زهرائيّون – الحلقة ٤ Show Press Release (4 More Words) زهرائيّون – الحلقة 4 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (5٬254 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ سَلامٌ عَلَى فَاطِمة سَيَّدةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة، سَلَامٌ عَلَى الزّهْرَاءِ الزَّاهِرَة وَأَبِيْهَا وَعَلِيِّهَا العَالِي وَعِتْرَتِها الطَّاهِرَة، سَلَامٌ عَلَى بَقِيَّتهَا العُظمَى وَآيَتها الظَّاهِرَة … زَهرائيُّون … الحَلَقَةُ الرَّابِعَةُ زَهْرَائيُّونَ نَحْنُ يَا بَقيَّة الله وَالهَوَى زَهْرَائِي … زَهْرَائِيُّونَ نَحْنُ يَا أُمَّ الحُسَينِ والعُقُولُ بَيعَةٌ وَتَسْلِيمٌ وَانْتِظَارُ … زَهْرَائِيُّونَ نَحْنُ يَا أُمَّ الحُسَينِ وَالقُلُوبُ مَوَدَّةٌ وَدُمُوعٌ وَثَارُ … زَهْرَائِيُّون نَحْنُ وَالعِشْقُ كَرْبَلَائِي … زَهْرَائيُّونَ نَحْنُ وَالهَوى والهَوى زَهْرَائِي … زَهْرَائيِّون الحَلَقَةُ الرَّابِعَةُ أبنائِي وبنَاتِي شَبابَ شِيعةِ الحُجَّةِ ابنِ الحَسَن صَلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، كَما في الحلقاتِ المُتقدِّمة الجزءُ الأوّل من برنامجنا نَقِفُ في أفْناءِ الوصيَّةِ الكاظميَّة وصيَّةُ العَقل وصيَّةُ الحكمة لهشامِ ابنِ الحَكَم. وصلنا في الحلقةِ الماضيَة ووقفنَا عندَ هَذهِ العِبارة:- يَا هِشَام مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَلَكٌ آخِذٌ بِنَاصِيَتِه فَلَا يَتَواضَعُ إِلَّا رَفَعَهُ الله ولا يَتَعَاظَمُ إِلَّا وَضَعَهُ الله -ثُمَّ يقول إمامُنا صلواتُ اللهِ عليه:- يَا هِشَام إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَينْ حُجَّةٌ ظَاهِرَة وحُجَّةٌ بَاطِنَة فَأمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ والأَنْبِيَاءُ والأَئِمَّة – حُجَّةٌ ظاهرة وحُجَّةٌ باطِنة هذا التّقسيم تقسيمٌ عُرفيٌ بحسبِ العُرف. في العُرفِ العام يُقالُ لبعضِ الأشياء ظاهرة ولبعضِ الأشياء باطِنة، وإلَّا فحقيقةُ الأئمَّةِ باطِنةٌ، وأسرارُ الأئمَّةِ بعيدةٌ عن منالِ عقولنا، لكنَّ هذا التقسيم هو تقسيمٌ عُرفي – فَأمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ والأَنْبِيَاءُ والأَئِمَّة وأمَّا البَاطِنَةُ – الحُجَّةُ البَاطنة – فَالعُقُولْ – وكُلُّ الوصيَّةِ مَدَارُها مَدارُ العقلِ والعُقلاء، والعَقلُ عنوانٌ قد يطولُ الحديثُ ويتشعَّبُ حولَهُ، لكنَّ الوصيّةَ تتحدَّثُ عن عقلٍ تابعٍ لهذه الحُجَج، الوصيَّةُ لا تتحدَّثُ عن كُلِّ معنىً تُطلقُ عليهِ كلمةُ العقل، فالعقلُ في الُّلغةِ لهُ دلالةٌ معيَّنة، والعقلُ عند المُتكلَّمين لهُ دلالةٌ معيَّنة، وعندَ الفلاسفةِ كذلك، وعندَ المتصوَّفةِ كذلك، ولرُبَّما في علم النّفسِ وفي علْم الاجتماعِ أيضاً للعقلِ دلالاتٌ أخرى، وأنا هُنا لا أريدُ الحديثَ عن مثلِ هذهِ التَّفاصيل، إذْ البرنامجُ ليسَ مِن شأنهِ أن يخوضَ في مثلِ هذهِ المطالب، ونحنُ معَ هذه الكلمات النُّوريَّة في غِنىً عن كُلِّ هذهِ التّفاصيل. العقلُ الَّذي تتحدَّثُ عنهُ هَذه الوصيّةُ الشّريفة عن إمامنا بابِ الحوائج: هو العقلُ المُنضَبِطُ بمعرفةِ المعصومِ عليهِ السَّلام، هو العقلُ المُنضبِطُ بالثَّقافةِ الزَّهرائيّةِ المهدويَّة، هذا هو العقلُ الَّذي تتحدَّثُ عنهُ هذهِ الوصيَّة. وقد يسألُ سائلٌ: مِن أينَ تولَّد هَذا المُصطلح الثَّقافةُ الزّهرائيّةُ المهدويّة؟ الثَّقافةُ المهدويّةُ؛ هي الثَّقافةُ المنسوبةُ إلى إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه. وأمَّا الزهرائيّةُ: كما يقولُ إمامنا الزّاكي العسكري نحنُ:- نَحنُ حُجَجَ اللهِ عَلَى الخَلق وَفَاطِمَةُ أُمُّنَا حُجَّةً عَلَينَا – الزَّهراءُ عنوان لحجيّةٍ على الحُجج، إذاً هذا العنوانُ يختصرُ الحقيقة بتمامها وكمالها. فلربّما يقول قائلٌ: فأينَ المصطفى و المرتضى؟ الزَّهراءُ هي الحقيقةُ الجامعةُ لهاتين الحقيقتين، الحقيقةُ الفاطميَّةُ؛ هي مجْلى حقيقةِ مُحمَّدٍ وعليٍّ، ومِن هنا كانتْ القيّمة، ومِن هنا كانت هي الأُمّ أُمُّ أبيها، وأُمُّ الكتاب، وأُمُّ الأئمَّة، وأُمُّ المهديّ، وأُمُّ المؤمنين. الأُمُّ تعني الأصْل، وتعني الحقيقةَ الجامعة، وكلُّ ذلك ما هو بشيءً عند ترابِ فِناءِ فَاطمة صلواتُ اللهِ وسلامُه عليها، إنَّهُ كَلامٌ وألفاظٌ لا نعرف مِن حقائقها إلَّا المعاني الُّلغوية القاصِرة و العاجزة والَّتي لا تعني شيئاً في جنب المعاني الحقيقة، ولكنَّ هذا الَّذي نستطيعهُ ولا يكلِّفُ اللهُ نفساً إلَّا وسعَهَا، والقلوبُ أوعيةُ ولكن كما قالَ سيِّدُ الأوصياء – خَيرُهاَ أوعاهَا – ومَا القلوبُ إلَّا هي هذهِ العُقول – إنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَينْ حُجَّةٌ ظَاهِرَة وحُجَّةٌ بَاطِنَة، فَأمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ والأَنْبِيَاءُ والأَئِمَّة، وأمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولْ – لأنَّ العُقول حين تنضبطُ بثقافةِ آلِ مُحَمَّدٍ تتمكَّنُ من إدراكِ الحقيقةِ الَّتي يُطلَبُ من الإنسان أنْ يصل إليها، معرفةُ إمام زمانِه، هي هذهِ الحقيقةُ الَّتي يُطلبُ من الإنسانِ أنْ يصلَ إليها، وما مِن شَيءٍ وراء هذهِ الحقيقة، معرفةُ اللهِ كما قَال سيِّدُ الشُهداء وقالوا جميعاً هي معرفةُ الإمام، كُلُّ أحاديثِ أهل البيت وكُلُّ الخُطَب النبويَّةِ والعلويَّةِ والصّادقيَّةِ، كُلُّ الكلمات، كلُّ الأحاديث كُلُّ ما وردَ إلينا من خِطابٍ أو حديثٍ أو كلامٍ أو زيارةٍ أو دعاءٍ تُشير بأجمعها إلى هذهِ الحقيقة: أنَّ الغاية المطلوبة من الإنسان أنْ يُدرك حقيقة إمامهِ؟! قطعاً بحسبهِ، حين أقول يُدرِك حقيقة إمامهِ بحسبهِ، لا بحسب الإمام صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وإنَّما بحسب مداركِ الإنسانِ نفسه، وهُنا يختلفُ النّاس فيما يصلون إليه، فمداركُ النَّاسِ مختلفة، فحينئذٍ النتائج الَّتي سيصلون إليها بالضرورةِ ستكونُ مختلفة، لكنَّ الوسيلة الموصلة هي هذهِ العقول الَّتي تتحدَّثُ عنها هذه الوصيَّةُ الشّريفة، هذهِ العقول الَّتي هي حُجَّةٌ باطنةٌ على الإنسان. في نهج البلاغةِ عن سيِّد الأوصياء في الخطبة الأولى مِن خُطبِ نهج البلاغة يتحدَّثُ فيها أميرُ المؤمنين عن التَّوحيدِ والملائكةِ والأنبياء وعن الخلق إلى أن يقول صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه:- وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِن وَلَدِهِ أَنْبِيَاء – يعني من ولدِ آدم، لفظة وَلد تطلق على المفرد وعلى ما هو أكثر من المفرد، أقول: ولدي وأعني ابناً واحداً، وأقول: ولدي وأعني ذرّيتي، وتُطلقُ على الذّكورِ والإناثِ على حدٍّ سواء، ولكن هنا الحديث عن أنبياء يُبعثون مِن ولدِ آدم – أَخَذَ عَلَى الوَحي مِيْثَاقَهُم – الميثاقُ الَّذي أُخذ على الأنبياء تُبيِّنهُ لنا الأحاديث الشَّريفة؛ ميثاقً بنبوَّة النَّبي، وبوَلاية عليٍّ وآلِ علي – أَخَذَ عَلَى الوَحي مِيْثَاقَهُم وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُم – متى؟ – لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلقهِ عَهْدَ اللهِ إِليهِم، فَجَهِلُوا حَقَّه، واتَّخَذوا الأَنْدَادَ مَعَه، واجْتَالتْهُم الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِه، واقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِه، فَبَعَثَ فِيهِم رُسُلَه وَوَاتَرَ إِليهِم أَنْبِيَاءَه لِيَسْتَأدُوُهم مِيثَاقَ فِطْرَتِه – يَسْتَأدُوهُم؛ ليستخرجوا مِن بواطنِ ضمائِرِهم ميثاق فطرتهِ، الميثاقُ الَّذي أُخِذَ على الخَلْق. والميثاقُ أيضاً بيَّنتهُ أحاديثهم الشَّريفة؛ ميثاقُ ولاية عَليٍّ، حِينَ سُئِلَ إمامُنا الصَّادقُ عَن الفِطرة فبيَّن أنَّ الفطرة لا إِله إلَّا الله، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، عَلِيٌّ وليُّ الله، هذهِ هي الفطرة – لِيَسْتَأدُوُهم مِيثَاقَ فِطْرَتِه، ويُذَكِّرُوهُم مَنْسِيَّ نِعْمَتِه، ويَحْتَجُّوا عَلَيهِم بِالتَّبْلِيغ، ويُثِيروا لهُم دَفَائِنَ العُقُول، ويُرُوُهُم آيَاتِ المَقْدِرَة؛ – ويُثيروا لهُم دَفَائِنَ العُقُول – الحديثُ عن العُقولِ هُنا في وصيّةِ بابِ الحوائج هُو حديثٌ عن عقولٍ مرتبطةٍ بإمام زمانِها، هي هذهِ العقول الَّتي تتحدَّثُ عنها هذهِ الوصيَّة يَا هِشَام إنَّ العَاقِل الَّذِي لا يَشْغُلُ الحَلَالُ شُكْرَه وَلا يَغلُبُ الحَرَامُ صَبْرَه – هُنا يُبيِّنُ لنا إمامُنا بابُ الحوائج صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه بعضاً من أوصافِ العُقلاء، بعْضاً مِن أوصاف العاقل الَّذي يُريدهُ الإمامُ أنْ يتحلَّى بما جاءَ في هذه الوصيَّة الشَّريفة – إنَّ العَاقِل الَّذِي لا يَشْغُلُ الحَلَالُ شُكْرَه، وَلا يَغلُبُ الحَرَامُ صَبْرَه – لا يَشْغُلُ الحلالُ شُكرَه؛ المرادُ من الحلالِ هنا هو كُلُّ ما يستطيع أنْ يفعلهُ الإنسان من دونِ إيجابٍ شرعي، هُناك واجبات يجبُ على الإنسانِ شرعاً أنْ يأتي بها، وهناك مندوبات. الواجبات والمندوبات هذه أمورٌ واضحة ترتبطُ بالتَّقنين الشَّرعي، ولكن هُناك مساحةٌ واسعة في الحياة الدُّنيوية هي مساحةُ الإباحة، مساحة الحلال، هي المساحةُ الَّتي تُركتْ للإنسان، فالإنسانُ حُرٌّ يتصرَّفُ فيها، والإنسانُ بطبيعتهِ العادية، طبيعةُ أبناء الدّنيا، الدّنيا عالمٌ تُرابي، ونحنُ البشر جُبِلنا في أصْلِ خِلقتنا على حُبِّها، لو لم نُجبل على حُبّها لنْ نستطيعَ أنْ نُعمَّرها، لنْ نستطيعَ أنْ نعيشَ فيها، ستُصيبنا الكآبةُ والتَّشاؤمُ والإعراضُ، ألا يحصلُ هذا في بعْضٍ مِن النَّاس حينَ يسأمونَ مِن الحياة، إذا ما سئِموا مِن الحياة إنَّهم لا يُحبُّون الدُّنيا، لو أحبُّوا الدُّنيا لَمَا سَئموا مِن الحياة، فحين يسأمونَ من الحياة إلى أين يتَّجهون؟ قد يتجهُ البعْضُ مِن النَّاسِ إلى الانتحار، وقد يُصابُ البعْضُ بخللٍ في عقلهِ، وقد يُصابُ البعْضُ بأمراض قد تُسمَّى رُوحيّة نفسيّة سمِّي ما شئتْ، يُصاب بأمراض سوداوية تُحوِّلُ حياتَهُ إلى حياةٍ لا معنى لها ولا قيمة لها، السَّببُ في كُلِّ هذا هو أنَّ الإنسان بسببِ ما يُواجههُ قد يُدفَعُ إلى بُغضهِ للحياة الدّنيوية، وإلَّا الخطُ العام في البشر هو حُبُّ الدّنيا، ونحنُ مجبولون على ذلك، والدّنيا عالَمٌ تُرابي، ومرادي مِن العالم التُرابي؛ أنَّ الدّنيا تتألفُ من مجموعة أشياء الأعمُّ الأغلبُ فيها توافهُ الأمور، صغائرُ الأمور، مُرادي مِن توافهُ الأمور وصغائر الأمور: أمورٌ قد يراها النَّاس لها قيمة لكنَّها بميزان الحقيقةِ لا قيمة لها، لأنَّها مُتغيّرةٌ متبدّلةٌ زائلةٌ خدَّاعةٌ. الجمالُ الحسِّيُّ؛ كم يُنفقُ على الجمال الحسِّي؟ ومُرادي مِن الجمالِ الحسِّي ليسَ فقط الجَمال الإنساني، الجمال في البيوت، الجمال في الشَّوارع، الجمال في البساتين، الجمال في الوجوه في الأبدان، الجمال الحسِّي مُطلقاً، كم يُنفقُ عليهِ من الأموال؟ كم يُنفقُ عليهِ من الوقت؟ كم يُنفقُ لأجلهِ من العمل.. كم هناك مِن المؤسسات؟ الجمالُ شيءٌ حَسَن، ومِن أهمِّ الأمور الباعثةِ على إعمار الأرض الظَّاهري، وعلى انبعاث الحماس في حياة النَّاسِ لِتَواصُل ولِتُواصل مشاريعها العمليَّة، ولكنَّنا إذا نظرنا إلى هذا الجمال الحسِّي الّذي لهُ مِن القيمة ما لهُ في نظر النَّاس، في ميزان الحقيقةِ لا قيمة لهُ! فإنَّه زائلٌ متغيّرٌ لا ثبات لهُ، وهكذا كُلُّ شيءٍ في هذا العالم التُرابي. هذا مُرادي مِن أنَّ الدّنيا طبيعتُها ترابيةٌ، يعني أنَّ الأشياء فيها أين تذهب؟ تذهب إلى التُّراب، تذهب إلى الزَّوال؛ لأنَّ التُّرابَ لا يُوجد أرخص مِن التُّراب. حين ترخص الأشياء يقولون: صارتْ برُخص التُراب! صارتْ بثمن التُراب! لأنَّ التُرابَ إمَّا أن لا يكون أصلاً لهُ ثَمن، أو أنَّ ثَمَنهُ ثَمنٌ بَخس. الحلالُ الَّذي يتعاملُ معهُ الإنسان هي هذهِ المساحة المليئة بكثيرٍ مِن شؤونات الحياة الدُّنيويَّة، ونحنُ بطبعنا ميَّالون للتَّعلُّقِ بهذهِ الأشياء الَّتي إذا حَكَمنا عليها بحكم العُقل لا قيمة حقيقية لها، ولكنَّنا نتعاملُ معها على أساسِ أنَّ لها قيمة، وندفعُ الأموال ونصرفُ الأوقات ونُسافِر ونبذل الجهد، وبالنَّتيجة هي هذه الدُّنيا، ونحنُ أبناؤها، هذهِ طبيعةُ العالم التُرابي، وهذهِ طبيعتُنا نحنُ التُرابيِّون أبناءُ الدُّنيا، فهذه المساحةُ الواسعةُ الَّتي يتحرَّكُ فيها الإنسان، وأنا هُنا أتحدَّثُ عن مِساحةٍ واسعةٍ تنضبطُ حدودها بحدود التَّشريع، نحنُ بصدد الحديثِ عن وصيَّةٍ لمعصومٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه لنا، فالوصيَّةُ مُنضبطةٌ في السَّاحات الَّتي نتحرَّكُ نحنُ فيها، منضبطة بضوابط التَّشريع. إنَّ العَاقِلَ الَّذِي لا يَشْغُلُ الحَلَالُ شُكْرَه – لا يشغل، ماذا يشغل الحلال؟ يشغل العقل هذا المراد، يشغل الإدراك البشري. الإنسانُ العاقلُ يتحسَّسُ النِّعَم الَّتي تصلُ إليه، يتحسَّسُ الفضْلَ الَّذي يصلُ إليه، في مُقابل النِّعَمِ والفضْل هُناك الشُّكْر، وأعظمُ هذهِ النِّعم العقل، وإنَّما كانَ العقْلُ أعظم النِّعَم لأنَّهُ هو الَّذي يَقودنا إلى عليٍّ وآل عليّ، العَقلُ هو الَّذي يَقودنا إلى إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه. فكم ينشغلُ إدراكُنا بهذه المساحة الواسعة من الحلال؟ في الأعمِّ الأغلب إدراكُنا مشغولٌ بتمامهِ بهذا الحلال، بهذهِ الشُّؤونات المختلفة، فإذا انشغلُ الإدراكُ بهذا الحلال غاب الشُكْر حينئذٍ، لذا الإمام يقول – إنَّ العَاقِلَ الَّذِي لا يَشْغُلُ الحَلَالُ شُكْرَه – يعني لا يأخذ تعلُّقُهُ بالحلالِ مَحلَّ تَعلُّقهِ بالشُّكْر، لابُدَّ أنْ يتحسَّس النِّعْمَة، والَّذي لا يَتحسَّسُ النِّعْمَة ولا يَجِدُ الشُّكْر مُرتبطاً بهذه النِّعمة فَما هُو بِعَاقِل. بقيَّة الحديث في الحلقةِ القادمةِ إنْ شاءَ الله تعالى نذهب إلى فاصل للمهديّ شنكول. * * * * * * * * في الجزء الثّاني مِن برنامجنا هذا عنونتهُ فيما سبق: (الجغرافيا المهدويَّة) وأوَّلُ بلدٍ أتناولهُ بالحديث العِراق وأوَّلُ حديثٍ مرَّ علينا في الحلقةِ الماضية قرأتهُ مِن الكافي الشّريف أُعيدُ قراءَتهُ عليكم، الحديثُ في الكافي الشّريف في الجزء الأوّل عن المفضَّل ابنِ عُمر:- قَال: كُنْتُ عِند أَبِي عَبْدِ الله عَلَيهِ السَّلام وَعِنْدَهُ فِي البَيتِ أُنَاسٌ فَظَنَنتُ أَنَّهُ إِنَّما أَرَاد بِذَلِكَ غَيرِي – يعني بالحديث الَّذي سأنقلُهُ، المُفضَّل يقول كُنتُ أظُن أنَّ الإمام الصَّادق بحديثهِ هذا يُريدُ غيري، ولكنْ تبيّن لي إنَّه يُريدني ويُريدُ غيري أيضاً – فَقَالَ: أَمَا واللهِ – الإمام يقول – أَمَا واللهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ صَاحِبُ هَذَا الأَمْر – وقد غابَ صاحبُ هذا الأمر، وطالت الغيبةُ – وَلَيَخْمِلَنَّ هَذا – ليَخْمِلنَّ؛ لَيَخْمِلَنَّ ذِكرُه، وصاحبُ الأمرِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ذِكرهُ خاملٌ، ذكرهُ يأتي بالدَّرجةِ الثَّانية أو رُبَّما الثَّالثة أو الرَّابعة، أو رُبَّما لا يأتي أصلاً! الحديثُ عن الشِّيعة ليس الحديثُ عن غيرِ الشِّيعة، المخالفون لأهل البيت أسَاساً لا يعتقدون بهِ، وما ذكروه، وما كان لهُ من ذكرٍ عندهم حتَّى يكون ذكرهُ خاملاً، وإنَّما الحديثُ عن الشِّيعة. الشِّيعةُ مجموعات، أحزاب، فِرَق، طوائف، تيَّارات، مرجعيَّات، سمِّي ما شئت، وكلُّ مجموعة لها رُموزها، ذكرُ كُلِّ مجموعةٍ رُموزُ تِلكَ المجموعة ولا شيء وراء ذلك، فلربَّما يأتي ذكرُ الإمام بالدَّرجةِ الثَّانية، الثَّالثة، أو ربَّما لا يأتي! ادخلوا إلى حُسينيَّاتنا، كُلُّ حُسينيَّةٍ تُعلِّقُ صُوراً لرُموزها، ولربَّما لا تجدُ ذكْراً أساساً للإمام الحُجَّة، وتُعلِّق صُور رُموزها في أهمِّ مكانٍ في الحُسينية! بينما لو علَّقوا شيئاً عن الإمام الحُجَّةِ فيأتي بالدَّرجةِ الثَّانية! أهمُّ شيءٍ أنْ تُعلَّق الصُّور، ولابُدَّ أنْ تكونَ هُناك سِلسلةٌ من الألقاب الطَّويلة العريضة لأصحاب الصُّور، أليسَ هذهِ حقيقة؟ أنا لا أقول إنَّ هذهِ المسألة فقط هي هذه المسألة، ولكن كما يقول الأئِمَّة صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِم أجمعين مِن أنَّنا نعرفُ عقل الرّجل مِن كُنيته، نعرفُ عقْلَ الرُّجل مِن سَجَعِ خَاتَمهِ، سواء الخاتم الَّذي يُلبس أو الخَتم الَّذي يَستعملهُ، وكانوا قديماً يكتبون سَجَعَاً، يُعرَفُ عقلُ الرّجل من كتابهِ، هذه الأشياء مِن خلالها يُعرَفُ عقلُ هذهِ الحُسينية، عقْلُ هذهِ المؤسَّسة، عقلُ هذهِ الجِهة. أعتقد القضيّة واضحة الصّورة واضحة جداً، حتَّى في اليافطات في كثيرٍ مِن الأحيان أقرأ في اليافطات مثلاً في يافطات التَّهنئة، في يافطات التَّعزية، في كثيرٍ من الأحيان لا يُعزَّى ولا يُهنأُ صاحِبُ الأمْر أصلاً! تكون التَّعزية والتَّهنئة لمراجعنا العِظام والأُمَّة الإسلامية وهم يقصدون بالأُمَّةِ الإسلامية الشِّيعة وغيرهم! ولا أدري هذهِ العقول كم أعطيها مِن درجة؟! مثلاً يُهنِّئُون الأُمَّةَ الإسلامية بمولدِ الإمام الرِّضا! ما شأنُ الأُمَّة الإسلامية بالإمام الرِّضا؟! أصلاً الأُمَّة الإسلامية تعرفُ الإمام الرِّضا؟! الأُمَّة الإسلامية هل يُهمُّها أنَّ الإمام الرِّضا وُلِد أمْ لم يُولَد؟! هذه الَّتي تتحدَّثونَ معها تسمُّونها بالأُمَّة الإسلامية!! أو يُعزُّونَ الأُمَّة الإسلامية بشهادة موسى ابن جعفر!! ما هي الأُمَّة الإسلامية هي الَّتي قتلتْهُ!! أو يُعزّون الأُمَّة الإسلامية بشهادة الصَّديقة الكُبرى، ما هي الأُمَّة الإسلامية هي الَّتي قتلتْ الصديقة الكبرى!! فيُعزى المراجعُ العِظام والأُمَّة الإسلامية، العالم الإسلامي، ولا ذكر لصاحبِ الأمر!! أو يُذكر بعد ذلك، وحتَّى لو ذُكِر في أوّلِ الأمر، في أوّل الكلام، القضيّة ليستْ مهمَّة. أنا هُنا أريدُ أنْ أُشير إشارات، هذهِ الإشارات ليستْ هي الَّتي في نفسها مهمَّة، لكنَّ هذه الإشارات تتحدَّث عن واقع، أنا أريد أنْ أُشير إلى الواقع، إلى واقعٍ (ذكرُ الإمام الحُجَّةِ فيه ذكرٌ خامل)، حتَّى لو ذهبنا إلى شُعرائنا الحُسينيين، لن نجدَ ذكْراً واضحاً لإمام زمانِنا، الكثير من الشُّعراء حِين ينظمون القصائد الحُسينيّة في أيّامِ مُحرَّم، حتَّى حينما يُطلبُ منهم أنْ يذكروا الإمام الحُجَّة لا يستسيغونَ ذلك أنْ يذكروا الإمام الحُجَّة!! مثلاً في ليلة عليٍّ الأكبر، أو في ليلة القاسم، يقولون هذهِ الَّليلة لعليٍّ الأكبر، هذهِ الَّليلة للقاسم، وهذه الظَّاهرة واضحة على طول الخط، وبعْض الشُّعراء يذكرون الإمام بأبياتٍ قليلة الرَّادود لا يَقرؤُوها!! حينما يُسأل فيقول: بأنَّ هذهِ الَّليلة هي ليلةُ العبَّاس! ما الَّذي جاء بذكرِ صاحبِ الزمان؟! أنا هنا لا