الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة ١٥٩ – معانى الصّلاة ج١٦ Show Press Release (12 More Words) الجزء الثالث … الكتاب الناطق – الحلقة 159 – معانى الصّلاة ج16 صور OverlaysPreviousNext فيديو يوتيوب اوديو مطبوع Show Press Release (2 More Words) يا زهراء ملخـّص الحلقة تاريخ البث : يوم السبت 5 جمادى الأخرى 1438هـ الموافق 4 / 3 / 2017م في الحلقة الماضية كانت لي جولة في رياض كلماتهم العطرة صلوات الله عليهم فيما يرتبط بـ(سورة الفاتحة، التوحيد، القدر) السُور الأهم أو بعبارة أخرى: شعارات القرآن الأهم في صلواتنا المفروضة.. فالصلاة المِعراجيّة لسيّد الكائنات كانت مُزيّنة بِهذهِ السور. في هذه الحلقة سأمرّ مروراً إجمالياً فيما بقي مِن أهمّ مُفردات ما يرتبط بمعاني الصلاة. المفردة 1: التسبيح ● التسبيح معناه معروف بالمُجمل: التسبيح هو تنزيه، والتنزيه هو تطهير، والتطهير هو تنقية وتنظيف.. ومِن هُنا مَن دخل النهر أو دخل البحر يُقال أنّه دَخَل النهر للسباحة، فالسباحة هي اتّصال من جميع الجهات بالجهة التي تعود علينا بالنظافة والطهارة، فحينما يدخل الإنسان حوض كبير مِن الماء يُقال له المسبح، وحينما يرتمس في الماء فإنّ الماء يغمره ويُحيط به مِن جميع الجهات، فالسباحة هي (نظافة، طهارة تنزيه) والتسبيح هو كذلك ولكن بحيثية أعمق وأدق.. وحِين تُسبّح الكائنات فإنّها ترتبط بجهة الطهارة المُطلقة. ● كان الله ولم يكن معه شيء (وهو الطاهر وهو المُطهّر تعالى) ثُمّ كانت الكلمة، كان النور، ذلك الذي هو نورٌ مِن نوره، ذلك النور الذي استمدّ سطوعه وفخْره وشرفه وطُهره منه تعالى.. ذلك النور الذي حِين كانَ كان مُسبّحاً تسبيحه هو صِلَتهُ بجهة الطُهر، فكانت طهارة ذلك النور طهارة الله.. وهل يُمكن أن يتجلّى الله في موجود لا تكون طهارته طهارة الله؟! فكان النور الأوّل يحمل طهارة الله، أي تجلّت طهارة الله فيه، وكان النور الأوّل يتجلّى التسبيح فيه، النور الأوّل خلقه فاستقرّ في ظلّه فلا يخرج منه إلى غيره. إنّها حقائق الغَيب وأسرار الوجود (معادن الغَيب محمّد وآل محمّد.. وأسرار غَيب الغيوب: إمام زماننا صلوات الله عليه) فكان ذلك الوجود مُسبّحاً، وسبّح حِين لا تسبيح، إذْ ليس مِن كائنٍ سِواه، وبعد ذلك كانت الكائنات.. فسبّحتْ لِتسبيحهم، وبتسبيحهم، وسبّحتْ بهم (فما شيءٌ منّا إلّا وأنتم له السبب وإليه السبيل.. بكم تُسبّح الأرض التي تحمل أبدانكم وتستقرّ جبالها على مراسيها .. بكم فتح الله وبكم يختم .. وما مِن شيء إلّا وتسبيحكم قبله وبعده ومعه وفيه كما يقول ذلك الذي كان مع الأنبياء باطناً.. علماً أنّ تسبيحه صلوات الله عليه هو مع كلّ الكائنات، ولكنّه ذكر الأنبياء هنا لأنهم أشرف المراتب والمظاهر.. ذاك هو تسبيحهم الذي سبق كلّ تسبيح، وبتسبيحهم سبّحتْ هذه الكائنات.. ولولاهم لا كان تسبيح ولا تحميد (ولولانا ما عُبد الله ولولانا ما عُرِف الله، وبعبادتنا عُرِف الله). وقفة تُسلّط الضوء على معنى التسبيح. ● مقطع من حديث مهم جدّاً للإمام الصادق في كتاب [علل الشرائع ج2]: (ثمّ عرج – رسول الله – إلى السماء الدنيا فنفرتْ الملائكة إلى أطراف السماء، ثمَّ خرّت سُجّداً فقالت: سبّوح قدّوس ربُّنا وربّ الملائكة والروح ما أشبه هذا النور بنور ربّنا، فقال جبرئيل: الله أكبر الله أكبر من أن يُوصف – فسكتتْ الملائكة وفُتحتْ أبواب السماء…) إلى أن تقول الرواية: (ثمّ عُرج به إلى السماء الثانية فلمّا قرُبَ مِن باب السماء تنافرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّتْ سجّداً وقالتْ: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ما أشبه هذا النور بنور ربّنا؟! فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فاجتمعت الملائكة وفُتحتْ أبواب السماء..) إلى أن تقول الرواية: (ثمّ عُرج بي إلى السماء الثالثة فنفرتْ الملائكة إلى أطراف السماء وخرّتْ سُجّداً وقالت: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا؟!..) هذه مُقتطفات مِن الرواية، وهي لقطة مِن الصلاة المعراجية لِمحمّد صلّى الله عليه وآله، وهذه صورة لتسبيح عوالم الملائكة التي ذُهلتْ بما تجلّى مِن حقيقة محمّد التي لا نعرفها. ● قد يسأل سائل: لماذا نفرت الملائكة؟ والجواب: الملائكة نفرتْ لأنّه أصابها الذهول، فالملائكة ترى ما لا يرآه الناس،.. قطعاً لم تتجلّى الحقيقة كاملة، ولكن تجلّى ما تجلّى.. فحين نظرتْ الملائكة إلى ذلك التجلّي نفرتْ، فنفور الملائكة ذهولهم وحيرتهم، وقطعاً ذهولهم كُلٌ بِحسبه.. وقطعاً كلّما نصعد فإنّ ملائكة السماء الأعلى مِن سابقتها تكون أعلى رُتبة من الأولى. قول الملائكة: (سبّوح قدّوس ربُّنا وربّ الملائكة والروح) الروح كما مرّ علينا في سورة القدر هو تجلٍّ مِن تجلّيات فاطمة عليها السلام. ● حديث الإمام الصادق في [تفسير العيّاشي: ج1] لقطة أُخرى مِن المِعراج المُحمّدي (ومعارجُ نبيّنا لا تُعدّ ولا تُحصى..): (ثمّ صعد به حتّى انتهى إلى أبواب السماء، فلمّا رأته الملائكة نفرتْ عن أبواب السماء وقالت: إلهين؟! إلهٌ في الأرض وإلهٌ في السماء؟! فأمر الله جبرئيل فقال: الله أكبر الله أكبر، فتراجعتْ الملائكة نحو أبواب السماء وعلمت أنّه….حتّى انتهى إلى السماء الثانية، فنفرتْ الملائكة عن أبواب السماء فقالت: إلهين؟! إلهٌ في الأرض وإلهٌ في السماء؟! فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلا الله، فتراجعت الملائكة وعلمت انه مخلوق…). (لا فرق بينك وبينها إلّا أنهم عبادك وخلقك..) معاني التسبيح ومعاني الصلاة على محمّد وآل محمّد كلّها تجتمع في هذه العبارة. (إلهين؟! إلهٌ في الأرض وإلهٌ في السماء؟!) وحيرة الملائكة ما هي بغريبة، فأهل البيت هم يقولون: (إنّ حديثنا صعِبٌ مُستصعبٌ لا يحتمله لا نبيٌ مُرسل ولا مَلَكٌ مُقرّب، ولا عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان، فمَن يحتمله؟! قال: مَن شئنا..). حيرة الملائكة ليست غريبة، فمَن يطّلع على حديث آل محمّد صلوات الله عليهم سيجد هذه المعاني بديهيات في ثقافتهم وفي فِكرهم عليهم السلام.. قد تكون مُستغربة عند البعض لأنّه يحمل ثقافة بعيدة عن آل محمّد. (فثقافة المؤسسة الدينية أجنبية عن ثقافة آل محمّد)! ● مثلما نطوف البيت العتيق تشبُّهاً بالملائكة الطائفين في البيت المعمور – في وجهٍ مِن وجوه معنى الطواف – إنّنا هُنا حِين نُصلّي وحِين نُسبّح، فإنّنا نُسبّح بتسبيح الملائكة المُقرّبين الذين كان تسبيحهم حين غرقوا في بحار أنوار محمّد، وحين حاروا في هذا النور حتّى أصابهم الذهول فقالوا: (إلهين؟! إلهٌ في الأرض وإلهٌ في السماء؟!) وقالت أُمم منهم: (ما أشبه هذا النور بنور ربّنا) فالتسبيح ذهولٌ في