الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٥٤ – معانى الصّلاة ج١١ Show Press Release (12 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 154 – معانى الصّلاة ج11 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (2 More Words) يا زهراء ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الأحد 23 ربيع الثاني 1438هـ الموافق 22 / 1 / 2017م هذه هي الحلقة (11) من مجموعة حلقات “معاني الصلاة”.. قطعاً طال الحديث وكثُرتْ الساعات وتشعّب الكلام، والشيء الطبيعي في مثل هذه الحالة أنّ المعاني سوف تتشتّت في أذهانكم.. لكنّي سوف أوجزها لكم في آخر الحديث.. أُوجزها بشكل مُختصر وسهل إن شاء الله. هناك ضرورة لتطويل الحديث في بعض الجهات وإلّا سوف لن تتضح الصورة بشكل كامل.. خصوصاً وأنّ الحديث في موضوعات تُطرح لأوّل مرّة. تقدّم الحديث فيما جاء عنهم صلوات الله عليهم (في علّة تشريع الصلاة، في الحكمة منها، في أجوائها، في مضامينها..) إلى أن وصل حديثنا إلى أنّهم صلوات الله عليهم أولياء النعم، ثُمّ انتقل الحديث إلى أنّهم وجه الله الذي إليه نتوجّه.. قطعاً كلّ هذه العناوين كان الكلام فيها وحولها مُشْبعاً بنصوص الكتاب الكريم وبالكلمات المعصومية وبزيارتهم وأدعيتهم الشريفة.. ولازال الحديث يتواصل، فهناك جهات عديدة أخرى بقيت لابدّ أن أقف عندها وأبسط القول فيها حتّى تتكامل الفكرة بشكل واضح وبيّن. في هذه الحلقة سأسلّط الضوء أوّلاً على موضوع (النيّة) التي رُبيّنا عليها مِن خلال المؤسسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة.. وكذلك عَلّمْنا الناس عليها بعد أنّ تعلّمناها من المراجع والفقهاء.. وصارت القضية ملازمة لنا.. (أنّ النيّة لابدّ مِن استحضارها ولابُدّ من تلفّظها)! الكثير مِن الناس يتلفّظونها بجوهر الصوت بحيث أنّ الصوت يكون مسموعاً (أُصلّي صلاة الصبح…) يتلفّظون هذه الكلمات بشكل واضح وبيّن. ● والبعض مِن المُصلّين يتلفّظونها تلفُّظاً خافتاً.. (ومُشكلة الكثيرين في هذه المنطقة من الصلاة: منطقة النيّة). بينما (النيّة) كما بيّنت في الحلقات السابقة هي المضمون والفحوى الذي يحمله الإنسان في داخله.. فمُنذ أن بايعنا بيعة الغدير فإنّنا بايعنا المعصومين جميعاً إلى إمام زماننا.. بايعناهم على العبودية والطاعة والتسليم لأمرهم. ● ربّما يرفض البعض استعمالي لِمُصطلح (العُبوديّة في حقّ أهل البيت). وأقول: أنّ مَن يرفض ذلك هو حُرّ إذا كان بايع على غير العُبودية.. أمّا أنا فبيعتي لمحمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم، بيعتي لإمام زماني فهي على العبوديّة (عبوديّة الرقّ، وعُبوديّة السالميّة والتسليم، وعلى العبوديّة بكلّ معانيها وأشكالها). ● فمُنذ أن بايعنا مُحمّداً صلّى الله عليه وآله بايعنا المعصومين الأربعة عشر على العبودية بكلّ مراتبها وعلى الطاعة والخضوع والانقياد والتسليم. (قطعاً نحنُ لا نفي بذلك.. وإن وفينا بجزءٍ من ذلك فهو بتوفيق نبيّنا صلّى الله عليه وآله، ولكنّ الأمل في قلوبنا ونفوسنا