الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٤٠ – لبّيك يا فاطمة ج٥٧ – فاطمة القيّمة ق٣ Show Press Release (17 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 140 – لبّيك يا فاطمة ج57 – فاطمة القيّمة ق3 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (12٬063 More Words) يازهراء بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم سَلَامٌ عَلَيك يَا وَجْه الله الَّذِيْ إِلَيهِ يَتَوجَّهُ الأَوْلِيَاء… بقيَّةَ الله… مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَك وَمَا الَّذِيْ وَجَدَ مَنْ فَقَدَك؟!… الْحَلَقَةُ الأَرْبَعُون بَعد الْمِئَة لَبَّيكِ يَا فَاطِمَة الجُزْءُ السابع والخَمسوُن فَاطِمَة القَيِّمَة – القِسم الثَّالِثْ سَلَامٌ عَليْكُم إِخْوَتِيْ أَخَوَاتِيْ أَبْنَائِيْ بَنَاتِيْ … لا زلنا في مجموعةِ حلقاتِ: لبَّيْكِ يَا فَاطِمَة …!! والعُنوانُ الَّذي بَينَ يَديّ هُو نَفسهُ الَّذِيْ تَقَدَّم فِي الحَلْقَتَينِ السَّابِقَتَين: فَاطِمةُ القَيِّمَة صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عليها..!! حديثنا بشكلٍ عام هو في أجواءِ منزلتها صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها الَّتي أُحرِقت، المنزلةُ الَّتي أحرقها المنهجُ الأَبتر في الوَسط الشِّيعيَّ، لنْ أُعيدَ مَا تَقدَّم مِن كَلامٍ فالمطالب وفيرةٌ والمسائلُ كثيرة. بيَّنتُ في الجزءِ الأخيرِ من الحلقةِ السَّابقة من أين جِئتُ بهذا العُنوان: فَاطِمَةُ القَيِّمَة؟ وضَّحتُ لكم، هذا العنوانُ مأخوذٌ نصَّاً من الكتاب الكريم ومن أحاديث العترة الطاهرة، حين نقول القَيِّمَة، فاطمةُ القَيِّمَةُ على الدِّين: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، كما جاء في سورة البَيِّنة، حين نقول القَيِّمَة ذلك يعني أنَّها حَاضرةٌ ومُتابعة وإلَّا لنْ تَكونَ قَيِّمة، فلابُدَّ أنْ تكونَ حاضرة وناظرة وفي نفس الوقت مُتابِعة، تُتابِعُ الأمور وترعاها وتُشرِفُ عليها، والمآلُ يكونُ إليها وإلَّا لنْ تَكونَ قَيِّمة، المضمون العام المُجمَل للقَيِّمة هو هذا، القَيِّمَةُ هي صاحبةُ القَيمومة، وصاحبةُ القَيمومة يَعني أنَّها حَاضرة ونَاظرة في نَفس الوقت، تُتابع وتُشرِف وترعَى وتُكمِل النَّقص إلى سائر التفاصيلِ الَّتي تَرتَبطُ بِما لها القيمومةُ عليه، فهي صاحبةُ القيمومة على الدِّينِ وعلى أهل الدِّين، وهَذا يَعني أنَّ لها حضوراً في كُلِّ شؤوناتِ الدِّينِ وشؤوناتِ أهلِ الدِّين، الحضور الَّذي يَتناسبُ معَ هَذه الصِّفة، معَ صِفة القَيِّمَة. إشاراتٌ سريعةٌ يمكننا أنْ نتلمَّس من خلالها هذا المعنى، معنى الحضور فهي حاضرة ومُشرفة ومتابعة، إذا ما ذهبنا إلى زيارتها، وهذا هُو مَفاتيحُ الجِنان: زِيَارَةُ الصدِّيقة الطاهرة، ماذا نقرأُ في زيارتها الشَّريفة؟ آخذُ لقطتين، هاتان اللقطتان تُشيرانِ بشكل واضح إلى حضورها وإلى ناظريَّتِها وأنَّها تُتابع وتُشرِف، في بداية الزيارة ومرَّ هذا الكلام: (وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُون لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ وَوَصِيَّهُ فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، هذا الخِطاب لَيسَ مخصوصاً بزمانٍ مُعيَّن، أو بمكانٍ مُعيَّن، أو بمناسبةٍ مُعيَّنة، أو بِحَدَثٍ مُعيَّن، أو بِشخصٍ مُعيَّن، هذا الخِطاب لَيس مُقيَّداً بِحَدَثٍ أو بمناسبةٍ أو بزمنٍ مُشخَّص، هذا الخطاب خطابٌ مفتوح، لِكُلِّ الزَّمان، لِكُلِّ المكان، ولِكُلِّ النَّاطقين، لِكُلِّ عاقلٍ ناطق، للجميع، فحينما نُخاطبها في أيِّ جِهةٍ من جهات هذا العالم ونقول لها:- فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا – عملية الإلحاق هذهِ عملية إلحاق فعليّة على أرض الواقع، فَنحنُ كَائنات تَمتلكُ وُجوداً مَاديَّاً على أرضِ الواقع نُخاطِبُ الزَّهراء ونَحملُ عقيدةً كما بيَّنت الزِّيارة، ونُريدُ من الزَّهراء أنْ تُلحِقنا فعلاً – إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا – ماذا يترتب على ذلك؟ – لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ – يا زهراء، عمليّة تطهير. هذهِ التفاصيل تقتضي أنَّنا نُخاطِبُ جهةً حاضرة، وأنَّنا نُخاطِبُ جهةً ناظرة في نفس الوقت تتابع وتُشرف وتقبل وترفض وتُسبِغُ الطهارةَ وتمنعُها، فهي الفَاطِمةُ المفطومة، من معاني الفَاطِمَة في كلماتِ أهل البيت أنَّها مفطومةٌ عن الشَّر، هي جوهرُ الخَير، لو كَان الحُسْنُ شَخَصاً أو صُورةً لكَانَ فَاطمة، لماذا؟ لأنَّ فاطمة حقيقةٌ مفطومة عن الشَّر، فهي مفطومةٌ عن الشر وفاطمةٌ عن الشَّر، هي ذاتٌ مفطومةٌ وذاتٌ فاطِمة، فَطَمَت ذُرِّيتَها، فطمت شِيعتَها، فَطمت الفاطميّين عن النَّار، فطمتهم عن الشَّر، هذهِ العملية عمليّة لها آثارُها على الواقع الخارجي، وفي الواقع الخارجي، فلابُدَّ من حضورٍ في الواقع الخارجي، ولابُدَّ من مُتابعةٍ في الواقع الخارجي، وهذهِ الحالةُ خاصَّةٌ بفاطمة، لا يَعني أنَّ الأَئِمَّة بَعيدونَ عَن هَذا الوَصف، ولكن هذهِ الوظيفة بحسبِ منظومة العقيدة الشِّيعيَّة هذهِ الوظيفة وظيفةُ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، هي القَيِّمَةُ على الدين فلابُدَّ من حضورها، ولابُدَّ من ناظريّتها، وهذا هو الَّذي تتحدَّثُ عنهُ الزِّيارة، الزِّيارةُ لا تتحدَّث عن معانٍ في عالم الخيال، أو عَن مَعانٍ هي خَارج الواقع، هذهِ العبارات واضحة وصريحة: فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا – عملية الإلحاق في العالم الدنيوي، عملية الإلحاق في الواقع المادي الخارجي – إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيِقنَا لَهُمَا لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا – بأي شيءٍ؟ عملية تطهير، تطهير مادّي – بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ – لذلك هذهِ الصُورة صورة واضحة، بل هي مَجموعة صور، مجموعة صور مُركبَّة، كلُّها تقول: إنَّ فاطمة حاضرة وناظرة، تلك هي فاطمة الَّتي أتحدَّثُ عنها، إنَّها القَيِّمَة. في نفس الزِّيارة أيضاً ونَحنُ نُسلِّمُ على الصدِّيقة الكُبرى فنقول:- وَحَبِيبَةِ الْمُصْطَفَى وَقَرِينَةِ الْمُرْتَضَى وَسيِّدة النِّسَاء – هذهِ الأوصاف يُمكن أنْ تكون في عالمٍ لا يُشترَطُ فيه الحضور في هذا العالم الدنيوي، ولكن هذه الصِّفة:- وَمُبَشِّرَةِ الأَوْلِيَاء – إنَّها تُبشِّر الأولياء! هذهِ الصِّفة هذه تعني الحضور، خصوصاً إذا جمعناها مع ما تقدَّم من الزِّيارة، ماذا قالت الزِّيارة؟ – لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا – عملية التبشير هذهِ من أين تأتي؟ تأتي من خِلال المبشِّرة، مُبَشِّرة الأولياء ؛ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيِقنَا لَهُمَا – لهما لمُحَمَّد وعليٍّ صلَّى اللهُ عليهما وآلهما – لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ – هذا المضمون هُوَ هُوَ – وَمُبَشِّرَةِ الأَوْلِيَاء – هذا من أوصافها ومن أسمائها، عمليةُ التبشير هذه تحتاجُ إلى حضور، تحتاجُ إلى مُتابعة، وتحتاجُ إلى عناية ورعاية بأوليائها. إذا ذهبنا إلى تَفسير فُرات وقرأتُ عليكم النَّص المهمّ المرويّ عن إمامنا الصَّادق بخصوصِ سورة القدر، هذا هو تفسير فرات، منشورات دار الكتاب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1992 ميلادي، وهذه الصَّفحة 581، لنْ أتناول كُلَّ الرِّواية بالشَّرح مثل ما كان الحديث عن الزِّيارة أيضاً آخذُ لقطتين من هذا النَّص: اللقطة الأولى: إمامنا الصَّادق يقول:- ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ اللَّيلَةُ فَاطِمَة والقَدْرُ الله فَمَن عَرَفَ فَاطِمَة حقَّ مَعرِفَتِها فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ القَدْر – ليلةُ القدر حقيقة، والحديث هنا عن عالمٍ من الحقائق، ليلةُ القدر تأتي في كُلِّ سنة، وحين تَأتي في كُلِّ سنة فهذهِ الليلة كُلُّ الليالي والأيَّام تَرتبطُ بها، لماذا؟ لأنَّ كُلَّ التقدير يخرجُ من هذهِ الليلة، تقديرُ الليالي والأيَّام الأخرى، تَقديرُ نفس الليالي والأيَّام يأتي من هذهِ الليلة، فضلاً عن الأحداث الَّتي تجري فيها، فالأيَّامُ والليالي بحاجةٍ إلى تَقدير، تَقديرُ الأيَّام والليالي وتَقديرُ ما يجري في الأيَّام والليالي هو صادرٌ من هذهِ الليلة، فهذهِ الليلةُ في الحقيقةِ موجودةٌ في كلِّ يوم وفي كُلِّ ليلة! وحين يقول إمامنا الصَّادقُ: الليلةُ فاطمة، هو لا يتحدَّثُ عن مقطعٍ زمانيٍّ بما هُوَ هُوَ، إنَّهُ يتحدَّثُ عن الحقيقة الحاضرة، يتحدَّثُ عن الحقيقة الحاضرة والنَّاظرة. وهذه الصورة تتجلَّى أكثر حين نقرأ في قول الإمام الصَّادق: (والرّوُح)، الروح الَّذي يتنزَّلُ مع الملائكة وما هو من الملائكة، كلمات أهل البيت صريحةٌ من أنَّ الرُّوح الَّذي يتنزَّل مع الملائكة هو خلقٌ أعظمُ من الملائكة، وإلَّا لو كان من الملائكة فإنَّهُ يدخل في نفس تسمية الملائكة، الروح جَاء معزولاً عن الملائكة لأنَّهُ ليسَ من جنس الملائكة، هو خلقٌ أعظم من الملائكة، ماذا يقول إمامنا الصَّادق؟ (وَالرُّوُحُ القُدُس هِي فَاطِمَة) هذا الرُّوح يتنزَّلُ بِكُلِّ أمر ومن كُلِّ أمر، من كُلِّ أمرٍ ما يَرتبطُ بِتقديرِ وجودِ العِباد، بِتقديرِ بقاءِ العباد، بتقديرِ الفَيض النَّازل على العباد، بتقديرِ العَطاءِ والمنع، بِتقديرِ كُلِّ الشؤونات الَّتي تَرتبطُ بالكَائنات، أو على الأقلّ الَّتي تَرتبطُ بعالَمِنا هذا، قطعاً في كُلِّ عالَمٍ هُناك ليلةُ قدر ولكنَّنا نَحنُ الآن نتحدَّث عن ليلة قدرِنا، وفاطمةُ هي ليلةُ القدرِ في كُلِّ عالم، ماذا قال إمامنا الصَّادق؟ قال: (وَالقَدْرُ الله)، ليلة القدر، الليلة فاطمة والقدرُ الله. فهناك ليلةٌ للقدرِ في كُلِّ العوالم، وهي ظهوراتٌ لفاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، ولكنَّنا نحنُ نتحدَّث هنا عن ليلةِ قدرِنا، حيث تتنزَّلُ الملائكة والروح، كما قال إمامُنا الصَّادق: الرُّوح المتنزِّل مَظهرٌ من مظاهر فَاطمة، والرُّوح المتنزِّل هنا من كُلِّ أمر، وبِكُلِّ أمر، تبقى تفاصيل الحياة مُرتبطةٌ بهِ مُرتبطةٌ بهذا الروح، أمَّا الملائكةُ فإنِّهُم عُمَّالٌ ومُوظَّفون، الزَّعامةُ والإحاطة والحضورُ والنَّاظرية لهذا الرُّوح لذلك كان مُميّزاً عن الملائكة، أمَّا الملائكة فهم عُمَّال مُوظَّفون، مُنفِّذون، الإحاطة والإشراف والحضور هو لهذا الروح، وهو مَظهرٌ من مظاهر فاطمة، وهذا الحضورُ يتناسبُ مع اللَّيلة، أمَّا الحضورُ الَّذي تحدَّثت عنه زيارتُها فهو حضورٌ يتناسبُ مع أحوالِنا وأوضاعِنا، حضورٌ يتناسبُ مع الدين الَّذي هي قَيِّمتُهُ، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. هذا كامل الزِّيارات لشيخنا ابن قولويه رحمةُ اللهِ عليه: وهذه الطَّبعة النَّاشر مكتبة صدوق، طهران، إيران، إذا نذهب إلى الباب السَّادس والعشرين، صفحة 84، والرِّواية مُفصَّلةٌ، هي الرِّواية السَّادسة: عَن زُرَارة، عَن إِمَامنا الصَّادق، ماذا جاء فيها؟ إمامنا الصَّادق ماذا يقول؟ يقول:- وَمَا مِن عَينٍ أَحَبُّ إِلَى الله وَلَا عَبْرَةٌ مِن عَينٍ بَكَت وَدَمَعَت عَلَيه – أي على الحُسين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، كاملُ الزِّيارات، كما أُردِّد دائماً كاملُ الزِّيارات هو الرِّسالةُ العمليَّةُ للحُسينيين، زُرارة يُحدِّثُنا عن إمامنا الصَّادق:- وَمَا مِن عَينٍ أَحَبُّ إِلَى الله وَلَا عَبْرَةٌ مِن عَينٍ بَكَت وَدَمَعَت عَلَيه وَمَا مِن بَاكٍ يَبْكِيه – هذا الباكي الَّذي يبكيه أين؟ في الواقع الخارجي – وَمَا مِن بَاكٍ يَبْكِيه إِلَّا وَقَد وَصَلَ فَاطِمَة وَأَسْعَدَهَا عَلَيه وَوَصَل رَسُولَ الله وَأَدَّى حَقَّنَا – لكن ما قالت الرِّواية وأسعد رسول الله، لأنَّ من وصل فاطمة فقد وصل رسول الله، أمَّا أسعدها، هذا التعبير أسعدها، يعني أعانها، يعني ساعدها، يعني شاركها، وذلك يُشير إلى حُضورِها، إلى الحضور الَّذي يتناسب مع شأنها، ومع حالها في مقام القَيمومة، في مقام القيمومةِ على الدِّين – وَمَا مِن بَاكٍ يَبْكِيه إِلَّا وَقَد وَصَلَ فَاطِمَةَ وَأَسْعَدَهَا عَلَيه وَوَصَل رَسُولَ الله – وما قالت الرِّواية وأسعدهُ، لأنَّ الإسعاد هنا لفاطمة لأنَّها هي الحاضرة، الحاضرة بحسب وظيفتها! بحسب موقعها في منظومة العقيدة الشِّيعيَّة! هذا المعنى الَّذي يتردَّد على ألسنة الحُسينيِّين وحتَّى على ألسنة الشِّيعة عُموماً من أنَّ الصدِّيقة الطاهرة تحضَرُ مجالسَ ولدِها الحُسَين، لماذا التركيز على الصدِّيقة الطاهرة؟ هذا الكلام لم يكُن قَد نَشأ جُزافاً، هَذه حَقيقة، هَذه حَقيقة نشأت من مُعطياتٍ في واقع الوجدان العقائدي الشِّيعيَّ، دائماً يقولون فاطمة تَحضَر وصاحبُ الزَّمان لماذا؟ صاحبُ الزَّمان موجودٌ في هذا العالم، في عالمنا الدنيوي، لماذا الزَّهراء تَحضَر دائماً، هذهِ هي حقيقة، صَحيحٌ أنَّ الشِّيعة سَطَّحوا الفهم فتصوَّروا أنَّ الزَّهراء هي أُمٌّ تَبحثُ عن مَجالس يُذكَرُ فيها ولدُها وهي تُريد أنْ تبكي على ولدها، أُمٌّ حزينة، هذا تسطيح للمعنى، حُضُور الصدِّيقة الطاهرة حضورٌ دائم ليس فقط في مجالس الحُسَين، في كُلِّ شيء، في كُلِّ حالٍ من الأحوال، لكن هذا الحضور لهُ درجات ولهُ مراتب، في مجالس الحُسين هُناك خُصوصية في هذا الزَّمانِ والمكان… أُقرِّبُ لكُم الفكرة، حينما نقول والقول ليس من عندنا بل هو كلماتهم الشَّريفة، أميرُ المؤمنين حين يقول: (كُنْتُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ بَاطِنَاً وَمَعَ رَسُولِ الله ظَاهِرَاً، كُنْتُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ سِرَّاً وَمَعَ رَسُولِ الله عَلَنَاً)، الأمير صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه كَان معَ الجميع، مع الأنبياء وغيرهم، لأنَّ الرِّوايات تُحدِّثُنا من أنَّ الملائكة خُلِقت من نورهِ والملائكةُ معَ الجميع، والملائكةُ عنوانٌ للنُّفوس، فكلُّ النُّفوسِ خُلِقت من نورهِ، لهُ ظهورٌ في باطن كُلِّ الأشياء ولكن مع كل شيءٍ بحسبهِ، تحدَّث عن الأنبياء لأنَّ هذه المظاهر لها خُصوصيَّتُها، وعلاقتُها بهِ تختلفُ عن علاقةِ سائرِ الأشياء بهِ، الحديثُ هنا مثالٌ أوردتُهُ لتقريب الفكرة. فالزَّهراء حاضرةٌ في كُلِّ الأحوال لأنَّها القَيِّمَة على الدين، والدينُ برنامجٌ لكُلِّ الأحوال، ليس خاصَّاً بالجو الحُسيني، لكنَّ الأجواء الحُسينيَّة لها خصوصيّتها، من هنا يكون الحديث عن حضورِها، وهذا الحديث لم ينشأ جُزافاً كما قُلتُ قبل قليل، نشأ من داخل الوجدان العقائدي الشِّيعيَّ، والقضيَّةُ تَستندُ إلى مُعطيات، إلى معطيات منها ما يرتبطُ بأحاديثهم الشَّريفة ومنها ما يَرتبطُ بانكشافِ هذا الأمر لشيعتِها، في مواطن كثيرة جدَّاً جاء الحديثُ عن حضورها لأنَّها كَشفت السِّتارَ عن حُضورها في مثل هذهِ المواطن، بينما في المواطن الأخرى وهي حاضرةٌ في جَميع المواطن المرتبطة بالدِّين فهي القَيِّمَةُ على الدِّين، والدِّينُ بَرنامجٌ لِكُلِّ المواطن، لم تَكشف عن حضورِها، لكنَّ الحقائق والنُّصوص والمنظومة العقائديّة هي الَّتي تَتحدَّثُ عَن هَذه المضامين. الرِّواية السابعة يَرويها لنا أبو بصير عن إمامنا الصَّادق، الرِّواية طويلة أذهب إلى موطن الحاجة – ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أبَا بَصِير أَمَا تُحِبّ أَنْ تَكُون فِيْمَن يُسْعِدُ فَاطِمَة – أمَا تُحِبّ أنْ تكون فيمن يُسعدُ فاطمة، هذا اللَّحن وهذا الحديث وهذهِ العبارة هذا التعبير: (يُسعِد) مع الرِّواية السابقة مع عددٍ كبيرٍ من النصوص تتحدَّثُ في مثل هذهِ المضامين هذا يُشعِرنا بالحضور القريب وبالنَّاظرية، كما قُلت القَيِّمَةُ حاضرةٌ ناظرة – ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أبَا بَصِير أَمَا تُحِبّ أَنْ تَكُونَ فِيْمَن يُسْعِدُ فَاطِمَة. إذا ما ذهبنا إلى الباب السَّابع والعشرين وإلى الرِّوايةِ السَّادسةِ بعد العاشرة، ينقلها لنا عبد الملك ابن مُقَرِّن عن إمامنا الصَّادق، الرِّواية طويلة فقط أُشير إلى موطن الحاجة منها، كما قُلت الرِّوايةُ في الباب السَّابع والعشرين من كَامل الزِّيارات، وهي الرِّوايةُ السَّادسةُ بعد العَاشرة، إمامنا الصَّادق يُخاطِب عبد الملك ابن مُقرِّن – إذَا زُرْتُم أبَا عَبدِ الله – والخطابُ لنا جميعاً – إذَا زُرْتُم أبَا عَبدِ الله – يتحدَّث عن سيِّد الشُّهداء – إذَا زُرْتُم أبَا عَبدِ الله فَالْزَمُوا الصَّمْت إِلَّا مِن خَير – أي انتبهوا إلى ألفاظكم – إذَا زُرْتُم أبَا عَبدِ الله فَالْزَمُوا الصَّمْت إِلَّا مِن خَير – راقبوا أنفسكم، كما قلت الرِّواية فيها تفصيل، لكنَّني أُريد أن أذهب إلى اللقطة أو الصورة الأهم، هو يتحدَّثُ عن الصدِّيقة الطاهرة، فيقول:- وَإِنَّها لَتَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَضَر مِنْكُم – وإنَّها لتنظرُ إلى من حَضَر منكم كما قُلت هي حاضرة وناظرة – وَإِنَّها لَتَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَضَر مِّنْكُم فَتَسألُ الله لَهُم مِن كُلِّ خَير – لذلك هذا الأدب مأخوذ بلحاظِ فَاطِمَة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها لأنَّها حاضرة وناظرة، ماذا قال إمامنا الصَّادق هنا؟ – إذَا زُرْتُم أبَا عَبدِ الله فَالْزَمُوْا الصَّمْت إِلَّا مِنْ خَير – ماذا يترتَّب على ذلك؟ الرِّواية جاء فيها – وأنَّ فَاطِمَة إِذَا نَظَرت إِلَيهِم وَمَعَهَا أَلفُ نَبِيّ وَأَلْفُ صِدِّيق – إلى آخر ما جاء في الرِّواية إلى أنْ تقول الرِّواية:- وَإِنَّها لَتَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَضَر مِّنْكُم – في العالم الأرضي هُنا نحنُ، نحنُ الَّذين نُريد زيارة الحُسين – وَإِنَّها لَتَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَضَر مِّنْكُم فَتَسألُ اللهَ لَهُم مِنْ كُلِّ خَير. والمضامينُ على نفس هذهِ الذَّائقة، على نفسِ هذا اللَّحن وفيرةٌ في أحاديثِ أهلِ بيت العصمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين، كلُّها تتحدَّث عن مضمونِ معنى القيمومة، عن معنى القَيِّمَة، وهي الحاضرةُ النَّاظرة. الكتابُ الَّذي بين يديّ هو (وسائل الشِّيعة): للحرِّ العاملي، كتابٌ مشهورٌ معروف، من منشورات المكتبة الإسلامية، طهران، إيران، وهذا هو المجلَّد الرَّابع عشر،كتابُ النِّكاح، صفحة 388، والحديثُ عن إمامنا الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه – لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ثِنْتَين مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة – الحديث عن الجمع في الزَّواج – لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَع بَيْنَ ثِنْتَين مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة عَلَيهَا السَّلام – لماذا؟ ماذا يقول إمامُنا الصَّادق؟ – إِنَّ ذَلِك يَبْلُغُها فَيَشقُّ عَلَيهَا، قُلتُ: يَبْلُغُها؟ قَال: إِيْ وَالله – أعتقد الرِّواية واضحة ولا تحتاجُ إلى شرحٍ وتفصيلٍ كثير، لحنُ الرِّواية يُشير إلى حضورِ فاطمة، وإلَّا إذا كان المراد العِلم الكامل فهم يعلمون بما كان وما يكون وما هو كائن ولا أثرَ ولا تأثيرَ لأفعالنا ولأقوالنا عليهم من هذهِ الجهة، وإنَّما يكونُ هذا التأثير: (يَبْلُغُها فَيَشقُّ عَلَيهَا)، لأنَّ القضيَّة تَرتبطُ بحضورِها وناظريَّتِها في هذا العالم الَّذي نعيشُ فيه. أقرأ لكم الرِّواية:- لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَع بَينَ ثِنْتَين مِنْ وُلْدِ فَاطِمَة – بغضِّ النَّظر هل الرِّواية ناظرة إلى الحرمة، ناظرة إلى الكراهية، بحسب اختلاف آراء الفقهاء الشِّيعة في ذلك، أنا أتحدَّث هُنا عن هذه القضيَّة أنَّ الأمر يبلُغها، هذا الأمر يصل إليها فيشقّ عليها، فيؤذِيها ذلك، لسان الرِّواية واضح يتحدَّث عن حضورها الَّذي يتناسب مع هذا العنوان: القَيِّمَة، قَيِّمة الدِّين، فهي حاضرةٌ وناظرة ولذلك يصلُ إليها ما يصل إليها. هذا كتاب (العوالم): وهذا المجلَّد الثَّاني من عوالم الصدِّيقة الطاهرة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، مؤسَّسة الإمام المهديّ، قُم المقدَّسة، صفحة 1145، الرِّواية:- عَن المفَضَّل ابن عُمَر، عَن إِمَامِنَا الصَّادق – ماذا قال إمامنا الصَّادق؟ – إذَا كَانَت لَكَ حَاجة إِلى الله وَضُقْتَ بِها ذَرْعاً فَصَلِّ رَكْعَتَين، فَإذا سَلَّمتَ كَبِّر الله ثَلاثاً وَسَبِّح تَسْبِيحَ فَاطِمة، ثُمَّ اسْجُد وَقُلْ مِئة مَرَّة يَا مَولَاتِي يَا فَاطِمَة أَغِيثِيني، ثُمَّ ضَع خَدَّك الأَيمَن عَلَى الأَرض وَقُلْ مِثل ذَلِك، ثُمَّ عُد إِلَى السُّجُود وَقُل ذَلِك مِئَة مَرَّة وَعَشَر مَرَّات واذْكُر حَاجَتَك فَإنَّ الله يَقْضِيهَا – هناك أكثر من صلاة، لحنُ هذهِ الصَّلوات ولحنُ هَذا الخِطاب – إذا كَانت لَكَ حَاجةٌ إِلى الله وَضِقْتَ بِها ذَرْعاً – أنت موجود على أرض الواقع والحاجة تُلازمُك، فتقوم بِهذا الطَّقس، تُصلِّي ركعتين وبعد ذلك بَعد أنْ تُسبِّح تَسبيح فَاطمة – اسْجُد وَقُلْ مِئة مَرَّة يَا مَولَاتِي يَا فَاطِمَة أَغِيثِيني – هذهِ التعابير ليست لوحدها، مع القرائن المتقدِّمة، مع المضامين الَّتي أَشرتُ إليها ومضامين أُخرى كَثيرة سيكون لحنُها مُنسجماً معَ لحنِ بَقِيَّة تِلكُم الأحاديث وتِلكُم الحقائق الَّتي مرَّت الإشارةُ إليها فالخطابُ لحاضرةٍ ناظرةٍ: (يَا مَولَاتِي يَا فَاطِمَة أَغِيثِيني)..!! ويعضُدُ هذا المعنى ما سَنَّهُ لنا إمامُنا الباقِر صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه والرِّوايةُ في الكافي الشَّريف وأنا أقرأُها هنا من عوالم العلوم، صفحة 1146، الرِّوايةُ جاءت في الكافي الشَّريف، في الجزء الثامن في الروضة – عَنْ عَليّ اِبن أَبِي حَمْزة، عَنْ أَبي إِبْرَاهِيم – عن إمامنا الكاظم – فِي حَدِيثٍ قُلْتُ: جُعِلتُ فِدَاك، إِنْ أَذِنْتَ لِي حَدَّثْتُك بِحَدِيثٍ عَن أبِي بَصِير عَنْ جَدِّك – عن جَدِّه يعني عن الإمام الباقر – أنَّهُ كَانَ إذَا وَعَكْ – إذا وَعَك يعني أصابتهُ الحُمى – أنَّهُ كَانَ إذَا وَعَك اِسْتَعَانَ بِالْمَاءِ البَارِد كَي يُطْفِئ حَرَارةَ الحُمّى فَيَكُونُ لَهُ ثَوْبَان ثَوبٌ فِي الْمَاء البَارِد وَثَوبٌ عَلَى جَسَده يُرَوِاحُ بَينَهُمَا – يعني يُنَقِّع الثَّوب في الماء البارد حتَّى يتشبَّع فيلبسهُ، وبعد ذلك حينما تنتفي وتنتهي برودته ينزع هذا الثَّوب ويلبس الثَّوب الثاني المُنقَّع – فَيَكُون لَهُ ثَوْبَان ثَوبٌ فِي الْمَاء البَارِد وَثَوبٌ عَلَى جَسَده يُرَوِاحُ بَينَهُمَا ثُمَّ يُنَادِي حتَّى يُسْمَعَ صَوتُه عَلَى بَاب الدَّار – يعني الَّذي يقف في الشَّارع قريباً من باب الدَّار يسمع صوت الإمام، ماذا ينادي؟ – يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّد – الإمام الكاظم يقول لعليّ ابن أبي حمزة – صَدَقْت – هذا الكلام صحيح مثلما قال أبو بصير وروى عن جدّي الباقر – فَقَال: صَدَقْت – هذا المضمون ينسجم مع المضمون السَّابق، الاستغاثةُ بفاطمة بِكُلِّ أشكالِها – يَا فَاطِمَةُ بِنتَ مُحَمَّد – ربما للأمر رمزيةٌ وعلاقة فإنَّ الحُمَّى كما في الأحاديث هي حظُّ المؤمنِ من نار جهنم، وفاطمةُ هي الَّتي تَفطمُ ذُرّيتَها وشيعتَها عن النَّار، تفطمهم أي تقطعهم وتُبعِدهم. هناك زيارة قد يرتبطُ ما جاء فيها بهذا المضمون، هذا هو: (المزار الكبير لابن المشهدي)، لمُحَمَّد ابن جعفر المشهدي، وهذه الطبعة هي الأولى، 1419 هجري قمري، مؤسَّسة النَّشر الإسلامي، بتحقيق جواد القيّومي الاصفهاني، هناك زيارة جامعة أوردها ابن المشهديّ في صفحة 102، زيارة جامعة للأَئِمَّة والتسليم عليهم في كُلِّ موضع وفي كُلِّ يوم، السَّلامُ عَلَى الصِدِّيقَةِ الطَّاهِرة، فماذا تقول هذه الزِّيارة؟ – السَّلَامُ عَلى الطَّاهِرَةِ الحَمِيدَة وَالبَرَّة التَقِيَّةِ الرَّشِيدَة النَّقِيَّةِ مِنْ الأَرْجَاس الْمَبَرَّأةِ مِنْ الأَدْنَاس – إلى أنْ تقول الزِّيارة:- فَاطِمَةِ الأَفْطَام مُرَبِيَّة الأَيْتَام – مكتوب هنا: (فَاطِمَةِ الاِنْفِطَام)، هذا خطأ واضح، التعبير الصَّحيح – فَاطِمَةِ الأَفْطَام مُرَبِيَّة الأَيْتَام – الأيتام جميع يتيم والأفطام جمع فطيم، الفطيم هو الَّذي يُفطَم، فهي فاطمةُ الأفطام، إنَّها فطمت ذُريَّتَها وشيعتَها، وكُلُّ واحدٍ من هؤلاء هو فطيمُ فاطمة، فالصدِّيقة الكُبرى كما في هذه الزِّيارة هي: (فَاطِمَةِ الأَفْطَام ومُرَبِيَّة الأَيْتَام)، لا أُريد أن أشرح هذا العنوان بالتفصيل ولكن بالإجمال لأنَّني سأعود إليهِ في حلقة يوم غد إنْ شاء الله تعالى. فَاطِمَةِ الأَفْطَام؛ الأفطام، جمعٌ لفطيم، والفطيم هو الَّذي فطمتهُ عن النَّار، فطمتهُ عن الشَّر، مُربِّيةُ الأيتام والأيتام جمعٌ ليتيم والأيتام بالعنوان الأوَّل في لحنِ حديثِ آل مُحَمَّد هم أيتامُ آل مُحَمَّد، هم شيعتُهم، المنقطعون عنهم، هذا الوصف وصفٌ لشيعتهم في زمان الغيبة! فهي فاطمةُ الأفطام وهي مُربِيَّةُ الأيتام، وسأعود إلى هذا العنوان وإلى هذا الوصف أقفُ عندهُ شيئاً ما في حلقةِ يوم غدٍ إنْ شاء الله تعالى. أرى أنَّ وقت الأذان النَّجفي باتَ قريباً وقريباً جدَّاً لذا أوقف الحديث وبعد فاصل الأذان النَّجفي سأعود إليكم كي نكمل الحديثَ عن فاطمة الأفطام ومُربِيَّةِ الأيتام عن القَيِّمَة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستَودَعِ فِيهَا … قبل فاصلِ الأذانِ بحسب التوقيت المحلي لمدينة النَّجف الأشرف وصلنا إلى عدَّة نقاط مهمَّة: النُّقطة الأولى: موقعُ فاطمَةَ صلواتُ اللهِ عليها في منظومة العقيدة الشِّيعيَّة الحقّة، إنَّها القَيِّمَة، ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، كما في سورة البَيِّنة، وهو عنوانُ هذه الحلقات: فَاطِمَةُ القَيِّمَة …!! النُّقطة الثَّانية: القَيِّمَة هي صاحبةُ القيمومة، وصاحبةُ القيمومة لابُدَّ أنْ تكون حاضرةً وناظرة. النُّقطة الثَّالثة: حُضورها يتناسبُ معَ هذه الصِّفة من أنَّها قيّمة على الدِّينِ وأهل الدِّين، يُمكنُ أنْ ينكشف حضورها في بعضِ الجهات لخصوصيةِ تِلكَ الجهات أو لمنافع ولحِكَمٍ نَفسُ القَيِّمَةِ هي الَّتي تُشَخِّصُها وعلى أساسِها قد تَكشِفُ عَن حضورها في بعض المواطن، ولكن النَّتيجةُ النِّهائيةُ القَيِّمَةُ حَاضِرةٌ نَاظرة، وقَد عرضتُ بين أيديكم جُملةً من النُّصوص الَّتي يَشتَملُ البعضُ منها على التصريح كما هو الحال في زيارتها الشَّريفة، ويشتملُ البعضُ الآخر منها على التَّلميحِ أو التلويح. هنا وبين يدي حديثُ الكِساء اليماني، حديثُ الكساء الفاطمي: هذا هو كتابُ (مفاتيح الجنان)، الكتابُ المتوفِّرُ في أكثر بُيُوتكم، وقفةٌ بحسب ما يسنحُ بهِ المقام أُشيرُ إلى جملةٍ من المطالب الَّتي تَرتَبطُ بِهذهِ الوثيقةِ الأُمّ في المعرفةِ الزَّهرائيَّة، في بداية الحديث الشَّريف ماذا قال رَسول الله؟ – إِنِّي أَجِدُ فِي بَدَنِي ضُعْفَاً – فهل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله يتحدَّثُ هنا عن مَرضٍ جَسَدي؟ عن ضُعفٍ جسدي؟ عن ضُعفٍ نفسي؟ مثلما أشار إلى ذلك السيِّد الشِّيرازي في شرحهِ لحديث الكِساء الشَّريف ومرَّ الكلام، هذا الكلام يُمكن أنْ يُقبَل ويمكن أنْ يُفهَم من هذهِ العبارة هذا الفهم إذا كان حديثُ الكساء اليماني هو بالمستوى اللغوي العُرفي العادي، لكنَّ حَديث الكِساء الشَّريف حَديثٌ مِن أوَّلهِ إلى آخرهِ يُشِيرُ إلى مَضامين في غَاية العُمق، ولذا كلُّ الملابسات وكُلُّ الجُزئيات لابُدَّ أنْ تُؤخَذ بهذا اللحاظ، على الأقلّ من خلالِ فهمي لهذا الحديث الشَّريف حين يقول رسول الله صلَّى الله عليه وآله: (إِنِّي أَجِدُ فِي بَدَنِي ضُعْفَاً)، إشارة واضحة رُبَّما قَد يُعبَّرُ عنها بالمصطلحات البلاغية بالكناية، ولكِن بِحسبِ مُصطلحات أهلِ البيت الإشارة، هُناك عبارة، وهناك إشارة، وهُناك لطائف، وهُناك حقائق، هذهِ إشارة تُشير إلى طبيعة هذا العالم، فالضُّعف هو من شؤونات هذا العالم، أعني العالم الدنيوي، هذه الواقعة حَدَثت في طبقات وعوالم عديدة، اِصبِروا عليَّ وستتجلّى لكُم الصورة، الواقعةُ في بيتِ فَاطمة، دَخل رَسُول الله، جاءت فاطمة بالكساء اليماني، واجتمعوا تحت الكساء، التفصيل الَّذي تعرفونهُ، هذا التفصيل الَّذي تتحدَّثُ عنهُ هذهِ الألفاظ والَّتي نَقرأُها في مجالسنا، هذا التفصيل الموجود في هذا الحديث إنَّهُ يتحدَّث عن أشخاصهم، نفس الأشخاص الَّذين نزورهم بالزِّيارةِ الجامعة الكبيرة: (عَلِّمني يا ابْنَ رَسولِ الله قَولاً بَلِيغاً كَامِلاً أقُولهُ إذا زُرتُ وَاحِداً مِنكُم)، فالحديثُ الَّذي بين أيدينا يتحدَّثُ عن تفاصيل ترتبطُ بأشخاصهم، نفس الأشخاص الَّذين نزورهم بالزِّيارة الجامعة الكبيرة، يعني هؤلاء هم الَّذين تتجلَّى فيهم كُلُّ الأوصاف الموجودة في الزِّيارة الجامعة الكبيرة، وبعبارةٍ أُخرى هؤلاء هم الَّذين إذا مات مَيِّتُهم فليس بِمَيِّت، وإذا قُتل قَتيلُهم فليسَ بقتيل، هؤلاء هم الَّذين يدورُ هذا الحديثُ عنهم في هذهِ الطبقة. هذا نهجُ البلاغة، أميرُ المؤمنين ماذا يقول؟ في نهجِ البلاغة، وهذهِ الخُطبةُ السَّابعةُ والثَّمانون من خُطَب سيِّد الأوصياء ماذا يقول أمير المؤمنين؟ (أَيُّهَا النَّاس خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّين صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم – خُذُوها، أمير المؤمنين يُحدِّثُنا عن رسول الله – أَيُّهَا النَّاس خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّين صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم إِنَّهُ يَمُوتُ مَن مَاتَ مِنَّا وَلَيسَ بِمَيِّت – (منَّا)، يتحدَّث عن مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّد – إِنَّهُ يَمُوتُ مَن مَاتَ مِنَّا وَلَيسَ بِمَيِّت وَيَبْلَى مَنْ بَلِي مِنَّا وَلَيسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُون – لا تقولوا، لا تُصدِروا الأحكام على أساس احتمالاتٍ تحتملونها، لا تُصدروا الأحكام على أساس ظُنونٍ تَظنّونها، لا تُصدِروا الأحكام هكذا وفقاً لاستحسانات ولآراء تُنتجونها من عند أنفسكم، الأحكام في كُلِّ شيء، في أحكام الدين وفي أحكام الدنيا، في حقائق الأشياء وفي ما ورائيّاتها – فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُون – لماذا؟ أمير المؤمنين ماذا يقول؟ يعطينا قاعدة يقول:- فَإِنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُون – لذلك لا تتعجَّلوا ولا تستعجلوا بالحكم والبيان والشرح والتفسير لحوادث الدين والدنيا..!! – إِنَّهُ يَمُوتُ مَن مَاتَ مِنَّا وَلَيسَ بِمَيِّت وَيَبْلَى مَنْ بَلِي مِنَّا وَلَيسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُون فَإِنَّ أَكْثَر الحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُون) – لو أنَّ الشِّيعة تلتزم بهذه القاعدة لتغيَّرت الأمور كثيراً كثيرا. في حديث المعرفةِ بالنَّورانيَّة ماذا يقول أمير المؤمنين؟ وهذا هو الجزء السَّادس والعشرون من بحار الأنوار، الصَّفحة السَّادسة، أمير المؤمنين يُخاطب سلمان وأبا ذرّ:- يَا سَلْمَانُ وَيَا جُنْدَب – وجُندَب هو اسمُ أبي ذرّ – قَالَا: لَبَّيكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِين، قَال: إِنَّ مَيِّتَنَا لَم يَمُت وَغَائِبَنَا لَمْ يَغِبْ وَإِنَّ قَتْلَانَا لَنْ يُقْتَلُوا – نفس المضمون. الأمير صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه يُريد أنْ يُشير إلى أنَّ هَذهِ الطبقة الَّتي نتلمَّسها بالحواس ما هي النِّهايةُ في هذا العالم، هناك ما وراء هذه الطبقة، هناك شيء آخر، أميرُ المؤمنين يُشير إلى ما وراء هذهِ الطبقة، هذهِ الطَّبقة قِشرٌ ظاهر، وما وراء هذا القِشرِ هُم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين ليسوا محبوسين بهذا القِشر، نحنُ محبوسون بهذا القشر، الحدُّ الَّذي نَصل إليه هو هذا القِشر، غاية ما نَتجاوز هَذا القِشر في أسمى ما يمكن أنْ نصل إليه أنْ نَكتشف حقيقةَ هذا القِشر، وإلَّا فإنَّنا لَن نَستطيع أن نَتجاوز هذا القشر، أمَّا هُم فلهم شأنٌ آخر، إذا مَات مَيِّتُهم فهو لا يَموت، وإذا قُتِل قَتيلُهم فهو لا يُقتَل، هناك قضيَّة تَتَجاوز هذا القِشر، حديثُ الكِساء هذهِ الواقعة ليستَ كالواقعة الَّتي حدثت في بيت أم سَلَمة، الواقعة الَّتي حدثت في بيت أم سَلَمة بحدود هذا القِشر، وهذا هو الَّذي لا يُريد الكثيرون من العلماء، سمِّ ما شئت، لا يريدون أن يفهموه!! ويُقدِّمون ما جرى في بيت أُمِّ سَلَمة من جهة المصداقية والقبول على الَّذي جرى في بيت الصدِّيقة الطاهرة. ما جرى في بيت أُمِّ سَلَمة كان في هذا القِشر، في القِشر الَّذي نحنُ فيه، أمَّا ما جرى في بيت الصدِّيقة الطاهرة فهو يتجاوز هذا القِشر، ولذلك حين نَقرأُ في الحديث، فإنَّ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها تُحدِّثنا من دون أنْ تنقلَ الحديث عن رسول الله، من دون أن تنقلَ الحديث عن أمير المؤمنين، من دون أنْ تنقلَ الحديث عن جبرائيل، مباشرةً تقول بعدما اجتمعوا تحت الكساء وقال رسول الله ما قال: (فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا مَلَائِكَتِي)، هذا الحديث ليس عن هذا القِشر، هذا حديث مُتواصل، هذا المجلس ليس موجوداً في ذلك البيت الصَّغير الَّذي يُرى من خلال الحَواس، صحيحٌ أنّه وقع هذا في هذا البيت المحسوس لكن القضيَّة تتجاوز هذهِ القشور، وهذه هي الطبقة الأولى، أنا لا أتحدَّث عن كُلِّ الطبقات، إنَّني أتحدَّث كما قلت قبل قليل عنهُم أولئك الَّذين نزورهم بالزِّيارة الجامعة الكبيرة، فإنَّنا حين نزور بالزِّيارة الجامعة الكبيرة نُخاطِبُ أشخاصَهم، نُخاطِبُ الأشخاص الَّذين هم في هذا العالم الأرضي، ألفاظُ الحديثِ الَّذي بين يَدي يتحدَّثُ عن هذهِ الطبقة، أمَّا الواقعةُ فَقد جَرت في كُلِّ الطبقات، الَّذي جرى في كُلِّ الطبقات لا علمَ لنا بهِ، نحنُ نتحدَّثُ عن واقعةٍ حدثت في هذه الطبقة، يُمكنُنا أنْ نتلمَّس شيئاً من الإشارات، أنْ نتجاوز هذهِ الطبقة إلى طبقةٍ ثانية، ولكنَّنا نحنُ وهذهِ الطبقة، حيثُ تَروي لنا فاطمة مُباشرةً عن اللهِ سبحانه وتعالى: (فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سُكَّانَ سَمَاوَاتِي …). إذا ما ذهبنا إلى كتاب: (بصائرُ الدرجات)، أُريد أن آتيكُم بمثال، بصورة من حديثهم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين أُقرِّب بها الفكرة، هذا هو بصائر الدرجات لمحَمَّد ابن الحسن الصفار من أصحاب الإمام الحسن العسكريّ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، وهذه الطبعة طبعة مؤسَّسة النُّعمان للطباعة والنَّشرِ والتوزيع، بيروت، لبنان، 1992، الطبعة الثانية، إذا ما أردنا أنْ نقرأ نماذج من حديثهم، على سبيل المثال، الرِّوايةُ السَّابعةُ والعشرون، صفحة 159، من الطبعة الَّتي أشرتُ إليها، إمامنا الصَّادق يُحدِّثُنا عن مُصحف فاطمة، فماذا يقول؟ قال:- مُصْحَفُ فَاطِمَة مَا فِيهِ شَيءٌ مِنْ كِتَابِ الله – كتابُ الله هو تبيان لكلِّ شيء، فكيف ما فيه شيءٌ من كتاب الله؟! لأنَّ الإمام هنا يتحدَّث عن كتاب الله الَّذي يبدو في هذه الطبقة القِشريّة في ظاهرِه – مُصْحَفُ فَاطِمَة مَا فِيهِ شَيءٌ مِنْ كِتَابِ الله وَإِنَّما هُو شَيءٌ أُلْقِي عَلَيهَا بَعْد مَوتِ أَبِيهَا صَلَّى الله عَلَيهِمَا – شيءٌ أُلقِي عليها، كيف أُلقِي عليها؟ تأتينا روايةٌ من الرِّوايات عن إمامنا الصَّادق، صفحة 154، الرِّواية السَّادسة:- إِنَّ فَاطِمَة مَكَثَت بَعْدَ رَسُولِ الله – لاحظوا الرِّواية السَّابقة، ماذا قالت؟ انتبهوا إلى هذه القضيَّة، هذه القضيَّة مُهمَّة جدَّاً: (مُصْحَفُ فَاطِمَة مَا فِيهِ شَيءٌ مِن كِتَابِ الله وَإِنَّما هُو شَيءٌ أُلْقِيَ عَلَيهَا بَعْدَ مَوتِ أَبِيهَا)، الموت القشريّ، مَيِّتُنا يموت وما هو بِميِّت، هذا الموت القشريّ الذي على جَرى على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله، إذاً مُصحف فاطمة بِحسب هذهِ الطبقة الَّتي نحن فيها، بحسب الطبقة المحسوسة، مُصحف فاطمة بعد موتِ رسول الله وهذه الرِّواية صفحة 154، الرِّواية السَّادسة عن إمامنا الصادق:- إنَّ فَاطِمَة مَكَثَت بَعْدَ رَسُولِ الله خَمسَةً وَسَبعِينَ يَومَاً وَقَد كَانَ دَخَلَها حُزنٌ شَدِيد عَلَى أَبِيهَا وَكَانَ جَبْرَائِيل يَأتِيهَا فَيُحسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَها وَيُخْبِرُها عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ وَيُخبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ يَكْتُبُ ذَلِك فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَة – هذهِ طبقة، هذه طبقة ترتبطُ بالحديثِ مع جبرائيل. تعالوا معي إلى روايةٍ أُخرى صفحة 156، رقم الحديث 14، الرِّواية – عَن أَحَدِهِمَا – إمَّا عن الباقر أو عن الصَّادق – وَخَلَّفَت فَاطِمةُ مُصْحَفَاً مَا هُو قُرآنْ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ مِنْ كَلَام الله أُنْزِلَ عَلَيْهَا – كيف أُنزل عليها؟ مصحف فاطمة بعد شهادة النَّبيّ، بعد وفاتهِ، مصحف فاطمة – وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ مِنْ كَلَام الله أُنْزِلَ عَلَيهَا إِمْلَاءُ رَسُولِ الله وَخَطُّ عَلِيّ – قبل قليل ماذا قالت الرِّواية؟ جبرائيل، هنا إملاء رسول الله وخطُّ عليٍّ صلَّى الله عليهما وآلهما. ونفس الشَّيء هذا الكلام يتكرَّر في صفحة 157، الرِّواية التاسعة بعد العاشرة، عن إمامنا الصَّادق:- وَعِنْدَنَا مُصْحَف فَاطِمَة أَمَا وَاللهِ مَا فِيهِ حَرفٌ مِن القُرْآن وَلَكِنَّهُ إِمْلَاءُ رَسُولِ الله وَخَطُّ عَلِيٍّ – مرَّ علينا قبل قليل أنَّ مُصحف فاطمة أُلقي عليها بعد موت أبيها، فمن الَّذي أملاه؟ أملاهُ رسول الله، من الَّذي خَطَّهُ؟ خَطَّهُ عليٌّ، أين فاطمة؟ هذهِ طبقات. طبقةٌ أخرى أيضاً في صفحة 153، الحديث الثَّالث، يُحدِّثنا بهِ أبو بصير عن إمامِنا الصَّادق، الحديث طويل لكنَّني أذهب إلى موطن الحاجة، ماذا يقول إمامنا الصَّادق؟ – وَإِنَّ عِنْدَنَا لِمُصْحَف فَاطِمَة وَمَا يُدْرِيهِم مَا مُصْحَفُ فَاطِمَة، مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرآنِكُم هَذَا ثَلَاث مَرَّات وَاللهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرآنِكُم حَرْفٌ وَاحِد – هنا الكلام الواضح – إِنَّما هُو شَيءٌ أَمْلَاهَا الله وَأَوْحَى إِلَيهَا – الَّذي أملى عليها هو الله. هذه صورة تنسجم مع هذا المضمون حيث أنَّ فاطمة تُحدِّثُ عن الله مباشرةً – (فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا مَلَائِكَتِي) – هذا الكلام تنقلهُ فاطمة من دون واسطة، وكُلُّ هذا في أي طبقة؟ في الطبقة الأولى، ما وراء هذه الطبقة القشريّة، الطبقة الَّتي يتحدَّثون عنها إنَّ ميِّتنا لم يمُت، إنَّ قتِيلنا لم يُقتَل، المعنى الَّذي نخاطبه في الزِّيارة الجامعة الكبيرة، على الأقلّ في مدلولها الأوَّل في الطبقة الأولى من معانيها. في حديث المعرفة بالنَّورانيَّة حين يقول أمير المؤمنين:- (وَأنَا الخِضْرُ عَالِمُ مُوسَى، وأنَا مُعَلِّمُ سُلَيمَان ابنِ دَاوُود، وأنا ذُو القَرنَين، وأنا… وأنا… وأنا…) – هذه هي هي بنفسها، هي هذه الطبقةُ بنفسها الَّتي يُريد هذا الحديث أنْ يُفهِمنا كيف تحقَّق على أرضِ الواقع، هذه الطبقة الأولى. فالحديثُ الشَّريف حديثُ الكساء كما قلتُ قبل الفاصل بحسبِ بُنيتهِ اللفظيّة الَّتي بَين أيدينا يُحدِّثُنا عَن مجلسٍ، عن واقعةٍ، عن ظهورٍ، عن تجلٍّ سمِّ ما شئت، حدث في هذا العالم، في بيتِ فاطمة، ولكن في طبقةٍ تتجاوز هذه الطبقة المحسوسة، هذه الطبقة القشريّة، والوجود فيه طبقات لا حدَّ لها ولا حصر، وهم في كُلِّ تِلك الطبقات لهم ظُهورات، ونحنُ لا نملك عِلماً عن عدد طبقات الوجود، ولا نُحيط بخبرِ ظُهوراتهم، كُلُّ ما بأيدينا نُصوص وأحاديث وآيات نَستطيع أنْ نتلمَّس شيئاً ولو من بعيدٍ يُخبرنا عن بعضِ تلكم المضامين بحسبِ ما يتجلَّى من هذا الكلام الَّذي أُعطيَ لنا وفقاً لقانون المداراة ووفقاً لمدارك عقولِنا. ما جاء في الرِّواية عن إمامنا الباقر:- بَيتُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَة مِن حُجْرَةُ رَسُولِ الله – وفي نسخة (حُجْرَةُ رَسُولِ الله) – وَسَقْفُ بَيتِهِم عَرشُ رَبِّ العَالَمِين ؛ بَيتُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَة حُجْرَةُ رَسُولِ الله وَسَقْفُ بَيتِهِم عَرشُ رَبِّ العَالَمِين – قطعاً الحديث هنا ليس عن البيت المحسوس، هذه طبقة أخرى – وَسَقْفُ بَيتِهِم عَرشُ رَبِّ العَالَمِين وَفِي قَعرِ بُيُوتِهِم فُرْجَةٌ مَكْشُوطَةٌ إِلَى العَرْش مِعْرَاجُ الوَحِي – معراجُ الوحي النَّازل والصَّاعد، هُناك وحيٌ نازل وهناك وحيٌ صاعد وكلا الوحيين منهم وإليهم – وَفِيْ قَعْرِ بُيُوتِهِم فُرْجَةٌ مَكْشُوطَةٌ إِلَى العَرْش مِعْرَاجُ الوَحِي وَالْمَلَائِكَةُ تَنَزَّلُ عَلَيهِم بِالوَحي صَبَاحَاً وَمَسَاء وَكُلَّ سَاعَةٍ وَطَرْفَةِ عَيِن وَالْمَلَائِكةُ لَا يَنْقَطِعُ فَوجُهُم، فَوجٌ يَنْزِل وَفَوجٌ يَصْعَد – إلى أنْ تقول الرِّواية – وَكَانُوْا – يعني مُحَمَّداً وعَلِيَّاً وَفَاطِمَة وَحَسَناً وحُسيناً – وَكَانُوا يُبْصِرُون العَرْش وَلَا يَجِدُونَ لِبُيُوتِهِم سَقْفَاً غَيْرَ العَرْش، فَبُيُوتُهم مُسَقَّفَةٌ بِعَرْشِ الرَّحْمَن – إلى آخر الرِّواية الشَّريفة – فَقُلتُ: هَذَا التَّنْزِيل؟ قَالَ: نَعَم – عبد الله ابن عجلان يسأل الإمام الباقر – فَقُلتُ: هَذَا التَّنْزِيل؟ – التنزيل الَّذي تتحدَّث عنه سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ – فَقُلتُ: هَذَا التَّنْزِيل؟ قَالَ: نَعَم – هذا التنزيل ما بين وحيٍ صاعدٍ وما بين وحيٍ نازلٍ لا يجدون لبيوتهم سُقُفاً غير عرش الرَّحمن، يعني لا توجد قُيُود تُقيِّدُهم. وهذا هو الَّذي يتحدَّث عنه حديث المعرفةِ بالنَّورانيَّة، فماذا يقول أمير المؤمنين؟ – لَوْ شِئْنَا خَرَقْنَا السَّماوات وَالأَرْض وَالجَنَّة والنَّار – لو شئنا – لَوْ شِئْنَا خَرَقْنَا السَّماوات وَالأَرْض وَالجَنَّة والنَّار وَنَعْرُجُ بِهِ إِلَى السَّمَاء – بهِ، يعني بالاسم الأعظم – وَنَعْرُجُ بِهِ إِلَى السَّمَاء وَنَهبُطُ بِه الأَرْض وَنُغَرِّبُ وَنُشَرِّقُ وَنَنْتَهِي بِهِ إِلَى العَرْش، فَنَجْلِسُ عَلَيه بَينَ يَدَي الله عَزَّ وَجَلَّ وَيُطِيعُنَا كُلُّ شَيءٍ حَتَّى السَّماوات وَالأَرْض وَالشَّمْس وَالقَمَر و… و… و… – إلى آخرهِ، (وَيُطِيعُنَا كُلُّ شَيءٍ)؛ هذه المضامين تتحدَّث عن طبقةٍ ثانية، وفي هذه الطبقة أيضاً هذا المضمون مجلس الكساء اليماني يتحقَّق هناك أيضاً، نحنُ هنا لا نتحدَّث عن واقعةٍ تأريخيةٍ كالَّتي حدثت في بيت أم سَلَمة. لو كانت كذلك ما جاءت كُلُّ هذه التفاصيل وأنَّ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها تُحدِّثُ بنحوٍ مباشرٍ عن الله، والنَّبيّ صلَّى الله عليهِ وآله وسلَّم هو الَّذي أنزل الوحي، ماذا قال؟ – فَاجْعَل صَلَوَاتِك – والخطاب هنا لله سبحانه وتعالى – فَاجْعَل صَلَوَاتِك وَبَرَكَاتِك وَرَحْمَتِك وَغُفْرَانِك وَرِضْوَانِك عَلَيَّ وَعَلَيهِم وَأَذْهِب عَنْهُم الرِّجْس وَطَهِّرهُم تَطْهِيراً – فنزل الوحيُ بنفس هذه الألفاظ، هذا الَّذي قُلتُه قبل قليل، هناك وحيٌ صاعد ووحيٌ نازل، فهذا وحيٌ صاعدٌ حين قال مُحَمَّدٌ هذا المضمون، وحين نزل جبرائيل بالآيةِ هذا وحيٌ نازلٌ، وفاطمةُ تُحدِّثُ عن المجلسِ في الملأ الأعلى – فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ – عن مجلس في الملأ الأعلى، ومن دون وقتٍ ومن دون فواصل، جبرائيل أخذَ الإذن من دون فواصل وهنا ينتفي الزَّمانُ والمكان – فَقَال جَبْرَائِيلُ: يَا رَبِّ أَتَأذَنُ لِي أَنْ أَهْبِطَ إِلَى الأَرْض لِأَكُونَ مَعَهُم سَادِسَا، فَقَال اللهُ نَعَم قَدْ أَذِنْتُ لَك، فَهَبَطَ الأَمِينُ جَبْرَائِيل وَقَال السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسُول الله – هذا الهبوط طُوِي فيهِ الزَّمانُ والمكانُ مباشرةً، هنا اشتغلت قوانينُ الطيِّ والنَّشر الَّتي تَقدَّم الحديثُ عنها في عِدَّة حلقاتٍ من الحلقات المتقدِّمة في هذا البرنامج، كُلُّ هذهِ الحيثيّات هي الَّتي تَجعل من حديثِ الكساء حديثاً يختلفُ عن الحديثِ الَّذي يُخبرنا عمَّا جرى في بيت أُمِّ سَلَمَة. طبقةٌ أخرى تُشير إليها الزِّيارةُ الجامعةُ الكبيرة:- خَلَقَكُم اللهُ أَنْوَارَاً فَجَعَلَكُم بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين – العَرش يَسعُ الكُرسي والكرسي يَسعُ السَّماوات، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَات﴾، (وَجَعَلَكُم بِعَرشِهِ مُحْدِقِين)، أي مُحيطين، أحدق بالشَّيء أحاط بِه، فأنتم أوسعُ من العرش. عن أيِّ شيءٍ تُحدِّثنا كلماتُ أهل البيت..؟! هذا هو كتاب: (العوالم)، الجزء الأوَّل من عوالم فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، صفحة 21، تحقيق ونشر مؤسَّسة الإمام المهديّ صلواتُ الله عليه، قم المقدَّسة، الرِّوايةُ منقولةٌ عن النَّبيّ صلّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ويوجد في مضمونها الكثير والكثير – ثُمَّ فَتَقَ نُورَ اِبْنَتِي فَاطِمَة فَخَلَق مِنْهُ السَّماواتِ وَالأرْض فَالسَّماواتُ وَالأَرْض مِنْ نُور اِبْنَتِي فَاطِمَة – الحديث تحدَّث أنَّ العرش خُلِق من نورهِ صلَّى اللهُ عليه وآله، وأنَّ الملائكة خُلِقت من نور عليٍّ – ثُمَّ فَتَقَ نُورَ اِبْنَتِي فَاطِمَة فَخَلَقَ مِنْهُ السَّماوات وَالأرْض فَالسَّماواتُ وَالأَرْض مِنْ نُور اِبْنَتِي فَاطِمَة وَنُورُ اِبْنَتِي فَاطِمَة مِنْ نُورِ الله، وَاَبْنَتِي فَاطِمَة أَفْضَلُ مِن السَّماوات وَالأَرْض – إلى آخر الحديث. في صفحة 76، من نفس الكتاب والرِّوايةُ عن جابر الجعفي يرويها الشَّيخ الصَّدوق في علل الشرائع، عن إمامنا الصَّادق – قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيت فَاطِمَة الزَّهراء زَهْراء؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِه فَلَمَّا أَشْرَقَت أَضَاءَت السَّماوات وَالأَرْضَ بِنُورِهَا، وَغَشِيَت أَبْصَارَ الْمَلَائِكَة أو (وغَشِيَت أَبْصَارُ الْمَلَائِكَة أيضاً)، وَخَرَّت الْمَلَائِكَة للهِ سَاجِدِين – إلى آخرِ ما جاء في الرِّواية، الرِّواية فيها تفصيل. في صفحة 22:- ثُمَّ أَمَرَ اللهُ الظُّلُمَات – مرحلة من مراحل تكامل الخلقة – ثُمَّ أَمَرَ اللهُ الظُّلُمَات أَنْ تَمُرَّ عَلَى سَحَائِب النَّظَر فَأَظْلَمَت السَّماوات عَلَى الْمَلَائِكَة، فَضَجَّت الْمَلَائِكَةُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيس وَقَالَت: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا مُنْذُ خَلَقْتَنَا وَعَرَّفْتَنَا هَذِهِ الأَشْبَاح – يشيرون إلى الأشباح المقدَّسة – وَعَرَّفْتَنَا هَذِهِ الأَشْبَاح لَم نَرَ بُؤْسَاً فَبِحَقِّ هَذِهَ الأشْبَاح إِلَّا مَا كَشَفْتَ عَنَّا هَذهِ الظُّلْمَة فَأَخْرَج اللهُ مِنْ نُور اِبْنَتِي فَاطِمَة قَنَادِيل فَعَلَّقَهَا فِي بِطْنَانِ العَرش فَأَزْهَرَت السَّماواتُ وَالأَرْض ثُمَّ أَشْرَقَت بِنُورِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَت الزَّهْرَاء – قناديل الوجود مشتقّةٌ من نبعةِ نورها، هذا كُلُّه في هذه الطبقة، في أي طبقة؟ ما أشارت إليه الزِّيارة: (فَجَعَلَكُم بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين). إذا نذهب إلى العبارة الَّتي قبلها، قبل هذه العبارة هي تتحدَّث عن طبقةٍ أرقى من هذه الطبقة – وأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُورَكُم وَطِينَتَكُم وَاحِدَة طَابَتَ وَطَهُرَت بَعْضُهَا مِنْ بَعْض خَلَقَكُم اللهُ أَنْوَارَاً – هذه مرحلة متأخّرة عن تلكم المرحلة، المرحلة الأرقى الطبقة الأرقى – وأَنَّ أَرْوَاحَكُم وَنُورَكُم وَطِينَتَكُم وَاحِدَة – هذه الطِّينةُ الواحدة النُّورية الواحدة الَّتي إِليها الإشارة في دُعاءِ ليلة المبعث – وَبِاسْمِكَ الأَعْظَمِ الأَعْظَمِ الأَعْظَم الأَجَلِّ الأَكْرَم الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسَتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيرِك – هذه طبقة أخرى هذه طبقة رابعة، وأنا هنا حين أتحدَّث عن هذه الطبقات وهذه المراتب فإنّي لا أحصرها، فلا علمَ لي بعدد الطبقات ولا أحد أساساً من أمثالِنا يعلمُ بذلك، ولكن هو التدبُّر والنَّظر في أحاديث أهل البيت والتفكُّر في شؤونِها والجمع فيما بينها والمقارنة فيما جاء في الأحاديث التفسيريةِ في تفسير القُرآن وما جاء في الأدعيةِ والزِّيارات هو الَّذي يُمكِّننا أنْ نُشير إلى هذهِ الطبقات، وأساساً كُلُّ المضامين هذه الَّتي بُيِّنَت لنا كما قلتُ قبل قليل بُيِّنت على أساس قانون المداراة، ولكن في مستوى الطينة، الطينة الواحدة، في مستوى الطينة الواحدة يأتي هذا المعنى: – الَّذِي خَلَقْتَهُ فَاسَتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيرِك – هذهِ الطبقةُ الرَّابعة هي الَّتي يُحدِّثنا عنها الشَّيخ الكليني في صفحة 133، من الجزء الأوَّل من الكافي الشَّريف، في باب حدوث الأسماء، الرِّواية عن إبراهيم ابن عمر، عن إمامنا الصَّادق:- إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ اِسْماً بِالحُرُوفِ غَيرَ مُتَصَوَّت – هو هذا نفسهُ – وَبِاللَّفْظِ غَيرَ مُنْطَق وَبِالشَّخصِ غَيرَ مُجَسَّد وَبِالتَّشْبِيهِ غَيرَ مَوصُوف وَبِاللَّونِ غَيرَ مَصْبُوغ مَنْفِيٌّ عَنهُ الأَقْطَار مُبَعَّدٌ عَنهُ الحُدُود مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّم مُسْتَتِرٌ غَيرُ مَسْتُور فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامّة – إلى آخر الحديث. نحنُ الآن تحدَّثنا عن طبقاتٍ أربعة، عن أربع طبقات..!! الطبقة الأولى: تتجاوز هذا القشر الَّذي نَعيش فيه هذا الظاهر، نَحنُ نُخاطبُهم ونُقرُّ لهم من أنَّنا نُؤمنُ بظاهرهم وباطنهم وبِسرِّهِم وعلانيَتهم وبأوَّلهم وآخرهم، بأوَّلهم وآخرهم ليس الحديث هنا عن الترتيب التأريخي، أوَّل المراتب وآخر المراتب، والمراد من أوَّل المراتب وآخر المراتب ليس المراد هُناك مراتب مُتأخِّرة ومراتب لها الأولوية، ولكن اللُّغة قاصرة، هو هذا الحدّ من التعبير، والحديث عَن السِّرِّ والعلانية، ليس المراد عن السرّ والعلانية في الحديث، فحديثٌ مُعلَن وحديثٌ سرّي، كما ذكرتُ قبل قليل ماذا قال أمير المؤمنين؟ (كُنْتُ مَعَ الأَنْبِيَاء سِرَّاً وَمَعَ رَسُولِ الله عَلَنَا)، الحديث في المظاهر التكوينيّة وفي تجليّات الكلمة الأتمّ، إذاً هُناك طبقة وهي الطبقة الَّتي تحدَّثوا فيها: من أنَّ ميَّتهم لم يَمُت وهي الَّتي حَدَث فيها حديثُ الكساء، وحدثت هذه الواقعة، وهُناك طبقات أخرى الواقعة حَدَثت فيها قد تقولون كيف؟ سيأتي البيان ومن خلال رواياتهم وأحاديثهم. هذه الطبقة الَّتي أشرتُ إليها: الطينة الواحدة! النُّورُ الواحد! وهي نفسُها الَّتي أشار إليها دُعاءُ ليلة المبعث:- وَبِاسْمِكَ الأَعَظَمِ الأَعْظَمِ الأَعْظَم الأَجَلِّ الأَكْرَم الَّذي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقرَّ فِي ظِلِّك فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيرِك – هذهِ الطبقة هي الطبقةُ الَّتي كُلُّ ما بأيدينا من الإشارات وكُلُّ ما بأيدينا من حديثٍ عن الأسماء الحسنى وعن الاسم الأعظم وعن الصِّفات العُليا، كلُّ التفاصيل الَّتي تحدَّث عنها دُعاءُ السَّحر، دُعاء البهاء:- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِن بَهَائِكَ بِأَبْهَاه – أجملُ الجمال، أجلُّ الجلال، أكملُ الكمال، أعظمُ العظمة، الكلمةُ الأتمّ، هي في هذه الطبقة – الَّذي خَلَقْتَهُ فَاسْتَقرَّ فِي ظِلِّك فَلا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيرِك – هُوَ هُوَ الاسمُ الَّذي قرأتُ عليكم أوصافَهُ قبل قليل في رواية إمامنا الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، ذلك الاسمُ الَّذي خَلقهُ الله سبحانه وتعالى وهو بالحروفِ غير مُتصوَّت، وباللفظِ غير مُنطَق، هُوَ هُوَ، وهذه هي المرتبة. أمَّا المرتبة الَّتي تلي هذه المرتبة والَّتي جاء ذكرُها في دعاءِ شهر رجب عن إمام زماننا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه:- لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكُ وَخَلْقُك – لا فرق بينكَ وبينها، ونفحاتٌ من هذهِ الكلمة واضحة في مجرياتِ حديث الكساء الشَّريف، نفحات واضحة – لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكُ وَخَلْقُك – تجلّي هذا المعنى في مُجرياتِ حديث الكساء يُمكننا أنْ نتلمَّسهُ بعد اجتماعهم تحت الكِساء وبعد أنْ صَعَد الوحي المُحَمَّدي ونَزَلَ الوحي الجبرائيلي، نَفسُ الآيةِ نطق بها مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآله، وكان الوحيُ للجميع، فإنَّ فاطمة أخبرت عن جبرائيل، وما أخبرت عن النَّبيّ صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم، وهي تُحدِّثنا بآية التطهيرِ الوحي النَّازل الَّذي كان صدىً للوحي الصَّاعد. دقِّقوا النَّظر في تفاصيلِ حديث الكساء الشَّريف وتدبَّروا فيه: (أَلَا لَا خَيرَ فِي قِرَاءةٍ لَيسَ فِيهَا تَدَبُّر! أَلَا لَا خَيرَ فِي عِبَادَةٍ لَيسَ فِيهَا تَفَكُّر! أَلَا لَا خَيرَ فِي عِلْمٍ لَيسَ فِيهِ تفهُّم)، تفهَّموا الحديث فهو من العلم، وتدبَّروه فهو من القراءة، وتفكَّروا فيه فهو من العبادة، هذا الحديث يجمعُ ما بين العلمِ والمعرفةِ والقراءةِ والعبادة، ستجدون هذهِ المطالب واضحةً جليّةً بيِّنَة. هذهِ الطبقة، الطبقة الأخيرة الَّتي أشارت إليها كلمةُ إمام زمانِنا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه وهو يتحدَّث عنهم – (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا – بينك وبينها الحديث هنا عن الحقيقة، عن الطينة – لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكُ وَخَلْقُك) – ولكن هذه الطينة حين تتجلَّى تَتجلَّى في هذه الكائنات – (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكُ وَخَلْقُك) – هنا تتلاشى الإشارات، كما قُلتُ قبل قليل جميعُ الإشارات، جميعُ الإشارات وكلُّ حديثٍ عن الأسماءِ الحُسنى وكُلِّ حديث عن الاسم الأعظم وكُلِّ حديثٍ في الأدعيةِ عن الصِّفات العليا كُلُّ ذلك يتجلَّى في الطبقة السَّابقة، أي طبقة؟ الَّتي إليها الإشارة:- وَنُوركُم، نُوركُم وَاحِد وَطِينَتَكُم وَاحِدَة – في الزيارة الجامعة الكبيرة، أمَّا هذه الطبقة – (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا) – فإنَّنا لا نملكُ إشارة تشير إليها، هذه الطبقة تتلاشى فيها الإشارات، وتغيبُ فيها الأسماء، هذهِ الطبقة يمكن أنْ نُعبِّر عنها من بعيد ما أُشير إليه بالرِّوايات: (تَكَلَّم بِكَلِمَة)، كلمة واحدة وهي الكلمة الأتمّ، في حال تجلّيها الكامل إنَّنا لا نملكُ إشاراتٍ، ولا نملكُ أسماءً، ولا نملكُ أصواتاً ولا نملك صوراً عن هذهِ الطبقة!! مثل ما جاء في حديث الكافي الشَّريف – عَنْ سُلَيمان ابنَ خَالِد، قَال: قَال أَبُو عَبدِ الله، إنَّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُول: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾، فَإِذَا اِنْتَهَى الكَلَام إِلَى الله فَأمْسِكُوا – فإنَّ هذا الاسم الَّذي خلقهُ وهو بالحروفِ غير مُتصوَّت وباللفظ غَير مُنطَق، هو هذا المجلَى الأكمل للهِ سُبحانه وتعالى وذلك في الطبقةِ السَّابقة: (خَلَقتَهُ فَاسْتَقَرَّ فِي ظِلِّك فَلَا يَخْرُجُ مِنْكَ إِلَى غَيرِك). أمَّا هذهِ الطبقة: (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا)، إذا بَلَغ الكلام إلى الله فأمسكوا، فلا توجد هنا إشارات، ولا تُوجد هنا ألفاظ..!! حديثُ الحقيقةِ الَّذي ينقلهُ كميل ابن زياد عن أمير المؤمنين يُشير إلى هذا المعنى!! نذهبُ إلى فاصل وبعد الفاصلِ أقرأ عليكم الحديث. كُميل يسألُ أمير المؤمنين:- مَا الحَقِيقة؟ – فماذا أجابهُ أمير المؤمنين وماذا قال له؟ – مَا لَكَ وَالحَقِيقَة يَا كُمَيل؟ فَقَال: أَوَلَستُ صَاحِبَ سِرِّك؟ قَال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين: بَلَى، وَلَكِن يَرْشَحُ عَلَيكَ مَا يَطْفَحُ عَنِّي، فَقَال: أَوَمِثْلُكَ يُخَيِّبُ سَائِلاً؟ قَالَ أَمِير الْمُؤْمِنِين: الحَقِيقَةُ كَشْفُ سُبُحَاتِ الجَلَالِ مِنْ غَيرِ إِشَارَة، قَالَ: زِدْنِي بَيَانَاً، فَقَال: مَحْوُ الْمَوْهُوم وَصَحْو الْمَعْلُوم، قَالَ: زِدْنِي بَيَانَاً، فَقَالَ سَلَام اللهُ عَلَيه: هَتْكُ السّتِر وَغَلَبَةُ السِّرّ، قَالَ: زِدْنِي بَيَانَاً، فَقَالَ: جَذْبُ الأَحَدِيَّةِ لِصِفَة التَوحِيد، قَالَ: زِدْنِي بَيَانَاً، فقال الأَميرُ: نُورٌ يَطلُعُ مِن صُبْحِ الأَزَل فَيَلُوحُ عَلَى هَيَاكِلِ التَوحِيدِ آثَارُه، قَالَ: زِدْنِي بَيَانَاً، قال: اَطفِىء السِّرَاج فَقَد طَلَع الصُّبْح – هذه الطبقة الَّتي لا نملكُ عنها إشارات ولا رموز، اطفِىء السِّراج، اطفِىء السراج هنا السراجُ إشارة إلى الإدراك، الإدراك عن طريق الحواس! الإدراك عن طريق الوجدان! الإدراك عن طريق الفطرة! الإدراك عن طريق العقل! الإدراك عن طريق البصيرة! الإدراك عن أيِّ وسيلةٍ من وسائل الإدراك الَّتي ترتبطُ بعالم الشهادة أو بعالم الغيب. الأمير يقول لكميل:- اَطفِىء السِّرَاج فَقَد طَلَع الصُّبْح – الحقيقة صارت من الاتِّساع بحيث لا نملكُ عليها أو إليها إشارةً، فقد طلع الصُّبح، بطلوع الصُّبح لا قيمةَ للسِّراج حينئذٍ، والسِّراجُ حينئذٍ ليس قادراً على أنْ يُدرِك الصُّبح، لنْ يُدركَهُ، لا يمكن أنْ تضع البحرَ في إبريق، ولا يمكن أنْ تضع خليجاً أو شلَّالاً كبيراً في كأسٍ صغير، لا يمكن ذلك، ولذا في هذه الطبقة، في طبقة: (لَا فَرقَ بَينَكَ وَبَينَهَا إِلَّا أَنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُك)، في هذه الطبقة تتلاشى كلُّ المعاني، ولا يبقى إلَّا معنىً واحد هو معنى الصُّبح ولذا علينا أنْ نطفئَ السراج – أطفِىء السِّرَاج فَقَد طَلَع الصُّبْح. هذه المقامات والطبقات الَّتي أشرتُ إليها، في كُلِّ هذه الطبقات تحقَّق معنى حديث الكساء، قطعاً في كُلِّ طبقة بما يناسبها..!! أقرّب لكم الصورة بمثال: هذا هو كتاب: (بصائرُ الدرجات)، صفحة 219، الحديث رقم 17، عن إمامنا الصَّادق:- لَمَّا قُبِض رَسُولُ الله هَبَط جَبرَائِيل وَمَعَهُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوح – وَمَرَّ الكلام عن الرُّوح، الرُّوح هو تجلٍّ من تجلّيات فاطمة – لَمَّا قُبِض رَسُول الله هَبَط جَبرَائِيل وَمَعَهُ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح – الَّذين كانوا يَهبطون في ليلة القدر – قَال: فَفُتِح لِأَمِير الْمُؤِمِنِين بَصَرُهُ فَرَآهُم – أين رآهم؟ – في مُنْتَهَى السَّماوات إِلَى الأَرْض – ماذا يفعلون في منتهى السَّماوات؟ يعني في السَّماء الأولى والثَّانية والثَّالثة في مُنتهى السَّماوات – فَرَآهُم في مُنْتَهَى السَّماوات إِلَى الأَرْض – في كُلِّ تلك الطبقات، ماذا يفعلون – يُغَسِّلُون النَّبيّ مَعَهُ – هو النَّبيّ في الطبقة القشريّة موجود في هذا العالم بحسبِ ما تراهُ الحواس، لكن ما وراء هذهِ الطبقة القشريّة هُناك حقائق، هي هذه الَّتي تحدَّثتُ عنها، أميرُ المؤمنين ومن معهُ غَسَّلوا النَّبيّ في هذهِ الطبقة، ولكن في سائر الطبقات حدث الَّذي حدث، مثلما حدثَ في هذه الطبقة وكلٌّ بحسبِها. انتبهوا إلى الرِّواية:- فَفُتِحَ لِأَمِير الْمُؤِمِنِين بَصَرَهُ فَرَآهُم في مُنْتَهَى السَّماوات إِلى الأَرْض يُغسِلُون النَّبيّ مَعَهُ وَيُصَلَّون مَعَهُ عَلَيه وَيَحفُرُون لَهُ وَاللهِ مَا حَفَر لَهُ غَيرَهُم – يعني هذا الَّذي جَرى في الأرض هذا أقلّ رُتبة، الرُّتبة الحقيقية جرت في الطبقات العُليا – وَاللهِ مَا حَفَر لَهُ غَيرَهُم – يعني التفاصيل الحقيقية جرت في طبقة أخرى. دعوني أقرأ لكم هذه الرِّواية من كامل الزِّيارات: الرِّواية طويلة مفصَّلة عن إمامنا السَّجاد، بحسب الطبعة الَّتي مرَّ ذكرها، صفحة 277، إمامنا السَّجاد يُحدِّثُنا عن شُهداء الطَّف – فَإِذَا بَرَزَت تِلْكَ العِصَابَةُ إِلَى مَضَاجِعِهِا تَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْضَ أَرْوَاحِهَا بِيَدِه وَهَبَطَ إِلَى الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ مِن السَّمَاءِ السَّابِعَة – تلاحظون قبل قليل في الرِّواية الَّتي قرأتُها في بصائر الدرجات (إِلى مُنتَهَى السَّماوات)، مُنتهى السَّماوات يعني السَّماء السَّابعة – وَهَبَطَ إِلَى الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ مِن السَّمَاءِ السَّابِعَة مَعَهُم آنِيَةٌ مِن اليَاقُوت وَالزُّمُرُد مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَاءِ الحَيَاة وَحُلَلٌ مِنْ حُلَلِ الجَنَّة وَطِيبٌ مِنْ طِيبِ الجَنَّة فَغَسَّلُوا جُثَثَهُم بِذَلِك الْمَاء وَأَلْبَسُوهَا الحُلَل وحَنَّطُوهَا بِذَلِكَ الطِّيْب وَصَلَّت الْمَلَائِكَةُ صَفَّاً صَفَّاً عَلَيهِم – ولكن حين جاء الأسديّون ماذا وجدوا؟ هل رأوا هذه المعاني؟ ما وجدوا شيئاً من هذا، هذا الَّذي جرى في طبقةٍ أخرى، نحنُ نعيش في القشر، هذهِ الَّتي نحنُ نعيش فيها قُشُور، هذه أعراض، ما وراء الأعراض جواهر، لا أتحدَّث عن الجواهر بالمعنى الفلسفي، وإنَّما أتحدَّث عن الجواهر بمعنى مراتب أعلى وأرقى، هذا الوصف هل رآهُ أحدٌ من الأسديّين أو من الأرضيّين عموماً؟ هذا الوصف جرى لشهداءِ الطفّ. فإذا كان هذا الوصف يجري لشُهداء الطفّ فسيكون هذا الوصف موجزاً ومختصراً بالنِّسبة لرسول الله صلَّى الله عليه وآله والبيانات تأتي بحسب المتلقّي، ومن هُنا قلت من أنَّ ما جرى في حديث الكساء جرى في كُلّ الطبقات في كُلِّ العوالم الأخرى، وهذا هو السِّرّ في حديث الكساء، وهذا هو السِّرّ أيضاً في أنَّ قراءة هذا الحديث لها خصوصيّة، هل عندنا حديث آخر من الأحاديث يمتلك هذه الخصوصية المذكورة فيه: (مَا ذُكِرَ خَبَرُنَا هَذَا فِي مَحْفَلٍ مِن مَحَافِلَ أَهْلِ الأَرْض …) إلى آخر ما جاء، الخصوصيات الَّتي تعرفونها عن حديث الكساء، هذه الخصوصية لماذا خُصَّت بهذا الحديث؟ للعمق الموجود في هذا الحديث، وللأسرار الغزيرة في هذا الحديث. وأكثر من ذلك هناك رابطةٌ واضحة بين المعنى الَّذي بيَّنتُهُ وبيَّن هذا الحديث حين قلت الزَّهرائيُّون هم شيعةُ الزَّهراء، وهذا الحديثُ حين يتحدَّثُ عن شيعة الزَّهراء يُعطيهم هذه الخصوصيّات!! وأميرُ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه يُقسِم: (إذَاً واللهِ فُزْنَا وَسُعِدْنَا وَكَذَلِك شِيعَتُنَا فَازُوا وَسُعِدُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَرَبِّ الكَعْبَة)..!! قطعاً كُلُّ هذهِ المقامات لا حُدودَ لبواطنِها، هذا الكلام الَّذي وَرَد عن القُرآن الكريم من أنَّ لهُ ظَاهراً وباطناً إلى سبعين بطن، والكلامُ هذا يتحدَّثُ عن ألفاظ، عن بُنيةٍ لفظيّة، وهذه البُنية اللفظيّة تُخبرُنا عن بُنيةٍ كونيّة، البُنيةُ الكونيّة لها ظَاهرٌ هذا الظَّاهر القشري ولها باطن إلى سبعين بطن، كُلُّ هذهِ الطبقات لها مَراتب ولها بواطن لا حدودَ لها، وفي كُلِّ هذهِ الطبقات فاطمةُ هي المحور، مثل ما في هذه الطبقة الكلام: (فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، في كُلِّ الطبقات هذا الكلام هُوَ هُوَ، وهذه الرموز هِيَ هِيَ، وهذه الحقائقُ هِيَ هِيَ، فهي في أفق التمايز هي ثالثُ الأَئِمَّة! أَئِمَّة الأَئِمَّة ثلاثة: مُحَمَّدٌ وعليٌّ وفَاطِمَة..!! هذا هو الكافي الشَّريف، الجزء الأوَّل، صفحة 501، الحديث الخامس، من باب مولد النَّبيّ ووفاتهِ – عَن مُحَمَّد ابنِ سِنَان، كُنتُ عِندَ أَبِي جَعْفرٍ الثَّاني – عند إمامنا الجواد – فَأَجْرَيتُ اِخْتِلَافَ الشِّيعة، فَقَال: يَا مُحَمَّد إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالى لَم يَزَل مُتَفَرِّدَاً بِوَحْدَانِيَّتِه ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيَّا وَفَاطِمَة – أَئِمَّةُ الأَئِمَّة، الرِّواية هنا تتحدَّث عن المراتب وعن الطبقات الَّتي يحدثُ فيها التمايز – فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْر ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاء فَأَشْهَدَهُم خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُم عَلَيهَا وَفَوَّضَ أُمْورَهَا إِلَيهِم – إلى آخر الرِّواية. في الصَّفحة الَّتي تليها الرِّواية التاسعة، الحديث عن مرحلة ما قبل التمايز! عن إمامنا الصَّادق – إِنَّ الله كَانَ إِذْ لَا كَان فَخَلَقَ الكَانَ وَالْمَكَان وَخَلَق نُورَ الأَنْوَار – نور الأنوار هذه هي الطينة، نورٌ واحد طينةٌ واحدة، حقيقةٌ واحدة، هذه المرحلة الَّتي ليس فيها تمايز – وَخَلَق نُورَ الأَنْوَار الَّذي نُوِّرَت مِّنْهُ الأَنْوَار وَأَجْرَى فِيهِ مِنْ نُورهِ الَّذي نُوِّرَت مِنْهُ الأَنْوَار وَهُو النُّور الَّذي خَلَقَ مِنهُ مُحَمَّداً وَعَليَّا فَلَم يَزَالَا نُورَين – هذا ما قلت عنه الإمامان الأصلان!! الإمامان الأصلان هنا الحديثُ عن مُحَمَّد وعليّ، ولكن الحديث في بدايته كان يتحدَّث عن مرحلة ما قبل التمايز، وهي مرحلةُ نور الأنوار، في تلكم المراحل النُّورُ واحد، والطينةُ واحدة، والحقيقة واحدة، تلك الحقيقةُ يمكن أن نُطلق عليها الحقيقة المحمَّديَّة، ويمكن أنْ نُطلق عليها الحقيقةُ العلوية، ويمكن أن نطلق عليها الحقيقة الفاطمية، هِيَ، هِيَ..!! هذا الَّذي إليه الإشارة في كلام رسول الله: (أَنَا عَلِيٌّ وَعَلِيٌّ أَنَا)، وفي كلام أمير المؤمنين: (أَنَا مُحَمَّدٌ ومُحَمَّدٌ أنَا)، وفي كلامِ رسول الله: (أُمُّ أبيها)، هي هذه دلالتها، أُمُّ أبيها تعني: (أَنَا فَاطِمَة وَفَاطِمَة أَنَا)، تِلك هي الحقيقة الَّتي يعبّرُ عنها هذا العنوان: (نُوْرُ الأَنْوَار)، المضمون الَّذي أشارت إليه الآيةُ في سورة النُّور: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾. أنا ما عندي وقت أنْ أتناول كل نصٍ وأشير إلى ما فيه من دلالةٍ وما فيه من مضمون، ولكن من خلالِ الإشارات السَّريعة إلى كُلِّ هذه النصوص، إلى كُلِّ هذه المضامين، حتَّى لو أنَّ بعضكم لم تتضح الصُّورة عنده كاملةً ربَّما لم يعتد على سُماعِ مثل هذهِ النصوص والإشارةِ إلى الترابط فيما بينها ولكن كلُّ هذه النُّصوص وكُلُّ هذه المضامين وكلُّ هذهِ الحقائق وكُلُّ هذهِ البيانات تَدورُ فِي فِناءِ فَاطمة! فَكُلُّ هذهِ المضامين هي فِي أَجواءِ حَديثُ الكساء، و حديثُ الكساء بكُلِّ جنباتهِ حديثٌ فاطميٌّ حتَّى في الأفق الأوَّل. الواقعةُ أين جرت؟ في بيتِ فَاطمة، فِي حُجرةِ فاطمة الَّتي أشارت الرِّواية إليها مُسَقَّفَةٌ بِعَرشِ رَبِّ العَالَمِين: (بَيتُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَة حُجْرَةُ رَسُولِ الله، سَقْفُها عَرشُ رَبِّ العَالَمِين، وَفِي قَعْرهَا فُرْجَةٌ مَكْشُوطَةٌ إِلَى السَّمَاء إِلَى العَرش مِعْرَاجُ الْمَلائِكَة)، معراجُ الملائكةِ صُعوداً ونزولاً، وحيٌّ نازل ووحيٌّ صاعد، كُلُّ هذهِ المضامِين تَدورُ حولَ فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها فَهي المحور، (فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، البيتُ بيتُ فاطمة، والكساءُ اليماني كِساءُ فَاطمة، والمجلسُ بِكُلِّ تفاصيلهِ مرَّ عِبرَ فَاطمة، فَالحسنُ جاء عبر فاطمة، والحُسينُ جاء عبر فاطمة، وعليٌّ صلواتُ اللهِ عليه جاء عبر فاطمة، الجميع يسلّمون عليها وبعد ذلك يجوزون إلى الكِساء. وهذا المضمون هو مضمونُ زيارتِها الشَّريفة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها: (وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء – زعمنا أنا لكِ أولياء البدايةُ من فاطمة – وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاء وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُون لِكُلِّ مَا أَتَانَا أَبُوكِ – دخلنا تحت الكساء – وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُون لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ – الَّذين تَحتَ الكِساء مُحَمَّدٌ وعَليّ – فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا)، كي يثبُت كلام أمير المؤمنين وهو تحتَ الكساء: (فُزْنَا وَفَازَ شِيْعَتُنَا) ؛ (لِنُبَشِّر أَنْفُسَنَا بِأنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، حقّاً هي هذه الصورة تتجلَّى رموزُها في زيارتِها الشَّريفة، فكما قُلت البيتُ بيتُ فاطمة، والكساءُ اليمانيُّ كساءُ فاطمة، والمجلس مجلس فاطمة، والجميع مرّوا عبر فاطمة، حتَّى النَّبيّ جاء مُسَلِّماً على فاطمة وهي الَّتي جَاءتهُ بالكِساء، ولم يكتمل المجلس إلَّا بِمجيء فاطمة، وحين اكتمل المجلسُ بِمجيء فاطمة تحدَّث الله، قال الله … والَّتي حدَّثت بهذا الحديث هي فاطمة! وحين نزل الوحي الجبرائيليُّ، الَّتي نقلت الوحيَ لنا فاطمة! هي الَّتي حدَّثت بِكُلِّ التفاصيل، فيبقى المحورُ واضحاً وجليّاً في فاطمة! فكلُّ التفاصيل وكُلُّ الإشارات وكُلُّ البيانات وكُلُّ الرموز مدارُها فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، وهذا مُرادي، مُرادي أنَّها القَيِّمَة، رمزيةُ القَيِّمَة واضحة جدَّاً في حديث الكساء الشَّريف، النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله يأتي إلى بيتِها، وهو الَّذي يَطلبُ رِعايتَها، والكساءُ كساؤها، مرَّت علينا الرِّواية قبل قليل من أنَّ السَّماوات خُلِقت من نور فاطمة، والسَّماوات هي خيمتُنا خيمةُ هذا الوجود، والكساءُ خيمةُ ذلك المجلس، فالسَّماواتُ من نُورِها، والكساءُ كساؤها، والكساءُ رمزٌ لسماواتِ فاطمة! والسَّماواتُ ما أنارت إلَّا بقناديلِها يعني ما اكتملت حتَّى عُلِّقت القناديلُ الفاطميَّة، كُلُّ ذلك رموز، والمجلسُ لم تكتمل نوريّتُهُ إلَّا بفاطمة تحتَ الكِساء، بَعد أنْ جاءت فاطمة قال ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآلهِ وسلَّم، فأشار في حديثهِ إلى نوريَّتهم وطينتهم الواحدة حين قال صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم: (اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي وَحَامَّتِي لَحْمُهُم لَحْمِي وَدَمُهُم دَمِي يُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُم وَيُحْزِنُنِي مَا يُحْزِنُهُم، أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبَهُم وَسِلْمٌ لِمَن سَالَمَهُم، وَعَدُوٌّ لِمَن عَادَاهُم وَمُحِبٌّ لِمَن أَحَبَّهم إِنَّهُم مِّنِّي وَأَنَا مِّنْهُم – طينةٌ واحدة، هذا التفصيل يتناسب معَ هذا العالم، في هذا العالم يوجدُ لحمٌ ودم – لَحْمُهُم لَحْمِي وَدَمُهُم دَمِي – في هذا العالم، في هذا العالم يوجد ألمٌ وحزن – يُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُم وَيُحْزِنُنِي مَا يُحْزِنُهُم – في هذا العالم يوجدُ حربٌ وسِلم – أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبَهُم وَسِلْمٌ لِمَن سَالَمَهُم – في هذا العالم توجد عداوةٌ ومحبَّةٌ – وَعَدُوٌّ لِمَن عَادَاهُم وَمُحِبٌّ لِمَن أَحَبَّهم إِنَّهم مِّنِّي وَأَنَا مِّنْهُم – في هذا العالم وفي غيرهِ – فَاجْعَل صَلَوَاتِك – هذهِ صلوات خاصَّة صلواتك، هذه ليست كالصَّلوات الَّتي يُصلِّي اللهُ فيها وتُصلِّي الملائكةُ معه، وإلَّا لقال النَّبيّ صلَّى الله عليهِ وآله فاجعل صلواتِك وصلواتِ ملائكتِك، كما هو في الكثير من الأدعيةِ والزِّيارات – فَاجْعَل صَلَوَاتِك – هذا بشكلٍ خاص، صلوات الملائكةِ هنا لم تُذكَر، لأنَّ هذه صلواتٌ خاصة، المجلس خاص، والحديث خاص – فَاجْعَل صَلَوَاتِك وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَغُفْرَانَك وَرِضْوَانَك عَلَيَّ وَعَلَيهِم وَأَذْهِب عَنْهُم الرِّجْس وَطَهِّرْهُم تَطْهِيرَاً)، أيضاً هذا المعنى معنى إذهاب الرِّجس والتطهير بشكلٍ خاص ليسَ بالوسائط، الله سبحانه وتعالى هو الَّذي يُذهِبُ عنهم الرِّجسَ وهو الَّذي يُطَهِّرهم. هذا المعنى ينعكسُ في زيارات سيِّد الشُّهداء وفي زيارات الأَئِمَّة: (وَأَشْهَدُ أَنَّك طُهْرٌ طَاهِر مُطَهَّر)، جميع ألفاظ الطهارة، ولذا نَحنُ نُخاطب الزَّهراء في زيارتها: (لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوَلَايَتِكِ)، هذا التطهير ما هو إِلَّا صدىً، وما هو إلَّا آثار من هذه الطهارةِ الَّتي نحنُ لا نعرفُ دلالتَها ولا نعرفُ معناها، التطهير المذكور في حديث الكساء يختلف عن كُلِّ معاني التطهير الَّتي يتحدَّث عنها المفسِّرون ويتحدَّث عنها عُلماء الكلام، يمكن أنْ نقول: إنَّ من معانيه العصمة، يمكن ذلك، ولكن السِّياق والجوّ والخصوصيّة الموجودة في حديث الكساء الشَّريف تُعطي لهذهِ الجُمَل، ولهذهِ العبائر دلالات أعمق من حدودِ الدلالةِ اللغويّةِ الَّتي نعرفُها. في تفسيرِ إمامِنا العسكريّ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه عن النَّبيّ الأعظم صلَّى اللهُ عليهِ وآله – إِنَّ الله تَعَالَى إذَا بَعَثَ الخَلَائِق مِن الأَوَّلِين وَالآخِرِين نَادَى مُنَادِي رَبِّنَا مِن تَحتِ عَرْشِه يَا مَعْشَر الخَلَائِق غُضُّوا أَبْصَارَكُم لِتَجُوزَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّد سَيِّدةُ نِسَاءِ العَالَمِين عَلَى الصِّرَاط، فَتَغَضُّ الخَلَائِق كُلُّهم أَبْصَارَهُم، فَتَجُوز فَاطِمَةُ عَلَى الصِّرَاط، ولَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي القِيَامَة إِلَّا غَضَّ بَصَرَهُ عَنَها إِلاَّ مُحَمَّدٌ وَعَليٌّ وَالحَسَنُ والحُسَينُ وَالطَّاهِرِين مِنْ أَوَّلادِهِم، (وَالطَّاهِرُون مِن أَولَادِهِم)، فَإنَّهم أَوْلادُهَا فَإذا دَخَلَت الجنَّة بَقِي مَرْطُهَا مَمْدُودَاً عَلَى الصِّرَاط – المرط ما هو؟ المرط هو ما تلتحفُ به النِّساء، شبيه بالعباءة هو هذا المرط، ما تلتحف به النِّساء يقال له المرط – فَإِذَا دَخَلَت الجنَّة بَقِيَ مَرطُهَا مَمْدُودَاً عَلَى الصِّرَاط طَرفٌ مِنهُ بِيَدِهَا وَهِي فِي الجنَّة وَطَرفٌ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَة فَيُنَادِي مُنَادِي رَبِّنا يَا أَيُّها الْمُحِبُّون لِفَاطِمَة – أيُّها الفاطميّون، أيُّها الزهرائيون – ياَ أَيُّهَا الْمُحِبُّون لِفَاطِمَة تَعَلَّقُوا بِأهدَابِ مَرْطِ فَاطِمَة سيِّدةِ نِسَاء العَالَمِين – الأهداب يعني الأطراف، الخيوط المتدلّية في نهايات المرط، في نهايات هذهِ العباءة، في نهايات هذهِ الملحفة الَّتي تَلتحفُ بها – فَلَا يَبْقَى مُحِبٌّ لِفَاطِمَة إِلَّا تَعَلَّق بِهدْبَةٍ مِنْ أَهْدَابِ مَرْطِهَا حتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ فِئَام وَأَلفِ فِئَام، قَالُوا: كَم فِئَامٌ واحِد؟ قَال: أَلَفُ أَلَف – يعني مليون – حتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ فِئَام وَأَلفِ فِئَام، قَالُوا: كَم فِئَامٌ واحِد؟ قَال: أَلَف أَلَف يَنجُون بِها مِن النَّار – الحديثُ من تفسيرِ إمامِنا الزّاكي العسكريّ، يتعلقون بمرط فاطمة وهي الَّتي تُنجيهم. ألا تلاحظون أنَّ الأحاديث كُلّها تدور تدور وتجعل من فاطمة هي القَيِّمَة، هي المُنجية، هي الشَّفيعة، هي المُعينة، هي الرَّاعية، وهذا المضمون ألا تُلاحظون رمزيتّهُ واضحةً في حديثِ الكِساء الشَّريف، هي الرَّاعيةُ لرسول الله، وهي الرَّاعيةُ للمجلس، وهي المُكمِّلةُ للمجلس، وهي الَّتي حدَّثتنا عن هذا المجلس، ما عندنا حديثٌ عن رسول الله أو عن أمير المؤمنين أو عن الحَسنين، ما عندنا من حديثٍ يُخبرُنا عن هَذه الواقعةِ بهذه التفاصيل بِكُلِّ أسرارِها وبِكُلِّ إشاراتِها، إلّا حديثُ فاطمة. فحين سأل جبرائيل وكان الجواب من قِبل الله سبحانهُ وتعالى: (هُمْ فَاطِمَةُ وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، فنسب اللهُ سبحانهُ وتعالى نسبَهم إليها، ومرَّت الإشارةُ يوم أمس في حديثِ المعراج من كتاب علل الشَّرائع للشَّيخ الصَّدوق وهذا هو الجزء الثَّاني، صفحة 247، الرِّواية عن إمامنا الصَّادق، الله سبحانه وتعالى يقول لِمُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله – إقْرَأ – في المعراج هذا في عوالم النور – إقْرَأ قُل هُو اللهُ أَحَد كَمَا أُنْزِلَت فِإِنَّها نِسْبَتِي وَنَعْتِي – فإنَّها نسبتي ونعتي ثُمَّ بعد ذلك يقول له – إقْرَأ إِنَّا أَنْزَلَنَاهُ – يعني سورة القدر – فَإِنَّهَا نِسْبَتُك وَنِسْبَةُ أَهْلِ بَيْتِك إِلَى يَومِ القِيَامَة. إذا نظرنا إلى سورة التوحيد الَّتي قال عنها الله سبحانه وتعالى فإنِّها نِسبَتِي ونعتي، الكلمةُ الأصل الجامعة في سورة التوحيد الضمير: ﴿هُوَ﴾؛ ﴿قُلْ هُوَ﴾ الضمير: ﴿هُوَ﴾؛ ضمير الشأن هنا: ﴿هُوَ﴾؛ تفصيلهُ الله أحد، اللهُ الصَّمد، التفصيل الَّذي وَرَد في هذه العبائر هو تفصيلٌ وشرحٌ لهذا الاسم: ﴿هُوَ﴾؛ ﴿قُلْ هُوَ﴾، ما هو شرح: ﴿هُوَ﴾؟ اللهُ أحد، اللهُ الصَّمد، إلى باقي السورة الشريفة، هذه السورة الَّتي أُنزِلت للمُتعمِّقين في آخر الزمان كما يقول إمامُنا السَّجاد صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، الرِّواية في الكافي الشريف. إذا ذهبنا إلى سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ماذا قال إمامنا الصَّادق بحسب تفسير فُرات؟ قال:- اللَّيلَةُ فَاطِمَة وَالقَدْرُ هُو الله – ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، ﴿هُوَ﴾؛ هذه هي الموجودة في سورة والتوحيد، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، هذا المضمون الجميل الَّذي يُشير إليهِ صاحب الأنوار القدسية: (حجابُها مثلُ حجابِ الباري)، هو، تشير إلى الهويّة الغيبيّة، إلى غيب الغيوب. حِجَابُها مِثلُ حِجابِ البَاري بَارِقَةٌ تَذهَبُ بِالأبصارِ وحين قال مُحَمَّد صلى الله عليه وآله: (فَاطِمَة حِجَابُهَا حِجَابِي وَبَابُهَا بَابِي)، الأَئِمَّة لا يتحدَّثون، وحين أقول الأَئِمَّة فمُحَمَّدٌ هو إمام الأَئِمَّة وهو سيِّدُ الأَئِمَّة، إمامنا ونَبِيُّنا وإمامُ أَئِمَّتنا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وآله، فمُحَمَّدٌ وآل مُحَمَّد حين يتحدَّثون لا يتحدَّثون في هذهِ المعاني العميقة بسطحيةٍ وسذاجة، (حِجَابُهَا حِجَابِي وَبَابُهَا بَابِي)، وإنّ النَّبيّ صلى الله عليه وآله لعن من يهتِكُ حِجابَها ولَعَن من سيُحرق بابَها ولَعنَ ولَعَنَ ولَعَن، وحرقُ منزلتِها هو هتكٌ لِحجابها!! وَحَرقُ مَنزلتِها هو حرقٌ لبابِها!! فَحرقُ المنزلةِ أسوأ بكثيرٍ من حرقِ المنزل..!! أعود إلى رواية المعراج الَّتي تحدَّثت عن سورة التوحيد فإنَّها نِسبتي ونعتي، وعن سورة القدر فإنَّها نِسبَتُكَ ونِسبَةُ أَهل بَيتِك: إذا أردنا أنْ نُلقي نظرةً على الصَّلوات الخاصَّة، هُناك صلوات خاصَّة صلاةُ مُحَمَّد صلى الله عليه وآله، صلاةُ عليٍّ، وصلاة فاطمة، اذهبوا إلى بدايات المفاتيح، مفاتيح الجنان هناك صلاةُ النَّبيّ، في بدايات مفاتيح الجنان، لها تفصيل بالمُجمل صلاةُ النَّبيّ بفاتحة الكتاب وسورة القدر، صلاة أمير المؤمنين أيضاً لها تفصيل بالمُجمل بفاتحة الكِتاب وسورة التوحيد، فصلاةُ النَّبيّ بفاتحةِ الكتاب وسورة القدر، وصلاةُ عليٍّ بفاتحة الكتاب وسورة التوحيد، بعدها صلاة الزَّهراء، صلاة الزَّهراء أيضا لها تفصيل موجودٌ في المفاتيح ولكن بالمجمل إنَّها صلاة بفاتحة الكتاب والقدرِ والتوحيد، لأنَّها هي القَيِّمَة، والقَيِّمَةُ هي الجامعة المحيطة، وهي الرَّابطةُ بين النُبُوَّة والولاية بلحاظٍ من اللحاظات وإلَّا فحقيقتُهم واحدة، فهذهِ الصَّلوات فيها رمزيّةٌ واضحةٌ جدَّاً، صلاةُ مُحَمَّد بسورة القدر، وصلاةُ عليٍّ بسورة التوحيد، وصلاةُ فاطمة بسورة القدرِ والتوحيد، كما قُلت: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، هذه الهوية الَّتي ذُكِرت في سورة التوحيد هي هُنا في سورة القدر، وهذهِ اللَّيلةُ كما قال إمامُنا الصَّادق صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه وهي نفسُها الليلةُ المباركة في سُورة الدُخان هي فاطمة عليها أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام. في سورة القدر الَّتي هي في مضمونها قرينةٌ لحديث الكساء الشَّريف ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾، السُّورة واضحة تتحدَّث عن حُكومةٍ تكوينيَّةٍ، وعن إدارةٍ وإشرافٍ على العوالم العُلويّةِ فضلاً عن العوالم السُّفليّة، فها هُم الملائكة والرُّوح الأعظم منهم قد نزلوا إلى صاحبِ الأمر ﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾. هذا المضمون هو هو الموجود في سورة النساء في الآية الرَّابعة والخمسين: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، آل إبراهيم مَن هُم؟ سيِّدتُهم فاطمة ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، هل يستطيع أحد أنْ يُخرِج فاطمة من هذه الآية؟ مَن هذا الَّذي يستطيع أنْ يُخرِج فاطمة من آل إبراهيم وهي سيِّدةُ آل إبراهيم..؟! الآية صريحة واضحة: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، وفاطمة سيِّدةُ آلِ إبراهيم! ففاطمة آتاها الله الكتابَ والحكمةَ وآتاها الملكَ العظيم! ما هو هذا الملك العظيم..؟! لنرجع إلى حديث آل مُحَمَّد: هذا هو المجلَّد الثَّاني، البرهان في تفسير القُرآن منشورات مؤسَّسة الأعلمي، صفحة 241، الحديث الخامس:- عَن بُرَيد العِجْلِي، عَن إِمَامِنا البَاقر فِي مَعنَى هَذِه الآية: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ – ماذا يقول إمامنا الباقر؟ – قَالَ: الْمُلْكُ العَظِيم أَنْ جَعَل فِيهِم أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُم أَطَاعَ الله وَمَنْ عَصَاهُم عَصَا الله فَهُو الْمُلْكُ العَظِيم – هل تستطيعون أنْ تُخرِجوا فاطمة من هذا الوصف؟ مَن هذا الَّذي يستطيع أنْ يُخرِج فاطمةَ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها من هذا الوصف؟ ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، الكتاب موجود عند فاطمة، الحكمة موجودة عند فاطمة، والكتاب والحكمة يترتّبُ عليهِ الْمُلْكُ العظيم ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ – الْمُلْكُ العَظِيم أَنْ جَعَل فِيهِم أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُم أَطَاعَ الله وَمَنْ عَصَاهُم عَصَا الله فَهُو الْمُلْكُ العَظِيم. رواية ثانية عن إمامنا الباقر:- ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ قَال: الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَة – هل يمكن إخراجُ فاطمةَ من هذه الآية؟ هذهِ الآية واضحة، هذهِ الآية تُثبِت الإمامةَ لفاطمة وبِكُلِّ معانيها، الإمامة الكونية، الإمامة الشَّرعية، الإمامة السياسية، الإمامة الاجتماعية، سمِّ ما شئت، بكُلِّ معاني الإمامة، كيف تُخرِجون فاطمة من هذه الآية: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾؟! هذا المُلكُ العظيم أُعطي لِكُلِّ آل إبراهيم، وفاطمة سيِّدةُ آل إبراهيم! المضمون الموجود في سورة القدر يلتقي مع هذا المضمون، بشكل واضح جدَّاً، الْمُلك العظيم تفصيلهُ في سورة القدر، أنَّ الملأ الأعلى الملائكة والروح تتنزَّل بِكُلِّ أمر وتأخذُ منهم كُلَّ أمر، من كانت لهُ هذهِ المنزلة وهذهِ الإمامة فما قيمةُ الإمامةِ السياسيّةِ حينئذٍ؟ ما قيمةُ الإمامة الاجتماعيّة؟ ما قيمةُ كُلِّ أنواع الإمامة الدنيويّة الأخرى؟ إذا ما جمعنا مضامين حديث الكساء مع مضامين سورة القدر مع هذه الآية الرَّابعة والخمسون من سورة النِّساء الَّتي تتحدَّثُ عن الْمُلكِ العظيم، إذا جمعنا كُلَّ هذهِ المعاني بَديهيٌّ أنَّ فاطمةَ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها ستكون إماماً وستكون إماماً للأَئِمَّة كذلك..!! نحن بدأنا نقترب من وقت الأذانِ والصَّلاةِ بحسب التوقيت المحلي لمدينة لندن لذا أُوقف الحديث وبعد الفاصل أعود إليكم. اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى فَاطِمَة وأَبِيهَا وبَعلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ المُستَودَعِ فِيهَا … هذا هو الجزء الثَّالث والأخير من الحلقةِ الأربعين بعد المئة من برنامجِ الكتاب النَّاطق. تقدَّم الكلامُ في هذهِ الحلقة فيما تقدَّم منها تباعاً للحلقتين الماضيتين، تَحتَ العُنوان: فَاطِمَة القَيِّمَة..!! لا أُريد أنْ أُعيدَ ما ذكرتُهُ في الحلقتين الماضيتين أو في هَذهِ الحَلقة قَبلَ فاصل الآذان والصَّلاة بحسبِ التوقيت المحلي لمدينة لندن، لن أُطيلَ عليكُم الكلام سأُلخِّصُ لكُم المطلب وبقيَّة الحديثِ تأتينا إنْ شاء اللهُ تعالى في حلقةِ يوم غد، خلاصةُ الحديث مِمَّا تقدَّم كي لا تلتبس المطالب على المتابعين لهذا البرنامج بسببِ كثرة إيراد النُّصوص ولم أقرأ النصوص بشكلٍ كامل لضيق الوقت، لأنَّني أُحاول أنْ أُلَمْلِم أطراف حديثي كي أُكمل مجموعة حلقات (لبَّيكِ يا فاطمة) خلال يومين أو ثلاثة أيَّام إنْ شاء الله تعالى. خلاصة ما تقدم: أوَّلاً: موقعُ الزَّهراءِ في منظومةِ العقيدةِ الشِّيعيَّةِ الحقَّة، موقعها هو نَفسُ العنوان الَّذي تَدورُ هذهِ الحلقات حوله: (فَاطمَةُ القَيِّمَة)، هذا هو موقع الزَّهراء في منظومة العقيدةِ الشِّيعيَّة، فاطمةُ القَيِّمَة. وثانياً: هذا العنوان مأخوذٌ من القُرآن الكريم من سورة البَيِّنة، حيث جاء فيها: ﴿وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة﴾. ثالثاً: وهذا المعنى في فهم الآيةِ أنَّ القَيِّمَةَ هي الزَّهراء صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها مأخوذٌ من حديث أهل البيت، مصدرُ الحديثِ كتاب: (تأويل الآيات الظاهرة في مناقب وفضائل العترة الطاهرة) للسيِّد شرف الدين النَّجفي الاسترابادي من أعلام القرن العاشر الهجري، الرِّوايةُ صريحة عن باقر العلوم:- ﴿وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة﴾ قَالَ: القَيِّمَةُ فَاطِمَة – الرِّوايةُ يبدو من خلال سندها أصلهُا من تفسير جابر ابن يزيد الجعفي، وتفسير جابر ابن يزيد الجعفي ليس موجوداً بيننا، الرِّوايةُ نَقَلها في كتابهِ السيِّد هاشم البحراني المتوفّي سنة 1107 للهجرة، نقل الرِّواية في تفسيرهِ البرهان في الجزء الثامن، وأيضاً نقلها الشَّيخ المجلسي في كتابهِ على ما أتذكَّر في الجزء الثالث والعشرين من بحار الأنوار، فالعُنوان مأخوذٌ من الكتاب الكريم ومن حديث العترة الطاهرة. ما معنى القَيِّمَة..؟! القَيِّمَةُ الَّتي لها القيمومة، والَّتي لها القيمومة أن تكون حاضرةً وأن تكون ناظرة في نفس الوقت، فهي حاضرةٌ وناظرةٌ تُشرِف على أمر الدين وأمر أهل الدين..!! النقطة الأخرى الوثائق المهمة الَّتي تتحدَّثُ عن هذا المضمون وثيقتان: الوثيقة الأولى: حديث الكساء اليماني: وقد مرَّ الكلام بخصوصهِ ولكنَّني بشكل مجمل أعطيكم الخُلاصة من كَّلِّ ما تقدَّم من حديثٍ حول حديث الكساء، الخلاصة هي هذه: مجريات حديث الكساء في بيت فاطمة ماذا تقول؟ تقول: إنَّ فاطمة هي المحور، الأمر جرى في بيتِ فاطمة، والكساء الَّذي تمَّ الأمرُ تحتَهُ هو كساء فاطمة، والرِّعايةُ كانت رعايةً فاطميّة، فالنَّبيّ جاء مُسَلِّماً على فاطمة وطالباً رعايتَها، ثُمَّ بعد ذلك جَاء الحَسنُ جَاء الحُسينُ وجَاء سيِّد الأوصياء، ولم يكتمل المجلس إلَّا بفاطمة، والتفاصيلُ كُلُّها نقلتها لنا فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، أَهمُّ ما جاء في هذه التفاصيل الجواب الَّذي أجاب بهِ الله سبحانه وتعالى جبرائيل عن الَّذين تحت الكساء: (قَال: هُم فَاطِمَة وَأَبُوهَا وَبَعْلُهَا وَبَنُوهَا)، فكانت النِّسبةُ إلى فاطمة! قُلتُ إنَّ الَّذي جرى في بيتِ فاطمة جرى في كُلِّ الطبقات وجئتكم بأمثلة، جرى في كُلِّ الطبقات وفي كُلِّ الطبقات فاطمة هي المحور، لأنَّ الَّذي جرى في بيت فاطمة جرى بنفسهِ في كُلِّ الطبقات، ولكن في كُلِّ طبقةٍ من طبقات الوجود بحسَبِها، فإذا كانت فاطمة هي المحور في كُلِّ هذه الطبقات فلماذا تكون مُحوريّتُها في الطبقة المحسوسة، في الطبقة الدنيويّة ناقصة..؟! لا يمكن أن تكون فاطمة محوراً في الطبقات العُليا ومحوريّتُها كاملة وحينما نأتي إلى العالم الدنيويّ فتكون محوريّةُ فاطمة ناقصة!! عزلُ فاطمة عن بعض مراتبِ الإمامةِ بل عزلُها عن الإمامةِ أساساً هو إنقاصٌ لمحوريَّتِها الكاملة!! الواضح في حديث الكِساء أنَّ فَاطمة لها مُحوريّة كَاملة وحديثُ الكِساء جَرى في كُلِّ الطبقات، مثلما جئتكم بمثالٍ حول تَغسيل النَّبيّ ودفنهِ، فقد جرى في كُلِّ الطبقات إلى منتهى السَّماوات، كما قرأتُ عليكم الرِّوايةَ من بصائر الدرجات، فحديثُ الكِساء هذهِ الواقعة جَرت في كُلِّ الطبقات، للخصوصيةِ الَّتي تتّضحُ من خلالِ المجريات ومن خلالِ التفاصيل في هذا الحديث الشَّريف، فجرت في كُلِّ الطبقات، في كُلِّ طبقة لفاطمة المحوريّةُ الكاملة، وهذا واضحٌ من خلالِ الرِّوايات، وما ذكرتُهُ لكُم أساساً من أنَّ السَّماوات خُلِقت من نورِها، ومن أنَّ الظُّلُمات أزيحت بقناديلِ نُورها، المحوريّةُ ثَابتةٌ لها في جميع الطبقات بشكلٍ كامل، فلماذا تكونُ محوريّتُها في طبقةِ عالم الشهادة، في طبقة هذا العالم القشري الحسِّي تكونُ ناقصة..؟! إذا ثبتت المحوريةُ الكاملةُ لها في العوالم الأعلى والأشرف الشيء الطبيعيّ هو أنّ المحوريّةَ تكونُ كاملةً لها في هذا العالم، فلها الإمامةُ على الخلق ولها الإمامةُ على الأَئِمَّة، فهي أحد الأَئِمَّةِ الثَّلاثةِ الَّذين هُم أَئِمَّة الأَئِمَّة، مُحَمَّدٌ عليٌّ فاطمة!! وهذا واضحٌ كما بَيَّنتُ لكم من ظهوراتهم الشَّريفة في مرحلة التمايز كما جاء في حديث مُحَمَّد ابن سنان عن الإمام الجواد:- إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يَزَل مُتَفَرِّدَاً بِوَحْدَانِيَّته ثُمَّ خَلَق مُحَمَّدَاً وَعَلِيَّاً وَفَاطِمَة – فهي أحدُ الأَئِمَّة الثلاثة الَّذين هم أَئِمَّة الأَئِمَّة، وهذا المعنى واضحٌ جدَّاً في العديد وفي الكثير من الرِّواياتِ ومن الأحاديث، فلماذا تكون إمامتُها ملغيَّةً أو ناقصة..؟! فلهَا الإمامةُ على النَّاس، على الجن والإنس، ولها الإمامةُ على التكوينيّات عموماً، ولها الإمامةُ على الأَئِمَّة أيضاً، هي إمامٌ لكلِّ الأنبياء، لكُلِّ الأوصياء، وهي إمامٌ لوُلدِها، هي حُجَّةٌ على وُلْدِها صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، فاطمةُ إمامٌ على الأَئِمَّة من وُلدِها، إمامٌ على الأنبياء والأَئِمَّة، إمامٌ على التكوينيّات، وإمامٌ على الجنّ والإنس، وإمامٌ على الملائكة، هذا المعنى داخلٌ في كُلِّ التكوينيات، ولذلك تجلِّيها الروح هو إمامٌ للملائكة النَّازلين في ليلة القدر إلى إمام الأَئِمَّةِ إلى الحُجَّة ابن الحَسن..!! أنا لا أُريد أنْ أُسهِب كثيراً، أُريد أن أُلخِّص المقال، ففاطمة لها المحوريَّة في كُل طبقات الوجود، ومحوريّتُها كاملةٌ هناك وهذهِ القرائن تُشير إلى ذلك وأكتفي بهذه القرائن، فإذا كانت محوريّتُها كاملةً في كُلِّ طبقات الوجود فمحوريّتُها كاملةٌ أيضاً في هذهِ الطبقة، في الطبقة الَّتي نعيشُ فيها، فتكونُ لها الإمامةُ الكاملةُ وبِكُلِّ مراتبِها بما فيها إمامةُ الحكمِ والسياسة. لم تُمارس الصدِّيقة الطَّاهرة هذهِ الإمامة لعدم الاحتياج إليها مثلما لم يمارس الحسنان الإمامة في زمان أمير المؤمنين، مثلما لم يمارس الإمام الحُسين الإمامة في زمان الإمام الحَسن، فلم تُمارس فاطمةُ إمامتَها لعدم الحاجةِ إلى هذهِ الممارسة، ولأنَّ هذه المقامات من الإمامة إمامة الحُكم والسياسية والقيادة هذه مقاماتٌ عَرَضيَّة وليست ذاتيَّة، ولذا سَلَبها الطُّغاة والظَّلَمة من الأَئِمَّة، لو كانت من المقامات الذاتيّة لا يمكن أنْ تُسلَب، ومع ذلك هذهِ المقامات العرضيّة هي ثابتة لفاطمة، وإذا ثبتت المقاماتُ الذاتيّةُ لفاطمة فما قيمةُ المقامات العَرَضية..؟! القضية واضحة ولا تحتاج إلى شرحٍ وتفصيلٍ كثير، ولكن مثلما أُحرِق منزلُ فاطمة أُحرِقت منزلةُ فاطمة، هذه الوثيقة الأولى حديثُ الكساء..!! الوثيقةُ الثَّانية: سُورةُ القَدر …!! وسورة القدر وثيقةٌ في غاية الأهميَّة تَتعانقُ في مضمونها مع حديثِ الكِساء، ما يجري في سُورة القَدر من التقديرِ ومن التخطيطِ لكل الكون هو في داخلِ هذهِ الليلة، وهذهِ الليلة الوعاء الأكبر والوعاء الأعظم جاء في معناها أنَّها فاطمة، والروح الَّذي هو إمامُ الملائكةِ الَّذين نزلوا وينزلون في كُلِّ ليلةِ قدرٍ هو تجلٍّ من فاطمة، فالتقديرُ بكُلِّ تفاصيلهِ هو في هذا الوعاء الفاطميّ، وهذا مَظهرٌ من مَظاهر المُلك العَظيم: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾، هذا المُلكُ العظيم الَّذي جاء مذكوراً في الآية الرَّابعة والخَمسين مِن سُورة النِّساء، هذا المُلك العظيم لمن أُعطي؟ أُعطي لآلِ إبراهيم، وفاطمةُ سيِّدةُ آل إبراهيم، لا يمكنُ لأحدٍ أنْ يُخرِجَها من هذا الملك العظيم، المُلك العظيم هو الطاعةُ المفروضة، الإمامة، الولاية، هكذا فُسّرت كلماتُ أهل البيت هذا المعنى، أنْ جعلت لهم الإمامة، أنْ جعلت لهم الطاعة المفروضة، جعلت لهم الولاية، فلا يمكن لأحدٍ أنْ يُخرِج فاطمة من هذا المعنى. آيةُ التطهيرِ وهي جُزءٌ من حديث الكساء، آية التطهيرِ واضحةٌ وصريحة جدَّاً، في أوَّل معانيها آية التطهيرِ هي دالَّةٌ على العصمة، والعصمة مشتملةٌ على العلم المعصوم، وإلَّا كيف نتصوَّرُ العصمة في ذاتٍ لا تملكُ عِلماً، لأنَّهُ ما من حركةٍ إلَّا والكائنُ البشريّ وأيُّ كائنٍ يتحرَّك إلَّا ويحتاج إلى علمٍ ومعرفة، ما من قول ما من نيَّةٍ ما من حركةٍ ما من فعلٍ إلَّا وهذا المتحرِّك والفاعلُ والقائل بحاجةٍ إلى علم، ولابُدَّ أنْ يكون هذا العلم معصوماً إذا كَان هذا الكائن معصوماً، لذا العصمة والعلم المعصوم هما في الحقيقةِ شيءٌ واحد، آيةُ التطهيرِ أوَّلُ مَعنىً من معانيها العصمة، والعصمةُ تعني العلم المعصوم، والعلم المعصوم ماذا يعني؟ يعني اتخاذ قرارات معصومة، وإذا ما اتَّخذ المعصوم قرارات معصومة فحين يريد أنْ ينفّذها إنَّهُ يُخطِّط تخطيطاً معصوماً..!! وحين يُخطِّطُ تخطيطاً معصوماً سيطبِّقه على أرض الواقع بتطبيقٍ معصوم..!! فآيةُ التطهير دالَّةٌ على العصمة، والعصمةُ دالَّةٌ على العلم المعصوم، والعلم المعصوم يعني قرارات معصومة، وتخطيط معصوم، وتنفيذ وتطبيق أيضاً معصوم لهذهِ التخطيطات المعصومة، وهذه هي الإمامة، هذه هي إمامة الحكم والسياسة، تنفيذٌ معصوم لتخطيطٍ معصوم، لقراراتٍ معصومة، كُلُّ ذلك يعتمد على علمٍ معصوم، والعلم المعصوم هو حقيقةُ العصمة، والعصمةُ هي أجلى معنىً من معاني آية التطهير، وسيِّدةُ آية التطهير فاطمة، فكيف لا يثبت هذا المعنى لها؟! غريبٌ هذا!! غريب جداً، فالعصمةُ ثابتةٌ لها، والعلمُ المعصوم ثابتٌ لها، واتخاذُ القرارات بالقوةِ أو بالفعل سواء اتّخذت قراراً أم لم تتّخذ، هي قادرةٌ على أنْ تتخذ القرار المعصوم، وهي قادرةٌ على أنْ تُنَفِّذ هذا القرار المعصوم عبر تخطيطٍ معصوم، وتلك هي الإمامة، ولكن لعدم الحاجةِ لتفعيل إمامتِها لوجود رسول الله، لوجودِ أمير المؤمنين لم تُفَعِّل الصدِّيقةُ الكبرى إمامتَها بشكلٍ واضحٍ وظاهر، ففاطمةُ سيِّدةُ الرّجالُ والنِّساء، أمَّا هذهِ التسمية وهذا الوصف: (سيِّدةُ نساء العالمين)، فهذا جزء من ألقابِها، وهذه الألقاب والأوصاف ليست بالضَّرورة أنَّها تُغطِّي كُلَّ شؤوناتِها. فحينما نقول: (فاطمة البتول)، فهل أنَّ هذا اللقب البتول يُغطِّي كُلَّ شؤوناتِها؟ أبداً!! حينما نقول: (فاطمة الزَّهراء)، فهل أنَّ الزَّهراء يغطي كُلَّ شؤوناتِها؟ أبداً!! فاطمةُ لا يمكن أن تحيطَ بها الألقاب، فحين نقول: (إنَّها سيِّدةُ نساء العالمين)، لا يعني أنَّ هذا اللقب يحيط بشؤوناتِها، هذا حالهُ حال لقب البتول، هذا حالهُ حال لقب الزَّهراء، حال لقب الشَّهيدة، حال لقب الصدِّيقة، الرَّضيَّة، الرَّاضية، المرضيَّة، الطَّاهرة، الزُّهرة، الزَّهرة، لها ألقاب كثيرة فاطمة، وهذا لَقَبٌ من ألقابِها. تَصوُّرُ أنَّ هذا اللقب يحدّد سيادتَها على النِّساء فقط، هذا تصوُّرٌ سخيفٌ ينمُّ عن جهالةٍ وعن عدمِ معرفة، وإذا كان من قائلٍ يقول: إنَّهُ استند إلى رواية مثلاً وَفَهِم ذلك منها فهذا فهمٌ من روايةٍ واحدة، لابُدَّ أن نُحيط عِلماً بكُلِّ الرِّوايات وبِكُلِّ المعطيات، إذا جمعنا كُلَّ المعطيات تكون هذهِ الألقاب كُلُّ لقبٍ دالٌ على معنىً مُعيَّن وعلى حيثيَّةٍ مُعيَّنة ولكنَّهُ في الوقت نفسهِ لا يُحيط بكُل شؤونات وبكُلِّ مقامات فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها..!! الاسمُ الوحيد الَّذي يمكن أنْ نقول إنَّه لفظياً، من الجهة اللفظية يحيط بِكُلِّ شؤوناتها هو: (فَاطِمَة)، فاطمة هو هذا الاسم الوحيد، بقيَّةُ الألقاب، وبقيَّةُ الأوصاف، كُلُّ لَقبٍ وكُلُّ وصفٍ يتناول جانباً من شؤوناتِها، فقط فاطمة، فاطمة، فاطمة لأنَّها تَعني المفطومة الفاطمة، المفطومةُ عن الشرّ يعني الكاملة، المفطومةُ عن كُلِّ شر يعني الكاملة، الكاملة يعني هي المعصومةُ العاصِمة، نحنُ أمام فاطمة المفطومة، وأمام العاصمة المعصومة، فهي معصومةٌ عن كُلّ نقص وعاصمة، عاصمة إذا أرادات أنْ تعصمَ أيَّ شيءٍ هي تعصمُهُ، ومن اعتصم بها فقد اعتصم بالله عزَّ وجل، هذا المعنى واردٌ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة وجميع ما في الزِّيارةِ الجامعة الكبيرة ثابتٌ لفاطمة قبل أنْ يثبُت لأولادِها لأنَّها حُجَّةٌ عليهم، كُلّ ما في الزِّيارةِ الجامعة الكبيرة هو ثابتٌ لفاطمة قبل أن يثبت لأولادِها باعتبار حُجيَّتِها وباعتبار إمامتِها لهم. فنحنُ هكذا نقول في الزِّيارة الجامعة الكبيرة: (وَمَنْ اِعْتَصَمَ بِكُم فَقَد اِعْتَصَم بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ)، فمن اعتصم بفاطمة فقد اعتصم بالله عزَّ وجَّل، فنحنُ أمامَ حقيقةٍ مفطومةٍ وفاطمة! معصومةٍ وعاصمة! كُلُّ هذه المعاني تجمعها كلمة: (فَاطِمَة)، وحين أقول تجمعها كلمة فاطمة لا من الجهة اللغوية المحضة وإنَّما من الجهة الاصطلاحيّة، والجهة الاصطلاحية والجهة اللغويّة تتماهَى إحداهما في الأخرى في معنى فاطمة، هذا الاسم الوحيد الجامع، وهذا الاسمُ مُشتقٌّ من اسم الفاطر، فمعاني اسم الفاطر أيضاً تتجلَّى في هذا الاسم الشَّريف، بقيَّة الألقاب، بقيَّة الأوصاف كُلُّ لقبٍ، كُلُّ وصفٍ، كُلُّ اسم لهُ دلالتُه، سيِّدة نساء العالمين لا يعني أنَّها ليست سيِّدةً للرجال، إنَّها سيِّدةُ العرش! وسيِّدةُ الكرسي! وسيِّدةُ السَّماوات! وسيِّدةُ الأرض! وسيِّدةُ الدنيا! وسيِّدةُ الآخرة! وسيِّدةُ الجنان! وسيِّدةُ النِّيران! وسيِّدةُ الدين! وسيِّدةُ الدُّنيا! وسيِّدةُ النِّساء! وسيِّدةُ الرِّجال! وسيِّدةُ الملائكةِ! وسيِّدةُ كُلِّ المخلوقات! وسيِّدةُ نساء العالمين من الجنِّ والإنس! ومن كلِّ عالمٍ فيه نِساء! وهي سيِّدةُ الرِّجال! وهي سيِّدةُ أُمَّةِ أبيها! وهي سيِّدةُ آلِ إبراهيم! وهي سيِّدةُ بني هاشم! وهي سيِّدةُ آلِ أبي طالب، وهي أمُّ المؤمنين بالمعنى الحقيقي! هذا المعنى حقيقيٌّ لا يُستلَبُ من فاطمة، ليس كنساء النَّبيّ بالتطليق يُسلَب منهنَّ اللقب، أمَّا فاطمة هي أمُّ المؤمنين، هي أُمُّ الأَئِمَّة! هي أُمُّ المهديّ! هي أُمُّ الكتاب! وهي أُمُّ أبيها! فكيف لا تكون لها الأمومة والإمامة؟ والإمامةُ فرعٌ من الأمومة، ما كان الأَئِمَّةُ أَئِمَّة إلَّا لأنَّهم من فاطمة، من هذه الأُمّ، الإمامةُ فرعٌ من هذهِ الأمومة، من أمومةِ الكتاب، من أمومة التكوين، من أمومة العرش، أمومة الكتاب، الكتاب هنا أوسع من ألفاظ ومن آيات وكلمات، هذهِ أمومة مُطلَقة، من هذه الأمومة نشأت الإمامة، ولذلك هي إمامٌ للأَئِمَّة من وُلدِها صلواتُ اللهِ عليها وعلى وُلدِها الأطهار. إذا كانت إمامتُها في هذا الأفق فلماذا تُسلَبُ منها الإمامةُ الدنيويّةُ فلا يقال إنَّ فاطمة إمام ولا يُقال إنَّها إمامُ الأَئِمَّة..؟! وحتَّى لو ثبَّت البعض لها هذا المقام فلماذا تُسلبُ منها إمامةُ الحكم وإمامةُ السياسة..؟! لأنَّها لم تُفعِّل إمامتَها، لم تكُن هناك من حاجة، فهل أنَّ الإمام العسكريّ مثلاً في زمن الإمام الهاديّ ليس إماماً، إذا قال قائلٌ بذلك فقد خرج من الدين، وهل أنَّ الإمام الصَّادق ليس إماماً في زمن الإمام الباقر؟ إذا قال قائلٌ بذلك فقد خرج من الدين، الإمام الصَّادق لم يُفَعِّل تفعيلاً دنيوياًّ إمامتَه لعدم الحاجة إلى ذلك، الزَّهراء لم تُفعِّل إمامتَها لعدمِ الحاجةِ إلى ذلك، هذا هو السَّبب. وقد بيّنتُ فيما تقدَّم في الحلقتين السَّابقتين من أنّ الإمامة لها تشكيلات: o الإمام الواحد! o الإمامان الأصلان! o الأَئِمَّةُ الثَّلاثة أَئِمَّة الأَئِمَّة! o الأَئِمَّةُ الخمسة! o الأئِمَّةُ التسعة! o الأَئِمَّةُ الاثنا عشر! o الأَئِمَّةُ الأربعة عشر، وهكذا! هناك تشكيلات، فاطمة ليست في هذه التشكيلة ولكنَّها في تشكيلة الأئِمَّة الأربعة عشر، هُناك تشكيلة الأَئِمَّة الاثني عشر حين نأخذ بهذا اللحاظ أنَّ فاطمة إمامٌ لهم فالأَئِمَّة من ولدها الأحد عشر معها تتشكَّل منظومة الأَئِمَّة الاثني عشر بلحاظ الأحد عشر وإمامهم فاطمة صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليها، هناك تشكيلات لأنَّ الحديث دائماً يدور عن الأَئِمَّة الاثني عشر في هذا التشكيل حدثَ هذا التصوّر من أنَّ فاطمة ليست إماماً، فاطمةُ إمام، بَل هي إمامُ الأَئِمَّة، وإمامتُها كَاملةٌ من جميع الجهات. استغرابُ هذا الكلام لأنَّكُم قد شاركتم في حرقِ منزلتِها ودستم على منزلتِها بأرجلِكم وبعدَ ذلك أنكرتم هذا المعنى وقُلتم ما قُلتم واعتقدتم ما اعتقدتم، وإلَّا لو رجعنا إلى هذهِ الوثائق الَّتي أشرتُ إليها ورجعنا إلى النصوص، ورجعنا إلى الحقائق والحديث لم يكمل لحدِّ الآن، فستستمعون إلى مدارك وأدلَّة تجعل هذا الأمر واضحاً جدَّاً وبديهيّاً جدَّاً، وهذا ما سيأتينا في حلقَة يومِ غد إنْ شاء اللهُ تعالى، فاطمةُ هي القَيِّمَة، فاطمةُ قَيِّمةُ دينِنا وقَيِّمةٌ علينا! فاطمةُ إمامُنا بل إمامُ أَئِمَّتنا! فاطمةُ سيِّدتُنا في الدُّنيا والآخرة وفي كُلِّ حَالٍ من أحوالِنا! هذه عقيدتي توافقونني تخالفونني أنتم أحرار. هذهِ عقيدتي الَّتي أحيا عليها وأتوسَّل إلى بقيَّة الله أنْ يُميتَني عليها: فاطمة إمامي في الدنيا والآخرة وليست إمامي فقط بل إمامُ أئمَّتي، إمامتُها كاملةٌ من جميع الجهات..!! ما تقدَّم من الحديث يشرح هذه المسألة بشكلٍ واضح وسيأتي في الحلقةِ القادمة ما يُبَيِّن الأمر أكثر وأكثر. أَتْركُكُم فِي رِعَايَةِ القَمَر … يَا كَاشِفَ الكَرْبِ عَنْ وَجْهِ أَخِيكَ الحُسَين إكْشِف الكَرْبَ عَنْ وُجُوهِنَا وَوُجُوهِ مُشَاهِدِينَا وَمُتَابِعِينَا عَلَى الإنْتَرْنِت بِحَقِّ أَخِيكَ الحُسَين … أَسأَلُكم الدُّعَاء جَميعاً … مُلْتَقَانا غَداً على نفس الشَّاشة … في أمَانِ الله … ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الخميس 27 ذو الحجّة 1437هـ الموافق 29 / 9 / 2016م حديثنا وبشكل عام هو في أجواء منزلة الصدّيقة الكبرى عليها السلام التي أحرقها المنهج الأبتر في الوسط الشيعي! بيّنتُ في الجزء الأخير من الحلقة السابقة من أين جئتُ بهذا العنوان (فاطمة القيّمة) الذي هو عنوانٌ لهذه الحلقات، وبيّنتُ لكم أنّ هذا العنوان مأخوذ من القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة. ما المعنى المراد من القيّمة؟ الجواب: حين نقول (القيّمة) فذلك يعني أنّها حاضرة ومُتابعة، وإلّا لن تكون قيّمة.. لابدّ أن تكون حاضرة وناظرة في نفس الوقت، تُتابع الأمور وترعاها وتُشرف عليها وتُكمل النقص، وإلّا لن تكون قيّمة، وهذا يعني أنّ لها حضور في كلّ شؤونات الدين وشؤونات أهل الدين، الحضور الذي يتناسب مع هذه الصفة (صفة القيّمة). وقفة أعرض لكم فيها إشارات سريعة يُمكننا أن نتلمّس من خلالها معنى (الحضور). نقرأ في زيارة الزهراء عليها السلام: (وزعمنا أنّا لكِ أولياء ومُصدّقون وصابرون لكلّ ما أتانا به أبوكِ صلّى الله عليه وآله وأتى به وصيّه، فإنّا نسألكَ إنْ كنّا صدّقناكِ إلّا ألحقتِنا بتصديقنا لهما لنبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ) ● عرض لقطتين من زيارة الصدّيقة الكبرى تُشيران بشكل واضح إلى حُضوريّتها عليها السلام وأنّها تُتابع وتُشرف: — الّلقطة 1: عند تعبير (ألحقْتِنا) الوارد في الزيارة، فهذا الخطاب في الزيارة الشريفة ليس مخصوصاً بزمان معيّن أو مكان مُعيّن أو حدث مُعيّن أو مُناسبة مُعيّنة أو شخص معيّن.. هذا الخطاب خطاب مفتوح لكلّ زمان ومكان ولكلّ الناطقين، فحينما نُخاطبها في أيّ جهة من جهات هذا العالم ونقول لها (إلّا ألحقتنا) فإنّ عملية الإلحاق هذه هي عملية إلحاق على أرض الواقع، والذي يترتّب على هذا الإلحاق هو تحقّق الطهارة الماديّة (لنُبشّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ).. هذه التفاصيل تقتضي أنّنا نُخاطب جهة حاضرة وناظرة في نفس الوقت وتُشرف وتُتابع وتقبل وترفض وتُسبغ الطهارة وتمنعها، فهي الفاطمة. ● ومن معاني (فاطمة) هو أنّها تفطم من الشرّ وتمنح الخير، ومن هنا جاء الحديث (لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة) لأنّ فاطمة حقيقة مفطومة عن الشرّ (فهي ذات مفطومة عن الشرّ وفاطمة عن الشرّ). هذه العملية عملية (الإلحاق) لها آثارها في الواقع الخارجي، فالإلحاق يحصل في العالم الدنيوي والواقع المادي الخارجي، فلابُدّ من حضور ومتابعة في الواقع الخارجي، وهذه الحالة خاصّة بفاطمة.. وهذا لا يعني أنّ الأئمة بعيدون عن هذا الوصف، ولكن هذه الوظيفة بحسب منظومة العقيدة الشيعية هي وظيفة فاطمة لأنّها القيّمة على الدين، فلابدّ من حضورها وناظريّتها. — الّلقطة 2: عند تعبير (مُبشّرة) الوارد في الزيارة .. حين نسلّم على الصدّيقة الكبرى ونقول: (وحبيبة المصطفى، وقرينة المرتضى، وسيّدة النساء، ومبشّرة الأولياء) الأوصاف الثلاث الأولى (وحبيبة المصطفى، وقرينة المرتضى، وسيّدة النساء) هذه الأوصاف يُمكن أن تكون في عالم لا يُشترط فيه الحضور في هذا العالم الدنيوي، أمّا هذه الصفة (ومبشّرة الأولياء) فهذه الصفة تعني الحضور، خصوصاً إذا ما جمعناها مع ما تقدّم من الزيارة (لنُبشّر أنفسنا) فعملية التبشير تحتاج إلى حضور ومُتابعة وعناية بأوليائها. ● عرض لقطتين من رواية الإمام الصادق في تفسير [فرات الكوفي] والتي تُمثّل النص الأهم في بيان مضمون سورة القدر: (في قوله عزّ وجل {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال الإمام الصادق عليه السلام: الّليلة فاطمة، والقدر الله، فمَن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها… وقوله {تنزل الملائكة والروح فيها} قال: والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله، والروح القدس هي فاطمة) — الّلقطة 1: أنّ ليلة القدر حقيقة، والحديث هنا عن عالم من الحقائق.. هذه الّليلة تأتي في كلّ سنة، وحين تأتي فإنّ كلّ الّليالي والأيام ترتبط بها، لأنّ تقدير الّليالي والأيّام الأخرى يأتي ويصدر من هذه الّليلة، فضلاً عن الأحداث التي تجري فيها، وقول الإمام الصادق الّليلة فاطمة، هو لا يتحدّث عن مقطع زماني مُعيّن، وإنّما يتحدّث عن الحقيقة الحاضرة الناظرة. — الّلقطة 2: هو الحديث عن (الروح) الذي يتنزّل في ليلة القدر، فكلمات أهل البيت صريحة في أنّ الروح الذي يتنزّل هو خلق أعظم من الملائكة، وإلّا لو كان من الملائكة فإنّه يدخل في نفس تسمية الملائكة، والإمام الصادق يقول: (والروح القدس هي فاطمة) هذا الروح يتنزّل بكلّ أمر (ما يرتبط بتقدير وجود العباد وبقاء العباد وتقدير الفيض النازل على العباد وتقدير العطاء والمنع وتقدير كلّ الشؤونات التي ترتبط بالكائنات). فتفاصيل الحياة والزعامة والإحاطة والحضور والناظرية والإشراف هي لهذا الروح الذي هو مظهر من مظاهر فاطمة، أمّا الملائكة فهم عمّال وموظّفون.. وهذا الحضور الذي يتنزّل في ليلة القدر هو حضور يتناسب مع الّليلة، أمّا الحضور المذكور في زيارتها الشريفة فهو يتناسب مع أحوالنا، حضور يتناسب مع الدين الذي هي قيّمته. ● وقفة عند مقطع من حديث الإمام الصادق مع زرارة في كتاب [كامل الزيارات] يقول: (وما عين أحبُّ إلى الله ولا عبرةٌ مِن عين بكت ودمعت عليه، وما مِن باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله وأدّى حقّنا) أسعدها يعني شاركها، وأعانها، وهذا التعبير (أسعدها) يُشير إلى حضورها، الحضور الذي يتناسب مع شأنها ومع حالها في مقام القيمومة على الدين.. والرواية ما قالت (وأسعده)، قالت (وأسعدها) لأنّ فاطمة هي الحاضرة بحسب وظيفتها وموقعها في منظومة العقيدة الشيعية. ● وهذا المعنى الذي يتردّد على ألسنة الشيعة عموماً من أنّ الزهراء تحضر مجالس ولدها الحسين، هذا الكلام لم ينشأ جُزافاً، هذا التركيز على الصدّيقة الكبيرة يُشير إلى حقيقة نشأت من معطيات في واقع الوجدان العقائدي الشيعي.. فدائماً يقولون أنّ الزّهراء وصاحب الأمر يحضران مجالس الحسين، وهذه حقيقة.. فصاحب الأمر موجود وحاضر، وكذلك الصدّيقة الكبرى. وحضور الزهراء حضور دائم ليس فقط في مجالس الحسين، بل في كلّ حال من الأحوال.. ولكن هذا الحضور له درجات وله مراتب، ففي مجالس الحسين هناك خصوصية في هذا الزمان والمكان، فيُمكن أن ينكشف حضورها في بعض الجهات لخصوصية تلك الجهات أو لمنافع وحِكَم تُشخّصها نفس القيّمة، وعلى أساسها تكشف عن حضورها في بعض المواطن. (وقفة تقريب للفكرة). ● مقطع من حديث الإمام الصادق في [كامل الزيارات] مع أبي بصير: (يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة) هذا الّلحن وهذا الحديث وهذا التعبير (يُسعد) مع الرواية السابقة ومع عدد كبير من النصوص تتحدّث في مثل هذه المضامين، هذا يُشعرنا بالحضور القريب وبالناظرية. ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [كامل الزيارات]: (إذا زرتم أبا عبد الله فالزموا الصمت إلّا من خير..) إلى أن يقول: (وإنّها لتنظر إلى مَن حضَرَ منكم، فتسأل الله لهم مِن كلّ خير) فهذا الأدب (بالتزام الصمت إلّا من خير) مأخوذ بلحاظ فاطمة، لأنّها حاضرة وناظرة. ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [وسائل الشيعة: ج14] – والحديث عن الجمع بين الفاطميّتين في الزواج. (لا يحلُّ لأحد أن يجمع بين اثنتين مِن وُلد فاطمة، إنَّ ذلك يبلُغها فيشقُّ عليها، قلتُ: يبلُغها ؟ قال: إيّ والله) لحن الرواية يُشير إلى حضور فاطمة، وإلّا إذا كان المراد العلم الكامل فهم صلوات الله عليهم يعلمون بما كان وما يكون وما هو كائن ولا أثر ولا تأثير لأفعالنا وأقوالنا عليهم من هذه الجهة، وإنّما يكون هذا التأثير (يبلغها فيشقّ عليها) لأنّ القضيّة ترتبط بحضورها وناظريّتها في هذا العالم الذي نعيش فيه.. فلسان الرواية يتحدّث عن حضورها الذي يتناسب مع هذا العنوان (القيّمة). ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [عوالم العلوم- عوالم الزهراء: ج2] (إذا كانت لك حاجة إلى الله وضُقتَ بها ذرعاً، فصلّ ركعتين فإذا سلّمت كبّر الله ثلاثاً، وسبّح تسبيح فاطمة، ثمّ اسجد وقلْ مائة مرة: يا مولاتي فاطمة أغيثيني، ثمّ ضع خدّك الأيمن على الأرض، وقل مثل ذلك، ثمّ عد إلى السجود وقل ذلك مائة مرّة وعشر مرات واذكر حاجتك فإنّ الله يقضيها) هناك أكثر من صلاة، ولحن هذه الصلوات جميعاً ولحن الخطاب فيها أنّ هذا الخطاب مع حاضرة ناظرة، مع الأخذ بعين الاعتبار القرآئن المُتقدّمة والمضامين التي أشرتُ إليها ومضامين أخرى كثيرة. ● وقفة عند حديث الإمام الكاظم في [الكافي الشريف: ج8] (عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم “الإمام الكاظم عليه السلام” قلتُ: جعلت فداك، إنْ أذنتَ لي حدّثتك بحديث عن أبي بصير، عن جدّك أنّه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان: ثوب في الماء البارد وثوب على جسده يراوح بينهما، ثمّ ينادي حتّى يُسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمّد، فقال: صدقت) هذا المضمون ينسجم مع المضمون السابق (الإستغاثة بفاطمة بكلّ أشكالها) ولربّما للأمر رمزيّة وعلاقة، فإنّ الحمّى في أحاديث أهل البيت هي حظّ المؤمن من نار جهنّم، وفاطمة هي التي تفطم ذُرّيتها وشيعتها من النار. ● وقفة عند زيارة جامعة للأئمة أوردها ابن المشهدي في [المزار الكبير] ممّا جاء فيها، والخطاب للصدّيقة الكبرى: (السلام على الطاهرة الحميدة، والبرّة التقيّة الرشيدة، النقيّة مِن الأرجاس، المُبرّاة من الأدناس..) إلى أن تقول (فاطمة الأفطام، مُربيّة الأيتام). أفطام: جمع فطيم، والفطيم هو الذي فطمته عن النار، فطمته عن الشرّ.. فالزهراء فطمت ذُريّتها وشيعتها، وكلّ واحد من هؤلاء هو فطيم فاطمة. الأيتام: جمع يتيم، والأيتام بالعنوان الأوّل في لحن حديث أهل البيت هم شيعتهم المنقطعون عنهم، فهو وصف لشيعتهم في زمان الغَيبة. وقفة عند [حديث الكساء الفاطمي] أُشير فيها إلى جملة من المطالب التي ترتبط بهذه الوثيقة الأم في المعرفة الزهرائية. ● في بداية الحديث الشريف يقول رسول الله: (إنّي أجد في بدني ضعفا) هل النبي هنا يتحدّث عن مرض جسدي وضعف نفسي كما يقول السيّد الشيرازي في شرحه لحديث الكساء؟! أقول: أنّ هذا الكلام يُمكن أن يُقبل إذا كان الكلام بالمستوى العُرفي العادي، ولكنّ حديث الكساء من أوّله إلى آخره يُشير إلى مضامين في غاية العُمق، ولذا كلّ الملابسات لابدّ أن تُؤخذ بهذا الّلحاظ. ● قول النبي الأعظم (إنّي أجد في بدني ضعفا) هذه إشارة تُشير إلى طبيعة هذا العالم، فالضعف هو من شؤونات العالم الدنيوي. ● هذه التفاصيل المذكورة في حادثة الكساء الفاطمي (حضور النبي، وإتيان الزهراء بالكساء اليماني، واجتماعهم تحت الكساء) هذا التفصيل الذي تتحدّث عنه ألفاظ حديث الكساء إنّه يتحدّث عن أشخاصهم صلوات الله عليهم.. نفس الأشخاص الذين نزورهم في الزيارة الجامعة الكبيرة، وبعبارة أخرى: حديث الكساء يتحدّث عن هؤلاء الأشخاص الذين إذا مات ميّتهم فليس بميّت، وإذا قُتل قتيلهم فليس بقتيل. ● وقفة عند مقطع من خطبة لسيّد الأوصياء في نهج البلاغة: (أيّها الناس خُذوها عن خاتم النبيّين “صلّى الله عليه وآله” إنّه يموت مَن مات منّا وليس بميّت، ويبلى مَن بلي منّا وليس ببالٍ، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحق فيما تنكرون) ● (فلا تقولوا بما لا تعرفون) أي لا تُصدروا الأحكام على أساس احتمالات تحتملونها وظنون تظنّونها، أو وفقاً لاستحسانات وآراء تُنتجونها من عند أنفسكم، والسبب: أنّ أكثر الحقّ فيما تُنكرون، لذلك لا تتعجّلوا بالحُكم والبيان والشرح والتفسير لحوادث الدين والدنيا، فلو أنّ الشيعة تلتزم بهذه القاعدة لتغيّرت الأمور كثيراً. ● وقفة عند مقطع من حديث [المعرفة بالنورانية] لسيّد الأوصياء في [بحار الأنوار: ج26] يقول مُخاطباً سلمان وأبي ذر: (يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: إنّ ميتنا لم يمتْ، وغائبنا لم يغب وإنْ قتلانا لن يقتلوا) الأمير يُريد أن يُشير إلى أنّ هذه الطبقة التي نتلمّسها بالحواس ليست هي النهاية لهذا العالم.. الأمير يُشير إلى ما وراء هذه الطبقة، فهذه الطبقة التي نحن فيها هي قشرٌ ظاهر. هم صلوات الله عليهم ليسوا محبوسين بهذا القشر، نحن محبوسون بهذا القشر.. غاية ما نتجاوز هذا القشر – في أسمى ما يُمكن أن نصل إليه – أن نكتشف حقيقة هذا القشر.. أمّا هم صلوات الله عليهم فهم شأن آخر. ● حديث الكساء الفاطمي ليس كالواقعة التي حدثتْ في بيت أمّ سلمة.. حادثة بيت أم سلمة محدودة بحدود هذه الطبقة من العالم وهذا القشر الذي نحن فيه، أمّا ما جرى في بيت الزهراء فهو تجاوز لهذا القشر، وحديث الكساء الشريف يُشير إلى ذلك، فإنّ فاطمة كانت تنقل لنا الحديث من دون أن تنقله عن رسول الله، أو عن جبرئيل، بل مُباشرة تقول أنّهم بعد أن اجتمعوا تحت الكساء وقال رسول الله ما قال، تقول الزهراء: (فقال الله عزّ وجل يا ملائكتي ويا سُكان سماواتي…) فهذا المجلس الذي كان تحت الكساء ليس موجوداً في ذلك البيت الصغير الذي يُرى من خلال الحواس، بل يتجاوز هذا القشر.. ففاطمة تروي عن الله مباشرة. عرض مجموعة من الأمثلة من كلمات العترة تُقرّب الفكرة (أنّ حديث الكساء الفاطمي جرى في كلّ الطبقات). ● حديث الإمام الصادق عن مُصحف فاطمة: (قال: مُصحف فاطمة ما فيه شيءٌ من كتاب الله، وإنّما هو شيءٌ أُلقي عليها بعد موت أبيها صلّى الله عليه وآله) مُصحف فاطمة ليس فيه شيءٌ من كتاب الله، لأنّ الإمام هنا يتحدّث عن كتاب الله الذي يبدو في هذه الطبقة القشرية في ظاهره.. وقول الإمام (بعد موت أبيها) أي الموت القشري. ● رواية أخرى لصادق العترة يقول فيها: (إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السّلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة) وهنا طبقة ترتبط بالحديث مع جبرئيل. ● رواية أخرى عن الباقر أو الصادق: (وخلّفت فاطمة مُصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله أُنزل عليها إملاء رسول الله وخطّ علي) الرواية السابقة تقول أنّ من يُحدّث الزهراء جبرئيل، وهذه الرواية تقول إملاء رسول الله وخطّ علي. ● رواية أخرى عن صادق العترة: (وعندنا مُصحف فاطمة أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنّه إملاء رسول الله وخطّ علي) فالحديث في هذه الروايات عن طبقات. ● رواية أخرى عن صادق العترة أيضاً: (وإن عندنا لمُصحف فاطمة وما يُدريهم ما مصحف، مُصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، إنّما هو شيءٌ أملاها الله وأوحى إليها) وهذه الرواية تنسجم مع المضمون الوارد في حديث الكساء، فإنّ فاطمة تحدّث عن الله مُباشرة من دون واسطة، وكلّ هذا في الطبقة الأولى (التي هي ما وراء هذه الطبقة القشرية) التي قال فيها سيّد الأوصياء: إنّ ميّتنا لم يمت. ● وقفة عند مقطع من حديث [المعرفة بالنورانية] لسيّد الأوصياء: (وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين) هذه هي بعينها الطبقة التي يُريد حديث الكساء أن يُفهمنا كيف تحقق على أرض الواقع. ● فحديث الكساء يُحدّثنا عن مجلس، عن واقعة، عن ظهور، عن تجلّي (عبّر ماشئت) حدث في هذا العالم في بيت فاطمة، ولكن في طبقة تتجاوز هذه الطبقة المحسوسة القشرية.. والوجود فيه طبقات لا عدّ ولا حصر لها، وأهل البيت لهم ظهورات في كلّ تلك الطبقات.. ونحن لا نعرف عدد تلك الطبقات، ولا نستطيع أن نُحيط بظهوراتهم.. كلّ ما بأيدينا هو نصوص تُخبرنا عن بعض تلك المضامين بلسان المداراة، وبحسب مدارك عقولنا. ● وقفة عند رواية الإمام الباقر في [ تفسير البرهان: ج8]: (يقول: بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله، وسقف بيتهم عرش رب العالمين، وفي قعر بيتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي – النازل والصاعد- والملائكة، تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساء وكلّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد…) إلى أن تقول الرواية: (وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفاً غير العرش، فبيوتهم مسقّفة بعرش الرحمن…فقلت: هذا التنزيل؟ قال: نعم) قطعاً الحديث هنا ليس عن البيت المحسوس، هذه طبقة أخرى ● قول الرواية (لا يجدون لبيوتهم سقفاً غير العرش) يعني لا توجد قيود تقيّدهم، وهذا هو الذي يتحدّث عنه حديث المعرفة بالنورانية حين يقول سيّد الأوصياء: (لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنّة والنار، ونعرج به – أي بالإسم الأعظم – إلى السماء ونهبط به الأرض ونُغرّب ونُشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عزّ وجل ويطيعنا كلّ شيء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر…) هذه المضامين تتحدّث عن طبقة ثانية، وفي هذه الطبقة أيضاً يتحقّق حديث الكساء الفاطمي. ● حين قال رسول الله (فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) هذا وحيٌ صاعد، وحين نزل جبرئيل بالآية هذا وحيٌ نازل، وفاطمة تُحدّث عن مجلس في الملأ الأعلى فتقول: (فقال الله عزّ وجل…) وجبرئيل من دون وقت ومن دون فواصل يأخذ الإذن من الله وينزل (وهنا ينتفي الزمان والكان) هنا اشتغلتْ قوانين الطيّ والنشر التي تقدّم الحديث عنها في حلقات سابقة من هذا البرنامج. كلّ هذه الحيثيّات هي التي تجعل حديث الكساء الفاطمي مُختلفاً عن الواقعة التي حدثت في بيت أمّ سلمة. ● وقفة عند طبقة أخرى من طبقات الوجود تتحدّث عنها الزيارة الجامعة الكبيرة حين تقول: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحدقين) العرش يسع الكرسي، والكرسي يسع السماوات والأرض (وسع كرسيّه السماوات والأرض) والزيارة الجامعة تقول: فجعلكم بعرشه مُحدقين.. أي مُحيطين، فهم أوسع من العرش. ● وقفة عند رواية النبي الأعظم في كتاب [العوالم – عوالم الزهراء ج1]: (ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض) ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [علل الشرائع] وهو يُحدّثنا عن مرحلة من مراحل الخلقة. (عن جابر الجعفي عن إمامنا الصادق، قال: قلتُ له: لم سُميّت فاطمة الزهراء زهراء فقال: لأنّ الله عزّ وجل خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقتْ أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيتْ أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين..) إلى أن تقول الرواية: (ثمّ أمر الله الظلمات أن تمر على سحائب النطر، فأظلمتْ السماوات على الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح والتقديس، وقالت: إلهنا وسيدنا، منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح – أي الأشباح المقدّسة – لم نرَ بؤسا، فبحق هذه الأشباح إلّا ما كشفتْ عنّا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش، فأزهرتْ السماوات والأرض، ثمّ أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سمُيّت الزهراء..) قناديل الوجود مُشتقة من نور الصدّيقة الكبرى. ● وهناك طبقة أرقى تتحدّث عنها الزيارة الجامعة الكبيرة حين تقول: (وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت) هذه الطينة الواحدة إليها الإشارة في دعاء المبعث: (وباسمكَ الأعظم الأعظم الأعظم، الأجلّ الأكرم الذي خلقته فاستقرّ في ظلّك، فلا يخرج منك إلى غيرك) هذه طبقة رابعة. (علماً أنّني حين أتحدّث عن هذه الطبقات فإنّني لا أحصرها، فإنّني لا أعلم عددها ولا أحد يعلم بذلك، وإنّما هو التدبّر والنظر في أحاديث أهل البيت والتفكّر في شؤونها والجمع فيما بينها، والمقارنة فيما جاء في الأحاديث التفسيرية وما جاء في الأدعية والزيارات هو الذي يُمكّننا أن نُشير لهذه الطبقات، وكل هذه المضامين التي بُيّنت لنا بُيّنت على أساس قانون المدارة.. ولكن في مستوى الطينة الواحدة يأتي هذا المعنى (الذي خلقته فاستقرّ في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك). ● وقفة عند رواية الإمام الصادق في [الكافي الشريف: ج1] وهو يُحدّثنا عن هذا الإسم الأعظم، فيقول: (إنَّ الله تبارك وتعالى خلق اسْماً بالحروف غير متصّوت، وبالَّلفظ غيرَ مُنْطق وبالشخص غيرَ مُجسَّد والتَّشبيه غيرَ موصوف وبالَّلون غيرَ مصبوغ، منفيٌ عنه الاقطار، مبعَّد عنهُ الحدود، محجوبٌ عنه حسّ كلّ متوهم، مستترٌ غيرُ مستور، فجعله كلمة تامّة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل آخر، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب منها واحداً وهو الإسم المكنون المخزون، فهذه الأسماء التي ظهرتْ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى…) ● نحن الآن تحدّثنا عن 4 طبقات: الطبقة 1: طبقة تتجاوز هذا القشر الظاهر الذي نعيش فيه، هذه الطبقة هي (طبقة إنّ ميّتنا لم يمت، وغائبنا لم يغب) والحديث في المظاهر التكوينية وفي تجلّيات الكلمة الأتم.. ونحن نخاطب أهل البيت ونقول لهم أنّنا نؤمن بظاهرهم وباطنهم وسرّهم وعلانيتهم، وأوّلهم وآخرهم.. هذه الطبقة هي التي تحدّثتْ عنها واقعة حديث الكساء الفاطمي، وهناك طبقات أخرى الواقعة حدثت فيها أيضاً وسيأتي بيان ذلك. الطبقة 2: هي الطبقة التي أشرتُ إليها (طبقة الطينة الواحدة، النور الواحد) وهي طبقة ما قبل التمايز، وهي نفسها التي أشار إليها دعاء ليلة المبعث (وباسمكَ الأعظم الأعظم الأعظم، الأجلّ الأكرم الذي خلقته فاستقرّ في ظلّك، فلا يخرج منك إلى غيرك) هذه الطبقة هي الطبقة التي كلّ ما بأيدينا من الإشارات ومن حديث عن الأسماء الحسنى وعن الإسم الأعظم وعن الصفات العليا، وكلّ التفاصيل التي تحدّث عنها دعاء البهاء هي في هذه الطبقة.. هو الإسم الذي قرأت عليكم أوصافه قبل قليل في رواية الإمام الصادق (الإسم الذي خلقه الله بالحروف غير متصوّت وبالّلفظ غير منطق). أمّا المرتبة التي تلي هذه المرتبة والتي جاء ذكرها في دعاء إمام زماننا في شهر رجب عن إمام زماننا (لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقُك) فإنّ تجلّي هذا المعنى في مجريات حديث الكساء يُمكن أن نتلمّسه بعد اجتماعهم تحت الكساء وبعد أن صعد الوحي المحمّدي، ونزل الوحي الجبرئيلي، فنفس الآية نطق بها محمّد صلّى الله عليه وآله قبل هبوط جبرئيل.. فالوحي النازل كان صدىً للوحي الصاعد. الطبقة 3: وهي التي تحدّث عنها إمام زماننا وقال (لا فرق بينك وبينها..) هنا تتلاشى جميع الإشارات.. وكلّ حديث عن الأسماء الحسنى، وعن الإسم الأعظم وعن الصفات العليا، كلّ ذلك يتجلّى في الطبقة السابقة (ونوركم واحد وطينتكم واحدة) أمّا طبقة (لا فرق بينك وبينها..) فإنّنا لا نملك إشارة تُشير إليها، فهي طبقة تتلاشى فيها الإشارات، وتغيب فيها الإسماء، مثلما جاء في حديث الكافي الشريف (عن سليمان بن خالد قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عز وجل يقول: {وأنّ إلى ربّك المنتهى} فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا) ● وقفة عند (حديث الحقيقة) لسيّد الأوصياء مع كميل والذي يتحدّث عن الطبقة الخالية من الإشارات: (حيث قال: يا أمير المؤمنين ما الحقيقة؟ فقال: فقال له الإمام: مالك والحقيقة يا كميل ؟ فقال كميل: أولستُ صاحب سرّك، قال: بلى، ولكن يرشح عليكَ ما يطفحُ منّي، فقال كميل: أو مثلك يُخيّب سائلا؟ فقال الإمام: الحقيقة كشفُ سُبحات الجلال مِن غير إشارة، فقال كميل: زدني بياناً. قال : محو الموهوم وصحو المعلوم. قال كميل: زدني بياناً، قال الإمام: هتك الستر وغلبة السر. قال كميل: زدني بياناً. قال الإمام: جذب الأحدية لصفة التوحيد. قال : زدني بياناً، قال: نورٌ يُشرق من صبح الأزل، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره. قال كميل: زدني بياناً. قال الإمام: إطفِ السراج، فقد طلع الصبح) هذه الطبقة التي لا نملك عنها إشارات ولا رموز. ● قول الإمام: (أطفِ السراج) السراج إشارة إلى الإدراك (سواء كان إدراك عن طريق الحواس، الوجدان، الفطرة، العقل، البصيرة…) أو أي وسيلة من وسائل الإدراك التي ترتبط بعالم الشهادة أو عالم الغيب.. فالحقيقة صارت من الاتّساع بحيث لا نملك عليها أو إليها شارة.. بطلوع الصبح لا قيمة للسراج حينئذٍ والسراج حينئذٍ ليس قادراً على أن يُدرك الصبح! (فلا يُمكن أن تضع بحراً في إبريق). ولذا في هذه الطبقة (طبقة: لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقُك) تتلاشى كلّ المعاني، ولا يبقى إلّا معنى واحد هو معنى الصبح، ولذا علينا أن نُطفئ السراج. هذه المقامات والطبقات التي أشرتُ إليها، في كلّ هذه الطبقات تحقّق معنى حديث الكساء الفاطمي، وقطعاً في كل طبقة بما يناسبها ● وقفة عند حديث الإمام الصادق في [بصائر الدرجات] لتقريب الفكرة (فكرة وقوع حديث الكساء في طبقة أخرى، خارج هذه الطبقة القشرية) : (لمّا قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله، هبط جبرئيل ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره، فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي صلّى الله عليه وآله معه ويصلّون عليه ويحفرون له، والله ما حفر له غيرهم..) أي أنّ التفاصيل الحقيقية جرت في طبقة أخرى. ● وقفة عند مقطع من رواية طويلة مفصّلة عن إمامنا السجاد، يُحدّثنا عن شهداء الطف، يقول: (فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحلل، وحنّطوها بذلك الطيب، وصلّت الملائكة صفّاً صفّاً عليهم) هذه التفاصيل التي ذُكرت في الرواية جرت في طبقة أخرى.. نحن نعيش في القشر، فهذا الوصف لم يره أحد من الأسديين أو من الأرضيين عموماً، فإذا كان هذا الوصف يجري لشهداء الطف، فإنّ هذا الوصف سيكون موجزاً ومختصراً بالنسبة لرسول الله، والبيانات تأتي بحسب المتلقّي.. وهذا الذي أقوله أنّ حديث الكساء جرى في كلّ الطبقات، وهذا هو السرّ في حديث الكساء. قطعاً كلّ هذه المقامات لا حدود لبواطنها.. كلّ هذه الطبقات لها مراتب ولها بواطن لا حدود لها، وفي كلّ هذه الطبقات فاطمة هي (المحور).. مثلما كانت هي المحور في هذه العبارة من حديث الكساء (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها). الطبقة 4: هي الطبقة التي يحدث فيها التمايز.. والزهراء في أفق التمايز هي ثالث الأئمة (محمّد وعلي وفاطمة) كما تُشير إلى ذلك حديث الإمام الجواد مع محمّد بن سنان: (عن محمد بن سِنان قال: كنتُ عند أبي جعفر الثاني فأجريتُ اختلاف الشيعة فقال: يا محمّد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، كان ولم يكن معه شيء ثمّ خَلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمَكثوا ألفَ دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أمورها إليهم فهُم يُحلّون ما يشاءون ويُحرّمون ما يشاؤون، ولن يشاءوا إلّا أن يشاءَ الله تبارك وتعالى، ثمّ قال: يا محمّد هذه الدّيانة التي مَن تقدّمها مَرَق ومن تخلّف عنها مَحَق ومن لزمها لحِق خذها إليك يا محمّد). الرواية هنا تتحدّث عن المراتب وعن الطبقات التي يحدث فيها التمايز. ● أمّا مرحلة ما قبل التمايز (طبقة الطينة الواحدة، والنور الواحد) والتي أشرتُ إليها، فيُحدّثنا عنها الإمام الصادق فيقول: (إنّ الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان، وخلق نور الأنوار – هذه هي الطينة المرحلة التي ليس فيها تمايز-، الذي نُوّرت منه الأنوار وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار وهو النور الذي خلق منه محمّداً وعليّاً، فلم يزالا نورين أوّلين، إذ لا شيء كُوّن قبلهما) من خلال الإشارات السريعة إلى كلّ هذه النصوص وكلّ هذه المضامين والحقائق والبيانات، نجد أنّ كلّ هذه المضامين هي في أجواء حديث الكساء، وحديث الكساء حديث فاطمي جرى في بيت فاطمة، وفاطمة كانت المحور في كلّ تفاصيل هذا الحديث، وكل رموز هذا الحديث موجودة في زيارتها الشريفة. ● أشار النبي في حديث الكساء إلى نوريّتهم الواحدة في حديث الكساء حين قال: (الّلهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي وحامَّتي لحمهم لحمي ودمُهم دمي، يؤلمني ما يُؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمَن حاربهم، وسلْم لمَن سالمهم، وعدوٌ لمَن عاداهم، ومُحبٌ لمن أحبهم، إنّهم منّي وأنا منهم) هذا التفصيل يتناسب مع هذا العالم (في هذا العالم يُوجد دم ولحم، ويوجد ألم وحزن، ويوجد حرب وسلم، وتوجد عداوة ومحبّة) ● قول النبي الأعظم (فاجعل صلواتك وبركاتك..) هذه صلوات خاصّة.. وليست كالصلاة التي يُصلّي الله فيها وتُصلّي الملائكة معه، فصلوات الملائكة هنا لم تُذكر لأنّ هذا المجلس مجلس خاصّ، وحتّى التطهير المذكور في حديث الكساء يختلف عن كلّ معاني التطهير التي يتحدّث عنها المفسرّون وعلماء الكلام، فهو تطهير خاصّ من الله بشكل مباشر دون وسائط، وهذا المعنى موجود في زيارات سيّد الشهداء وفي زيارات الأئمة، والتطهير المذكور في زيارة الزهراء ما هو إلّا صدىً لهذه الطهارة التي لا نعرف معناها. ● وقفة عند حديث النبي الأكرم في [تفسير الإمام العسكري] والتي تُشير إلى محورية الزهراء في الآخرة: (إنّ الله تعالى إذا بعث الخلائق مِن الأوّلين والآخرين نادى منادي ربّنا مِن تحت عرشه: يا معشر الخلائق غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين على الصراط. فتغض الخلائق كلّهم أبصارهم، فتجوز فاطمة على الصراط، لا يبقى أحد في القيامة إلّا غضّ بصره عنها إلّا محمّد وعليّ والحسن والحسين والطاهرون مِن أولادهم فإنّهم أولادها، فإذا دخلتْ الجنّة بقي مرطها – ما تلتحف به النساء – ممدوداً على الصراط، طرفٌ منه بيدها وهي في الجنّة، وطرف في عرصات القيامة. فينادي منادي ربّنا: يا أيّها المُحبّون لفاطمة تعلّقوا بأهداب – أطراف – مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين، فلا يبقى محبّ لفاطمة إلّا تعلّق بهدبة مِن أهداب مرطها، حتّى يتعلق بها أكثر مِن ألف فئام وألف فئام، قالوا: كم فئامٌ واحد؟ قال: ألف ألف ينجون بها من النار). ألا تلاحظون أنّ الأحاديث كلّها تدور وتدور وتجعل فاطمة هي المُنجية الراعية المُعينة الشفيعة.. وهذا المضمون رمزيته واضحة في حديث الكساء، فهي الراعية لرسول الله وللمجلس، وهي المكمّلة للمجلس، وهي التي حدّثتنا عن هذا المجلس، وحين سأل جبرئيل وكان الجواب من قِبل الله تعالى قال: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) ومرّت الإشارة يوم أمس عن رواية الإمام الصادق في معراج النبي، والتي جاء فيها – والخطاب من الله تعالى لنبيّه الأعظم- يقول: (فقال له: اقرأ {قلْ هو الله أحد} كما أُنزلتْ، فإنّها نِسبتي ونعتي..) إلى أن يقول: (ثمّ قال لي: اقرأ {إنّا أنزلناه} فإنّها نسبتكَ ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة..) ● وقفة عند سورة التوحيد: الكلمة الأصل الجامعة في سورة التوحيد هي الضمير (هو) ضمير الشأن.. {قل هو الله أحد*الله الصمد…} التفصيل الذي ورد في هذه العبائر من سورة التوحيد هو للضمير (هو)، وهذه السورة أُنزلت للمُتعمّقين في آخر الزمان كما يقول إمامنا السجاد في الكافي الشريف. ● وقفة عند سورة القدر: في قوله تعالى {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} ضمير (هـُ) في أنزلناه هو نفس الضمير (هو) في سورة التوحيد.. (هذا الضمير الذي يُشير إلى الهويّة الغَيبيّة، إنّها غيب الغيوب) وهذا هو المضمون نفسه الوارد في كلمة النبي الأعظم: (فاطمة بابها بابي وحجابها حجابي) وحرقُ منزلتها هو حرقٌ لدارها، فحرقُ منزلتها أسوأ بكثير من حرق المنزل.. والنبي لعن من يهتك حجابها ويُحرق بابها! ● إذا أردنا أن نُلقي نظرة على الصلوات الخاصّة (صلاة محمّد، وصلاة علي، وصلاة فاطمة) في بدايات مفاتيح الجنان.. هذه الصلوات فيها رمزية واضحة جدّاً: ● صلاة النبي بفاتحة الكتاب وبسورة القدر. ● صلاة عليّ بفاتحة الكتاب وبسورة التوحيد. ● صلاة الزهراء بفاتحة الكتاب وبالقدر والتوحيد. (لأنّها هي القيّمة فهي الحقيقة الجامعة المحيطة، وهي الرابطة بين النبوّة الولاية بلحاظ من الّلحاظات). ● في سورة القدر التي هي في مضمونها قرينة لحديث الكساء الشريف، نقرأ هذه الآية: {تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر}. السورة واضحة تتحدّث عن حكومة تكوينية، وعن إدارة وإشراف على العوالم العلوية فضلاً عن السفلية، فهاهم الملائكة والروح الأعظم قد نزلوا إلى صاحب الأمر (من كلّ أمر). هذا المضمون هو نفس المضمون الموجود في سورة النساء، قوله تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله مِن فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكا عظيماً} سيّدة آل إبراهيم هي فاطمة.. ففاطمة آتاها الله الكتاب والحكمة وآتاها الملك العظيم. ● وقفة عند حديث الإمام الباقر مع بريد العجلي لبيان ما هو الملك العظيم المذكور في سورة النساء آية 54: (قال: قلتُ: {وآتيناهم ملكا عظيما} قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومَن عصاهم عصى الله فهو الملك العظيم) ● رواية أخرى (عن أبي بصير عن أبي جعفر في قول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيما} قال: الطاعة المفروضة) هذه الآية تثبت الولاية لفاطمة بكلّ معانيها (الولاية الكونية، الأرضية، السياسية…) والمضمون الموجود في سورة القدر يلتقي مع هذا المضمون ● إذا ما جمعنا مضامين حديث الكساء مع مضامين سورة القدر مع الآية 54 من سورة النساء، إذا جمعنا كلّ هذه المعاني فسنجد أنّ فاطمة إماماً وإماماً للأئمة كذلك. وقفة تعرض ملخّص لِما جاء من مطالب في هذه الحلقة.