المحضر المُحمّدي.. هذا الذهول هو اتّصالٌ ببحر نوره كي نتطهّر مِن ظُلماتنا. ● حين نُخاطب الحسين وذلك في المقام الدنيوي: (أشهد أنّك طهر طاهرٌ مُطهّر، من طهر طاهر مطهّر، طهرتَ وطهرتْ بك البلاد وطهُر حرمك وطهُرت أرضٌ أنت فيها) ونحن هنا في المقام الدنيوي، نحن هنا على التراب، هذه الصورة تتجلّى في التراب.. وهنا نتحدّث في فناء ربّ الأرباب.. فأين التراب، وأين فناء ربّ الأرباب؟! ● التسبيح هو اتّصال ببحار النور المُحمّدي.. التسبيح تطهيرٌ لنا قبل أن يكون تطهيراً بالألفاظ وتنزيهاً لله تعالى.. إنّنا حِين نُسبّح كأنّنا نستعمل هذا الرمز وهذا المفتاح كي تُفتح لنا مسابح النور وبحار الأنوار كي نتطهّر مِن دنسنا وظُلماتنا حِين نرتبط بذلك النور. (سيأتينا في معنى الصلاة هذا المضمون، ومعاني الصلاة ومعاني التسبيح تلتقي في حقيقة واحدة وهي فناء محمّد صلّى الله عليه وآله كما تُبيّن ذلك رواية تشريع الصلاة) علّة تشريع الصلاة: ● حديث الإمام الصادق مع هشام بن الحكم في بيان العلّة مِن تشريع الصلاة في كتاب [علل الشرائع: ج2]: (..وأراد الله تبارك وتعالى أن لا يُنسيهم أمر محمّد، ففرض عليهم الصلاة يذكرونه في كلّ يومٍ خمس مرّات، يُنادون باسمه، وتعبّدوا بالصلاة وذكْر الله لكيلا يغفلوا عنه – عن محمّد – وينسوه فيندرس ذكره). إنّنا حِين نركع ونُسبّح وحين نسجد ونُسبّح، فهذا التسبيح هو اتّصال ببحار النور المُحمّدية، إنّنا نتطهّر بهذا التسبيح .. حِين نُدرك جمال مُحمّد نُدرك جمال الله فمحمّد وجه الله، والله تعالى تجلّى لنا في وجهه (الّلهمّ إنّي أسألك مِن جمالك بأجمله وكُلّ جمالك جميل، الّلهمّ إنّي أسألك بجمالك كلّه) هذه العبارات مِن دعاء السَحَر لا تتحدّث عن الجمال في الذات الإلهية، فإنّ الذات الإلهية ليس فيها مراتب (في ذاتهِ تعالى لا يُوجد أجمل وجميل) مراتب الجمال هذهِ هي في الخَلْق وأجملُ الجمال هو الحقيقة المُحمّدية التي تجلّت في محمّد صلّى الله عليه وآله.. من هنا أعرف جمال الله، مِن خلال أجمل جماله.. فحِين أُسبّح هذا الجمال، إنّني أُسبّح الله، وأُنزّهه عن كلّ قبيح، فلقد تجلّى لي في هذا الوجه.. وحين تجلّى لي في هذا الوجه وأدركتُ شيئاً مِن جماله وحُسنهِ سبّحتُ كما سبّحت الملائكة (سبّوح قدّوس ربّنا وربّ الملائكة والروح). لا حظوا أنّ الملائكة هنا قالوا (ربّنا وربّ الملائكة والروح) فهم نطقوا باسم الجميع، فهذا التسبيح هو من جميع الخلق وليس الملائكة فقط. ● وقفة عند مقطع آخر أعمق من حديث الإمام الصادق (حديث الصلاة المعراجية للنبي صلّى الله عليه وآله) : (فقال له – أي قال الله لنبيّه في صلاتهِ المعراجية – اقرأ “قلْ هو الله أحد” كما أُنزلتْ فإنّها نسبتي ونعتي، ثمّ طأطأ يديك واجعلها على ركبتيك فانظر إلى عرشي، قال رسول الله: فنظرتُ إلى عظمةٍ ذهبتْ لها نفسي وغُشيَ عليَّ فألهمتُ أن قلتُ “سبحان ربّي العظيم وبحمده” لعِظَم ما رأيت، فلمّا قلت ذلك تجلّى الغشي عنّي حتّى قُلتها سبعاً أُلهمت ذلك، فرجعتْ إليَّ نفسي كما كانت، فمِن أجل ذلك صار في الركوع “سبحان ربّي العظيم وبحمده” فقال: ارفع رأسك، فرفعتُ رأسي فنظرتُ إلى شيءٍ ذهب منه عقلي، فاستقبلتُ الأرض بوجهي ويديّ فأُلهمتُ أن قلتُ “سبحان ربّي الأعلى وبحمده” لعلوّ ما رأيت، فقلتها سبعاً، فرجعتْ إليَّ نفسي، كلمّا قلتُ واحدة منها تجلّى عني