أفترض افتراضات، أنا أعيشُ في هذا الوسط الحُسيني منذُ نُعومةِ أظفاري وأنا جزءٌ منه، هذهِ هي الحقيقة الموجودة: ذكرُ الإمام ذكرٌ خامل!! – وَلَيَخْمِلَنَّ هَذَا حَتَّى يُقَال مَاتَ هَلَك فِي أيِّ وَادٍ سَلَك – ليسَ بالضَّرورة أنْ تُقال هذهِ العبارات، ولكن هُناك الكثير من الشِّيعةِ لو قِيلَ لهم تعلَّقوا بإمام زمانكم أو يكون الحديثُ عن إمام زمانهم يقولون (آوووو … هذي قضية بعيدة)!! نحنُ الآن في حال، وقضيّةُ الإمام في حالٍ آخر!! أنا أذكرُ في بداية الثَّمانيات حِينَ كُنَّا نقرأُ دُعاء النُدبة وحِين كنتُ أشرحُ دُعاء النُّدبةِ أو أتحدَّث مِثل هذهِ الأحاديث الَّتي أُحدِّثُكم بها (الآن يتحدَّثون رُبّما بعض الشَّيء عن الإمام الحُجَّة عليه السَّلام بعدَ أنْ أصبَح النَّاس يُطالبون بذلك) حِين كنتُ أشرحُ دُعاء النُّدبةِ أو أتحدَّث مِثل هذهِ الأحاديث، رُموز كبيرة، أسماء معروفة مِن العلماء كانوا يقولون: إنَّ هذا الطَّرح وهذا الكلام ليسَ مُناسباً للزَّمان الَّذي نَعيشُ فيه، نحنُ في زمانِ مواجهة، وفي زمانِ عمليةٍ كُبرى في تغيُّر الوضع السَّياسي في المنطقة، نحنُ في حالة جهادٍ، ودعاء النُدبةِ وذكرُ الإمام الحُجَّة يُثبِّطُ الهِمم ويُقْعِدُ النَّاس عن الجِهاد!! أيُّ فَهمٍ هذا؟! أيُّ دينٍ هذا؟! ومثلُ هذا موجودٌ لحدِّ الآن في الوسط الشّيعي؟! وَلَتُكَفَّؤنَّ كَمَا تُكَفَّأُ السَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ البَحْر – تُكَفَّأُ السَّفينة؛ تَميل إلى هذهِ الجهة حتَّى تكاد أنْ تغرق، حتَّى يدخُل شيءٌ من الماء فيها، ثُمَّ تميل إلى الجهة الأخرى حَتَّى تكاد أنْ تنقلب، هذا هو تكفّىء السَّفينة، تميلُ أشدَّ الميل حتّى تكادُ تنقلب، حتَّى يدخُل الماء في جوفها في جوفِ السفينة – وَلَتُكَفَّؤنَّ – إشارة إلى التَّقلُّبات والتَّغيرات والأحداث المختلفة مِن الفِتن، والتَّغيرات السَّياسية، أو الحروب العسكرية، أو المشاكل الاقتصاديَّة،أو مختلف أنواع المعاناة: من القهرِ والظُّلم والإرهاب، الإرهاب السّياسي، الإرهاب الدَّموي، الإرهاب الفكري، والإرهاب الفكْري مَوجودٌ حتَّى في واقعنا الشِّيعي! هناك إرهابٌ فكري واضح، المؤسَّسةُ الدَّينية في بعض الأحيان، بلْ ربَّما في أحايين كثيرة تمارسُ سلطتها بنحو الإرهاب الفِكْري، ليسَ في يومنا هذا.. على طول الخط هذهِ القضيَّة موجودة، وهذا الأمر موجودٌ بشكل عام في كلِّ المؤسَّسات الدَّينيةِ في العالم – وَلَتُكَفَّؤنَّ كَمَا تُكَفَّأُ السَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ البَحْر، لا يَنْجُو – في هذا التَّكفأ والتقلُّب – لا يَنْجُو إلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَه – والميثاقُ وَلايةُ عليٍّ، الميثاقُ إمامةُ إمام زمانِنا. سؤالٌ هل يستطيع الإنسان أنْ يتلمَّس هذا المعنى؟ نعم الميثاق هو شيءٌ مَوثوق مَربوط، الوثاق هو الرّباط، إذا كان الإنسانُ يرى أنَّ قلبَهُ مَربوطاً بإمامِ زمانهِ هذهِ علامة على أنَّهُ قَد أُخِذ ميثَاقُه، أمَّا هَذا الَّذي لا يجدُ رِباطاً حقيقياً في قلبهِ، في باطنهِ بإمام زمانِه، ومع إمام زمانه، فلا ينطبقُ عليه هذا الوصف – لا يَنْجُو إلَّا مَنْ أَخَذ اللهُ مِيثَاقَه وَكَتَبَ الإِيْمَانَ فِي قَلْبِه وأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْه – رِعاية خاصَّة، هُناك عناية خاصَّة وهذه العنايةُ تأتي من إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه – لا يَنْجُو إلَّا مَنْ أَخَذ اللهُ مِيثَاقَهُ – متى ينجو؟ حينَ تتكفّأُ السفينةُ، ومتى يكونُ ذلك؟ حينَ تُرفَعُ الرّاياتُ المُشتبهة – وَلَتُرفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشَرَة رَايَةً مُشْتَبَهَة لا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أي – راية واضح معناها لا أعتقد أنَّ الأمر بحاجةٍ إلى شرح، راية يعني هناك قائد، هناك فكرة، هناك رموز، هناك أتباع، واضح مجموعات، الرَّايةُ تعني فكرةً، وشعاراً، وهدفاً، وقادةً، وأتباع، وحركةً في وسط المجتمع، قد تكون سياسيَّةً، دينيَّة، اجتماعيةً، هي هذهِ الرَّاية. مُشتبهة؛ يعني لا يستطيعُ الإنسان أنْ يُميّزها، فهي مِن جهةٍ تشبهُ الحقّ، ومِن جهةٍ أيضاً تشبهُ الباطل، فهي راياتٌ مُشتبهة. هذه الرّايات المشتبهة لماذا تكون مُشتبهة؟ لأنَّها تدعو إلى أهداف مُتقاربة، وربَّما إلى هدفٍ واحد بحسب الظَّاهر، أو إلى فكرةٍ واحدة، أو إلى فِكَرٍ مُتقاربة، الحديث في الوسط الشّيعي، وما أكثر الرَّايات في الوسط الشّيعي، ليس في يومنا هذا.. في الماضي في الحاضر في المستقبل وليس بالضرورةِ أنَّ الرّواية هذهِ تتحدَّثُ عن الحاضر، فلربّما تتحدَّثُ عن المستقبل، لكنَّنا نجدُ في الحاضرِ ما هو شديدُ الشَّبه بالَّذي في هذهِ الرّواية. إنَّني لا أملكُ صكَّاً أو ضماناً أنَّ هذه الرّواية تتحدَّثُ عن وقتنا الحاضر عن زمانِنا الرَّاهن، لربَّما تتحدَّثُ عن مُستقبلِ الأيّام، لكنّني أقول: إنَّ واقعنا الشِّيعي في العراق يشبهُ ما هو موجود هُنا، فبالتَّالي نفسُ القَوانين نفسُ الآثار نفسُ الواقع المذكور في هذه الرّواية بتفاصيلهِ سينطبقُ على واقعنا الرَّاهن، باعتبار أنَّ الحديث عن العراق البلدُ الأوّل الَّذي اخترتهُ في الجغرافيا المهدويّة، المُفضَّل ابنُ عُمر هو وكيلُ الأئمَّةِ في الكوفة، يتواجدُ دائماً في الكوفة، والحديثُ هُنا موجَّهٌ إليه، وهذا سيبدو واضحاً مِن خلال تتمَّة الرّواية، وهو قال في البداية ظننتُ أنَّ الحديثَ ليس لي ولكن بعدَ ذلك تبيّن أنَّ الحديث موجّهٌ إلي. لا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أي – كما قُلتُ قبلَ قليل هُناك تشابه في الشّعارات في المصطلحات، حتّى في الرُّموز، في كثيرٍ مِن الرُّموز هناك تشابه – قَالَ: فَبَكِيْتُ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أبَا عَبْدِ الله؟ – المُفضَّل كُنيتُهُ أبو عبد الله – فَقُلْتُ: جُعِلتُ فِدَاك كَيفَ لا أَبْكِي وأَنتَ تَقُول اِثْنَتَا عَشَرَة رَايَةً مُشْتَبَهَة لا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أي؟! – المُفضَّل هُنا بكى لأنَّهُ عَلِم أنَّ هذا الكلام مُوجّه إليهِ لذلك بكى، بُكاؤه لأنَّها رايات شيعية، لو كانت من رايات المخالفين لَمَا بكى المُفضَّل. في زمانِ المُفضَّل موجودة عشرات الرّايات مِن رايات المخالفين – قَالَ: وَفِي مَجْلِسِهِ كُوَّة تَدْخُلُ فِيهَا الشَّمس – كوّة: نافذة صغيرة – فَقَالَ: أَبِيَّنَةٌ هَذِهِ؟ – الإمام يُشير إلى الشَّمس وإلى هذا الشُّعاع الدَّاخل من الكوّة – فَقُلتُ: نَعَم، قَالَ: أَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْس – كيفَ يكونُ ذلك؟ يكونُ أبينَ من هذهِ الشَّمس لتلك القلوب الَّتي أخذ اللهُ ميثاقها، للمُفضَّل وأمثال المفضَّل، القلوب الَّتي أخذ اللهُ ميثاقها وأيّدها بروحٍ منه، أليس مرَّت الرواية تقول – لا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَه وَكَتَبَ الإِيْمَانَ فِي قَلْبِه وأيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْه – فتكون الرَّايةُ أو الجهةُ الَّتي لهم أبينُ مِن الشَّمس لهذهِ القلوب الَّتي تحدّثَ عنها إمامُنا الصّادقُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه. القضيّةُ في غاية الخطورة، إذاً هذه الرّايات إلى أين؟ هذه الرّايات ليستْ إلى أهل البيت. إمامُنا الكاظم بعد شهادة الإمام الصَّادق كِبار الشِّيعة تحيَّروا إلى مَن يرجعون؟! لا أعني الجميع ولكن هُناك مجموعة من كبار الشِّيعة تحيَّروا إلى مَن يرجعون؟! عبدُ الله الأفطح وهو الابن الأكبر مِن أبناء الإمام الصَّادق جلس للنَّاس، وبايعهُ بعضُ الشِّيعةِ على أنَّهُ الإمام، وهؤلاء المجموعة: هشام ابن سالم ومَن معه، ومؤمن الطّاق ومن معهم دخلوا على عبدِ الله الأفطح سألوه فوجدوا ما عندهُ شيء، فخرجوا وبعضهم يُحدِّث البعض: إلى أين نذهب؟ إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ الإمام الكاظم أرسلَ إليهم أحداً، لَمَّا دخلوا على الإمام، الإمام رأساً قال لهم: إليَّ إليَّ … لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الخوارج، إليَّ إليَّ. الَّذي يبدو مِن هذهِ الرّواية أنَّ هذه الرّايات ليست هي الَّتي يُخاطبها صاحب الأمر: إليَّ إليَّ. هذي رايات كُلُّ رايةٍ تذهبُ في طريقها، لو كانت هذه الرايات راياتُ حقٍّ لَمَا قالَ إمامُنا الصَّادقُ: بأنَّها رايات مُشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أي، ثُمَّ قال أمرنا أبينُ من هذه الشَّمس. هذه رايات ذاهبة في طريقها. الرّواية ليست واضحةً جدَّاً، هل أنَّ هُناك من رايةٍ، هناك من مجموعةٍ ضِمْن هذه المجموعات الَّتي هي أمرُها أبينُ من الشَّمس؟ أو أنَّ المجموعةَ الَّتي أمرُها أبيَنُ من هذهِ الشَّمس خارج هذه المجموعات؟! لكن الخلاصة واضحة: هناك الكثير مِن الرَّايات الشِّيعية لا علاقة لها بالحُجَّةِ ابن الحسن، وهذا الأمر يتجلَّى ليس مِن خلال هذهِ الرَّواية بل مِن خلال العشرات والعشرات والمئات مِن الأحاديث الَّتي تناولتْ شُؤونات الغَيبةِ وشؤونات الظُّهور. هذا هو بحارُ الأنوار الجزء الحادي والخمسون والكلامُ منقولٌ عن سيِّد الأوصياء صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، ماذا يقولُ أميرُ المؤمِنين؟ – اِعْلَمُوا عِلْمَاً يَقِينَاً أنَّ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ قَائِمُنَا مِنْ أَمرِ جَاهِلِيَّتِكُم، وَذَلِكَ أنَّ الأُمَّةَ كُلَّهَا يَومَئِذٍ جَاهِلِيَّة إلَّا مَنْ رَحِمَ الله – هذا كلامُ أمير المؤمنين ما هو بكلامي، اِجمع هذا الكلام مع ذلك الكلام المُتقدِّم، ألم يقل هُنا إمامنا الصّادق:- وَلَتُكَفَّؤنَّ كَمَا تُكَفَّأُ السَّفِينةُ في أَموَاجِ البَحر لا يَنْجُو – في هذا التَّكفُّأ وهذا التَّقلُّب هذهِ الّرايات المختلفة – لا يَنْجُو إلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَه وَكَتَبَ الإِيْمَانَ فِي قَلْبِه وأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنه – ماذا يقول هُنا إمامُنا سيِّدُ الأوصياء؟ – وَذَلِكَ أنَّ الأُمَّةَ كُلَّها يَومئِذٍ جَاهِلِيَّة إلَّا مَنْ رَحِمَ الله – مَن رَحِمَ الله؛ هو هذا الَّذي كُتِبَ الميثاقُ في قلبِه، أُخِذَ الميثاق في قلبه، وكُتِب الإيمانُ في قلبه، وأُيِّدَ بِروحٍ من الحُجَّةِ ابن الحسن، بتأييّدٍ وعنايةٍ ورعايةٍ – وَذَلِكَ أنَّ الأُمَّةَ كُلَّها يَومئِذٍ جَاهِلِيَّة إلَّا مَنْ رَحِمَ الله – أيَّةُ جاهلية؟ – مَنْ بَاتَ لَيلَةً واحِدَة لا يَعْرِفُ فِيهَا إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة – كما قُلت قبل قليل في شرحِ وصيَّةِ بابِ الحوائج من أنَّ الحقيقة المطلوبة من الإنسان معرفةُ إمام زمانهِ الَّتي هي حدٌّ فاصلٌ بين الجاهليَّة وبينَ الإيمان – وَذَلِكَ أنَّ الأُمَّةَ كُلَّها يَومئِذٍ جَاهِلِيَّة إلَّا مَنْ رَحِمَ الله! – الرّوايةُ عن إمامنا موسى ابن جعفر عن آبائهِ عن سيِّدِ الأوصياء عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم، ماذا يقول رسولُ الله؟ – بُعِثْتُ بَينَ جَاهِلِيَّتَين لَأُخْرَاهُمَا شَرٌّ مِنْ أُولَاهُمَا – أيَّةُ جَاهِلِيَّة؟ الجاهليةُ الَّتي بُعِثَ في أيَّامِها، والجاهليةُ الَّتي نحنُ نعيشُها الآن في زمنِ الغَيبة. الثَّانية أكثرُ شرَّاً مِن الأولى، هذا كلامُ النَّبي الأعظم صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم! وهذا المضمون نجدهُ واضحاً في الأحاديث الَّتي يرويها لنا شيخنا النّعماني في الغيبة – عَن الفُضَيل ابن يسار: سَمِعتُ أبَا عَبد الله – يعني الإمام الصَّادق – يَقُول: إنَّ قَائِمَنا إذا قَام اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْل النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه مِنْ جُهَّال الجَاهِلِيَّة – إلى هذا يُشير خاتَمُ الأنبياء – بُعِثْتُ بَينَ جَاهِلِيَّتَين لَأُخْرَاهُمَا شَرٌّ مِنْ أُولَاهُمَا ؛- إنَّ قَائِمَنا إذا قَام اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ الله مِنْ جُهَّال الجَاهِلِيَّة، قُلتُ: وكَيفَ ذَاك؟ قَالَ: إنَّ رَسُولَ الله أتَى النَّاسْ وهُمْ يَعْبُدُونَ الحِجَارَة والصُخورَ والعِيدَان والخُشُبَ المنْحُوتَة وإنَّ قَائِمَنا إِذَا قَام أتَى النَّاس – ماذا يفعلون؟ – وَكُلُّهُم يَتَأوَّلُ عَلَيهِ كِتَابَ الله يَحْتَجُّ عَلَيهِ بِه – ماذا قالت الرّواية؟ ماذا يقولُ الصَّادق؟ – أتَى النَّاس وكُلُّهم – كُلُّ النّاس – يَتَأوَّلُ عَلَيهِ كِتَابَ الله يَحْتَجُّ عَلَيهِ بِه – المخالفون لأهل البيت قضيتُهم واضحة إذا أرادوا أنْ يتأوَّلوا (تأوّل) وليس تأويل. هناك فارقٌ بين التَّأويل وبينَ التَّأوّل، الرّواية هكذا قالت – أتَى النَّاس وكُلُّهم يَتَأوَّلُ – التَّأوُّل شيء. ما قالت الرّواية وكُلُّهم يُؤوّل، يُؤوّل مِن التَّأويل، يتأوَّل مِن التَّؤوُّل، فارقٌ بين التَّؤوّل والتَّأويل، التَّأويل يعني الحقيقة {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} الإمامُ هو صاحبُ التَّأويل، أمَّا النَّاس هم أصحابُ التَّأوّل. التَّأوّل: هو تغييّر المعنى عن أوليّتهِ بالضبط عكسُ التَّأويل. التأويل: هو صرفُ المعنى إلى أوّليّتهِ، بينما التَّأوّل صرفُ المعنى عن أوليتهِ عن حقيقتهِ. النَّاس كلُّهم يتأولون على الإمام صلواتُ اللهِ عليه كتاب الله، المخالفون قضيتهم مفهومة، الإمام يقول كُلُّ النّاس حتَّى الشِّيعة، الشِّيعةُ أيضاً يتأوَّلون كتابَ الله على الإمام صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، قد تقول كيف؟ القضيّة واضحة، واضحة بالنسبةِ لي، رُبَّما لا تكون واضحةً بالنّسبة لكم، حينَ أقرأ تفسير التّبيان التَّفسيرُ الأوّل لدى الشِّيعة، وبقيَّة المفسِّرين نهَجوا على نهجهِ، تفسيرُ التبيان لشيخ الطَّائفة الشَّيخ الطوسي رحمةُ الله عليه، تفسيرٌ معارضٌ لأحاديثِ أهل البيت، تفسيرُ مجمعِ البيان التَّفسيرُ المركزي في حوزتنا في النَّجف، مجمع البيان للشِّيخ الطَّبرسي تفسيرٌ مُعارضٌ لأحاديثِ أهل البيت، تفسيرُ الميزان للسيِّد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه، رُبَّما هو التَّفسير المركزي في حوزتنا في قم، مُعارضٌ لحديثِ أهل البيت وبشكلٍ واضح، وبقيَّةُ التَّفاسيرِ على هذا الوزن. هذهِ التَّفاسير مُعارِضَة لتفسيرِ أهل البيت، أهلُ البيت في رواياتهم يُفسِّرون الآيات بمعنىً، وعُلماؤُنا هؤلاء والبقيّة كذلك يفسِّرون الآيات بمعنىٍ يختلفُ مئة بالمئة عن المعنى الَّذي فسّر به الأئمَّة عليهم السَّلام تلكم الآيات، ونجد أنَّ هذه المعاني إمَّا أُخِذت بشكلٍ مُستقيم مِن كتب المخالفين، أو فُسِّر القُرآن وفقاً لمناهجِ تفسيرِ القُرآن عندَ المخالفين، فالّذينَ يقرؤون هذهِ التَّفاسير ويدرسونها وهم كُلُّ الشِّيعة، كُلُّ الشِّيعة يقرؤون، خطباء المنبر ينقلون لكم مِن هذهِ التَّفاسير، برامج الفضائيات عن القُرآن تأخذ مِن هذهِ التَّفاسير، دُروس الحوزةِ تأخذُ مِن هذهِ التَّفاسير، المؤلفون حين يُؤلّفونَ الكُتب يأخذون مِن هذهِ التَّفاسير، فصارتْ الثَّقافةُ القُرآنيةُ الشِّيعية ثقافةٌ مُخالفةٌ لأهل البيت بامتياز! فحينَ يظهر الإمام ويقول: بأنَّ حقائقَ القُرآن ليست كذلك، الثقافةُ الموجودة ترفضُ هذا الأمر، سيتأوَّلون كِتاب الله عليه، سواء بشكل مباشر يُعارضونهُ أو يتحدَّثون فيما بينهم، أو حتَّى الإنسان يُضمِر المعنى فيما بينهُ وبينَ نفسهِ. ليسَ بالضّرورة أنْ يتأوّلوا عليهِ أنْ يُعارضوه صريحاً لأنَّ الإنسان مشدود إلى ثقافتهِ والإنسان دائماً الصّور الَّتي تحضرُ في ذهنهِ هي الصُّور الَّتي تعلّمها مِن الثَّقافةِ العامّة. روايةٌ أخرى أيضاً في غيبة شيخنا النُّعماني رحمةُ الله عليه عن صادقِ العترةِ صلواتُ اللهِ عليه – إنَّ القَائِم عَلَيهِ السَّلام يَلقَى فِي حَربِه مَا لَمْ يَلْقَى رَسُولُ الله – جاهليتان كما قال خاتَمُ الأنبياء – (بُعِثْتُ بَينَ جَاهِلِيَّتَين لَأُخْرَاهُمَا شَرٌّ مِنْ أُولَاهُمَا)؛- إنَّ القَائِمَ عَلَيهِ السَّلام يَلقَى فِي حَربِه مَا لَمْ يَلْقَى رَسُولُ الله لأنَّ رَسُول الله أَتَاهُمْ وهُمْ يَعْبُدُونَ الحَجَارَةَ الْمَنْقُورَة، والخَشَبَةَ المَنْحُوتَة، وإِنَّ القَائِمَ يَخْرُجُونَ عَلَيه فَيَتأَوّلُونَ عَلَيهِ كِتَابَ الله وَيُقَاتِلُونَ عَلَيه – الرّواية هُنا تُبيّن مَعنىً أشنع من المعنى الأوّل؟! لأنَّ الرّواية السَّابقة تحدّثت أنّهم يتأوّلون عليه، الرّوايةُ السابقةُ قالت: وكُلُّهم يتأوّلُ عليهِ كتابَ الله يحتجُّ عليه بهِ، أمَّا هذهِ الرّواية ماذا تقول؟ – فَيَتأَوّلُونَ عَلَيهِ كِتَاب الله وَيُقَاتِلُونَ عَلَيه؟ – لذلك الرّوايات تحدَّثت عن آلاف مِن فُقهاء الكوفةِ يقفونَ في طريق إمام زماننا حينَ يُقبِلُ مِن الحجاز بين الكوفة وكربلاء يعني النَّجف، الكوفةُ يعني النَّجف في زماننا هذا أو في مستقبلِ الأيَّام، الرَّوايات تحدِّثُنا عن الأئمَّة آلاف مُؤلّفة من الفُقهاء والقُرَّاء يقفونَ في الطَّريق مُعترضينَ ورافضينَ للإمام، يعرفونهُ هو الإمام يُشخِّصونَهُ، البعض منهم يقولون للإمام: ارجعْ يابنَ رسول الله إنَّ دِين جدِّك في خير! طبعاً بوجودهم المبارك دِينُ جدِّه في خَير!! والبعض الآخر أسوأ في الأدب، وأسوأ في الاعتراض، يقولون: ارجع يا ابن فاطمة لا حاجةَ لنا بك، نحنُ لسنا مُحتاجينَ لك!! القسْم الثَّالث ماذا يقولون للإمام؟ يقولون: ارجعْ يا ابن فاطمة، ارجع يابن رسول الله، ارجع يا صاحبَ الأمر، فقد جرَّبناكم فما وجدنا فيكم مِن خير!! هؤلاء هُم نفسُهم يتأوَّلون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه! وفي الرّوايات أنَّ الإمام يُمهِلُهُم ثلاثة أيام، يومياً يلتقي بهم، يُناقِشُهم، يُوضِّح لهم الأمر، يُقيم عليهم الحُجج، يُبيّن لهم ما يُريدون صباحاً ومساءً لمدَّة ثلاثة أيام، اليوم الأوّل عند الصَّباح فما يَقبلون، عند المساء فما يَقبلون، اليوم الثَّاني كذلك عند الصَّباح عند المساء، اليوم الثَّالث أيضاً لا يقبلون، حينئذٍ ماذا يصنعُ الإمام، هذه الوجودات القذرة ماذا يصنعُ لها؟ فيقول لأصحابهِ: لا تُبقوا منهم أحد. الرّوايات تُحدِّثُنا عن هؤلاء، وتصفهم: فُقهاءٌ في الدّين، وقُرّاءُ القُرآن، قد علَّقوا المصاحف في أعناقِهم، هكذا تقول روايات أهل البيت وما هي برواية واحدة، روايات وفيرة عن الأئمَّة صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين. وحينُ يدخلُ إلى النَّجف بعد هذهِ الحادثة هناك رواية تقول: بأنَّ سبعين ألف مِن أهل النَّجف يختبئون في مكانٍ ينصبون كميناً للإمام يُريدون قتْلهُ!! حتْماً هذهِ المجموعات من أتباعِ تلكَ المجموعات، هذا في الرّوايات. أنا لا أقول هذهِ الرّوايات تنطبقُ على عصرنا الحاضر، لكن هذهِ الرّوايات وردتْ عن الأئمَّة، فإذا كان في الواقع الشِّيعي يمكن أنْ يكون مِثْل هذا، لابُدَّ للشِّيعي أنْ يتأكَّد مِن حالهِ، لابُدَّ للشِّيعي أنْ يفحصَ عن العلاج أن يفحصَ عن أسبابِ النَّجاة، هذا كُلُّه جاء في أحاديثِهِم ونحنُ نُخاطبهم في الزِّيارةِ الجامعة الكبيرة: كَلَامُكم نُور. النُّور الَّذي يُزيحُ هذهِ الظُّلمة هو كلامهم، الحقائق موجودة في كلامهم، ماذا يقول إمامُ زمانِنا؟ شِعارُنا في هذا البرنامج ومنهجنا ما هو؟ شِعارنا في هذا البرنامج هو هذا: زَهرَائِيِّونَ نحْنُ والهَوى زَهرائِي. ومنهجُنا هو هذا: طَلَبُ الْمَعَارِفِ مِنْ غَيرِ طَرِيقنا أَهلِ البَيت مُسَاوِقٌ لإنْكَارِنا – وإمام زمانِنا يقول – وقَد أَقَامَنِي الله وأنَا الحُجَّةُ ابنُ الحَسَن. هذا هو العلاج، وهذا هو البلسمُ الشَّافي حديثهم، كلامهم، منهجهم. يا شيعة أهل البيت فِرّوا، فِرّوا، فِرّوا إلى إمام زمانكم {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} الفِرار إلى الله هو الفِرار إلى إمام زمانِنا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى} لماذا جئتَ مُتعجِّلاً؟ {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى} {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} جئتُكَ مُتعجِّلاً قبلَ قَومي {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} الفِرار إلى الله الفِرارُ إلى بابهِ بابُ الله هو إمام زمانِنا، الفِرارُ إلى الله الفِرارُ إلى وجههِ، وجهُ الله هو إمامُ زمانِنا. فيَتَأوَّلُونَ عَلَيهِ كِتَاب الله وَيَقَاتِلُونَ عَلَيه – هذا الكلام كُلُّهُ يدور في جوِّ هذهِ الرايات المختلفة، أنا هنا لا أريد الحديث عن رايةٍ بعينها، الّذي يهمني أنَّ هذه الرّايات تَتَّبعُ منهجاً، هناك منهج وهذا المنهج مُتقارب، لذلك هي مشتبهة، تتشابه في أمورٍ كثيرة، قد تختلفُ في القيادات، قد تختلفُ في بعض الشّعارات، قد تختلفُ بألوان الملابسِ والثّياب، قد تختلفُ وتختلف، ولكنَّها مُشتبهة، هناك جهة تكاد تكون موجودة في كُلِّ هذهِ الرَّايات (المنهج) هناك منهجٌ تتَّبعهُ هذه الرّايات، هذا المنهج هو الَّذي يقود إلى هذه الحالة، فيتأوّلون عليهِ كتاب الله ويقاتلون عليه. الشَّيخ الصّدوق في كتابهِ: (صِفاتُ الشِّيعة) رواية في غاية الأهميَّة:- عَن أحمَد اِبن مُحمَّد الخزّاز قالَ: سَمِعتُ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلام يَقُول: إِنَّ مِمَّن يَتَّخِذُ مَودَّتَنا أَهْل البَيْت لَمَنْ هُوَ أَشَدُّ فِتْنَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنَ الدجَّال، فَقُلتُ لَهُ – الخَزّاز يقول – يَابنَ رَسُولِ الله بِمَاذا؟ – يعني كيفَ يكون هؤلاء الَّذينَ هُم مِن شِيعَتِكُم يَكُونُونَ أشدّ من الدجّال كيف يكونون؟ – قَالَ: بِمُوالاةِ أَعْدَائِنَا ومُعَادَاةِ أَوْلِيَائِنا إنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِك – يُوالون الأعداء ويُعادونَ الأولياء – إنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِك اِخْتَلَطَ الحَقُّ بِالبَاطِل واشْتَبَهَ الأَمْر فَلَم يُعْرَف مُؤْمِنٌ مِنْ مُنَافِقْ – قطعاً الكلام هُنا ليسَ عن قصَّاب أو عن خيّاط، لا أقصد من ذكرِي لهذهِ المهن الانتقاص منها، لكن هؤلاء النَّاس يسيرون في دُروبهم وفي طرقهم وفي حياتهم اليوميَّة، الدجَّال هو الزَّعيمُ الدّيني والسّياسي الَّذي يتزَّعم النَّاس في الدّينِ والسّياسة، إمَّا أنْ يكون زعيماً سياسياً أو زعيماً دينياً، والرّوايات الَّتي تُحدثنا عن الدجّال في آخر الزَّمان هو زعيمٌ دينيٌ وسياسيٌ في نفسِ الوقت!! الحديث عن زُعماء الشِّيعة عن قادة هذهِ الرّايات، لا أقصدُ أحداً بعينهِ، إنَّني أتحدَّثُ في الجغرافيا المهدويّة وأتحدَّثُ عن العراق وعن مجريات أحداثٍ تجري في زمنِ غيبةِ الإمام وفي زمنٍ قريبٍ مِن ظُهورهِ الشَّريف. نحنُ إذا تفحَّصنا الواقع الشِّيعي ألا تجدونَ أنَّ أطرافاً شيعيّة تُحارب الشَّعائر الحُسينيَّة وتُحاربُ الحُسينيين الَّذين يقومون بهذه الشَّعائر؟ هل الشَّعائر الحُسينية علامة لأولياء أهْل البيت؟ أم علامة لأعدائهم؟ هؤلاء الشِّيعة الَّذين يُحاربونَ الَّذينَ يُقيمون شعائر الحُسين، ألا يُحاربون أولياءَ أهل البيت؟ وفي نفسِ الوقت يحتضنونَ الَّذينَ يُحاربون الشَّعائر الحُسينية!! الَّذينَ يُحاربون الشّعائر الحُسينيَّة ويستهزؤون بها هؤلاء مِن شيعةِ أهل البيت؟ هل هذهِ علامة تدل على أنّهم من شيعة أهل البيت؟ وإنْ كانوا مِن الشّيعةِ بشكلٍ اجتماعي، مِن عوائل شيعيّة، وحتَّى لو فرضنا أنَّهم مِن شيعة أهل البيت، لكن هذا يُرضي الأئمَّة الاستهزاء بشعائر الحُسين؟ ألا تجدونَ في الشِّيعةِ هناك شيعةٌ يُحاربونَ شيعةً يُظهِرون البراءة مِن أعداءِ أهل البيت؟ هؤلاء الَّذينَ يُظهرون البراءةَ مِن أعداءِ أهل البيت شيعةٌ أم ليسوا بشيعة؟ ويحتضنون أُناساً يميلون إلى أعداءِ أهل البيت!! هذا الشّيء واضح وموجود في العراق باعتبار الحديث عن العراق، وخارج العراق أيضاً، في المناطق الشِّيعية الأخرى، ألا تجدون أنَّ شيعةً يُحاربونَ شيعةً لأنَّهم يُكثرون من الحديثِ عن الإمام الحُجَّةِ، ويدعون النَّاس للتَّمسُّك بهِ، يَصِفُونَهم بمختلف الأوصاف. هؤلاء الَّذين يدعون النَّاس إلى التمسُّكِ بالإمام الحُجَّةِ شيعةٌ أو لا؟ ألا تنطبق هذه الأوصاف على الَّذين يُحاربونَهُم؟ هُناك في الوسط الشِّيعي شيعةٌ وكُلّ هذهِ المجموعات (حين أقول شيعةٌ هذهِ مجموعات على رأسها مراجع وفقهاء وقادة وزعماء وعلماء) أليس في الواقع الشّيعي هناك شيعةٌ يُحاربونَ شيعةً لأنَّهم يدعون النَّاس إلى التمسُّكِ بحديثِ أهل البيت ويرفضون الفكر المخالف لأهل البيت؟ أليس هؤلاء شيعة؟ لماذا يُحاربون ويُحتضَنُ أولئك الَّذين هُم بالضدِّ منهم؟ أولئك الَّذينَ يكرعون في الفكر المخالف لأهل البيت؟ أليس هو هذا الواقع الموجود؟ هذا الواقع الشّيعي، والَّذين يعيشون في حوزاتنا العلمية، والمؤسَّسة الدَّينية يتلمّسونَ هذهِ الحقائق أكثر من غيرهم. الحديثُ طويل بقيَّةُ الحديث تأتينا في الحلقةِ القادمة في الجمعة القادمة. نحنُ نبقى وشعارُنا: زَهْرَائِيُّونَ نَحنُ وَالهَوى زَهْرَائِي … ومنهجنا: طَلَبُ المَعَارِفِ مِنْ غَيرِ طَرِيقِنَا أَهْلِ البَيت مُسَاوِقٌ لِإنْكَارِنَا … للحديثِ بقيَّةٌ وبقيَّةٌ مُهمّة جداً جداً جداً، الَّلحظات الأخيرة كما في كل حلقة، إلى أين نذهب؟ إلى محطةِ القلوب كربلاء كربلاء … سَلَامٌ عَلَى سَيّدَةِ الهَاشِمِيِّين وَجَوْهَرَةِ الطَالِبِيِّين … سَلامٌ عَلَى زِينَةِ أَبِيهَا عَلِيٍّ حَقِيقَةِ حَقَائِقِ الاسْمِ الأَعْظَمِ والكِتَابِ المُبِين … سَلَامٌ عَلَى دُرَّةِ العَلَوِيِّين ولُؤْلُؤَةِ الفَاطِمِيِّين … سَلامٌ عَلَى تَاجِ مَفَارِقِ الأَنْبِيَاءِ المُرْسَلَين والمَلَائِكَةِ المُقَرَّبِين … سَلَامٌ عَلى لَبْوةِ الحُسَينِ الَّتِي خَلَّفَها فِي كَرْبَلاء، فَهَدَرَ زَئِيرُهَا يَهْزَأُ بِالقَوَارِعِ والنَّازِلاَت، يُزَلْزِلُ العُرُوشَ والتِّيجَان، مِن عِراصِ الطفُوفِ إِلَى قُصُورِ الشَّام وأَكْوَاخِهَا … سَلامٌ عَلَى زَينَب… وَعَلى نَقِيَّاتِ الجُيُوب، المُنَزَّهَاتِ عَنِ العُيُوب، مِن آلِ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وآلِهِمَا ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه … في أمانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الجمعة 5 ذو القعدة 1436هـ الموافق 21 / 8 / 2015م قراءة جزء آخر مِن وصيّة إمامنا الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم: يا هشام : إنَّ لله على النَّاس حُجّتين، حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة، فأمَّا الظَّاهرة فالرُّسل والأنبياء والأئمّة، وأمَّا الباطنة فالعقول).هذا التّقسيم تقسيمٌ عُرفي (في العُرف العام يُقال لبعض الأشياء ظاهرة والأخرى باطنة). الوصيّة لا تتحدّث عن كلّ معنى تُطلق عليه كلمة العقل. فالعقل في الّلغة له دلالة، وعند المُتكلّمين له دلالة، وعند المُتصّوفة له دلالة. العقل الّذي تتحدّث عنه هذه الوصيّة الشَّريفة هو العقل المُنضبط بالثّقافة الزّهرائيّة المهدويّة. (بيان معنى لمصطلح الثقافة الزهرائية المهدوية) حين تنضبط العقول بثقافة آل محمَّد تتمكّن مِن إدراك الحقيقة الَّتي يُطلب من الإنسان أن يصلَ إليها، وما من شيءٍ وراء هذه الحقيقة، والغاية المطلوبة مِن الإنسان هي أن يُدرك حقيقة إمامهِ (كلٌّ بحسبه .. بحسب مداركه). يا هشام : إنَّ العاقل، الَّذي لا يَشغلُ الحلالُ شُكره، ولا يغلِبُ الحرامُ صَبْره. حديث عن بعض أوصاف العاقل الَّتي يُريدنا الإمام صلوات الله عليه أن نكون عليها. بيان معنى أنَّ الدّنيا طبيعتُها طبيعة تُرآبية، وبيان طبيعة أبنائها التّرابيّون. القِسم الثَّاني من البرنامج (الجغرافيا المهدويّة). إعادة قراءة الرّواية الَّتي يرويها المُفضّل عن الامام الصَّادق عليه السَّلام بخصوص الرّايات المُشتبهة الّتي سترتفع قبل قيام القِائم .. مع شرح معانيها. ذكر الإمام الحجّة (خامل) في الوسط الشيعي.. عرض بعض الإشارات والمصاديق الَّتي تبيّن كيف إن ذكر الامام الحُجّة خامل في الوسط الشيعي. (وليخملن حتى يقال مات أو هلك أو في أي واد سلك). ليسَ بالضّرورة أن تُقال هذه العبارات مات هلك .. ولكن هُناك الكثير مِن الشّيعة حِين يُقال لهم: (تعلّقوا بإمام زمانكم) يقولون – بالَّلهجة الدّارجة- : أووووه .. هذي قضيّة بعيدة..!!! هذا واقع مُرّ نعيشه. (ولتكفأن كما تكفأ السفينة في أمواج البحر) إلى أيّ شيءٍ يُشير تعبير الإمام عليه السَّلام : [ولتكفأن]..؟! (فلا ينجو إلَّا مَن أخذ الله ميثاقه، وكتبَ في قلبه الإيمان). الميثاق هو ولاية عليّ عليه السَّلام.. لكن السّؤال المطروح هُنا: هل يستطيع الإنسان أن يتلمّس هذا المعنى : مِن أنَّ المِيثاق أُخِذَ منه..؟ هل من علامةٍ يتلمّسها ليعرف؟! الكثير مِن الرّايات الشيعيّة لا علاقة لها بالحُجّة بن الحسن .. هذه الحقيقة ليستْ مأخوذة مِن رواية الإمام الصَّادق مع المُفضّل، بل مِن الكثير الكثير مِن روايات العِترة وكلماتهم صلوات الله عليهم. عرض لجملة مِن روايات العترة تتحدّث عن الجاهليّة الَّتي يستقبلها إمام زماننا مِن النّاس عند ظهوره الشَّريف، وأنَّها أشدّ من الجاهليّة الَّتي واجهها رسول الله صلَّى الله عليه وآله.. (وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله، ويقاتلونه عليه) فارق بين التَّأوّل وبين التّأويل.. ● التَّأوّل: هو تغيير المعنى وصرفهِ عن حقيقته وأوّليتهِ. ● التّأويل: هو إرجاعُ المعنى إلى حقيقتهِ وإلى أوّليّته. تفسير التّبيان، تفسير الميزان وهو التّفسير المركزي بين التّفاسير الشّيعيّة، وتفسير مجمع البيان، وبقيّة التفاسير الّتي كتبها مراجع الشيعة هذه التفاسير ثقافتها مُخالفة لثقافة أهل البيت عليهم السَّلام بامتياز. وهذا السَّبب الَّذي يجعل كُلّ النّاس في عهد إمام زماننا يتأوّلون عليه كتاب الله. الرّوايات تحدّثتْ عن آلاف مِن فقهاء الكُوفة (يعني النّجف الأشرف) آلاف مُؤلّفة مِن الفقهاء يقفون في الطّريق بين النّجف وكربلاء فيقاتلون الإمام ويُسيؤون الأدب في مخاطبتهم للإمام عليه السَّلام. والرّوايات تصِفهم أنّهم فُقهاء في الدّين، قُرّاء قُرآن. أنا لا أقول أنَّ هذه الرّوايات تنطبق على عصرنا هذا.. ولكن إذا كانَ الحالُ هكذا.. فيجب على الشيعي أن يفحص ليعرف مِن أين يستقي علمه وثقافته.. (طلبُ المعارف مِن غير طريقنا أهل البيت مُساوقٌ لإنكارنا) هذا هو العلاج، وهذا هو البلسم الشّافي)، يا شيعة أهل البيت فِرّوا إلى إمام زمانكم .. (فَفِرّوا إلى الله) هذا الفِرار إلى الله لا يتحقّق إلَّا بالفرار إلى الحُجّة بن الحسن. السِّمة الواضحة والمُشتركة في هذه الرّايات المُشتبهة هي (المنهج) .. هي تشترك جميعاً في المنهج، وإن اختلفتْ في القيادات وفي الشعارات وفي بعض التّفاصيل الأخرى. قراءة حديث الإمام الرّضا عن الدّجال الشّيعي .. والدّجال الَّذي تُحدّثنا عنه رواياتُ العِترة هو زعيم ديني وسياسي في نفس الوقت . وأنا هُنا لا أتحدّث عن شخص بعينه، وإنّما هو حديث عن البلد الأوّل في الجغرافيا المهدويّة، والرّوايات الواردة فيه والَّتي تتحدّث في الزّمان القريب مِن زمان ظُهور إمامنا عليه السَّلام. استعراض صُور ومواقف مختلفة في الدّاخل تتحدّث في هذا الجوّ جوّ الدّجال الشيعي، وتُشير إليه. وللحديث بقيّة مُهمَّة جدّاً جدّاً.