الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٥٨ – معانى الصّلاة ج١٥ Show Press Release (12 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 158 – معانى الصّلاة ج15 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (2 More Words) يا زهراء ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم الأحد 28 جمادى الأول 1438هـ الموافق 26 / 2 / 2017م في هذهِ الحلقة سأخذكم في جولة ما بين آيات الكتاب وحديث العترة الطاهرة.. أُسلّط الضوء وبنحوٍ إجمالي على مضامين وأجواء سُورة الفاتحة والتوحيد والقدر التي تُعتبر السُوَر الأهم – بحسب ثقافة أهل البيت – التي نقرؤها في صلواتنا. وقفة عند مقطع من رواية طويلة لإمامنا الصادق في [علل الشرائع] – الرواية تتحدّث عن تشريع الأذان والصلاة في العالم العُلوي (صورة مِن معراج النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله). جاء في تفاصيلها بعد أن قرأ رسول الله الفاتحة، تقول الرواية: (فقال لهُ -أي الله تعالى- اقرأ {قُلْ هو الله أحد} كما أُنزلتْ، فإنّها نِسبتي ونعْتي..) وتستمرّ الرواية إلى أن تقول: (ثُمّ قال لي: اقرأ {إنّا أنزلناه..} فإنّها نِسبتُك ونسبة أهل بيتكَ إلى يوم القيامة). فهذهِ هي أمّ السُوَر في صلواتنا بحسب تشريع الصلاة في الملأ الأعلى (سورة الفاتحة التي لا صلاة إلّا بها، وسورة التوحيد التي هي نسبة الله ونعتهُ، وسورة القدر التي هي نسبة محمّد وآل محمّد، ومِن هنا كانت سورة القدْر سورة الزهراء صلوات الله عليها وعليهم أجمعين). عرض لباقة عطرة من أحاديث آل محمّد صلوات الله عليهم في معاني هذه السُوَر الشريفة (الحمد، التوحيد، القدر) وفي أجوائها.. والأحاديث مِن [تفسير البرهان] 1- سورة الفاتحة: (نماذج من أحاديث العترة في بيان مضمون ودلالة أهم آية في كتاب الله وفي سُورة الفاتحة على وجه الخصوص وهي (البسملة) التي صار الجهْر بها علامة للمؤمنين لأنّها الشعار القرآني الأوضح في الكتاب الكريم مِن أوّله إلى آخره) ● (عن أبي عبد الله، قال: «بسم اللٰه الرحمٰن الرحيم» أقربُ إلى اسم الله الأعظم مِن ناظر العين – أي السواد – إلى بياضها) وفي حديث آخر (مِن سواد العين إلى بياضها). مع أنّه لا تُوجد مسافة بين بياض العَين وسوادها، ومع ذلك الإمام يقول: أنّها أقرب مِن سواد العين إلى بياضها. والمُراد مِن أنّها أقرب إلى اسم الله الأعظم أي بنحو الإشارة، فإسم الله الأعظم ليس لفظ، وإنّما هو الحقيقة التي خلقها الله فاستقرّت في ظِلّه فلا تخرجُ مِنه إلى غيره.. وهو نفس المضمون الرمزي في الحديث الشريف (يا أحمد خلقتُك لأجلي) فهو يُشير إلى اسم الله الأعظم. فهذا التركيب الّلفظي (بسم الله الرحمن الرحيم) هو إشارة تُشير إلى اسم الله الأعظم. ● رواية أخرى في فضائل سُورة الفاتحة وأجواء البسملة (عن أبي عبد الله، قال: إذا أمَّ الرجل القوم، جاء شيطان إلى الشيطان الذي هو قريب إلى الإمام، فيقول: هل ذكر الله؟ يعني هل قرأ بسم اللٰه الرحمٰن الرحيم؟ فإنْ قال: نعم، هرب منه، وإنْ قال: لا، ركب عُنُق الإمام، ودلّى رِجْليه في صدْره، فلم يزلْ الشيطان إمام القوم حتّى يفرغوا من صلاتهم). — الإمام ذكر البسملة لأنّ المُخالفين لا يقرؤونها ولا يعتبرونها جزء مِن الفاتحة، فقط الشافعي يعتبرها جزء مِن الفاتحة ويُوجب قراءتها. فالرواية تُبيّن أنّ الذي يحجز إمامة الشيطان لهؤلاء القوم هي البسملة التي هي أقرب إلى اسم الله الأعظم (و اسم الله الأعظم هو حقيقتهم الطاهرة المُطهّرة صلوات الله عليهم ). ● حديث آخر للنبي الأعظم (إِذا مرّ المؤمن على الصراط -الذي هو جسر على جهنّم- فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أُطفئ لهب النار، وتقول – أي النار-: جُزْ يا مؤمن فإنّ نُورك قد أطفأ لهبي). حِين نُخاطب سيّد الأوصياء أنّه قائد الغرّ المُحجّلين.. معنى (الغُرّ) هم الذين يسطع النور مِن جباههم ولِذلك يُقال للفرس الذي يملك بياض في جبهتهِ فرسٌ أغرّ. أمّا (المُحجّلون) فهم الذين يسطع النور مِن أقدامهم مِن موطن الحِجل (مثال لتقريب المعنى: المُهندسون في مناجم الفحم والماس والذهب لكونها شديدة الظُلمة وضيّقة وخطيرة يضعون مصابيح على قُبّعات الصيانة التي فوق رؤوسهم كي لا تصطدم رؤوسهم بمكان، ويشدّون أضوية أخرى على أحذيتهم ليُبصروا الطريق). ● رواية أخرى عن النبي الأعظم (إذا قال المُعلّم للصبي: قل “بسم اللٰه الرحمٰن الرحيم” فقال الصبي: “بسم اللٰه الرحمٰن الرحيم” كتب الله براءة للصبي، وبراءة لأبويه، وبراءة للمعلم مِن النار). لأنّ المُعلّم هنا ينشر الفضل والعِلم، وتُكتب براءة للأبوين لأنّهما سعيا لتعليم هذا العلم. فالإلتزام بهذه البُنية التركيبية الّلفظية “بسم الله الرحمن الرحيم” والاعتقاد بمضمونها العميق وبدلالتها التي تقودنا إلى معرفة أنّ هذه الإشارات هي أقربُ إلى الإسم الأعظم مِن سواد العين إلى بياضها. ● القرآن بآياتهِ كتاب صامت، والمعصوم بحُجّيتهِ كتاب ناطق .. وما بين الصامت والناطق علاقةُ الظاهر بالباطن. ● (عن أبي بصير، أنّه سأل الإمام الصادق عن تفسير “بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم ملك الله، والله إله كلّ شيء، والرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصّة..) فالباء بهاء الله، والسين سناء الله وسناء الله يتجلّى ويتّضح في جماله وجلاله. ألا تُذكّرنا هذه الرواية بما جاء في دعاء البهاء الذي يُقرأ في أسحار شهر رمضان؟ في دعاء البهاء: (الّلهم إنّي أسألك مِن بهائك بأبهاه وكُلّ بهائك بهي، الّلهم إنّي أسألك ببهائك كلّه، الّلهم إنّي أسألك مِن جمالك بأجمله وكلّ جمالك جميل الّلهم إنّي أسألك مِن جمالك كلّه، الّلهم إنّي أسألك مِن جلالك بأجلّه، وكلّ جلالك جليل، الّلهم إنّي أسألك مِن جلالك كلّه.. الّلهم إنّي أسألك مِن مُلكك بأفخره وكلّ مُلكك فاخر…) وبقيّة الأوصاف هي على نفس النسق، وهذه الأوصاف هي أوصاف إمام زماننا لبديهية واضحة وهي أنّ الذات الإلهية لا توجد فيها مراتب، والدعاء يتحدّث عن مراتب (عن بهاء وعن أبهى البهاء..) إذا صار في الذات الإلهية مراتب صارتْ مُركّبة، وإذا صارت مُركبّة صارت مُحتاجة إلى أجزائها، وإذا احتاجتْ إلى أجزائها صارتْ فقيرة ناقصة.. فأين الكمال المُطلق لله تعالى؟ هذه المراتب تتجلّى في اسم الله الأعظم الذي خلقه فاستقرّ في ظلّه تعالى فلا يخرج منه إلى غيره.. هذا الإسم الأعظم هو أبهى البهاء وأجمل الجمال وأجلّ الجلال، ومِن هنا نلاحظ أنّ المخلوقات ترتبط بشكل مباشر بالإسم الأعظم، ومِن خلال الإسم الأعظم ترتبط بالله تعالى.. فقِبلتُها الحقيقية ومضمون عقيدتها الحقيقية هو الإسم الأعظم، وكلّ الأدعية والزيارات والروايات بقضّها وقضيضها تُشير إلى هذه الحقيقة بوضوح تام، ولكن هذا الأمر لا يُعتدّ به في الثقافة الشيعية بسبب سيطرة الفكر الناصبي على ساحة الثقافة الشيعية. ● (عن أبي عبدالله أنّه سئل عن (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم ملك الله، قال: قلتُ: الله؟ فقال: الألف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، والّلام إلزام الله خلقه ولايتنا، قلتُ: فالهاء؟ فقال: هوانٌ لمَن خالف محمّداً وآل محمّد عليهم السلام ، قلتُ: الرحمن قال: بجميع العالم، قلت: الرحيم قال: بالمؤمنين خاصّة) ● (عن الحسن بن فضّال، عن أبيه، قال: سألتُ الرضا عليّ بن موسى عن “بسم اللٰه الرحمٰن الرحيم” فقال: معنى قول القائل: بسم الله، أي: أُسمّي على نفسي سِمة مِن سمات الله عزّ وجل وهي العبادة، قال: قلتُ له: وما السِمة؟ قال العلامة). فإنّنا هنا نضع سِمة تُميّزنا عن غيرنا، هذه السمة هي العبادة، وأهمّ صور العبادة هي في الصلاة المفروضة وجوهر الصلاة المفروضة فاتحة الكتاب، وتُلاحظون أنّ مضامين الأحاديث كلّها تقودنا إليهم صلوات الله عليهم وبعبارة أخرى: تقودنا إلى إمام زماننا عليه السلام . (نماذج من حديث العترة في معنى الصراط المُستقيم) ● (عن أبي عبد الله، في قوله: الصرٰاط المستقيم. قال: هو أمير المؤمنين ومعرفته، والدليل على أنّه أمير المؤمنين قوله: {و إنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم} وهو أمير المؤمنين في أم الكتاب – أي الفاتحة) ● (عن أبي عبد الله، قال: إنّ لله عزّ وجلّ ألف عالم، كلّ عالم منهم أكثر مِن سبع سماوات وسبع أرضين، ما يرى كلّ عالم منهم أنّ لله عالماً غير عالمهم، وأنا الحُجّة عليهم) أيّ أنّ الإمام حجّة على كُل تلك العوالم. ● (عن المُفّضل بن عمر قال: سألتُ أبا عبد الله عن الصراط فقال: هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجل. وهُما صراطان: صراط الدنيا، وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة مَن عرفه في الدنيا واقتدى بهُداه مرّ على الصراط الذى هو جسر جهنم في الآخرة، ومَن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمهُ عن الصراط في الآخرة، فتردّى في نار جهنم) ● (عن حنان بن سدير عن إمامنا الصادق عليه السلام قال: قول الله عزّ وجلّ في الحمد {صراط الذين أنعمت عليهم} يعني محمّداً وذُرّيته عليهم السلام) ● (قال رسول الله: في قول الله عزّ وجل: {صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغصوب عليهم ولا الضالين} قال: شيعة عليّ الذين أنعمتَ عليهم بولاية عليّ بن أبي طالب لم يُغضَب عليهم ولم يضلّوا) عرض موجز لأهمّ الجهات في سورة الفاتحة كي يسهل استحضار معناها. ● الجهة 1: سورة الفاتحة وفي أهمّ آياتها – أعني البسملة – هي أقربُ إلى اسم الله الأعظم مِن سواد العين إلى بياضها.. فمدار هذه السورة هو في أجواء الإسم الأعظم ظهوراً وبطوناً (ظهوراً بألفاظها، وبطوناً بالإشارة إلى الإسم الذي خلقه الله فاستقرّ في ظلّه فلا يخرج منه إلى غيره وهو “الحقيقة المُحمّدية العَلَوية”) كما في الدعاء: (يا مُحمّد يا عليّ يا عليّ يا محمّد) هذه الألفاظ تُشير إلى الإسم الأعظم الذي يتجلّى في العنوان المُقتضب حين نُخاطب إمام زماننا في الدعاء (يا صاحب الزمان الأمان الأمان الأمان..) فإمام زماننا هو العنوان الأول والأوضح لإسم الله الأعظم. ● الجهة 2: أنّ المركز في سورة الفاتحة هو (الصراط المستقيم) وهو عنوان خاصّ بالإمام المعصوم، فحين نتحدّث عن صراط مُستقيم إنّه الحجّة