الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٤٠ – لبّيك يا فاطمة ج٥٧ – فاطمة القيّمة ق٣

صور

فيديو

 

 

يوتيوب

 

 
 

اوديو

 

 

مطبوع

 

 

ملخـّص الحلقة

تاريخ البث : يوم الخميس 27 ذو الحجّة 1437هـ الموافق 29 / 9 / 2016م

  • حديثنا وبشكل عام هو في أجواء منزلة الصدّيقة الكبرى عليها السلام التي أحرقها المنهج الأبتر في الوسط الشيعي!

  • بيّنتُ في الجزء الأخير من الحلقة السابقة من أين جئتُ بهذا العنوان (فاطمة القيّمة) الذي هو عنوانٌ لهذه الحلقات، وبيّنتُ لكم أنّ هذا العنوان مأخوذ من القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة.

  • ما المعنى المراد من القيّمة؟

  • الجواب: حين نقول (القيّمة) فذلك يعني أنّها حاضرة ومُتابعة، وإلّا لن تكون قيّمة.. لابدّ أن تكون حاضرة وناظرة في نفس الوقت، تُتابع الأمور وترعاها وتُشرف عليها وتُكمل النقص، وإلّا لن تكون قيّمة، وهذا يعني أنّ لها حضور في كلّ شؤونات الدين وشؤونات أهل الدين، الحضور الذي يتناسب مع هذه الصفة (صفة القيّمة).

  • وقفة أعرض لكم فيها إشارات سريعة يُمكننا أن نتلمّس من خلالها معنى (الحضور).