يبقى متّجهاً إليه).. وحين بايعنا بيعة الغدير إنّنا بايعنا أئمتنا إلى إمامنا الثاني عشر.. وحين بايعنا إمام زماننا فقد بايعناه على كلّ ديننا ودُنيانا، وجُزء مِن ديننا العبادات التي يُشترط في صحتها أن تكون بعنوان القُربة والتقرّب لله تعالى.. فمع بيعتنا لإمامنا انعقدت النيّة.. ومن هنا مَن لم تكن بيعته صحيحة فعبادته ليست صحيحة، ومن كانت بيعته صحيحة فعبادته صحيحة.. وهذا هو الذي تنطق به الروايات (من أنّ شرط قبول الصلاة الولاية).. فالنيّة للصلاة وللصيام وللحجّ ولسائر العبادات مُنعقدة مع بيعتنا للحجّة بن الحسن. ● لو رُبيّنا بهذه التربية وأُنشئنا هذا الإنشاء، فهل بقينا على هذا الحال نُشابه الشوافع في قضيّة النيّة في الصلاة؟! ● لو ثُقّفنا على المعاني التي مرّ ذكرها في الوضوء والطهارة والتهيّأ للصلاة ومعاني الأذان والإقامة؟! لو رُبيّنا على ذلك، هل نحتاج إلى هذه النيّة التي نتلفّظ بها بالصوت الظاهر أو بالصوت المخفي؟! المعاني التي مرّ ذكرها عن آل محمّد في الوضوء والطهارة ومُقدّمات الصلاة، هذه المعاني تصنع جوّاً يصنع منّا وفي داخلنا فحوى الولاية وفحوى القربة من دون الحاجة إلى هذه النية التي علّمتنا إيّاها المؤسسة الدينية الشيعة. سأمرّ على نماذج من كتبنا في المكتبة الشيعية.. أبحث عن هذه (النيّة) التي تعلّمها الناس من المؤسسة الدينية.. وقد رأيتُ الكثير من العمائم الكبيرة في الواقع الشيعي حائرون في مسألة النيّة! لو كانت هذه العمائم ثُقّفت بثقافة أهل البيت.. هل احتاجتْ عن تقع في هذه المُشكلة؟! (علماً أنّي لا أستثني نفسي من هذه المُشكلة ولا أستثني أقرب الناس إليّ ولا أبعد الناس..) نحن كلّنا وقعنا في هذا الفخ الشيطاني، سواء كُنّا شكّكاين أو لم نكن. ● النيّة التي يُريدها أهل البيت عليهم السلام – كما بيّنت – أن نعيش فحوى الولاء لمحمّد وآل محمّد من دون هذه الصِيغ. (حينما يستيقظ الإنسان من نومه لصلاة الصبح وهو مُتعب بحاجة إلى النوم.. ولكنّه يستيقظ ويذهب ليتوضأ كي يُصلّي.. فهل هو بحاجة إلى ألفاظ يتلفّظها كي يقول ما يُريد أن يفعل، وأن يستحضر جُمل معيّنة في الوقت الذي يُطلب مِنه أن يعيش في أجواء إمام زمانه؟!) مرور على نماذج من كُتبنا الشيعية. الكتاب (1): هو أقدم كتاب حديثي عندنا وهو عبارة عن رسالة عمليّة ، وهو أقدم كُتبنا [الكافي الشريف :ج3] تحت عنوان: باب افتتاح الصلاة والحدّ في التكبير وما يُقال عند ذلك.. جاءت فيه هاتان الروايتان: — (عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا قمتَ في الصلاة فكبّرت، فارفع يديك، ولاتُجاوز بكفّيك أذنيك – أي حيال خدّيك -) – (عن زُرارة، قال: أدنى ما يُجزئ مِن التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، وثلاث تكبيرات أحسن، وسبع أفضل) ثُمّ تتحدّث الروايات عن الأدعية التي تُقرأ.. ولا أثر للنيّة ولذكرها أبداً في تفاصيل الصلاة! (وهذا هو أقدم وأهمّ الكتب الشيعية، والشيخ الكليني جعل هذا الكتاب بمثابة رسالة عملية للشيعة) لا أثر للنيّة في الكتاب، باعتبار أنّ النيّة لابدّ أن تكون مُتحقّقة على طول الخط. الكتاب (2): هو الرسالة العملية الأقدم عند الشيعة، وهي كتاب [المُقنعة] للشيخ المفيد الذي يُمثّل أوّل مرجعية شيعية رسمية عامّة معروفة مبسوطة مُتّفقٌ عليها.. وكانت الشيعة كلّها تعمل بهذه الرسالة. ● بعد أن ذكر الشيخ المفيد فصول الأذان والإقامة دخل في باب كيفية الصلاة.. قال: (فإذا زالتْ الشمس، وعرفَ ذلك الإنسان بإحدى علامات زوالها التي ذكرناها فليسبغ وضوئه إنْ كان على حدث يُوجب الطهارة، وليتوجّه إلى القِبلة خاشعا مُقبلاً على صلاته بقلبه وبدنه، وليستفتح الصلاة بالتكبير، فيقول: الله أكبر..) هذه أقدم رسالة عمليّة للشيعة فهي الأقرب إلى عصر الأئمة، ورغم ذلك لا أثر فيها للنيّة.. يعني أنّ الشيعة هكذا كانوا يفتتحون الصلاة بالشكل الذي ذكره الشيخ المفيد (من دون النيّة التي رُبيّنا عليها). الكتاب (3): كتاب يُعدّ من أكبر الجوامع الحديثية عند الشيعة التي يرجع إليها الفقهاء والمراجع في الفُتيا والاستنباط.. وهو كتاب [وسائل الشيعة] للحرّ العاملي. ● وقفة عند المجلّد الرابع من هذا الكتاب.. الذي وضع فيه الحرّ العاملي أبواباً عنونها: أبواب النيّة. إذا ما ذهبنا إلى الروايات الموجودة تحت هذا العنوان، سنجد أنّها لا علاقة لها بهذه النيّة التي ابتُليت الشيعة بها ! على سبيل المثال: ● الرواية الأولى (عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجّاد، قال: لا عمل إلّا بنيّة) ● الرواية الثانية (إنّما الأعمال بالنيات) إلى أن يقول الحرّ العاملي: (وتقدّم ما يدلّ على ذلك وعلى جملة من أحكام النيّة في مقدّمة العبادات – أي في الجزء الأوّل من الوسائل). إذا ذهبنا للروايات الموجودة تحت هذا العنوان في [وسائل الشيعة: ج1] فإنّنا لا نجد رواية واحدة تتحدّث عن هذا الذي رُبيّنا عليه. فلا تُوجد روايات في هذا الكتاب تتعلّق بالموضوع.. وأنا جِئت بهذا الكتاب باعتبار أنّه مِن الكتب الحديثية المُتأخرة. الكتاب (4): كتاب [جامع أحاديث الشيعة] وهو أكبر الجوامع الحديثية التي جُمعت فيها أحاديث الفتوى والاستنباط. حين نقف عند الجزء الأوّل من هذا الكتاب.. لن نجد فيه شيء لا من قريب ولا من بعيد يتحدّث عن النيّة التي علّمتنا إيّاها المؤسسة الدينية الشيعية. هذا هو كلّ ما ورد في الكتب الفقهية الحديثية من روايات بخصوص النيّة.. وكما ترون لا يوجد شيء بهذا الخصوص لا مِن قريب ولا مِن بعيد بالشكل الذي رُبيّنا عليه! ● مُشكلتنا بدأت مع الشيخ (( الطوسي ))، خصوصاً بعد أن انتقل إلى النجف وأسّس الحوزة العلمية الدينية الشيعية في النجف! مرور على كُتب الشيخ الطوسي (المعروف بشيخ الطائفة) التي تتحدّث عن نصفه الشيعي (فالشيخ الطوسي نصفٌ شيعي، ونصفٌ شافعي.. فقد تأثّر كثيراً بالفكر الشافعي بسبب دراسته له). الكتاب (1): هو كتاب [تهذيب الأحكام] للشيخ الطوسي وهو كتاب حديثي ولكن الشيخ لطوسي رتّب هذا الكتاب على أساس أنّه شرح لكتاب [المُقنعة] للشيخ المفيد.. وقد كتب هذا الكتاب في حياة الشيخ المفيد. ● الشيخ الطوسي منذ بداية حياته تتلمذ على أيدي المُخالفين، وهذا الأمر معروف في تأريخه. (وقد تحدّثتُ عن هذا الموضوع بشكل مفصّل في الحلقات الأولى من برنامج [الكتاب الناطق] راجعوا الحلقات التي تحدّثتُ فيها عن الشيخ الطوسي). ● يقول الشيخ الطوسي في مقدّمة كتابه [تهذيب الأحكام]: (سمعتُ شيخنا أبا عبد الله أيّده الله تعالى) عبارة “أيّده الله تعالى” هذا التعبير يُقال للحيّ وليس للميّت.. فهذه العبارة للشيخ الطوسي تُشير إلى أنّه كتب كتاب [تهذيب الأحكام] في حياة الشيخ المفيد الذي كُنيته (أبا عبدالله). ● وقفة عند الجزء (2 )من كتاب [تهذيب الأحكام] للشيخ الطوسي – باب كيفية الصلاة. حين نرجع إلى الباب نجد أنّ الشيخ الطوسي هو أيضاً لم يتحدّث عن النيّة أبداً (باعتبار أنّ كتابه [تهذيب الأحكام] هو شرح للمُقنعة.. والشيخ المفيد لم يذكر النيّة في المُقنعة.. فالشيخ الطوسي هنا أيضاً لم يذكر إطلاقاً النيّة لا مِن قريب ولا من بعيد كما فعل الشيخ المفيد.. ولكنّه فعل شيء غريب جدّاً وهو: أنّ الشيخ المفيد في كتابه [المقنعة] ذكر صيغة لدعاء التّوجه في الصلاة – الذي تُستحبّ قراءته بعد تكبيرة الإحرام بحسب روايات أهل البيت – هذه الصيغة تشتمل على ذكر أمير المؤمنين عليه السلام – وهي كالتالي: (وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مُسلماً على ملّة إبراهيم، ودين محمّد، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وما أنا مِن المُشركين..) ولكنّ كتاب [تهذيب الأحكام] الذي هو شرحٌ للمقنعة، لم يذكر فيه الشيخ الطوسي هذه الصيغة لدعاء التوجّه التي تشتمل على ذكر عليّ.. بل جاء بصيغة أخرى للأدعية – صحيح أنّها وردت عن الأئمة – ولكنّها خليّة من ذكر عليّ! فهي تُشابه صيغة دعاء التوجّه الذي ذكره الشافعي؟! مع أنّه – أي الشيخ الطوسي تعهّد في مُقدّمة كتابه تهذيب الأحكام أنّه سيتناول كلّ المسائل التي ذكرها الشيخ المفيد في المقنعة، ويشرحها مسألةً مسألة! ولكنّه لم يلتزم بهذا العهد. (علماً أنّ الشيعة يُخالفون الأئمة ويأتون بدعاء التوجّه في الصلاة قبل تكبيرة الإحرام، ومن دون ذكر محمّد وعليّ! – وقد تحدّثت عن ذلك في الحلقات الأولى من هذا البرنامج) مع كلّ ذلك .. فإنّ كتاب [تهذيب الأحكام] لشيخ الطوسي خليّ من الحديث عن النيّة بالشكل الذي رُبيّنا وعُلّمنا عليه.. وعَلّمنا الناس عليه. الكتاب (2): من كُتب الشيخ الطوسي: كتاب [الاستبصار] وهو أحد الأصول الأربعة.. وقد ذكر الشيخ الطوسي في المُقدّمة هذا الكلام: أنّ هذا الكتاب (يصلح أن يكون كتاباً مذخوراً يلجأ إليه المُبتدي في تفقّههِ، والمُنتهي في تذكّره، والمُتوسّط في تبحّره، فإنّ كلاً منهم ينال مطلبه ويبلغ بُغيته..) فهو جمع في هذا الكتاب الأحاديث المُختلفة وهو من الأصول الحديثية في باب الأحكام والفُتيا.. وهو كتاب معروف. (ويبدو أنّه ألّفه بعد وفاة الشيخ المفيد، لأنّه ترحّم على الشيخ المفيد في مقدّمة هذا الكتاب). إذا ذهبنا إلى الأبواب من فاتحة الصلاة إلى خاتمتها في هذا الكتاب، سنجد أيضاً أنّه لا يُوجد ذكر للنيّة التي رُبيّنا