بن الحسن عليه السلام .. وبعبارة أخرى: الصراط المُستقيم هو التجلّي التكويني الأسمى لهذا الإسم الأعظم فيما بين أظهرنا وهو إمام زماننا. ● الجهة 3: المسار العملي ما بين مسلكية الولاية والبراءة كي نستطيع أن نتحرّك باتّجاه الصراط المستقيم بالنحو الذي يُريده هو صلوات الله عليه، {صراط الذين أنعمت عليهم} هذه جهة الولاء، وهناك جهة البراءة (المغضوب عليهم والضالين) 2- سورة التوحيد (عرض مجموعة من الروايات في [تفسير البرهان: ج8] تتحدّث عن فضل سورة التوحيد). ● (عن أبي عبد الله، قال: مِن مضى به يوم واحد فصلّى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها {قل هو الله أحد} قيل له: يا عبد الله لست مِن المصلّين). فجوهر الصلاة الذي تتشكّل منه الصلاة هو سورة التوحيد، كما أنّ الفاتحة هي شرط الصلاة (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب). ● (أنّ النبي صلّى الله عليه وآله بعث سريّة واستعمل عليها عليّاً فلمّا رجعوا سألهم عنه، فقالوا: كلّ خير فيه، غير أنّه قرأ بنا في كلّ الصلوات بقل هو الله أحد، فقال: يا علي لِمَ فعلت هذا؟ فقال: لحبّي لقل هو الله أحد، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ما أحببتها حتّى أحبّك الله عزّ وجلّ). هنا تلتقي المظاهر الّلفظية مع المظاهر الوجدانية مع المظاهر الحقيقية.. فهذا عليٌ بكيانه الحقيقي في هذا العالم يُحبّ سُورة التوحيد بألفاظها ومضامينها. ● عن أبي بصير عن إمامنا الصادق عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وهي عن سلمان الفارسي.. إلى أن يقول فيها: (ولكنّي سمعتُ رسول الله يقول لعلي: يا أبا الحسن، مثلُك في أمتّي مثل {قل هو الله أحد} فمَن قرأها مرّة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فقد ختم القرآن، فمَن أحبّك بلسانه فقد كمُل له ثلث الإيمان، ومن أحبّك بلسانه وقلبه فقد كمُل له ثلثا الإيمان، ومَن أحبّك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان، والذي بعثني بالحقّ يا علي، لو أحبّك أهل الأرض كمحبّة أهل السماء لك، لمّا عذّب الله أحداً بالنار، وأنا أقرأ {قل هو الله أحد} في كلّ يوم ثلاث مرات – سلمان يقول). ● (عن عاصم بن حميد قال: قال: سئل علي بن الحسين عن التوحيد فقال: إنّ الله عزّ وجل علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى {قل هو الله أحد} والآيات مِن سورة الحديد إلى قوله: {وهو عليم بذات الصدور} فمَن رام وراء ذلك فقد هلك). أنزل الله سورة التوحيد للمُتعمّقين في آخر الزمان كي يتحدّاهم، لعميق دلالة هذه السورة. علماً أنّ هذا المعنى (التعمّق) ترفضه المدرسة الإخبارية ويرفضه المُحدّثون، فهم يعتبرون أنّ التعمّق مِن البدع وأنّ التعمّق مخالف لِمنهج آل محمّد عليهم السلام والحقيقة – بحسب ما أفهم – هي خلاف ذلك، ولكنّهم تمسّكوا ببعض النصوص التي تحدّثت عن هذا المعنى فرجعوا يُشابهون المنهج العُمري في السذاجة وعدم التكلّف. ● (عن أمير المؤمنين، قال: الله معناه: المعبود الذي يألهُ فيه الخلق – أي يتحيّرون فيه – ويُؤله إليه، والله هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام والخطرات حجرا). — قول الرواية (مستور عن درك الأبصار) مستورٌ عن أبصار عيوننا وعن أبصار قلوبنا أيضاً.. وإنّما يتجلّى لنا بحسبنا (بك عرفتُك وأنتَ دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت). ● (عن