  • نقرأ في زيارة الزهراء عليها السلام: (وزعمنا أنّا لكِ أولياء ومُصدّقون وصابرون لكلّ ما أتانا به أبوكِ صلّى الله عليه وآله وأتى به وصيّه، فإنّا نسألكَ إنْ كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتِنا بتصديقنا لهما لنبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ)
  • ● عرض لقطتين من زيارة الصدّيقة الكبرى تُشيران بشكل واضح إلى حُضوريّتها عليها السلام وأنّها تُتابع وتُشرف:
  • الّلقطة 1: عند تعبير (ألحقْتِنا) الوارد في الزيارة، فهذا الخطاب في الزيارة الشريفة ليس مخصوصاً بزمان معيّن أو مكان مُعيّن أو حدث مُعيّن أو مُناسبة مُعيّنة أو شخص معيّن.. هذا الخطاب خطاب مفتوح لكلّ زمان ومكان ولكلّ الناطقين، فحينما نُخاطبها في أيّ جهة من جهات هذا العالم ونقول لها (إلّا ألحقتنا) فإنّ عملية الإلحاق هذه هي عملية إلحاق على أرض الواقع، والذي يترتّب على هذا الإلحاق هو تحقّق الطهارة الماديّة (لنُبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ).. هذه التفاصيل تقتضي أنّنا نُخاطب جهة حاضرة وناظرة في نفس الوقت وتُشرف وتُتابع وتقبل وترفض وتُسبغ الطهارة وتمنعها، فهي الفاطمة.
  • ● ومن معاني (فاطمة) هو أنّها تفطم من الشرّ وتمنح الخير، ومن هنا جاء الحديث (لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة) لأنّ فاطمة حقيقة مفطومة عن الشرّ (فهي ذات مفطومة عن الشرّ وفاطمة عن الشرّ).
  • هذه العملية عملية (الإلحاق) لها آثارها في الواقع الخارجي، فالإلحاق يحصل في العالم الدنيوي والواقع المادي الخارجي، فلابُدّ من حضور ومتابعة في الواقع الخارجي، وهذه الحالة خاصّة بفاطمة.. وهذا لا يعني أنّ الأئمة بعيدون عن هذا الوصف، ولكن هذه الوظيفة بحسب منظومة العقيدة الشيعية هي وظيفة فاطمة لأنّها القيّمة على الدين، فلابدّ من حضورها وناظريّتها.
  • الّلقطة 2: عند تعبير (مُبشّرة) الوارد في الزيارة .. حين نسلّم على الصدّيقة الكبرى ونقول: (وحبيبة المصطفى، وقرينة المرتضى، وسيّدة النساء، ومبشّرة الأولياء)
  • الأوصاف الثلاث الأولى (وحبيبة المصطفى، وقرينة المرتضى، وسيّدة النساء) هذه الأوصاف يُمكن أن تكون في عالم لا يُشترط فيه الحضور في هذا العالم الدنيوي، أمّا هذه الصفة (ومبشّرة الأولياء) فهذه الصفة تعني الحضور، خصوصاً إذا ما جمعناها مع ما تقدّم من الزيارة (لنُبشّر أنفسنا) فعملية التبشير تحتاج إلى حضور ومُتابعة وعناية بأوليائها.
  • ● عرض لقطتين من رواية الإمام الصادق في تفسير [فرات الكوفي] والتي تُمثّل النص الأهم في بيان مضمون سورة القدر:
  • (في قوله عزّ وجل {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال الإمام الصادق عليه السلام: الّليلة فاطمة، والقدر الله، فمَن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها… وقوله {تنزل الملائكة والروح فيها} قال: والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله، والروح القدس هي فاطمة)
  • الّلقطة 1: أنّ ليلة القدر حقيقة، والحديث هنا عن عالم من الحقائق.. هذه الّليلة تأتي في كلّ سنة، وحين تأتي فإنّ كلّ الّليالي والأيام ترتبط بها، لأنّ تقدير الّليالي والأيّام الأخرى يأتي ويصدر من هذه الّليلة، فضلاً عن الأحداث التي تجري فيها، وقول الإمام الصادق الّليلة فاطمة، هو لا يتحدّث عن مقطع زماني مُعيّن، وإنّما يتحدّث عن الحقيقة الحاضرة الناظرة.
  • الّلقطة 2: هو الحديث عن (الروح) الذي يتنزّل في ليلة القدر، فكلمات أهل البيت صريحة في أنّ الروح الذي يتنزّل هو خلق أعظم من الملائكة، وإلّا لو كان من الملائكة فإنّه يدخل في نفس تسمية الملائكة، والإمام الصادق يقول: (والروح القدس هي فاطمة) هذا الروح يتنزّل بكلّ أمر (ما يرتبط بتقدير وجود العباد وبقاء العباد وتقدير الفيض النازل على العباد وتقدير العطاء والمنع وتقدير كلّ الشؤونات التي ترتبط بالكائنات). فتفاصيل الحياة والزعامة والإحاطة والحضور والناظرية والإشراف هي لهذا الروح الذي هو مظهر من مظاهر فاطمة، أمّا الملائكة فهم عمّال وموظّفون.. وهذا الحضور الذي يتنزّل في ليلة القدر هو حضور يتناسب مع الّليلة، أمّا الحضور المذكور في زيارتها الشريفة فهو يتناسب مع أحوالنا، حضور يتناسب مع الدين الذي هي قيّمته.
  • ● وقفة عند مقطع من حديث الإمام الصادق مع زرارة في كتاب [كامل الزيارات] يقول: (وما عين أحبُّ إلى الله ولا عبرةٌ مِن عين بكت ودمعت عليه، وما مِن باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله وأدّى حقّنا)