عليها في الواقع الشيعي! الكتاب (3): من كتب الشيخ الطوسي في نصفه الشيعي: هو كتاب [النهاية] وهو الرسالة العمليّة للشيخ الطوسي التي ألّفها للشيعة في زمان مرجعيّته (ولذلك أنا عددتها من كتب الشيخ الطوسي في نصفه الشيعي) وهي من أشهر الرسائل العملية في التأريخ الشيعي، فلقد عُمِل بها لفترة زمنيّة طويلة.. وبعد وفاة الشيخ الطوسي أكثر من 100 سنة بعد وفاته الناس تُقلّده وتعمل برسالته، حتّى سُميّت تلك الفترة بفترة الفقهاء المُقلّدة – راجعوا كتب التراجم وكتب تأريخ علماء الشيعة. ● هذه الرسالة في أُسلوبها وتبويبها وطريقة الكتابة ألّفها على أسلوب الشافعي. (وتقريباً هذا الأسلوب هو الذي اتّبعه علماء الشيعة بعد ذلك، وإلى يومكَ هذا)! ● إذا ما ذهبنا إلى باب “كيفية الصلاة” من كتاب النهاية نجد أنّه لم يُشر إلى (النيّة) لا مِن قريب ولا مِن بعيد! نعم هو سبقها بهذه الفتوى، فقال: (وأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وآل محمّد خير البريّة فممّا لا يُعمل عليه في الأذان والإقامة، فمَن عمل بها كان مُخطئاً)! ثُمّ دخل في باب كيفية الصلاة، فابتدأ وقال: (إذا أردتَ الدخول إلى الصلاة بعد دخول وقتها فقُم مُستقبل القِبلة بخشوع وخضوع وأنت على طُهر، ثُمّ ارفع يديك بالتكبير حِيال وجهك…) واستمرّ في الكلام، ولا ذِكر للنيّة التي رُبيّنا عليها بشكلٍ خاطىء وصارت موطناً مِن مواطن تركيز العمل الشيطاني في الوساوس والشكوك وأُضيفتْ إلى الصلاة من دون أن يكون لها ذِكر في كُتبنا القديمة. وقفة عند كُتب الشيخ الطوسي في نصفه الشافعي: ● الكتاب (1): كتاب المبسوط.. فحتّى اسم هذا الكتاب أخذه الشيخ الطوسي من الشافعي! هذا الكتاب ألّفه خلافاً للذوق الذي كان جارياً بين علماء الشيعة.. بالضبط ألّفه على طريقة الشافعي! (قراءة سطور مِن مقدّمة الجزء (1) من هذا الكتاب تُبيّن السبب الذي على أساسه كتب الشيخ الطوسي هذا الكتاب، وأنّه كتب الكتاب خلافاً للذوق الذي كان جارياً بين علماء الشيعة.. وخلافاً لطريقة الشيخ المُفيد في المُقنعة) وبعد ذلك تبعه علماء الشيعة في طريقة كتابة رسائلهم العملية بالطريقة المُعقدّة البعيدة الفصاحة والوضوح والبعيدة عن منهج الكتاب والعترة (وفقاً لهذا الشوق الشافعي)! وهذا الكتاب (كتاب المبسوط) – الذي أُلّف على الذوق الشافعي – هو أوّل كتاب من كُتب الشيخ الطوسي الذي بدأت فيه مسألة النيّة! ● ممّا جاء فيه تحت عنوان: “فصلٌ في ذكر النيّة وبيان أحكامها”، يقول: (النيّة واجبةٌ في الصلاة، و لابدّ فيها من نيّة التعيين، ومَن صلّى بلا نيّة أصلاً فلا صلاة له، والنيّة تكون بالقلب ولا اعتبار بها بالّلسان، بل لا يحتاج إلى تكلُّفها لفظاً أصلاً..) هذا الكلام صحيح، ولكن من هذا الكتاب بدأ العمل بهذا الاتّجاه، وبعدها دخلنا في التفاصيل! علماً أنّنا حينما نستمر، نجد أنّ الشيخ الطوسي في كتابه هذا (المبسوط) حين تحدّث عن دعاء التوجّه الذي يُقرأ بعد تكبيرة الإحرام، لم يأتِ بصيغة الدعاء الواردة عن أهل البيت والخليّة من ذكر عليّ كما صنع في كتاب [تهذيب