الإمام الباقر، قال: الله معناه: المعبود الذي ألِهَ الخلْق عن درك ماهيّته والإحاطة بكيفيته، وتقول العرب: ألِه الرجل إذا تحيّر في الشيء فلم يُحط به علما، وولّه إذا فزع إلى شيء ممّا يحذره ويخافه، فالإله هو المستور عن حواسّ الخلق). ● (عن الإمام الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه، قال: (إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعتُ جدّي رسول الله يقول: مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار. وإنّ الله سبحانه وتعالى قد فسّر الصمد، فقال: {اللٰه أحد* اللٰه الصمد} ثمّ فسّره فقال: {لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد} لم يلد: لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج مِن المخلوقين، ولا شيءٌ لطيف كالنفس، ولا يتشعّب منه البَدَوات – يعني الطوارئ المُتغيّرة – كالسنة والنوم والخطْرة – ما يخطر في البال- والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأْمة – أي الملل – والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، ولم يولد: لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة مِن عناصرها، كالشيء من الشيء والدابة مِن الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار، ولا كما تخرج الأشياء الّلطيفة مِن مراكزها: كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتميّز من القلب – أي التشخيص، وكالنار من الحجر، لا بل هو الله الصمد الذي لا مِن شيء ولا في شيء ولا على شيء – يعني ليس مُعتمداً على شيء-، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خَلَق للفناء بمشيّته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد). الإسم الواضح في سورة التوحيد هو (الصمد). 3- سورة القدر: (نماذج من حديث العترة في رحاب سورة القدر) ● (عن الإمام الباقر، قال: مَن قرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر} يُجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل الله، ومن قرأها سرّاً كان كالمُتشحّط بدمه في سبيل الله، ومن قرأها عشْر مرات غُفر له على نحو ألف ذنب من ذنوبه). حديث مهمّ جدّاً. وقول الإمام (يُجهر بها صوته) المُراد إمّا قراءتها بشكل عام بصوت جهري، أو المراد قراءتها في الصلوات الجهرية. ● عن أبي عبد الله، قال: (من قرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر} في فريضة من فرائض الله نادى منادٍ: يا عبد الله، غفر الله لك ما مضى فاستأنف العمل). ● (عن الإمام الصادق: قال له بعض أصحابنا ولا أعلمه إلّا سعيد السمان، قال له: كيف تكون ليلة القدر خير مِن ألف شهر؟ قال: العمل فيها خيرٌ مِن العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر). ● (في تفسير القمّي، في قوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} تملكه بنو أمية ليس فيها ليلة القدر) وفعلاً الفترة الزمانية التي حكم فيها الأمويّون وكان حُكمهم فيها حُكماُ أمويّاً خالصاً مدتها ألف شهر.. لأنّه قد يحسب البعض مدّة الحُكم الأموي من زمان ولاية معاوية في بلاد الشام (علماً أنّه كان والياً منذ زمان عمر بن الخطاب) لكن سورة القدر تتحدّث عن ألف شهر حينما استولى الأمويّون على الحكم بشكل كامل في جميع الاتّجاهات. ● (عن داود بن فرقد قال: حدثني يعقوب قال: سمعتُ رجلاً يسأل أبا عبد الله عن ليلة القدر فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كلّ عام؟ فقال أبو عبد الله: لو رُفعتْ ليلة القدر لرُفع القرآن) ليلة القدر عنوان لِصلة عالم الغَيب بعالم الشهادة.. ليلة القدر هي صورة لنفس المعنى الذي نُشير إليه في هذه العبارة في دعاء الندبة الشريف (أين السبب المُتّصل بين الأرض والسماء) والقرآن في وجوده الحقيقي وفي تجلّيه الكامل هو إمام زماننا، هو إمام كلّ زمان. ● (عن إسحاق بن عمار، قال: سمعته يقول وناسٌ يسألونه، يقولون: إنّ الأرزاق تُقسّم ليلة النصف مِن شعبان؟ قال: فقال: لا. والله ما ذاك إلّا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فإنّه في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان، وفي ليلة إحدى وعشرين يُفرق كلّ أمر حكيم، وفي ليلة ثلاث وعشرين يُمضى ما أراد الله عزّ وجل من ذلك، وهي ليلة القدر التي قال الله جلّ وعزّ {خير من ألف شهر} قال: قلت: ما معنى قوله: يلتقى الجمعان؟ قال: يجمع الله فيها ما أراد مِن تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه، قال: قلتُ: فما معنى يُمضيه في ثلاثٍ وعشرين؟ قال: إنّه يُفرق في ليلة إحدى وعشرين إمضاؤه ويكون له فيه البداء، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين إمضاه، فيكون مِن المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك وتعالى) المحتوم يبدو لله تعالى فيه ولكن احتمال البداء فيه يكون أقل.. الميعاد هو الذي لا يبدو لله فيه ● (عن الإمام الصادق، قال: التقدير في ليلة تسع عشرة، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين) فليلة القدر هي ليلة التنظيم وهي ليلة الإحكام وليلة التقدير.. ليلة القدر هي ليلة هندسة هذا العالم، فإذا رُفعتْ رُفع برنامج هندسة هذا العالم، وهذا يعني أنّ الله تعالى يُريد أن يرفع لُطفه من هذا العالم فيرفع القرآن: أي يرفع إمام زماننا عليه السلام . رواية تُبيّن معنى ليلة القدر في وجهها المُشرق: (عن الإمام الصادق، قال: {ليلة القدر} يعني فاطمة، {والروح} روح القدس وهي فاطمة). فهذه الّليلة بكلّ تفاصيلها فاطمية مِن الطراز الأوّل. ● رواية في معنى التنزيل والإنزال في ليلة القدر (مقطع من حديث لإمامنا الباقر يتحدّث عن بيت عليّ وفاطمة) يقول: (وكانوا يُبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سَقْفاً غير العرش، فبُيوتهم مُسقّفة بعرش الرحمن، ومعارج الملائكة والروح فوج بعد فوج لا انقطاع لهم، وما مِن بيت من بيوت الأئمة منّا إلّا وفيه معراج الملائكة..). الروح هو تجلٍّ أعظم من تجلّيات فاطمة. ● خلاصة سورة القدر: هي أنّ سورة القدر ترسم لنا لوحة فاطمية مهدوية، في ليلة فاطمة يُشرق هذا التجلّي الكبير ويتنزّل الروح على ابن فاطمة (إمام زماننا عليه السلام ) ومعارج الملائكة تتنزّل من بالأسرار مِن السماء إلى الأرض (إرادةُ الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر مِن بيوتكم والصادرُ عمّا فُصّل مِن أحكام العباد..) مرور سريع على خُلاصة سريعة لِما مرّ في هذه السُوَر. ● هناك شيء مُشترك فيما بين هذه السُوَر، بل في كلّ الكتاب الكريم.. هذه السُور الثلاث تدور في كلّ تفاصيلها حول الإسم الأعظم المُتجلّي عند الله، الذي استقرّ في ظِلّه فلا يخرج منه إلى غيره.. وحول الإسم الأعظم المُتجلّي بين أظهرنا، كما يقول الإمام الباقر في [الكافي الشريف: ج1]: (ونحن وجه الله نتقلّب في الأرض بين أظهركم). فسورة الفاتحة تبتدئ بسم الله، ويتوسّطها في المركز الصراط المُستقيم.. وكذلك سورة التوحيد تبتدىء بسم الله ثُمّ يكون الحديث عن الهويّة الغَيبية. هذه الهويّة الغَيبية تتجلّى حقيقتها في الإسم الأعظم، فما جاء في حديثهم الشريف في معنى الصمد – كما قال سيّد الشهداء: هو الذي لم يلد ولم يُولد – وقد بيّنت الرواية هذا المعنى أنّه لم يخرج مِن الأشياء ولم تخرج منه الأشياء كالأشياء من الأشياء.. وقد جاء في الروايات الشريفة إنّ الله تعالى حين خلق المشيئة خلقها بنفسها ثُمّ خلق الأشياء بالمشيئة، فهي – أي المشيئة – ما خرجتْ مِن شيء وإنّما خلقها الله بنفسها، ولا خرجتْ الأشياء منها وإنّما خُلقتْ الأشياء بالمشيئة.. فالأشياء هي مجالي تجلّتْ مِن المشيئة. (هذا هو مدار سورة التوحيد) وسورة القدر ليستْ بعيدة عن هذا المعنى. ● معرفة الإسم الأعظم تقود إلى معرفة التوحيد وأساسُ ديننا هو التوحيد، وكُلّ شيء مردّه إلى التوحيد.. ديننا توحيدٌ وولاية، باطن التوحيد ولاية وباطن الولاية توحيد، وكلمة الإمام الرضا صريحة في ذلك حِين يُحدّثنا بحديث السلسلة الذهبية (لا إله إلّا الله حصني فمَن دخل حصني أمِن مِن عذابي)، وفي حديث آخر (ولاية عليّ بن أبي طالب حصني..)، وكما قال صلّى الله عليه وآله : (إنّي لأرجو لأمّتي في حبّ عليّ بن أبي طالب ما أرجو لها في قول لا إله إلّا الله). ● وقفة عند نصّ مهم جدّاً لإمامنا الصادق عليه السلام في كتاب [تحف العقول] يقول: (من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك، ومَن زعم أنّه يعرف الله بالإسم دُون المعنى فقد أقرّ بالطعن، لأن الإسم مُحدَث، ومَن زعم أنّه يعبد الإسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكا، ومَن زعم أنّه يعبد المعنى بالصفة لا بالإدراك – أي من دون أن يُدرك عظمة وجوده- فقد أحال على غائب، ومن زعم أنّه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد، لأنّ الصفة غير الموصوف، ومن زعم أنّه يُضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغّر بالكبير و {ما قدروا الله حق قدره} قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال: باب البحث مُمكن، وطلب المخرج موجود، إنّ معرفة عين الشاهد – إشارة للإمام المعصوم المتجلّي بين أظهرنا – قبل صفته، ومعرفة صِفة الغائب قبل عينه، قيل: وكيف تعرف عين الشاهد قبل صفته؟ قال: تعرفه وتعلم علمه – أي تعرف خَبره-، وتعرف نفسك به – والحديث هنا عن المعصوم – ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أنّ ما فيه له وبه كما قالوا ليوسف {إنّك لأنت يوسف}، قال: {أنا يوسف وهذا أخي} فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره، ولا أثبتوه مِن أنفسهم بتوهّم القلوب أما ترى الله يقول {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}، يقول: ليس لكم أن تنصبوا إماماً مِن قبل أنفسكم تُسمّونه مُحقّاً بهوى أنفسكم وإرادتكم. ثمّ قال الصادق عليه السلام : ثلاثة لا يُكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يُزّكيهم ولهم عذاب أليم: مَن أنبت شجرة لم يُنبته الله، يعني مَن نصب إماماً لم ينصبه الله، أو جحد مَن نصبه الله، ومَن زعم أن لهذين – أي الأوّل والثاني – سهْماً في الإسلام، وقد قال الله {وربُّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة}). الإمام