  • أسعدها يعني شاركها، وأعانها، وهذا التعبير (أسعدها) يُشير إلى حضورها، الحضور الذي يتناسب مع شأنها ومع حالها في مقام القيمومة على الدين.. والرواية ما قالت (وأسعده)، قالت (وأسعدها) لأنّ فاطمة هي الحاضرة بحسب وظيفتها وموقعها في منظومة العقيدة الشيعية.
  • ● وهذا المعنى الذي يتردّد على ألسنة الشيعة عموماً من أنّ الزهراء تحضر مجالس ولدها الحسين، هذا الكلام لم ينشأ جُزافاً، هذا التركيز على الصدّيقة الكبيرة يُشير إلى حقيقة نشأت من معطيات في واقع الوجدان العقائدي الشيعي.. فدائماً يقولون أنّ الزّهراء وصاحب الأمر يحضران مجالس الحسين، وهذه حقيقة.. فصاحب الأمر موجود وحاضر، وكذلك الصدّيقة الكبرى.
  • وحضور الزهراء حضور دائم ليس فقط في مجالس الحسين، بل في كلّ حال من الأحوال.. ولكن هذا الحضور له درجات وله مراتب، ففي مجالس الحسين هناك خصوصية في هذا الزمان والمكان، فيُمكن أن ينكشف حضورها في بعض الجهات لخصوصية تلك الجهات أو لمنافع وحِكَم تُشخّصها نفس القيّمة، وعلى أساسها تكشف عن حضورها في بعض المواطن. (وقفة تقريب للفكرة).
  • ● مقطع من حديث الإمام الصادق في [كامل الزيارات] مع أبي بصير: (يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة)
  • هذا الّلحن وهذا الحديث وهذا التعبير (يُسعد) مع الرواية السابقة ومع عدد كبير من النصوص تتحدّث في مثل هذه المضامين، هذا يُشعرنا بالحضور القريب وبالناظرية.
  • ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [كامل الزيارات]: (إذا زرتم أبا عبد الله فالزموا الصمت إلّا من خير..) إلى أن يقول: (وإنّها لتنظر إلى مَن حضَرَ منكم، فتسأل الله لهم مِن كلّ خير) فهذا الأدب (بالتزام الصمت إلّا من خير) مأخوذ بلحاظ فاطمة، لأنّها حاضرة وناظرة.
  • ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [وسائل الشيعة: ج14] – والحديث عن الجمع بين الفاطميّتين في الزواج.
  • (لا يحلُّ لأحد أن يجمع بين اثنتين مِن وُلد فاطمة، إنَّ ذلك يبلُغها فيشقُّ عليها، قلتُ: يبلُغها ؟ قال: إيّ والله)
  • لحن الرواية يُشير إلى حضور فاطمة، وإلّا إذا كان المراد العلم الكامل فهم صلوات الله عليهم يعلمون بما كان وما يكون وما هو كائن ولا أثر ولا تأثير لأفعالنا وأقوالنا عليهم من هذه الجهة، وإنّما يكون هذا التأثير (يبلغها فيشقّ عليها) لأنّ القضيّة ترتبط بحضورها وناظريّتها في هذا العالم الذي نعيش فيه.. فلسان الرواية يتحدّث عن حضورها الذي يتناسب مع هذا العنوان (القيّمة).
  • ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [عوالم العلوم- عوالم الزهراء: ج2]
  • (إذا كانت لك حاجة إلى الله وضُقتَ بها ذرعاً، فصلّ ركعتين فإذا سلّمت كبّر الله ثلاثاً، وسبّح تسبيح فاطمة، ثمّ اسجد وقلْ مائة مرة: يا مولاتي فاطمة أغيثيني، ثمّ ضع خدّك الأيمن على الأرض، وقل مثل ذلك، ثمّ عد إلى السجود وقل ذلك مائة مرّة وعشر مرات واذكر حاجتك فإنّ الله يقضيها) هناك أكثر من صلاة، ولحن هذه الصلوات جميعاً ولحن الخطاب فيها أنّ هذا الخطاب مع حاضرة ناظرة، مع الأخذ بعين الاعتبار القرآئن المُتقدّمة والمضامين التي أشرتُ إليها ومضامين أخرى كثيرة.
  • ● وقفة عند حديث الإمام الكاظم في [الكافي الشريف: ج8]
  • (عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم “الإمام الكاظم عليه السلام” قلتُ: جعلت فداك، إنْ أذنتَ لي حدّثتك بحديث عن أبي بصير، عن جدّك أنّه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان: ثوب في الماء البارد وثوب على جسده يراوح بينهما، ثمّ ينادي حتّى يُسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمّد، فقال: صدقت)
  • هذا المضمون ينسجم مع المضمون السابق (الإستغاثة بفاطمة بكلّ أشكالها) ولربّما للأمر رمزيّة وعلاقة، فإنّ الحمّى في أحاديث أهل البيت هي حظّ المؤمن من نار جهنّم، وفاطمة هي التي تفطم ذُرّيتها وشيعتها من النار.
  • ● وقفة عند زيارة جامعة للأئمة أوردها ابن المشهدي في [المزار الكبير] ممّا جاء فيها، والخطاب للصدّيقة الكبرى: (السلام على الطاهرة الحميدة، والبرّة التقيّة الرشيدة، النقيّة مِن الأرجاس، المُبرّاة من الأدناس..) إلى أن تقول (فاطمة الأفطام، مُربيّة الأيتام).
  • أفطام: جمع فطيم، والفطيم هو الذي فطمته عن النار، فطمته عن الشرّ.. فالزهراء فطمت ذُريّتها وشيعتها، وكلّ واحد من هؤلاء هو فطيم فاطمة.
  • الأيتام: جمع يتيم، والأيتام بالعنوان الأوّل في لحن حديث أهل البيت هم شيعتهم المنقطعون عنهم، فهو وصف لشيعتهم في زمان الغَيبة.

  • وقفة عند [حديث الكساء الفاطمي] أُشير فيها إلى جملة من المطالب التي ترتبط بهذه الوثيقة الأم في المعرفة الزهرائية.

  • ● في بداية الحديث الشريف يقول رسول الله: (إنّي أجد في بدني ضعفا)
  • هل النبي هنا يتحدّث عن مرض جسدي وضعف نفسي كما يقول السيّد الشيرازي في شرحه لحديث الكساء؟!
  • أقول: أنّ هذا الكلام يُمكن أن يُقبل إذا كان الكلام بالمستوى العُرفي العادي، ولكنّ حديث الكساء من أوّله إلى آخره يُشير إلى مضامين في غاية العُمق، ولذا كلّ الملابسات لابدّ أن تُؤخذ بهذا الّلحاظ.
  • ● قول النبي الأعظم (إنّي أجد في بدني ضعفا) هذه إشارة تُشير إلى طبيعة هذا العالم، فالضعف هو من شؤونات العالم الدنيوي.
  • ● هذه التفاصيل المذكورة في حادثة الكساء الفاطمي (حضور النبي، وإتيان الزهراء بالكساء اليماني، واجتماعهم تحت الكساء) هذا التفصيل الذي تتحدّث عنه ألفاظ حديث الكساء إنّه يتحدّث عن أشخاصهم صلوات الله عليهم.. نفس الأشخاص الذين نزورهم في الزيارة الجامعة الكبيرة، وبعبارة أخرى: حديث الكساء يتحدّث عن هؤلاء الأشخاص الذين إذا مات ميّتهم فليس بميّت، وإذا قُتل قتيلهم فليس بقتيل.
  • ● وقفة عند مقطع من خطبة لسيّد الأوصياء في نهج البلاغة: (أيّها الناس خُذوها عن خاتم النبيّين “صلّى الله عليه وآله” إنّه يموت مَن مات منّا وليس بميّت، ويبلى مَن بلي منّا وليس ببالٍ، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحق فيما تنكرون)
  • ● (فلا تقولوا بما لا تعرفون) أي لا تُصدروا الأحكام على أساس احتمالات تحتملونها وظنون تظنّونها، أو وفقاً لاستحسانات وآراء تُنتجونها من عند أنفسكم، والسبب: أنّ أكثر الحقّ فيما تُنكرون، لذلك لا تتعجّلوا بالحُكم والبيان والشرح والتفسير لحوادث الدين والدنيا، فلو أنّ الشيعة تلتزم بهذه القاعدة لتغيّرت الأمور كثيراً.
  • ● وقفة عند مقطع من حديث [المعرفة بالنورانية] لسيّد الأوصياء في [بحار الأنوار: ج26] يقول مُخاطباً سلمان وأبي ذر:
  • (يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: إنّ ميتنا لم يمتْ، وغائبنا لم يغب وإنْ قتلانا لن يقتلوا)
  • الأمير يُريد أن يُشير إلى أنّ هذه الطبقة التي نتلمّسها بالحواس ليست هي النهاية لهذا العالم.. الأمير يُشير إلى ما وراء هذه الطبقة، فهذه الطبقة التي نحن فيها هي قشرٌ ظاهر. هم صلوات الله عليهم ليسوا محبوسين بهذا القشر، نحن محبوسون بهذا القشر.. غاية ما نتجاوز هذا القشر – في أسمى ما يُمكن أن نصل إليه – أن نكتشف حقيقة هذا القشر.. أمّا هم صلوات الله عليهم فهم شأن آخر.
  • ● حديث الكساء الفاطمي ليس كالواقعة التي حدثتْ في بيت أمّ سلمة.. حادثة بيت أم سلمة محدودة بحدود هذه الطبقة من العالم وهذا القشر الذي نحن فيه، أمّا ما جرى في بيت الزهراء فهو تجاوز لهذا القشر، وحديث الكساء الشريف يُشير إلى ذلك، فإنّ فاطمة كانت تنقل لنا الحديث من دون أن تنقله عن رسول الله، أو عن جبرئيل، بل مُباشرة تقول أنّهم بعد أن اجتمعوا تحت الكساء وقال رسول الله ما قال، تقول الزهراء: (فقال الله عزّ وجل يا ملائكتي ويا سُكان سماواتي…)
  • فهذا المجلس الذي كان تحت الكساء ليس موجوداً في ذلك البيت الصغير الذي يُرى من خلال الحواس، بل يتجاوز هذا القشر.. ففاطمة تروي عن الله مباشرة.

