة الشجرة ونقضوها ففروا في حُنين، هؤلاء هم الصحابة هم نفسُهم. • هؤلاء هم الصحابة الَّذين جاءوا بالإفك. أنا هنا لا أتحدّث عن الجميع، أنا أتحدّث عن مجموعة الصحابة، هذهِ أوصاف وهذهِ خصائص وهذه حقائق ووقائع موجودة في مجموعة الصحابة. إذا نذهب إلى سورة الحُجرات في سورة الحُجُرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} من هم هؤلاء؟ هؤلاء هم الصحابة، هذهِ الأوصاف: • {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} هؤلاء صحابة القرآن يصفهم بأنَّهم لا يعقلون وهم يُسيئون الأدب مع رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِه. • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} ماذا يحدث؟ {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. • {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} هذا مدح لبعض الصحابة ولكن الحديث {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}. إذا ما ذهبنا إلى صحيحِ البخاري هذه الطبعة طبعة دار صادر، الطبعة الأولى 2004 ميلادي، 1425 هجري، الطبعة الَّتي كتب مقدِّمتها نواف الجراح، بيروت، لبنان، إذا ما ذهبنا إلى كتاب تفسير القرآن أحد كتب صحيح البخاري، باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، رقم الحديث 4845، بسندهِ: عن ابن أبي مُليكَة – ماذا قال؟ – كَادَ الخَيّرَان – يشير إلى أبي بكرٍ وعُمر – كَادَ الخَيّرَان أنْ يَهلَكَا أبَا بَكرٍ وعُمر رَضيَ الله عَنهُما رفعا أصواتهما عندَ النَّبي – إلى آخر الكلام، يعني هذه الآيات تتحدّثُ عن كبار الصحابة عن أبي بكرٍ وعُمر – كَادَ الخَيّرَان أنْ يَهلَكَا أبَا بَكرٍ وعُمر رَضيَ الله عَنهُما رفعا أصواتهما عندَ النبي – ثُمَّ يذكر الحادثة. الرواية الأخرى:4847، أيضاً عن ابنِ أبي مُليكة: أنَّ عَبدَ الله ابنَ الزُبير أخبرهُم أنَّهُ قَدِمَ رَكبٌ مِن بَني تَميم عَلَى النَّبي فقالَ أبو بَكر: أَمِّر القَعْقَاع ابنَ مَعْبِد، وَقَالَ عُمر: بِل أَمِّر الأقرعَ ابنَ حابس، فقالَ أبو بكر: ما أردتَ إلّا خِلافي، فقالَ عُمر: ما أردتُ خِلافك، فتماريا حتّى ارتفعت أصواتُهما – تماريا؛ أي دخلا في نقاش في جَدَل – فَنزلَ في ذَلِك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} حتى انقضت الآية – يعني هذهِ الآيات الموجودة في سورة الحُجُرات، هذهِ بحسبِ صحيح البخاري في أبي بكرٍ وعُمر. هذا هو مجتمع الصحابة، نحنُ لا نريد أنْ نُنقِص من شأنِ الصحابة ولكنْ مجموعةُ الصحابة هذا هو حالها، مجموعةٌ تظنُ بالله الظنون، مجموعةٌ تكذب على رسول الله إنَّ بيوتنا عورة وما هي بعورة، مجموعةٌ منهزمة فارّة، الرسولُ يدعوهم في أخراهم وهم لا يلتفتون، خوفٌ ذريع وفرار في واقعة الخندق، وفرار قبلها في واقعة أُحُد، وفرار في حُنين في خيبر القضية متكررة. حديثُ إفكٍ من نفس الصحابةِ يتهمون زوجة النَّبي، صحابةٌ هم كبار الصحابة، هم خلفاء المسلمين بعد ذلك يُسيئون الأدب يسيئون التصرّف بين يدي رسول الله فينزل هذا القُرآن كما قال ابنُ أبي مُليكة في رواية البخاري كاد الخيّران أن يهلكا، يعني أبا بكرٍ وعُمر، وهذه صورٌ مقتضبة. إذا ذهبنا إلى التفاصيل الَّتي ذُكرت في كتب التأريخ فالقضية أنكى وأنكى وأنكى، وإذا ذهبنا إلى ما هو موجودٌ في روايات الشيعةِ فالقضيةُ أسوأ من الأنكى والأنكى، لكنّني لن أذهب إلى الروايات الشيعية ولنْ أذهب إلى التفاصيل التأريخيةِ الموجودةِ في كتب السُنّة باعتبارِ أنَّهم سيقولون هذهِ رواياتُ وأحاديث المؤرخين ونحنُ لا نعتقدُ بها، لذا فالكلام مع آيات الكتاب الكريم اعتماداً على اللغة العربية الواضحة وما جاء في صحيح البخاري. في سورةِ الأحزاب الآيات الَّتي تتحدّث عن نساء النَّبي صلّى اللهُ عليهِ وآلِه، الآية الثَّامنة والعشرون وما بعدها، المجموعة الثّانية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} فاحشة مُبيّنة يعني فاحشة يتطلب إثباتها الشهود، والفواحش الَّتي يتطلب إثباتها الشهود معروفة، الزنا وسائر الفواحش الأخرى الَّتي يتطلب إثباتها الشهود {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} ماذا يُستشعرُ من هذه الآيات؟ يُستشعرُ من هذهِ الآيات أنَّ نساء النَّبي بذاتهنّ لا يملكنَ ميزة وإنّما المقام الاجتماعي لهنَّ يترتب على هذا المقام الاجتماعي أنَّ عذابهُنَّ يكون مُضاعفاً، بشكلٍ ذاتي لا توجد ميزة، لو كانت توجد ميزة بشكلٍ ذاتي لَمَا خَاطبَ الله نساء النَّبي {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} فحينما يُخاطِبُ القُرآن نساء النَّبي بهذا الخطاب، فنساءُ النَّبي كنساء الأُمَّة، مثل ما بقيَّة نساء الأُمَّة نساء المسلمين يمكن أنْ يصدرَ منهنَّ الفاحشة يمكنْ أنْ تصدر الفاحشة من نساء النَّبي، هذا هو الَّذي يُفهم من الآيات القرآنية {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} باعتبار المقام الاجتماعي الَّذي تترتب عليه تكاليف شرعية {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} لَستُنَّ كأحدٍ من النِّسَاء لا من الجهة الذاتية، لو كان هذا من الجهة الذاتية لَمَا استمرّت الآية فتقول {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} يعني يمكن أنْ يصدر منهنَّ عدم القرارِ في البيوت ويمكن أنْ يصدر منهنَّ التبرُّج {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} يعني يمكن أنْ يصدُرَ منهنَّ الخُضوع بالقول {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} الخضوع بالقول؛ يعني أنَّ المرأة حينما تتكلّم تَتكلَّم بنحوٍ بطريقةٍ يمكن أنْ تكون تلك الطريقة مُثيرة أو أنْ يكون نفسُ الكلام ليس سديداً {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} الآيات واضحة جداً. وإذا ذهبنا إلى موطنٍ آخر من نفسِ سورة الأحزاب، الآية الثالثة والخمسون، ماذا تقول؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} غير ناظرين إناهُ؛ يعني إذا دُعِيتم فاذهبوا وقتَ الإطعام لا تذهبوا إلى بيت النَّبي قبلَ أنْ يكونَ ذلك الطعام جاهزاً، قبلَ أنْ يكون ذلك الطعام قد طُبِخ ونَضُج {إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ} غير ناظرين؛ يعني غير منتظرين حتّى ينضج {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ} يعني إذا سألتم نساء النَّبي {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يعني قُلوبُ الصحابة وقلوب نساء النَّبي على حدٍّ سواء قلوب بشرية عادية {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} وبعضُ الصحابة من كبارِ الصّحابة حينما نزلت هذه الآيات قال: بأنّه سيتزوج ابنة عمّهِ بعد رسول الله، بغضِّ النظر هذه الرّواية صحيحة غير صحيحة يقبلها السُنّة نحنُ لا نريد أنْ نُدخِلها في البحث وإنّما الكلامُ جرَّ الكلامُ إليها. هذه الآيات إلى أيِّ شيءٍ تُشير؟ تُشير إلى أنَّ هذه المجموعة من البشر، نساءُ النَّبي لا تمتلك مواصفات ذاتية كما أنَّ الصحابة، مع فضل الصحابة، مع فضل نساء النَّبي، الصحابة لهم منزلتهم، نساء النبي لهنَّ منزلتهن ولكن لا توجد مميزات ذاتية، لو كانت هناك مميزات ذاتية في الصحابة لَمَا صَدَرَ الَّذي صَدَرَ منهم، ولو كانت هناك مميزات ذاتية في نساء النَّبي لَمَا جاءت الأوصاف بهذه الطريقة: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. أو ما جاء في الآيات السابقة: {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} ؛ {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}. كُلُّ هذه الأوصاف تُشير إلى أنَّ هذهِ المجموعة لا تمتلك مواصفات ذاتية، وإنّما الصّحابةُ بشرٌ عاديون ونساءُ النَّبي أيضاً من نفسِ المستوى الَّذي عليه الصحابة. نعود إلى هذا المقطع الَّذي جاء في وسط الآيات: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} لا نريد أنْ ندخل في جَدَل وهلْ هذا المقطع يتحدّث عن نساء النَّبي، أنا أقول: يُحَكِّم الإنسان وجدانه وينظر إلى الآيات، أوّلاً: الضمير تحوّل إلى ضمير مذكّر، تحوّل الضمير إلى ضمير مذكّر يعني أنَّ هذه العبارة لا علاقة لها