يُشير إلى التوهّمات والتي يقع فيها مثلاً الكثير من الصوفيين.. فالتوحيد الصوفي في جانبٍ منه توهّمات تقع تحت عناوين كثيرة: (كالمُكاشفات) أو ما هو أعلى منها – بحسب اصطلاحاتهم – كالمُشاهدات والمُعاينات.. وسواء كانت هذه العناوين في الأُفق العلمي والمعرفي أو في الأُفق الوجداني (كالوجد والهيام والعشق) جانب من هذه العناوين هو عبارة عن توهّمات! ● الله تعالى لا يُعرف مِن حيث ذاته ولا يُعرف مِن حيث أنا وإنّما يُعرف مِن خلال ما يُعرّف به لنا نفسه (الّلهم عرّفني نفسك…) حتّى مع وجود الفِطرة السليمة؛ لأنّ الفطرة السليمة دفينة وبحاجة إلى مَن يُثير هذه الدفائن. الفِطرة تحتاج إلى معرّف مِن الله يُثيرها ووظيفة الأنبياء إثارة دفائن العقول (أي إثارة دفائن الفِطرة).. الله تعالى هو الذي يتعرّف إلى الكائنات (بكَ عرفتك وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت) ● هذا الذي يزعم أنّه يعرف الله مِن حيث هو فهو مُشرك؛ لأنّه سيعرف إلهاً غير الله، فما سيصل إليه بتوهّم القلوب سيصل إلى شيء آخر، سيصل إلى شريك لله هو خلقه كما يقول الإمام (ما توهّمتموه فهو من خلقكم). ● قول الإمام (مَن زعم أنّه يعرف الله بالإسم دون المعنى فقد أقرّ بالطعن) يعني نسب النقص إلى الله، لأنّ الإسم مُحدَث (مخلوق) كما في الدعاء (الذي خلقتهُ فاستقرّ في ظلّك). ● وقفة عند حديث الإمام الباقر عليه السلام : (إنّما يعرف اللّه عزّ وجلّ ويعبده مَن عرف اللّه وعرف إمامه منّا أهل البيت، ومَن لا يعرف اللّه عزّ وجلّ ولا يعرف الإمام منّا أهل البيت، فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه، هكذا واللّه ضلالاً). نصّ مُختصر في غاية الأهميّة.. وهذا المضمون هو نفسه الذي أشار له الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن سيّد الشهداء (عن إمامنا الصادق: خرج الحسين بن علي على أصحابه فقال: أيّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه إستغنوا بعبادته عن عبادة مَن سواه. فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وأمي، فما معرفة الله؟ فقال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته) هذه هي معرفة لله بعبارة مُختصرة موجزة. ● رواية للإمام الصادق: (إنّ الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدلُّ عليه، وخُزّانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعتْ الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولو لا نحن ما عبد الله) الذي لا يتوجّه إليهم هذا مُشرك فهو لا يتوجّه إليهم وإنّما يتوجّه إلى شيء آخر.. وهذه هي مُشكلة إبليس.. فهو أراد أن يعبد الله مِن حيث هو يُريد لا مِن حيث يُريد الله. ● في حديث المعرفة بالنوارنية لسيد الأوصياء: (معرفتي بالنّورانيّة معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة الله عزّ وجلّ معرفتي بالنّورانيّة) يعني مَن عرفني عرف الله، ومَن عرف الله عرفني.. والإمام السجّاد يقول لجابر الجعفي (وأمّا المعاني فنحنُ معانيه ومظاهره فيكم، اخترعنا مِن نور ذاته، وفوّض إلينا أمور عباده، فنحنُ نفعل بإذنه ما نشاء، ونحن إذا شِئنا شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، ونحنّ أحلّنا الله عزّ وجلّ هذا المحلّ واصطفانا مِن بين عباده وجعلنا حُجّته في بلاه). وقفة تلخيص للحديث السابق من مفاتيح الجنان.