يا عليّ – الحلقة ١٥ – منازل القرآن العلويّة ج١ Show Press Release (10 More Words) يا عليّ – الحلقة 15 – منازل القرآن العلويّة ج1 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (5٬854 More Words) يازهراء وهل هُناكَ أجملُ مِن هَذا الاسم أبتدئُ بهِ حَديثي … قَالَ صلَّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وسلَّم: لَوْ كَانَ الحُسنُ صُورَةً، لَو كَانَ الحُسنُ هَيئَةً لَكَانَت فَاطِمَة صَلوات اللهِ وسَلامه عليها بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى فَاطِمَة وَأَبِيهَا وَبَعلِهَاِ وَبَنِيهَا وَالسرِّ المُستودَعِ فِيهَا … يَا عَلِيّ … الْحَلَقَةُ الْخَامِسَةُ عَشَرْ: مَنَازِلْ القُرْآنْ العَلَوِيَّة ج1 الْحَلَقَةُ الْخَامِسَةُ عَشَرْ مَنَازِلْ القُرْآنْ العَلَوِيَّة ج1 الحَلَقَةُ الخَامِسَةُ بَعْدُ العَاشِرَة مِنْ بَرْنَامَجِنَا: (يَا عَلِيَّ) سَلَامٌ عَلَى الحَسَن الزَّكِيْ، واسْمِهِ الرَّضِي، وَوَجْهِهِ السَّنِي، وَشَأنهِ البَهِيّ، وَمَقَامِهِ العَلِيّ، وَعِطْرِهِ الذَّكِيْ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. أَشْيَاعَ أَمِيرَ الْمُؤمِنِين أَنَّى كُنْتُمْ فِي مَشْرِق الأَرْض أَو مَغْرِبِهَا إِخْوَتِيْ أَخَواتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ جَمِيْعَاً. تقدَّمت الحلقاتُ الماضيةُ من الحلقةِ الأولى وحتَّى حلقةِ يوم أمس وهي الحلقةُ الرابعةُ بعد العاشرة، كُلُّها كانت بمثابةِ تمهيدٍ وعرضٍ مُجملٍ للأُسس والمعطيات الّتي نَتَحرَّكُ من خِلَالِها وعلى أسَاسِهَا للبَحثِ في جَوانبَ من المعرفةِ العَلَويَّة، وقد وَضَع لَنَا أَميرُ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه أساساً ومنهجاً في ذلك ومرَّت الإشارةُ إليهِ كِراراً في الحلقات الماضية، ما جاء في الخطبةِ السابعةِ والثَّمانين من نَهجِ البلاغَة الشريف بحسبِ ترتيب وتبويب الشَّريف الرَّضي رحمةُ الله عليه:- وَبَينَكُم عِترَةُ نَبيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّةُ الحَقَّ وَأَعْلَامُ الدِّينْ وَأَلْسِنَةُ الصِّدقْ فَأنْزِلُوهُم بِأحْسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنْ وَرِدُوهُمْ وُورُودَ الهِيمِ العِطَاش. أنزلوهم بأحسنِ منازل القرآن، المضمونُ نفسهُ يُعبِّرُ عنه سيّد الأوصياء بصيغةٍ أخرى في الخطبةِ الرابعةِ والخمسين بعد المئة، أيضاً في نفس المصدر في نهج البلاغةِ الشريف، وهو يتحدَّثُ عن العترةِ الطاهرة فيقول:- فِيهِم كَرَائِمُ القُرآن وَهُم كُنُوزُ الرَّحْمن – فيهم نزلت كرائمُ القرآن، القرآنُ كلُّهُ كريم من أوَّلهِ إلى آخرهِ، ولكن في هذا القُرآن الكريم هناك كرائم، يعني كرائمُ الكريم، كرائمُ الكريم في العترةِ الطاهرة، أحسنُ منازل القُرآن هي منازلُ العترة الطَّاهرة، من هنا نبدأ، الكرائمُ العلوية والمنازلُ العلويَّة في الكتاب الكريم؟! العنوانُ جميلٌ وكبيرٌ لكنَّنِي هل أستطيع أنْ أعطيهُ حقَّه؟ الكلام هنا، العناوين كبيرة: كرائمُ القُرآن وهل هناك ما هو أكرمُ من القُرآن؟! {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} هذا القُرآنُ الكريم كرائمُهُ في عليٍّ، هي الكرائمُ العَلويَّة، مَنَازلُ القُرآنِ عَليَّةٌ وأحسنُ هذه المنازل أعلى هذه المنازل هي منازلٌ علويَّة – اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِن عُلُوكَّ بِأَعْلَاه – أعلى العلو هي هذه المنازل الأحسن، أنزلوهم بأحسنِ منازل القرآن – اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِن عُلُوكَّ بِأَعْلَاه – هل أستطيعُ أنا أو غيري من بني البشر أنْ نَفِي هذا الموضوع حَقَّهُ؟ الجواب: وباليقين وبالقطع لا وألفُ لا!! لنْ أستطيع أنْ أفيَ هذا الموضوع حَقَّهُ ولا غيري أيضاً، ولكن هي محاولة والبدايةُ كما طَرَحَ المنهجُ العَلَويُّ البدايةُ وحتَّى النهاية، نحنُ نبتدئُ من القُرآن وننتهي إلى القُرآن، ولكن بأيِّ منظورٍ بمنظور أنَّ هذا القُرآن قُرآنُهم مِّنْهُم وإليهم، بمنظورِ عدم انفكاك القُرآنِ عن عليٍّ، القُرآنُ مع عليٍّ وعليٌّ مع القُرآن، بهذا المنظور بهذا الفهم وبهذه السّليقة وبهذا الأسلوب. القُرآنُ فيهِ مجاري وفيهِ مَطَالِع وفيهِ حدود، كما أنَّ الشَّمسَ تتبدَّل في حركتها من خلالِ رؤيتنا لها، من خلالِ الآثار المنعكسة على الأرض، الفَجر حينَ يبدأ الظَّلام ينجلي شيئاً فشيئاً الفجرُ هذا من آثار الشَّمس وإنْ لم تكن الشمسُ بادية، ثمَّ يبدو القُرص شيئاً فشيئاً، ثمَّ بعد ذلك يرتفع في رَائِعَةِ النَّهار، ثُمَّ الزَّوال وهكذا الشَّمسُ خلال اليوم تتنقَّل وفي كلِّ منزلٍ من منازلها تكونُ لنا رؤية تتناسب وذلك المنزل، في بعض المقاطع يمكن أنْ ننظُرَ إلى قرص الشمس، ولكن في مقاطع كثيرة من الوقت لا نستطيع أنْ نملأ أعيننا من الشَّمس، كذاك هو القمر لهُ مجاري لهُ منازل، الهلال في أوَّل ليلةٍ من الشَّهر هل هو كالقَمرِ في اللَّيلةِ العاشرة؟ والقمرُ في الليلةِ العاشرة هل هو كالبدرِ المكتمل؟ والبدرُ المكتملُ كالقمرِ في ليلةِ العشرين وما بعد العشرين؟ في كلِّ ليلةٍ لهُ ظهور وحتَّى خلال اللَّيلة لَهُ مَنَازِل، كَذَاكَ هُو القُرآنْ لهُ مجاري لهُ مَنازِل لهُ مطالع لهُ مَغارِب لهُ حدود لهُ اتجاهات لهُ آفاق، يتجلَّى في كلِّ أفقٍ شيءٌ من الحقيقة، شيءٌ من التأويلِ الَّذي هو التفسيرُ الحقيقيُّ للقُرآن، الَّذي لا يعلمهُ إلَّا الله وهُم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين. الرّوايةُ ينقلها لنا الفُضيل ابن يسار عن إمامنا الباقر صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، الفُضَيل يقول:- سَألتُ أبَا جَعفَرٍ عَنْ هَذِهِ الرّوَايَة – حديث منقول عن الأئمَّة السابقين ومنقول عن الإمام الباقر صلواتُ الله عليهم جميعاً – مَا فِي القُرآنِ آيَةٌ إِلَّا وَلَهَا ظَهْرٌ وَبَطْن وَمَا فِيهِ حَرفٌ إِلَّا وَلَهُ حَدّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَع، مَا يَعنِي بِقَولِهِ لَهَا ظَهْرٌ وَبَطْن؟ فَقَال: ظَهْرُهُ تَنْزِيلُهُ وَبَطْنُهُ تَأوِيلُه – التنزيل؛ تعني العبارة، والتأويل؛ تعني الإشارة، فالقُرآنُ نزل على عبارةٍ وإشارةٍ ولطائف وحقائق هكذا هم أخبرونا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، الإشارةُ واللّطائفُ والحقائق هي مراتبُ التأويل، أمَّا العبارةُ فهي أُفق التنزيل – فَقَال: ظَهْرُهُ تَنْزِيلُهُ وَبَطْنُهُ تَأوِيلُه مِّنْهُ مَا مَضَى وَمِّنْهُ مَا لَمْ يَكُن بَعْد، يَجْرِي كَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَالقَمَر كُلَّمَا جَاءَ مِّنْهُ شَيءٌ وَقَع قَالَ الله تَعالَى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ – ثُمَّ قالَ الإمامُ الباقرُ صلواتُ الله وسلامهُ عليه – نَحْنُ نَعْلَمُهُ – ما من حرفٍ من حروف القُرآن كما يقول باقرهم الأطهر صلواتُ الله عليه – مَا مِنْ حَرفٍ إِلَّا وَلَهُ حَدّ ومَا مِنْ حَدٍّ إِلَّا وَلَهُ مَطْلَع وَأنَّ هَذَا القُرآن يَجرِي كَمَا تَجري الشَّمسُ والقَمَر. هناك مطالع، هناك مجاري، هناك حدود، حدود اتجاهات وآفاق هناك ظواهر وهناك بواطن كلُّ هذا يشير إلى تعدُّد الآفاق القُرآنية، يشير إلى تعدُّد المظاهر، يشير إلى تعدُّد التجلِّيات القُرآنية، فحينَ نتحدَّثُ عن أحسنِ منازل القُرآن، في أيِّ أفقٍ نتحدَّث؟ حين نتحدَّثُ عن كرائم القُرآن، في أيِّ حَدٍّ، في أيِّ مَطْلَعٍ من المطالع؟ في أيِّ مجرىً من المجاري؟ هذا هو الَّذي قلتهُ بأنَّني لا أستطيعُ أنْ أفيَ الموضوع حَقَّه ولا يَستَطِيعُ غَيري، لكنَّني سَأحاول أنْ أتحدَّثَ في أفقٍ، أحاول أنْ أخرج من حدِّ العبارة كي ألِجَ إلى حدِّ الإشارة، ما يكونُ من حديثي هو في نهايات أفق العبارة، لأنَّ أفق الإشارة يصعب تصويرهُ بهذه اللغة المحدودة، الإشارةُ والإشارات مضامين لا أستطيع أنْ أنسج لها ثوباً من هذا القماش الضيّق، من هذا القماش اللغوي الضيّق، النسيجُ اللغوي الموجود بين أيدينا والخزانةُ اللغويةُ الَّتي نملكها قاصرة عن أنْ ننسِج منها ثوباً نستطيع أنْ نلبسهُ لمضامين الإشارات، لذلك سأبقى حبيساً في عالم العبارة، قد تكون الحالةُ حالةً برزخيَّةً ما بين العبارة والإشارة، لأنَّنا لا نستطيع أنْ نخرجَ من زنزانة اللّغة هذه، هذه اللّغةُ بألفاظها وبحروفها نحنُ سجناء فيها، هي محاولةٌ للانفكاكِ من قيود العبارةِ نوعاً ما لتلمُّسِ شيئاً من معاني الإشارات، فالعبارةُ للعوام، ونحنُ العوام، والإشارة للخواص وللخواص لغةٌ أخرى، الخواص لهم لغةٌ أخرى، لهم لسانٌ آخر، لهم بيانٌ آخر، يتجاوز القواعد اللغويَّة، أمَّا الَّلطائف الَّتي هي للأولياء والحقائق الَّتي هي للأنبياء فذلك شأنٌ آخر، أساساً لا نمتلكُ أيَّة معطيات عن اللطائفِ والحقائق بشكلٍ دقيق حَتَّى نستطيع أنْ نَلِجَ فِيها أو أنْ نتحدَّث حولها أو عنها. من أين ابتدئ؟ سأبتدئُ من نفسي، قد تقول لماذا؟ لأنَّ كلَّ إنسانٍ على يقينٍ من نفسهِ، كلُّ واحد منَّا على يقينٍ من نفسه، أنا على يقين بأنَّني لَستُ أنا الَّذي صنعتُ نفسي، ما أنا بصانعِ نفسي، هذه القضيَّةُ أعرفها مئة بالمئة، ما عندي شكّ فيها أصلاً، أنا لستُ الَّذي صنعتُ نفسي، وحين أتلفَّتُ يميناً وشِمالاً لا أجِدُ أحداً صنعني، من كلِّ ما حولي من بَشَرٍ من جمادٍ من شجرٍ من كلِّ شَيء مِن كائناتٍ مرئية أو من كائناتٍ نسمعُ عنها ليست مرئية، لا أجدُ أحداً صنعني، لكنَّني أيضاً أعرِفُ بوجداني أنَّ صَانِعَاً صنعني وصَنَعَ غَيري، لأنَّ غيري أيضاً لا هو الَّذي صَنَعَ نفسه ولا أجدُ أحداً قد صَنَعَهُ، لابدُّ من صَانِعٍ صنعني وصنع غيري، لابدُّ من صانعٍ صنع الجميع، وهذا الصانعُ الَّذي صنع الجميع لابدَّ أنْ يمتلك مواصفات، هذه المواصفات تتجاوزني وتتجاوزُ غيري، هذه المواصفات لا أستطيع أنْ أتصوَّر حدودها، هناك قُدْرةٌ يمتلكها هذا الصانع، هذه القُدرة لنْ تَجِدَ لها حُدوداً في أيِّ طَبقةٍ من طبقات الوجود – اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِّنْ قُدْرَتِكَ بِالقُدْرَةِ الَّتِي اسْتَطَلتَ بِهَا عَلَى كُلِّ شَيء ، وهذا الصَّانِعُ الّذي صنعني تواصل معي، ويتواصل معي، ما كُنتُ منقطعاً عنهُ ولا هو انقطع عنّي، تواصلَ مَعِي عِبرَ الوجدان، وتواصلَ معي عِبرَ الرُّسل، الأنبياء، الكتب، لأنَّني ما وجدتُ جِهةً أخرى أرسلت رسُلاً، الَّذين قالوا: بأنَّ إلهاً للخير وإلهاً للشر هما اللَّذان يديران هذا العالم، ما رأيتُ رُسُلاً من إله الشّر، بحسب علمي لم أسْمع أنَّ إِله الشَّر قَد بَعَثَ رَسُولاً إلى الناس، كلُّ الذي أسمعهُ حتَّى في الديانات الوثنية، الدياناتُ الوثنية، الدياناتُ البشرية الَّتي صنعها الإنسان، هم يرتبطون بذلك الإِله الأكبر وفيما بينهم وبينه وسائل ووسائط، لكنَّني مَا سَمعتُ بحسب علمي أنَّ إله الشّر بَعَثَ رُسُلاً، وبَعَثَ كُتُباً، وأنزل وحياً، وشرَّعَ شريعةً ما سمعتُ بهذا، سَمِعتُ أنَّ لإله الشّر ديناً ولكن هذا الدين صنعه الإنسان بنفسه سمعتُ هذا، وهؤلاء الَّذين يدينون لإله الشّر هم يقولون: بأنَّنا نحن الَّذين صنعنا هذا الدين حين تقرأُ تأريخهم، فكلُّ الَّذين جاءوا يتحدَّثون، حتَّى الَّذين ادَّعوا كَذِباً، ادَّعوا كذباً بأنَّهم رُسُل ووسائط من إله الخير، من هذا الصّانِع المطلق. آمنت بهؤلاء رغم أنفي، لماذا؟ لأنَّهُم وَضَعُوا بين يدي من الحُجج مالا أستطيع أنْ أُقَاومَهُ، قد يأتي الإنسان بحُجَّةٍ يمكن أنْ تُنَاقَش يمكن أنْ تقاوم، لكن هذه الوسائط جاءتني بحُجَجٍ لا أستطيع أنْ أُقاومها ليس أمام النَّاس فيما بيني وبين نفسي، حينما أخلو بنفسي لا أستطيع أنْ أقاوم هذه الحُجَج، نفسُ هذه الجهة الَّتي جاءتني بهذه الحُجَج، الَّتي لا أستطيع أنْ أقاومها وإنَّما أنصاعُ تحت سُلطَتِها وتحت سَطوتها، للحُجَّةِ العلميةِ والمعرفيَّةِ سُلطةٌ وسطوةٌ لا تشابهُها سُلطة وسطوة عند الَّذين يَطلبون الحقيقة، الَّذين يطلبون الحقيقة ويبحثون عن الحقيقة يجدونَ في الحُجَّةِ العلميةِ وفي الحجةِ المعرفيةِ في البيان المعرفي، يجدون سُلطةٌ لا تماثلها سُلطة، وسطوةً لا يستطيعون الوقوف أمامها، تتهاوى المداركُ أمام هذه السَّطوة وأمام هذه السُّلطة، كما يقول الجواهري في عينيتهِ يخاطبُ الحُسين: تَقَحَّمْتَ صَدْرِي؛ التَقَحُّم؛ الدخول على الرغم، على رغمي، الدخول مع الممانعة، أمانع دخولك ولكنَّك تدخلُ رغماً عنّي. تَقَحَّمْتَ صَدْرِي وَرَيبُ الشُّكُوكِ يَضجُّ بِجُدْرَانِهِ الأَرْبَعِ تقحَّمْتَ صَدْرِي، هذه السطوة المعرفيَّة، هذه السلطة العلمية، هذه دكتاتورية الوضوح، للوضوح دكتاتورية وسلطة لا تقاوم. تَقَحَّمْتَ صَدْرِي وَرَيبُ الشُّكُوكِ يَضجُّ بِجُدْرَانِهِ الأَرْبَعِ فَأَسْلَمَ طَوْعَاً إِلَيكَ القِيَادْ وأَعْطَاكَ إِذْعَانَةَ المُهْطِعِ هذه الحُجَج، أنا لا أريد أنْ أذهبَ بعيداً في هذا المطلب وإنْ كان مُهمَّاً لكنَّ هذا المطلب ليس جوهرياً في البحث إنَّما هو مُقدِّمة، هذا المطلب في غاية الأهميَّة وإنَّهُ لَيَعزفُ على أوتار البَاطِن الإنساني، إنَّهُ لَيضرِبُ دقَّاتهِ على مضامين الخلجات البشرية، لكنَّني لا أريد التوغُل بهذا الاتجاه إنَّما هي مُقَدِّمة. هذه الحُجَج، هذه الحُجَج هي الَّتي علَّمتني، لقنتني إنَّكَ عَبد، برنامجي في هذه الحياة العبودية، إنَّك عبدٌ لهُ، إنَّكَ عَبدٌ لِهَذا الَّذي أقامَ عليك هذه الحُجج، لهذا الَّذي تواصلَ معك وما انقطع عنك. العبوديةُ منهجناً، لماذا نحنُ عبيدٌ لهُ؟ لأنَّهُ يملِكُنا، نحنُ عبيدٌ لله، لماذا؟ لأنَّهُ يملكنا، نَحنُ مِلكٌ له، لماذا يملِكُنا؟ لأنَّهُ خَلَقنا، هو الخالق، النهايةُ هنا، أنَا مَخلوق، حين أقول أنَا مَخلوق يعني أنا مملوك، مملوكٌ له، حين أقول أنا مملوك يعني أنا عبد، العلاقةُ بيننا وبين الله هي هذه العلاقة: المخلوقية، والخالقية، نحنُ مخلوقون وهو الخالق، الرابطة بين المخلوقية والخالقية هو هذا جَوهرُ العلاقةِ فيما بيننا وبينَ الله، فيما بيننا وبينَ حُجَجِ الله، لأنَّنا لو لم نَكُن قَد خُلقنا لا كَلَام حينئذٍ لا في دينٍ ولا في قُرآنٍ ولا في نُبوَّاتٍ ولا في حُجَجٍ، هو خلقنا وكانَ من حكمتهِ أنَّ تَكَامُل خلقنا يكون ضمن هذه المنظومة؛ أنبياء، رسل، أوصياء، ملائكة، وحي، كُتُب، شرائع، عقائد، معارف، هذه المنظومة الكبيرة، إذاً الأساس هو هنا، الأساس في الخلق هو خالِقنا، خلقنا، نحنُ مخلوقون، كمالُ خَلقنا بقيَّةُ التفاصيل الَّتي أشرتُ إليها. أنا مخلوقٌ، أنا مملوكٌ، أنا عبد، هذه هي المعادلة!! إذاً الجوهرُ في مَعرِفَتِي لِنَفسِي هُنَا؛ أَنَا مَخلوق!! عند هذا العنوان عنوان: الخالق، المخلوق، الخلق، من هنا تبدأُ حركتي الإنسانية، حركتي البشرية، حركتي العبودية، سمّي ما شئتَ من التسميات النتيجةُ واحدة تختصرها هذه العبارة والَّتي هي منه أيضاً: إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون. الحقيقةُ بكلِّها هنا: إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون. وهذه المضامين نَحنُ نجدها في أدبياتنا وفي آدابنا وفي مناسكنا مَعَهُم صَلَواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم أجمعين، نقفُ بين يدي الحُسين، بين أيديهم – عَبْدُكَ وابنُ عَبْدِك وابنُ أَمَتِك الْمُقِرُّ بِالرِّقْ – وهذا الوصف جيء به حتَّى لا يُقال عبدٌ في الطّاعة عبدٌ في أيِّ شيءٍ آخر – عَبْدُكَ وابنُ عَبْدِك وابنُ أَمَتِك الْمُقِرُّ بِالرِّقْ – الإقرار بالرقيَّة إقرار بالملكية، لماذا أنا عبدٌ؟ لأنَّني مَمْلُوك، لماذا أنا مَمْلوك؟ لأنَّني مخلوق، فأنا مِلْكٌ لخالقي، أنا عبدٌ لخالقي!! ومرَّ علينا في الزِّيارةِ الجامعةِ الكبيرة – إِيَابُ الخَلْقِ إِلَيكُم ؛ إِنَّا لِلَّه – هذه اللام لامُ الملك، نفس المضمون يتجلَّى في هذا المقطع الَّذي ذكرتهُ من زيارة سيّد الشُهداء؛ عبدك وابن عبدك، إلى آخر الفقرات – وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون ؛ إِيَابُ الخَلْقِ إِلَيكُم وَحِسَابُهُم عَلَيكُم – لا أريد أنْ أُطِيلَ الوقوفَ كثيراً هنا، لأنَّني أتحرَّكُ في ضوءِ هذا المصطلح، في ضَوءِ مُصْطَلَح الخَلْق، الخالقيَّة، المخلوقيَّة، حركتي في ضوء هذا المصطلح. حين أذهبُ إلى الكتابِ الكريم، إلى سورة المؤمنون، في سورة المؤمنون وفي الآيةِ الرّابعةِ بعد العاشرة، بعد أن تسبقها آيات في خِلْقَة الإنسان: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} الحديث عن خلقة مخلوقٍ من أهمّ المخلوقات، على الأقل بالنسبة لنا، بالنسبة لنا هذا الموضوع وهو موضوع خلقتنا من أهمّ الموضوعات {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} الموطن الَّذي أريد أن أقف عندهُ آخرُ الآية الرابعة بعد العاشرة: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أحسنُ الخالقين؛ هذا الوصف أحسنُ الخالقين وَرَدَ في سورة المؤمنون، وَوَرَدَ كذلك في سورة الصَّافات. في سورة الصَّافات في الآية الخامسةِ والعشرين بعد المئة، الآيات الَّتي تسبقها: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً} إلَهُهُم {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} جاء هذا الوصفُ جليَّاً في سورة المؤمنون؛ أحسنُ الخالقين، في سياق الآيات الَّتي تتحدَّثُ عن خِلقَة الإنسان، وجاء في سورة الصافات في كلامِ إلياس مع قومهِ بأنَّهم يعبدون إلهً مُصْطَنعاً ويذرون أحسن الخالقين الَّذي خَلَقَ كُلَّ شيء. أَحْسَنُ الخالقين: هل يمكن أنْ يصح هذا التعبير من دون أنْ لا يكون هناك خَالِقُون؟! الله سبحانه وتعالى يُقَارِن فيما بينَهُ وبَينَهُم، وَخَالِقُون على درجةٍ عاليةٍ من الحُسن، لأنَّ التَعبير صِيغَة أَحْسَن، هي صيغة أفْعَل التفضيل، أحسنُ الخالقين؛ يعني هناك خالِقٌ حسن وهناك خالِقٌ أحسن، كما تقول: أكرَم الرجال، أكرمُ الرجال يعني هناك رجال كُرماء ولكن هذا الرجل أكرم من أولئك الكرماء، وإلَّا لا يقال لمجموعة من البُخلاء ورجل كريم يقال فلان أكرم من هؤلاء، هؤلاء أصلاً لا يمتلكون كرماً، هؤلاء بخلاء، وإنَّما يقال فلان كريم وهؤلاء بخلاء، لكن حين يُقال: فلان أكرمُ الرّجال، يعني هُناك رِجال كُرماء ولكنَّ هذا الرجل تميَّز عنهم بأنَّهُ هو الأكرم، هذا هو الاستعمال الصحيح لصيغة أفعل التفضيل، لابدَّ من وجود كُرماء وهناك من هو أكرم، أعلى رتبةً في الكرم فيُقال أكرم. فحين يقول القرآنُ الكريم: أحسنُ الخالقين، لا يمكن أنْ يَكون الكلام هكذا، أنَّهُ لا يوجد خالقون والله سبحانه وتعالى يَصِف نَفسهُ بأنَّهُ أحْسَنُ الخالقين، مع انعدام الخالقين، أحسنيَّةُ خالقيتهِ لأنَّ الخالقين الآخرين هم من خلقه، الأحسنيَّة من هنا تأتي، لأنَّ الخالقين الآخرين هم مخلوقون أيضاً، فهو الخالقُ الأحسن، هو الخالقُ الأحسن لماذا؟ • لأنَّهُ لم يخلقه خالق هذا أوَّلاً. • وثانياً: لأنَّهُ هو المبدع هو الَّذي أبدع الخلق هذا ثانياً. • وثالثاً: من جملة ما أبدع أبدعَ خالقين، عندهم القدرة على الخلق. وهؤلاء الخالقون هم من خلقهِ فهو الخالِقُ الأحسن، فهو أحسنُ الخالقين، لا يمكن لعالمٍ كبير مثل اينشتاين مثلاً ويأتي إلى روضة أطفال فيقول؛ أنا أعلم واحد في هذه الروضة بالقياسِ إلى أطفال الروضة، يمكن أنْ يَكُون هذا الكلام على سبيل المزحة، ممكن أنْ يكون هذا الكلام على سبيل الطُرفة، على سبيل طَريفة تُقال، يمكن أنْ يكون هذا الكلام على سبيل السُّخرية والاستهزاء، قد يسخرُ الإنسان من نفسه في بعض الأحيان فيمكن أنْ يقول هذا الكلام، فيقول أنا أعلمُ شخصٍ في هذا المكان، أعلمُ شخصٍ في هذه المدرسة، في هذه الروضة، هذه المقايسة مقايسة ليست سليمة، ليست حكيمة، لابد أنْ يكون هناك مِمَّن هُو قريب منه حتَّى تحدث المقايسة، لا يمكن أنْ يأتي طبيب مثلاً ويقايس نفسهُ بالبنائين، البناؤون فيما بينهم يمكن أنْ يتمايزوا، الأطباء فيما بينهم يمكن أنْ يتمايزوا، أمَّا أنْ يكون أشخاص يفقدون للطبابة بالمرَّة ويأتي طبيب يريد أن يقيس نفسهُ إليهم هذه المقايسة ليست مقايسةً حكيمة. فحينَ يتحدَّث القُرآن: أحسنُ الخالقين، لابدَّ من وجودِ خالقين، ولكنَّ القُرآن هنا يَصِف الباري سبحانه وتعالى بأنَّهُ هو أحسنُ أولئك الخالقين، والأحسنيَّةُ كما بيَّنتُ قبل قليل وأعيدها مرَّة ثانية لِئَلا يحدث التباس في الفهم، هو أَحْسَنُ الخالقين لأنَّهُ لم يخلقه خالِق، لأنَّهُ هو الّذي أبدع الخلق، لأنَّهُ هو الّذي خلق الخالقين الآخرين، ولا أتحدَّث عن خالقين كما يقع التعبير العرفي مثلاً يقال لفنَّان معيَّن رَسَمَ لوحات رائعة يقال عنهُ بأنَّهُ هذا الفنَّان خلَّاق، هذه تعابير عرفية، هذه تعابير بشرية، لا علاقة لها بالحقائق، وحتَّى لو كان هذا خلق، أيُّ خلقٍ هذا؟ هذا النّاس تسميه، ما هو بخلق، هذهِ آثار بشرية محدودة جداً لا قيمة لها لو قيست بالآثار الإلهية، يُقَال لمعمار أو لمهندس وضعَ تصميماً لعمارةٍ لبناءٍ في غاية الروعة بأنَّ هذا المهندس أو هذا المعمار خلَّاق وهكذا، لا يمكن أنْ تكون المقايسة بهذا الاتجاه، هذه المقايسات باردة وسَمِجَة ولا معنى لها، لذلك القُرآن جاءنا بِمَثَل، القرآن أعطانا مثلاً. إذا ذهبنا إلى سورة آل عمران، إلى الآيةِ التاسعةِ والأربعين، المسيحُ عيسى ماذا يقول؟ يخاطب بني إسرائيل {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ما هي هذه الآية؟ {أَنِّي} يتحدَّثُ عن نفسهِ {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ} إلى آخر الآية {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم} أخلقُ ما هي صيغةُ الفاعل؟ الخالق يعني أنّي عيسى المسيح الخَالِقُ الّذي يخلقُ لكم من الطين كهيئة الطيرِ إلى آخر الآية، أنِّي أَخلق لكم عيسى خَالِق، في هذه الآية في سورة آل عمران هو يقولُ عن نفسه أنَّي أخلُقُ، السَّلامُ على عيسى الخالق، هذا هو تصريح القرآن، عيسى يقول عن نفسه أنّي أخلق، وحتَّى لا يذهبُ النّاس بعيداً قريباً جاء القرآنُ ليؤكِّدَ هذا المعنى؟! إذا ذهبنا إلى سورة المائدة في سورةِ آل عمران عيسى يقول أنِّي أخلق، في سورة المائدة في الآية العَاشِرَة بعد المئة {إِذْ قَالَ اللّهُ} الله يقول {يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} إلى أن تقول الآية، الله يقول لهُ لعيسى {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} إلى آخر الآية {وَإِذْ تَخْلُقُ} تخلقُ يعني أنتَ خالق، هو يقول: أنّي أخلقُ، الله يقول لهُ: وإذ تخلقُ، أنتَ خالق يا عيسى، فعيسى خالق ونسلِّم عليه نقول:- السَّلَامُ عَلَى الخَالِقِ عِيسَى – هو نبيٌّ من أولي العزم، هو وصف نفسهُ بهذا الوصف، قال: أنّي أخلق، الله سبحانه وتعالى قال له تخلق، عيسى خالق. إذا ذهبنا إلى الكافي الشّريف إلى أحاديث أهل بيت العصمة صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم أجمعين، هذا هو الجزءُ الأوَّل من الكافي الشّريف الباب الَّذي عنوانهُ: (ما أعطي الأئمَّة صلواتُ اللهِ عليهم من اسم الله الأعظم)، روايات عديدة لا مجال لقراءة كلِّ النُّصوص أذهب إلى موطن الحاجة، الروايات تحدَّثت عن أنَّ آصف ابن برخيا برقيا على اختلاف النُّسَخ كانَ يَملك حرفاً واحداً من الاسم الأعظم، آصِف ابن بَرخيا يملكُ حرفاً واحداً من الاسم الأعظم، القُرآن ماذا عبَّر عن هذا الحرف من الاسم الأعظم والَّذي حَمَلَ به عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين إلى الشام؟ القُرآن ماذا عبَّر؟ في الآيةِ الأربعين من سورة النمل {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} هذا الحرف من الاسم الأعظم القرآن عبَّر عنه ماذا؟ بعلمٍ من الكتاب، هذهِ المن الَّتي تسمَّى بمِن التبعيضيَّة، يعني عندهُ بعضٌ من الكتاب، الروايات قالت: عندهُ حرف من اسم الله الأعظم، الاسمُ الأعظم هو الَّذي عُبِّر عنهُ في القُرآن بالكتاب {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} إلى آخر الآية، الروايات تقول: كان عند آصف حرف واحد، لا شأن لنا بآصف إنَّما هذه مقدِّمة لتبيين المطلب الآتي، عيسى على نبيِّنا وآلهِ وعليهِ أفضلُ الصَّلاة والسَّلام عيسى الخالق هو قال عن نفسهِ: بأنَّهُ خَالِق، الله خاطبهُ بأنَّهُ خَالِق، ماذا عند عيسى من الاسم الأعظم من الكتاب؟ {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} الروايات تقول آصف عندهُ حرفٌ واحد، إمامنا الصّادق ماذا يقول؟ – إنَّ عِيْسَى اِبْنِ مَرْيَم عَلَيهِ السَّلام أُعْطِيَ حَرْفَيْن كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا – ذكر الأنبياء الآخرين لا شأن لنا بكلِّ التفاصيل، الصَّادقُ يقول – عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمْ أُعْطِيَّ حَرْفَيْن – ثم ماذا قال؟ – كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا – يعني هذه الخالقية من أين جاءت؟ جاءت من هذين الحرفين. آل مُحَمَّد كم عندهم؟ الرّوايات تقول – وَإِنَّ اِسْمَ اللهِ الأعّظَم ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُون حَرّفَاً – قول الصَّادق صلواتُ الله عليه – أُعْطِيَ مُحَمَّد اِثْنَين وَسَبْعِينَ حَرْفَاً وَحُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدْ – هذا الحَرف الوَاحِد الَّذي وصفتهُ الروايات؛ وحَرفٌ عند الله مستأثرٌ به في عِلم الغَيب، بحسب الرّوايات الموجودة بين أيدينا، فَأُعْطِي النَّبيّ اثنين وسبعين. باللهِ عليكم هل هناك مُقايسة بين حرفين عند عيسى عليه السَّلام وبين اثنين وسبعين حرف عند مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله، هل هناك وجه للمقايسة؟ عيسى بحرفين صَارَ خَالِقَاً، هُو قَالَ عن نفسهِ والله خَاطَبَه، باثنين وسبعين ماذا سيكونُ مُحَمَّد صلَّى الله عليه وآله، ماذا سيكون؟ مع أنَّ هذه الرّوايات الَّتي تقول؛ بأنَّهُ أُعطي اثنين وسبعين هذه مُتعارضة مع القُرآن لذلك حين أعرِض هذه الروايات على القُرآن بحسب تعاليم الأئمَّة هم قالوا لنا، قالوا لنا: أعرضوا حديثنا على القُرآن، متى نعرضهُ؟ حين نشكُّ فيه، أنا أشكُّ في هذه الأحاديث، أشكُّ لا من جهةِ صدورها عن الأئمَّة هذه أحاديث صادرة عن الأئمَّة لكنَّني أشكُّ في أنَّ هذا المضمون هو المضمون النهائي للروايات، وإنَّما هذه الروايات جاءت بلسان المداراة، فإنَّني أبحث عن المضمون النهائي، حينَ أَعرض هذه الرّوايات الّتِي تقول: بأنَّ النبيّ وبأنَّ عليَّاً وآل عليّ أُعطوا اثنين وسبعين حرف أعرضُ هذا على القُرآن الكريم، فحين أذهبُ إلى سورة الرعد، الآية الأخيرة من سورة الرعد ماذا تقول؟ {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} عليٌّ صلواتُ الله وسلامهُ عليه علمُ الكتاب، ثلاثة وسبعون حرف، هذا هو القُرآن، أنا الَّذي أستغربهُ هنا والحقيقة لا أستغربهُ لكن هو كلام يقال في البرنامج، أنا بالنسبة لي لا أستغربه لأنَّني قد تعوَّدت عليه، لكنَّهُ كلام يُقال، الَّذي أستغربه أمران: الأمر الأوَّل: هناك من علمائنا ومن مفسرينا الشيعة من فسَّر هذه الآية ومن عنده علم الكتاب فسَّرها بأحبار اليهود وعلماء النصارى، يعني أنَّ النبيَّ يَسْتَشْهِد بالله وبعلماء اليهود والنصارى، باعتبار أنَّ النبيَّ مذكور في كتبهم {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} وهناك من يُصرّ من علماء الشيعة ومن مراجع الشيعة على هذه القضيَّة، يُصرّ على أنَّ الَّذي عندهُ علم الكتاب المذكور في هذه الآية هُم اليهود والنصارى، ونفس الشيء {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أيضاً فسَّروها باليهود والنصارى، قد تكون وَرَدَت بَعض هذه المضامين في الرِّوايات ولكن الروايات منها ما جاء بلسان التقيَّة، منها ما جاء بلسان المداراة، المضمون الحقيقي أهلُ الذكر هم آلُ مُحَمَّد والَّذي عندهُ علم الكتاب عليٌّ وآل عليّ، علم الكتاب يعني ثلاثة وسبعين حرف، فهذه الرّوايات الموجودة في الكافي جاءت بلسان المداراة حين قالت: بأنَّ النبيَّ أُعطي اثنين وسبعين حرف، مُحَمَّدٌ وآل مُحَمَّد عندهم الكتاب بكلِّه، يعني عندهم ثلاثة وسبعون حرف وانتهينا، فلا وجه للمقايسة بين من عندهُ علمُ الكتاب وبين من عنده شيءٌ من الكتاب. ثُمَّ إنَّ هذه الحروف، هذه الحروف ليست متساوية، يعني الحروف الَّتي أعطيت للأنبياء قد يكون حرف واحد من الحروف التي ما أعطيت للأنبياء والَّتي هي عند مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد يكون أوسع من كل الحروف الَّتي أُعطيت للأنبياء، لأنَّ هذه الحروف ليست حروفاً متساوية، وهذه المضامين واضحة في كلمات وروايات وأحاديث أهل البيت لا مجال للخوضِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة. الأمر الثاني الَّذي أستغربهُ: وهذا الأمر قرأتهُ في الكتب، سمعتهُ على المنابر، سمعتهُ في المجالس، يُتناقل في الوسط العلمي الديني حين تكون هناك رواية هم يقولون بها فيها شُبهة غلو يعرضونها على القُرآن كما يعرضُ البعض من علماء الشيعة حديث الكساء الشريف فيقول: بأنَّ هذا الحديث فيه غلو، فهو يعرضهُ على القُرآن فلا يجد في القُرآنِ آيةً لفظيةً واضحة بأنَّ هذا الكون خلق لأجلهم فمن هنا يُثير الشكوك حولَ الحديث، فضلاً عن التشكيك في سندهِ، لا أريد الخوض في كلِّ هذه الجزئيات، لكن الغريب هُنا حين تأتي رواية فيها تقليل من شأنهم لا يعرضونها على القُرآن، يعني هذه الروايات الّتِي تقول: بأنَّ النبيّ أُعطي اثنين وسبعين لم أجد واحداً ولا واحد من علماء الشيعة بحسب اطِّلاعي المحدود، عدم الوجدان لا يدلُ على عدم الوجود، لكن بحسب اطِّلاعي المحدود اتكلَّم عن اطِّلاعي، لم أجد ولا واحداً من مراجعنا ممَّن عَرَضَ هذه الرّوايات على القُرآن وقال: بأنَّ هذه الروايات تتعارض مع القُرآن، لكن حينما تأتي روايات تُعْلِي من شأن أهل البيت، تُعْلِي من شأن أهل البيت بنظرنا القاصر، شأنُ أهل البيت ليس محتاجاً لأن يُعْلِيَهُ أحد ولكن بحسب النظر البشري المحدود، وما هي بمُعْلِيَةٍ لشأنهم ولكن هم يقولون: يُشَمُّ منها رائحةُ الغلو، حين تأتينا روايات يُشمُّ منها، لا أدري بأيِّ أنفٍ شَمَّها ولكن، يُشمُّ منها رائحةُ الغلو، هذه الرّوايات يعرضونها على الكتاب ويعرضونها واللهِ عرضاً خاطئاً ويُسقِطون الرّوايات، لكن الرّوايات الَّتي تتعارض لفظياً وليس معنوياً لفظياً مع القُرآن هناك معارضة معنوية، المعارضة المعنوية فيها أخذ ورد لكن المعارضة اللفظية ليس فيها أخذ ورد، الآية صريحة {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} والروايات تتحدَّث هنا عمَّن؟ تتحدَّث عن آصف ابن برقيا، القرآن قال: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} يعني نفس الموضوع والرّوايات تقول: بأنَّ الاسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرف أُعطي منها مُحَمَّد اثنين وسبعين مُعارضة للقُرآن، فهذه الرّوايات لا نأخذ بمضامينها أنا لا أُشَكِّك في صُدورِها عنهم هي صادرة منهم ولكنَّنا لا نأخذ بمضامينها لمعارضتها للقُرآن، القُرآن هو المنهج هو الأساس، لكن القُرآن هو المنهج وفقاً لقواعد الفهم المأخوذة عنهم صلواتُ اللهِ عليهم، هم الأئمَّة قالوا لنا، وهذا نفس الكتاب الكافي الشريف، ماذا قال أئمَّتنا صلواتُ الله عليهم؟ السَّائِل يَسْأَلُ الإمام الصادق – الحُسَين ابن أبي العلاء أنَّهُ حَضَرَ ابنُ أَبي يَعفور – وهذه أسماء معروفة في أصحاب الأئمَّة في هذا المجلس – قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ الله عَلَيهِ السَّلَام عَنْ اخْتلَاف الحَدِيث يَرويه مَن نَثِقُ بِهِ وَمِنهُم مَن لَا نَثِقُ بِهِ – تأتينا الأحاديث عنكم هناك أشخاص نثقُ بهم وأشخاص لا نثقُ بهم ماذا قال الإمام؟ – قَالَ: إذَا وَرَدَ عَلَيكُم حَديث فوجَدتُم لَهُ شَاهِدَاً مِن كِتَابِ الله أو مِن قَولِ رَسُولِ الله وَإِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُم بِه أَولَى بِه فَمَا وَافَقَ كِتَابَ الله فَخُذُوه وَمَا خَالَفَ كِتَابَ الله فَدَعُوه – هذا هو القانون والمنهج الَّذي وَضَعَهُ لنا أئمَّتُنا الأطهار صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين. لا أريد أنْ أذهب بكم بعيداً لأنَّ جهات البحث عديدة وكل جهة تفتح على جهات أخرى نبقى في جوهر الموضوع ونذهب إلى فاصل وعدلين ميتين يمَّك يا عليّ. إذاً عندهم علمُ الكتاب والقُرآنُ تحدَّثَ عن عليٍّ بشكلٍ خاص، والبرنامجُ: يا عليّ، عليٌّ عندهُ عِلْمُ الكِتاب، يعني عِنْدَهُ ثلاثة وسبعون حَرف، فَكَم هِي دَرَجةُ الخالقيَّة عندهم؟ إذا كانَ عيسى يمتلكُ حرفين فكانَ خالقاً، القُرآنُ هنا حين وَصَفَ الله بأحسَنِ الخالقين ليس ناظراً إلى عِيسى عليه السَّلام، فحرفان من الكتابِ لا قِيمَةَ لَهُمَا، فَهُنَاكَ مِن خلقهِ من يمتلك كلَّ الحروف مُحَمَّدٌ وآل مُحَمَّد، فحين يأتي ذكرُ أحسن الخالقين المقايسة فيما بينَهُ وبينهم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، وبعد الخلقِ ماذا يأتي؟ بعد الخلقِ يأتي الرِّزق، الرِّزق في استمرار الخلق، حين يخلقُ الخالِقُ المخلوق لابدَّ من استمرار وجودهِ واستمرار وجودهِ بِحَاجَةٍ إلى فَيضٍ للبقَاء وبحاجة إلى مُكَمِّلات إلى شؤونات البقاء، الرِّزق أوسع من المعنى المادّي، الرِّزق هو جميع المكمِّلات الَّتي تكون سبباً في استمرارية وجود المخلوق وفاعليتهِ. في سورة المائدة {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} هناك رازقون، وهذه الآية فيها إشارة لطيفة جداً، عيسى كان خَالِقاً ولَكنَّهُ ليسَ رَازِقاً، هنا يطلبُ الرِّزق، ولذلك قُلت: بأنَّ الخالقين إِشَارَة إلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، ليس إلى عيسى، عيسى خالق ولكنَّهُ لا يبلغ إلى مرتبة مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ في الخالقية {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} هناك رازقون وهم نفسهم الخالقون، الخالِقُ الحقيقي رازقٌ حقيقي. وهذا التعبير ورد هنا في سورة المائدة في الآية الرابعة بعد العاشرة بعد المئة وجاء أيضاً في سورة الحج، جاء في الآيةِ الثامنةِ والخمسين: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً} وهذه القضيَّة تتجاوز الحياة الدنيوية، ما بعد الحياة الدنيوية {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} لا يمكن، صيغة خير هي صيغة أفعل التفضيل، هي في الأصل أخير، ولكن لكثرة الاستعمال وللتخفيف حُذِفَت الهمزة، كلمة خير في الأصل؛ أخير في لغة العرب، مثل ما جاء التعبير أحسنُ الخالقين أخيرُ الرَّازقين ولكن حذفت الهمزة فكان التعبير الشائع عند العرب خيرُ الرَّازقين، خير بمعنى أخير، لا يمكن أنْ يُقال عن الله بأنَّهُ خيرُ الرَّازقين ولا يوجد رازقون، لابدَّ من وجود رازقين، ولابدَّ أنْ يكون مستوى الرّازقيَّةِ هُنا بمستوى الخالقيَّة، أحسنُ الخالقين، هناك خالقون بمستوىً عالٍ جداً جداً جداً – اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِن عُلُوكَّ بَأَعْلَاه – أعلى العلو، فلابدَّ أنْ تَكُون الرَّازقيَّة بنفس مستوى تلك الخالقيَّة. في سورة المؤمنون أيضاً في الآيةِ الثانية والسبعين: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} لماذا هذا التكرار؟ هل هي مقارنة مع لا شيء؟ هل أنَّ الله يقارنُ نفسه بلا شيء لا وجود لرازقين وهو يقول؛ خيرُ الرَّازقين، أم أنَّهُ يُقايس نفسه بالوالد الَّذي يكون سبباً لرزق عائلتهِ؟ أم يقايس نفسه بأيِّ مديرٍ لشركةٍ أو مسئولٍ عن مصنعٍ يكون سبباً لرزق العاملين والموظَّفين في ذلك المكان؟! هل تصح هذه المقايسة؟ لا يمكن، هذا الكلام ليس منطقيَّاً {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. نفس الشيء في سورة سبأ في الآيةِ التاسعةِ والثلاثين {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وما انفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين. والتعبير يتكرَّر أيضاً في سورة الجمعة في آخر آية من سورة الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. الرَّازقيَّة هذه الَّتي تَتَكرَّرُ وتأتي كِراراً ومِراراً في آيات الكتاب الكريم، الرَّازقيَّة الَّتي هي بمستوى الخالقيَّة بنفس المستوى، ولا تقف القضيَّة عند هذا الحد فما بَعدَ الخَالقيَّةِ والرَّازقيَّة ستَأتِينَا صِفَاتٌ أُخرى تتوالى؟! في سورة التوبة في الآيةِ الرابعةِ والسبعين {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} هذا هو من مظاهر الرَّازقيَّة الّتي تحدَّثت عنها الآيات القُرآنية الَّتي مرَّ ذكرها، الآية هنا تنسب الإغناء والفضل لمن؟ لله ولرسوله {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} نحنُ نتحدَّث هُنا عن ذَوَات غنيَّة ومُغنيَة، الله ورسوله أغناهم من فضله، هناك فضلٌ عند الله وعند رسولهِ، وهناك إغناءٌ من الله ومن رسوله، أغناهم الله ورسوله من فضلِه، هذا هو من مظاهر الرَّازقيَّة لكنَّ الله سبحانه وتعالى هو خيرُ الرَّازقين لأنَّ كُلَّ شيء يعود إليه، لأنَّ كُلَّ شيء جاء منه، وهؤلاء الرَّازقون مُحَمَّدٌ وآل مُحَمَّد ما عندهم هو من فَضلِه، لكنْ ما عند الخلائق هو من فضلهم، من فضلهم الَّذي مَنَّ به سبحانه وتعالى عليهم. فعندنا خالقيَّة، وعندنا رازقيَّة، وبعد الخالقيَّةِ والرَّازقيَّة تأتي هنا؛ المغفرة، الغافريَّة، خَلْق، رِزْق، بَعَدَ الخَلْقِ والرِّزْق تأتي المغفِرة، المغْفِرة؛ هي تغطيةُ النَّقائِص، تغطيةُ العيوب، السَّتر، في كُلِّ الأبعاد، الأبعاد الماديَّة والمعنويَّة، في الأبعاد التكوينيَّة والتشريعيَّة، في الأبعاد الجسديَّة والروحيَّة، في كُلِّ الأبعاد، يُقال مِغْفَر، الْمِغْفَر ما هو؟ الغِطاء الَّذي يلبسهُ المقاتل في الحرب، لماذا قيل لهُ مِغْفَر؟ لأنَّهُ يغطِّي الرأس ويحمي الرأس من ضربات السيوف، غَفَر غَطَّى، مَخْلُوق مَرْزُوق، لكن بالنتيجة هو مخلوق، بحاجة إلى أيِّ شيءٍ؟ بحاجة إلى تغطيَة، هناك غطاء، هذه العُملة من دون الغِطاء تسقط لا قيمة لها، هذا المخلوق من دون غِطاء من دون تغطيَة ينتهي، لو تُرِك هذا المخلوق تُرك لنفسهِ طرفة عين لو خُلِّي لنفسهِ طرفة عين انتهى، لابدَّ من تغطية، الجهة الَّتي تغطِّي أيضاً تحدَّث عنها القُرآنُ الكريم: في الآية الخامسة والخمسين بعد المئتين: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا} آخر الآية {أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} هذا الكلام جاء في سياق قصَّة الميقات {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} حينما قالوا لموسى نريد أنْ نرى الله {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} خير الغافرين إذا لم يكن هناك غافرون حقيقيون هل يُقال عن الله بأنَّهُ خَيرُ الغَافِرين؟ هناك غافرون حقيقيون، هناك غافرون حقيقيون. إذا نذهب إلى سورة النساء وإلى الآيةِ الرابعةِ والستين من سورة النساء: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} هذه الآية من جملةِ مظاهر الاستغفار، وبحسب الرواية في الكافي الشريف عن أئمّتنا صلوات الله عليهم أنَّ هذه الآية تخاطبُ عليَّاً، لو دقَّقتم النظر فيها لوجدتم أنَّ الآية تُخاطب شخصاً غير رسول الله، دقَّقوا النظر في الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ} هناك شخص يُخاطب {جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} يعني هناك شخص يخاطب جاؤوكَ، لو كان هو النّبيّ لصارت الآية هكذا؛ جاؤوكَ فاستغفروا الله واستغفرت لهم يا رسول الله، أمَّا الآية هكذا تقول: {جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} واضح الخطاب، يعني هناك حديث عن شخصٍ مُخاطب عن الله عن رسول الله {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} أقول؛ هؤلاء الضيوف جاؤوكَ واستقبلهم صاحبُ الدار، أنتَ صاحب الدار؟ أنتَ شَخصٌ آخر، نفس التعبير هو موجود في هذه الآية، هؤلاء الضيوف جاؤوكَ سلَّموا عليك واستقبلهم صاحب الدار {جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} أئمّتنا يقولون؛ جاؤوكَ يا عليّ. الغافرون الحقيقيون لابدَّ أنْ تَكون الغَافِريَّة عِنْدَهُم بأيِّ مستوىً، بأيِّ درجة؟ لا تَقُل لي بأنَّ الكتاب الكريم يُخاطب النبيّ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} القُرآن جاء بلسان إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة، يا عليِّ إنَّ الله قد نسب ذنوب شيعتك إليَّ ثُمَّ غَفَرها، ما كان لِمُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله من ذنبٍ متقدِّم ومتأخِّر حتَّى يُغْفَر، إذا كانت لِمُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله ذنوب متقدِّمة ومتأخرة ما فَضله عَلَيَّ وعليك إذاً؟! نحنُ الَّذين لدينا ذنوب متقدِّمة وذنوب متأخِّرة، نحن أصحاب الذنوب المتقدِّمة والمتأخِّرة، ليس مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآله صاحباً لذنوب متقدِّمة ومتأخِّرة لا يمكن هذا، لا يمكن أنْ نتصوَّر هذه الصورة. فخالقيَّةٌ ورازقيَّةٌ وغافريَّة وتتلوها راحمية، بعد المغفرة تأتي الرَّحمة الواسعة، الرَّحمة الّتي تُغَطِّي تِلكَ الخالقيَّة وتُغَطِّي تلك الرَّازقيَّة وتُغَطِّي تلك الغافريَّة. في سورة يوسف، في الآية الرابعة والستين: {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} إذا لم يكن هناك راحمون حقيقيون هل يقول الباري بأنَّهُ هُو أرحم الراحمين؟! لابدَّ من وجود راحمين حقيقيين حتَّى تكون هناك المقايسة. نحنُ نقرأ في دعاءِ علقمة بعد زيارةِ عاشوراء نخاطبُ عليَّاً أمير المؤمنين وحُسيناً سيّد الشُهداء، نخاطبهم جميعاً نخاطب آل مُحَمَّد نخاطب الحُجَّة ابن الحسن يا سادتي يا موالي يا سادَتِي:- لَيسَ لِي وَرَاءَ الله وَوَرَاءَكُم يَا سَادَتِي مُنْتَهَى. كلمةُ الإمام الحُجَّة – لَا فَرْقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلاَّ أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك – هم المظهرُ الأتمّ للهِ سبحانه وتعالى، الفرق فيما بينهم وبينهُ أنَّهُم مخلوقون – لَا فَرْقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلاَّ أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك – هم راحمون، الله راحم وهم راحمون، هم رحمتهُ الواسعة الّتي وسعت كل شيء، لكنَّهُ سبحانه وتعالى هو أرحمُ الراحمين، لأنَّ الرحمة الَّتي ظهرت فيهم منهُ، هُم عبيده وخلقه، هُم عبيدهُ وخلقه في كل مراتبهم في الأفق الأرضي وفي