الأحكام]، وإنّما ذهب مباشرة هنا إلى الشافعي فنقل دعاء التوجّه من كتاب الشافعي.. بحيث أنّ المؤسسة التي حقّقت كتاب الشيخ الطوسي حارت بهذا النصّ الذي ذكره، فلم يجدوا له مصدراً، فوجدوا المصدر: [السُنن الكُبرى للبيهقي: ج2] !! ولكنّي أقول لهم: أنّ البيهقي أخذه من الشافعي.. فيبدو أنّ المُحقّقين لم يلتفتوا إلى أنّ النصّ الأصل هو في [كتاب الأمّ] للشافعي!! فالشيخ الطوسي نقل صيغة دعاء التوجّه من المصدر الأصل وهو كتاب الشافعي!! ● ففي هذا الكتاب (كتاب المبسوط) بدأ الشيخ الطوسي يتحدّث عن النيّة وتفاصيل أحكام النيّة التي تكون ملازمة للصلاة! وأخذ هذه التفاصيل من كتاب (الأمّ) للشافعي! فالشافعي هو الذي أشار في كتابه (الأمّ) إلى النيّة، وأنّها جزء واجب في الصلاة ولابدّ مِن تواجدها في أجزاء الصلاة.. إذ يقول في كتابه الأم: (والنيّة لا تقوم مقام التكبير، ولا تُجزءه النيّة إلّا أن تكون مع التكبير لا تتقدّم التكبير ولا تكون بعده) وهنا يبتلي الشكّكاون في هذه القضيّة (هل هو نوى قبل التكبير، مع التكبير؟!) هنا تبدأ المهزلة الشيطانية مِن المُصلّي (الأصل من هنا). ● ويتابع الشافعي في كتابه الأم فيقول: (فلو قام إلى الصلاة بنية، ثمّ عزبتْ عليه النيّة – أي غابت – بنسيان أو غيره ثمّ كبّر وصلّى لم تُجزهِ هذه الصلاة..) وهذا الهراء يقول به علماء الشيعة أيضاً وهم أخذوه من الشافعي.. فلا علاقة لأهل البيت بهذا الهراء. ● الكتاب (2): كتاب الاقتصاد للشيخ الطوسي.. وهو عبارة عن رسالة عملية مُوجزة.. هذه الرسالة كتبها بعد مرجعيّته، بعد وفاة الشيخ المفيد وبعد وفاة السيّد المُرتضى.. كتبها في أيّام مرجعيّته. كما تلاحظون الشيخ الطوسي في بداية مرجعيّته حين كتب كتاب النهاية كان كتابه النهاية خليٌ مِن هذا الكلام الشافعي.. ولكن بعد أن استحكمتْ مرجعيّته كتب المبسوط على طريقة الشافعي، بل أكثر من ذلك، فهو في كتابه المبسوط نقل مِن الشافعي لا على أساس المُناقشة، وإنّما نقل مِن الشافعي كلام يُفتي به للشيعة!! الشيخ الطوسي يصف كتابه هذا (الاقتصاد) فيقول: (أنّه يشتمل على ما يجب اعتقاده ومعرفته ويلزم العمل به والمصير إليه ممّا لا يخلو منه مكلّف في حالٍ منِ الأحوال..) وحين يأتي إلى الصلاة في هذا الكتاب.. تحت عنوان: فصل في ذكر ما يُقارن حال الصلاة، يقول: (أوّل ما يجب من أفعال الصلاة المُقارنة لها: النيّة. ووقتها حين يُريد افتتاح الصلاة، وكيفيتها أن ينوي الصلاة التي يريد أن يُصلّيها – فرضاً كان أو نفلاً -..) وهو نفس الكلام الذي ذكره الشافعي في كتابه لأم! فهذا الكلام لم يكن مذكوراً لا في الكافي ولا في المُقنعة ولا في تهذيب الأحكام، ولا في الاستبصار، ولا حتّى في رسالته العمليّة [النهاية] التي ألّفها في بداية مرجعيته.. ولكن بعد أن ألّف (المبسوط) وألّف (الخلاف)، ألّف بعد ذلك (الاقتصاد) رسالةً عمليّة وفيها أيضاً ذكرٌ للعقائد. وقفة عند قضيّة لفتتْ نظر الشيخ الغزّي – عبر السنين – وهو يُطالع كُتب الشيخ الطوسي، وهي قضيّة انسباق أسماء رموز المُخالفين: (كالشافعي