  • عرض مجموعة من الأمثلة من كلمات العترة تُقرّب الفكرة (أنّ حديث الكساء الفاطمي جرى في كلّ الطبقات).

  • ● حديث الإمام الصادق عن مُصحف فاطمة: (قال: مُصحف فاطمة ما فيه شيءٌ من كتاب الله، وإنّما هو شيءٌ أُلقي عليها بعد موت أبيها صلّى الله عليه وآله) مُصحف فاطمة ليس فيه شيءٌ من كتاب الله، لأنّ الإمام هنا يتحدّث عن كتاب الله الذي يبدو في هذه الطبقة القشرية في ظاهره.. وقول الإمام (بعد موت أبيها) أي الموت القشري.
  • ● رواية أخرى لصادق العترة يقول فيها: (إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السّلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة) وهنا طبقة ترتبط بالحديث مع جبرئيل.
  • ● رواية أخرى عن الباقر أو الصادق: (وخلّفت فاطمة مُصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله أُنزل عليها إملاء رسول الله وخطّ علي) الرواية السابقة تقول أنّ من يُحدّث الزهراء جبرئيل، وهذه الرواية تقول إملاء رسول الله وخطّ علي.
  • ● رواية أخرى عن صادق العترة: (وعندنا مُصحف فاطمة أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنّه إملاء رسول الله وخطّ علي) فالحديث في هذه الروايات عن طبقات.
  • ● رواية أخرى عن صادق العترة أيضاً: (وإن عندنا لمُصحف فاطمة وما يُدريهم ما مصحف، مُصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، إنّما هو شيءٌ أملاها الله وأوحى إليها) وهذه الرواية تنسجم مع المضمون الوارد في حديث الكساء، فإنّ فاطمة تحدّث عن الله مُباشرة من دون واسطة، وكلّ هذا في الطبقة الأولى (التي هي ما وراء هذه الطبقة القشرية) التي قال فيها سيّد الأوصياء: إنّ ميّتنا لم يمت.
  • ● وقفة عند مقطع من حديث [المعرفة بالنورانية] لسيّد الأوصياء: (وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين) هذه هي بعينها الطبقة التي يُريد حديث الكساء أن يُفهمنا كيف تحقق على أرض الواقع.
  • ● فحديث الكساء يُحدّثنا عن مجلس، عن واقعة، عن ظهور، عن تجلّي (عبّر ماشئت) حدث في هذا العالم في بيت فاطمة، ولكن في طبقة تتجاوز هذه الطبقة المحسوسة القشرية.. والوجود فيه طبقات لا عدّ ولا حصر لها، وأهل البيت لهم ظهورات في كلّ تلك الطبقات.. ونحن لا نعرف عدد تلك الطبقات، ولا نستطيع أن نُحيط بظهوراتهم.. كلّ ما بأيدينا هو نصوص تُخبرنا عن بعض تلك المضامين بلسان المداراة، وبحسب مدارك عقولنا.
  • ● وقفة عند رواية الإمام الباقر في [ تفسير البرهان: ج8]: (يقول: بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله، وسقف بيتهم عرش رب العالمين، وفي قعر بيتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي – النازل والصاعد- والملائكة، تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساء وكلّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد…) إلى أن تقول الرواية: (وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفاً غير العرش، فبيوتهم مسقّفة بعرش الرحمن…فقلت: هذا التنزيل؟ قال: نعم) قطعاً الحديث هنا ليس عن البيت المحسوس، هذه طبقة أخرى
  • ● قول الرواية (لا يجدون لبيوتهم سقفاً غير العرش) يعني لا توجد قيود تقيّدهم، وهذا هو الذي يتحدّث عنه حديث المعرفة بالنورانية حين يقول سيّد الأوصياء: (لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنّة والنار، ونعرج به – أي بالإسم الأعظم – إلى السماء ونهبط به الأرض ونُغرّب ونُشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عزّ وجل ويطيعنا كلّ شيء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر…) هذه المضامين تتحدّث عن طبقة ثانية، وفي هذه الطبقة أيضاً يتحقّق حديث الكساء الفاطمي.
  • ● حين قال رسول الله (فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) هذا وحيٌ صاعد، وحين نزل جبرئيل بالآية هذا وحيٌ نازل، وفاطمة تُحدّث عن مجلس في الملأ الأعلى فتقول: (فقال الله عزّ وجل…) وجبرئيل من دون وقت ومن دون فواصل يأخذ الإذن من الله وينزل (وهنا ينتفي الزمان والكان) هنا اشتغلتْ قوانين الطيّ والنشر التي تقدّم الحديث عنها في حلقات سابقة من هذا البرنامج.
  • كلّ هذه الحيثيّات هي التي تجعل حديث الكساء الفاطمي مُختلفاً عن الواقعة التي حدثت في بيت أمّ سلمة.
  • ● وقفة عند طبقة أخرى من طبقات الوجود تتحدّث عنها الزيارة الجامعة الكبيرة حين تقول: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحدقين)
  • العرش يسع الكرسي، والكرسي يسع السماوات والأرض (وسع كرسيّه السماوات والأرض) والزيارة الجامعة تقول: فجعلكم بعرشه مُحدقين.. أي مُحيطين، فهم أوسع من العرش.
  • ● وقفة عند رواية النبي الأعظم في كتاب [العوالم – عوالم الزهراء ج1]: (ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض)
  • ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [علل الشرائع] وهو يُحدّثنا عن مرحلة من مراحل الخلقة.
  • (عن جابر الجعفي عن إمامنا الصادق، قال: قلتُ له: لم سُميّت فاطمة الزهراء زهراء فقال: لأنّ الله عزّ وجل خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقتْ أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيتْ أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين..) إلى أن تقول الرواية: (ثمّ أمر الله الظلمات أن تمر على سحائب النطر، فأظلمتْ السماوات على الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح والتقديس، وقالت: إلهنا وسيدنا، منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح – أي الأشباح المقدّسة – لم نرَ بؤسا، فبحق هذه الأشباح إلّا ما كشفتْ عنّا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش، فأزهرتْ السماوات والأرض، ثمّ أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سمُيّت الزهراء..) قناديل الوجود مُشتقة من نور الصدّيقة الكبرى.
  • ● وهناك طبقة أرقى تتحدّث عنها الزيارة الجامعة الكبيرة حين تقول: (وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت) هذه الطينة الواحدة إليها الإشارة في دعاء المبعث: (وباسمكَ الأعظم الأعظم الأعظم، الأجلّ الأكرم الذي خلقته فاستقرّ في ظلّك، فلا يخرج منك إلى غيرك) هذه طبقة رابعة.
  • (علماً أنّني حين أتحدّث عن هذه الطبقات فإنّني لا أحصرها، فإنّني لا أعلم عددها ولا أحد يعلم بذلك، وإنّما هو التدبّر والنظر في أحاديث أهل البيت والتفكّر في شؤونها والجمع فيما بينها، والمقارنة فيما جاء في الأحاديث التفسيرية وما جاء في الأدعية والزيارات هو الذي يُمكّننا أن نُشير لهذه الطبقات، وكل هذه المضامين التي بُيّنت لنا بُيّنت على أساس قانون المدارة.. ولكن في مستوى الطينة الواحدة يأتي هذا المعنى (الذي خلقته فاستقرّ في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك).
  • ● وقفة عند رواية الإمام الصادق في [الكافي الشريف: ج1] وهو يُحدّثنا عن هذا الإسم الأعظم، فيقول:
  • (إنَّ الله تبارك وتعالى خلق اسْماً بالحروف غير متصّوت، وبالَّلفظ غيرَ مُنْطق وبالشخص غيرَ مُجسَّد والتَّشبيه غيرَ موصوف وبالَّلون غيرَ مصبوغ، منفيٌ عنه الاقطار، مبعَّد عنهُ الحدود، محجوبٌ عنه حسّ كلّ متوهم، مستترٌ غيرُ مستور، فجعله كلمة تامّة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل آخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب منها واحداً وهو الإسم المكنون المخزون، فهذه الأسماء التي ظهرتْ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى…)
  • ● نحن الآن تحدّثنا عن 4 طبقات:

  • الطبقة 1: طبقة تتجاوز هذا القشر الظاهر الذي نعيش فيه، هذه الطبقة هي (طبقة إنّ ميّتنا لم يمت، وغائبنا لم يغب) والحديث في المظاهر التكوينية وفي تجلّيات الكلمة الأتم.. ونحن نخاطب أهل البيت ونقول لهم أنّنا نؤمن بظاهرهم وباطنهم وسرّهم وعلانيتهم، وأوّلهم وآخرهم.. هذه الطبقة هي التي تحدّثتْ عنها واقعة حديث الكساء الفاطمي، وهناك طبقات أخرى الواقعة حدثت فيها أيضاً وسيأتي بيان ذلك.