الأفق الأعلى. {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} في الآية الرابعةِ والستين من سورة يوسف، في سورة المؤمنون، هناك في سورةِ يوسف أرحمُ الراحمين في سورةِ المؤمنين الآيةُ التاسعةُ بعد المئة {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} أرحمُ الرَّاحمين، خيرُ الرَّاحمين، وفي الآيةِ الثامنةِ بعد العاشرة بعد المئة أيضاً في سورة المؤمنون {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} رَّبِّ اغفر وارحم وأنتَ خيرُ الرَّاحمين. خيرُ الغافرين، أرحمُ الرَّاحمين، خيرُ الرَّاحمين، خيرُ الرَّازقين، أحسَنُ الخالقين، لابدَّ من وجودِ حقائق وكائنات تُوصَف بِهَذِه الأوصَاف حتَّى يَصحُّ القول بأنَّ الله أحسنُ الخالقين، بأنَّ الله خَيرُ الرَّازقين، بأنَّ الله خيرُ الغافرين، بأنَّ الله أرحمُ الرَّاحمين، بأنَّ الله خيرُ الرَّاحمين والتعابيرُ على هذا النَّسق مستمرةٌ في الكتاب الكريم وفي أدعيَّةِ أهل بيت العصمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين نذهب إلى فاصل وأعود بعد الفاصل لإتمام الكلام مع الملا حمزة الزغير مفروض عالناس حُبَّك يا عليّ. من الصِّيَغ القُرآنيةِ الأُخرى الَّتِي عَلى نَفسِ هَذَا النَّسَق لا أملكُ وقتاً بالوقوفِ عندها لكن أعتقد أنَّ القاعدة أنَّ الفكرة اتَّضحت أشير إلى مواطنها لمن أراد أنْ يُتَابِع: • أَحْكَم الحَاكِمِين: جاء في الآيةِ الخامسةِ والأربعين من سورة هود وفي الآيةِ الثّامنةِ من سورة التين. • خَيرُ الحَاكِمِين: جاء هذا التعبير في الآيةِ السَّابعةِ والثمانين من سورة الأعراف وفي الآيةِ التاسعةِ بعد المئة من سورة يونس وفي الآيةِ الثمانين من سورةِ يوسف. • خيرُ الفَاصِلين: جاء في الآيةِ السابعةِ والخمسين من سورةِ الأنعام. • خَيرُ النَّاصِرِين: جاء في الآيةِ الخمسين بعد المئة من سورةِ آل عمران. • خَيرُ الفَاتِحِين: جاء في الآيةِ التاسعةِ والثمانين من سورةِ الأعراف. • خَيرُ المُنْزِلِين: جاء في الآيةِ التاسعةِ والعشرين من سورةِ المؤمنون. • خَيرُ المَاكِرِين: جاء في الآيةِ الرابعةِ والخمسين من آل عمران وفي الآيةِ الثلاثين من سورةِ الأنفال. • خَيرُ الوَارِثِين: جاء في الآيةِ التاسعةِ والثمانين من سورةِ الأنبياء. كلُّ هذه التعابير دلالاتها نفس الدلالة السَّابقة، أحسنُ الخالقين لابدَّ من خالقين، خيرُ الرَّازقين لابدَّ من رازقين، خيرُ الغافرين لابدَّ من غافرين، أرحمُ الرَّاحمين لابدَّ من راحمين، خيرُ الرَّاحمين لابدَّ من راحمين، أحكمُ الحاكمين لابدَّ من حاكمين لهم الحكومة بعد الرحمة، خَلَقُوا، رَزَقُوا، غَفَروا، رَحِمُوا وحَكَموا – وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم – مرَّ علينا في الزّيارة الجامعة الكبيرة. • خَيرُ الفَاصِلِين: الَّذين يفصلُون، يفصلُون في الأمر – وَأَمْرُهُ إِلَيكُم – مرَّ علينا في الزِّيارة الجامعة الكبيرة:- وَأَمْرُهُ إِلَيكُم. • خَيرُ النَّاصِرِين: لابدَّ من وجود ناصرين حقيقيين، خيرُ الناصرين. • خيرُ الفاتحين. • خيرُ المنزلين. • خيرُ الماكرين. • خيرُ الوارثين. أعتقد أنَّ بعضاً من معاني ما وَرَدَ في خطبة البيان أو في حَديثِ المعرفة بالنَّورانيَّة أو ما بقيَ من كلماتِ سيّد الأوصياء أعتقد أنَّ بَعضاً منها إنْ لم يَكُن الكثير قد توضَّح معناه من القُرآن الكريم، هذا هو قُرآننا، هذا هو قُرآننا الكريم واضح صريح جليّ، كما قلت: بأنَّ مصدرنا الأول القُرآن، مصدرُنا الأخير القُرآن، وكما قال سيّدُ22 الأوصياء:- كَرَائِم القُرآن فِيهِم – في عليٍّ وَآل عليّ، كما أمرنا – أَنْزِلُوهُم بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ القُرآن – هذه هي منازل القُرآن. كما قُلت: إنَّني لا أستطيع الخروج من زنزانة العبارة محاولة للنفاذ إلى أفق الإشارة ولكنَّني نصفٌ في العبارة ونصفٌ في الإشارة هذه هي الحقيقة!! للحديث تتمَّة وتتمَّة مهمَّة جداً في حلقة يوم غَد أودِّعكم في رحمةِ عليٍّ وفي غفرانِ عليٍّ وفي حكومةِ عليٍّ العادلة، تلك الحكومةُ النافذةُ وذلَّ كلُّ شيءٍ لها. وداعاً مع عليٍّ ولقاءً يتجدَّد مع عليٍّ يا عليّ في أمان الله. ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الجمعة 15 شهر رمضان 1436هـ الموافق 3 / 7 / 2015م حديثٌ عن كرائم القرآن العَلَوية … القرآن فيه مَجارٍ ومَطالع وحدود وآفاق، وفي كل أُفُق يتجلى شيءٌ من الحقيقة، شيءٌ من التأويل الذي هو التفسير الحقيقي للقرآن.. الخزانة اللغوية التي نمتلكها قاصرة عن ان ننسج منها ثوباً نُلبِسُهُ مضامينَ الإشارات، ونحن لا نستطيع ان نخرج من زنزانة اللغة . العبودية منهجنا، نحن عبيد الله لانّه يملكنا، وهو يملكنا لانّه خَلَقَنا الرابط بين الخالقية والمخلوقية هو جوهر العلاقة بيننا وبين حجج الله وقفة عند الآية الرابعة عشرة من سورة المؤمنون (فتبارك الله احسن الخالقين). حديث عن الآيات التي تحدثت عن صفة الخالقية لدى عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليهما افضل الصلاة والسلام . آصف بن برقيا وما كان يملكه من الإسم الاعظم . الحروف الثلاث والسبعون للإسم الاعظم ليست متساوية في قدراتها واهميتها … شأن اهل البيت صلوات الله عليهم ليس مُحتاجاً لأن يُعلِيَهُ احد . اهل البيت عندهم علم الكتاب، عَليٌّ صلوات الله وسلامه عليه عنده ثلاثة وسبعون حرفاً، فكم هي درجة الخالقية عندهُ اذا كان عيسى يخلق ما يخلق بامتلاكه لِحَرفَين . لا مقايسة بين خالقية عيسى وخالقية آل مُحمّد بل المقايسة تكون بين خالقية الله وخالقية آل مُحمّد صلوات الله عليهم . صفة الخالقية تأتي بعدها صفة الرازقية، ثم صفة المغفرة وهي السَترُ والتغطية في كل الابعاد، المادية والمعنوية، التكوينية والتشريعية (ولو انّهم اذ ظلَموا انفسهم جاءوكَ) يا عَليُّ (فاستغفَروا الله واستغفر لهم الرسول) هكذا فَسَّرَ اهل البيت هذه الآية بعد صفة الغافرية تأتي صفة الراحمية، حيث وردت عبارات (ارحم الراحمين، خير الراحمين) في عدّة آيات من الكتاب الكريم .