بالضمائر المؤنّثة: {إنْ كُنْتُنَّ} ؛ {تُرِدْنَ} ؛ {فَتَعَالَينَ} ؛ {أُمَتِّعْكُنَّ} ؛ {أُسَرِّحْكُنَّ} ؛ {كُنْتُنَّ} ؛ {تُرِدْنَ} ؛ {مِنْكُنَّ} ؛ {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ} ؛ {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} ؛ {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} ؛ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ} ؛ {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ؛ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} الضمائر ضمائر مؤنّثة من أولها إلى آخرها. حينما يأتي الكلام هنا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} واضح الكلام ليسَ موجّهاً إلى هذه المجموعة المؤنثة، كلام مذكّر. فضلاً عن ذلك إذا أردنا أنْ نُدقِّق النّظر في الآيات السابقة واللاحقة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} الآية هنا قالت {أَهْلَ الْبَيْتِ} لماذا لم تَقُل: إنَّما يُريدُ الله ليُذْهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أهلَ هذهِ البُيُوت، أهلَ البُيُوت؟ هذا مُصطلح هُنا: أهلُ البيت؛ مُصطلح، لو كان الحديث عن بيوت نساء النَّبي فإنَّ الحديث هنا {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} والآية التي بعد آية التطهير {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} وحتّى الآية الثالثة والخمسون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} إذاً هذا البيت المذكور في آية التطهير لا علاقة له بهذهِ البيوت. في الآية الثالثة والخمسين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} هذهِ بيوت النَّبي، أيّ بيوت؟ بيوت نسائه {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقَرنَ في بيوتكنّ: هذهِ بيوت النبي. أمّا أهل البيت هذا مُصطلح يدخلُ فيه النَّبي صلّى اللهُ عليهِ وآلِه، والَّذينَ ينطبقُ عليهم هذا المصطلح، المراد هنا من البيت عنوان مُصطلح وليس المراد من البيت هنا هو البيت الذي يُسكن، البيت الَّذي يُسكن هو هذا الَّذي أُشير إليه في الآيةِ الثالثةِ والخمسين من سورة الأحزاب من نفس السورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وبيوت النَّبي هذه هي الَّتي جاءت مذكورة في نفس السورة في الآيةِ الثالثةِ والثلاثين: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وفي الآيةِ الرابعةِ والثلاثين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} بيوت النّبي هي هذهِ. أمّا هذا العنوان: أهل البيت، هذا عنوان خاص بمجموعة، مجموعة ثالثة، هناك الصحابة، هناك نساء النبي، وهناك مجموعة ثالثة أهلُ البيت. لا أريد أنْ أدخل في نقاش هل المُراد من هذا التطهير تكويني أو تشريعي؟ قطعاً المراد تطهير تكويني ولكن لنذهب مع القول السنّي من أنَّ التطهير هنا تطهير تشريعي، يعني الله يريد من أهل البيت أن يتطهّروا، هذا المُراد من التطهير التشريعي، التطهير التكويني يعني العصمة يعني الكمال، أنَّ الله طهّرهم أساساً، أنّهم يمتلكون مواصفات ذاتية، لنترك القول بالتطهير التكويني وبالإرادة التكوينية وأنَّ الإرادة هنا تشريعية وأنَّ التطهير تشريعي. {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} هوَ واضح في الطهارة الكونية والتكوينية ولكنّهم يقولون: المراد المعنى التشريعي، يعني أنَّ أهل البيت هم يسعون إلى تطهير أنفُسهم والمعنى ليس واضحاً في الآية، الآية تقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} الله يريد {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ} هو الَّذي يُذهِب عنكم الرّجس {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} هو اّلذي يُطهّركم، فكيف تكون هذه الإرادة إرادة تشريعية؟! واضح الإرادة إرادة تكوينية، لكنّهم هكذا يقولون؟ نذهب مع ما يقولون من أنَّ الإرادة تشريعية وأنَّ المراد من الآية أنَّ الله يطلب من أهل البيت أنْ يتطّهروا، ونذهب مع هذا المعنى، نقول ومع هذا فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُكلِّفُ نفساً إلّا وسعها، فحينما كلَّف أهل البيت بهذا النوع من التطهير فهم يمتلكون خصوصية لذلك ما كلّف الصحابة ولا كلّف نساء النَّبي هذه الدرجة من التطهير، مع أنَّ التطهير هنا تكويني، لكنّنا نترك هذه القضية ونعتبر أنَّ القضية تكليفية وتشريعية كما يقولون. الله سبحانه وتعالى كلَّف أهل البيت بهذا التكليف لم يُكلّف الصحابة ولم يُكلّف نساء النَّبي، هذي قضية عالية ، درجة عالية من التطهير، تنقية، سنقف عند آية التطهير بعض الشيء ربّما في الحلقة القادمة أو إذا بقي متسع من وقت البرنامج. إذا دقّقنا النظر في الآيات الَّتي تتحدّث عن نساء النَّبي حينما تأتي هذه الآيات بهذه الطريقة بطريقة الوعد والوعيد وبطريقة التهديد {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} الَّذي يُخاطَب بهذه المُخاطَبَة لا يُمكنْ أنْ يُخاطَب {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} لا يُمكن. الَّذي يُخاطَب بهذا الخِطاب {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الَّذي يُخاطَب بهذا الخطاب لا يمكن أنْ يُخاطَب {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}. في الآية الثالثة والخمسين لو كانت قلوب نساء النَّبي مطهّرة بهذا التطهير الَّذي أُشيرَ إليهِ في آية التطهير لَمَا جاء في الآية الثالثة والخمسين {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فهل قلوب الصحابة أيضاً واقعة تحت معنى آية التطهير؟! معنى آية التطهير خاص بأهل البيت وأهلُ البيت مُصطلح، البيت هنا ليس مكاناً فيزيائياً أو مكاناً جغرافياً، البيت هنا عنوان معنوي عميق وهو عنوان للنَّبي ولمن دخل تحت هذا العنوان المعصومون صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين. النّاظر بدقّة إلى الآيات بحسب هذه الإشارات السريعة أنا لستُ في تفصيلٍ كامل للمسألة، التفصيل الكامل يؤدّي إلى إطالة حلقات البرنامج وأنا لا أريد أنْ أُطيل حلقات البرنامج أحاول أن أختصر الكلام بقدر ما أتمكّن، لأنّني أعلم إطالة حلقات البرنامج رُبّما يصعب على الآخرين أنْ يُتابعوها، النَّاس تريد معلومات سريعة، كما يقولون تحوّلت الثقافة من ثقافة الكتاب والتحقيق إلى ثقافة: ال (تيك أوي) يعني السّفري ثُمَّ تحوَلت إلى ثقافة الساندويج، ثُمَّ تحوّلت إلى ثقافة اللقمة، الآن الناس تبحث عن تغريدة على التوتير وتكتفي بتغريدة، الإطالة رُبّما تُقلّل الفائدة من الاستماعِ إلى هذا البرنامج، فأعتقد أنَّ النقاط الَّتي أشرتُ إليها إذا ما دقّقَ المُراجِع والنَّاظر إلى الآيات الكريمة وبإنصاف وبدقّة سيصل إلى هذهِ النتيجة الواضحة، هناك مجموعة الصحابة، هناك مجموعة نساء النَّبي، وهناك مجموعة ثالثة عنوانها: أهلُ البيت. وفعلاً في الواقع العملي وفي الواقع التأريخي هذه المجموعات موجودة على أرض الواقع، يُقرُّ بها الشيعةُ والسُنَّة على حدٍّ سواء، حتّى لو ذهب السُنَّة إلى إدخالِ نِساء النَّبي في أهل البيت فَعَلِيٌّ من أهلِ البيت وفاطمة من أهل البيت، إذا ما رجعنا إلى أحاديث البخاري وأحاديث مسلم سنجد أنَّ لعليٍّ مِيزة على أهل البيت بما فيهم نساءُ النَّبي وسنجد أنَّ لفاطمة مِيزة فتبقى الأولوية لعليٍّ وفاطمة وهذهِ قضية واضحة سنأتي على تناولها إذا بقي متسّع من الوقت أو في الحلقة القادمة إنْ شاء الله تعالى. في نفس سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} لنْ أذهب بعيداً إنّما أذهب إلى البخاري، أيضاً في باب تفسير القُرآن، ماذا يقول البخاري تحتَ هذا العنوان: باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} بحسب الطبعة الَّتي بين يدي صفحة: 867، الحديث 4797: عن كعب ابن عُجرة رَضيَ الله عنه قِيلَ يا رِسُول الله أمّا السَّلامُ عَلَيك فَقَدَ عَرَفْنَاه فَكيفَ الصَّلاة؟ فَقَالَ: قُولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا صَلّيتَ على آلِ إبرَاهِيم إنَّك حَميدٌ مَجِيد، اللَّهُمَّ بَارِك عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّد كَمَا بَاركتَ عَلَى آلِ إبرَاهِيم إنَّكَ حَميدٌ مَجِيد. وتتكرر الأحاديث، في نفسِ الباب وفي أبواب أخرى من صحيح البخاري إنّما جئتَ بهذهِ الرواية مثالاً. في ذهن المسلمين حينما يُقال: آل مُحَمَّد، حينما يُقال: أهلُ البيت، في ذهنِ المسلمين ما هو المعنى المُتبادر؟ هل المعنى المُتبادَر الصحابة؟ هل المعنى المُتبادر نساءُ النَّبي؟ أم المعنى المُتبادر من آلِ مُحَمَّد من أهل البيت فاطمة عليٌّ حَسَنٌ حُسَين، هذه العناوين المُتبادرة إلى الأذهان، حتّى لو أردنا أنْ نُشرِكَ نساء النَّبي تحتَ هذه العناوين فإنَّ نساء النَّبي يأتين بدرجةٍ ثانية، العنوان الأوّل المتبادر في أذهان المسلمين جميعاً من كلِّ المذاهب، العنوان الأوّل المُتبادر. الآن على سبيل المثال، هناك مزارات لأولاد النَّبي من سلالة النَّبي هناك مزارات موجودة في مختلف بلدان المسلمين في الكثير من البلدان السُنيّة، ماذا يُطلقون عليها؟ مزارات أهل البيت، لكن قبور نساء النَّبي في المدينة هل يُطلق عليها المسلمون بأنّها قبور أهل البيت؟ قبور نساء النَّبي هذهِ قضية واضحة، نحنُ لا نريد أنْ نذهب إلى جَدَل بما هو جَدَل، الجَدَل بَما هو جَدَل لا فائدة فيه لنْ يُوصل إلى حقيقة، ولكن هذه قضايا ملموسة، لَمَّا نقول أهل البيت، لَمَّا نقول آلُ مُحَمَّد، في أذهان كلِّ المسلمين المعنى المتبادر الأوّل فاطمة عليّ حسنٌ حُسين ثُمَّ يُضيفون معانٍ أخرى، العباس، عبد الله ابن العباس، نساءُ النَّبي، لكن المعنى الأوّل المُتبادر فاطمة أولاد فاطمة زوج فاطمة، هؤلاء هم آل مُحَمَّد، هؤلاء هم أهل البيت ونفس القضية حينما يتمّ الحديث عن قبور نساء النَّبي وعن قبور أولاد وأحفاد وأحفاد النَّبي الأعظم صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم. قضية واضحة، نعم الَّذي يريد أنْ يُكابر، الَّذي يريد أنْ يُعاند ذلك موضوعٌ آخر، حينما ينتقل الكلام إلى جوِّ المكابرة إلى جوِّ العناد القضية ستأخذ شكلاً آخر والكلام حينئذٍ لا فائدة منه، حينئذٍ يتوقّف الحديث، يتوقّف المنطق، لأنَّ العناد والمكابرة يُعاكس المنطق، الفِطرة، الوجدان، البحث عن الحقيقة، يُعاكس الوصول إلى المعرفة الصحيحة بغضِّ النّظر أنّنا نعتقد بها أو لا نعتقد بها. من البداية قُلت: أنتم بحاجةٍ إلى حوارٍ هادئ، والحوار الهادئ لابُدَّ أنْ ينطلق من إنصاف الخصم، على الأقل في المستوى اللفظي، في مستوى المعلومات المطروحة، المضامين الَّتي أطرحها الآن أنا لا أعتقدُ بها، عقيدتي الشيعيَّة لها خطوطها وأبعادها، لكن إذا أردتَ أنْ تُحاورَ الطرفَ الآخر لابُدَّ أنْ تكون هناك أدبيات لهذا الحوار، أدبيات هذا الحوار كما قرأنا صورة جميلة ينقلها مُلحد، عبد الكريم ابن أبي العوجاء للمفضّل يحدِّثُه كيف أنَّ الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه كان يُحاوره كان يُجادله. في سورة التحريم الآية الرابعة والخامسة الَّتي بعدها: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الخطاب لمن؟ {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} صَغَت؛ يعني مالت، صَغَى القلب يعني مالَ عن الحقّ {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} يعني يُطلَب مِنَ المُخَاطَب هُنا التوبة، إنْ تَتُوبَا، اثنتان {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} مالت قلوبكما عن الحقّ {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} تظاهرا عليه؛ يعني أنّ تَقِفا ضدّه، ضِدَّ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} خطاب لنساء النَّبي، هذهِ الأوصاف أوصاف لنساء النَّبي، لزوجتين من أزواج النبي {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الزوجة (س) الزوجة (ص) خطاب مع زوجتين من أزواج النَّبي يا (س) ويا (ص) يعني يا أيتَّها الزوجة (س) ويا أيَّتها الزوجة (ص) {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} مالت قلوبُكما عن الحق {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} على رسول الله، أنْ تكونا ضدّه في مواجهةِ مَن؟ {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} صالحُ المؤمنين؛ عليٌّ، روايات عندنا وعندهم لكن أيضاً نترك هذا الكلام {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} يعني الصحابة {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} يعني أنَّ أزواج النَّبي ما هُنَّ بخير النّساء، الآية واضحة {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} ما هي مواصفات الخيرية في الأزواج الَّتي رُبّما سيتزوجهنَّ النَّبي لو طلّقَ هاتين؟ {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} ما هو أوصاف الزوجات الَّتي لو طلّق النبيّ زوجتيه سيتزوجها؟ {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} هذه الأوصاف إمّا أنّ الآية تريد أنْ تقول: يا أيَّتها الزوجتان هذه الأوصاف ليست موجودة عندكما، وهذه قضية خطيرة جداً، الآية فيها هذا الاحتمال {أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} الأزواج الَّتي سيتزوجها النَّبي لو طلّق هاتين ما هي المواصفات؟ {أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} يعني أنَّ هاتين الزوجتين ليستا على الإسلام {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} نحنُ لا نريد أنْ نذهب إلى هذا المعنى وإنْ كان هذا المعنى واضحاً في الآية، نقول: لا، بأنَّ هاتين الزوجتين إذا ما طلقهُنَّ النَّبي فإنَّ النَّبي سيتزوج نساءً خيراً منهنَّ في الإسلام، يعني المُطلّقات على الإسلام والزوجات الجديدة على الإسلام ولكن الزوجات الجديدة خيراً إسلامُهنَّ خيرٌ من إسلام الزوجات المطلقة وكذلك بقيّة الأوصاف {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} نريد أنْ نقول بأنَّ هذه الأوصاف مشتركة بين المجموعتين لكن المجموعة الثانية أفضل. إلى أين نريد أنْ نصل؟ نريد أنْ نصل إلى هذه النتيجة: من أنَّ نساءَ النَّبي ما هُنَّ بخير النّساء، وهذا المعنى واضح، هذه آيات الكتاب الكريم. نذهب إلى صحيح البخاري باب {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} إلى آخر الآيات صفحة 898 رقم الحديث الّذي بين يدي 4914 : حدّثنا يحيى ابن سعيد قال: سمعتُ عُبيدَ ابن حُنين قَالَ: سَمعتُ ابنَ عباس رضي الله عنهما يقول: أردتُ أنْ أسألَ عُمر فقلتُ: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم؟ { إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} ابنُ عبَاس يسأل عُمر: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم؟ فَما أتمَمتُ كلامي حتّى قالَ: عائِشَةُ وحَفْصَة. في صحيح البخاري أكثر من رواية أنا لا أريد أن أقرأ كُلَّ الأحاديث أكثر من رواية وفي أكثر من موطن جاءت هذه الروايات في صحيح البخاري. إذاً الحديث هنا عن عائشة وحفصة هذا هو قول البخاري، نقرأ الآيات، الآيات خطيرة {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أنْ تُعاديا رسول الله {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} أيُّ نوعٍ من العداء بحيث يكون في مقابلة هذا العداء كُلُّ هذهِ القُوّة {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} القضيّة ليست قضيّة بيتية، لو كانت القضية قضية بيتية يعني شأن أُسري هل يمكن أنْ يكون الشأن الأُسَري داخل بيت النَّبي يُواجَه بهذه القوّة في مواجهة هذه المشكلة؟! {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} هل من المنطقي أنْ تكون هذه القُوّة كُلُّها تُحشد في مواجهة قضيةٍ نسائية في أمرٍ نسائي في أمرٍ بيتي في أمرٍ أُسري؟! لا أريد أنْ أَقِف طويلاً لكنّها مُجرّد إشارة {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} إلى آخر الآيات الكريمة. إذاً هذه المجموعة لا يُمكن أنْ تُخاطب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} ماذا يريدُ الله؟ {أنْ يُذْهِبَ عَنهُم الرِّجْس} وأنْ {يُطَهّرَهُم تَطهِيرا} لا يُمكن أنْ يكون الخِطاب لمجموعةٍ من البشر هذه أوصافها، الصّحابةُ لهم فضلهم ولكنّهُ لا تُوجد مقايسة فيما بينهم وبين أهلِ البيت، كما أنّه لا توجد مقايسة بين عليٍّ في شجاعتِهِ وفي صُمودهِ وثباتهِ وبين بقيَّة الصحابة، لا توجد مقايسة بين الصّحابة وبين عليٍّ في سائر شؤوناتهِ الأخرى. هل هُناك من يُشابهُ عليَّاً في بلاغتهِ مثلاً من الصحابة؟ هل هناك؟! هل هناك من نساء النّبي مثلاً مَن تُشابهُ في بلاغتها الزّهراء؟ وخطبة الزهراء موجودة ومروية في كتب الشيعة والسُنَّة؟! هل هُناك من نساء النَّبي في بلاغتها من تكون بلاغتها بمستوى بلاغة الزهراء؟ هل هناك من نساء النبي في طهارتها كطهارة فاطمة؟! بقيّةُ الحديث تأتينا في حلقة يوم غد ولكن نحنُ نَخْلُصْ إلى هذه الخُلاصة: • أُسوتنا رسول الله، هناك مجموعات ثلاثة: الصحابة. نساءُ النبي. أهلُ البيت. الصحابة لهم فضل، نساء النَّبي لهُنَّ فضل وأهل البيت لهم فضل، وقد أخذنا المعنى الَّذي يذهب إليه السُنّة من أنَّ الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية مطلوب من أهل البيت أنْ هُم يُطهّروا أنفُسَهم ومع ذلك فإنَّ التكليف يكون بقدرِ الطاقة، يعني أنَّ أهل البيت عندهُم من الطّاقة، عندهم من القابليات أنْ يتطهّروا هذهِ الطهارة العالية الكبيرة المذكورة في آية التطهير. إذاً هذه المجموعة مميزة، هي المجموعة الأفضل في أنْ تنقلَ لنا معنى الأسوة عن رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وللحديثِ بقيّة وبقيّةٌ في غاية الأهميّة. أسألكم الدعاء جميعاً ألقَاكُم غداً على مودَّةِ الحُجَّة ابنِ الحَسَن صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهَ عَلَيه … في أمانِ الله… تتمةُ الحديث في النقطةِ الثانية من النقطتين اللتين ذكرتهما في أوّل الحلقة في يوم غد إنْ شاء الله تعالى في نفس الوقت. ألقاكم على مودَّةِ الحُجَّةِ ابن الحَسَن صَلواتُ اللهِ وسلاَمُهَ عَليه … أسألكم الدعاء جميعاً في أمانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الأحد 16 شوال 1436هـ الموافق 2 / 8 / 2015م تقدّم الكلام أنَّ هَذا البرنامج سيتحدّث في نُقطتين .. وتمّ الحديث في النُّقطة الأولى، وفي هذهِ الحلقة حديث عن النقطة الثّانية. النقطة الثَّانية: هي ما سمعتهُ مِن اخوتي وأخواتي، وأبنائي وبناتي المُؤمنين بعليّ وآل عليّ، القادمونَ لساحةِ العترةِ الطّاهرة بعد أن هجروا ساحات الجفاء والقطيعة مع آل مُحمَّد، ومُعاناتهم مع أقربائهم، أصدقائهم، أُسَرهم .. وما يَلقونهُ مِن شِدّة وطأة ذلك.. وكان الحديث أنّهُ لو طُرح بحْثٌ على درجة عالية أو بيّنة من الوضوح والاقناع، لربّما عرضوه على عوائلهم وذويهم ليكونَ عُذراً لهم بينَ أيديهم. الجدل لم يكنْ يوماً مِن الأيّام سبيلاً للهداية، وأهلُ البيت “عليهم السَّلام” لم يستعملوا الجدل لهداية النّاس إلَّا اضطراراً.. لأنّ الجدل في حقيقته عناد فكري لا يقود إلى الحقيقة.. الجدل لا يُوصل للحقيقة، ولكن الانسان قد يضطرّ لاستعمالهِ حِينَ يُحشر في زاوية مُعيّنة، ومِن هنا أمرَ الأئمة بعْض أصحابهم أن يتعلّموا ما يُسمّى بـ (علم الكلام)؛ حتَّى لا يُقال أنّ أصحابَ الأئمة لا يُحسنونَ الدّفاع عن عقائدهم. المشكلة في الواقع الشيعي .. أنَّ هذا الجدل (ما يُسمَّى بعلم الكلام) تحوّل إلى مصدر لعقائدنا ..! نصيحتي أن لا تتّجهوا إلى الجَدَل، لأنَّه لا يُوصل إلى الحقائق، وليسَ مُفيداً .. ولكن لو اضطّر إليه الإنسان فليكن الحوار هادئاً ناعماً؛ لأنّ الجدال النّاعم قد يُثير إثارات عِند الطّرف الآخر تدفعهُ لإعادةِ النّظر في عقائده.. وقفة عند سُطور مِن مُقدّمة كتاب (التّوحيد) للمفضّل بن عُمر.. هذه المُقدّمة مُهمّة، وهي كلام ينقلهُ المُفضّل بن عُمر، يُبيّن فيه السَّبب الَّذي جعلهُ يلجأ لإمامنا الصَّادق “صلواتُ الله عليه” ليُملي عليه هذا الكتاب.. مُقدّمة كتاب (توحيد المفضّل) هي حوار بين المُفضّل بن عُمر وبين أحد الدّهريين (الملاحدة) .. يتبيّن منهُ منهج أهل البيت “عليهم السَّلام” في الجدال، وأنّ الإنسان إذا اضطرّ للجدال فلتُعرض الأفكار بأسلوب هادىء وواضح ومِن دُون تجريح