  • الطبقة 2: هي الطبقة التي أشرتُ إليها (طبقة الطينة الواحدة، النور الواحد) وهي طبقة ما قبل التمايز، وهي نفسها التي أشار إليها دعاء ليلة المبعث (وباسمكَ الأعظم الأعظم الأعظم، الأجلّ الأكرم الذي خلقته فاستقرّ في ظلّك، فلا يخرج منك إلى غيرك) هذه الطبقة هي الطبقة التي كلّ ما بأيدينا من الإشارات ومن حديث عن الأسماء الحسنى وعن الإسم الأعظم وعن الصفات العليا، وكلّ التفاصيل التي تحدّث عنها دعاء البهاء هي في هذه الطبقة.. هو الإسم الذي قرأت عليكم أوصافه قبل قليل في رواية الإمام الصادق (الإسم الذي خلقه الله بالحروف غير متصوّت وبالّلفظ غير منطق).

  • أمّا المرتبة التي تلي هذه المرتبة والتي جاء ذكرها في دعاء إمام زماننا في شهر رجب عن إمام زماننا (لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقُك) فإنّ تجلّي هذا المعنى في مجريات حديث الكساء يُمكن أن نتلمّسه بعد اجتماعهم تحت الكساء وبعد أن صعد الوحي المحمّدي، ونزل الوحي الجبرئيلي، فنفس الآية نطق بها محمّد صلّى الله عليه وآله قبل هبوط جبرئيل.. فالوحي النازل كان صدىً للوحي الصاعد.

  • الطبقة 3: وهي التي تحدّث عنها إمام زماننا وقال (لا فرق بينك وبينها..) هنا تتلاشى جميع الإشارات.. وكلّ حديث عن الأسماء الحسنى، وعن الإسم الأعظم وعن الصفات العليا، كلّ ذلك يتجلّى في الطبقة السابقة (ونوركم واحد وطينتكم واحدة) أمّا طبقة (لا فرق بينك وبينها..) فإنّنا لا نملك إشارة تُشير إليها، فهي طبقة تتلاشى فيها الإشارات، وتغيب فيها الإسماء، مثلما جاء في حديث الكافي الشريف (عن سليمان بن خالد قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عز وجل يقول: {وأنّ إلى ربّك المنتهى} فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا)

  • ● وقفة عند (حديث الحقيقة) لسيّد الأوصياء مع كميل والذي يتحدّث عن الطبقة الخالية من الإشارات:
  • (حيث قال: يا أمير المؤمنين ما الحقيقة؟ فقال: فقال له الإمام: مالك والحقيقة يا كميل ؟ فقال كميل: أولستُ صاحب سرّك، قال: بلى، ولكن يرشح عليكَ ما يطفحُ منّي، فقال كميل: أو مثلك يُخيّب سائلا؟ فقال الإمام: الحقيقة كشفُ سُبحات الجلال مِن غير إشارة، فقال كميل: زدني بياناً. قال : محو الموهوم وصحو المعلوم. قال كميل: زدني بياناً، قال الإمام: هتك الستر وغلبة السر. قال كميل: زدني بياناً. قال الإمام: جذب الأحدية لصفة التوحيد. قال : زدني بياناً، قال: نورٌ يُشرق من صبح الأزل، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره. قال كميل: زدني بياناً. قال الإمام: إطفِ السراج، فقد طلع الصبح) هذه الطبقة التي لا نملك عنها إشارات ولا رموز.
  • ● قول الإمام: (أطفِ السراج) السراج إشارة إلى الإدراك (سواء كان إدراك عن طريق الحواس، الوجدان، الفطرة، العقل، البصيرة…) أو أي وسيلة من وسائل الإدراك التي ترتبط بعالم الشهادة أو عالم الغيب.. فالحقيقة صارت من الاتّساع بحيث لا نملك عليها أو إليها شارة.. بطلوع الصبح لا قيمة للسراج حينئذٍ والسراج حينئذٍ ليس قادراً على أن يُدرك الصبح! (فلا يُمكن أن تضع بحراً في إبريق).
  • ولذا في هذه الطبقة (طبقة: لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقُك) تتلاشى كلّ المعاني، ولا يبقى إلّا معنى واحد هو معنى الصبح، ولذا علينا أن نُطفئ السراج.
  • هذه المقامات والطبقات التي أشرتُ إليها، في كلّ هذه الطبقات تحقّق معنى حديث الكساء الفاطمي، وقطعاً في كل طبقة بما يناسبها
  • ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [بصائر الدرجات] لتقريب الفكرة (فكرة وقوع حديث الكساء في طبقة أخرى، خارج هذه الطبقة القشرية) :
  • (لمّا قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله، هبط جبرئيل ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره، فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي صلّى الله عليه وآله معه ويصلّون عليه ويحفرون له، والله ما حفر له غيرهم..) أي أنّ التفاصيل الحقيقية جرت في طبقة أخرى.
  • ● وقفة عند مقطع من رواية طويلة مفصّلة عن إمامنا السجاد، يُحدّثنا عن شهداء الطف، يقول:
  • (فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل، وحنّطوها بذلك الطيب، وصلّت الملائكة صفّاً صفّاً عليهم)
  • هذه التفاصيل التي ذُكرت في الرواية جرت في طبقة أخرى.. نحن نعيش في القشر، فهذا الوصف لم يره أحد من الأسديين أو من الأرضيين عموماً، فإذا كان هذا الوصف يجري لشهداء الطف، فإنّ هذا الوصف سيكون موجزاً ومختصراً بالنسبة لرسول الله، والبيانات تأتي بحسب المتلقّي.. وهذا الذي أقوله أنّ حديث الكساء جرى في كلّ الطبقات، وهذا هو السرّ في حديث الكساء.
  • قطعاً كلّ هذه المقامات لا حدود لبواطنها.. كلّ هذه الطبقات لها مراتب ولها بواطن لا حدود لها، وفي كلّ هذه الطبقات فاطمة هي (المحور).. مثلما كانت هي المحور في هذه العبارة من حديث الكساء (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها).

