الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١۳٧ – لبّيك يا فاطمة ج٥٤ – ملامح المنهج الأبتر في الواقع الشّيعيّ ق٢١ – ضعف البراءة ج١٥ – الشيخ الوائلي ق٥ Show Press Release (29 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 137 – لبّيك يا فاطمة ج54 – ملامح المنهج الأبتر في الواقع الشّيعيّ ق21 – ضعف البراءة ج15 – الشيخ الوائلي ق5 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (19٬742 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سَلَامٌ عَلَيك يَا وَجْه الله الَّذِيْ إِلَيهِ يَتَوجَّهُ الأَوْلِيَاء… بقيَّةَ الله… مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَك وَمَا الَّذِيْ وَجَدَ مَنْ فَقَدَك؟!… الْحَلَقَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلاثُون بَعد الْمِئَة لَبَّيكِ يَا فَاطِمَة الجُزْءُ الرابع والخَمسوُن ملامحُ المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعيّ ق 2 – ضَعْفُ البَرَاءَة ج15 – الوائلي ق5 سَلَامٌ عَليْكُم إِخْوَتِيْ أَخَوَاتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ … العُنْوَانُ هُوَ العُنْوان: لبَّيكِ يَا فَاطِمَة …!! والحديثُ لا زَالَ في مَلامحِ المنهجِ الأبتر الَّذي يَتحرَّكُ بنشاطٍ شديد وفاعليَّةٍ كبيرة في الوسط الشِّيعي خُصوصاً في المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ الشِّيعيَّةِ الرَّسميَّة، والحديثُ في هَذهِ الحَلقة كَالحلقاتِ السَّابقةِ القريبةِ منها في السَّبق، في أجواءِ شيخنا الوائلي رَحمةُ اللهِ عليه المثال النَّموذجي الَّذي تتجلَّى فيهِ بشكلٍ واضحٍ جليٍّ مَلامِحُ المنهج الأبتر الَّذي تقدَّم الحديثُ عنه، حيثُ الصَّنميَّة الَّتي تَعصفُ في الواقع الشِّيعيّ خُصوصاً في الوسطِ العام الشِّيعي اتِّجاه الشَّيخ الوائلي ومَا يتجلَّى ويظهر في أحاديثهِ من اِنعدامٍ في أكثر الأحايين للبراءةِ الفكرية أو ضَعفٍ شَديدٍ جدَّاً في أحيانٍ أُخرى. وبعد أنْ عرضتُ بين أيديكم مِئة وَثيقة والقضيَّةُ لا تقفُ عند المئة، فإنَّني قد عرضتُ مقاطع أُخرى لم أعطِها رقماً وثائقيّاً، لكنَّني أردتُ أنْ أقفَ على المئة، وسأعرضُ أيضاً في هذهِ الحلقة مقاطعَ أُخرى سوف لا أعطيها رقماً وثائقيّاً، هذهِ المقاطع حالها حال الوثائق المتقدِّمة لكنَّني أردتُ أنْ أقف على عدد المئة كي يكون هذا الرقم واضحاً وصريحاً، حتَّى لو كان من مئة وثيقة لو كان تسعون وثيقة محرَّفة مُزوَّرة مكذوبة فُهِمَت بشكلٍ خاطئٍ فالوثائق العشرة المتبقيَّة تُثبِت المطلب، فليس من المعقول أنّه من مجموع مئة وثيقة عُرِضت بين أيديكم من هذا المجموع الكبير هناك تسعون مكذوب مزوّر!! القضايا واضحة وقد عُرِضت بين أيديكم مع شرحٍ وتفصيلٍ وتوضيحٍ وبيان. بعد أنْ أكملتُ الحديثَ في الوثائق، عرَّجتُ على نماذج من مُؤلَّفات ومن كُتَب الشَّيخ الوائلي وبدأتُ بكتابهِ: (هويَّة التشيُّع)، وسمَّيتها بحسب قناعتي: (هويَّة التشيُّع الأبتر !!)، وقد بينّتُ لكم مقصودي ومُرادي بالأدلَّة والوثائق والحقائق. في هذهِ الحَلقَة سأواصل حديثي من حيثُ توقَّفتُ في الحلقة الماضية، أكملتُ الحديث بخصوص ما جاء في كتابِ شيخنا الوائلي رحمةُ اللهِ عليه: (هويَّةُ التشيُّع)، سأتناول كتاباً آخر: (تجاربي مع المنبر)، والَّذي يبدو هو آخر كتابٍ كتبهُ الشِّيخُ الوائلي، النُّسخة الَّتي بين يديّ الطبعة الأولى، 1998 ميلادي، دار الزَّهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، والشَّيخ الوائلي توفّي سنة 2003 ميلادي، رحمةُ الله عليه، في صفحة 7، الشَّيخ الوائلي يكتب إهداءً، لمن يهدي هذا الكتاب؟ – الإهداء: إلى إخوة الدَّرب – يُشير بذلك إلى خُطباء المنبر الحُسيني – إلى إخوة الدَّرب الَّذين تتابعت قوافلهم في طريق أبي الشُّهداء الممتدِّ من يوم شهادتهِ حتَّى السَّاعة، وتَوالت خُطاهم في قطعِ مَراحل المسيرةِ على تَفاوتٍ فيها، من حيثُ وعورة الطريق وسهولتهِ ومن حيثُ لينهِ وشِدَّته، لقد مشوا وهم يحملون الحُسين للأجيال مثلاً أعلى في أُفُق الشَّهادة – إلى آخر الكلام، واضح الشَّيخ الوائلي يُهدي كتابَهُ هذا ويُقدِّمهُ لخطباءِ المنبر الحُسيني، للأجواء الحسينيَّة وبشكلٍ خاص لخطباء المنبر الحُسيني، والكتاب واضح من عنوانه: (تجاربي مع المنبر)، الشَّيخ الوائلي قامةٌ مُمتدّةٌ في جوِّ الخطابةِ وفي ساحة المنبر الحُسيني لأكثرِ من نصف قرن، لذا هنا يُسجِّلُ أهمَّ الملاحظات الَّتي تَعلَقُ بذهنهِ مِن خُلاصةِ تجاربهِ، وبالذات معَ المنبر كما هو عنوان الكتاب: (تجاربي معَ المنبر). نتجوّلُ في كتاب الشَّيخ الوائلي نأخذ لقطات من هنا ومن هناك: على سبيل المثال في صفحة 145: تحت عنوان: (حصيلة تجاربي مع المنبر)، يتحدَّثُ عن أمورٍ وعن ممارساتٍ مرَّت في حياتهِ الخطابيّة المنبريّة العلميّة سَمِّ ما شئت، فيتحدَّث عن نوعينِ من الأمور – النوع الأوَّل أمورٌ لم أعملها ونَدِمتُ على ذلك وأمورٌ – إلى آخرهِ – وسأبدأ بالقسم الأوَّل الَّذي ندمت على عدمِ فعله – وهنا يتحدَّث عن نوعين من الأمور، أنا لا أريد أنْ أقرأ كُلَّ شيءٍ، لكنَّني سأقرأ عليكم سطوراً من هنا ومن هناك تعكسُ لنا أبعاداً مهمَّةً من شخصيَّةِ شيخِنا الوائلي الفكريّة، أنا لا أتحدَّثُ عن شخصيَّتهِ الاجتماعية هنا ولا عن شخصيَّتهِ الأُسَريّة، لا علاقةَ لي بهذا الموضوع. كما قلتُ في صفحة 145، من كتابه: (تجاربي مع المنبر) – وسأبدأُ بالقسم الأوَّل الَّذي نَدِمتُ على عدمِ فعله – أوَّل شيء ذكر في صفحة 146، الأوَّل، يعني أوَّلُ أمرٍ ندم على أنَّهُ لم يقم بهِ، ما هو هذا الأمر؟ – الأوَّل هو أنَّي لم أُكمِل الدورات الدراسيّة – يتحدَّث عن الدراسة الحوزويّة، وإلَّا فدراستهُ الأكاديميّة قد أكملها، أخذ البكالوريوس والماستر والدكتواره، يتحدَّث هنا عن الدراسة الحوزويّة في الحوزة العلميَّة الشِّيعيَّة النَّجفية، فأوَّل أمر لم يفعلهُ وندمَ عليهِ بعد ذلك – هو أنَّي لم أكمل الدورات الدراسية المتعلِّقة بالعُلوم الإسلامية، الفقه، وأصول الفقه، والفلسفة، وكُلُّ مُشقتات العربية إلى آخره – هو يقول إلى آخره – فقد كان يبنغي عدمُ الاكتفاء بدوراتٍ عاديَّةٍ غيرِ مُكثَّفة بل لابُدَّ من إحاطةٍ تامّةٍ بتلكَ العلوم الَّتي تُعتبَر أساساً ضروريّاً للمنبر – ويستمرُ في تفصيل هذا الأمر في صفحة 146، ثُمَّ ينتقل إلى أمرٍ آخر وهكذا، أكتفي بهذهِ اللقطة وهو يتحدَّث عن عدم إكمالهِ للدورات الدراسيّة، للعلوم الحوزويّة بشكلٍ تامٍّ وكامِل. هذا الأمر أخذ منهُ مأخذاً كبيراً فذكرهُ مرَّةً ثانية في صفحةٍ أخرى من نفس الكتاب، في صفحة 122، يقول:- وقَد عانيتُ كثيراً مما أسعى الآن إلى تلافيه – قطعاً لم يستطع أن يتلافى ذلك، هذا حديثٌ في آخر العمر – وقد عانيتُ كثيراً – كما قلت هذه الطبعة سنة 1998، وهو توفّي سنة 2003، خصوصاً وأنَّهُ أُصيبَ بمرضٍ عُضالٍ في سنواتهِ الأخيرة، في أيَّامهِ الأخيرة، ماذا يقول شيخنا الوائلي؟ – وقد عَانيتُ كثيراً مِمَّا أسعى الآن إلى تلافيه وهو عدم إكمال دوراتٍ كاملةٍ في الفلسفةِ وأصول الفقه وقواعد الفقه وذلك لتعذُّر التوفُّر على إكمالها مع الإيفاءِ بمتطلبَّات الخطابة الأخرى ولكنَّي أعترف أنَّ هذا خطأٌ كبير – إلى آخر كلامهِ، فهو هنا يؤكّد نفسَ المطلب السَّابق الَّذي مرَّ ذكرهُ في صفحة 146، ولأنَّ الأمر أخذ من نفسه مأخذاً واضحاً لذلك كرَّر ذكرَه. في هذا الفصل الَّذي عنونهُ: (خطواتي في المنهج)، صفحة 111، وإذا ما لاحظتم أوَّل مجموعة من الوثائق في هذه الحلقات، في الحلقات الَّتي تحدَّثتُ فيها عن الشَّيخ الوائلي، أوَّل مجموعة من الوثائق كانت تحت عنوان: (المنهج)، وضعتُ لها هذا العنوان، مجموعة وثائق تُحدِّثُنا عن سِماتِ منهجيَّةِ مدرسةِ الشَّيخِ الوائلي، هنا الشَّيخ الوائلي هو يتحدَّث عن منهجيتهِ صفحة 111 (خطواتي في المنهج) إلى أن يصل إلى صفحة 123، يقول:- وأودُّ أنْ أختمَ هذهِ اللمحات العَابرة بتذكيرِ إخواني الخطباء – باعتبار الكلام في الكتاب موجّه إلى خطباء المنبر الحُسيني – بتذكير إخواني الخُطباء بما ينبغي أنْ يعتزّوا به وهو أنَّهم في قناةٍ انتظمت أئِمَّتَنا عليهُم السَّلام ابتداءً من أمير المؤمنين حتَّى صاحب العصر أرواحنا فداه – هو يقول أرواحنا فداه – لقد كانوا رُوَّادَنا في إحياء ذكرى الحُسين – مَن؟ الأَئِمَّةُ من أمير المؤمنين إلى صاحب الأمر – لقد كانوا رُوَّادنا في إحياءِ ذكرى الحُسَين ولَفتِ الانتباه إلى واقعة الطَّف وتصوير مآسيها وشدِّ النَّاسِ إلى الاستفادة من دُروس الطّف والحرص على البقاء في تماسٍّ مع مُعطياتها فإنَّها رافدٌ لا ينبغي أن يجفّ ودمٌ سيبقى ثأرَ اللهِ تَعالى – ويستمرُّ على نفس هذا النَّسقِ من التعبيرِ والكلام إلى أنْ يقول في نفس الصفحة، وهي صفحة 123:- ويأتي من بعد أئِمَّتنا – أئمَّتُنا كانوا روّاداً لنا في هذا النَّهج الحسيني – ويأتي من بعد أئِمَّتنا – مَن؟ – سَلَفُنا الصَّالح سَدَنةُ الإسلام وحَملَةُ عُلوم الشريعة وفقهاءُ الأُمَّة – فهؤلاء يأتون بعد الأَئِمَّة – ويأتي من بعد أئِمَّتنا سَلَفُنا الصَّالح سَدَنةُ الإسلام وحَمَلة علوم الشَّريعة وفُقهاءُ الأَمَّة ليكونوا من رُوَّادِنا في طريق المنبر بإحياء ذكرى أبي الشُهداء كتاباً وشِعراً وممارسةً وعلى سبيل المثال لا الحصر – على سبيل المثال من أسماء هؤلاء الَّذين هم يأتون من بعد أئِمَّتنا كما عبّر عنهم: سلفُنا الصَّالحُ سَدَنةُ الإسلامِ وحمَلةُ علومِ الشَّريعةِ وفقهاءِ الأُمَّة – وعلى سبيل المثال لا الحصر: الشَّريفُ الرَّضي والإمام الشَّافعي والإمامُ أحمد ابن حنبل وهكذا يتسلسلُ استعراض الواقعة من العصور الأولى إلى هذهِ العصور – مسكونٌ الشَّيخُ الوائلي بهذه الأسماء ! هاجسهُ هذا الذَّوق إلى آخرِ لحظةٍ من لحظاتِ حياته، وها هي الوثائق تُشيرُ إلى ذلك، وقَد عرضتُ عليكم في جملةِ الوثائق، وسأعرضُها أيضاً في هذهِ الحلقة، بعد قليلٍ سيأتي عرضُها، الوثيقةُ العاشرة آخرُ لقاءٍ سُجِّل وصُوِّر للشَّيخ الوائلي وهو يتحدَّثُ بنفس هذهِ الطريقة، بنفس هذا الذَّوق بل ربَّما حديثهُ أكثر وأكثر في التعلُّقِ والاِرتباطِ بهذهِ الأسماء والمسمّيات، لن أُطيلَ عليكم المقام فيما يرتبطُ بهذا الكتاب، ولكن نذهب إلى فاصل وبعد الفاصل أعود كي أُكمل ما يرتبط من حديثٍ بكتاب شيخنا الوائلي (تجاربي مع المنبر). في صفحة 211، من نفس الكتاب تجاربي مع المنبر، العنوان هنا: (المصيبةُ في المجلس الحُسيني)، أذهب إلى صفحة 218، والَّتي بعدها أيضاً 219، وأقرأ لكم ما كَتَبهُ الشَّيخُ الوائلي في هذا الموضع من كتابهِ وهو يتحدَّثُ عن المصيبةِ في المجالسِ الحُسينية الَّتي كان يُقيمها، وبالمناسبة الشَّيخ الوائلي في آخر أيَّام حياته بدأ يختِم المجالس بشيءٍ مختصرٍ جدّاً وفي بعض الأحيان ربَّما لا يشير لا من قريبٍ ولا من بعيد إلى الطريقة أو إلى الأسلوب الَّذي كان يتَّبعهُ في مجالسه سابقاً من ذكر المصيبة والنَّعي، هو هنا يتحدَّث ويُبيِّن لنا جانباً من رؤيتهِ ومِمَّا يعتقدُ بهِ،كما قلت: صفحة 218، صفحة 219، يقول:- وأختمُ هذا الفَصل – أيّ فصل؟ الفصل الَّذي عنونهُ: (المصيبة في المجلس الحسيني)، مصيبة المجلس الحسيني – وأختم هذا الفصل بموقفي من هذا الموضوع – من قضيَّة ذكر المصيبة والنَّعي، قطعاً هذا الموقف تجدَّد عنده بشكلٍ قوي في آخر أيَّام حياته ويبدو أنَّ لهذا الموقف بدايات – وأختمُ هذا الفصل بموقفي من هذا الموضوع، لقد درجتُ في بداية قراءتي في المجالس على الأسلوب السَّائر والنَّمط الدَّارج في ذكر المصيبةِ بغثِّها وسمينِها، بل ربَّما أكّدتُ بعضَ القضايا في ذلك وهي مِمَّا إذا ذكرتهُ الآن أشعر بعدم الرّضا منه – فهو ليس راضياً عن طريقتهِ السَّابقة أو عن بعضها – وسبب ذلك أوَّلاً – سببُ ماذا؟ سببُ اتِّباع الطريقة التقليدية، وذلك ما يسمَّى بالگوريز والمصيبة، يعني أن يُهيَّأ السَّامعُ بذكرِ واقعةٍ بأسلوبٍ نَثريٍّ خِطابيّ، واقعة أو حَدَث أو صُورة من مجموعة مَصائب الحُسينِ وآلِ الحُسين، وبعد ذلك ينتقل إلى أنْ يقرأ أشعار النَّعي بالأطوار المعروفة، وهذا الأسلوب يحبُّه أهلُ البيت، هم كانوا يطلبون من الشعراء أنْ يقرأوا بهذهِ الألحان، اقرأوه أو اقرأه، الإمام يقول لهُ كما تقرأونه عندكم بالرِّقة أي باللَّحن، باللَّحن الرقيق وبالأطوار، الشاعر يأتي ويقرأ الشِّعر درجاً هكذا إلقاءاً، الإمام في بعض الأحيان يستمع إلى هذا الشعر خُصوصاً إذا كانت قصائد في المدحِ أو في الرثاء، قصائد جديدة وطويلة ولكن في بعض الأحيان هو يطلب من هذا النَّاعي أو من هذا الشاعر إذا كان قادراً على ذلك أن يقرأ شِعرَهُ، أنْ يقرأ المصيبةَ بالأطوار وبالألحان الَّتي كَانت مُتعارفةً آنذاك. مع شيخنا الوائلي نستمر – وسببُ ذلك أوَّلاً: غلبةُ التَّيار السَّائد، وعدمُ وجود النَّقد في هذا المضمار، لأنَّ النَّقد يتأتّى من النَّاقدِ نفسه، ويستنكرهُ عليه الوسط المندمج في عالم المجالس وليست مسألة النَّقد موجودةً عندنا ولو وُجِدت لأسهمت كثيراً في تنظيف الساحة من الشوائبِ والطفيليّات ولكنَّها مع الأسف معدومةٌ لأسباب كثيرة – فهل يقبل الشَّيخ الوائلي بهذهِ النقود الَّتي أُبيُّنها وأطرحُها؟ أنا أقول لتلامذة الشَّيخ الوائلي: الشَّيخُ الوائلي يُطالِبُ بالنَّقد وقطعاً هذا كلام نظري – وثانياً: لأنَّ مستوى وعيي – يتحدَّث عن مستوى وعيهِ هو – كان محدوداً ومساحة ممارستي للمنبر كَانَت ضيِّقة وحتَّى لو اتَّسعت فإنَّ الوقت آنذاك كان المستوى فيه ليس بالمطلوب، وحينما أخذتُ أتدرَّج بالوعي وأتفاعلُ معَ أجواء أوسع نسبيَّاً بدأتُ ألمس المفارقات وأتعرَّفُ عليها – حين اختلط بشخصيّات يُمكن أنْ نُسميَّها عَلْمَانيّة أو لا دينيّة أمثال جعفر الخليلي وأضراب جعفر الخليلي، وشعرٌ كثيرٌ موجودٌ في ديوان الشَّيخ الوائلي في مديح وفي التشوّق وفي المراسلة وفي رثاء جعفر الخليلي. وحينما أخذتُ أتدرَّج بالوعي وأتفاعل مع أجواء أوسع نسبياً بدأتُ ألمس المفارقات وأتعرَّفُ عليها، كما عرفتُ الوجهَ الآخر لكثيرٍ من النَّاس الَّذين لا يُظهِرون معارضةً علنيَّةً لذلك ولكنَّهم يَنقدونها بشدَّة إذا كانوا في وسطٍ يهضم ذلك، وحين وصلتُ إلى هذا الحدّ وقفَت أمامي عقبةُ الطفرة – يعني لا أستطيع أنْ أترك المصيبة، هو اقتنع بأنَّ ذكر النَّعي والمصيبة بهذهِ الطريقة ما هو بشيءٍ حَسَن، في زمانٍ مُتقدِّم، ولكن يقول:- أمامي وقفت – ماذا؟ – عَقَبَة الطَّفرة – يعني كيف أستطيع أنْ أُطوِّر المجلس الحسيني من دون تدرُّج، أن أترك ذكرَ المصيبة، أو أن أترك الأسلوبَ والطريقةَ السَّائدة – وحين وصلتُ إلى هذا الحد – إلى هذا الحد من الوعي بحسب ما يقول – وقفت أمامي عقبةُ الطفرة فليس من الممكن تقليص موضوع المصيبة بطفرة بل وحتَّى بالتدريج فضلاً عن الطفرة – حتَّى التدريج من الصعوبة أنْ نتجاوز هذا الأمر – ولنأخذ مثلاً لذلك: موضوع عرس القاسم ابن الحسن فإنَّهُ فضلاً عن كونهِ لا أساسَ لهُ فإنَّهُ لا موضوعَ له لأنَّ القاسم آنذاك لم يبلغ بل هو صبيّ ولأنَّ الزوجة الَّتي تُذكَر له كانت متزوّجة – هذا من افتراءات المخالفين. لا أتحدَّث عن رواية عرس القاسم وإنَّما أتحدَّث عن زواج السيِّدة سكينة، فالشَّيخ الوائلي هنا يتحدَّث عن أنَّ السيِّدة سكينة كانت متزوّجة، هذا الكلام بحسب افتراءات وأكاذيب المخالفين الَّتي تعوّد الشَّيخ على أنْ يعبَّ منها، هو يُضعِّف رواية زواج القاسم لا بأس بذلك وهي رواية شيعيّة موجودة في كتبنا الشِّيعيَّة، في كتب علمائنا، ذكرها الطريحي رحمةُ الله عليه، فخر الدين الطريحي وغيره أيضاً، لا بأس الرِّواية ضعيفةٌ بنظرهِ باعتبار أنَّ السيِّد الخوئي يُضعِّفها وأنَّ السيِّد السيستاني وبقيَّة المراجع والسيِّد مُحَمَّد باقر الصَّدر وسائر مراجعنا يُضعِّفون هذهِ الرِّواية قضيَّة زواج القاسم، لا بأس، ولكنْ لماذا تقبل بكلام المخالِفين؟ لماذا لا تُشكِّك في رواية المخالفين من أنَّ السيِّدة سكينة كانت متزوّجة؟! لماذا لا تُشكِّك بهذه الرِّوايات؟! لماذا تقبلها وتجعل من هذهِ الرِّوايات دليلاً لتضعيف الرِّواية الشِّيعيَّة، هذا هو المنطق الَّذي عليهِ الشَّيخ الوائلي على طول الخط. وتلاحظون هو في سياق استنكارهِ ورفضه لذكر المصيبة والنَّعي، ولكنَّه كان يذكر المصيبة والنَّعي مُجاراةً للوضع العام، وفي السنوات الأخيرة من حياتهِ بدأ يُقلِّص ذلك إلى أبعد الحدود، بعض المجالس تُبَث على الفضائيات من دون مصيبةٍ ومن دون نعي، النَّاس يتصورن أنَّ هذه المجالس قد قُطِع منها ذكرُ المصيبة، أبداً، هذه هي مجالس الشَّيخ الوائلي في أخريات أيَّامِ حياته، وهذا هو كتابه هو يتحدَّثُ بذلك !! أقرأ عليكم مرَّةً ثانية – وحين وصلتُ إلى هذا الحدّ – إلى أي حدّ؟ إلى حد الاقتناع بأنَّ هذا الأسلوب ليس سليماً – وقفت أمامي عقبةُ الطفرة – لا أستطيع أن أُلغي المصيبة من المجلس رأساً هكذا – فليس من الممكن تَقليص موضوع المصيبة بطفرة بل وحتَّى بالتدريج فضلاً عن الطفرة، ولنأخذ مثلاً لذلك: موضوع عرس القاسم ابن الحسن فإنَّهُ فضلاً عن كونهُ لا أساسَ لهُ فإنَّهُ لا موضوعَ له، لأنَّ القاسم آنذاك لم يبلغ بل هو صبيّ ولأنَّ الزوجة الَّتي تُذكَر له كانت متزوّجة – السيِّدة سكينة ما تزوَّجت، حتَّى حين جاء الحَسن المثنّى للإمام الحسين يخطبُ من الإمام الحُسين، يطلب منه أنْ يُزوِّجَه ماذا قال سيِّد الشهداء للحسن المثنّى؟ الحَسن المثنّى هو ابن الإمام الحَسن السِّبط، قال لهُ: أزوّجك ابنتي فاطِمَة فهي أشبهُ النَّاس بأُمِّي فاطِمَة، أمَّا سُكينة فهي لا تصلح لرجل، لماذا؟ لقد غلب عليها الاستغراق، هي مستغرقةٌ في الله، هذا هو منطقُ آلِ مُحَمَّد، أمَّا هذا الكلام هذا كلامُ المخالفين، هذا كلامُ أبي الفرج الاصفهاني وأمثال أبي الفرج الاصفهاني، وأبو الفرج الاصفهاني أمويّ النَّسب زيديّ العَقيدة، فماذا يُتوقَّع منه ومن أمثاله؟ هذا كلام الزبيريّين – ولأنَّ الزَّوجة الَّتي تُذكَر له كانت مُتزوّجة – ويستمر في القول – ولأنَّ الأجواء يوم العاشر ليست أجواء عرس ولأنَّ ولأنَّ إلى آخره – هو يقول إلى آخره – ولكن مع ذلك كُلّه ما زالت هذهِ المسألةُ حيَّةً تُقام لها طقوس خاصة في الثَّامن مِن المحرَّم ويُؤكِّدُ عليها كثيرٌ من القُرَّاء – القُرَّاء يعني الخطباء، خطباء المنبر – لأسبابٍ كثيرة وكلَّما أكَّدنا على ضرورة الابتعاد عن مِثل هذا ازداد بفعل عوامل متعددة، إذاً فالمسألةُ في تقليص المصيبة في المجلس الحُسيني كمَّاً وكيفاً لا يُمكن مُعالجتها بِطفرة كما أنَّنا لا نريد إلغاءَها كما أسلفت – يعني هو الآن تراجع عن إلغائِها – كما أنَّنا لا نُريد إلغاءَها كما أسلفت وإنَّما نريدُ تهذيبَها، فشرعتُ أُجسِّدُ نسبياً ذلكَ الأمر – ماذا يفعل؟ – فشرعتُ أُجسِّدُ نسبيّاً ذلك الأمر – وهو تقليص المصيبة – حيث أقلِّل من طول المدّةِ بذلك كما أختار للمُصيبة والمُصاب ما لا يَهبط بهما وتعرَّضتُ من أجلِ ذلك إلى كثيرٍ من الحثّ ومن الطلبات بتطويل المدَّة وتكثيف الكميَّة حتَّى من جماعةٍ من المثقفين الَّذين درسوا في أوربا – وكأنَّ هذه القضيَّة تتعارض مع الأجواء الثَّقافية، كما قلتُ لكم قبل قليل، لما قال حين تفاعلتُ مع أجواء أوسع نسبياً، يتحدَّث عن نماذج من العَلمانيّين الَّذين نشأت للشَّيخ الوائلي علاقات معهم، هذا كُلُّه في أجواء النَّجف وكذلك في أجواء لُبنان – وتعرَّضت من أجل ذلك – بسببِ أنَّهُ قلَّل المصيبة – إلى كثيرٍ من الحثّ ومن الطلبات بتطويل المدَّة وتكثيف الكمية حتَّى من جماعةٍ من المثقفين الَّذين درسوا في أوربا، وأعتقد – يعني هذا الطلب من هؤلاء – وأعتقد أنَّ لذلك علاقةً بالواقع الاجتماعي لهذهِ الطائفة – أي ليس القضيَّة قضيَّة عقائديّة، وإنّما هي قضيَّة مُرتبطة بالواقع الاجتماعي لهذهِ الطائفة، وغريبٌ هذا!! يعني أنَّ مسألة حُبّ الشِّيعة للمُصيبة وللنَّعي ما كأنَّ الأَئِمَّة هُم الَّذين ربّوا الشِّيعةَ على ذلك – وأعتقد أنَّ لذلك – وهذا بسبب جهلهِ بسيرة أهل البيت وبسببِ جَهله بتأريخ آل مُحَمَّد، هو على علمٍ ومُتابعةٍ بتأريخ النَّواصب – وأعتقد أنَّ لذلك علاقةً بالواقع الاجتماعي لهذهِ الطائفة وما تتعرَّضُ لهُ من ضغوط مِمَّا يدفعُ على طلبِ التنفيس الَّذي هو الحزنُ والبكاء، وحيثُ أنَّ البعض قَد يَرى أنَّ من الضَّعف والرِّكَّة أنْ يبكي فينتقل إلى غطاء البكاء على الحُسين ففيه بالإضافة للتنفيس وعدٌ بالثَّواب والجزاء الكريم، وعلى كلِّ حال فإنَّ كُلَّاً من الزَّمن ومستوى الذهنيَّة العامَّة والعوامل الاجتماعية الأُخرى هي الَّتي ستعطي الفصل في ذلك، نسأل الله أنْ يجعل مقاصدَنا سليمة واتِّجاهَنا لخدمةِ مقامِ آل مُحَمَّد – هذا ما جاء مذكوراً في صفحة 218، 219، وينتهي الفصل الَّذي عنونهُ (المصيبة في المجلس الحُسيني)، الَّذي يبدأ في صفحة 211. وهذا ما ذكرتُهُ في الحلقاتِ المتقدِّمة من أنَّ مجالس الشَّيخ الوائلي باستثناء المقدِّمة: (صلَّى اللهُ عليكَ يا أبا عبد الله)، وباستثناء النَّعي، وإلَّا حتَّى المصيبة وحتَّى الگوريز في أكثر الأحيان يأتي بهِ من كُتب المخالفين، ما بين المقدِّمة وما بين النِّعي بما فيه المصيبة، والَّذي يشيعُ في مساحةِ مجالسهِ هو الحديثُ النَّاصبيُّ وقد مرَّت الشَّواهد والحقائق، أساس المجالس الوائلية هو تفسيرُ القُرآن، والرَّجل لا علاقةَ لهُ بتفسير أهل البيت للقُرآن، هو يستهزئ بالمعاني الَّتي جاءت عن أهل البيت لأنَّهُ لا علمَ لهُ بها، الرجل ليس مطّلعاً على حديثِ أهل البيت في تفسيرِ القُرآن، الرَّجل غارق في كُتُب تفسير النَّواصب وإذا أراد أنْ يقرأ كتاباً شيعيَّاً فإنَّهُ يعود إلى تفسير التبيان، ومجمع البيان، والميزان، والكاشف، وهذهِ تفاسير هي الأخرى ناصبيّة، وقد برهنتُ على هذا الأمر مرَّات ومرَّات ومرَّات، إنْ كان في هذا البرنامج أو في البرامج الكثيرة العديدة السَّابقة، وكُلُّ ذلك موجودٌ على الإنترنت، يمكنكم أنْ تراجعوا تلك البرامج وتطّلعوا على تلكم الحقائق الَّتي أشرتُ إليها قبل قليل. وحتَّى هذا النَّعي وهذا الأسلوب الشِّيعي الَّذي جاء من قِبَل الأَئِمَّة، جاء الحثُّ عليه من قِبَل الأَئِمَّة، الشَّيخ الوائلي من أواسطِ عمرهِ بدأ لا يرغبُ فيه، إلى أنْ انحسر هذا عندهُ، قد تقول ما الدليل؟ إنَّني أتحدَّث عن الفترة الَّتي توثَّقت فيها علاقتُه ورابطتُه مع مجموعةِ جعفر الخليلي، فجعفر الخليلي ومجموعتُه معروفة، وأنا هنا لا أريد الحديث عن تأريخ الشَّيخ الوائلي، القضيَّة هنا هي تسليطُ الضَّوء على ملامح وسِمات المنهج الأبتر المتجليَّة في المدرسة الوائليّة. أكتفي بهذهِ الصور وبهذه الملاحظات الَّتي عرضتُها بين أيديكم من كتاب شيخنا الوائلي رحمةُ اللهِ عليه: (تجاربي مع المنبر)، وأنا شخصيّاً أعتبر هذا الكتاب هو أهمُّ كُتُبه، لأنَّ هذا الكتاب فيه المفاتيح وفيه الشَّفرة الكاملة لمعرفة أسرار المدرسة الوائليّة. بعد الوثائقِ المئة وما لحق بها أيضاً من مقاطعِ وكلمات للشَّيخ الوائلي وقفتُ على كتابهِ (هُويَّةُ التشيُّع) لأنَّهُ يعرضُ في هذا الكتاب هويتَهُ الشِّيعيَّة، وفهمَهُ للتشيُّع تأريخاً وعقيدةً، ومن خلال ما عرضتُه من صورٍ من هذا الكتاب، يصبح واضحاً أنّ فهمّهُ للتشيُّع تأريخاً وعقيدةً هو فهمٌ مُختّل، مختلٌ إلى حدٍّ بعيدٍ وبنحوٍ يتعارضُ بشكلٍ كاملٍ مع منطقِ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد، من وجهة النَّظر التأريخيّة ومن وجهة النَّظر العقائديّة وحتَّى على مُستوى الاصطلاحات والعناوين والأسماء والمسمَّيات، ومرَّ علينا كيف يتحدَّثُ عن الروافض وماذا قال، وعرَّجتُ بعد ذلك على كتاب (تجاربي مع المنبر) في هذهِ الحلقة وأيضاً عَرضتُ لكم صوراً مما جاء في هذا الكتاب وإنَّما اخترتُ هذا الكتاب لأنَّهُ الكتاب الأخير ولأنَّ الكتاب كما قلتُ قبل قليل يشتملُ على المفاتيح وعلى الشفرة الَّتي من خلالها نَستطيع أنْ نلجَ إلى ساحة المدرسة الوائليّة. هنالك كتابٌ آخر أنا لا أريد أنْ أتقصَّى كُلَّ شيءٍ كتبَهُ الشَّيخُ الوائلي، كما أنَّني ما تقصّيتُ وعرضتُ بين أيديكم كُلَّ مجالس الشَّيخ الوائلي، وإنَّما عرضتُ نماذج منها بلغت إلى المئة، نماذج من كلماتهِ وأحاديثهِ، من مختلف مجالسهِ ولقاءاتهِ ومقابلاته التلفزيونية وندواتهِ العامَّة، كذلك إنِّي لا أريد أنْ أُسلّط الضَّوء على كُلِّ سطرٍ كتبهُ الشَّيخ الوائلي، وإنَّما هي صور ونماذج من هنا ومن هناك، فبعد كتابَي (هويَّة التشيُّع) و(تجاربي مع المنبر) يأتي أدناه الكتابُ الثَّالث والأخير، وبعد الحديثِ عنه سوف أنقل الحديث في هذهِ الحلقة إلى جهاتٍ أخرى: (ديوان الوائلي). الشَّيخُ الوائلي شاعرٌ من الشُعراءِ الَّذين تميَّزوا بحلاوةٍ في سَبك الشِّعر وطلاوةٍ في بيانِ المضامين الأدبيّةِ الَّتي يلتقطها من هنا ومن هناك، ويرصفها في قصائد وفي أبياتٍ محبَّبةٍ إلى النَّفس، شاعرٌ حاول التجديد في التعبير وفي الأسلوب ولكن ضمن المدرسة القديمة في الشعرِ العمودي الموزون والمقفّى، أنا هنا لا أريد أنَّ أُقيِّم شخصيةَ الشَّيخ الوائلي الشاعريّة، لكنَّ الشعر يتحدَّثُ عن وجدانِ الإنسان، وربَّما يتحدَّثُ بصدقٍ أكثر إذا أردنا أنْ نَبحث في زوايا ما بين كلماتهِ وما وراء سطورهِ أكثر ممَّا يظهر في النثر، السَّبب أنَّ النثر يخرجُ باختيارٍ من النَّاثر، أمَّا الشِّعر ففي كثيرٍ من الأحايين هو الَّذي يفرضُ نفسَهُ على الشَّاعر ويخرجُ من داخل خلجاتهِ بشكلٍ قسريٍّ ورغماً عنه، وهو ما يقولهُ الشُّعراء من أنَّ القصيدة هي الَّتي تفرض نفسَها على الشَّاعر، في نظر أهل الأدب الشَّاعر الَّذي يفرضُ نفسهُ على القصيدة ما هو بشاعرٍ حقيقيّ، إنَّهُ شاعرٌ مُفتَعَل، أو مُفتَعِل، شاعرٌ مُفتَعَل أو مُفتَعِل، الشَّاعر الحقيقيُ هو الَّذي تفرضُ القصيدةُ نفسَها عليه، وإلى هذا كان العربُ يقولون: شيطانُ الشِّعر، جاءهُ شيطانهُ، جاء إلى هذا الشَّاعر شيطانهُ، ما يسمَّى بشيطان الشِّعر، لأنَّ كلمة الشَّيطان في وجهٍ من وجوه معانيها شيءٌ طنّ على البال فقيل شيطان، في وجهٍ من الوجوه الشَّيطانُ شيءٌ طنَّ على البال، ومن هنا قالت العرب: شيطانُ الشِّعر، لنْ أذهب بكم كي ندخل في تجاويف ودهاليز هذهِ المعاني ولكنَّني أحببتُ أن أورد هذهِ المقدمة كي تتّضح الفكرة. لماذا أُسلِّط الضوء على ديوان شيخنا الوائلي؟! لاعتبارٍ واضح وهو أنَّ الشِّعر يُفسِّرُ ويُبيِّنُ ويشرحُ الخَلجات النَّفسية للشَّاعر، فما يجول في مشاعرهِ يظهرُ على شعرِه، وما يهتمُّ بهِ يتدفَّقُ مِن بين كلماتِ قصائدِه، بِعبارةٍ أُخرى الأولويّاتُ عند الشَّاعر، الأولوياتُ الحاضرةُ في ذهنهِ، الأولويّات اللغويّة، مُرادي من الأولويّات اللغويّة … إنَّنا نقتربُ شيئاً فشيئاً من وقت الأذان النَّجفي، سأستمرُّ في الحديث إلى أنْ نصل إلى وقت الفاصل وإكمال الحديثِ يكون بعد الفاصلِ إن شاء الله تعالى. فمرادي من الأولويات اللغوية هو: المفردات الَّتي تتحرَّك دائماً في خُزانةِ الشَّاعرِ اللُّغويّة، ففي ذهنِ أيِّ إنسانٍ شاعراً كان أم لم يكن، عالِماً لغوياًّ كان أم لم يكن، من خاصّة النَّاس أم من عامّتهم، هُناك مُفردات تَتحرَّكُ دائماً في ذهنِ الإنسان تكونُ لها الأولويّة، وحينما يبدأُ الإنسان يتحدَّث فإنَّهُ سيستعملُ هذهِ الألفاظ والمصطلحات وكذاك الأمر بالنِّسبة للمعاني وكذاك الأمرُ بالنِّسبة للأشخاص الَّذين يتحدَّث عنهم، وكذاك الأمرُ بالنِّسبة للمشاعرِ، فالشاعرُ المترَفُ يَظهرُ الترفُ على شعرِه، والشَّاعرُ الحزينُ المنكوبُ تصرخُ الأحزانُ حتَّى وإنْ أراد أن يُخفيها من جنباتِ شِعره، والشَّاعرُ العاشق الَّذي يُخفي غرامَهُ وصبابتَهُ تتسرَّبُ نمائمُ عشقهِ من بين سطورِ كلماتهِ، أكان مُريداً لذلك أم لم يكن، وفي بعض الأحيان قد لايكون مُلتفتاً، كما يقول أمير المؤمنين: (فَمَا فِي الجَنَان يَظْهَرُ عَلَى فَلَتَاتِ اللِّسَان، وَمَا فِي الْمَكْنُونِ – شيءٌ طبيعيٌ – وَما فِي الْمَكْنُون – المكنون يعني الأسرار – تَفْضَحُهُ العيُون)، تلك هي الطبيعةُ البشريّة، وحينما يكون الحديثُ عن الشِّعر وعن الأدب عموماً الجانبُ الغريزيّ عند الإنسان يكونُ حاكماً على مساحةٍ واسعة من المنتوج الشِّعريّ والأدبيّ. مُرادي من الجانب الغريزيّ لا أتحدَّث هنا عن غرائز الشَّهوة، أتحدَّث عن الجانب الغريزيّ في الفعل والاِنفعال، الإنسان في بعض الأحيان يفعلُ أو ينفعل، يفعل فيما حوله أو ينفعل ممّا حوله، في بعض الأحيان يكون هذا الأمر بوعيٍ منه وبتخطيط، وفي بعض الأحيان يجري هذا الأمر بطريقةٍ غرائزيّةٍ من دون تخطيطٍ ومن دون وعي، إنَّني أتحدَّث عن هذا العُمق النفسي في بواطنِ مُكوِّنات النَّفس البشرية للشَّاعر أو لغيرهِ، ولكنَّني لأنَّني أتحدَّث هُنا عن شاعرٍ وعن شعرٍ من هنا أُركِّزُ على هذهِ الجهة، لستُ في أُمسيةٍ شعريّةٍ أو في جلسةِ نقدٍ أدبي، لكنَّني أردتُ أنْ أطرحَ هذا المطلب كي يتَّضحَ الهدفُ من تسليطِ الضَّوء على شعرِ شيخِنا الوائلي وبشكلٍ موجزٍ ومُقتضَب. الكتاب الَّذي بين يديّ عنوانهُ: (ديوان الوائلي)، هذهِ الطبعة هي الطبعة الَّتي خَرجت إلى الوجود في حياة الشَّيخ الوائلي، وتحت إشرافهِ ولذا كتب لها مُقدِّمة، ولم ينشر كُلَّ قصائدهِ حتَّى المنشور منها، الشَّيخ الوائلي عندهُ مجموعة من القصائد نُشِرت في (موسوعة شعراء الغريّ)، هناك موسوعة معروفة للخاقاني، موسوعة كبيرة عنوانها: (شعراء الغريّ)، أرَّخ فيها الخاقاني لشُعراء النَّجف، ومن جملتهم الشَّيخ الوائلي، والكتاب هذا صَدَر في أيَّام شباب شيخنا الوائلي في أواسط عمرهِ، فالخاقاني حينما تَرجم للشَّيخ الوائلي ذَكَر مجموعةً من القصائد، بعض هذهِ القصائد لم يَنشرها الشَّيخ الوائلي في هذهِ الطبعة الَّتي تمَّت بإشرافهِ، ولذلك أقرأ ما جاء في المقدِّمة، هذه المقدِّمة الَّتي كتبها الشَّيخ الوائلي رحمةُ اللهِ عليه، قطعاً هذه الطبعة الَّتي بين يديّ هذه الطبعة سنة 2010، بعد وفاة الشَّيخ الوائلي ولكنَّها صورة على نفس الطبعة الَّتي طُبِعت بإشراف الشَّيخ الوائلي، يعني هذهِ الطبعة إعادة للطبعة الأولى الَّتي تمَّت بإشراف الشَّيخ الوائلي، لأنَّ ديوان الشَّيخ الوائلي طُبِع بعد ذَلك وأُضيفت إليهِ قَصائد أُخرى، أيضاً هي من قصائد الشَّيخ الوائلي الموجودة مثلاً في شعراء الغريّ، ماذا قال الشَّيخ الوائلي في المقدِّمة؟ صفحة 11، أشار إلى ملاحظات قال: وهذه الملاحظات هي: أوَّلاً: هُناك قصائد لم أعاني مضامينها في تجربة وإنَّما عانيتها خيالاً – مثل قصائد الغزل الخليع على سبيل المثال – هناك قصائد لم أعاني مضامينها في تجربة وإنَّما عانيُتها خيالاً وقلَّدتُ فيها اتجاهاً سائداً وحيثُ أنَّ مَضامين بَعضها لا تَنسجم مع وضعيَّةٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ أعيشها وابتعاداً عن سُوء فهم قد يحصل عند البعض آثرتُ أنْ أؤخِّر نشرَها لفرصةٍ أُخرى – فما نشرها في هذا الديوان، ما هي القصائد الَّتي أخرَّها؟ قصائد هو يقول عنها:- قصائد لم أعاني مضمانيها وإنَّما عانيتها خيالاً – يعني لم أمارسها عملياً، وهي قد لا تنجسم مع وضعيَّةٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ أعيشها لذلك ما نشر هذه القصائد وقال أؤخّرها لفرصةٍ أُخرى – ثانياً: هناك قصائد قيلت في مناسبات مختلفة يضيق بها الظرف المعاصر من الناحية الموضوعيّة لا الذاتيّة وذلك لمختلف الاعتبارات الفكرية والسياسية، أخرَّت نشرَها إلى الديوان الثَّاني الَّذي أرجو أن لا يتأخّر نشرُهُ إن شاء الله – وفعلاً الديوان الثَّاني ما نُشِر ولكن هناك طبعة تكميليّة قام بها من قام، وسنأتي على ذكرها. هذا الديوان ديوان الشَّيخ الوائلي العناوين الموجودة فيه: 91 عنوان، الطبعة الآن المشهورة والشَّائعة هي هذه: (ديوان الوائلي)، شرح وتدقيق سمير شيخ الأرض، مؤسَّسة البلاغ، دار سلوني، سمير شيخ الأرض لم يُثبت المقدِّمة الَّتي أثبتها الشَّيخ الوائلي رحمةُ الله عليه في تلك الطبعة، وإنَّما هو فتح فصلاً تحدَّث فيه عن شاعريّة الشَّيخ الوائلي، وجاء بكُلِّ القصائد وأضاف ثلاثين عُنواناً، عدد القصائد الموجودة في هذا الديوان: 121 قصيدة، 121 عنوان، هذهِ الطبعة فيها: 91، وهذه الطبعة فيها: 121 قصيدة، 121 عنوان، والقصائد هذهِ موجودة في مصادر معروفة مثل شُعراء الغَريّ، لذلك سأقف عند هذا الديوان، عند هذه النسخة الَّتي هي أكمل من النُّسخة السَّابقة والقصائد الموجودة في النُّسخة الأولى موجودة بكاملها بكُلِّ تفاصيلها مع الإضافات. وقتُ أذان النَّجف صار قريباً نذهب الآن إلى فاصل الأذان النَّجفي وبعد الفاصلِ أعود إليكم كي أكمل الحديث. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستَودَعِ فِيهَا … قبل فاصل الأذان النَّجفي كان الحديثُ عن ديوان شيخنا الوائلي، لا أُعيد ما تقدَّم من كلامٍ كان بمثابة مدخلٍ أو مُقدِّمةٍ للتوغُّلِ في تفاصيل هذا الديوان ولو بشكلٍ موجز بحسب ما يسنحُ بهِ المقام. أوَّلاً: نقرأُ الإهداء، مرَّ علينا قبل قليل كتاب تجاربي مع المنبر وقرأتُ لكُم الإهداء، الإهداء كان لخطباء المنبر الحُسيني، الديوان، ديوان الشَّيخ الوائلي الإهداء إلى مَن؟ هكذا كتب:- الإهداء: إلى صغاري – يبدو إلى أولادهِ وبناته – إلى صِغاري الَّذين ألهموني الحُبَّ الكَبير أُهدي هَذهِ المشاعر النَّابضة بالحبّ، أحمدُ الوائلي. نذهب إلى الفَهرست، الديوان مُقسَّم إلى فُصول، أقسام، أبواب، سمِّ ما شئت: o القسمُ الدِّيني. o القسم الاجتماعي. o القسمُ الوجداني. o الشِّعر السِّياسي. o شعر الرِّثاء. o قسم الإخوانيّات. هذهِ هي أقسامُ ديوان الشَّيخ الوائلي بحسب الفهرست، عدد القصائد 121، تقسَّمت وتوزّعت بين هذه العناوين، ما بين القسم الدِّيني والاِجتماعي والوجداني والسياسي والرِّثاء والإخوانيات. آخذُ لقطات مِمَّا جاء في ديوان شيخنا الوائلي رحمة الله عليه، مثلاً بحسبِ هذه الطبعة، وهذه الطبعة هي طبعة مؤسَّسة البلاغ دار سلوني، شرح وتدقيق سمير شيخ الأرض، الطبعة الأولى 2007 ميلادي، في صفحة 186، كتب الشَّيخ الوائلي قصيدةً عنوانها: (رثاءُ ضِرس)، فيبدو أنَّ الشَّيخ الوائلي فَقَدَ ضرساً من أضراسه فرثاهُ بهذهِ القصيدة العصماء، وهي ستون بيتاً، في أوَّلها يقول: لرحيل بعضي (باعتبار أنَّ السن هو بعض الإنسان) لرحيل بعضي دمعةٌ في موقي (الموق هو طرف العين، جمعها آماق). لرحيل بعضي دمعةٌ في موقي ولُهاثُ نبضٍ بالفؤادِ خَفُوقِ إلى أنْ يقول في صورةٍ جميلة: ولقد رحلتَ: يبدو أنَّ هذا الضرس هو من أضراسه الَّتي هي في المقدِّمة !! ولقد رحلتَ فصار سيني بعد ذا شيناً وزيقي بعدَ فقدِك ذيقي يعني حرفُ السين بعد أنْ فقد سنّهُ وقبل أنْ يُصلِح حالَهُ تحوَّل سينهُ إلى شين، وحينما يلفظ كلمة زيق فإنَّهُ يلفظها ذيق، الزيق واضح المراد من الزيق فتحةُ ثيابه من المقدِّمة، هو هذا زيق الإنسان، يقول: ولقد رحلتَ فصار سيني بعد ذا شيناً وزيقي بعدَ فقدِك ذيقي وكبت بي الكلماتُ حتَّى أنَّني ما عُدتُ بالمتفوِّه المنطيقِ ولقد أتوني بالبديل فما فَمي من حجمهِ أو ثِقله بِمُطيقِ قَلِقٌ يُطقطق باللهاتِ فمنطقي من فعلهِ ضَربٌ من التطقيقِ نَزعَ الجنين مِن امِّهِ نزعوك من فكّي ومن جزعٍ جرضتُ بِريقي إلى آخر كلامه قصيدةٌ طويلة وجميلة تتألَّف من ستين بيتاً في رثاء ضرسٍ من أضراسهِ الَّتي فقدها. وقصيدة عنوانها: (الخوفُ من المجهول)، نُظِمت بلبنان في مناسبة، لم يذكر هذه المناسبة، عام 1955، يصفُ فاتنةً خرجت في اللَّيل: سهره أصاخ الليل يُسمَعُ تحت جانحها الوجيبْ محمومةُ النَّهدات يلفحُ في ترائبها اللَّهيبْ نظراتها مشدوهةٌ لا تعرف الوضع الرتيبْ إلى أنْ يقول: وبها شعورٌ مبهمٌ يشتاقُ معرفة النَّصيب وهل المفاتن عندها تُرضي البعيد أو القريب فتكوَّرت وانزاح عن سيقانها الرَّوبُ القَشيب ومَضت تشدُّ مُسلسلاً في صدرها فِيهِ صليب وبثغرها جُوعٌ إلى قُبَلِ الهوى لو تستجيب فتهالكت وبجسمها الَخدَرُ المحبّب والدبيب واستَسلمت للمخدع الورديّ تحلم بالحبيب في صفحة 75، في صفحة 261، في صفحة 261، قصيدةٌ أيضاً للشَّيخ الوائلي تحت عنوان: (مصرع كبّاية أو ﮔلاص) مكتوبة (كلاس)، مصرع كباية أو ﮔلاص، في كأسٍ من الشاي كُسِر وكان يشربُ فيه الشاي نحو عشر سنوات، فقال يرثي، استكان يعني استكان شاي: أساقيتي لا المنى تكمُلُ ولا المرءُ يدركُ ما يأملُ ولا اللَّيلُ دامَ ولا الصبحُ دام وطبعُ الدّنَى قُلَّبٌ حُوُّل فيوماً سرورٌ ويوماً همومٌ وبينهما زَمنٌ مُهمَل أساقيتي كم شربنا معاً ولذّ بأسماعنا مَحفلُ فما مَلَّ ثغرك ثغري ولا سأمنا ولا أدبرَ المقبِل قصيدة طويلة تتألّف من 75 بيت في رثاء استكان جاي. صفحة 267، قصيدة تتألّف من 25 بيتاً عنوانها: (جنون البقر)، كان الشَّيخ الوائلي هنا في لندن سنة 1990، وانتشر خبر مرض جُنُون البقر فكتب هذه القصيدة: بلندن بالأمس دوَّى خبر قد أرعبَ النَّاسَ حين انتشر مُلخَّصهُ أنَّ داءاً غزا العُجُولَ يُسمَّى جنونَ البقر إلى آخر القصيدة. ومن جنون البقر إلى قصيدةٍ في العمل الفدائي، نُظِمت عام 1968، وأُلقِيت في الكويت في حفلِ دعم العمل الفدائي، صفحة 351. إلى قصيدةٍ أُخرى صفحة 367، في سناء محيدلي، رجاءاً اعرضوا لنا صور سناء محيدلي إذا كانت متوفرة: هذه صور سناء محيدلي وهي الَّتي قامت بعمليةٍ، هنا مكتوب في عمليةٍ بطوليةٍ في الجنوب اللبناني ضد العدو الإسرائيلي، قصيدة تتألّف من 41 بيتاً. صفحة 370، هناك قصيدة عنوانها: (الذبابة المسافرة)، قالها في ذبابةٍ ركبت على كتف الشاعر وهو في طريقه إلى دخول الطائرة، وكلَّما دفعها عادت مرَّةً أُخرى حتَّى نزلت معهُ على أرض المطار المقصود: وذبابةٍ طَارت معي من أرضها طَوعاً ولم يعصف بها تَهجيرُ صعدت معي طيَّارةً في رحلةٍ كتفاي كرسيٌ لها وسريرُ إلى آخر القصيدة، القصيدة تتألَّف من 56 بيت. عناوين في ديوان الشَّيخ الوائلي: o مع نهر التايمز. o في ذكرى الشَّيخ المفيد. o دمعةٌ على أبي أديب، قصيدة رثائية لتوفيق الفكيكي الكاتب المعروف. o عبد المُحَمَّد الرَّادود النجفي المعروف، o في رثاء حافظ الأسد. o وعناوين كثيرة ومُفصَّلة بحسب ما جاء في فهرست الديوان. ومحاورةٌ جميلة في صفحة 485، مع الشاعرة العراقية نازك الملائكة، تحت عنوان: (أسرار الحج)، لا مجال لقراءة كلّ ما يمر في ديوان الشَّيخ الوائلي. في صفحة 281 قصيدة: (ذكرى)، وهي من القصائد الَّتي أُضيفت إلى هذه الطبعة لم تكن موجودةً هنا بحسب ما أتذكّر، لم تكن هذه القصيدة موجودة في ديوانهِ هنا، هذه القصيدة في القسم الوجداني لم تكن هذه القصيدة موجودة في ديوانه هنا، موجودة في هذه الطبعة يقول هكذا تحت عنوان: ذكرى: ذكرتك والذكريات العَذب مناهلُ أشواقي الظامية إلى أن يقول: أأنسى ومنك بهذا الوجودِ على كُلِّ ما قد حوى ناحية إلى أن يقول: أأنسى وهل بارحتني الرؤى لأنساك يا كُلَّ أماليا وقبلها يقول: وحيثُ النسائم عبَّاقةٌ تُردِّد أنفاسك الذاكية وحيث رواعش تلك الغصونِ تبدَّت نواهدك النائية وحيثُ يسيل لعاب الأصيل ترفُّ جدائلك الزاهية وحيثُ يشفُّ ازرقاقُ السماءِ يسيلُ بمقلتكِ الصافية فأنتِ بسمعي وفي ناظري ومُلءُ فمي وبأنحائيا أأنسى وهل بارحتني الرؤى لأنساكِ يا كُلَّ أماليا ليالٍ تكادُ من الاقترابِ تلفُ بهدبيك أهدابيا طبعتُ بها من سطور الهوى وساماً على الوجنة القانية أأنسى وما في الظلام البهيمِ إلّاكِ والنجم سُماريا أُصلِّي، القصيدة جميلة جدّاً ولا يعترضُ أديبٌ وشاعرٌ ولا يعترضُ أحدٌ مثلي يتذوّق الشعر على هذا النَّظم الجميل، ولكنَّني أقول لو قلتُ هذا المضمون في شعرٍ أو في نثرٍ في آلِ مُحَمَّدٍ هل يقبل الشَّيخ الوائلي؟! أقرأ لكم الأبيات: أأنسى وما في الظلام البهيم: والَّذين أيضاً يُدافعون عن الشَّيخ الوائلي هل يقبلون لو أنَّني نظمت شعراً أو كتبت نثراً وضمَّنتُ هذا المعنى لآل مُحَمَّدٍ هل يقبلون بذلك؟ أنا أقرأ من صفحة 282: أأنسى وما في الظلام البهيم إلّاكِ والنجمُ سُماريا أُصلِّي وترفعُ كلتا يديَّ وردي لطلعتكِ السَّامية وأسجدُ إما اعتراني الخشوع وما غيرُ ذكركِ محرابيا وكم من صلاةٍ وتسبيحةٍ تضل النجومُ لها راوية هذا الكلام لو قلتهُ لآل مُحَمَّد يقبلُ بذلك الشَّيخ الوائلي؟ أنتم المدافعون عن الشَّيخ الوائلي !! أنا لا أعترض، أنا يمكنني أنْ أفهم هذا الشِّعر بالنَّفَس الصوفي، فلي معرفةٌ بالشِّعر الصوفي وبأسرارهِ وتفاصيلهِ، يُمكنني أنْ أجد التخاريج الأدبية لهذا الشِّعر ولا أُشكِل على الشَّيخ الوائلي، لكنَّني اقول أخاطِبُ وجدانَكم لو أنَّني قُلت هذا الكلام في آل مُحَمَّد ماذا يقول الشَّيخ الوائلي؟ ودعوني من الشَّيخ الوائلي، ماذا تقولون أنتم أيُّها الصَّنميّون المُدافعون عن كُلِّ خطأ والمحرِّفون لكلِّ حقيقةٍ إذا كانت تتعارض مع أصنامكم..؟! أستمر مع ديوان شيخنا الوائلي: مرت علينا سناء محيدلي، اعرضوا لنا صورها رجاءاً لأنَّكم ما عرضتم الصور المختارة: واعرضوا لنا صور نازك الملائكة الشَّاعرة العراقية المعروفة الَّتي مرَّت الإشارة إلى المحاروة الشعرية فيما بينها وبين الشَّيخ الوائلي: واعرضوا لنا أيضاً صورة كوكب الشرق أم كلثوم فإنَّ لها حصةً في شعر شيخنا الوائلي رحمةُ الله عليه: القصيدة الَّتي عنوانها: (محاورةٌ مع النِّيل)، صفحة 221، نُظِمت في القاهرة 1969، تتألّف من 82 بيتاً، وهنا يخاطب شيخنا الوائلي نهرَ النيل: يا نيلُ لو ظفر الرَّشيدُ بليلةٍ: يشير إلى الرشيد العباسي، إلى هارون … يا نيلُ لو ظَفر الرَّشيدُ بليلةٍ من ليلكَ المخمور بالأنخابِ الباعث الخيَّام في خطراتهِ: يعني هذا الليل هو الَّذي يُحرِّك عُمر الخيَّام الشاعر الفارسي المعروف صاحب الرباعيّات ماذا نسمّيها؟ الرِّباعيات التشاؤميّة، الصوفيّة، الفلسفيّة، الخمريّة، سمِّ ما شئت. الباعثُ الخيَّام في خطراتهِ نغماً على شبَّابةٍ وربابِ والمستثير على تشنُّجِ سومةٍ: سومة هو اسم الدلع لكوكب الشرق أم كلثوم، ماذا يسمّيها المصريون؟ يسمونها سومة، ثومة يكتبونها ثومة ولكن المصريين يلفظون الثاء سين، مثل ما صار بالشَّيخ الوائلي حينما انقلع ضرسهُ فتحول سينه إلى شين، ولكن المصريين تتحوَّل عندهم الثاء إلى سين، فاسم الدلع هو اسم التحبيب لأم كلثوم، ثومة، ولكنَّهم كيف يلفظونها؟ سومة، وهنا ثبَّتها الشَّيخُ الوائلي بنفس اللفظة المعروفة الَّتي يتلفظُ بها المصريون، وحتَّى في الحاشية المعلِّق كتب: رقم 3: سومة أم كلثوم المطربة الَّتي سُمِّيت في القرن العشرين كوكب الشرق لعظمة صوتها وسحر غنائها وتمثيلها ظاهرةً فنيةً فريدةً في عصرها. يا نيلٌ لو ظفر الرَّشيدُ بليلةٍ من ليلك المخمور بالأنخاب الباعث الخيَّام في خطراتهِ نغماً على شبَّابةٍ وربابِ والمستثير على تشنُّجِ سومةٍ: حين تغني فإنّها تتشنَّج، فتعصر نفسها وتَجمعُ عضلاتِ بدنِها مُتشنٍّجةً لإطلاقِ صوتِها. والمستثير على تشنُّجِ سومةٍ مُهَجَاً سَبَحن من الجوى بِعُبَابِ لَسلَا: يعني لو أنَّ الرَّشيد سمع أم كلثوم المغنية. لَسلا لياليَه: لنسي ألف ليلةٍ وليلة، لنسي بغداد، ليالي بغداد في زمانهِ. لسلا لياليه وعاف بِساطَهُ: بساط الخلافة والحكومة وجثا على رملٍ هنا وترابِ: يعني في جوار النيل في جوار أم كلثوم، حيثُ يستمعُ إلى ألحانها وإلى أغنياتها. يا نيلُ لو ظفر الرَّشيدُ بليلةٍ من ليلك المخمور بالأنخابِ الباعث الخيَّام في خطراتهِ نغماً على شبابةٍ وربابِ والمستثير على تشنُّجِ سومةٍ مُهَجَاً سَبَحن من الجوى بِعُبَابِ لسلا لياليه وعاف بِساطهُ وجثا على رَملٍ هُنا وتُرابِ وحبا إلى كأسٍ ولفَّ ذراعهُ خصراً وبلل ثَغرهُ برضابِ إلى آخر القصيدة … القصيدة طويلة. هذه نماذج من مختلف الأقسام، فمن محاورةٍ مع الشَّاعرة العراقية نازك الملائكة، ومن رثاءٍ للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ومن رثاءٍ للشَّيخ المفيد، وللكاتب العراقي المحامي توفيق الفكيكي، ومن قصائد عديدة لصديقه وزميلهِ ورفيق دربه جعفر الخليلي الكاتب العلمانيّ المعروف، ومن رثاءٍ للسيِّد مُحَمَّد باقر الصَّدر، ومن مجموعة قصائدٍ في رفيقةِ عمرِه الَّتي رحلت، في زوجته وأولاده وبناته، ومن رثاءٍ لاستكان ﭼاي، ولضرسٍ مقلوع، ومن قصيدةٍ في سناء محيدلي، ومن قصيدةٍ أخرى في ذبابةٍ صعدت معه إلى الطائرة، ومن حديثٍ عن جنون البقر، المرض الَّذي انتشر في التسعينات وما بعد التسعينات، القصيدة نُظِمت سنة 1990، ومن ومن ومن، ومن خطابٍ لنهر التايمز، ومن خطاب لنهر النيل حيث يذكر سومة كوكب الشَّرق. أذهب إلى القسم الدِّيني من قصائده وهي قصائد جميلة جدَّاً، قصائد الشَّيخ الوائلي في القسم الدِّيني قصائد جميلة جدَّاً، مجموع القصائد في هذا الديوان 121 في كُلِّ الديوان، مجموع القصائد الدِّينيَّة 36 قصيدة ابتداءاً من قصيدةٍ عنوانها: (إلى الكعبة الغرّاء)، وانتهاءاً بقصيدةٍ: (من وحي شُهداء عذراء)، قصيدة عن حِجر وأصحابهِ، وما بين هذا العنوان وهذا العنوان عناوين كثيرة لا مجال لقراءتها في النَّبي، في أمير المؤمنين، وفي الزَّهراء، وفي المعصومين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، فعدد قصائد الديوان 121، وعدد قصائد القسم الدِّيني 36 قصيدة، وما بقي من القصائد فهي في موضوعات مختلفة ومتنوّعة وكما تلاحظون شعر الشَّيخ الوائلي كما يقول الأدباء هو شعرٌ مطبوع، شعرٌ جميل. السُّؤال هنا: هل هناك من قصيدةٍ عن إمامِ زمانِنا؟ الجواب: كلَّا، لا توجد أيَّةُ قصيدةٍ لا في القسم الدِّيني ولا في سائر الأقسام الأخرى عن إمام زماننا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، وهذا ما قصدتهُ في المقدِّمة حين تحدَّثت عن الشعر والشعور والمشاعر وأنَّ الشِّعر يتحدَّثُ عن باطنِ خَلَجات النَّفس البشرية، ويُخبِرُ عن الأولويات، عن الأولويات اللغوية، عن الأولويات العاطفية، عجيبٌ وغريبٌ هذا، فإنَّنا نجد أنَّ الشَّيخ الوائلي ينظِمُ شعراً في عناوين مختلفة في القسم الدِّيني ولكن لا وجودَ للإمام الحُجَّة فيما بين هذهِ القصائد، إذاً هذهِ الحقيقة واضحة، لا توجد قصيدة في ديوان الشَّيخ الوائلي تتحدَّثُ عن إمامِ زمانِنا. نفس القضيَّة الَّتي أشرتُ إليها في الحلقةِ الماضية من أنَّ الشَّيخ الوائلي لا يذكرُ الإمامَ الحُجَّةَ في دعائهِ الَّذي يدعو به دائماً عُقيبَ مجالسهِ الحُسينيَّة، فمثلما يخلو ديوانهُ الشِّعري من قصيدةٍ مضمونها يدور حول إمام زماننا، دعاؤه عُقيب المجالس الحُسينيَّة يخلو من ذكر الإمام الحُجَّة. سؤالٌ آخر يطرح نفسه هنا: لا توجد قصيدة، هل يوجد بيت من الأبيات أشار فيه إلى الإمام الحُجَّة؟ لا يوجد ولا بيت واحد في هذا الديوان، ليس فقط لا توجد قصيدة باسم الإمام الحُجَّة، لا يوجد ولا بيت واحد بحسب اطّلاعي على شعر الشَّيخ الوائلي، لا يوجد ولا بيت واحد في هذا الديوان وأنا أتحدَّث عن الطبعة المزيدة، الطبعة الأولى كانت تشتمل على 91 قصيدة، الطبعة هذه الثَّانية تشتمل على 121، قصيدة، لا أدري ربَّما يُوجد للشَّيخ الوائلي قصائد ولكنَّها ما نُشِرت ولكن لو كان لَبَان، مثل ما بانت هذهِ القصائد في القسم الدِّيني لبان شِعرهُ في إمامِ زمانهِ، ألا تُلاحظون أنَّ غرابةً في الأمر !! لو كان هاجسُ إمامِ زمانهِ يَعيشُ في قلبهِ دائماً أليس المتوقَّع والشَّيء الطبيعي من الشَّاعر أنْ ينظمَ شعراً في إمامِ زمانه، استكان جاي يرثيه بقصيدة، ضرس مقلوع أو مخلوع يرثيه بقصيدة، جنون البقر، سائر العناوين الأخرى الَّتي مرَّت الَّتي ذكرتها والَّتي لم أذكرها، أليس هذا تساؤل غريب؟ ليس بتساؤل غريب إنَّهُ تساؤل طبيعي، حين أتساءل وأقول لماذا لم يذكر الشَّيخ الوائلي إمامَ زمانهِ في شعرهِ؟ ولماذا لم يذكرهُ في دعائهِ الَّذي يُردِّدهُ عُقيب مجالسهِ الحسينية، سؤال ولا أريد أنْ أجيب عليه، ولكن هذا السؤال يتحدَّثُ عن شخصيَّة هذا الشَّاعر فالشعرُ يُحدِّثنا عن مضمونِ هذا الشَّاعر. الشَّيخُ الوائلي في قصيدته: (رسالةُ الشِّعر)، صفحة 327، في الديوان والَّتي أُلقِيت في مؤتمر الأدباء العرب ببغداد عام 1965 ميلادي، في آخر أبياتها بنفس النَّغمة الَّتي دائماً يُردِّدها: ومشت تُصنِّفنا يدٌ مسمومةٌ مُتسننٌ هذا وذا متشيُّعُ يا قاصادي قتلَ الأخوة غيلةً لموا الشباكَ فطيرُنا لا يخدعُ غرس الإخاءَ كتابُنا ونبيُّنا فامتدَّ واشتبكت عليه الأذرعُ في قصيدتهِ (بغداد)، في صفحة 345، الَّتي نظمت عام 1960: بغداد ساء بك الهوى أم طابا سيظلُّ وجهك رائعاً جذّابا مرَّت علينا أبياتهُ: وبحيث رابعةٌ يجللها التُّقى: يشير إلى رابعة الصوفية المعروفة … وبحيث رابعةٌ يُجلِّلُها التُقى وعريبُ عن جسدٍ تُميط ثياب هذا راقصة من راقصات التعرّي في العصر العباسيّ، في قصور العباسيّين. في صفحة 348، يبدأ مديحه لقَتَلةِ أهل البيت: سيظلُّ من مجد الرَّشيد مُؤثَّلٌ: ومرَّ علينا هذا … سيظلُّ من مجد الرَّشيد مُؤثَّلٌ يُضفي عليكِ بسحرهِ جِلبَابا ويظلُّ للمأمون عندك مجلسٌ يبني العلوم ويغرسُ الأدابا وصدىً لمُعتَصِمٍ يُعدُّ كتَائِباً لِنَداءِ مُسلمةٍ دعت فأجابا هذهِ الحالة موجودة على طول الخط، حالة اِنعدام البَراءة الفِكرية، أو الضَّعف الشَّديد جِدَّاً للبراءة الفكريّة من المناهج النَّاصبيّة على طول الخط، في مجالسهِ، في مُقابلاتهِ التلفزيونية، في لقاءاتهِ، في نداوتهِ، في نثرهِ، في شعرهِ، حتَّى في كتابهِ (تجاربي مع المنبر)، وهو يتحدَّث إلى الخُطباء الحسينيين، انعدام البراءة الفكريّة فيه واضحٌ جدَّاً، بحيث أنّه يَعُدّ الشَّافعي وابن حنبل من سلفنا الصَّالح ومن سَدَنَة الإِسلام ومن فُقهاء الأُمَّة ومن روّادنا في إحياء أمرِ الحُسين من بعد الأَئِمَّة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، وحين يُضعِّفُ رواية عرس القاسم بغضِّ النَّظر هذه الرِّواية صحيحة أو غير صحيحة يُضعِّفها بروايةٍ كاذبةٍ تُكذِّب أحاديثَ أهلِ البيتِ وهي من كُتبِ النَّواصب، هذا هو المنطق على طول الخط. ويظلّ للمأمون: الإمام الرِّضا يقول عنهُ إنّه شرُّ أهلِ زماني، والشَّيخ الوائلي يقول: ويظلّ للمأمونِ عندَكِ مجلسٌ (أي عند بغداد) يبني العلومَ ويغرسُ الآدابا رجاءاً أعرضوا لنا الوثيقة السَّابقة المرقمة برقم 32: [من أقبح النَّاس، كان الرشيد يلعب ويّا زبيدة يوم من الأيام يلعبون قِداح، قِمار، فبأثناء القداح بأثناء القمار گالت له اشترطت عليه إذا غلبته أن يُحكِّمها بما تريد وفعلاً غلبته، گالها: أنتِ مُحكَّمة بما تريدين، گالت له: لابُدَّ وأن تُضاجع مملوكتك هاي جاريتك تضاجعها، جارية من أقبح الجواري هي كانت، نعم ضاجعها طلّعت المأمون، وترى المأمون ما كو أروع مِنّه، هاه لا تتصوّر يعني المأمون ما تلگا لَه نظير عند العباسيين أبداً، المأمون روعة يعني فد نموذج جدَّاً رائع مشرِّف..!!]. المأمون روعة، نموذج جدَّاً رائع مُشرِّف..!! هذه التعابير وهذا التفكير وهذهِ المُعتقدات تقبلون بها؟ ها هو الكلامُ في الشِّعرِ وفي النثر. والقضيَّةُ لا تقف عند الوثائق المئة الَّتي مرَّت: لنستمع لشيخنا الوائلي وهو يُحدِّثنا عن عمر ابن عبد العزيز وهو أيضاً نموذج رائع وصورة رائعة وهذا ليس مرقّماً من الوثائق، نستمع معاً: [يگولّك وين شيخنا هاي الحياة المستقرة اللي عندكم يمتى صارت؟ أيَّام الحجَّاج؟ لو أيَّام المنصور؟ لو أيَّام زياد؟ هاه، وين هاي الحياة المستقرَّة عندكم الَّلي تدعون إلها؟ أيَّام عبد الملك كان المجتمع مجتمع منسجم متناغم؟ لا لا، إحنا ما نگولها، انت لا تحسب، لا تغلط تجيب التطبيق تذبّه على النَّظرية، النظرية لا، احنا نحچي بحكم النظرية، النظرية سليمة، إلى حدٍّ ما الرجل عمر ابن عبد العزيز مُتأثِّر كان بتعاليم الإسلام، شوف الدنيا أيَّامه اشلون كانت، نعم، كان نموذج رائع، زين..!!]. عمر ابن عبد العزيز كان نموذج رائع، المأمورن كان روعة، وماكو أروع من عنده، وأيضاً كان نموذج رائع! ما أدري إلى أين سنصل مع هذه النَّماذج الرَّائعة من أعداء أهل البيت؟! ونستمع أيضاً إلى الشَّيخ الوائلي، وأنا جئت بهذه الأمثلة كي أقول لكم: إنَّ القضيَّة لا تقف عند الوثائق المئة، لو نبقى مع الشَّيخ الوائلي إلى سنين فإنَّنا سنحشد الوثائق والوثائق، وأنتم تلاحظون التسجيل السَّابق ما كان معدوداً من جملة الوثائق المئة، ومرّ أيضاً في الحلقة الماضية تسجيلات أخرى وفيديوات ما كانت محسوبة في جملة الوثائق المئة. فبعد روعة المأمورن، وروعة عمر ابن عبد العزيز، يُحدِّثنا الشَّيخ الوائلي عن عدوٍّ آخر من أعداءِ أمير المؤمنين، سعد ابن وقّاص، نستمع معاً: [بعد من الأشخاص اللّي كان خايف من عنده خاف على نفسه، منو؟ سعد ابن ابي وقاص، سعد ابن أبي وقاص ابو عمر بن سعد، سعد هذا الرجل اله مواقف نبيلة سعد، أنا سبق أن أكثر من مرة أشرت اله، سعد حتى مع أنَّه ما بايع عليَّ ابن أبي طالب تخلّف عن بيعته، سعد حتَّى وإن كان عنده موقف مقابل للإمام لكن موقف نبيل مو موقف واحد خارج عن حدود النبل لا لا..!!]. ما هو الموقف النبيل لسعد ابن أبي وقاص؟ هذا الصُّلب الَّذي يُنتجُ عمرَ ابن سعد أيُّ موقفٍ نبيلٍ له..؟! أنا أعلم، الشَّيخ الوائلي يتحدَّث مثلاً عن واقعةٍ ذُكِرت في كُتب التأريخ من أنَّ معاوية حين جاء إلى الحجاز وذهب إلى المدينة وجاء إلى مجلسه سعد ابن أبي وقاص ومعاوية سأل سعداً لماذا لا يلعنُ عليَّاً؟! ودار حديث وسعد ابن أبي وقاص رفض، رفض أنْ يلعن عليَّاً وذكر أحاديث في فضلهِ، من قال إنَّ سعداً فعل ذلك بنيَّةٍ حسنة؟! لربَّما كان يجاري أوضاعاً مُعيَّنة، لربَّما كَان يَهدفُ إلى شيءٍ آخر، إذا صحَّت هذه الرِّوايات الموجودة في كُتب المخالفين، إذا صحَّت مثل هذه الوقائع، لكنَّ الشَّيخ الوائلي مُشبَع بالمعلومات وبالتفاصيل وبالأحداث والحوادث الَّتي يقرأُها في كُتب المخالفين، هو لا يقرأ كُتبَ الشِّيعة، لو قرأ كتبَ أهلِ البيت لتبدلَّت عندهُ الصُّوَر، لعرف مَن هو المأمون، ولعرف مَن هو عمر ابنُ عبد العزيز، ولعرف من هو سعد ابن أبي وقاص، لكنَّ الرجل بعيدٌ جدَّاً عن منطقِ آلِ مُحَمَّد، والقضيَّة لا تَقف عند هذهِ الأمثلة، لا تقف عند سعد ابن أبي وقاص أو عند عمر ابن عبد العزيز أو عند المأمون العباسي، أوعند هارون الرشيد هنا في ديوانه: سيظلُّ من مجد الرشيد مُؤثَّلٌ يُضفي عليكِ بسحرهِ جِلبَابا أو المعتصم قاتل الإمام الجواد: وصدىً لمُعتَصِمٍ يُعدُّ كتَائِباً لِنَداء مُسلمةٍ دعت فأجابا وإلى سلسلةٍ طويلةٍ من هذا الهُراء العقائدي، ومن انعدامِ البراءة الفكرية في أجلى صورها، هل يتركُ لكُم الشَّيخ الوائلي بعد كُلِّ هذهِ التفاصيل، وبعد كُلِّ هذهِ الوثائق وبعد كُلِّ هذهِ الحقائق هل يترك لكم مجالاً للدفاعِ عنه؟ ولكنَّكم ستُدافعون وتُرقِّعون، ستُدافعون وتُرقِّعون وتُعاندون وتستمرّون في غيِّكُم لماذا؟ لأنَّ الصَّنميَّة قد عَشعَشَت في رؤوسِكم، وإلَّا فالقضيَّة واضحةٌ جدَّاً، فهل أنتم شيعةٌ لعليٍّ وآل عليّ أم شيعةٌ لأحمد الوائلي؟ ماذا تقولون أنتم؟! هل أنتم شيعةٌ لعليٍّ وآل عليّ أم شيعةٌ لأحمد الوائلي؟ وأمامَكم هذهِ الحقائقُ تَترى، إلى متى تتمسَّكون بهذا المنهج الأبتر؟! وأعتقد أنَّ الصورة صارت واضحةً جدَّاً. رجاءاً الكنترول روم اعرضوا لنا الفيديو المأخوذ من برنامجٍ بُثَّ على قناة كربلاء لكريمة الشَّيخ الوائلي وهي تحدِّثنا عن الحادثة الشَّهيرة المعروفة وبعد أن نرى الفيديو سأُعلِّق: [كريمة الشَّيخ الوائلي: كان ساقط إناء زجاجي، نﮕول احنا استكان بأرضية البيت ولازق يعني بما أنَّه بيه شكر لازق بالأرضية مال البيت، بحيث يعني يطوش صاير، فأنا بيدي المكناسة، أجيت دا يعني أرد أحرّكه من مكانه في سبيل اخلعه يعني من الأرضية، يعني المفروض من اخلعه يعني الحركة تكون لهناك يعني من تطفر الزجاجة تطفر لهناك بس ما أدري بقدرة قادر يعني دارت دورة يعني تصوّر الزجاجة من بما أنَّه هي موجودة بالﮕاع دارت ورجعت على عيني، رجعت على عيني رأساً، قطعة جبيرة شگّت العين مباشرة سوّتها نصّين ونزلت قطعة كبيرة يعني مو بيها مثلاً ذرّات صغيرة أو كذا لا، قطعة كبيرة وشگّت عيني ونزلت بالﮕاع، أنا من شدة الألم ويعني بعد ما أگدر أسيطر عليه فلزمت فركتها على أساس أنهُ أخاف أكو يعني فد شي أو تراب أو كذا ففركتها، فمن فركتها ساهمت بتقطيع الأجزاء الداخلية من عيني.. الشَّيخ الوائلي: وبالفعل أخذنا إذن وطلعناها بالليل إلى مستشفى في بغداد وجمعنا كبار الدكاترة جمعناهم، موجودين هم اللّي يحب يسألهم، براد ماراثون… وجاب لجنة وياه، هذا براد ماراثون أرمني وجاب وياه الكبّار الباقين لا يزال عنده مستشفى هو كان مستشار … فأخذنا عنده سرير هناك ونزلنا عنده … كريمة الشَّيخ الوائلي: فكان ذاك الوكت سمح له الدكتور أن أطلع وقال براحتكم أنتوا تسوّوا العملية براحتكم عاد انتم، فخلّاني والدي على بغرفة العمليات، على السرير شسمه العملية وطلع من المستشفى مشياً على الأقدام إلى الكاظمية رأساً. الشَّيخ الوائلي: خلال العملية صارت عندي فكرة أن أحنا نصعد على المنبر نﮕولهم للناس أهل البيت هيچي يسوّون، هيچي يسوّون، صدگ هذا لو چذب؟ إذا جذب ليش نچذب على الناس؟! وإذا صدگ ليش ما أروح ليهم انا؟ بالفعل توضأت ونزلت رحت إلى حرم الإمام موسى بن جعفر، يشهد الله ويعلم بالطريق كنت لما أشوف امرأة تمر وعيونها ما بيها شيء يصير عندي حقد عليها أنَّهُ ليش هيّ عيونها زينة وهاي الطفلة راحت عينها، فد صار عندي حقد عجيب، تعوّذت من الشَّيطان شنو هالنفس الشريرة؟! وجيت دخلت إلى الإمام موسى ابن جعفر ما حاچيته شيء صلّيت ركعتين ولزمت يمّ الراس الشريف، گلت له: انت بين أمرين أنا سامع أنك يسمّوك باب الحوائج و قاري بالكتب، بالكتب أكو شيء بس الكتب ما يهمني أنا صدگ لو كذب أنا ما أدري بيه، لكن انت بين أمرين لو صدگ لو خرافة اثبت لي وجودك، والله العظيم بهالتعبير خاطبته، قلت له: أنا محسوب عليك، النَّاس يسموني خادمك صدگ چذب انت ما أعرف؟ انت صدگ لو خرافة اثبت لي وجودك، وطلعت من عنده، وهذا براد ماراثون اللي يحب يطب عليه يسأله، موجودة عنده الحادثة مسجّلة بقيت وبعد أربعة أيام، بعد أسبوع كلما تحرك إلى أن يفتحون العين.. كريمة الشِّيخ الوائلي: ففتحها الدكتور لعيني شال الشبكة اللي چانت موجودة عليها ووالدي واگف، گال لي: شال ايده، اصابيعه، قال لي: هاي شنو؟ أنا بالبداية چنت أشوف يعني شي مو كلش يعني مميّز، إي گلت له: أشباح، شبح مثل الأصابع، بعدين مرَّة ثانية شالها قال لي: هذين اشگد، قلت اثنين، ثلاثة اربعة خمسة، قال لي: أكيد؟ انتي وين تشوفين بيا عين أخاف دا تشوفين بعينچ الشسمه، قلت: لا، فلزم عيني السليمة أغلقها غلق تام، وهم أيضاً طلّع لي أصابعه، هم گال لي: هاي اشگد؟ قلت له: أربعة، خمسة كذلك، رأسا ذب ايده بالگاع.. الشَّيخ الوائلي: اندهش وقف مثل الكتلة، قلت له شبيك؟ قال: تعال اهنا انت شمسوّي؟ قلت: أنا ما مسوي شي، قال لي: شنو هاي العين طبيعية صايرة كل شي ما بيها شنهو هذا؟ هاي العين نايمة طبيعية، هالشكل؟ قال لي متأكّد هالشكل، قلت: والله أنا طرقت لي باب من أبواب الله رحت للإمام موسى ابن جعفر طرقته إذا انت تؤمن بهذا وكله من فضل الله وبركات الإمام تصبح عينك طبيعية كما لو كانت]. ربمَّا يتصور من يُتابعني وأنا أنتقدُ منهجيَّة الشَّيخ الوائلي أنِّي أكذِّبُ بمثل هذهِ الحقائق، فما عندي شكّ ولا واحد من التريليون في مثل هذه الحادثة وغيرها لو جرت للشَّيخِ الوائلي أو لأيٍّ من شيعة أهل البيت، هذه وغيرها وغيرها، قد يكون كلامي مستغرَباً ولكن هذا هو منطق أهل البيت، منطق أهل البيت هو هذا. وقد حدَّثتُكم في الحلقاتِ المتقدِّمة عن هشام ابن الحكم، وبشكل سريع: هشام ابنُ الحَكم ماذا يُخاطبهُ إمامنا الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه والكتاب الَّذي بين يديّ هو الجزء الأوَّل من الكافي الشَّريف، وهذه هي الرِّواية الرَّابعة، ولا أستطيع أنْ أقرأ كُلَّ شيءٍ بكلِّ تفاصيله وقد قرأتُ عليكم هذهِ التفاصيل فيما سبق، راجعوا الحلقات المتقدِّمة، بشكلٍ سريع: من الَّذي يروي هذه الرِّواية؟ هو يونس ابن يعقوب – فَوَرَدَ هِشَامُ اِبْنُ الحَكَم – وكان كبار أصحاب الإمام الصَّادق موجودين – فَوَرَدَ هِشَامُ اِبْنُ الحَكَم وَهُوَ أَوَّلُ مَا اَخْتَطَّت لِحْيَتُه – في أوائل شبابه – وَلَيسَ فِينَا إِلَّا مَنْ هُو أَكْبَرُ سِنَّاً مِنْه – من صحابة الإمام – قَال: فَوسَّعَ لَهُ أَبُو عَبْد الله – وسّع له يعني الإمام تزحزح وتحرَّك عن مكانه يُريد أنْ يُجلِس هشاماً إلى جانبه – فَوسَّعَ لَهُ أَبُو عَبْد الله – وماذا قال؟ – وقَال: نَاصِرُنَا – هذا هشام – نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِه – هذا هشام، وبعد النقاش الإمام ماذا قال له؟ – قَالَ: فَاتَّقِ الزَّلَّة – يا هشام، أنت ذكيّ مُتمكِّن، هكذا قال لهُ:- يَا هِشَام لَا تَكَاد تَقَع – صفحة 194، الجزء الأوَّل من كتاب الكافي، وهذا كتاب الحُجَّة، باب الاضطرار إلى الحُجَّة، الرِّواية الرَّابعة – يَا هِشَام لَا تَكَاد تَقَع تَلْوي رِجْلَيك إِذا هَمَمْتَ بِالأَرْض طِرْت، مِثْلُكَ – مثلك يا هشام – فَلْيُكَلِّم النَّاس، فَاتَّقِ الزَّلَّة والشَّفَاعَةُ مِنْ وَرَائِهَا إِنْ شَاءَ الله – وفعلاً هشام وقع في زلَّاتٍ وزلَّات إلى الزلَّة الأخيرة الَّتي قال عنها إمامُنا الرِّضا لقد كان شريكاً في دمِ موسى ابن جعفر، ومع ذلك، الإمام الرِّضا ترحَّم عليه، والإمام الصَّادق وعدهُ بالشَّفاعة، قطعاً كان شريكاً في دم الإمام الكاظم، أوَّلاً: لا بالمعنى العمديّ ولا بمعنى المشاركة الفيزيائيّة، وهشام انحرف عقائدياًّ وتأثَّر بالفكر النَّاصبي، في قضيَّة القول بالتجسيم. مُحَمَّد ابن الفرج يقول:- كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الحَسَن – إلى الإمام الكاظم – أَسْأَلهُ عَمَّا قَالَ هِشَامُ اِبْنُ الحَكَم فِي الجِسْم وَهِشَام اِبْنُ سَاِلم – وهذا أيضاً من كبار الصَّحابة – فِي الصُّوْرَة – تأثَّروا بالفكر النَّاصبي، ماذا كتب لهُ الإمامُ الكاظم؟ – دَعْ عَنْكَ حَيْرَة الحَيْرَان – هؤلاء متحيّرون، هشام ابن الحكم وهشام ابن سالم – دَعْ عَنْكَ حَيْرَة الحَيْرَان وَاَسْتَعِذ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان – هؤلاء ينطقُ الشَّيطان على ألسنتِهم ولكنَّهم من الشِّيعة – لَيْسَ القَوْلُ مَا قَالَ الهِشَامَان – هذه الرِّواية الخامسة، صفحة 126، من باب النَّهي عن الجسم والصورة. الرِّواية السَّابعة صفحة 127:- عَن الحَسَن اِبْن عَبْدِ الرَّحْمَن الحَمَّاني، قَال: قُلتُ لأبي الحَسَن مُوسَى اِبْنِ جَعْفَر: إِنَّ هِشَام اِبْنَ الحَكَم زَعَم أَنَّ الله جِسْم لَيْسَ كَمِثْلهُ شَيء، عَالِمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ نَاطِقٌ وَالكَلام والقُدرَةُ وَالعِلْم يَجْرِي مَجْرىً وَاحِد لَيسَ شَيءٌ مِّنْهَا مَخْلُوقَاً – ماذا قال الإمام الكاظم؟ – فَقَال: قَاتَلَهُ الله أَمَا عَلِم أَنَّ الجِسْم مَحْدُود وَالكَلَام غَيِرُ الْمُتَكَلِّم، مَعَاذَ الله وَأَبْرَأُ إِلَى الله مِنْ هَذَا القَول – ما قال إنَّني أبرأُ من هشام، قال: إنَّني أبرأُ من قوله، وهذا ما أُردِّدهُ دائماً، نحنُ أناسٌ خطَّاءون، إِنَّني أبرأُ من قول الشَّيخ الوائلي، لكنَّني لا أبرأُ منه، هو شيعيٌّ مُحِبٌّ لأهل البيت، من خَدَمَة آل مُحَمَّد، هذهِ نيَّتهُ وأنا لا أبرأ منه، هذا هو منطق آل مُحَمَّد، تستغربون؟ لأنَّكم لا تعرفون منطق آل مُحَمَّد، هذا هو منطق آل مُحَمَّد، الإمام الكاظم هكذا قال:- قَاتَلَهُ الله – هشام يحب أهل البيت، ولكنَّهُ انحرف فكرياًّ لأسباب وأسباب، ورجع إلى الطريق، وأنا هنا لا أريد أنْ أُفصِّل حياة هشام، لكن هذا الانحراف العقائدي قادهُ إلى أنْ يكون شريكاً في دم الإمام الكاظم !! كما قلت: لا بعنوان الشَّريك العمديّ، ولا بعنوان الشريك المعادي، بعنوان أنَّهُ عدوّ، ولا بعنوان الشَّريك المنفِّذ الفيزيائيّ الفعليّ، ولكن بسببِ تصرّفاتهِ ومواقفهِ غير الحكيمة، وهذهِ التصرُّفات كَانت بسببِ اِنحرافهِ إلى الاتجاه الفكريّ النَّاصبيّ، ولكنَّ الإمام الصَّادق وعدهُ بالشَّفاعة، قال:- اتَّقّ الزَّلَّة يا هشام وَمِن ورائها الشَّفَاعةُ إنْ شاء الله – فماذا قال إمامنا الكاظم؟ قال:- مَعَاذَ الله – ما هذا القول الَّذي يقوله هشام – وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنْ هَذَا القَول – إلى آخرِ ما جاء في الرِّواية الشَّريفة. هذا هو منطق أهل البيت، ومنطقُ الصَّنميَّةِ شَيءٌ آخر، حينما تختلفون مع شخصٍ لا يعني أنْ تضعوا عليه خطّين متقاطعين، هذا ما هو بمنطق أهل البيت، منطق آل مُحَمَّد أنَّ الشَّفاعة لأهل الكبائر، وأنَّ الشَّفاعة للخطّائين وأنَّهم في يوم القيامة هكذا يتصرَّفون، هكذا أخبرونا:- مَا كَانَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ الله مِن ذنوبٍ – فيما بيننا وبين الله – مَشَيْنَا إِلَى الله وَتَشَفَّعْنَا فِيْكُم فَنُشَفَّع، وَمَا كَانَ بَيْنَكُم وَبَيْن النَّاس أَعْطَيْنَاهُم حَتَّى يَرْضَوْا – كيف يعطون النَّاس؟ إنْ كانت الذنوب فيما بيننا وبين الجهنَّميين يُخفَّفُ عنهم، وإنْ كانت فيما بيننا وبين الجنانيّين يُزادُ في درجاتهم – أَعْطَيْنَاهُمْ حَتَّى يَرْضَوْا، وَسَكَتَ الإِمِام، فَقَال ابنُ مهْرَان: وَمَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا ابنَ رَسُول الله؟ – فماذا قال إمامنا الصَّادق؟ قَال:- مَا أَنْصَفْنَاكُم إِذَا طَالَبَنَاكُم وَحَاسَبْاَنكُم فِيْ ذَلِكَ اليَوم فَقَد تَحَمَّلتُم مَا تَحَمَّلتُم – هذا هو لُطفُ آلِ مُحَمَّد، أنا لستُ نَاطقاً باسمِ آلِ مُحَمَّد، أنا عبدٌ مُسَلِّمٌ شِيعيٌّ بحسبِ ما يقول الأَئِمَّة أنَّ الحقَّ ما يقولون وأنَّ الباطل ما يقوله أعداؤهم، (القَوْلُ مِّنِّي مَا قَالَهُ آلُ مُحَمَّد فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُم وَفِيمَا لَم يَبْلَغْنِي، مَا أَسَرُّوا وَمَا أَعْلَنُوا أُوَالِي مَن يُوالُون وَأَبْرأُ مِمَّن يَبْرَأُون). حين آتي إلى كلام شيخنا الوائلي، كلامهُ يتناقض مع منطق آل مُحَمَّد، فماذا أصنع؟ لابُدَّ أنْ أتبرَّأ من هذا القول، ولابُدَّ أنْ أكشفَ هذهِ الحقائق، إذا ظهرت الفِتَن وظهرت البدع، وما هي الفِتن؟ وما هي البِدَع؟ هي مخالفةُ آل مُحَمَّد في القول، في الفكرِ، في العقيدة، فعلى العالم أن يُظهِرَ علمَه، وإذا لم يُظهِر عِلمَهُ؟ الروايات تقول فعليه لعنةُ الله، وروايات تقول: يُسلَبُ منهُ نور الإيمان، هذا هو منطق أهلُ بيت العصمة، في الوقت الَّذي انتقدُ ما انتقد من منهجيَّة الشَّيخ الوائلي وأتبرَّأُ من منهجهِ الأبتر لكنَّني لا أَستطيعُ أنْ أتبرّأ منه فهو شيعيٌّ مُحِبٌّ لأهل البيت، هذهِ هي أحكامُ أهل البيت، وحين تتحدَّث كريمتُهُ بهذا ويتحدَّث الآخرون فإنّي لا أشكُّ في هذا، إنَّني أقبلهُ وأعتقدُ به، عنهُ أو عن غيرهِ، عطاءُ أهل البيت عطاءٌ مفتوح، وشيعةُ أهل البيت كما قال الأَئِمَّة: (مَا زَلَّت لَهُم قَدَمٌ إِلَّا وَثَبَتَت لَهُم قَدَمٌ أُخْرَى)، لذا لا تستعجلوا عليهم، لا تستعجلوا عليهم في البراءة منهم، بل في البراءة من أفعالهم السيئة أو من أقوالهم الخاطئة، لا تستعجلوا على شيعة عليٍّ، يعني لا تستعجلوا فى البراءة منهم، لا تتبرّأوا منهم، فإنَّهُ ما زَلَّت لهم قدمٌ إِلَّا وَثَبَتَت لهُم قَدَمٌ أخرى، إذا أُشبِع قلبُ الشِّيعي بِحُبِّ عليٍّ فحُبُّ عليٍّ يُعطي الشِّيعيَّ حصانةً، حصانةً من الخروج من دائرةِ الولاية والتشيُّع، وهذا يلزمنا بعدم البراءة منه، أمَّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّهُ لن ينحرف يميناً أو شمالاً بعيداً عن أهل البيت في عقيدةٍ أو في موقفٍ أو في فكرةٍ، وإلَّا لصار الشِّيعة معصومين حينئذٍ، كلُّنا نقعُ في الخطأ الاعتقاديّ، ولربَّما نحمل عقيدةً ليست صحيحةً لفترةٍ من الزمن وبعد ذلك نتراجع عنها، كما هو حال هشام، ما أدراني ربَّما الشَّيخ الوائلي في آخرِ لحظةٍ من لحظات حياتهِ خُصوصاً في الفترةِ الزَّمانية المتأخّرة حينما انقطع عن المنبر لربَّما استغفر وتاب من كُلِّ هذا، لربَّما تنبَّه إلى الَّذي صَدَر منه، لا شأنَ لي بكلِّ هذا، أنا أتبرّأُ من منهجهِ، أمَّا أنَّهُ لا يحلُّ لي أنْ أتبرَّأ منه، وعطاءُ أهل البيت لا حدودَ لهُ، مع أنَّي أعترضُ على كُلِّ كلمةٍ قالها إلى آخر لقاءٍ وهو يُردِّدُ نَفسَ الكلام، آخر لقاء يُردِّدُ نفسَ المنطق ونفسَ المنهج الأبتر. رجاءاً أعرضوا لنا الوثيقة العاشرة وهي معروفة، آخر لقاء للشَّيخ الوائلي، آخر لقاء مصوّر الوثيقة العاشرة رجاءاً اعرضوها: [المقدّم: شيخنا يخطرني أنّهُ كان هناك لديكم توجّه نحو إنشاء مركز أو مجمع للتقريب بين المذاهب، هل كنتم من الرُّواد في هذا المجمع؟ الشَّيخ الوائلي: الحقيقة الفكرة هي ليست لي وإنّما هي للجمعية بالذات وقد جسدتها في خطوةٍ أولى في كلية الفقه، لأنَّنا في كلية الفقه كُنَّا ندرِّس فقه أبي حنيفة وفقه الشَّافعي وفقه أحمد ابن حنبل وفقه مالك وفقه جعفر بن مُحَمَّد الصَّادق على صعيدٍ سواء، في كتاب الفقه الْمُقارن لأحد أساتذة الحوزة أو أحد أساتذة الكلية المرحوم الشَّيخ مُحَمَّد تقي آل السيِّد سعيد الحكيم تغمّدهُ الله برحمته، الَّذي توفي في هذهِ السنة، تغمَّده الله برحمته وهو من اللامعين ومن الذهنيات الحادّة الَّتي أصّلت وأعطت وأبدعت، ففي جمعنا لآراء المذاهب الإسلامية وأخذ آراء المذاهب الإسلامية بدون حسَّاسية، بالإضافة إلى استعراض جُملة من العقائد الَّتي كُنَّا نستعرضها وجُملة من المسائل الفقهية في مؤلَّفات فقهائنا، كالخلاف للشَّيخ الطوسي وأمثال الخلاف ممَّا كنا نقرأُه من كتب أخرى للمذاهب الإسلامية، كُلُّ ذلك كان يُشكِّل منهجاً عندنا للجمع بين الأمزجة المختلفة للمذاهب الإسلامية في الاتجاهات العلمية، فنحنُ نشأنا في هذه الأجواء، ونكاد نقول أنَّ هذهِ الأجواء تربّينا وتَرعرعنا عليها، فلا يُقال أنَّ عِندنا توجُّه أو ميل إلى ذلك بل كنّا في الصَّميم من ذلك]. كما هو يقول كنا في الصَّميم من ذلك، أنا أبرأُ من هذا المنطق، أمَّا أنَّني لا أبرأُ من الشَّيخ فهو من شيعة أهل البيت، أبرأُ من هذا المنهج الأبتر. اعرضوا لنا رجاءاً التسجيل الصوتي للخطيب الحُسينيّ المعروف سماحة السيِّد منير الخبّاز: [وقد أخبرني في بعض المرات الَّتي زرتهُ فيها أنَّهُ كان على علاقةٍ شخصيَّةٍ وثيقةٍ بعميد المنبر الحُسيني الخطيب الكبير الشَّيخ أحمد الوائلي رحمهُ الله وكانَ يذهبُ ويأتي معه في أغلب الأحيان الَّتي يكونُ الشَّيخ الوائلي في النَّجف الأشرف، ولَمَّا خَرج الشَّيخُ الوائلي من العراق وبقي الشَّيخ القُرَشي فيها لم يحصل بينهما لقاءٌ أكثر من خمسةَ عشرة سنة، فلمَّا منَّ الله على العراق بالفرج والنَّصر ولكنَّ الشَّيخ الوائلي عادَ إليها مريضاً مُجهَداً ينتطرُ لقاء رَبِّه عزَّ وجلَّ، فيقول الشَّيخ القرشي: خرجتُ من النَّجف إلى بغداد إلى بيت ابنتهِ، إي بيت ابنة الشَّيخ الوائلي لآراه بعد هذه الفترة الطويلة من الفراق، فلمَّا وصلت إلى المنزل قيل لي لا يمكن لقاؤه لأنَّهُ في حالٍ لا يتحمَّل فيها الكلام مع أحد ولا يتحمَّلُ فيها لقاء أحد من شِدَّة الألم الَّذي كان يُحيطُ به، يقول: فدخلت المجلس وأصررتُ على أنْ آراه ولو من بعيد بمُقتضى العِلاقة الوثيقة بيننا، فسمع الشَّيخُ صوتي وأنا أتحدَّث مع أهل البيت فناداهم بكُلّ ما عنده من قوة، من قوةٍ وقدرة في ذلك الوقت، قال: أدخلوا الشَّيخ باقر على كلِّ حال، فدخلتُ عليه وكان كُومةً من العظام بحسبِ وصفه له، فنظر إليَّ وسألني تفصيلاً عن زوجتي وأولادي وبناتي وأهل الحيّ الَّذي كان يربطنا جميعاً وهو حيّ كميل في النَّجف الأشرف وأجبتهُ عن ذلك، ثُمَّ قال لي: قل إلى ابنائي ابنتي وأسباطي أنْ يُوضّؤوني حتَّى أصلّي، فقلت لهم، فقالوا: بأنَّهُ في وضعٍ لا يسمحُ لنا حتَّى أنْ نُحرِّك جسمه من شدَّة الألم الَّذي يعيشه، ولكنَّهُ كان مصرّاً عليهم، وقال للشَّيخ باقر: ادنُ منِّي، فدنا منه وقال: لقد رأيتُ الإمام الحُسين عليه السَّلام، وقلت له: خُذني معك وأرِحني مِمَّا أنا فيه، فقال لي: إذا دخلتَ إلى الصَّلاة سآخذُك معي، وبهذا التعبير الصَّريح، وأصرَّ الشَّيخُ الوائلي على أنْ يُصلِّي في ذلك الوقت، وبمحضرٍ من الشَّيخ القُرشيّ رحمهُ الله تعالى، فقام بتوضئته الوضوء الكامل وإجلاسه على المصلَّى وفي الركعة الثاَّنية عرجت روحه إلى ربَّه]. وهذا الكلام أيضاً أُصدّقه بالكامل وبكُلِّ التفاصيل، أُصدِّق ما قالهُ السيِّد منير الخبّاز نقلاً عن ما قاله الشيخ باقر شريف القرشي رحمةُ اللهِ عليه، وهذا الكلامُ يدخل إلى وجداني من دون حاجةٍ إلى دليلٍ، هذهِ هي عقائدُنا، وهذا هو منطقُ آلِ مُحَمَّد، هكذا فهمتُ اسلوبَ آل مُحَمَّدٍ في التعامل معَ شِيعتِهم، قد يكون هذا الكلامُ مُستغرَباً لناقدٍ ينقدُ بشدَّةٍ وبحدَّةٍ وبقوَّةٍ ما يطرحهُ الشَّيخُ الوائلي، ولكنْ هذا شي، وهذا شيء، ما يطرحهُ الشَّيخُ الوائلي عائدٌ إليه، أمَّا ما يفيضُ بهِ آلُ مُحَمَّد على شيعتِهم فهذا عائدٌ إلى آل مُحَمَّد، منطقُ الشَّيخ الوائلي شيء ومنطقُ آل مُحَمَّد شيءٌ آخر، قوانين آل مُحَمَّد مبنيَّةٌ على النيَّة والنيَّةُ هم يعرفونها، هم يقولون: (مَا خَلَد أَهْلُ الجِنَان فِي الجِنَان إِلَّا بِنِيَّاتِهِم وَمَا خَلَدَ أَهْلُ النِّيْرَان فِي النِّيْرَان إِلَّا بِنِيَّاتِهِم فَإِنَّ أَهْل الطَّاعَة – ما المراد من أهل الطاعة؟ المراد من أهل الطاعة هم الَّذين تمسَّكوا بولاية عليٍّ – فَإِنَّ أَهْلَ الطَّاعَة لَو خُلِّدوا في الدُّنْيَا لَبَقُوا عَلَى الطَّاعة) – لبقوا على الولاية، الشِّيعيُّ المحبُّ لعليٍّ لو قيل لهُ ستبقى خالداً في الدنيا هل سيترك عليَّاً؟ حتَّى لو كَانت الحياةُ عسيرةً شديدة، هل سيترك عليَّاً؟ لن يترك عليَّاً، أميرُ المؤمنين هو الَّذي يقول: (لَو ضَرَبتُ الْمُؤْمِنَ عَلَى خَيْشُومِهِ بِسَيفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي – أضربهُ بالسيف على خيشومه وهو يحبِّني يبقى يُحبِّني – وَلَو أعْطَيتُ الْمُنَافِقَ الدُّنْيَا ذَهْبَةً حَمْراء – الَّذي يُبغِضهُ – عَلَى أنْ يُحَبَّني مَا أَحَبَّنِي)، هذه هي موازينُ آل مُحَمَّد، إمامُنا السَّجاد يقول: (اللهَ اللهَ فِي دِينِكُم فَإِنَّ السَّيئَّة فِيه خَيرٌ مِنْ الحَسَنةِ فِي غَيرِه)، لماذا؟ لأنَّ الحسَنة في غيره لا تنفع، ولأنَّ السيئة فيه تُغفَر ويعفَى عنها، بل تتبدَّل إلى حسنات، بسببِ أكسير الخلود ولاية عليٍّ: (فحُبُّ عَلِيٌّ حَسَنَةٌ لَا تَضرُّ مَعَهَا سَيِّئَة)، ولكنَّ هذا لا يُسقِط التكاليف عنَّا، نحنُ عبيدٌ، نحن عبيدٌ عند مولىً يملكُنا ونعرفُ أنَّ هذا المولى يومَ العيدِ سيُغدقُ علينا جميعاً بالهدايا وسيعفو عن أخطائِنا ويُكرِمنا !! ولكن هذا لا يعني أنَّ هذا العبد، أنا الَّذي أمرني مولاي أنْ أكون حريصاً على مالهِ أنْ أُوافق على عبدٍ آخر يُريد أنْ يُبذِّر هذا المال ويُريد أن يُعطي هذا المال إلى عدوّ مولاي، عَلَيَّ أن أرفض ذلك وأنْ أقف بوجههِ، مع أنَّني أعلمُ كَرَم مولاي وفي يوم العيد سيعفو عني وعن ذاك !! ولكن عَلَيَّ أنْ أؤدّي تكليفي وواجبي الَّذي هو في عنقي. هذا هو منطق التسليم وهذا هو منطقُ العبودية الَّذي نُردِّدهُ في زيارة سيِّد الشُّهداء حين نقفُ بين يديه: (عَبْدُكَ وَاَبْنُ عَبْدِك وَاَبْنُ أَمَتِك الْمُقِرُّ بِالرِّقْ التَّارِكُ لِلْخِلَافِ عَلَيكُم)، هذا هو نفسهُ نُردِّدهُ بلسان القال والحال، بالألفاظِ وبالواقع العملي والنفسي، المفروض هكذا بين يدي إمام زماننا، فنحنُ عبيدهُ وأبناء عبيده وأبناءُ إمائه المُقرُّون بالرِّقِّ إليه والتاركون للخلافِ عليه، نعم نحنُ عبيدهُ. أمَّا هو ماذا يريد أنْ يفعل؟! فلستُ مسؤولاً عنه، هو مسؤولٌ عني، وظيفتُنا التسليم، وظيفتُنا العبودية، وظيفتُنا الطاعة، وظيفتُنا التمهيد لإمامِ زمانِنا، والتمهيدُ لإمامِ زمانِنا هو بإحياءِ أمرهِ، وإحياءُ أمرهِ هو بنشرِ فكرهِ، ولا يمكن لفكرهِ أنْ ينتشرَ ما دامت قذاراتُ فكرِ المنهجِ الأبترِ موجودةً في الطريق، فلابُدَّ من كنسِها وإزاحتِها وإزالتِها، وهذا هو الَّذي أتحدَّثُ عنه. أنتم استمعتم إلى السيِّد منير الخبّاز وهو ينقل عن الشيخ باقر شريف القرشي كيف رأى الشَّيخ الوائلي في بيتِ بنتِه، الشَّيخ لَمَّا جاء إلى العراق ذهب إلى الكاظمية، احدى بناتهِ ولا زالت في الكاظمية، احدى بناته متزوّجة وبيتها في الكاظمية، فبقي في بيت ابنته إلى أنْ توفّي، الشيخ باقر شريف القرشي جاء إلى الكاظمية لزيارة صديقه الشَّيخ الوائلي بحسب ما ينقل السيِّد منير الخبّاز، ماذا يقول؟ رآه كومة عظام، لماذا؟ لشدَّة المرض العُضال الَّذي فَتَك بالشَّيخ الوائلي، ولمدَّةٍ ليست بالقصيرة، حتَّى صار أهلهُ كما يُحدِّث الشيخ باقر شريف القرشي من أنَّهم لا يستطيعون أنْ يُحرِّكوا أيَّ جُزءٍ من بدنه، وبنتُ الشَّيخ تعرف مَن هو الشَّيخ باقر شريف القرشي، وقد جاء من النَّجف إلى الكاظمية لزيارة الشَّيخ الوائلي ومع ذلك ما أرادوا أنْ يفسحوا المجال للشيخ باقر شريف القرشي أنْ يرى الشَّيخ الوائلي، بنتُ الشَّيخ الوائلي تعرف مَن هو الشَّيخ باقر شريف القرشي، شخصية علمية مرموقة من الطِّراز الأوَّل، شخصية معروفة ولا حاجةَ للتعريف بها، وتعرف مدى العلاقة والرابطة الأكيدة، كانت هناك صداقة أكيدة وشديدة معروفة بين الشَّيخ الوائلي وبين الشيخ باقر شريف القرشي، ومع ذلك لَمَّا جاء لزيارته لشدَّة وطأةِ ولسوءِ حالةِ الشَّيخ الوائلي المرضيَّة ما أرادوا أنْ يسمحوا للشيخ باقر شريف القرشي أن يدخل على الشَّيخ الوائلي مع أنَّهُ دخل إلى بيتهم ما أرادوا أن يفتحوا لهُ بابَ الغرفةِ الَّتي كان فيها الشَّيخ الوائلي عبارة عن كومة عظام كما وَصَفهُ الشيخ باقر شريف القرشي. نحنُ هكذا نعتقد بحسب ثقافة أهل البيت: أهلُ البيت إذا أحبُّونا، أخطاؤنا تُكفَّرُ عنَّا في حياتِنا، وهُناك طرق عديدة لهذا التكفير، واحدة من هذهِ الطرق هي الأمراض الشَّديدة والآلام القاتلة يُكفَّرُ بها عن ذنوبِ المؤمن، خصوصاً الأمراض الَّتي تُصيبهُ في آخر حياتهِ، والرِّواياتُ كثيرةٌ وفيرةٌ وهذهِ المعاني مبسوطةٌ في أحاديثِ أهل البيت، لكنَّ الواقع الشِّيعي مُعبَّأٌ بثقافةٍ عوراء، وبفهمٍ أبترٍ، وبفكرٍ ناصبيٍّ شافعيٍّ قُطبيٍّ مخالفٍ لآلِ مُحَمَّد، لذلك الثقافة مُستدبرة والعقول مُستدبرة وليس هناك من منطقٍ يحكم الواقع الشِّيعي بحسب ما يُريدهُ أهل البيت، بإمكاني أنْ أُشكِّك في هذهِ الأمور ولكنَّني لا أستطيع أنْ أُعاند وجداني، يمكن أنْ أغضّ النَّظر عنها ولا أُشير إليها ولكنَّني أرى ذلك خيانةً، ما أدراني لَعَلَّي بعد هذا البرنامج ينقطع نَفَسي وأموت، وهذهِ الأحاديث تبقى، مثل ما بقيت أحاديثُ الوائلي تضخُّ الفكرَ الأبتَر وإلى هذه اللحظة، هذه الأحاديث ستبقى، حين أطرحُ فكراً ناقصاً وبنوايا سيّئة ستبقى آثارُهُ، آثارُهُ على الأرض، وستَصلني إلى قبري آثارُهُ أيضاً، هذا هو منطق آل مُحَمَّد الَّذي تعلَّمتهُ من كتابهم، ومن قرآنهم، ومن آياتهم، ومن أحاديثهم الشَّريفة، ومن زياراتهم، ومن أدعيتهم، وأنا هنا حين أتحدَّثُ بهذهِ الطريقة وحقِّ الزَّهراء لا أُريد من أحدٍ أنْ يُغيِّر نظرتَهُ عنِّي، لا أُبالي بنظرةِ الآخرين، إنَّني أبالي بنظرةِ إمام زماني أنْ يراني صادقاً وأنْ يراني أميناً ومخلصاً فيما أقوم بهِ من عملٍ ومن جُهد، ولا أبالي بالآخرين، مَن هم الآخرون؟! الآخرون لا يستطيعون أنْ ينفعوا أنفسَهم فضلاً عن أن ينفعوني، هذا هو منطقُ آلِ مُحَمَّد. أنا لا أريد أنْ أقول بأنَّ المرض الَّذي اُبتليَ به الشَّيخُ الوائلي كان عُقوبةً، كان تكفيراً، ما أدراني بذلك، لكنَّني أتحدَّثُ بما جاء في حديث آل مُحَمَّد، أنا لا أعلمُ الغيب، ولستُ ناطقاً عن الغيب، ولست ناطقاً عن آلِ مُحَّمَد، ولا علمَ لي بتقدير الأمور الَّتي تجري عَلَيَّ فكيف لي بعلمٍ بأمورٍ تجري على الآخرين؟! لكنَّني هكذا تعلَّمتُ من آل مُحَمَّد، أنَّ الشِّيعة الَّذين يحتطبون السيّئات والأوزار والأخطاء والخطايا على ظهورهم إذا قَبِلَهم أهلُ البيت شيعةً، إذا قبلوهم، أمَّا إذا لم يقبلوهم فهؤلاء سيموتون على مِلَّةٍ أخرى وسيُحشَرون مع أَئِمَّةٍ آخرين، أَئِمَّةٍ من أَئِمَّة النَّار، لكن إذا قبلوهم وهذا هو لِسان حالنا حينما نزور أئمَّتنا، نعترف لهم بأنَّنا قد حملنا الأوزار على ظهورنا واحتطبنا السيّئات وأجرمنا ما أجرمنا، وفعلاً هذهِ هي حقيقتُنا، هذا هو حالُنا، على جميع المستويات، على المستوى العقائدي، على مستوى العبادات، على مستوى المعاملات، على المستوى الظاهري، على المستوى الباطني، على مستوى الخلجات النفسيَّة والظنون والوساوس والشكوك والهواجس والاحتمالات، على مستوى الغفلةِ والقسوة والإدبار، وحتَّى على مستوى الإقبال والتوجّه الصحيح، على مستوى النُّورانِيَّة أو على مستوى الظَّلمانيَّة، في جميع الاتجاهات، نحنُ في حالة نقصٍ دائم، ولكن هُناك نقصٌ في المستوى النُّوارني وهناك نقصٌ في المستوى الظَّلماني، هناك نقصٌ في حالة الاقبال يتناسب مع الاقبال وهناك نقصٌ في حالة الإدبار يتناسب مع الإدبار، هذا هو حالنا، هناك نقصٌ في حالِ علمِنا، عِلمُنا ناقص، وهناك نقصٌ في حال جهلِنا، ليسَ لنا مِن بابٍ للنَّجاةِ إلَّا هُم، الإمامُ ماذا يفعل؟ الإمامُ موجودٌ لأيِّ شيءٍ؟ كي ما إذا نَقَصَ المؤمنون أتمَّهم وأكملهم، وكي ما إذا زادوا رَدَّهم، هو الميزان، نحنُ هكذا نُسلِّمُ على أمير المؤمنين: (السَّلَامُ عَلَيكَ يَا مِيزَانَ الأَعْمَال). دعوني أُحدِّثكم بحديث دعبل ولكن قبل أنْ أُحدِّثكم بحديث دعبل الخزاعي نذهب إلى فاصل. مثلما ذكرتُ لكم فيما تقدَّم مِن حديثي مِن أنَّني اِخترتُ الشَّيخ الوائلي مِثالاً نموذجياً وعملياً وتطبيقياً للمنهج الأبتر الَّذي يتحرَّك بقوَّةٍ فاعلةٍ في الوسَطِ الشِّيعي، ولذلك ذكرتُ ما ذكرتُ عمّا طرحهُ الشَّيخ الوائلي وما تركهُ من آثار في الواقع الشِّيعي المعاصر. ذكرتُ قبل قليل دعبل الخزاعي رضوان الله تَعالى عليه في نَظري وفي قَناعتي هو مثالٌ نموذجيٌ لنفس الأمر الَّذي أتحدَّثُ عنهُ الآن في هذهِ الجهةِ من البرنامج، فيما يَرتبطُ بِعاقبة الشِّيعي، دعبل الخُزاعي أنا هنا لا أريد أنْ أُؤرِّخ له، البرنامج ليس تأريخيَّاً، فقط أذهب إلى الجهات الَّتي ترتبطُ بمقصودي. دعبل الخزاعي في بداياتهِ هو من أُسرةٍ شِيعيَّة، هو من جوٍّ شيعيٍّ التشيُّع فيه واضحٌ، ولكن مُنذُ صِغرهِ وفي أيَّام شبابهِ إلى أنْ كَبُر وتقدَّم بهِ العُمر دِعبل مُشبَعٌ في باطنِه بحبِّ عليٍّ، ولكنَّ الدنيا أخذتهُ يميناً وشِمالاً، فهو شاعر، والشعراء تتقاذفهم الأمواج، أفلا يقولون إنَّ الفنون جنون؟! الشِّعرُ ضَربٌ مِن الجُنون، والفنُّ ضَربٌ من الجنون، في عالمِ الإبداع، المبدعون والنوابغ فعلاً لهم حالات يختلفون فيها عن غيرهم، دعبل بسبب شعرِه الرَّائق، الشِّعرُ الرَّائق هو الشِّعرُ الشَّديد، شَديدٌ في بُنيَتهِ اللغوية، عذبٌ في معانيه، وسَلِسٌ في ألفاظهِ، وجَميلٌ ناعمٌ في صُوَرهِ، رَقراقٌ ينفذُ إلى المشاعر والأحاسيس، يَتناغَمُ مَع مُوسيقى الرّوح، هو هذا الشِّعرُ الرائق، فشعرهُ كَانَ شِعراً رائقاً منذُ بدايات شبابهِ، ولربَّما كان لأستاذهِ تأثيرٌ كبيرٌ عليه في ذلك، أنا هنا لا أُريد الخوض في تفاصيل حياة دعبل الأدبية والتأريخية، فقط أذهب إلى الجهات الَّتي تتعلَّق بقصدي. ذاعت بعضُ أبياتهِ لجمالها، وكان شابّاً في بدايات شبابه وفي صغر سِنّه، وصلت الأبيات إلى المغنّين، والمغنّون عَادةً والمغنيات يختارون الأشعار الرَّائقة ذات الموسيقى الجميلة الخفيفة المطربة، انتشرت بعض أبياتهِ وتردَّدت على حناجرِ الْمُغنّين والمغنّيات ونفذت إلى داخل القصر العباسي، فسمع الرَّشيدُ بهذه الأشعارِ تُردِّدها المُغنِّيات وَطَرب لها طرباً كبيرا، فحين سأل عن شاعرِها هل هو من أهل بغداد؟ قالوا: لا، وأرسلَ مَن أرسل يبحثُ عنه وحمّلهُ بالأموال والهدايا وقال له: خيِّره إنْ أراد أنْ يأتينا إلى القصر فليأتِ، وذهبَ رسولُ الرَّشيد يبحثُ عن دعبل، وهو شابٌ في بدايات شبابهِ فحمل إليه الأموال وجاء دِعبل مُسرعاً إلى قصر الخلافةِ العباسية وصار هو شَاعرَ الأغاني لهارون الرَّشيد، كما قُلت أخذتهُ الدنيا يميناً وشمالاً، شَابّ وتأتيه الشُّهرةُ مِن أوسع الأبواب، وأين يحطُّ بهِ الرِّحال؟ في قصر الخلافة، أيَّام العصر الذهبي كما يسمّونه في كتب التأريخ، والمعازف والقِيان والجواري الفاتنة والمطربات الحسناوات على شاطئ دجلة حيثُ يسمر السامرون في تلكم البساتين المطّردة والقصور الشامخة حيثُ تُدار الكؤوس وتُعقَد مجالس الطرب وهكذا عاش دعبل في مثل هذه الأجواء. وفي فترةٍ من حياتهِ كان عاملاً من عُمال العباسيين في بعضِ مناطق مِصر، كان يعيشُ في الأجواء العباسية بكُلِّ تفاصيلها، بَقيَ على هذا الحال إلى زَمانِ موت الرَّشيد، وتِلك الفَترةُ فترةٌ عصيبة، هي الفترةُ الَّتي سُجِن فيها إمامُنا بابُ الحوائج، وهي الفترة الَّتي قُمِعت فيها الشِّيعة، وشُرِّد الهاشميّون وبعد ذلك جاءت فتنة الواقفة بكُلِّ تفاصيلها المريرة والثقيلة جدَّاً، فترة مريرة ولكنَّ دعبل كَانَ في عالمٍ آخر. في زمان الإمام الرِّضا ثبتت قدم دعبل الَّتي كادت أنْ تزلّ، (لَا تَسْتَعْجِلُوا عَلَى شِيعَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّهم مَا زَلَّتْ لَهُم قَدَمٌ إِلَّا وَثَبَتَت لَهُم قَدَمٌ أُخْرَى)، بدأ شَوطاً جديداً فدعبل قضى شطراً كبيراً من حياتهِ في شعر الغناء والطرب ما بين الجواري الفاتنة والمغنّيات والراقصات، بين كؤوس الخَمر وآثام السُّلطة العباسية وأموال هارون الرَّشيد وبين خَدَمةٍ لهؤلاء الطُغاة ولكنَّهُ بعد ذلك دَخل إلى بوّابةِ الهُدى ومُنذ ذلك اليوم وهو يحمل خشبتَهُ على ظهره، يقول: حملتها خَمسين سنة أبحثُ عمَّن يصلبُني عليها !! بدأت قصّة دعبل حين ركب سفينة النَّجاة وتمسّك بأذيال إمامِنا الثَّامن ووليّنا الضَّامن الإمامِ الرِّضا، وحينَ قَبِلَهُ الإمام فاضت شِفاه دعبل فأنشأَ: (مَدارسُ آياتٍ خَلَت من تلاوةٍ …)، أبيات إلى اليوم تُردَّد، وهذهِ علامةُ القبول من الإمام الرِّضا، إلى اليوم تُردَّد هذه الأبيات وكَانت نشيداً سياسياً وعقائدياً للشِّيعة عِبرَ العصور، مِن شَاعرٍ تُغنِّي المغنّيات بأشعارهِ إلى نادبٍ يَنعى الحُسين وإلى يَومِكَ هذا النَّاعون على الحُسين حين يُردّدون هذهِ الأبيات: أفاطمُ لو خِلتِ الحُسين مُجَدَّلاً وقد مات عُطشاناً بشطِ فرات إلى اليوم هذه الأبيات تُثير الأحزان، إلى اليوم هذه الأبيات تُحرِّكُ مشاعرَ القلوب، لماذا؟ لأنَّها كانت علامةً للقَبول، حين أقبل دعبل بكُلِّ إخلاصهِ ودخَل مِن بوّابة الهُدى أعطاهُ الإمام علامةَ القبول، إلى أنْ قال دعبل في تائيَّته: لقد خِفتُ في الدنيا وأيّامِ سعيِها؛ ويا ليتني أقول هذا الكلام وأنالُ نفس الجواب من إمام زماني!! لقد خِفتُ في الدنيا وأيّامِ سعيِها؛ هكذا قال دعبل والإمام الرَّضا يَسمعُ ما يقول دعبل … لقد خِفت في الدنيا وأيَّامِ سعيِها: متى هذا؟ بعد أنْ أعرض بوجههِ عن طُغاة العباسيّين، وبعد أنْ تحقَّقت البراءةُ الفكريّة، لذلك فإنّ أشعاره انقلبت بشكلٍ كامل، وهَجَر الماضي: لقَد خِفْتُ فِي الدُّنْيَا وَأَيَامِ سَعْيِهَا وإنِّي لأرْجُو الأَمْنَ بَعْدَ مَمَاتِيْ ماذا قال له إمامنا الرِّضا؟ قَالَ لهُ: (يَا خُزَاعِي، آمَنَك اللهُ يَومَ الفَزَعِ الأَكبَر). قصَّةُ دعبل طويلة، وبعد جهادٍ مريرٍ وكَانَ جِهادهُ فِعلاً جِهَادَاً مَرِيْرَاً، ولو كان المجال للحديث عن تأريخ دعبل لحدَّثتكم بالكثير والكثير من التفاصيل. أذهب إلى النِّهاية: دعبل كان هو الصوت الواقف في وجه السُّلطة النَّاصبة، طال عمرُهُ، أتعلمون في أيِّ سنٍ مات دعبل الخزاعي؟ لقد أكمل السَّابعة والتسعين ودخل في الثامنة والتسعين ومات وهو قد أكمل منها شهوراً من السَّنة الثَّامنة والتسعين، مات في سن الثَّامنة والتسعين، كان كبيراً جدَّاً. كيف مات دعبل الخزاعي؟ لقد قد عانى ما عانى في موته، ويمكنني أنْ أنقل لكم صوراً ثلاثة وبشكلٍ مختصَر: الصورة الأولى: أمسك بهِ الوالي العباسي في البَصرة، الوالي العباسي أمسك بدعبل الخزاعي في البصرة وأراد أنْ يقتلهُ بسبب ما قال من هجاءٍ ومن شعرٍ، القصَّةُ لها تفصيل، دعبل أنكر ما نُسِب إليه من الشعر الَّذي أراد الوالي العباسي أن يقتَلهُ بسببه، وحلف الأيمان وتوسَّل وكان شيخاً كبيراً، فأعرض الوالي عن قتله ولكنَّهُ أمرَ بضربه بالعُصيّ، رجل كبير في السابعة والتسعين، أو ربّما في السادسة والتسعين، هذهِ كانت في السنوات الأخيرة من عمره، ضربوه ضرباً شديداً بالعُصيّ، من خلال الوصف التأريخي ضربوه بطريقة الفَلَقَة وضربوه كذلك على سائر بدنهِ، ضربوه وضربوه وضربوه حتَّى أُصيب بالإسهال، يقولون: حتَّى سَلَح، سَلَح الرَّجل يعني خرج غائطهُ سائلاً، من شدَّة الضرب الشَّديد والبصرة أجواؤها حارّة، مع حرارة الجو ورجل كبير السن، هذا الوصف أنَّ البصرة أجواؤها حارّة لم يَرِد في الواقعة ولكن هو هذا الشَّيء الطبيعي، في أغلب الأوقات البصرة شديدة الحرارة ورجل كبير السن ويُضرَب بالعُصيّ ضرباً شديداً فَسَلَح، خرج ما في بطنه سائلاً، فماذا أمر الوالي العباسي؟ قال: اجعلوه على ظهره، وكان يُضرَب على أرجله، وقال: لابُدَّ أنْ تأكل غائطَك، فجمعوا لهُ الغائط، وفتحوا فمَهُ وأدخلوا الغائط في فمهُ وما كان يستطيع أنْ يبلعه ولكن هدَّدوه أن يُقتَل فاضطرّ إلى أنْ يبتلع غائطَه وأصرّ الوالي العباسي على أن يبتلع دعبل جميع غائطهِ، والضرب مستمر وبعد ذلك تركوه وفرّ منهم ،كان خائفاً أنْ يُقتَل، فرَّ منهم إلى بلاد الأهواز، وتَبعهُ من تَبعهُ لاِغتيالهِ فَطَعنهُ بعكازٍ نهايتُه حديديّة مُدبَّبة مسمومة، طعنه في رجلِه فتورَّمت رجلُه وبقي أيَّاماً يُعاني من ألمٍ شديدٍ جدَّاً إلى أنْ قضى ومات، بعدَ مُعاناةٍ شديدة. هذا الغائط الَّذي أدخلوه في فمهِ لربّما كان جزاءاً وتكفيراً لكُل أشعار الأغاني الَّتي قالها وكان الرَّشيدُ يُطربُ عليها وموسى ابن جعفر في طَوامير السجون !! وبقيَّة التفاصيل، أُريد أنْ أصل إلى النِّهاية … ولدهُ علي، دعبل اسمه الحَسَن وابنهُ الأكبر عليّ، دعبل هذا لقبٌ المربّية الَّتي ربَّته في صِغرهِ سمَّتهُ بذعبل بالذال ذِعبل، الذعبل، يعني هو الطِّفلُ الَّذي يكون كثير الحركة، كما يقول العرب طفلٌ عرم، الآن باللهجة العراقية المعاصرة يقولون: هذا الطفل وكح، الطفل العرم، الطفل العرم يُسمى بالذعبل، فما كانت مربّيته تناديه باسمه الحَسن، كانت تسمّيه بذعبل، بمرور الوقت خُفِّفت باعتبار الذال فيها شيء من الثقل أو شيء من الاستهجان اللفظي أو النُّفرة الصَّوتية حين تجتمع الذال مع العين فصار دعبل فَسُمِّي بدعبل الخزاعي وإلَّا فاسمُه الحسن وابنه الأكبر عليّ وكان يُكنَّى بأبي عليّ، فحين فرَّ إلى بلاد خوزستان إلى الأهواز وبالذَّات في منطقة السوس الَّتي تُسمَّى حالياً الشوش، كان ولدهُ عليّ معهُ فبعدما طُعِن وبقي أيَّاماً يتألّم وعاش في مُعاناة شديدة، اللحظات الأخيرة من حياتهِ اسودَّ وجههُ سواداً شديداً، ابنهُ عليّ يقول: شككتُ في أمري وفي أمر أبي، صحيحٌ أبي فَعَل ما فَعَل ولكنَّه مُنذ عقود وهو في خدمة مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد وقد عانى ما عانى، فلماذا حين مات اسودَّ وجههُ، هذا الاسوداد لماذا؟ فعليٌّ ولدهُ يقول: أصابتني حيرةٌ شديدة، ودخلني همّ، وهجمت عَلَيَّ الشكوك، هذا الكلام الَّذي أقوله قطعاً لم يقلُه بالنَّص، لكنَّني أنقلُ حالتَه النَّفسية، وإلَّا لم يقل هذا الكلام بالنَّص، يمكنَّنا أنْ نتصوّر حالة شخصٍ هكذا يجري على أبيهِ ما جرى، فعليٌّ هذا يرى أباه بعد أيّامٍ في عالم الرؤيا، ولكن يراه بشكلٍ آخر، يراه على أحسن حال وفي ثياب بيضاء، يراه بشكلٍ آخر يختلف عن الَّذي كان عليه أبوه في الدنيا، فسأل أباه أين أنت الآن؟ وما الَّذي جرى عليك عند الموت؟ قال: اسوداد وجهي كان بسبب شرب الخمر، كان كفَّارةً لهذا الأمر، وقد وردتُ على رسول الله فقال لي أنشدني قصيدتك: لا أضحكَ اللهُ سنَّ الدَّهرِ إِنْ ضحكت ضَحِكت وآلُ أحمد مظلومون قد قُهِروا القصيدة المعروفة، فقال لي رسول الله أنشِدْني هذه القصيدة، فأنشدتهُ هذه القصيدة، فَخَلَع عَلَيَّ ثيابَهُ وأسكنني في مَسكنٍ في جواره، فأنا مع رسول الله صلَّى الله وآله وسلَّم يا عليّ، يُخاطب ولدَه. مثل هذه الحادثة ومثل هذه الواقعة بعض هذه التفاصيل موجودةٌ في الكتاب الَّذي بين يديّ، والجزء الأخير موجود في مصادر أخرى، ما ذكرتُهُ من ضربِه وقتلِه ذكره الشَّيخُ الأميني في كتاب الغدير في الجزء الثَّاني من كتاب الغدير، (الغدير في الكتاب والسُنة والأدب)، الشَّيخ عبد الحسين الأميني، هذا الكلام موجود صفحة 384 و385، أمَّا الجزء الأخير فهو منقولٌ من مصادر أخرى، ومثل هذا جرى على شخصيّاتٍ أخرى، شخصيّات كانت نادبةً للحُسين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، وجرى مثل هذا أيضاً للسيِّد الحِميَري الشَّاعرِ المعروف ولغيرهِ. برنامج على قناة العراقية الفضائية العراقية عنوانهُ (مُهمَّةٌ عراقية)، سنة 2007 ميلادي هذا البرنامج يتناول شخصيَّة الشَّيخ الوائلي رحمة الله عليه إلى وفاتهِ وتشييعه، هناك مقطع مُقتَطف من هذا البرنامج، رجاءاً الكنترول روم اعرضوا لنا المقطع المقتطَف من برنامج مُهمَّةٌ عراقية من برامج الفضائية العراقية رجاءاً اعرضوا لنا هذا المقطع: [علي أحمد الوائلي: عندما اشتدَّت العلَّة واعتصر قلب المرحوم من وطأة ألم المعاناة بالمرض العُضال الَّذي أصابهُ كانت رغبته إكمال هذه الرِّسالة وهذا الدور وهو في خِضَّم هذا المعنى ويعتريه، تعتريه تلك الفاجعة أو ذلك المرض العسير لِمَا أخذ يتسائل: لِمَ آلُ مُحَمَّد لم يسعفوني، لم يحضروني وأنا لهم خادمٌ لخَدَمَتِهم، أخذ يسائل نفسهُ بهذا المعنى، في ليلة من الليالي وعندما هاجت عليهِ نفسهُ أخذ يُخاطب بأبي وأمي أبا مُحَمَّد الرِّضا من على سرير المرض والمكابدة والمعاناة بقصيدة عصماء قد تنوف على السبعين بيتاً، هي قد خاطب إمامَه الرِّضا في تلك الليلة الَّتي بعد أنْ نفث المرحوم ما في صدره إلى إمامه بينهُ وبين إمامه وقد كتبها أحد جُلسائِه الَّذي كان عند رأسه، وكان يسمع شفتي المرحوم تتمتم، كتبها القصيدة، فآثر أحد الأخوان وكان في غرفة التمريض أنْ يعطي ذلك الظرف لأحدى العلويّات الَّتي كانت متوجّهة إلى الرِّضا في اليوم الثَّاني كانت في نيَّة التوجّه، أحبَّ أنْ يعطيها وأبلغ المرحوم أنَّه ما قاله بحقِّ الإمام الرِّضا سيصل إليه ويلقَى في شُبّاكه، في الليلة نفسها الَّتي كانت في اليوم القادم تلك العلوية متوجّهة إلى إيران في نفس الليلة في عالم الرؤيا ترى الإمام بنفسي بأبي وأمي أبا مُحمَّد يحضرها في عالم الرؤيا ويبلغها أنْ طمئني ولدنا أحمد وقولي لهُ أنَّ رسالتك قد وصلت ومضمونها قد استُوعِب ولن يكون خاطرهُ إلَّا طيّب وسيرى منَّا ما يرى من كرامة إنْ شاء الله، ففي تلك الليلة وبعد تِلك السويعات واللحظات من اللقاء بين تلك العلوية والإمام الرِّضا بعد لحظات أحسَّ المرحوم وهو في عالم ما بين الوعي واللاوعي بأنَّ يداً كريمةً حنوّةً قد سارت على عنقهِ فقد مسح بأبي وأمي أبو مُحَمَّد في تلك الليلة على عنق المرحوم ورفع عنه المرض من ذلك الجزء تحديداً]. الأخ المتحدِّث مكتوب في أول البرنامج عليّ أحمد الوائلي النَّجف الأشرف، باعتبار أنَّنا ما عرضنا البرنامج بكاملهِ وإنَّما أخذنا موطن الحاجة من هذا البرنامج كما قُلت برنامج (مهمَّةٌ عراقية)، عُرِض على الفضائية العراقية، إنتاج سنة 2007 ميلادي. المتكلِّم هنا وحتَّى ما مر من حديثٍ للشَّيخ باقر شريف القرشي وهو يصفُ الحالةُ المستعصية ويَصفُ الآلام الشَّديدة الَّتي مرَّ بها الشَّيخ الوائلي رحمةُ الله عليه، الشَّيخ الوائلي كان مُصاباً بمرضِ السَّرطان وكُلُّنا مُعرَّضون للإصابةِ بهذا المرض وبغيرهِ، الأمراض تَأتي تَارةً مِن طريقٍ وراثي وأُخرى بسبب مُلابسات وظُروف موضوعية وأُخرى من طريق العدوى وفي بعض الأحيان هُناك حكمةٌ إلهية على سبيلِ منعِ الإنسان من الوقوع في المعصية فيُصيبهُ المرض فلا يستطيع أنْ يتحرَّك ولا يكون عندهُ هناك أيّ نشاط، يُمنع، للمنع، وفي بعض الأحيان تكون الأمراض عُقوبة، وفي بعض الأحيان تكون الأمراض للتكفير، وفي بعض الأحيان تكون الأمراض للتنقية، وغير ذلك، هناك حِكَم كثيرة، نحنُ لا نعرفُ أسرار التقادير الإلهية، المرض الَّذي أُصيب بهِ الشَّيخ الوائلي رحمةُ اللهِ عليه هو مرض السَّرطان، ولكن أيُّ نوعٍ من السَّرطان؟ لا أدري لماذا يُحاول البعض أنْ يُخفي هذا الأمر؟! السَّرطان الَّذي أُصيب بهِ شيخُنا الوائلي رحمةُ اللهِ عليه وعانى ما عانى منه في أُخريات أيَّام حياتهِ إلى أنْ قضى وبحسب رواية الشَّيخ باقر شريف القرشي إلى أنْ أخذهُ الحُسين، وأنا أقول هذا الكلام وأنا معتقدٌ به، وأنا آملُ كذلك وأعتقد أنَّ كُلَّ شيعيٍّ يأمل أنْ يأخذَهُ الحُسين، نوع السرطان الَّذي أُصيب به شيخنا الوائلي هو سرطان في الحنجرة، يعني في الحنجرة الَّتي يخرج منها الصَّوت، أنا لا أُريد أنْ أُفسِّرَ أيَّ شيء، ولكن آلامه كانت وما لقي من مُعاناة من سرطان الحنجرة. إلى هنا وأُنهي الحديث في هذا الجزء من هذه الحلقة لأنَّنا بُتنا قريبين من وقت الأذانِ والصَّلاةِ بحسب التوقيت المحلي لمدينة لندن بعد فاصل الأذانِ والصَّلاة أعود إليكم كي أكمل الحديث. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فاطِمَة وأَبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستَودَعِ فِيهَا … هذا هو الجزء الأخير من الحلقةِ السَّابعةِ والثَّلاثين بعد المئة من برنامج الكتابُ النَّاطق، آخرُ شَيءٍ وصل الحديثُ إليهِ قبل فاصل الأذانِ والصَّلاةِ بحسب التوقيت المحلي لمدينة لندن عَرضتُ عليكم مقطعاً من برنامجٍ عُرِض على الفضائية العراقية من إنتاج سنة 2007 ميلادي، حيث كان أحد الأخوة باسم عليّ أحمد الوائلي من النَّجف الأشرف بحسب ما هو مكتوبٌ على الشَّاشة في نفس البرنامج يتحدَّثُ عن مُعاناةِ شيخنا الوائلي النَّفسية وعن مَرضهِ لكنَّهُ لم يُفصِح، لا أدري كُلٌّ لهُ أسبابهُ وكُلٌّ لهُ نظرهُ، لم يُفصِح عن مرض الشَّيخ الوائلي رحمةُ الله عليه، فقط إذا كنتم لاحظتم أنَّهُ قال: (أنَّ الشَّيخ بين حالة الوعي واللاوعي أحسَّ بيدٍ حَانية تَمسح على منطقة المرض والأخ عليّ مَسح بيدهِ على رقبتهِ على موضع الحنجرة)، فلم يُشِر إلى المرض ولم يُشِر إلى نوع هذا المرض، كما قُلت المرض هو السَّرطان، ونوع السَّرطان الَّذي أُصيب بهِ شَيخُنا الوائلي رحمةُ اللهِ عليه هو سرطان الحنجرة ولا أُريد أنْ أُعلِّق أكثر من ذلك. سؤالٌ: لا أقول يطرح نفسَه ولكنَّ هذا السؤال وُجِّه لي مرَّات ومرَّات عن زيارة قبر الشَّيخ الوائلي رحمةُ اللهِ عليه؟ زيارة قبر الشَّيخ الوائلي كسائر قبور شيعة أهل البيت، الزِّيارةُ أساساً جَائزة، بل قد تكون مستحبّة ويؤجَر عليها الإنسان إذا نوى الإنسان القُربة في زيارة قبر أيِّ شيعيٍّ، إمَّا لأجلِ الاعتبار بزيارة المقابر، وإمَّا لأجلِ قراءة الفاتحة أو قراءة القُرآن أو قراءة زيارة عاشوراء مثلاً وإهدائها لصاحب القبر، للمزور، للميّت الَّذي يُزار في قبرهِ، وإمَّا لأجل الترحُّم عليه والاستغفار له، فإذا كانت زيارة قبر الشَّيخ الوائلي أو قبرِ أيِّ شيعيٍّ من شيعة أهل البيت بهذا العنوان، بالعنوان العامّ لأجل الاعتبار، لقراءة الفاتحة، لإهداء عملٍ من الأعمال الصَّالحة، لأجل الاستغفار للميِّت، والإنسان أيضاً يستغفرُ لنفسهِ، الاستغفار للميِّتِ وللحيّ، إذا كان بهذا المضمون فالزِّيارة جائزة بل مستحبَّة ويُثابُ الإنسان عليها، وهناك أيضاً حثٌّ من أهل البيت على زيارة القبور لأجل هذه الغايات الَّتي أشرتُ إليها. أمَّا إذا كانت الزِّيارةُ لقبر الشَّيخ الوائلي أو لقبر أيِّ رمزٍ من رموز الشِّيعة تثبيتاً أو اِستجابةً أو دعوةً للصنَّميَّة البغيضة المقيتة أو لأجلِ تشييد أركان المنهج الأبتر فهي مُحرَّمةٌ قطعاً من دون أي نقاش وتكون وبالاً على ذلك الزَّائر في الدنيا والآخرة، إذا كانت الزِّيارةُ لأيِّ شيعيٍ لِقبر الشَّيخ الوائلي أو لأيِّ رمزٍ، لعامَّة الشِّيعة لا يمكن أنْ نتوقَّع هذا المعنى، ولكن للرموز الشِّيعيَّة، للعلماءِ، للمراجعِ، للقادة، للشخصيّات، إذا كان الدَّافع للزيارة هو تفعيل معنى الصَّنميَّة أو لأجل تشييد وتأييد أركان المنهجِ الأبترِ هذا الفِكر الشَّافعيِّ القُطبيِّ، إذا كان لأجل هذا فوالله الزِّيارةُ محرَّمةٌ ولا تعودُ إلَّا بالوبال على ذلك الزَّائر، ولربّما تَعودُ أيضاً بالأذى على ذلك الميِّت، لا أدري، لا عِلمَ لي بذلك، ولكنَّ لأنَّ الزائر هو الَّذي جَاء بهذهِ النِيَّة، وهذا الأمرُ يجري على قبورِ كُلِّ شيعةِ أهلِ البيت، من خاصَّتِهم أو من عامَّتِهم. تقريباً وصلنا إلى نهايةِ الحديثِ في موضوع ملامح المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعي، ومرَّت حلقاتٌ كثيرةٌ تدورُ حول هذا العنوان. من البدايةِ ماذا قُلت؟ قلت: إنَّني أتحدثُ في ملامحِ المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعيّ، وقسَّمت الواقع الشِّيعيّ إلى ثلاثة أقسام: o القسم الأوَّل: المؤسَّسةُ الدِّينيَّةُ الشِّيعيَّةُ الرَّسميَّة بواجهتها المرجعيَّة وبمؤسَّستها الحوزوية العلمية وبسائر شؤوناتها وتفاريعها، هذا القسم الأوَّل. o القسم الثَّاني: الأتباع أتباعُ هذه المؤسَّسة سواء تمسَّكت بالمنهج الأبتر أم لم تتمسَّك. o القسمُ الثَّالث: الزَّهرائيُّون. الحديث من البداية إلى هذه اللحظة هو حديثٌ عن القسم الأوَّل، عن حركة المنهج الأبتر وعن نشاطهِ في المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ الشِّيعيَّةِ الرَّسميَّةِ، كُلُّ هذه الحلقات الَّتي مرَّت وكُلُّ هذه السَّاعات وكُلُّ تلك الأحاديث في مجموعةِ حلقاتِ ملامحِ المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعي، كلُّ الحديث كان يدورُ حول القسم الأوَّل من الواقع الشِّيعيّ: المؤسَّسةُ الدِّينيَّةُ الشِّيعيَّةُ الرَّسميَّة، بواجهتها المرجعيَّة وبمؤسَّساتها الحوزوية والتبليغية وسائر فروعها وشؤونها، وأعتقد أنَّ الكلام صار واضحاً وبيِّناً وجليِّاً بعد كُلِّ هذه الشروح وبعد كُلِّ هذهِ الوثائق وبعد كُلِّ هذهِ العُروض الَّتي تقدَّمت في الحلقات المتقدِّمة، إلى هذه اللحظة. القسم الثَّاني من الواقع الشِّيعي: (الأتباع)، أتباعُ المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّةِ الرَّسميَّة..!! وليس هناك من كلام بخصوص الأتباع لأنَّ كُلَّ حديثٍ مرّ بخصوِص المؤسَّسةِ الدِّينيَّةِ الشِّيعيَّة الرَّسميَّة بسلبياتهِ وإيجابياتهِ، بعامِّهِ وخاصِّهِ ينطبقُ تمام الانطباق على الأتباع، فهؤلاء الأتباع ما هم إلَّا مِرآة تَنعكسُ فيها صورةُ المؤسَّسةِ الدِّينيَّة الشِّيعيَّةِ الرَّسميَّة، ولذا لا أجدُ حديثاً أتحدَّثُ بهِ عَن الأتباع، مَصيرُ الأتباع هؤلاء هو مصير المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة، إذا كَان مَصيرُ هذهِ المؤسَّسة إلى الهُدى والصَّلاح فمصيرُ الأتباع وهم عامَّةُ الشِّيعة إلى الهدى والصَّلاح، لأنَّهم يمتثلون لأمرِها وينتهلون من فكرِها ويقتدون بما يقوم بهِ قادتها وزعماؤها، ولذا الحديثُ هو الحديث، الحديثُ عن هذهِ المؤسَّسة هو بنفسهِ بعينهِ حديثٌ عن الأتباع وهم عامَّة الشِّيعة. فالقسم الثَّاني لا حديثَ عندي بخصوصهِ، ما كان من حديثٍ عن المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة ينطبقُ على الأتباعِ بالتَّمام والكمال، مصيرهم مصير المؤسَّسة، المؤسَّسة إذا نجحت نَجَح هؤلاء، والمؤسَّسة إذا فَشَلت فشل هؤلاء، لماذا؟ لأنَّ هؤلاء هم الَّذين ربطوا مصيرَهم بمصير المؤسَّسة، وإلَّا الحكمة لا تقول بذلك، ولكنَّهم هم هم أحرار، هم أحرار ويملكون قرارَهم، وقد اتَّخذوا قرارَهم فربطوا أمرَهم ومصيرَهم بمصيرِ المؤسَّسة الدِّينيَّة. أمَّا القسم الثَّالث من أقسام الشِّيعة: (الزَّهرائيُّون)..!! هذا قسمٌ افتراضيٌّ لا وجودَ لهُ على أرض الواقع، نعم هناك من يُحبّ مثلي أنْ يُصنِّف نفسَه تحت هذا العنوان، ولكن على أرض الواقع لا وجودَ لهذا العنوان إِلَّا بنحوٍ شبَحيّ، هناك أُناسٌ يصفون أنفسهم بهذا الوصف، ولكن في الحقيقةِ إذا أردنا أنْ نَزن الأمور بميزانٍ دقيق فإنَّهم أساساً لا يعرفون ما المراد من معنى زهرائيُّون، هذا العنوان أو هذهِ التسميَّة الَّتي يُطلقونها على أنفُسهم، وما هذهِ الحلقات، حلقاتُ لبَّيكِ يا فَاطِمَة، إلَّا لتفهيمِ هؤلاء الَّذين يُريدون أنْ يكونوا مُسمَّيات تَحتَ هذا المسمَّى، وأنْ يكونوا وجودات تحت هذا العنوان، وأنْ ينطبق عليهم هذا الوصف، ولذا أقول لهم الحلقات المتبقيَّة من مجموعة حلقات لبَّيكِ يا فَاطِمَة والَّتي ستبدأُ من يوم غد إلى نهاية شهر ذي الحِجَّة، مجموعة هذهِ الحلقات هي الحلقات الأخيرة من حلقات لبَّيكِ يا فاطِمَة ستكونُ زُبدة الحديث ! فزُبدةُ الحديثِ في حلقاتِ لبَّيكِ يا فاطِمَة ستبدأُ من حلقةِ يوم غد إلى نهاية شهر ذي الحِجَّة، وأعتقد على سبيل الظنّ أنَّ الَّذين يُحبُّون أنْ يُطلِقوا على أنفسهم هذه التسميَّة يُريدون أنْ يكونوا تحت هذا العنوان، إذا ما فهموا المطالب والمضامين وتفاعلوا معها يُمكن أنْ تكون هناك بداية لنشاطٍ زهرائي، أنا لا أتحدَّث عن تنظيمٍ سياسيّ، ولا أتحدَّث عن تجمُّعٍ عشائري، ولا أتحدَّث عن جمعيَّةٍ خيريّة، إنَّني أتحدَّثُ عن التشيُّع بحسبِ الزَّهراء، هذا هو الزَّهرائي. الزَّهرائي: هو الشِّيعيّ، هو الشَّيعيُّ الَّذي تُريدهُ الزَّهراء ! هذا هو الزَّهرائي، الزَّهرائيُّون لا هم بحزبٍ ولا مُنظمَّة ولا جمعيَّة خيرية ولا مدرسة ولا نقابة ولا … ولا … ولا … ولا … الزَّهرائيُ ماهو تعريفه؟ الزَّهرائيُ: هو الشِّيعيُّ الَّذي تريدهُ الزَّهراء، الزَّهرائيُّ والزَّهرائيُّون هم شيعة الزَّهراء، فمن أراد أنْ يتَّسمَ بهذه السِّمة عليهِ أنْ يعرف ما المراد من هذا الوصف: (الزَّهرائي، الزَّهرائيون). زبدة القول في هذا الموضوع ستكون في الحلقات المتبقيَّةِ من مجموعة حلقات لبَّيكِ يا فاطمة والَّتي ستبدأ من حلقة يوم غد إلى نهاية شهر ذي الحِجَّة. آمل أن تكون هناك فائدة من هذهِ البيانات، من هذهِ الحلقات من هذا البرنامج، وأنْ تتشكَّل الرّوحُ الزَّهرائيَّةُ الصَّادقةُ في نفوسنا، وفي نفوس شيعة فاطِمَة أنّى كانوا في شرقِ الأرض أو في غربها. بقيت نُقطة واحدة ويكمُل الحديث في هذا العنوان: في أيِّ عنوان؟ عنوان: (ملامحُ المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعي)، هذه النقطةُ سيأتي بيانها بعد هذا الفاصل. النقطةُ الَّتي أشرتُ إليها قبل قليل قبل الفاصل وقُلت بقيت نقطةٌ واحدة فيما يرتبطُ بهذا العنوان ملامحُ المنهج الأبتر في الواقع الشِّيعي، في الحقيقةِ هذه النُّقطةُ مرَّ الحديثُ عنها في هذا البرنامج بنحوٍ إجمالي وفي برامج أخرى تحدَّثتُ عنها ربَّما في برنامجِ شهر رمضان: (متى تراك عيني بقيَّة الله..؟!). عاقبةُ المنهج الأبتر: هذه هي النقطة الَّتي أُريد إثارتها وأُريد الحديث عنها فإنَّ البحث لنْ يكتمل ما لم تتمّ الإِشارة إلى عاقبة المنهج الأبتر، فإذا تسيِّد هذا المنهج وصار حاكماً وفعلاً أطبق على المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة من كُلِّ جهاتها، والمؤسَّسةُ بهذا الحال أطبقت على الشِّيعة بكُلِّ تشيكلاتهم ومجموعاتهم، أنا هنا أتحدَّث حديثاً نظريّاً، وتطبيق هذا الحديث راجعٌ إليكم، أنا هنا لا أريد أنْ أطبِّق ما سأذكره من الرِّوايات، هذا الأمر راجعٌ إليكم، إنَّني أتحدَّث عن منهجٍ أبتر بحسبِ هذا المفترض، إذا كان هذا المنهج قد تَسلَّط بشكلٍ كامل على المؤسَّسةِ الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة وهذه المؤسَّسة فرضت هذا المنهج على كُلِّ الشِّيعة والشِّيعةُ وافقوها على ذلك ما هي النتيجة؟ النتيجة تُبيِّنها لنا الرِّوايات، أنا لا شأن لي بالمؤسَّسة الحالية وبالشِّيعة الحاليين، قد تنطبق عليهم هذهِ الرِّوايات وقد لا تنطبق، في حديثي هنا أريد أنْ أعرض الحقائق، تطبيق هذا الأمر على الواقع أمرٌ مردودٌ إليكم. هذا هو الكافي الشَّريف: وهذا هو الجزء الأوَّل، وهذه الرِّواية بالنِّسبة للَّذين يُتابعون برامجي سمعوها مني كثيراً ولكنَّني حينما أذكرها فإنَّني لا أذكرها على سبيل الاِجترار، فحديثُ أهل البيت ما هو بحديثٍ اِجتراري، كلّما يُذكر تتجدَّدُ منافعهُ وفوائده، وأنا حين أُكرِّرها فإنَّني ما كرَّرتها إلَّا وذكرتُ حيثيَّةً جديدةً ولِحاظاً جديداً، وهذهِ هي طريقتي في عرضِ الأحاديث، الَّذين يُتابعونني يعرفون ذلك جيّداً عنِّي، هذا هو الكافي الجزء الأوَّل، وهذه الطبعة دار الأسوة للطِّباعة والنشر، إيران، السَّادسة، 1428 هجري قمري، صفحة 380، وهذا الباب هو بابٌ في الغيبة، الرِّواية الحادية بعد العاشرة، 11، الحديث 11، صفحة 380:- عَنْ المُفَضَّلِ ابنِ عُمَر، قَال: كُنتُ عِنْد أَبِي عَبدِ الله – عند إمامنا الصَّادق – وَعِندَهُ فِي البَيتِ أُنَاس فَظنَنتُ أنَّه إنّما أرَادَ بِذَلكَ غَيري – بهذا الحديث – فَقَالَ: أمَا والله لَيَغِيبَنَّ عَنكُم صَاحِبُ هَذا الأَمْر ولَيَخْمِلَنَّ هَذا حَتَّى يُقال مَاتَ هَلَك فِي أَيِّ وَادٍ سَلَك – ليس بالضَّرورة أنْ يُقال هذا بالكلام وإنْ قِيل، قِيل وقِيل، ولكن الواقع العمليّ، مثلما فعلت الواقفة حين قالت: إنَّ الإمام الكاظم غاب ولا يوجد الآن إمام ظاهر فيما بيننا، فأماتوا الإمام الرِّضا وهو حيّ، أماتوا إمامتَه، ما قالوا: إنَّ الإمام الرِّضا مات، ولكنَّهم أماتوا الإمامةَ بهذا القول وبالنَّحو العملي، حين قالوا: إنَّ الإمام الكاظم لم يُستشهَد وإنَّما غاب وهو الَّذي سيملأُ الأرض قسطاً وعدلاً – حتَّى يُقَال مَاتَ هَلَك فِي أَيِّ وَادٍ سَلَك – الحال الآن الَّذِي عَلَيه الشِّيعة عمليَّاً، عمليَّاً لا توجد أي رابطة معنوية، سؤال هل يوجد عند الشِّيعةِ مشروع موجود على أرض الواقع للتمهيد؟ لا يوجد مثلُ هذا المشروع. حتَّى يُقَال مَاتَ هَلَك فِي أَيِّ وَادٍ سَلَك وَلَتُكْفَئُنَّ كَمَا تُكْفَّأُ السَّفِينَةُ فِي أَموَاجِ البَحْر – بحرٌ مضطرب والسَّفينة تتقلَّب بين أمواجهِ – لا يَنْجُو – في مثل هذه الأجواء – لَا يَنجُو إِلاَّ مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَه وكَتَبَ الإيِمَانَ في قَلبِه وَأيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْه – ولا يتَّصِف أحدٌ بهذهِ الأوصاف إلَّا إذا حقَّق البراءة الفكرية بشكلٍ كامل وهذه مُقدِّمة، من دون البراءة الفكرية بشكلٍ كامل هذه المعاني لا تتحقَّق – لَا يَنجُو إِلاَّ مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَه – الميثاق ما هو؟ أنْ يُوثِق نفسهُ بمنهجِ الكتابِ والعِترَة، لا أنْ ينفكَّ عنهما، والقاعدةُ الأساس هُنا هي البراءةُ الفكريَّةُ الكاملة، وهذا الأمر لا وجودَ لهُ في الواقع في ساحة الثَّقافة الشِّيعيَّة ولا في المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة ولا في الحوزة العلميَّة ولا في الأحزاب الشِّيعيَّة ولا في الحُسينيَّات ولا في الفضائيات ولا في أيِّ مكان، الفكرُ الشَّافعي، الفكر الصُّوفي، الفكرُ المعتزلي، الفكرُ القطبي، يصول ويجول، لا شأنَ لنا بكُلِّ التفاصيل المتقدَّمة، هذه الأجواء هي أجواء ناتجة عن أيِّ شيءٍ؟ ناتجة عن حركة المنهج الأبتر. وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشَرَة رَايَة مُشْتَبَهَة – مُشتَبَهة، يعني اختلط فيها الحقُّ والباطل وهذا هو المنهج الأبتر بعينه – وَلَتُرْفَعَنَّ اِثْنَتَا عَشَرَة رَايَة مُشْتَبَهَة لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيّ – تطبيقات عمليَّة وفكرية واضحة للمنهج الأبتر، المفضَّل يقول:- قَال: فَبَكِيتُ، فَقَال: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبدِ الله – المفضَّل لهُ كُنية عُرِفَ بأبي عبد الله وولدهُ اسمهُ مُحَمَّد وأيضاً يكنَّى بأبي مُحَمَّد – فَقَال: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبدِ الله؟ فَقُلتُ: جُعِلْتُ فِدَاك كَيفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُول اِثْنَتَا عَشَرَة رَايَةً مُشْتَبَهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيّ – ماذا قال الإمام؟ – قَالَ وَفِي مَجْلِسِهِ كُوَّةٌ – كوَّة يعني نافذة صغيرة – قَالَ وَفِي مَجْلِسِهِ كُوَّةٌ تَدْخُل فِيهَا الشَّمْس فَقَال: أَبَيِّنَةٌ هَذِهِ – من خلال النَّافذة – أَبَيِّنةٌ هَذِهِ – أنت ترى الشَّمس واضحة؟ – أَبَيِّنةٌ هَذِهِ؟ فَقُلتُ: نَعَم، قَالَ: أَمْرُنا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْس – إذاً هذه الرَّايات لا علاقةَ لها بالشَّمس، الشَّمس مرتبطة بأمرِهم، بمنهجِهم – قَالَ: أَمْرُنا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْس – تلكُم الرَّايات مشتبهة اختلط فيها الحقُّ بالباطل، تبدو من الظاهر كأنَّها حقّ ولكن حين تختبرها وحين تجوسُ ديارَها وتتصفَّحُ صحائِفَها تكون القضيَّة بشكلٍ آخر، مرَّةً تبدو على حقٍّ، وأخرى تبدو على باطل، وراياتٌ تتَّفقُ في الادعاءات وتختلفُ في التطبيقات، في بعضِ الأحيان تراها مُتَّفقة وفي أحيانٍ أُخرى تراها مختلفة، تتَّفقُ بعضها على بعضها، يُكذِّب بعضها بعضاً، أليس الرِّوايات هكذا قالت: يأتي زمانٌ على الشِّيعة يتفل بعضهم في وجه بعض، يُكفِّر بعضهم بعضاً ويَلعنُ بعضهم بعضاً، ما هي هذه الرَّايات، هذهِ راياتٌ مُشتبَهة، كيف صارت مُشتبَهة؟ لأنَّ المنهج الأبتر يتحرّكُ فيها ومن خلالها، وبعبارةٍ أُخرى المنهجُ الأبتر هو صوتُ الشَّيطان، وماذا يُريدُ الشَّيطان؟ يُريدُ الشَّيطان أن يُبعدَ النَّاس عن منهجِ الشَّمس، هُناك منهجُ الشَّمس وهو منهجهُم – أَمْرُنا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْس – بل إنَّ منهجَهم أبينُ من الشَّمس، ولكن للاختصار نقول: منهجُ الشَّمس ومنهجُ الرَّايات المشتبَهة. الرَّايات المشتبهة: هي راياتُ المنهجِ الأبتر، حين يختلطُ الفكر النَّاصبي بكلِّ مظاهرهِ، المظاهرِ الشَّافعية، المعتزلية، الصُّوفية، القُطبية، إلى غيرِ ذلك من المظاهر الأخرى، حين تختلطُ هذهِ المظاهر وحين تتسرَّبُ مياهُ هذهِ العيون الكدرة القذرة إلى العقول الشِّيعيَّة النتائج هي هذهِ رايات مُشتبَهَة، رايات مُشتبهة لا يُدري أيٌّ من أيّ، فهذهِ الأرضية أرضيَّةٌ مُناسبةٌ لأيِّ شيءٍ؟ لأنْ يتسيِّد المنهجُ الأبتر في السَّاحة الشِّيعيَّة، وإذا تسيِّد المنهجُ الأبترُ فإنَّ الشِّيعة ستكون نهايتهم أين؟ ستكون نهايتهم في نُصرة السُّفياني وفي حرب الإمام الحُجَّة. أنا لا أقول هذهِ الرَّايات المشتبهة الَّتي يتحدَّث عنها إمامنا الصَّادق لا يمكن أنْ تُصحِّح أوضاعَها، ولا يمكن أنْ تتخلَّص من آثار المنهج الأبتر، ولكنّها إذا بقيت على هذا الحال في مكانٍ وفي منأىً بعيدٍ عن المنهج الّذي هو أَبينُ من هذهِ الشَّمس وهو منهجُ الكتاب والعِترة هؤلاء شيئاً فشيئاً سيتسيَّدُ فيهم المنهج الأبتر وبالتالي لا رجاءَ لصلاحهم، حينئذٍ هذهِ الرَّايات بأتباعِها وبجموعِها ستكونُ في صفِّ السُّفياني في مواجهةِ إمامِ زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه. لا أُريد أنْ أقول أكثر من ذلك ولكنَّ كلمة إمامنا الصَّادق: (إنَّ أَمْرَنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمس)، هذا يقودنا إلى الزِّيارة الجامعة الكبيرة، ماذا سأل السائل؟ سأل عن قولٍ بليغٍ كامل، القول البليغ الكامل هو القول الواضح، وهذا ما أشارت إليه الزِّيارة الجامعة الكبيرة: (كَلَامُكُم نُوْر) – إِنَّ أَمْرَنا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْس – (كَلَامُكُم نُوْر)، نورٌ ساطع واضح، هذهِ الرَّايات إذا أرادت أنْ تَستنير بهذا النُّور فلنْ يتسيَّد فيها المنهجُ الأبتر، لأنَّ شيئاً من الحقّ موجود فيما بينها، ويُمكن أين يتعاظمَ هذا الحقّ، ولكنَّها إذا أغلقت عُيُونَ قلوبِها وما أبصرت هذا النُّور، وبقيت تبحثُ يُمنةً ويسرةً في قذاراتٍ اصطُلِحَ عليها ما اصطُلِح، فالنتيجة الطبيعية هي أنّهم ذاهبون باتِّجاه السُّفياني، إذا كَانت هذهِ الأوصاف تنطبقُ على الشِّيعة في هذا الزَّمان وكان العصرُ عصرَ السُّفيانيّ فهم ذاهبون إلى السُّفيانيّ، وإذا كانت هذه الأوصاف تنطبق على الشِّيعة في هذا الزَّمان وهذا العصر ما هو بعصر السُّفياني، فإنَّهم يُمهِّدون للسُّفياني من خلال الأجيال القادمة، من خلال الأجيال القادمة عبر المورِّثَات البشريّة، ثلاثة أجيال، ثلاثة أجيال تنتقل الحالات النَّفسية إلى مُستوى التوريث البشري، إلى الشَّفرة الوراثية، ونَحنُ مُنذُ الخَمسينات إذا تتذكَّرون تحدَّثتُ عَن هذهِ القضيَّة وعن نشاط المنهج الأبتر مُنذُ الخَمسينات، ورصدتُ لكُم الواقع من خلال الحقائق التأريخية ومن خلال الوثائق والحقائق، من الخمسينات إلى الآن كُل عشر سنوات يُمثِّل جيلاً من الأجيال، الخمسينات، الستينات، السبعينات، الثَّمانينات، التسعنيات، وما بعد الألفين، ما بعد الألفين نكاد نقترب من العقد الثَّاني سنة 2016 مُقارِبة على الانتهاء، حتَّى لو افترضت أنَّ الجيل يكون في عقدين، هذهِ الثَّلاثة أجيال ستورِّث مُورِّثات المنهج الأبتر إلى أبنائها، وكذلك سيكون التوريث، التوريث المؤسَّساتي، مؤسَّسات ومكتبات وأتحدَّث عن مكتبةٍ فكرية لا عن مكتباتٍ لجمع الكُتب، مؤسَّسات ومكتبات فكرية ومدارس وناس يدرسُون ويُدرِّسون ويتخرَّجون إلى غير ذلك، مجتمع كامل، أُمَّة كاملة، بينما إذا كانت هذهِ الجموع وهذهِ الرَّايات وهذهِ التجمُّعات تتَّجهُ شيئاً فشيئاً إلى منبع النور، إلى منطقِ الكتاب والعِترة فإنَّها ستتخلَّصُ من سيادةِ المنهجِ الأبتر. الرِّواية في (عوالم العلوم والمعارف والأحوال)، وهذا هو الجزء السَّادس والعشرون، والثالث أيضاً من عوالم الإمام المهديّ صلواتُ اللهِ سلامهُ عليه، صفحة 317، وهذهِ الرِّواية أيضاً مرَّت علينا، ولكنَّني أُعيدها أيضاً كي تكتمل الصُورةُ الَّتي بدأتُ رسمَها من خلال رِواية المفضَّل ابن عمر عن إمامنا الصَّادق الّتي قرأتها عليكم من الكافي الشَّريف، صفحة 317:- عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِين أَنَّهُ خَطَبَ بِالكُوْفَة: أَيُّهَا النَّاس اِلْزَمُوا الأَرْض مِنْ بَعْدِي وَإيَّاكُم وَالشُّذَّاذْ مِن آلِ مُحَمَّد، فَإنَّهُ يَخْرُج شُذَّاذُ آل مُحَمَّد فَلَا يَرَوْنَ مَا يُحِبُّون لِعُصْيَانِهِم أَمْرِي وَنَبْذِهِم عَهْدِي، وَتَخْرُجُ رَايَةٌ مِنْ ولْدِ الحُسَين تَظْهَرُ بِالكُوفَة بِدِعَامَة أُمَيَّة – الحديث هنا عن الأجواء الشِّيعيَّة – أَيُّهَا النَّاس اِلْزَمُوا الأَرْض مِنْ بَعْدِي وَإيَّاكُم وَالشُّذَّاذْ مِن آلِ مُحَمَّد – مَن هم الَّذين يتّبعون الشِّعارات المرتبطة بآلِ مُحَمَّد؟ هم الشِّيعة، فهناك من يخرج من الوسط الشِّيعيّ ويرفعُ شعاراتٍ باسمِ آل مُحَمَّد، من الوسط الشِّيعيّ، من الشِّيعة، من الهاشميين، بالنَّتيجة من الجو الشِّيعيّ، الإمام يتحدَّث عن هذه الأجواء. أَيُّهَا النَّاس اِلْزَمُوا الأَرْض مِنْ بَعْدِي وَإيَّاكُم وَالشُّذَّاذْ مِن آلِ مُحَمَّد، فَإنَّهُ يَخْرُج شُذَّاذُ آل مُحَمَّد – شُذّاذ، يعني يشذُّون عن المنهج الَّذي هو أَبْينُ من الشَّمس، عن المنهج الأصيل، عن منهج الإمام المعصوم، عن منهج الكتابِ والعِترة، فهؤلاء يشذّون عن هذا المنهج، ليس المراد من الشُّذَّاذ هنا الأعداد القليلة، الكلام هُنا ليس ناظراً إلى القِلَّة أو الكثرة، الكلام هنا ناظر إلى مسألة الهداية والضلالة، مسألةُ الهداية والضلالة لا علاقةَ لها بالقلَّة والكثرة، هذا الأمر ناظر إلى المضمون، إلى الفكرة، إلى المحتوى، إلى العقيدة، إلى الشِّعار – أَيُّهَا النَّاس اِلْزَمُوا الأَرْض مِنْ بَعْدِي وَإيَّاكُم وَالشُّذَّاذْ مِن آلِ مُحَمَّد – سواء كثروا أم قلَّوا – فَإنَّهُ يَخْرُج شُذَّاذُ آلِ مُحَمَّد فَلَا يَرَوْنَ مَا يُحِبُّون لِعُصْيَانِهِم أَمْرِي وَنَبْذِهِم عَهْدِي – كيف ينبذون عهدَ أميرِ المؤمنين؟ حين يُقصِّرون في البراءة، الشَّيء الطبيعي سيُقصِّرون في الولاية، لأنَّ عهدَ أميرِ المؤمنين: (اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاه وَعَادِ مَنْ عَادَاه وَانْصُر مَنْ نَصَرَه وَاَخْذُل مَنْ خَذَلَه)، البداية من البراءة الَّتي هي المقدِّمة، خللٌ في البراءة يُؤدِّي إلى خللٍ في الولاية – وَتَخْرُجُ رَايَةٌ مِنْ ولدِ الحُسَين تَظْهَرُ بِالكُوفَة بِدِعَامَة أُمَيَّة – الأمويّون يدعمونها بشكلٍ مادي، بشكلٍ معنوي، بنحوٍ سياسي، بنحوٍ ثقافي، بنحوٍ إعلامي، هُناك دعامةٌ أمويّةٌ لهذهِ الرَّاية، الحديث عن الأجواء الشِّيعيَّة، فحينما تكون دعامة أمويّة لهذهِ الرَّاية إنْ كانت تلك الدِّعامة بالاتّفاق، من دون الاتّفاق، من قُربٍ، من بُعدٍ، هذا يُهيّئُ الأجواء ويُهيّئُ الأرضيَّة لأيِّ شيءٍ؟ للفكر السُّفياني، وما ذلك بِمُستَغرَب. الفكرُ القُطبي كيف ظهر في الوسط الشِّيعي؟ كيف ظَهر في الكُوفة؟ الحديث عن رايةٍ تظهرُ بالكوفة، أليس مراجع شيعيَّة هي الَّتي ساعدت على ظهور الفكر القطبي؟ فيُمكن أنْ تكون هُناك مراجع ومؤسَّسات وأحزاب شيعية تُساعد في إظهارِ الفكرِ السُّفياني، وهذا هو هذا التطبيق أمامنا، مَن الَّذين أبرقوا البرقيّات وأظهروا للنَّاس الدَّعمَ لسيِّد قُطب؟ المرجِعُ الأعلى، السيِّد مُحسن الحكيم، المُفكِّر الأوَّل في النَّجف مُحَمَّد باقر الصَّدر، الحزبُ الشِّيعيُّ الوحيد حزبُ الدَّعوة الإسلامية، الرّموز الشِّيعيَّة الكبيرة المؤثِّرة في السَّاحة، في ذلك الوقت وبعد ذلك الوقت، مُرتضى العسكري، طالب الرفاعي، فلان، فلان، عبد الهادي الفضلي، إلى سلسلةٍ طويله من الأسماء والمسمَّيات الّتي كان لها التأثير الكبير ولازال لها تأثير في قطّاعاتٍ ما هي بقليلة، ما الفارق بين الفكر السُّفياني والفكر القُطبي؟ هو هو بعينهِ، مثلما دخل الفكرُ القطبي سيدخل الفكر السُّفياني – وَتَخْرُجُ رَايَةٌ مِنْ ولدِ الحُسَين تَظْهَرُ بِالكُوفَة بِدِعَامَة أُمَيَّة – هذهِ الدِّعامة قد تكون دعامةً فكرية، مثل ما ظهرت هذهِ التجمُّعات السِّياسية في الواقع الشِّيعيّ العراقي ودعامُتها فكرُ سيِّد قُطب. ليس بالضَّرورة أنْ يدعم الإخوان المسلمون مثلاً المجموعة الفُلانية أو الحزب الكَذائي بالأموال، أساساً الشِّيعةُ هُم الَّذين دفعوا الأموال للإخوان، مَن الَّذي دفع الأموال لدار التقريب في القاهرة؟ مَن؟ السيِّد البروجردي المرجع الشِّيعي المعروف، مَن الَّذي كَانَ ينتفعُ من هَذه الدَّار؟ الإخوان المسلمون وعلى رأسهم حسن البنَّا، فالأموال كَانت تخرجُ من الحقوق الشَّرعية من السيِّد البروجردي وتذهب إلى مصر، فالمؤسَّسة الشِّيعيَّة ليست بحاجةٍ إلى أموال بل هي التي تدفع الأموال، حتَّى العمل الفدائي قُدِّمت لهُ الأموال الشَّرعيّة من المؤسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة الرَّسميَّة، مِن النَّجفِ وغير النَّجف، العمل الفدائي رموزه الواضحة، أنا هنا لا أريد أنْ أؤرخ للعمل الفدائي وأعود إلى الشُّقيري، ولكن الرَّمز الواضح للعمل الفدائي هو ياسر عرفات، ياسر عرفات من أين جاء؟ جاء من الإخوان، رجل إخواني، كان يعيش في الكويت وكَان من الكوادر الإخوانية النَّشيطة جدَّاً، ووافقهُ أبو مازن أيضاً، وهذا الرَّجل بهائيٌّ معروف، وهؤلاء هم الَّذين قادوا العمل الفدائي، وبسبب فتاوى المرجعيات الشِّيعيَّة اِنخرط الشَّبابُ الشِّيعي العراقي في فصائل العمل الفدائي، ومن أوائل الَّذين قُتِلوا في عمليَّاتهم من الشَّباب الشِّيعي العراقي، العشائر العراقية الَّتي ذُبِحت ألاف مؤلّفة في الدِّفاع عن العثمانيين أعدى أعداءِ أهلِ البيت حينما جاءت القُوات الإنجليزية إلى العراق والقضيَّة لها تفصيل، مثل ما ذهبت هذهِ العشائر تُدافع عن العثمانيين، ومثل ما ذهب الشبابُ الشِّيعي العراقي والأموال للعمل الفدائي، ومِثل ما ذَهبت الأموال الشِّيعيَّة لدار التقريب لمنفعة الإخوان المسلمين، ومثل ما الآن المرجعيَّة الشِّيعيَّة العُليا في النَّجف تَصرف الأموال الشَّرعية لحماية النَّواصب، العملية هِيَ هِيَ، ويُمكن أنْ تكون بشكلٍ أكبر، رُبّما قد تَكون هذهِ الأمثلة مُصغَّرة، لكن هُناك إمكانية لأن تكون أكبر وأكبر كي تكونَ سائرةً تَحت راية السُّفياني في مواجهةِ الإمامِ الحُجَّة. وَتَخْرُجُ رَايَةٌ مِنْ ولدِ الحُسَين تَظْهَرُ بِالكُوفَة بِدِعَامَة أُمَيَّة وَيَشْمُلُ النَّاس البَلَاء وَيَبْتَلِي الله خَيرَ الخَلْق حَتَّى يُمَيَّز الخُبِيثَ مِنْ الطَيِّب وَيَتَبَرَّأ النَّاس بَعْضُهَم مِنْ بَعْض وَيَطُولُ ذَلِك حَتَّى يُفَرِّج الله عَنْهُم بِرَجُلٍ مِنْ آلِ مُحَمَّد وَمَنْ خَرَج مِنْ وُلْدِي فَعَمَل بِغَير عَمَلي وَسَارَ بِغَيرِ سِيْرَتِي – على حدٍ سواء إنْ كان من المراجع، من القادة السياسيين نفس الكلام ينطبق عليه – وَمَنْ خَرَج مِنْ وَلْدِي فَعَمَل بِغَير عَمَلي وَسَارَ بِغَيرِ سِيْرَتِي فَأَنَا مِّنْهُ بَرِيء – وسار بغير سيرتي، ماهي سيرة عليٍّ؟ سيرةُ عليٍّ مُخالفةُ سيرةِ الشَّيخين، فما تقول للمراجع وللمُفكِّرين الَّذين ينهلون من الفِكرِ المخالف (وَسَارَ بِغَيرِ سِيْرَتِي)، عليٌّ حين عرضوا عليه الخلافة في قصة الشورى العمريّة واشترطوا عليه أنْ يسير بسيرة الشَّيخين رفض، والحُسين ما هو شعارهُ؟ (إِنّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاح فِي أُمَّةِ جَدِّي أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوف وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَر وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي طَالِب). وَمَنْ خَرَج مِنْ ولدِي فَعَمَل بِغَير عَمَلي وَسَارَ بِغَيرِ سِيْرَتِي فَأَنَا مِّنْهُ بَرِيء، وَكُلّ مَن خَرَج مِنْ وُلْدِي قَبْلَ الْمَهْدِيّ فَإِنَّمَا هُو جَزُوْر – جزور يعني يُذبَح – وَإِيِّاكُم وَالدَجَّالِين مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة فَإِنَّ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة دَجَّالِين، وَيَخْرُجُ دَجَّالٌ مِنْ دِجْلَةِ البَصْرَة وَلَيْسَ مِّنِّي وَهُو مُقَدِّمَةُ الدَجَّالِين كُلِّهِم – ألا تُلاحظون هذا الكلام كُلُّهُ أين يجري؟ في العراق، في العراق، في العراق، إذاً السَّاحة الَّتي يُمكن أنْ تُبتلى بهذهِ الْمُشكلة هي العراق، ومن هنا هذا التركيز في كلامي على العراق وقد تحدَّثتُ عن هذا المطلب وبيَّنتُهُ بشكلٍ مُفصَّل فيما سلف، لماذا التركيز على العراق؟ لأنَّهم هم صلوات الله عليهم يرُكِّزون حديثَهم عن العراق وعلى العِراق، وقد مرَّ الحديثُ عن جناحَي التشيُّع في العالَم العراق وإيران، ومرَّ الحديثُ كذلكَ عن جناحي التشيُّع في العراق النَّجف وكربلاء، وتلاحظون المعاني يشرحُ بعضها بعضاً. هذا هو كتاب: (الإرشاد في معرفة حُجج الله على العباد)، لشيخنا المفيد رحمةُ اللهِ عليه وهذهِ الطبعة هي الطبعة الأولى، 1428 هجري قمري، النَّاشر سعيد ابن جبير، قم المقدَّسة، إيران، صفحة 541، الرِّواية عن الإمام الباقر – أنَّهُ إذَا قَامَ القَائِم سَارَ إِلَى الكُوفَة فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِضْعَة عَشَر أَلْف نَفْس يُدْعَون البَتْرِيَّة – هذه المجموعة (البَتْريَّة)، هي النِّتاج النهائي والحصيلة والثَّمرة للمنهج الأبتر الَّذي مرَّ الحديث عنه خلال الحلقات العديدة والكثيرة المتقدِّمة، ماذا يقول إمامُنا الباقر؟ – إذَا قَامَ القَائِم سَارَ إِلَى الكُوفَة – هؤلاء ما خرجوا في مكَّة ولا في المدينة، الإمام جاء من مكّة والمدينة – إذَا قَامَ القَائِم سَارَ إِلَى الكُوفَة فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِضْعَة عَشَر أَلْف نَفْس يُدْعَون البَتْرِيَّة عَلَيهُم السِّلَاح – مُستعدّون هؤلاء، كيف عليهم السِّلاح، لماذا؟ لأنَّهم على استعداد، كيف استعدوا؟ هناك حالة عقائدية وفكرية هم ينتظرون الإمام كي يأتي كي يُواجهوه، لأنَّهم يعتقدون بصحَّةِ موقفِهم، ولذلك هؤلاء يخرجون من الكوفة عندهم حماس، لندقّق في الرواية ماذا يقول الإمام؟ إذَا قَامَ القَائِم سَارَ إِلَى الكُوفَة – لم يصل، باتجاه الكوفة – فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِضْعَة عَشَر أَلْف نَفْس – أولاً: هؤلاء عندهم أخبار، يتتبّعون حركةَ الإمام، فحينما يسير باتِّجاه الكوفة يخرجون وعليهُم السِّلاح، قد استعدّوا – يُدْعَون البَتْرِيَّة عَلَيهُم السِّلَاح فَيَقُولُون لَهُ اِرْجِع مِنْ حَيث جِئَت – جواب قطعيّ، القرار مأخوذ من دون نقاش، لأنَّ الصورة واضحة هم لا يريدونه، لماذا؟ لأنَّ المنهج الأبتر صنع منهم بَترِيّة، وهؤلاء البّترِيّة ثقافتُهم مُستدبِرة عوراء عمياء، هي ثقافةُ المنهج الأبتر – فَيَقُولُون لَهُ اِرْجِع مِنْ حَيث جِئَت فَلَا حَاجَة لَنَا فِي بَنِي فَاطِمَة، فيَضَعُ فِيهِم السَّيف حَتَّى يَأتِي عَلَى آخِرِهِم – إلى آخر الرِّواية. في (منتخب الأنوار المضيئة)، للمُحدِّث النِّيلي، أيضاً الرِّواية عن الإمام الباقر – إذَا ظَهَرَ القَائِم عَلَى نَجَفِ الكُوفَة خَرجَ إِلَيهِ قُرَّاء أَهْلِ الكُوْفَة قَدْ عَلَّقُوا الْمَصَاحِفَ فِي أَعْنَاقِهِم وَأَطْرَافِ رِمَاحِهِم فَيَقُولُونَ لَا حَاجَة لَنَا فِيكَ يَا ابْنَ فَاطِمَة – ألا تلاحظون الرِّواية في الإرشاد (يا ابن فاطِمَة)، مُشكلتهم هي مع فاطِمَة، الكلام هنا أيضاً في منتخب الأنوار المضيئة: (يا ابن فاطِمَة)، وهذهِ الكلمة تَتردَّد في كُلِّ الرِّوايات، كلّ المجموعات الَّتي ستخرج على الإمام الحُجَّة يقولون له: (يا ابن فاطِمَة)، (إِنَّا لَا نَعدُّ الرَّجُل مِنْ أَصْحَابِنَا فَقِيهَاً لَبِيبَاً عَاقِلاً حَتَّى يَعْرِفَ لَحْنَ القَوْل)، الأئِمَّة هنا يريدون أنْ يلفتوا أنظارنا، بتريّة يرفضون ابنَ فاطِمَة، هذا الأبتر الَّذي هو في مقابل الكوثر ماذا يُريد؟ الأبتر في مقابل الكوثر يُريد أنْ يقطع الصِّلة بين مُحَمَّد وبين الكوثر، وهذه هي نفس الفكرة القديمة، الصِّراع مع فاطِمَة، هذهِ الحلقات حين سمَّيتُها (لَبَّيكِ يا فاطِمَة)، ما كان الأمرُ جُزافيّاً، هذا العنوان يتعانقُ مَع كُلِّ هذهِ المضامين، وأنتم تُلاحظون، أنتم بين يدي منظومةٍ فكريّةٍ مُتَّسقةٍ واحدة. إمامنا الباقر يقول:- إذَا ظَهَر القَائِم عَلَى نَجَفِ الكُوفَة خَرجَ إِلَيهِ قُرَّاء أَهْلِ الكُوْفَة قَدْ عَلَّقُوا الْمَصَاحِف فِي أَعْنَاقِهِم وَأَطْرَافِ رِمَاحِهِم فَيَقُولُون: لَا حَاجَة لَنَا فِيكَ يَا ابْنَ فَاطِمَة قَدْ جَرَّبْنَاكُم فَمَا وَجَدْنَا عِنْدَكُم خَيِرَاً اِرْجعُوا مِنْ حَيْث جِئْتَم – هذا المنطق أليس هو منطق أحمد الكاتب، هذا المنطق أليس هو منطق أحمد القبانجي، هذا المنطق أليس هو منطق حسين المؤيَّد، هذا المنطق أليس هو منطق المنهج الأبتر، فهؤلاء وصلوا إلى هذه النَّتيجة من خلال المنهج الأبتر – قَدْ جَرَّبْنَاكُم فَمَا وَجَدْنَا عِنْدَكُم خَيِرَاً اِرْجعُوا مِنْ حَيْث جِئْتَم فَيَقْتُلهُم حَتَّى لَا يَبْقَى مِّنْهُم مُخْبِر – هذه الصُّوَر صُوَر واضحة. وهناك إِصرار، هذا الإصرار والعناد !! هذه الرِّواية في بحار الأنوار، جزء 53، صفحة 16، الرِّواية طويلة أُشير فقط إلى هذه الجهة، فبعد اعتراضهم والرِّواية تقول عددهم أربعون ألف، الإمام يعظهم ويدعوهم ثلاثة أيَّام – فَلَا يَزْدَادُون إِلَّا طُغْيَانَاً وَكُفْرا، فَيَأمُر بِقَتْلِهِم فَيُقْتَلُون جَمِيعَاً،ثُمَّ يَقُول لِأَصْحَابِه: لَا تَأْخُذُوا الْمَصَاحِف وَدَعُوهَا تَكُون عَلَيهِم حَسْرَةً كَمَا بَدَّلُوهَا وَغَيَّرُوهَا وَحَرَّفُوهَا وَلَم يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا – بَدَّلوها غيَّروها وحرَّفوها ولم يعملوا بما فيها نقضٌ صريح لبيعة الغدير، الآن الموجود في الواقع الشِّيعي أليس هو نقض صريح لبيعة الغدير؟ ما مرَّ من مجالس شيخنا الوائلي مثلاً، ما مرَّ من تفسير شيخنا الطوسي مثلاً، ما مرّ من تفسير الطبرسي، الطباطبائي في الميزان، والبقيَّة الباقية، أليس هذهِ الأوصاف يُمكن أنْ تكون مُصغَّرة لهذا، ويُمكن أنْ تكبر حتّى تصل إلى هذا الحجم، الواقع هو هذا الّذي أقوله، علينا أنْ نقف أمام المنهج الأبتر كي لا يتفاقم الأمر ويصل إلى هذا الحدّ، الرِّوايات تصفهم: (قُرّاءُ القُرآن فُقَهَاءٌ في الدِّين – هؤلاء هُم الَّذين يخرجون على الإمام – قُرّاءُ القُرآن فُقَهَاءٌ في الدِّين)، هذه هي الجموع الخارجة على الإمام الحُجَّة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، القضيَّة خطيرة جدّاً، خطيرة، خطيرة جدَّاً. هذا هو الجزء الثَّاني والخمسون من بحار الأنوار، هذهِ الرِّواية رواية خطيرة جدَّاً، صفحة 387، رقم الحديث 203، عن الإمام السجَّاد صلواتُ اللهِ عليه، يُحدِّثنا الكابُلي عن الإمام السَّجاد، 387، الجزء الثَّاني والخمسون من بحار الأنوار، رقم الحديث 204، إمامُنا السَّجاد يُحدِّثنا عن صاحب الأمر، إلى أنْ يقول:- ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة – القادسيَّة أين؟ في العراق، القادسيَّة تَقع في الطريق الآتي من الحجاز باتِّجاه النَّجف وكربلاء، القادسيَّة جَنوب النَّجف وكَربلاء جنوب الكوفة – ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة – لاحظوا هذهِ الكلمة خطيرة – وَقَد اجْتَمَع النَّاسُ بِالكُوفَة وَبَايَعُوا السُّفْيَانِي – إذاً أين انتظارُ الشِّيعةُ للإمام؟ العلامات حدثت والإمام خرج في مكَّة ورفع صوتهُ: ألَا يا أهل هذا العالم إِنَّ جدي الحُسَين قد قتلوه عطشاناً، قد قتلوه عَطشاناً، قد سحقوه عُرياناً، الشِّيعة أين ذهبوا؟ ذهبوا إلى السُّفياني، هذهِ رواياتُ أهل البيت – ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة وَقَد اجْتَمَع النَّاسُ بِالكُوفَة – مَن هم النَّاس الَّذين اجتمعوا بالكوفة؟ يعني أهل الموصل؟! أهل الرمادي؟ من هم الَّذين يجتمعون بالكوفة؟ هم الشِّيعة، أهلُ البصرة، أهلُ العمارة، أهلُ الناصرية، أهلُ الكاظمية، من الَّذين اجتمعوا بالكوفة؟ الشِّيعة، أهلُ النَّجف، أهلُ كربلاء – ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة – هذا كلام الإمام السَّجاد – وَقَد اجْتَمَع النَّاس بِالكُوفَة وَبَايَعُوا السُّفْيَانِي – هنيئاً لكم إذا كانت النتيجة هكذا، كيف يصل الشِّيعة إلى هذه النتيجة يبايعون السُّفياني؟! والرِّواية واضحة ليس من هناك من ضغطٍ عليهم، ماذا تفهمون من هذا الكلام:- ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة وَقَد اجْتَمَع النَّاس – ليس جُمِع النَّاس هم اجتمعوا لوحدِهم، لم تَقُل الرِّواية أنَّ صاحب السُّفياني، وبالمناسبة السُّفياني ليس موجوداً، صاحبهُ موجود، أحد قادة السُّفياني موجود، والنَّاس اجتمعوا حوله يُبايعون السُّفياني من خلال مبايعة صاحب السُّفياني، هذا المعنى نفهمه من خلال الرِّوايات الأخرى – ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة – الإمام وصل القادسية والشِّيعة ذاهبة تُبايع السُّفياني، لماذا؟ مثل ما يجري الآن، حديثُ آلِ مُحَمَّدٍ يُرفَضُ لأنَّ الوائلي قال كذا، لأنَّ محَمَّد باقر الصَّدر قال كذا، وهم يُخالفون أهل البيت، يا جماعة هذا حديثُ أهلِ البيتِ لماذا تتركونهُ؟! محَمَّد باقر الصَّدر هو الَّذي جاء بالفكر القطبي، ونفس الشيء سيأتيكم أحدٌ بالفكر السُّفياني وتركضون وراءَه، نفس العملية، والشَّيخ الوائلي هو الَّذي جاء بهذا الفكر الأبتر وطرحَهُ في السَّاحة الشِّيعيَّة، هذا هو الواقع الشِّيعي أم لا؟ ستتكرَّر هذه التجربة ما لم تدركوا أنفسَكم، إذا لم نكُن في زمان السُّفياني فإنَّ أبناءَنا سيكونون في الأجيال القادمة – ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى القَادِسِيَّة وَقَد اجْتَمَع النَّاس بِالكُوفَة – هذه هي عاقبة المنهج الأبتر – وَبَايَعُوا السُّفْيَانِي – النَّاس مجتمعةٌ بإرادتِها، لم يُجمَعوا. الرِّواية الَّتي بعدها: نفس الصَّفحة 387، من الجزء الثَّاني والخسمين من بحار الأنوار، رواية 205، عن الإمام الصَّادق – يَقْدِمُ القَائِم حَتَّى يَأْتِي النَّجَف فَيَخْرُجُ إِلَيه مِن الكُوْفَة جَيْشُ السُّفْيَانِي وَأَصْحَابُهُ – مَن هم أصحاب السُّفياني؟ الشِّيعة، يخرجُ إليه من الكوفة جيش السُّفياني، هذا الَّذي جاء من الشَّام، وأصحابهُ أصحاب السُّفياني الَّذين اعتنقوا الفكرَ السُّفياني، كيف اعتنقوه؟ دخل إلى النَّجف من خلال مرجعٍ من المراجع، مثلما دخل الفكرُ القطبي وإلى يومك هذا يدافعون عنه، من الَّذين تبنَّوا الدِّفاع عن سيِّد قطب؟ المرجع الأعلى، المفكِّر الأوَّل، الطبقة الواعية في الوسط الشِّيعي، هؤلاء هم الذين تبنّوا الدفاع عن سيّد قطب وإلى يومك هذا يتبنَّون فكرَه، فمثل ما جاء هذا سيأتي الفكرُ السُّفياني – يَقْدِمُ القَائِم حَتَّى يَأْتِيَ النَّجَف فَيَخْرُجُ إِلَيه مِن الكُوْفَة جَيْشُ السُّفْيَانِي وَأَصْحَابُهُ – أصحابهُ هذه المجموعة الشِّيعية الملتصقة – وَالنَّاسُ مَعَه – وعموم الشِّيعة معه، تلاحظون الرِّواية تتحدَّث عن ثلاث مجموعات: o جيش السُّفياني: هذا واحد، هؤلاء جاءوا من سوريا. o وأصحابهُ: المجموعات الّتي انتظمت، هذا تنظيم، وأصحابهُ. o والنَّاسُ معه: وعموم النَّاس تبعت هؤلاء. هذه الحالة أليست قريبة من قضيَّة سيِّد قطب؟ – وَذَلِكَ يَومُ الأَرْبِعَاء فَيَدْعُوهُم وَيُنَاشِدُهُم – الإمام يدعوهم – وَيُنَاشِدُهُم حَقَّه وَيُخْبِرُهُم أَنَّهُ مَظْلُومٌ مَقْهُور وَيَقُول: مَنْ حَاجَّنِي فِي الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالله … إِلَى آخِر مَا تَقَدَّم مِنْ هَذِه – يعني من هذه الخُطبة – فَيَقُولُون: اِرْجِع مِنْ حَيثُ شِئْت لَا حَاجَةَ لَنَا فِيك، قَدْ خَبَرنَاكُم وَاَخْتَبَرنَاكُم – لا نُريدك – فَيَتَفَرَّقُون مِنْ غَيرِ قِتَال – هذا يوم الأربعاء – فَإذَا كَانَ يَومُ الجُمْعَة يُعَاوِد – يعطيهم مجال، الأربعاء، يعطيهم مجال الخميس، يوم الجمعة لعلَّهم يُغيِّرون آراءهم – فَإذَا كَانَ يَومُ الجُمعَة يُعاوِد فَيَجِيء سَهْمٌ فَيُصِيبُ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِين – لاحظوا عبارة الإمام الصادق – فَيُصِيبُ رَجُلاً من الْمُسْلِمِين – المسلمون مَن؟ الإمام؟ يعني هؤلاء كفّار!! تتذكّرون الرِّواية في تفسير الإمام العسكريّ والإمام الصَّادق يتحدَّث في تلك الرِّواية عن مراجع تقليد نُصّاب يتعلَّمون بعض علومنا الصَّحيحة ثُمَّ يُضيفون إليها أضعاف ذلك وأضعاف أضعافه من الأكاذيب، وتستمرّ الرِّواية والإمام يبيّن بأنَّهم أضرَّ على الشِّيعة من جيش يزيد على الحُسين وأصحابه، إلى أن يقول الإمام الرواية طويلة لا مجال لإعادتها بِكُلَّ تفاصيلها، إلى أن يقول الإمام ماذا؟ (لَا جَرَمَ أَنَّ مَنْ عَلِم الله من قَلْبِه مِن هَؤُلَاءِ العَوَامّ أَنَّه لَا يُرِيد – من عوام الشِّيعة – أَنَّهُ لَا يُرِيد إِلَّا صِيَانَة دِينهِ وَتَعْظِيمَ وَلِيِّه لَا يَتْرُكُه – لا يَدَعهُ – بَلْ يُقَيِّضُ لَهُ فَقِيهَاً مُؤْمَنَاً – لا يدعه – لا يَتْرُكُهُ فِي يَدِ ذَلِك المُلبِّس الكَافِر)، ألا تلاحظون الرِّوايات يشرح بعضُها بعضاً، المُلبِّس الكافر هنا هو مرجع تقليدٍ شيعيّ، الإمام يصفهُ بهذا الوصف وهذا خرج مع السُّفياني، هؤلاء خرجوا مع السُّفياني بحسب هذه الرواية: (فَيَخْرُجُ إِلَيه مِن الكُوْفَة جَيْشُ السُّفْيَانِي وَأَصْحَابُهُ والنَّاسُ مَعَه). فَإذَا كَانَ يَومُ الجُمُعة يُعَاوِد – الإمام يعاود – فَيَجِيء سَهْمٌ فَيُصِيب رَجُلاً من الْمُسْلِمِين فَيَقْتُلهُ فَيُقَال إِنَّ فُلَاناً قْد قُتِل – مِن جَيشِ الإِمَام – فَعِنْد ذَلِك يَنْشُر رَايَةَ رَسُولِ الله، فَإذَا نَشَرَهَا اِنْحَطَّتْ عَلَيهِ مَلَائِكَةُ بَدْر، فَإِذَا زَالَت الشَّمْس هَبَّت الرِّيْح لَه فَيَحْمِلُ عَلَيهِم هُو وَأَصْحَابُه فَيَمْنَحُه الله أَكْتَافَهُم – يعني يفرّون ويُولّون الأدبار – فَيَقْتُلَهُم حَتَّى يُدْخِلَهُم أَبْيَاتَ الكُوفَةِ وَيُنَادِي مُنَادِيه أَلَا لَا تَتَّبِعُوا مُوَلِّيَاً وَلَا تَجْهِزوا عَلَى جَرِيح وَيَسِير بِهِم كَمَا سَارَ عَلِيٌّ يَوْمَ البَصْرَة – يعطيهم مجالاً مع كلّ ذلك، سِيرةُ عليٍّ يوم البصرة أنَّهُ لم يتتبَّعهم بل أعطاهم مجالاً، لأنَّ القضيَّة قضيَّة طويلة، الجهاد طويل، والإمام صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه جاء رحمةً، لكن إذا أراد النَّاس أن يتجلَّى في الإمام معنى النَّقمةِ الإلهيّة، نحنُ هكذا نُسلِّم على أمير المؤمنين: (السَّلَامُ عَلَى نِعْمَةِ الله السَّابِغَة وَنِقْمَتِه الدَّامِغَة)، وهذا هو وصفُ الإمام الحُجَّة، الإمام النعمة السابغة ولكن إذا أراد النَّاس أنْ يتجلَّى لهم بالمعنى الثَّاني فهم يُريدون ذلك، تلاحظون إلى هذا الحدّ والإمام يفسحُ لهم مجالاً لعلَّهم يعودون، هذه مناطق شيعيّة، هؤلاء أهلُ النَّجف وأهلُ كربلاء، هؤلاء أهلُ السواد شيعة أهل البيت، الأَئِمَّة يقولون عن أهل السَّواد: إنَّهم منَّا ونحن منهم هؤلاء شيعتُنا، ولكنَّ المنهج الأبتر ضلَّلهم فقادهم إلى السُّفياني، يُعطيهم مجالاً، ولكن هل سيستجيبون؟ سنلاحظ، نقرأ الرِّوايات، نحنُ بصددِ بيانِ عاقبةِ المنهجِ الأبترِ يا شيعةَ أهلِ البيت، هل تعتبرون؟ لا أعتقد ذلك، لكنَّني أجد أنَّ هذا واجباً عَلَيَّ أنْ أفعله، أنْ أعرضَ الروايات بين أيديكم، فلا أحدَ يَعرِضُ لكُم هذهِ الأحاديث. أيضاً من نفس الجزء الثاني والخمسين من بحار الأنوار، وهذه الرِّواية رواية طويلة تبدأ من صفحة 341، عن تفسير العياشي، رقم الحديث 91:- عَنْ عَبْد الأَعْلى الحَلَبي، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعفر – إلى أنْ يقول:- لَكَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَيهِم مُصْعِدِين مِنْ نَجَفِ الكُوْفَة ثَلَاث مِئَة وَبِضْعَةَ عَشَر رَجُلاً – يبدو أنَّهُ لا يوجد للإمام أنصار في هذه الحالة مع استفحال المنهج الأبتر إلَّا هذهِ الثُلَّة – كَأنَّ قُلُوبَهُم زُبَرُ الحَدِيد جَبْرَائِيل عَنْ يَمِينِه وَمِيكَائِيل عَنْ يَسَارِه يَسِيرُ الرُّعْب أَمَامَهُ شَهْراً وَخَلْفَهُ شَهْرَاً أَمَدَّهُ الله بِخَمْسَةِ أَلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَة مُسَوَّمَين – مُسوَّمِين يعني يلبسون العمائم البيضاء ذات الحنكين وليس العمائم الطابقية الموجوده الآن والّتي يلبسها مراجعُنا وعلماؤنا، هذهِ العمائم في روايات أهل البيت هي عمائمُ إبليس، هذا ما هو كلامي هذا حديث أهل البيت – حَتَّى إذَا صَعَد النَّجَفَ – أنصارهُ الملائكة لأنَّ الشِّيعةَ هم أنصارُ السُّفياني، لماذا؟ بسبب المنهج القُطبيّ، بسبب المنهج السُّفيانيّ. الَّذين قَبلوا المنهجَ القُطبيّ سَيقبلون المنهجَ السُّفيانيّ، الَّذين قَبلوا المنهجَ الشَّافعيَّ والمعتزليَّ قبلوا المنهجَ القُطبيّ، والَّذين قَبلوا المنهجَ القُطبيَّ وهم عامَّة الشيعة الآن، عامَّة الشِّيعة الآن يقبلون المنهجَ القطبيّ، مجالس الشَّيخ الوائلي، الفضائيّات الشِّيعيَّة، فكرُ السيِّد مُحَمَّد باقر الصَّدر، التفاسير الشِّيعية الموجودة، المدارس الحوزويّة المنتشرة في كُلِّ مكان، هذا هو المنهجُ القطبيُّ والمعتزليُّ والشَّافعيُّ، هؤلاء سيقبلون المنهجَ السُّفيانيّ – حَتَّى إِذَا صَعَدَ النَّجَفَ قَالَ لِأَصْحَابِه: تَعَبَّدوا لَيْلَتَكُم هَذِه، فَيَبِيتُون بَينَ رَاكِعٍ وَسَاجِد يَتَضَرَّعُون إِلَى الله حَتَّى إذَا أَصْبَح، قَال: خُذُوا بِنَا طَرِيق النُّخَيلَة وَعَلَى الكُوفَةِ خَنْدَقٌ مُخَنْدَق، قَلْتُ: خَنْدَقٌ مُخَنْدَق؟! قَال: إِي وَالله، حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم بِالنُّخَيلَة فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَين فَيَخْرُجُ إِلَيهِ مَنْ كَانَ بِالكُوْفَةِ مِنْ مُرْجِئَها وَغَيرِهِم مِنْ جَيشِ السُّفْيَاني – من مرجئها وغيرهم من جيش السُّفياني، يعني هناك جيش السفياني وهناك المرجِئَة، مَن هم المرجِئَة؟ هؤلاء هم مرجِئَةُ الشِّيعة. هذا رجال الكشَّي، الطبعة المعروفة، بتحقيق العلّامة المصطفوي، صفحة 247، الحديث 458:- الحَسَن الوَشَّاء، عَن بَعضِ أَصْحَابِنا، عَنْ إِمَامِنَا الصَّادق، يَقَول: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله: شَهِدتَ جِنَازَة عَبْدِ الله اِبْنِ أَبِي يَعْفُور؟ قُلْتُ: نَعَم – عبدُ الله ابن أبي يعفور شخصيَّة شيعيَّة معروفة، الإمام يسأله شهدتَ جنازتَهُ – قُلْتُ: نَعَم، وَكَانَ فِيهَا نَاسٌ كَثِير – هو يقول للإمام الصَّادق كان هناك ناس كثير في جنازة عبد الله ابن أبي يعفور، ماذا قال الإمامُ الصَّادق؟ – أَمَا إِنَّك سَتَرى فِيهَا مِنْ مُرْجِئَةِ الشِّيعَة كَثِيرَا – يعني أنَّ الشِّيعة فيهم من المرجئة أعداد كثيرة هؤلاء الَّذين ينساقون مع الفكر المرجئي. ما هو الفكرُ المرجئي؟ الفكرُ المرجئي: يرى بأنَّ الجميع، مثل ما يقول الشَّيخ الوائلي هم جداول، وهذهِ الجداول كُلُّها تُوصِل إلى الإسلام، الجميع على حقّ، والاختلاف ناشئ من فهم الدَّليل، هذا هو الفكرُ المرجئي، الفكرُ المرجئي الَّذي يُساوي بين الصَّادق وبين غيرهِ مثل ما يقول الشَّيخُ الوائلي: كنَّا ندرُس فقهَ أبي حنيفة والشَّافعي ومالك وجعفر ابن مُحَمَّد على صعيدٍ واحد، هذا هو الفكرُ المرجئي، الفكر المرجئي الَّذي يُساوي بين آل مُحَمَّد وبين غيرهم، ثُمَّ يبحثُ عن أعذارٍ لأعداءِ آلِ مُحَمَّد، هذا هو الفكر المرجئي، المرجئة الَّذين يرجئون أعداءَ آلِ مُحَمَّدٍ إلى الله، يقولون: أمرُهم إلى الله، لسنا نحنُ الَّذين نحكم عليهم، الصَّحابة حين اختلفوا في مابينَهم أمرُهم إلى الله، لا نُحكم عليهم، نحترمهم جميعاً، حين اختلف الصحابةُ مع آلِ مُحَمَّد قالوا: نحترم الجميع، ولذلك هم يصلِّون على آل مُحَمَّدٍ وعلى الصَّحابةِ كما يفعلُ شيخُنا الوائلي وبالذَّات في كتابهِ هُويَّة التشيُّع الأبتر، أليس مرَّ علينا هذا الكلام؟ أليس الآن تنتشرُ هذه الظَّاهرة في الفضائيّات، العمائم الشِّيعيَّة كُلُّهم يتسابقون، من الَّذين يشتغلون في الحقل السياسي أو في غيره، يُصلِّون على النَّبيِّ وآله وصحبهِ المنتجبين، هذا هو شعار المرجئة، هؤلاء هم مُرجئةُ الشِّيعة. فَيَخْرُج إِلَيهِ مَنْ كَانَ بِالكُوفَةِ مِن مُرْجِئِهَا وَغَيرِهِم مِن جَيشِ السُّفْيَانِي فَيَقُول لِأَصْحَابِه: اِسْتَطْرِدُوا لَهُم – يعني فرُّوا أمامَهم حتَّى يتصوَّروا بأنَّكم خائفون منهم – ثُمَّ يَقُول: كُرُّوا عَلَيهِم، قَال أَبُو جَعْفَر: وَلَا يَجُوز وَاللهِ الخَنْدَقَ مِّنْهُم مُخْبِر – هؤلاء خارجون لقتال الإمام بشكلٍ صريح وواضح، شيعةٌ هؤلاء، هؤلاء أهلُ النَّجف وأهلُ كربلاء وأهلُ الوسط والجنوب، هؤلاء شيعةُ العراق، لماذا يفعلون هذا؟ لأنَّ المنهج الأبتر يقودهم إلى ذلك، لا يَجبرهم أحد، السُّفياني ليس موجوداً في الكوفة، الموجود في الكوفة قوّات من جيش السُّفياني يقودها قائدٌ من قادتِه، والنَّاس اجتمعت إليه تبايعُهُ في الوقت الَّذي يأتي الإمام من الحجاز حين يصل إلى القادسيَّة الشِّيعةُ مُنشغلون ببيعةِ السُّفياني، أيُّ سوءٍ للتوفيق هذا؟! والسَّبب هي هذهِ المقدِّمات، هذا المنهج الأبتر، القضيَّة هل تقف عند هذا الحدّ؟ إنّها تتجاوز هذا الحدّ !! روايةٌ مهمَّةٌ جداً يرويها المحدّث أبو الحسن المرندي في كتابه (نورُ الأنوار) – فَإذَا خَرَجَ القَائِمُ مِنْ كَربَلاء وَأرَادَ النَّجَف وَالنَّاسُ حَولَه قَتَل بَينَ كَربَلاء وَالنَّجَف سِتَّة عَشَر أَلْف فَقِيه، فَيَقُول الَّذِينَ حَولَهُ مِن الْمُنَافِقِين: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة – تلاحظون اسم فاطِمَة موجود على طول الخط – وَإِلَّا لَرَحِمَهُم،، فَإذَا دَخَل النَّجَف وبَاتَ فِيه لَيلَةً وَاحِدة فَخَرج مِّنْهُ – مِن النَّجَف – مِن بَابِ النُّخَيلَة مُحَاذِي قَبْر هُودٍ وَصَالِح اِسْتَقْبَلَهُ سَبْعُون أَلْف رَجُل مِن أَهْلِ الكُوفَة يُرِيدُون قَتْلَه – هذا بعد كُلِّ التفاصيل المتقدّمة، جيش السُّفياني خرج ومعهُ القُرّاء والفُقهاء والإمام قضى عليهم ودخل إلى النَّجف ومع ذلك أهل النَّجف يريدون قتلَه، هذهِ الأحاديث ليست من عندي، وتلاحظون الأحاديث يُكمِّل بعضها بعضاً – فَإذَا دَخَل النَّجَف وبَات فِيه لَيلَةً وَاحِدة فَخَرج مِّنهُ مِن بَابِ النُّخَيلَة مُحَاذِي قَبْرَ هُودٍ وَصَالِح – هؤلاء من أين جاءوا؟ نعود إلى بداية الرِّواية – فَإذَا خَرَج القَائِمُ مِنْ كَربَلاء وَأرَادَ النَّجَف وَالنَّاسُ حَولَه قَتَل بَينَ كَربَلاء وَالنَّجَف سِتَّة عَشَر أَلْف فَقِيهاً – قطعاً هؤلاء من الشِّيعة – فَيَقُول الَّذِينَ حَولَهُ مِن الْمُنَافِقِين – فقيه في نظر النَّاس، النَّاس تُسمّيه (فقيه)، النَّاس أيّ واحد يلفّ له قطعةَ قماش على رأسه الشِّيعة يُسمّونه (فقيه) وإنْ كان لا يفقهُ شيئاً! – فَيَقُول الَّذِينَ حَولَهُ مِن الْمُنَافِقِين إِنَّهُ لَيسَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة وَإِلَّا لَرَحِمَهُم – يقولون هولاء علماء أجلّاء، هؤلاء خَدموا الأُمَّة ولهم تأريخ، وقفوا في وجه النِّظام السَّابق، وأمثال هذا التسطير – فَإذَا دَخَل النَّجَف وبَات فِيه لَيلَةً وَاحِدة فَخَرج مِّنهُ مِنْ بَابِ النُّخَيلَة مُحَاذِي قَبْرَ هُودٍ وَصَالِح اِسْتَقْبَلَهُ سَبْعُون أَلْف رَجُل مِن أَهْلِ الكُوفَة يُرِيدُون قَتْلَهُ فَقَتَلَهُم جَمِيعَاً فَلَا يُنْجَى مِّنْهُم أَحَد – تُريدون أن تكونوا من هؤلاء؟ تُريدون أنْ يكون المجتمع الشِّيعي بهذه الصُّورة؟ يمكن أنْ يكون بهذهِ الصورة، ويمكن أن لا يكون، حينما نغيّر الواقع، تغييرُ الواقع يأتي بتغيير بُنيةِ العقلِ الشِّيعي، لنتحرَّكْ لتغيير بُنيةِ العقل الشِّيعيّ، نُعيد العقل الشِّيعيَّ إلى اتجاههِ العَلَويِّ بعيداً عن الاتِّجاه الشَّافعيّ والمعتزليّ والصُّوفيّ والقطبيّ، كي لا نقع في شِباك المخطَّط السُّفياني وإلَّا فالنتيجةُ هي هذه، وحتَّى بعد هذهِ المجريات ما الَّذي سيكون؟ الَّذي سيكون، أئِمَّتنا يُحدّثوننا … هذا هو الجزء الثاني والخمسون، صفحة 224، والرِّوايةُ عن إمامِنا الباقر، موجود في صفحة 222، الحديث 87، نقلهُ الشِّيخ المجلسي عن تفسير العياشي، عن جابر الجعفي، عن باقر العلوم، موطن الحاجة موجود في صفحة 224، الإمام الباقر يقول:- ثُمَّ يَأتِي الكُوفَة – صاحبُ الزَّمان عليه السَّلام بعد تفاصل كثيرة، بعد كُلِّ التفاصيل السابقة وتفاصيل أخرى ويذهب إلى بُلدان أخرى – ثُمَّ يَأتِي الكُوفَة فَيُطِيل بِهَا الْمَكْث مَا شَاءَ الله أنْ يَمْكُث حَتَّى يَظْهَر عَلَيهَا، ثُمَّ يَسِير حَتَّى يَأْتِي العَذْرَا – منطقة عذراء الَّتي فيها قبر حِجر – هُو وَمَنْ مَعَه وَقَد أُلْحِقَ بِهِ نَاسٌ كَثِير وَالسُّفْيَانِيُّ يَومَئِذٍ بِوَادِي الرَّمْلَة حَتَّى إذَا اَلْتَقَوا وَهُم – يعني التقى جيشُ الإمام وجيشُ السُّفياني في منطقة مرج عذراء – حَتَّى إذَا اَلْتَقَوا وَهُم – متى؟ – يَومَ الأَبْدَال – الإمام يُسمِّيه بيومِ الأبدال – يَخْرُجَ أَنُاسٌ كَانُوا مَعَ السُّفْيَاني مِنْ شِيعَةِ آلِ مُحَمَّد – ولكن الظروف اضطرّتهم لذلك فيلتحقون بالإمام – وَيَخْرُجُ نَاس كَانُوا مَعَ آلِ مُحَمَّد – كانوا مع الإمام – إِلَى السُّفْيَانِي – بقايا تلك الجموع الَّتي ما استطاعت أنْ تقتل الإمام يلتحقون بالسُّفياني إلى أرضِ الشَّام، أي سوء توفيق هذا؟! التفِتوا إلى هذه الرِّواية، هذا كَلامُ الإمام الباقر ما هو بكلامي – حَتَّى إذَا اِلْتَقُوا وَهُم يَوم الأَبْدَال يَخْرُجَ أَنُاسٌ كَانُوا مَعَ السُّفْيَاني مِنْ شِيعَةِ آلِ مُحَمَّد وَيَخْرُج نَاسٌ كَانُوا مَعَ آلِ مُحَمَّد إِلَى السُّفْيَانِي فَهُم مِنْ شِيعَتِهِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِهِم وَيَخْرُج كُلُّ نَاسٍ إِلَى رَايَتِهِم وَهُو يَومُ الأَبْدَال – يعني اليوم الَّذي كلٌّ يعود إلى أصلهِ!! يوم الأبدال أي يوم التبادل بين شيعةِ آلِ أبي سفيان وبين شيعةِ آلِ أبي طالب. القضيَّة هكذا تجري وهكذا تسير الأمور، البدايات من هُنا من الرِّواية الَّتي قرأتُها عليكم من كتاب الكافي، رايات مُشتبَهَة، لماذا مُشتبَهة؟ خلطت بين الحقِّ والباطل وتبعت المنهجَ الأبتر، إذا لم تُصحِّح وضعَها سننتهي إلى هذه الرَّاية الَّتي يقودُها رجلٌ من وُلِد الحُسَين بدعامة أُميَّة! سيتسللُ الفكر الأمويّ من خلال هذه المرجعيَّة، وحين يأتي الإمام ستخرج الجُمُوع البتريّة كما في إرشاد الشَّيخ المفيد: اِرجع يا ابن فاطِمَة لا حاجةَ لنا بك، ويُقبِلُ السُّفياني ويفتحون لهُ أبوابَ النَّجف وتجتمعُ النَّاس تبايعُه والإمامُ في طريقه إليهم، وبعد أنْ يُبايعوا السُّفياني يلبسون السِّلاح ويخرجون لقتال الإمام، وحتَّى بعد أنْ يقضي على هذهِ الجموع الخارجة ويدخل إلى النَّجف يخرجون إليه يُريدون قتلَه في داخل النَّجف، من جهة قبرِ هودٍ وصالح، وحتَّى بعد ذلك وبعد أنْ يستتبّ الأمر، الّذين ما تمكّنوا من قتلهِ يتحيّنون الفُرصَ حتَّى إذا قاد الإمام جيشَهُ إلى الشَّام يلتحقون بالسُّفياني، لماذا؟ لأنَّ العُقُول مركَّبة بشكلٍ خاطئ، مُركَّبة وفقاً للمنهج الأبتر، خُصوصاً إذا تسيَّد هذا المنهجُ وصَار هو الأساس، وصارَ حديثُ أهل البيت حديثاً ماسونيّاً! هذا هو حديثُ آلِ مُحَمَّد. حينما تكبر هذه الدِّعايات ويُصدِّق الشِّيعة من أنَّ هذا الحديث وهذا المنهج الصَّحيح هو منهجٌ ماسونيٌّ سينفرون منه، سيلتصقون أين؟ بالمنهجِ الأبترِ عِناداً، وهذا المعنى تحدَّثت عنه الرِّوايات: (إذَا ظَهَرَت رَايَةُ الحَقَّ لَعَنَهَا أَهْلُ الشَّرقِ وَالغَرْب)، الإعلام، الإعلام الضَّخُ الإعلاميُّ يُشوّهُ صورةَ رايةِ الإمام، وفي نَفس الوقت هُناك مرجعيّات تستقبل الفِكرَ السُّفيانيَّ في النَّجف وتُمهِّد الأمرَ للسُّفيانيّ، الآن على أرض الواقع أليس هناك أحداثٌ تُشابهُ هذا الأمر؟! يمكنني أنْ أشير إلى تفاصيل كثيرة ولكنَّني أرى أنَّ وقت البرنامج قد طال كثيراً، وأكتفي بهذهِ البيانات الَّتي يُمكنني أنْ أقول قد عَرضتُ لكم فيها عاقبةَ المنهج الأبتر، ما جئتُكم بكلامٍ من جريدة أو مجلَّة، ولانقلتُ عن الإنترنت، جئتكم بحديثِ آلِ مُحَمَّد، هذا هو حديثُهم، الآخرون الَّذين يُسوّقُون بضاعتَهم عندكم في أسواقِكم يُهاجمون هذا الحديث، يُهاجمون حديثَ آلِ مُحَمَّد بشيءٍ ما هو من آلِ مُحَمَّد، فلماذا يقودكم حظَّكُم العاثرُ إلى اتِّباعَ المنهجِ الأبترِ وتتركون المنهجَ الكوثرَ..؟! هذه هي الحقائق بين أيديكم تتبَّعوها، تدبَّروا فيها: (أَلَا لَا خَيرَ فِي عِلْمٍ – كما يقول أمير المؤمنين، كما يقول الأئِمَّةُ المعصومون – أَلَا لَا خَيرَ فِي عِلْمٍ لَيسَ فِيهِ تَفَهُّم، أَلَاَ لَا خَيرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيسَ فِيهَا تَدَبُّر، أَلَا لَا خَيرَ فِي عِبَادَةٍ لَيسَ فِيهَا تَفَكُّر)، أنتم بحاجة إلى تفهُّمٍ، وتدبُّرٍ، وتفكُّرٍ في هذهِ الحقائق كي تستطيعوا أنْ تُحدِّدوا مواضعَ أقدامكم، لا تعبأوا بي ولا بتحليلي، خُذُوا كلامَ أهلِ البيتِ وتدبَّروا فيه أنتم، وشخِّصوا موقفَكم، بيَّنتُ لكم ملامحَ المنهجِ الأبترِ بالحقائقِ والوثائق، وشَرحتُ لكُم الواقعَ الشِّيعيَّ كما هو، من دون مجاملات، من دون رتوش، من دون أكاذيب، من دون دِعايات، ما هو حَسَنٌ قُلت حَسَن، وما هو سيّءٌ قلتُ سيّء، ثُمَّ عرضتُ لكم عاقبةَ المنهجِ الأبترِ من حديثِ آلِ مُحَمَّد، من كلماتِهم الَّتي فاضت بها شفاهُهم الشَّريفة، كما يقولون: [عقلك في راسك وتعرف خلاصك]..!! بهذا تمَّ حديث في هذا العنوان: (ملامحُ المنهجِ الأبتر في الواقع الشِّيعي). غداً ألتقيكم إنْ شاء اللهُ تعالى عبر هذه الشَّاشة، عبر شاشة القمر وفي عُنوانٍ جديد، كما قُلت قبل قليل للَّذين يُحبُّون أنْ يَسِمُوا أنفسهم بهذا العنوان: زهرائيُّون، الحلقات المتبقّية من مجموعة حلقات لبَّيكِ يا فاطِمَة من حلقةِ يوم غد إلى آخر شهر ذِي الحِجَّة هذهِ تُمثِّل زُبدةَ القَولِ في مجموعةِ حلقاتِ (لبَّيك يا فاطِمَة)..!! أَتْركُكُم فِي رِعَايَةِ القَمَر … يَا كَاشِفَ الكَرْبِ عَنْ وَجْهِ أَخِيكَ الحُسَين إكْشِف الكَرْبَ عَنْ وُجُوهِنَا وَوُجُوهِ مُشَاهِدِينَا وَمُتَابِعِينَا عَلَى الإنْتَرْنِت بِحَقِّ أَخِيكَ الحُسَين … أَسأَلُكم الدُّعَاء جَميعاً … في أمَانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الإثنين 24 ذو الحجّة 1437هـ الموافق 26 / 9 / 2016م الحديث لازال في ملامح المنهج الأبتر الذي يتحرّك بنشاط شديد وفاعلية كبيرة في الوسط الشيعي خصوصاً في المؤسسة الدينية الشيعية. والحديث في هذه الحلقة والحلقات السابقة القريبة منها في السبق في أجواء الشيخ الوائلي (المثال النموذجي الذي تتجلّى فيه بشكل واضح ملامح المنهج الأبتر الذي تقدّم الحديث عنه) بعد أن أكملت الحديث في الوثائق المئة السابقة، مع الوثائق الأخرى التي لم أرقّمها، عرّجت على نماذج من مؤّلفات الوائلي وبدأت بكتابه [هويّة التشيّع] وأسميته بحسب قناعتي (هويّة التشيّع الأبتر). في هذه الحلقة سأواصل حديثي من حيث توقّفت في الحلقة الماضية، وسأتناول كتاب آخر وهو كتاب [تجاربي مع المنبر] والذي يبدو أنّه آخر كتاب كتبه الوائلي، والذي يُهديه إلى خطباء المنبر الحسيني وإلى الأجواء الحسينية بشكل عام كما أشار في المقدّمة. عرض لقطات من هنا وهناك من كتاب الشيخ الوائلي [تجاربي مع المنبر] تعكس لنا أبعاداً مهمّة من شخصية الشيخ الوائلي الفكرية. ● تحت عنوان: حصيلة تجاربي مع المنبر يتحدّث الشيخ الوائلي عن أمور وعن ممارسات مرّت في حياته الخطابية المنبرية العلمية، فيتحدّث عن نوعين من الأمور: ● الأولى: أمور لم يعملها وندم على أنّه لم يعملها، فيبدأ بالأمور التي ندم على أنّه لم يعملها فيقول وهو يتحدّث عن الدراسة الحوزوية وعدم إكماله للدورات الدراسة في الحوزة: (الأول: هو أنّي لم أكمل الدورات الدراسية المتعلّقة بالعلوم الإسلامية: الفقه وأصول الفقه والفلسفة وكل مشتقات العربية إلخ. فقد كان ينبغي عدم الإكتفاء بدورات عادية غير مكثّفة، بل لابد مِن إحاطة تامة بتلك العلوم التي تعتبر أساساً ضروريّاً للمنبر..). فهنا يتحدّث عن عدم إكماله للدورات الدراسية للعلوم الحوزوية، وهذا الأمر أخذ منه مأخذاً كبيراً، فقد ذكر نفس الموضوع في موطن آخر من كتابه، يقول فيه: (وقد عانيتُ كثيراً ممّا أسعى الآن إلى تلافيه وهو عدم إكمال دورات كاملة في الفلسفة وأصول الفقه وقواعد الفقه وذلك لتعذّر التوفّر على إكمالها مع الإيفاء بمتطلّبات الخطابة الأخرى. ولكنّي أعترف أنّ هذا خطأ..) فهو هنا يؤكّد نفس المطلب السابق الذي مرّ ذكره، لأنّ الأمر أخذ منه مأخذاً كبيراً. ● وفي الفصل الذي عنونه بهذا العنوان: خطواتي في المنهج، يقول في نهاية هذا الفصل وهو يُلفت أنظار الخطباء إلى بعض الّلمحات التي يدعوهم إلى الاعتزاز بها، فيقول لهم أنّ السلف الصالح يأتون بعد الأئمة في المرتبة ليكونوا روّاداً لنا في إحياء أمر الحسين، وذكرى الحسين، ثمّ يذكر أمثلة لهؤلاء السلف الصالح فيذكر: الشافعي وأحمد بن حنبل! يقول: (ويأتي بعد أئمّتنا سلفنا الصالح سَدَنة الإسلام وحَمَلة علوم الشريعة وفقهاء الأمّة ليكونوا من روّادنا في طريق المنبر بإحياء ذكرى أبي الشهداء كتاباً وشعراً وممارسة وعلى سبيل المثال لا الحصر: الشريف الرضي، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل وهكذا يتسلسل استعراض الواقعة من العصور الأولى إلى هذه العصور)! مسكونٌ الشيخ الوائلي بهذه الأسماء، وهاجسه هذا الذوق إلى آخر لحظة من لحظات حياته! ● وتحت عنوان: المصيبة في المجلس الحسيني، يقول وهو يتحدّث عن المصيبة في المجالس الحسينية في المجالس التي كان يُقيمها، ويبيّن رؤيته وما يعتقد به، يقول: (وأختم هذا الفصل بموقفي مِن هذا الموضوع، لقد درجتُ في بداية قراءتي في المجالس على الأسلوب السائر والنمط الدارج في ذكر المصيبة بغثّها وسمينها، بل ربّما أكّدتُ بعض القضايا في ذلك وهي ممّا إذا ذكرته الآن أشعر بعدم الرضا منه، وسبب ذلك – أي سبب اتّباعه للطريقة التقليدية في ذكر المصيبة: أولاً: غَلَبة التيّار السائد وعدم وجود النقد في هذا المضمار، لأنّ النقد يتأتى من الناقد نفسه ويستنكره عليه الوسط المندمج في عالم المجالس. وليستْ مسألة النقد موجودة عندنا ولو وُجدتْ لأسهمتْ كثيراً في تنظيف الساحة من الشوائب والطفيليات ولكنّها مع الأسف معدومة لأسباب كثيرة. وثانياً: لأنّ مستوى وعيي كان محدوداً ومساحة ممارستي للمنبر كانت ضيقة وحتّى لو اتسعتْ فإنّ الوقت آنذاك كان المستوى فيه ليس بالمطلوب. وحينما أخذتُ أتدرّج بالوعي وأتفاعل مع أجواء أوسع نسبياً – حين اختلط بشخصيات علمانية أمثال جعفر الخليلي- بدأتُ ألمس المُفارقات وأتعرّف عليها، كما عرفت الوجه الآخر لكثير من الناس الذين لا يظهرون معارضة علنية لذلك ولكنّهم ينقدونها بشدّة إذا كانوا في وسط يهضم ذلك. وحين وصلتُ إلى هذا الحدّ وقفتْ أمامي عقبة الطفرة – أي مسألة ترك المصيبة من دون تدرّج – فليس من المُمكن تقليص موضوع المُصيبة بطفرة بل وحتّى بالتدريج فضلاً عن الطفرة. ولنأخذ مثلاً لذلك موضوع عرس القاسم بن الحسن، فإنّه فضلاً عن كونه لا أساس له فإنّه لا موضوع له لأنّ القاسم آنذاك لم يبلغ بل هو صبي، ولأنّ الزوجة التي تُذكر له كانتْ متزوجة، ولأنّ الأجواء يوم العاشر ليست أجواء عرس ولأنّ ولأنّ إلخ. ولكن مع ذلك كلّه ما زالت هذه المسألة حيّة تقام لها طقوس خاصّة في الثامن مِن المحرم ويؤكّد عليها كثير مِن القراء لأسباب كثيرة، وكلّما أكّدنا على ضرورة الإبتعاد عن مثل هذا ازداد بفعل عوامل متعددة. إذاً فالمسألة في تقليص المصيبة في المجلس الحسيني كمّاً وكيفاً لا ُيمكن مُعالجتها بطفرة، كما أنّنا لا نريد إلغاءها كما أسلفت وإنّما نريد تهذيبها. فشرعتُ أجسّد نسبياً ذلك الأمر، حيث أقلّل مِن طول المدّة بذلك، كما أختار للمصيبة والمصاب ما لا يهبط بهما. وتعرّضتُ من أجل ذلك إلى كثير من الحثّ ومن الطلبات بتطويل المدّة وتكثيف الكميّة حتّى من جماعة من المُثقفين الذين درسوا في أوربا. وأعتقد أنّ لذلك علاقة بالواقع الإجتماعي لهذه الطائفة، وما تتعرّض له من ضغوط ممّا يدفع على طلب التنفيس الذي هو الحزن والبكاء، وحيث أنّ البعض قد يرى أنّ مِن الضعف والركّة أن يبكي فينتقل إلى غطاء البكاء على الحسين، ففيه بالإضافة للتنفيس وعدٌ بالثواب والجزاء الكريم. وعلى كلّ حال فإنّ كلاً مِن الزمن ومستوى الذهنية العامّة والعوامل الإجتماعية الأخرى هي التي ستُعطي الفصل في ذلك، نسأل الله أن يجعل مقاصدنا سليمة واتّجاهنا لخدمة مقام آل محمّد). هذا ما ذكرته في الحلقات المتقدّمة من أنّ مجالس الوائلي باستثناء المقدّمة وأبيات النعي، فإنّ المضمون المتبقّي من مجالسه مُشبع بالحديث الناصبي! أساس المجالس الوائلية هو تفسير القرآن، والرجل لا علم له بتفسير أهل البيت للقرآن! الرجل غارق في كتب تفسير النواصب، وإذا أراد أن يقرأ كتاباً شيعياً فهو يرجع إلى الكتب الشيعية المكتوبة بالذوق الناصبي! وقد برهنت على ذلك في حلقات سابقة بالوثائق. وحتّى هذا النعي وهذا الأسلوب الشيعي الذي جاء الحث عليه من قبل الأئمة، فالشيخ الوائلي من أواسط عمره بدأ لا يرغب فيه، في الفترة التي توثّقت علاقته فيها مع مجموعة العلماني (جعفر الخليلي)! ● قول الشيخ الوائلي: (ولو وُجدتْ – أي مسألة النقد – لأسهمتْ كثيراً في تنظيف الساحة من الشوائب والطفيليات) فهل يقبل الشيخ الوائلي بهذه النقود التي أبيّنها وأطرحها؟! ● قول الوائلي وهو يتحدّث عن إنكاره لعرس القاسم (ولأنّ الزوجة التي تُذكر له كانتْ متزوجة) هذا من افتراءات المخالفين التي تعوّد الوائلي أن يعبّ منها! مِن افتراءات أبي الفرج الأصفهاني وأضرابه، فالسيّدة سكينة ما تزوّجت.. هذه افتراءات الزبيريّين. ● ثُمّ إنّ الوائلي يُضعّف رواية عرس القاسم، وهي رواية شيعية موجودة في كتب علمائنا مثل كتاب فخر الدين الطريحي، ولكنّها يُضعّفها لأنّ المراجع يُضعّفونها، ولا شأن لي بتضعيفه للرواية ولكن أقول: لماذا يقبل الوائلي بكلام المخالفين ورواياتهم التي تقول بأنّ السيّدة سكينة كانت متزوّجة؟! لماذا لا يُشكّك بهذه الروايات؟! لماذا يقبلها ويجعل منها دليلاً لتضعيف الروايات الشيعية؟! علماً أنّ هذا الكلام أورده الوائلي في سياق استنكاره ورفضه لذكر المصيبة والنعي، ولكنّه كان يذكر المصيبة والنعي مجاراة للوضع العام، وفي السنوات الأخيرة من حياته بدأ يقلّص ذلك إلى أبعد الحدود! ● أنا شخصياً أعتبر أنّ هذا الكتاب أهم كتب الوائلي، لأنّ هذا الكتاب فيه المفاتيح وفيه الشفرة الكاملة لمعرفة أسرار المدرسة الوائلية. وقفة عند (ديوان الشيخ الوائلي). الشيخ الوائلي من الشعراء الذين تميّزوا بحلاوة في سبك الشعر، وطلاوة في بيان المضامين الأدبية التي يلتقطها من هنا ومن هناك، ويرصفها في قصائد وأبيات محبّبة إلى النفس. شاعر حاول التجديد في التعبير والأسلوب ولكن ضمن المدرسة القديمة في الشعر العمودي الموزون المقفّى. ● الشعر يتحدّث عن وجدان الإنسان، وربّما يتحدّث بصدق أكثر إذا أردنا أن نبحث ما بين كلماته وما وراء سطوره أكثر ممّا يظهر في النثر، والسبب: أنّ النثر يخرج باختيار من الناثر، أمّا الشعر ففي كثير من الأحيان هو الذي يفرض نفسه على الشاعر، ويخرج بشكل قسري رغماً عنه.. الشعر يُفسّر ويُبيّن ويشرح الخلجات النفسيّة للشاعر، فما يجول في مشاعره يظهر على شعره، وما يهتم به يتدفق من بين كلمات قصائده، وبعبارة أخرى: الأولويات الحاضرة في ذهنه (ولأجل ذلك سلّطت الضوء على ديوان الشيخ الوائلي). ● الشيخ الوائلي أهدى كتابه [تجاربي مع المنبر] إلى الخطباء، وهنا يُهدي ديوانه إلى صغاره فيقول: (إلى صغاري الذين ألهموني الحبّ الكبير، أهدي هذه المشاعر النابضة بالحب). في الفهرست، الديوان مقسّم إلى أقسام (القسم الديني، الاجتماعي، الوجداني، الشعر السياسي، شعر الرثاء، قسم الإخوانيات) وعدد القصائد 121 عرض لقطا مختلفة ممّا جاء في ديوان الشيخ الوائلي: ● قصيدة تحت عنوان: رثاء ضرس. (يبدو أنّه فقد ضرساً من أضراسه فرثاه بقصيدة من 60 بيت – قراءة سطور من القصيدة) ● قصيدة بعنوان (الخوف من المجهول) نُظمت في لبنان في مناسبة لم يذكرها. (يصف فاتنة خرجت في الليل – قراءة سطور من القصيدة) ● قصيدة بعنوان (مصرع كبّاية أو گلاص) قصيدة كتبها في كأس من الشاي كُسر، وكان يشرب فيه الشاي نحو 10 سنوات، فكتب قصيدة يرثيه من 75 بيت. (قراءة سطور من القصيدة) ● قصيدة تحت عنوان (جنون البقر) من 25 بيت. (كتبها حين كان في لندن، وشاع خبر انتشار مرض جنون البقر) ● قصيدة في العمل الفدائي أُلقيت في الكويت في حفل دعم العمل الفدائي ● قصيدة كتبها في سناء محيدلي، وهي لبنانية فجّرت نفسها في جموع الاسرائليين في لبنان. (القصيدة من 41 بيت) ● قصيدة عنوانها (الذبابة المسافرة) قالها في ذبابة ركبت على كتفه وهو في طريقه لركوب الطائرة، وكلّما دفعها عادت مرّة أخرى، حتّى نزلت معه على أرض المطار المقصود. (القصيدة من 56 بيت). ● قصيدة عبارة عن محاورة جميلة مع الشاعرة العراقية نازك الملائكة تحت عنوان (أسرار الحج) ● قصيدة ذكرى وهي في القسم الوجداني.. ومن القصائد التي أضيفت لاحقاً للطبعة.. قراءة سطور منها، يقول فيها: أأنسى وما في الظلام البهيم إلاّكِ والنجمُ سمّاريه أُصلّي وتَرفع كلتا يديَّ وردي لطلعتكِ الساميه وأسجد إمّا اعتراني الخشوع وما غير ذكركِ محرابيه وكم مِن صلاةٍ وتسبيحةٍ تظلُّ النجوم لها راويه. أنا لا أشكل على الشيخ الوائلي في هذه المعاني، ولكنّني أقول للشيخ الوائلي، وأخاطب وجدانكم أنتم يا من تُدافعون عن الشيخ الوائلي، وأقول: لو أنّني نظمتُ شعراً أو كتبتُ نثراً، وضمّنتُ هذه المعاني في آل محمّد، هل يقبلون بذلك؟! ● قصيدة (محاورة مع النيل- 82 بيت) نظمها في القاهرة وهو يُخاطب فيها نهر النيل، ويذكر في القصيدة المطربة أم كلثوم، ويذكرها بإسم الدلع الذي يعرفه المصريون (قراءة سطور من هذه الأبيات). ● قصيدة تحت عنوان (رسالة الشعر) أُلقيت في مؤتمر الأدباء العرب في بغداد. (قراءة أبيات من آخر القصيدة يؤكّد فيها على الوحدة الإسلامية). ● قصائد الوائلي في القسم الديني 36 قصيدة (إلى الكعبة الغرّاء) إلى قصيدة تحت عنوان (من وحي شهداء عذراء) وهي قصيدة عن حجر وأصحابه وما بين هذين العنوانين قصائد مختلفة (في النبي والزهراء وأمير المؤمنين وفي الأئمة). ● هذه نماذج من مختلف الأقسام (فمن محاورة مع نازك الملائكة، ومن رثاء للشيخ المفيد، ورثاء للسيّد محمّد باقر الصدر، ومجموعة قصائد في زوجته التي رحلت، وقصائد أخرى في أولاده، وقصيدة في جعفر الخليلي، وقصيدة في نهر التايمز، وغيرها..) ولكن برغم أنّه نظم في عناوين مختلفة إلّا أنّه لا يوجد ولا قصيدة واحدة في الإمام الحجّة! بل لا يوجد بيت واحد في الإمام الحجّة! ● لو كان هاجس الإمام الحجّة يعيش في قلب الشيخ الوائلي دائماً لنظم في إمام زمانه.. فهو قد رثى ضرسه الذي فقده، ورثى كأس الشاي الذي فقده وكان قد اعتاد الشرب فيه لسنوات! فأين إمام زماننا من شعر الشيخ الوائلي؟ ولماذا لا يذكر الإمام الحجّة في دعائه في خاتمة مجالسه الحسينية؟! ● قصيدته بغداد التي مدح فيها قتلة الأئمة (هارون العباسي، والمعتصم، والمأمون) لعنهم الله – قراءة سطور من هذه القصيدة.. وقد تحدّثت عنها في حلقات سابقة من هذا البرنامج أيضاً. مقطع 1: إعادة عرض الوثيقة (32) وهي مقطع للوائلي يمدح فيه المأمون العبّاسي قاتل الإمام الرضا، ويقول عنه أنّه روعة، وأنّه نموذج رائع جدّاً ومُشرّف! مقطع 2: للوائلي يتحدّث فيه عن عمر بن عبد العزيز، ويقول عنه أنّه كان نموذج رائع! مقطع 3: للوائلي يتحدّث فيه عن سعد بن أبي وقّاص، ويقول عنه أنّ له مواقف نبيلة! وأنا أتساءل: ما هو الموقف النبيل لهذا الصُلب الذي يُنتج عمر بن سعد؟! ● أنا جئت بهذه الأمثلة والنماذج لأقول لكم أنّ القضية لا تقف عند الوثائق المئة.. فلو نبقى مع الشيخ الوائلي لجمعنا المزيد والمزيد من الوثائق، هو مُشبع بالفكر المخالف. مقطع 4: فيديو مأخوذ من برنامج بُثّ على قناة كربلاء، وفيه لقاء مع كريمة الشيخ الوائلي وهي تُحدّثنا عن الحادثة الشهيرة المعروفة التي معها حين انكسر في البيت قدح زجاجي، وأثناء كنسها لأجزاء الزجاج، دخلت قطعة كبيرة من الزجاج المتطاير في عينها، ومزّقت العين، وأخذها الشيخ الوائلي للمستشفى، وذهب هو إلى الكاظمية متوسّلاً بالإمام الكاظم لشفائها.. وبالفعل شُفيت عينها ببركة الإمام الكاظم. ● ربّما يتصوّر من يتابعني وأنا أنتقد منهجية الوائلي أنّي أكذّب بمثل هذه الحقائق، وأنا أقول: ما عندي شك ولا واحد من الترليون في مثل هذه الحادثة ولا في غيرها لو حدثت للشيخ الوائلي أو لأي أحد من شيعة أهل البيت. فعطاء أهل البيت عطاء مفتوح، والأئمة يقولون: شيعة أهل البيت ما زلّت لهم قدم إلّا وثبتت لهم أخرى.. لذا لا تستعجلوا في البراءة منهم. (ابرؤوا من أقوالهم الخاطئة، وأفعالهم السيئة ولا تبرؤوا منهم). إذا أُشبع قلب الشيعي بحبّ عليّ، فإنّ حبّ علي يُعطيه حصانة من الخروج من دائرة الولاية والتشيّع. (مرور سريع على شخصية هشام بن الحكم التي تحدّثت عنها في الحلقات السابقة) ● وقفة عند رواية الإمام الصادق في [الكافي:ج1] (عن يونس بن يعقوب قال: كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام فورَدَ عليه رجل مِن أهل الشام فقال: إنّي رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئتُ لمناظرة أصحابك… قال: فورد هشام بن الحكم وهو أوّل ما اختطتْ لحيته – في أوّل شبابه في السادسة عشرة من عمره – وليس فينا إلّا مَن هو أكبر سنّاً منه، قال: فوسّع له أبو عبد الله وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده) وبعد النقاش قال له الإمام: (يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممتَ بالأرض طرْت – يعني أنّ رِجلاك لا تطأ أرض الخَيبة في النقاش -، مثلكَ فليكلّم الناس، فاتّقِ الزلّة، والشفاعةُ مِن ورائها إنّ شاء الله) هشام وقع في زلّات وزلّات، إلى الزّلة الأخيرة التي قال عنها إمامنا الرضا: (لقد كان شريكاً في دم موسى بن جعفر) ومع ذلك الإمام الرضا ترحّم عليه، والإمام الصادق وعده بالشفاعة. ● قول الإمام الرضا عن هشام أنّه شريك في دم الإمام الكاظم (ليس المقصود أنّه شريك في دم الإمام بالمعنى العمدي، ولا بمعنى المشاركة الفيزيائية) ● هشام انحرف عقائدياً وتأثّر بالفكر الناصبي، حين ذهب إلى القول بالتجسيم وقد بيّنت ذلك في الحلقات السابقة. (راجع الحلقة 119) ● حين نُقل للإمام الكاظم أنّ هشام بن الحكم يقول أنّ الله تعالى جسم، قال الإمام: (قاتله الله، أما علم أنّ الجسم محدود والكلام غير المتكلّم؟! معاذ الله وأبرأُ إلى الله مِن هذا القول) فالإمام لم يتبرأ من هشام، وإنّما تبرّأ من قول هشام، وهذا ما أردّده دائماً.. نحن أناسٌ خطّآؤون، فأنا حين أنتقد الشيخ الوائلي إنّني أبرأ من أقواله ولا أبرأ منه، فهو شيعي محبّ لأهل البيت. هذا هو منطق آل محمّد. فإنّ هشام بن الحكم أيضاً يُحبّ أهل البيت، ولكنّه انحرف فكرياً لأسباب، ورجع إلى الطريق بعد ذلك. ولكن بالنتيجة هذا الانحراف العقائدي قاده أن يكون شريكاً في دم الإمام الكاظم – وإن لم تكن شراكة بالنحو العمدي، وإنّما بسبب تصرّفاته غير الحكيمة الناتجة عن انحرافه للاتجاه الفكري الناصبي ● أنتم بسبب الصنمية حينما تختلفون مع شخص، مباشرة تضعون عليه علامة وهذا ليس منطق آل محمّد.. منطق آل محمّد أنّ الشفاعة لأهل الكبائر وأنّ الشفاعة للخطّآئين. أنا في الوقت الذي أنتقد ما أنتقد من منهجية الشيخ الوائلي وأتبرأ من منهجه الأبتر، لكنّي لا أستطيع أن أتبرأ منه، فهو شيعي (وهذا هو منطق آل محمّد). مقطع 5: إعادة عرض الوثيقة 10 وهي آخر لقاء مصوّر للشيخ الوائلي، والذي قال فيه أنّه كان في كليّة الفقه يُدرّس فقه المذاهب الأربعة وفقه الإمام الصادق على حدّ سواء. هو يقول أنّه كان في الصميم من ذلك، وأنا أبرأ من هذا المنطق، أبرأ من هذا المنهج الأبتر. مقطع 6: تسجيل للسيّد منير الخباز يتحدّث فيه عن الساعات الأخيرة من حياة الشيخ الوائلي، وينقل تفاصيل عن الشيخ باقر رشيد القرشي يصف فيها وضع الشيخ الوائلي الصحّي، وأنّه كان في وضع صحّي متدهور جدّاً، ويقول أنّه رأى الإمام الحسين وطلب منه أن يأخذه معه، فقال له الإمام أنّه سيأخذه معه إذا دخل في الصلاة، ولهذا أصرّ على أبنائه أن يُوضئوه للصلاة، وفارق الدنيا في الركعة الثانية. ● هذا الكلام أيضاً الذي ذكره السيّد منير الخبّاز نقلاً عن الشيخ باقر رشيد القرشي أُصدّقه بالكامل وبكلّ تفاصيله، وهذا الكلام يدخل إلى وجداني من دون الحاجة إلى دليل. (هذه هي عقائدنا، وهذا هو منطق آل محمّد، وهكذا فهمت أسلوب آل محمّد في التعامل مع شيعتهم) قد يكون هذا الكلام مُستغرباً لناقد ينقد بشدّة وبحدّة وبقوّة ما يطرحه الشيخ الوائلي. ولكن أقول: انتقادي لما يقوله الشيخ الوائلي شيء، وإيماني بألطاف أهل البيت معه شيء آخر. ما يطرحه الشيخ الوائلي عائد إليه، أمّا ما يفيضه آل محمّد على شيعتهم فهذا عائدٌ إلى آل محمّد. ● قوانين آل محمّد مبنية على النيّة، والنية هم يعرفونها، ولهذا هم يقولون عليهم السلام: (ما خلد أهل الجنان في الجنان إلّا بنيّاتهم، وما خلد أهل النيران في النار إلّا بنيّاتهم) ● الشيخ باقر رشيد القرشي يقول أنّه في زيارته للوائلي في ساعاته الأخيرة وهو على فراش المرض، رآه كومة من العظام لشدّة المرض العضال الذي فتك بالشيخ الوائلي لمدّة ليست بالقصيرة، إلى الحدّ الذي صار أهله لا يستطيعون أن يُحرّكوا أي جزء من بدنه. ● نحن هكذا نعتقد في ثقافة أهل البيت أنّ أهل البيت إذا أحبّونا فإنّ أخطاءنا تُكفّر عنّا في حياتنا وهناك طرق عديدة لهذا التكفير منها: الأمراض الشديدة والآلام القاتلة، خصوصاً تلك الأمراض التي تصيب المؤمن في آخر حياته قبل موته، والروايات في ذلك كثيرة جدّاً. أنا لا أريد هنا أن أقول أنّ المرض الذي ابتُلي به الوائلي كان عقوبة، أنا لا أعلم الغَيب ولستُ ناطقاً عن الغيب، ولكنّي أتحدّث بما هو موجود في روايات آل محمّد. فأنا تعلّمت من آل محمّد أنّ الشيعة الذين يحتطبون الأوزار والخطايا على ظهورهم إذا قبلهم أهل البيت، فهم شيعة، أمّا إذا لم يقبلوهم فهؤلاء سيموتون على ملّة أخرى، وسيُحشرون مع أئمة آخرين من أئمة النار! وقفة عند قصّة دعبل الخزاعي أطرحها للتفكّر والاعتبار. مثلما اخترت لكم (الشيخ الوائلي) مثالاً ونموذجاً عملياً وتطبيقيّاً على المنهج الأبتر الذي يتحرّك بقوّة وفاعلية في الوسط الشيعي، أذكر لكم الآن حكاية (دعبل الخزاعي) فهي في نظري وقناعتي مثال نموذجي لنفس الأمر الذي أتحدّث عنه الآن فيما يرتبط بعاقبة الشيعي. ● دعبل الخزاعي من أسرة شيعية وجو شيعي.. في بداياته (منذ صغره وفي أيّام شبابه وإلى أن كبر) كان دعبل مُشبع في باطنه بحبّ عليّ، ولكنّ الدنيا أخذته يميناً وشمالاً. كان دعبل شاعراً، وبسبب شعره الرائق (الشديد في بنيته الّلغوية، والعذب في معانيه، والسلسل في ألفاظه، والناعم في صوره وتناغمه مع موسيقى الروح – بسبب ما يتّسم به شعره، ذاعت بعض أبياته لجمالها، ووصلت إلى المغنّين.. وكان دعبل آنذاك شابّاً في بدايات شبابه، حين وصلت أبياته للمُغنّين والمغنّيات ونفذتْ إلى داخل قصر هارون العباسي، طرب لها طرباً شديداً وسأل عن شاعرها، وأرسل هارون برسوله إلى دعبل يحمل الأموال والهدايا، وقال لرسوله بأن يُخيّر دعبل إن أراد أن يأتينا إلى القصر فليأتِ، وذهب رسول هارون يبحث عن دعبل، فحمل إليه الأموال وجاء دعبل مسرعاً إلى قصر الخلافة العبّاسية، وصار دعبل شاعر الأغاني لهارون العبّاسي! فعاش بين المعازف والقيان والجواري الفاتنة على شواطىء دجلة حيث يسمر السامرون، وتُدار الكؤوس وتُعقد مجالس الطرب، هكذا عاش دعبل في مثل هذه الأجواء.. وفي فترة من حياته كان عاملاً من عمّال العبّاسيين في بعض مناطق مصر، كان يعيش في الأجواء العبّاسية بكلّ تفاصيلها، وقد بقي على هذا الحال إلى زمان موت هارون العباسي. (وتلك الفترة فترة عصيبة، فهي الفترة التي سُجن فيها إمامنا الكاظم، والفترة التي قُمعت فيها الشيعة وشُرّد الهاشميون، وبعدها جاءت فتنة الواقفة بكلّ تفاصيلها المريرة، ولكن دعبل كان في عالم آخر). ● في زمان الإمام الرضا ثبتت قدم دعبل التي كادت أن تزل، فبدأ شوطاً جديداً.. ومنذ ذلك اليوم حمل خشبته على ظهره وهو يقول: حملت خشبتي على ظهري 50 سنة أبحث عمّن يصلبني عليها. بدأت قصّة دعبل حين ركب سفينة النجاة وتمسّك بأذيال إمامنا الثامن وولينا الضامن، وحين قبله الإمام، فاضت شفاه دعبل: مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ.. وإلى اليوم تُردّد هذه الأيّام، وهذا علامة القبول من الإمام الرضا. من شاعر تُغنّي المُغنيّات بأشعاره، إلى نادب ينعى الحسين.. وإلى اليوم تائية دعبل تُثير الأحزان وتحرّك مشاعر القلوب، لأنها كانت علامة للقبول حين أقبل دعبل بكلّ إخلاصه، ودخل بوابّة الهدى، أعطاه الإمام علامة القبول. دعبل كان الصوت الواقف في وجه السلطة الناصبة.. طال عمره ومات وعمره 98 سنة، ● وقفة تأمّل واعتبار في الكيفية التي مات بها دعبل. لقد عانى ما عانى في موته، وسأنقل لكم صور ثلاث بشكل مختصر تُبيّن لكم شدّة المعاناة التي عانها دعبل في آخر حياته. ● الصورة 1: أمسك به الوالي العبّاسي في البصرة، وأراد أن يقتله بسبب ما قال من هجاء ومن شعر، ودعبل أنكر ما نُسب إليه من شعر وأراد الوالي أن يقتله بسببه، وحلف الأيمان – وكان آنذاك شيخاً كبيراً – فأعرض الوالي عن قتله، ولكن أمر بضربه بالعصي! فضربوه ضرباً شديداً بالعصي حتّى أُصيب بالإسهال! فأمر الوالي العبّاس أن يُجعل على ظهره، وأجبره أن يأكل غائطه!! وفتحوا فمه وأدخلوا غائطه في فمه وأجبروه أن يبتلع كلّ غائطه! ● الصورة 2: بعد ذلك تركوه وفرّ منهم خوفاً من أن يُقتل، فرّ إلى الأهواز.. وتبعه من تبعه لاغتياله فطعنه بعكّاز نهايته حديدية مدبّبة مسمومة، طعنه في رجله وتورّمت رجله وبقي أيّاماً يُعاني من ألم شديد جدّاً إلى أن قضى ومات. (هذا الغائط الذي أجبروه على أن يبتلعه لربّما كان جزاءً وتكفيراً لكلّ أشعار الأغاني الذي قالها وكان هارون يطرب عليها والإمام الكاظم في طوامير السجون)! ● الصورة 3: حين فرّ دعبل إلى الأهواز كان معه ولده علي، فبعدما طُعن وبقي أيّاماً يتألّم وعاش في معاناة شديدة.. الّلحظات الأخيرة من حياته اسودّ وجهه اسوداداً شديداً! فيقول ابنه عليّ: شككتُ في أمري وفي أمر أبي.. صحيح أنّ أبي فعل ما فعل، ولكنّه منذ عقود في خدمة أهل البيت وقد عانى ما عانى، فلماذا اسودّ وجهه هذا الاسوداد؟! أصابت ابنه حيرة شديدة، ودخله هم، وهجمت عليه الشكوك، ولكنّه بعد أيّام رأى والده في عالم الرؤيا بشكل آخر، رآه على أحسن حال يختلف عن الحال الذي كان عليه أبوه في الدنيا. فسأل أباه: أين أنت الآن؟ وما الذي جرى عليك عند الموت؟ أجابه دعبل: اسوداد وجهي كان بسبب شرب الخمر، كان كفّارة لهذا الأمر.. وقد وردتُ على رسول الله فقال لي: أنشدني قصيدتك (لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت * وآل أحمد مظلومون قد قهروا) أنشدته القصيدة فخلع عليّ ثيابه وأسكنني في مسكن في جواره، أنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله. ● مثل هذا الذي جرى على دعبل، جرى على شخصيات أخرى كانت نادبة للحسين عليه السلام، كالسيّد الحميري. مقطع 7: فيديو مقتطع من برنامج على قناة العراقية عنوانه (مهمّة عراقية) عام 2007، البرنامج يتناول شخصية الشيخ الوائلي إلى وفاته وتشييعه. يتحدّث المقطع عن معاناة الشيخ الوائلي في آخر حياته، والمرض العضال الذي أصابه وهو مرض السرطان، وقد عانى بسببه كثيراً إلى أن قضى وفارق الحياة. ● نوع السرطان الذي أُصيب به الشيخ الوائلي (سرطان الحنجرة) ولا أريد أن أعلّق أكثر من ذلك. ● سؤالٌ وجّه لي عدّة مرّات عن زيارة قبر الشيخ الوائلي. وأقول: زيارة قبره كسائر الزيارة لقبور بقية الشيعة، فهي جائزة.. وقد تكون مستحبّة إذا كان لأجل الاعتبار، أو لأجل إهداء عمل من الأعمال الصالحة للميت كقراءة القرآن أو زيارة عاشوراء، أو الترحّم على الميت والاستغفار له. (إذا كانت الزيارة بهذه النية فهي جائزة). ● أمّا إذا كانت الزيارة لقبر الوائلي تثبيتاً أو استجابة أو دعوة للصنمية المقيتة، أو لتشييد أركان المنهج الأبتر، فهي محرّمة قطعاً من دون أيّ نقاش، وتكون وبالاً على الزائر من دون أيّ نقاش، بل ربّما تعود بالأذى أيضاً على الميّت.. وهذا الأمر يجري على قبور جميع شيعة أهل البيت خاصّتهم وعامّتهم. ● من البداية قلت إنّني أتحدّث في ملامح المنهج الأبتر الذي يتحرّك بفاعلية في الواقع الشيعي، وقد قسّمت الواقع الشيعي إلى 3 أقسام: 1- المؤسسة الدينية الشيعية بواجهتها المرجعية وبمؤسستها الحوزوية العلمية وبسائر شؤوناتها وتفاريعها. 2- أتباع هذه المؤسسة (سواء تمسّكت بالمنهج الأبتر أم لم تتمسّك). 3- الزهرائيون. الحديث في كلّ الحلقات الماضية في القسم الأوّل من الواقع الشيعي وهو (المؤسسة الدينية). ● بالنسبة للقسم الثاني من الواقع الشيعي وهم (أتباع المؤسسة الدينية) فإنّي لا أجد حديثاً أتحدّث به عن (الاتباع) لأنّ مصير الاتباع هو مصير المؤسسة الدينية، لأنّهم يمتثلون بأمر المؤسسة الدينية ويقتدون بما يقوم به قادتها وزُعماؤها.. فالحديث عن المؤسسة الدينية هو بعينه حديث عن الاتباع وهم (عامّة الشيعة) فهو ينطبق على الاتباع بالتمام والكمال، لأنّ هؤلاء هم الذين ربطوا مصيرهم بمصير المؤسسة الدينية. ● أمّا القسم الثالث: الزهرائيون.. فهذا القسم افتراضي لا وجود له على أرض الواقع. نعم هناك مَن يُحبّ أن يُصنّف نفسه تحت هذا العنوان، ولكن على أرض الواقع لا وجود لهذا العنوان إلّا بنحو شبحي. هناك أناس يصفون أنفسهم بهذا الوصف، ولكن في الحقيقة إذا أردنا أن نزن الأمور بميزان دقيق، فإنّهم لا يعرفون أساساً مال المراد من تسمية (زهرائيون) التي يُطلقونها على أنفسهم. وما حلقات (لبيكِ يا فاطمة) إلّا لتفهيم هؤلاء الذين يُريدون أن يكونوا وجودات تحت هذا الوصف. ● أقول لهؤلاء الذين يُحبّون أن يتسمّوا بالزهرائيين: أنّ مجموعة الحلقات الأخيرة من برنامج (لبيكِ يا فاطمة) تمثّل زبدة الحديث، وستبدأ من حلقة يوم غد إلى نهاية شهر ذي الحجّة. وأعتقد على سبيل الظن أنّ هؤلاء الذين يُحبّون أن يتسمّوا بالزهرائيين – إذا ما فهموا المطالب والمضامين وتفاعلوا معها – يمكن أن تكون هناك بداية لنشاط زهرائي. (علماً أنّني هنا لا أتحدّث عن نشاط سياسي، ولا عن تجمّع عشائري، ولا جمعية خيرية، ولا منظّمة ولا نقابة..) إنّني أتحدّث عن التشيّع بحسب الزهراء. ● الزهرائي: هو الشيعي الذي تُريده الزهراء.. فمن أراد أن يتّسم بهذه السمة عليه أن يعرف معنى هذا العنوان (زهرائيون) النقطة الأخيرة التي أختم بها الحديث في ملامح المنهج الأبتر في الواقع الشيعي هي الحديث عن: عاقبة المنهج الأبتر! إذا أطبق المنهج الأبتر على المؤسسة الدينية الشيعية وتسلّط عليها بشكل كامل، وكانت هذه المؤسسة قد فرضت هذا المنهج على كلّ الشيعة والشيعة وافقوها على ذلك، فإنّ العاقبة تُبيّنها الروايات. (علماً أنّه لا شأن لي بالمؤسسة الدينية الحالية، ولا بالشيعة الحاليين قد تنطبق عليهم هذه الروايات وقد لا تنطبق، أنا هنا أريد أن أعرض الحقائق.. أمّا تطبيق هذه الروايات على أرض الواقع فالأمر راجع إليكم). وقفة عند جملة من أحاديث أهل البيت التي تدور حول أحوال الشيعة في زمان الغَيبة وفي زمان الظهور، ومَن الذي ينجو منهم وكيف ينجو، ومَن الذي تكون عاقبته سيئة، (هذه الروايات بمجموعها تُرسم لنا صورة عن عاقبة المنهج الأبتر إذا استمرّ في تحرّكه ونشاطه في الواقع الشيعي). ● وقفة عند حديث الإمام الصادق مع المُفضّل بن عمر في [الكافي: ج1] (عن المفضل بن عمر قال: كنتُ عند أبي عبد الله وعنده في البيت أناسٌ، فظننتُ أنّه إنّما أراد بذلك غيري، فقال: أما والله ليغيبنَّ عنكم صاحب هذا الأمر وليخملنَّ هذا حتّى يقال: مات، هلك، في أي واد سلك؟ ولتُكفأُنَّ كما تُكفّأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلّا مَن أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيّده بروح منه، ولترفعُنّ اثنتا عشرة راية مُشتبهة – لأنّها قد غطّت باطلها بالحق ولكن الباطل موجود في جوفها فهي مُشتبهة – لا يُدرى أيٌّ مِن أي، قال: فبكيتُ، فقال: ما يُبكيك يا أبا عبد الله – كنية المُفضّل -؟ فقلتُ: جعلتُ فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مُشتبهة لا يُدرى أيٌّ مِن أي!؟ قال: وفي مجلسه كوّة – أي نافذة صغيرة – تدخل فيها الشمس فقال: أبينةٌ هذه؟ فقلتُ: نعم، قال: أمرنا أبينُ مِن هذ الشمس) ● وقفة عند حديث أمير المؤمنين في [عوالم العلوم: ج26] (أنّ أمير المؤمنين خطب بالكوفة: أيّها الناس الزموا الأرض مِن بعدي، وإيّاكم والشذّاذ مِن آل مُحمّد، فإنّه يخرج شذّاذ آل مُحمّد فلا يرون ما يُحبّون لعصيانهم أمري ونبذهم عهدي، وتخرجُ راية مِن وُلْد الحُسين تظهر بالكوفة، بدعامة أُميّة، ويشمل الناس البلاء، ويبتلي الله خير الخلق حتّى يُميّز الخبيث مِن الطيب، ويتبرّأ الناس بعضهم مِن بعض، ويطول ذلك حتّى يُفرّج الله عنهم برجل مِن آل مُحمّد – إشارة إلى إمام زماننا- ومَن خرج مِن وُلدي فعَمَل بغير عملي وسار بغير سيرتي – سار بمناهج النواصب – فأنا منه بريء، وكلّ مَن خرج مِن وُلْدي قبل المهدي فإنّما هو جزور – أي أنّه سيُذبح – وإيّاكم والدجالين مِن وُلْد فاطمة فإنَّ مِن وُلْد فاطمة دجّالين، ويخرج دجّالٌ مِن دجلة البصرة وليس منّي، وهو مُقدّمة الدجّالين كلّهم)! ● وقفة عند رواية الإمام الباقر في كتاب [الإرشاد] للشيخ المُفيد (إذا قام القائم عليه السلام سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ويدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مُقاتلتها حتّى يرضى الله عزّ وعلا). ● رواية الإمام الباقر [منتخب الأنوار المضيئة] للمحدّث النيلي (إذا ظهر القائم على نجف الكوفة خرج إليه قرّاء أهل الكوفة قد علّقوا المصاحف في أعناقهم وأطراف رماحهم، فيقولون: لا حاجةَ لنا فيك يا ابن فاطمة، قد جَرّبناكم فَما وَجدنا عندَكم خيراً، إرجعوا مِن حيث جئتُم، فيَقتُلهم حتى لا يَبقى مِنهم مخبر). ● مقطع من رواية للإمام السجاد عليه السلام في [البحار: ج52] (ثمّ يسير – أي الإمام الحجّة – حتّى ينتهي إلى القادسية، وقد اجتمع الناس بالكوفة – أي شيعة النجف وما حولها – وبايعوا السفياني)! ● رواية الإمام الصادق في [البحار: ج52] (يقدم القائم حتّى يأتي النجف، فيخرج إليه مِن الكوفة جيش السفياني وأصحابه – أصحاب السفياني من الشيعة – والناس معه – أي عامّة الشيعة-، وذلك يوم الأربعاء فيدعُوهم، ويُناشدهم حقّه، ويُخبرهم أنّه مظلومٌ مقهور، ويقول: مَن حاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله، إلى آخر الخطبة.. فيقولون: ارجع مِن حيث شئت لا حاجة لنا فيك، قد خبرناكم واختبرناكم فيتفرّقون مِن غير قتال – الإمام يُعطيهم فُرصة – . فإذا كان يوم الجمعة يُعاود فيجئ سهْم فيُصيب رجلاً مِن المسلمين فيقتله، فيُقال إنّ فلاناً قد قُتل فعند ذلك ينشر راية رسول الله، فإذا نشرها انحطّتْ عليه ملائكة بدر، فإذا زالتْ الشمس هبّت الريح لهُ فيحمل عليهم هو وأصحابه فيمنحهم الله أكتافهم ويُولّون، فيقتلهم حتّى يُدخلهم أبيات الكوفة، وينادي مٌناديه: ألا لا تتّبعوا مُولّياً ولا تُجْهزوا على جريح ويسير بهم كما سار علي يوم البصرة) ● رواية الإمام الباقر في [البحار: ج52] (لكأنّي أنظر إليهم مُصعدين مِن نجف الكوفة ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، كأنّ قلوبهم زُبَرَ الحديد جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً، أمدّه الله بخمسة آلاف مِن الملائكة مُسوّمين – يلبسون عمائم ذات ذؤابتين – حتّى إذا صعد النجف، قال لأصحابه: تعبّدوا ليلتكم هذه فيبيتون بين راكع وساجد يتضرّعون إلى الله حتّى إذا أصبح، قال: خُذوا بنا طريق النُخيلة، وعلى الكوفة خندقٌ مُخندق قلت: خندقٌ مُخندق ؟ قال: أي والله حتّى ينتهى إلى مسجد إبراهيم بالنُخيلة، فيُصلي فيه ركعتين، فيخرج إليه مَن كان بالكوفة مِن مُرْجئها – مرجئة الشيعة – وغيرهم مِن جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم – أي فرّوا أمامهم من باب الخدعة – ثمّ يقول كرّوا عليهم – عودوا إليهم) ● مقطع من رواية الإمام الصادق في كتاب [نور الأنوار] للمحدّث المرندي. (فإذا خرج القائم مِن كربلاء وأراد النجف والناس حوله، قتل بين كربلاء والنجف ستّة عشر ألف فقيه! فيقول الذين حوله مِن المُنافقين: إنّه ليس مِن وُلد فاطمة وإلّا لرحِمَهم، فإذا دخل النجف وبات فيه ليلة واحدة فخرج منهُ مِن باب النُخيلة مُحاذيَ قبر هود وصالح استقبله سبعون ألف رجل مِن أهل الكوفة يُريدون قتله، فقتلهم جميعاً فلا يُنجى منهم أحد). ● رواية الإمام الباقر في [البحار: ج52] (ثمّ يأتي الكوفة فيُطيل بها المكْث ما شاء الله أن يمكث حتّى يظهر عليها – أي حتّى يُصفّيها من هؤلاء المنافقين والبترية -، ثمّ يسير حتّى يأتي العذرا – مرج عذراء التي فيها قبر حجر – هو ومن معه، وقد أُلحق به ناس كثير، والسفيانيُّ يومئذ بوادي الرملة، حتّى إذا التقوا وهم – أي التقى المهدويّون مع السفيانيّين – يوم الأبدال، يخرج أُناس كانوا مع السفياني فهم من شيعة آل محمّد، ويخرج ناس كانوا مع آل محمّد إلى السفياني، فهم مِن شيعته حتّى يلحقوا بهم، ويخرج كلّ ناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال..)