للآخر، فلربّما يُثير (الحوار الهادئ) في نفوس الآخرين أموراً تدفعهم للتّفكّر، أو على الأقل يُضعِف مِن حِدّة العناد، أو مِن شدّة وطأة الآخر عليكم. حديثُ المُفضّل بن عُمر مع هذا الدّهري في مُقدّمة كتاب التّوحيد يُشير في آخره إلى أن أصحاب علم الكلام فئة، وأصحاب الإمام الصَّادق فئة أخرى لا علاقة لهم بأهل الكلام.. لو عندنا مِن القرآن الكريم “سُورة الأحزاب” فقط .. فإنّها تكفينا لاستخراج الحقّ والحقيقة.. في الآية 21 من سُورة الأحزاب: (لقد كانَ لكم في رسولِ الله أسوةٌ حسنةٌ لِمَن كانَ يرجو اللهَ واليوم الآخر وذكرَ الله كثيرا) الآية الكريمة تحدّثتْ عن عُنوان الأُسوة، وأنَّ النّبيُّ الأعظم “صلَّى الله عليهِ وآله” هو أُسوتنا، فكيف نتواصل مع هذه الأُسوة..؟! سُورة الأحزاب تحدّثتْ عن ثلاث مجموعات: ● مجموعة الصّحابة ● مجموعة أزواج النّبي ● مجموعة أهل البيت هل كانتْ هذه المجموعات الثَّلاثة مُتوافقة فيما بينها ..؟! جولة فيها استعراض لجُملة مِن آيات الكتاب الكريم، تُبيّن لنا أحوال هذه الفئات الثّلاث الّتي ذُكِرت في سُورة الأحزاب (مجموعة الصّحابة – مجموعة أزواج النّبي- مجموعة أهل البيت) كيف تحدّث القرآن عنهم، وعن أحوالهم وأوصافهم..؟! آيات القرآن الكريم، تُبيّن بشكلٍ واضح أحوال الصّحابة، بل أحوال كبار الصّحابة: أنّهم كانوا بشر عاديين يُخطئون ويُصيبون، وأنّهم كانوا في غاية الضّعف والانهزام والجُبن.. والرّعب يملأ قلوبهم وتُبيّن الخلل العقائدي الكبير عندهم في تكذيبهم لرسولِ الله، وفي الكذبِ على رسولِ الله، وفي إساءة الأدب مع رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”.. وهذه الأوصاف الَّتي ذكرها القرآن لهم لا تشملُ عليّاً “صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه”.. جُملة من أحاديث (صحيح البخاري) تُبيّن أيضاً أحوال كبّار الصَّحابة، وأوصافهم: أنّهم لا يعقلون، وأنّهم كانوا يُسيؤون الأدب مع رسول الله حتَّى نزل فيهم قُرآن، وأنّهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النّبي، وأنّهم أصحاب خوف ذريع وفرار في واقعة الخندق، وأحد، وحُنين، وخيبر.. والقضيّة في كُتب التأريخ أنكى وأنكى.. وفي كُتب الشّيعة أنكى وأنكى وأشد.. ولكن الحديث هُنـا فقط مُقتصر على ما جاء في القرآن الكريم، وما جاء في صحيح البخاري.. كيف تحدّث القرآن الكريم عن أزواج النّبي ..؟! هل لأزواج النّبي ميزة (ذاتية) عن بقية النّساء..؟ كلا المجموعتين (الصّحابة ونساء النّبي) لا يملكون ميزات (ذاتية) تُميّزهم عن غيرهم .. ونساء النّبي هُنّ مِن المُستوى الّذي عليه الصَّحابة.. ولو كانتْ هُناك مُميزات (ذاتيّة) في الصَّحابة ونساء النَّبي عن غيرهم لما صَدَر منهم ما صدر، ولما جاءتْ الآيات تُخاطبهم بهذا الأسلوب وبهذه الّلغة الَّتي تحمل التوبيخ والتّهديد والوعيد.. جولة أُخرى في آيات الكتاب الكريم، وأحاديث صحيح البُخاري تُبيّن لنا كيف تحدّث القرآن عن أهل البيت “عليهم السَّلام”.. الآيات في سُورة التّحريم خطيرة جدّاً .. وهي تتحدّث عن اثنتين من أزواج النّبي زاغت قلوبهما عن الحقّ، وأنّهما تظاهرا على رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”.. أيُّ نوعٍ من العداء كان عندَ هاتين الاثنتين من أزواج النّبي بحيث يكون في مُقابل هذا العِداء هذه القوّة (فإنّ الله هو مولاهُ وجبريل وصالحُ المُؤمنين .. والملائكة بعد ذلك ظهير)..؟! هل مِن المنطقي أن تُحشَد كُل هذه القُوّة في مواجهة عداء وقضيّة عائليّة..؟! من خلال التّأمل في آيات الكتاب الكريم، وأحاديث البخاري يتبيّن أنه لا مُقايسة بين الصّحابة وبين أهل البيت، كما لا توجد مُقايسة بين الصّحابة وبين عليّ في سائر الأمور الأخرى.. ولا يُوجد في نساء النّبي مَن بلاغتها بمستوى بلاغة فاطمة الزّهراء والخُطبة الفدكيّة (الموجودة في كتب العامّة) شاهدة.. الحوار الهادف لابُدّ أن ينطلق مِن إنصاف الخصم، سواء في المُستوى الَّلفظي أو في المعلومات المطروحة .. فإذا أردتَ أن تُحاور الآخر هُناك أدبيات للحوار..