  • الطبقة 4: هي الطبقة التي يحدث فيها التمايز.. والزهراء في أفق التمايز هي ثالث الأئمة (محمّد وعلي وفاطمة) كما تُشير إلى ذلك حديث الإمام الجواد مع محمّد بن سنان: (عن محمد بن سِنان قال: كنتُ عند أبي جعفر الثاني فأجريتُ اختلاف الشيعة فقال: يا محمّد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، كان ولم يكن معه شيء ثمّ خَلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمَكثوا ألفَ دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم فهُم يُحلّون ما يشاءون ويُحرّمون ما يشاؤون، ولن يشاءوا إلّا أن يشاءَ الله تبارك وتعالى، ثمّ قال: يا محمّد هذه الدّيانة التي مَن تقدّمها مَرَق ومن تخلّف عنها مَحَق ومن لزمها لحِق خذها إليك يا محمّد).

  • الرواية هنا تتحدّث عن المراتب وعن الطبقات التي يحدث فيها التمايز.
  • ● أمّا مرحلة ما قبل التمايز (طبقة الطينة الواحدة، والنور الواحد) والتي أشرتُ إليها، فيُحدّثنا عنها الإمام الصادق فيقول:
  • (إنّ الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان، وخلق نور الأنوار – هذه هي الطينة المرحلة التي ليس فيها تمايز-، الذي نُوّرت منه الأنوار وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار وهو النور الذي خلق منه محمّداً وعليّاً، فلم يزالا نورين أوّلين، إذ لا شيء كُوّن قبلهما)
  • من خلال الإشارات السريعة إلى كلّ هذه النصوص وكلّ هذه المضامين والحقائق والبيانات، نجد أنّ كلّ هذه المضامين هي في أجواء حديث الكساء، وحديث الكساء حديث فاطمي جرى في بيت فاطمة، وفاطمة كانت المحور في كلّ تفاصيل هذا الحديث، وكل رموز هذا الحديث موجودة في زيارتها الشريفة.
  • ● أشار النبي في حديث الكساء إلى نوريّتهم الواحدة في حديث الكساء حين قال: (الّلهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي وحامَّتي لحمهم لحمي ودمُهم دمي، يؤلمني ما يُؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمَن حاربهم، وسلْم لمَن سالمهم، وعدوٌ لمَن عاداهم، ومُحبٌ لمن أحبهم، إنّهم منّي وأنا منهم) هذا التفصيل يتناسب مع هذا العالم (في هذا العالم يُوجد دم ولحم، ويوجد ألم وحزن، ويوجد حرب وسلم، وتوجد عداوة ومحبّة)
  • ● قول النبي الأعظم (فاجعل صلواتك وبركاتك..) هذه صلوات خاصّة.. وليست كالصلاة التي يُصلّي الله فيها وتُصلّي الملائكة معه، فصلوات الملائكة هنا لم تُذكر لأنّ هذا المجلس مجلس خاصّ، وحتّى التطهير المذكور في حديث الكساء يختلف عن كلّ معاني التطهير التي يتحدّث عنها المفسرّون وعلماء الكلام، فهو تطهير خاصّ من الله بشكل مباشر دون وسائط، وهذا المعنى موجود في زيارات سيّد الشهداء وفي زيارات الأئمة، والتطهير المذكور في زيارة الزهراء ما هو إلّا صدىً لهذه الطهارة التي لا نعرف معناها.
  • ● وقفة عند حديث النبي الأكرم في [تفسير الإمام العسكري] والتي تُشير إلى محورية الزهراء في الآخرة:
  • (إنّ الله تعالى إذا بعث الخلائق مِن الأوّلين والآخرين نادى منادي ربّنا مِن تحت عرشه: يا معشر الخلائق غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين على الصراط. فتغض الخلائق كلّهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط، لا يبقى أحد في القيامة إلّا غضّ بصره عنها إلّا محمّد وعليّ والحسن والحسين والطاهرون مِن أولادهم فإنّهم أولادها، فإذا دخلتْ الجنّة بقي مرطها – ما تلتحف به النساء – ممدوداً على الصراط، طرفٌ منه بيدها وهي في الجنّة، وطرف في عرصات القيامة. فينادي منادي ربّنا: يا أيّها المُحبّون لفاطمة تعلّقوا بأهداب – أطراف – مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين، فلا يبقى محبّ لفاطمة إلّا تعلّق بهدبة مِن أهداب مرطها، حتّى يتعلق بها أكثر مِن ألف فئام وألف فئام، قالوا: كم فئامٌ واحد؟ قال: ألف ألف ينجون بها من النار).