وأبي حنيفة وغيرهم) إلى فكر وحديث الشيخ الطوسي دائماً في كتبه.. وهذا يكشف تأثّره الكبير بالفكر المُخالف، لأنّ هذه الأسماء موجودة دائماً في ذاكرته. (قراءة سطور ممّا كتبه الشيخ الطوسي في كتبه.. تؤكّد هذه السطور هذه القضيّة). ● الكتاب (3) مِن كُتب الشيخ الطوسي في نصفه الشافعي والذي ذكر فيه قضيّة النيّة في الصلاة هو: كتاب الخلاف. يقول في هذا الكتاب في المسألة (56): (محل النية القلب دون اللسان ولا يُستحبّ الجمع بينهما.. وقال أكثر أصحاب الشافعي: أنّ محلّها القلب، ويُستحبّ أن يضاف إلى ذلك الّلفظ..) الآن الناس تُعلّم أن تلفّظ النيّة مع الفحوى في القلب – سواء بعنوان الاستحباب، بعنوان الإباحة، بأيّ عنوان من العناوين – (هذه القضيّة جاءتنا من الشافعي وليس من حديث أهل البيت صلوات الله عليهم). وهذا هو الذي أقوله مِن أنّ الثقافة الشافعية اخترقتنا اختراقاً كبيراً وفي جميع الجهات وعلى طول الصلاة! (وستلاحظون ذلك في الأجزاء المُتبقيّة من الصلاة)! ● فالذي فتح البوابة على مِصراعيها لدخول الفكر الشافعي لثقافتنا الشيعية هو الشيخ الطوسي.. علماً أنّ هذا لا يعني أنّه لا يوجد قبل الشيخ الطوسي أثر للفكر الشافعي في ثقافتنا الشيعية.. توجد آثار ولكنّها كانت تتحرّك بشكل محدود، فهذه القضيّة بدأت من بدايات عصر الغَيبة الكبرى.. ولكن الذي فتح الأبواب لهذه القضية بشكل واسع هو الشيخ الطوسي، ثُمّ تراكم الجهد بعد ذلك على طول فترة القرون التالية للشيخ الطوسي إلى يومنا هذا! ● في كتاب [ الخلاف :ج1] للشيخ الطوسي.. اسم الشافعي يتردّد في أكثر من موطن في هذا الكتاب.. وهو يتردّد أكثر من بقية الأسماء.. راجعوا كتاب الخلاف للشيخ الطوسي ستجدون أنّ أكثر الأسماء التي تتردّد في كتابه هي (الشافعي، وأبو حنيفة). وقفة عند موسوعات علمائنا الفقهية ● النموذج (1) من الموسوعات الفقهية: الموسوعة الفقهية الإخبارية، وهي: كتاب [الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: ج8] للشيخ يوسف البحراني (وهو من كبار علماء وفقهاء المدرسة الإخبارية). بعد أن ذكر الشيخ البحراني آراء العلماء والفقهاء والمراجع الشيعة في مسألة النيّة، يقول: (إذا عرفتَ ذلك فاعلم أنّ الذي أوقع الناس بالنسبة إلى النيّة في شباك الوسواس الخناس هو أنّ جملة مِن المتأخّرين -يُشير إلى الشيخ الطوسي والذين جاؤوا من بعده -عرّفوا النيّة شرعاً بأنّها: القصد المُقارن للفعل، قالوا فلو تقدّمتْ عليه ولم تُقارنه سمّى ذلك عَزْماً لا نية…) فبدايات هذا الكلام هي مِن الشيخ الطوسي. إلى أن تعمّقتْ شيئاً فشيئاً فوصلت إلى هذا الذي يتحدّث عنه الشيخ البحراني. إلى أن وصلنا إلى هذا الحال. ● أمّا رأي الشيخ يوسف البحراني (فالشيخ يوسف البحراني مِن علماء المدرسة الإخبارية. والإخباريون ينشدّون إلى حديث أهل البيت) ولذا فإنّ رأي الشيخ يوسف البحراني هو أنّه يقول: (فانبعاثُ النفس وتوجُّهها وقصدُها إلى ما فيه غرضها هو النية.) وهذا هو المطلوب وانتهينا. وهذ يحصل في النفس البشرية ربّما قبل المُباشرة في العمل بفترة