  • ألا تلاحظون أنّ الأحاديث كلّها تدور وتدور وتجعل فاطمة هي المُنجية الراعية المُعينة الشفيعة.. وهذا المضمون رمزيته واضحة في حديث الكساء، فهي الراعية لرسول الله وللمجلس، وهي المكمّلة للمجلس، وهي التي حدّثتنا عن هذا المجلس، وحين سأل جبرئيل وكان الجواب من قِبل الله تعالى قال: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) ومرّت الإشارة يوم أمس عن رواية الإمام الصادق في معراج النبي، والتي جاء فيها – والخطاب من الله تعالى لنبيّه الأعظم- يقول: (فقال له: اقرأ {قلْ هو الله أحد} كما أُنزلتْ، فإنّها نِسبتي ونعتي..) إلى أن يقول: (ثمّ قال لي: اقرأ {إنّا أنزلناه} فإنّها نسبتكَ ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة..)
  • ● وقفة عند سورة التوحيد:
  • الكلمة الأصل الجامعة في سورة التوحيد هي الضمير (هو) ضمير الشأن.. {قل هو الله أحد*الله الصمد…} التفصيل الذي ورد في هذه العبائر من سورة التوحيد هو للضمير (هو)، وهذه السورة أُنزلت للمُتعمّقين في آخر الزمان كما يقول إمامنا السجاد في الكافي الشريف.
  • ● وقفة عند سورة القدر:
  • في قوله تعالى {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} ضمير (هـُ) في أنزلناه هو نفس الضمير (هو) في سورة التوحيد.. (هذا الضمير الذي يُشير إلى الهويّة الغَيبيّة، إنّها غيب الغيوب)
  • وهذا هو المضمون نفسه الوارد في كلمة النبي الأعظم:
  • (فاطمة بابها بابي وحجابها حجابي) وحرقُ منزلتها هو حرقٌ لدارها، فحرقُ منزلتها أسوأ بكثير من حرق المنزل.. والنبي لعن من يهتك حجابها ويُحرق بابها!
  • ● إذا أردنا أن نُلقي نظرة على الصلوات الخاصّة (صلاة محمّد، وصلاة علي، وصلاة فاطمة) في بدايات مفاتيح الجنان.. هذه الصلوات فيها رمزية واضحة جدّاً:
  • ● صلاة النبي بفاتحة الكتاب وبسورة القدر.
  • ● صلاة عليّ بفاتحة الكتاب وبسورة التوحيد.
  • ● صلاة الزهراء بفاتحة الكتاب وبالقدر والتوحيد. (لأنّها هي القيّمة فهي الحقيقة الجامعة المحيطة، وهي الرابطة بين النبوّة الولاية بلحاظ من الّلحاظات).
  • ● في سورة القدر التي هي في مضمونها قرينة لحديث الكساء الشريف، نقرأ هذه الآية: {تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر}. السورة واضحة تتحدّث عن حكومة تكوينية، وعن إدارة وإشراف على العوالم العلوية فضلاً عن السفلية، فهاهم الملائكة والروح الأعظم قد نزلوا إلى صاحب الأمر (من كلّ أمر).
  • هذا المضمون هو نفس المضمون الموجود في سورة النساء، قوله تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله مِن فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكا عظيماً}
  • سيّدة آل إبراهيم هي فاطمة.. ففاطمة آتاها الله الكتاب والحكمة وآتاها الملك العظيم.
  • ● وقفة عند حديث الإمام الباقر مع بريد العجلي لبيان ما هو الملك العظيم المذكور في سورة النساء آية 54: (قال: قلتُ: {وآتيناهم ملكا عظيما} قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومَن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم)
  • ● رواية أخرى (عن أبي بصير عن أبي جعفر في قول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيما} قال: الطاعة المفروضة) هذه الآية تثبت الولاية لفاطمة بكلّ معانيها (الولاية الكونية، الأرضية، السياسية…) والمضمون الموجود في سورة القدر يلتقي مع هذا المضمون
  • ● إذا ما جمعنا مضامين حديث الكساء مع مضامين سورة القدر مع الآية 54 من سورة النساء، إذا جمعنا كلّ هذه المعاني فسنجد أنّ فاطمة إماماً وإماماً للأئمة كذلك.

  • وقفة تعرض ملخّص لِما جاء من مطالب في هذه الحلقة.

تحقَق أيضاً

أسئلةٌ وشيءٌ من أجوبة … – الحلقة ١٣

يازهراء …