زمنيّة طويلة. (مثل نيّة صيام شهر رمضان. فنحن من الآن ننوي صيام شهر رمضان إن أدركناه) ● هذا الرأي الذي تبّناه الشيخ البحراني، جاء نتيجة رجوعه إلى أخبار أهل البيت عليهم السلام. لأنّ الحديث عنده مُقدّم على أقوال العلماء، وليس كما هو الحال في المدرسة الأصولية. ففي المدرسة الأصوليّة أقوال العلماء مُقدّمة على حديث أهل البيت! وهكذا طُبعت الثقافة الشيعية العامة! فتجد أنّ المُعمم الشيعي يحفظ من أقوال العلماء أضعاف أضعاف ما يحفظ من حديث أهل البيت، وما يحفظه من حديث أهل البيت هو ما اختاره العلماء بشكلٍ مدروس أنّه الأقرب إلى فِكر المُخالفين.. أمّا الحديث الأبعد عن فِكر المُخالفين (أمثال هذه الروايات التي أطرحها عليكم) فهذه الروايات لا تُطرح لأنّها الأقرب إلى أهل البيت والأبعد عن المُخالفين.. فالعلماء والمراجع يطرحون من فِكر أهل البيت الأقرب لثقافة وذوق المخالفين! وهكذا هي منابرنا الشيعية وفضائيّاتنا. ● النموذج (2): الموسوعة الفقهية الأصولية: وهي كتاب [جواهر الكلام] للشيخ محمّد حسن النجفي.. وهذه الموسوعة هي التي تتبّناها المدرسة الأصوليّة. (مع أنّه لا يُوجد يقين أنّ صاحب الجواهر يُؤمن بالأصول.. وقد تحدّثتُ عن هذه القضيّة في حلقات سابقة من هذا البرنامج، وأشرت إلى أنّهم شحنوا هذا الكتاب بالمطالب الأصوليّة بعد ذلك). ● ممّا جاء في هذا الكتاب في المجلّد (3) من هذا الكتاب تحت عنوان: بحث في حقيقة النيّة، يقول المحقق الحلّي: (الركن الثاني في أفعال الصلاة: وهي واجبة مسنونة، فالواجبة ثمانية فالأوّل: النيّة…) ويبدأ صاحب الجواهر في الحديث عن هذه القضيّة بالتفصيل إلى أن يقول: (وكأنّ الذي حمل الأصحاب على التعرّض لذلك إرادة الردّ على المحكي عن أكثر أصحاب الشافعي مِن استحباب الّلفظ بالنيّة..). فهو يقول أنّ السبب في كلّ هذا النقاش في القضيّة (قضيّة أن النيّة تُلفظ أو لا) هو أنّ العلماء يردّون على أصحاب الشافعي!! وأقول: ما دخل العلماء بأصحاب الشافعي إذا كان عندهم قول الصادق؟! أليس هذا هو المرض الذي ابتُليتْ به الشيعة؟! صحيح أنّ علماء الشيعة لم يشترطوا التلّفظ.. ولكنّهم علّموا الناس على التلفّط.. فالناتج العملي الآن: هو أنّنا نرى في داخل الحوزة العلمية الشيعية أنّهم يأتون بالنيّة بحسب طريقة الشافعي، والوكلاء يُعلّمون الناس في المساجد بهذه الطريقة!! كما تلاحظون أنّ القضيّة تتوسع كلّما بدأنا نقترب إلى يومنا هذا.. بينما البدايات لا وجود لهذه القضيّة.. وسبب هذا التوسّع يرجع إلى اهتمام علماء الشيعة بفقه الشافعي سواء وافقه علماء الشيعة بالكامل أو وافقوه في بعض المسائل. ما تقدّم من كلام يُمثّل قصّة النية عند الشافعي وعند الشيخ الطوسي وعند مراجعنا الذين تبعوا الشيخ الطوسي.. أمّا قصّة النيّة عند آل محمّد صلوات الله عليهم فهي ما جاءتْ في حديث إمامنا الثامن عليه السلام: (وانوِ عند افتتاح الصلاة ذِكْر الله وذِكر رسول الله، واجعل واحداً من الأئمة نُصب عينيك ولا تُجاوز بأطراف أصابعك شحمة أُذنيك) بقيّة الحديث تأتي في الحلقة القادمة.