الغَشي، فقعدتُ فصار السجود فيه “سبحان ربّي الأعلى وبحمده” وصارت القعدة بين السجدتين استراحة مِن الغشي وعلوّ ما رأيت، فألهمني ربّي وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي فرفعتُ فنظرتُ إلى ذلك العلو فغشي عليّ فخررتُ لوجهي واستقبلتُ الأرض بوجهي ويديّ وقلتُ: “سبحان ربّي الأعلى وبحمده” فقلتُها سبْعاً، ثمّ رفعتُ رأسي فقعدتُ قبل القيام لأثني النظر في العلو فمِن أجل ذلك صارتْ سجدتين وركعة ومِن أجل ذلك صار القعود قبل القيام قعدة خفيفة، ثمّ قمت..) ● قول الرواية (ثمّ طأطأ يديك واجعلها على ركبتيك فانظر إلى عرشي) محمّد فوق العرش هُنا، بل هو أعلى وأعلى بكثير.. هو قد وصل إلى موضعٍ ما وصل إليه مخلوق، فكان ركوع محمّد إشرافٌ على العرْش، كان يُطلّ على العرش.. فأيّ صلاةٍ هذه وأيّ تسبيح هذا الذي يُحدّثنا عنه محمّد صلّى الله عليه وآله! ● قول الرواية (فنظرتُ إلى عظمةٍ ذهبتْ لها نفسي وغُشيَ عليَّ) إذا أردنا أن نذهب عميقاً في معاني التسبيح فعلينا أن نستحضر صورة محمّد كما رسمها لنا في الركوع والسجود.. مِن هنا من هذهِ الصورة جاء قول “سُبحان ربّي العظيم في الركوع” مِن هذه العظمة التي رآها محمّد صلّى الله عليه وآله والتي لا نفهم شيئاً منها. ● قول الرواية (فنظرتُ إلى شيءٍ ذهب منه عقلي) ليس المراد ذهب منه عقله صلّى الله عليه وآله.. هذه حالات يُمكن نُقرّب معناها بحالة إلتحام، حالة انسجام، حالة وصال، حالة فناء.. باختصار هي قريبة مِن المعنى الوارد في العبارة المعصومية: (لا تسبّوا عليّاً فإنّه ممسوسٌ في ذات الله). فهذا التسبيح الذي نُسبّحه في ركوعنا وفي سجودنا إمّا أن يكون بالمعنى الأوّل: أن نتّصل ببحار النور المُحمّدي، وأن ننشغل بأجمل الجمال (بمحمّدٍ صلّى الله عليه وآله) أليست النيّة هكذا بدأت؟ (وانوِ عند افتتاح الصلاة ذِكْر الله وذِكر رسول الله، واجعل واحداً من الأئمة نُصب عينيك) ففي تسبيحنا في المعنى الأوّل: أن نجعل هذا التسبيح مفتاحاً كي نتطهّر بأنوار أجمل الجمال، أنوار وجه الله تعالى.. فحِين يُشرقُ نور وجهه في قلوبنا وفي عقولنا وفي فِطرتنا سنتذوّق شيئاً مِن معنى (التسبيح) حِين نُزهه تعالى عن كُلّ قُبحٍ وكُلّ نقصٍ وعن كُلّ حاجة.. (سبوح قدّوس) حين يُشرق وجه الحقيقة المُحمّدية .. أو أن نعيش هذه الأجواء أو نتذكر هذه المضامين التي بيّنتها لنا أحاديث العترة في شؤون الصلاة المعراجية لِرسول الله.. أن نتذكّر محمّداً في ركوعه هذا، في سجوده هذا.. وأن نربط ركوعنا وسجودنا بهذا الركوع وهذا السجود كي ترتفع إلى العرش.. فصلاتنا خُداج – ناقصة – والصلاة الخداج ليست طاهرة، هي كالدعاء الملحون لا ترتفع إلى العرش! ولذلك الملائكة تلفّها وتضرب وجوهنا بها، فهي بحاجة إلى مُطهّر وإلى قوّة رافعة ترفعها إلى العرش، والقوّة الرافعة هي أن نصل ركوعنا بركوع محمّد وأن نصل سجودنا بسجودهِ صلّى الله عليه وآله كي ترتفع هذه الصلاة مُطهّرة نقيّة بمحمّد. ● {إنّا فتحنا لك فتحاً مُبينا لِيغفر لك الله ما تقدّم مِن ذنبك وما تأخّر} أيّ ذنبٍ لِمحمّد يتقدّم أو يتأخر؟!! إنّها ذنوبنا نحن، نحنُ الذين نحتطب الذنوب (مُتقدّمة، مُتأخّرة، حاضرة ومُستمرّة إلى آخر لحظة مِن لحظات حياتنا..) ● (أشهدُ أنّ بولايتك تُقبل الأعمال، وتُزكّى الأفعال، وتُضاعف الحسنات، وتُمحى السيّئات، وتُرفع الدرجات، وتُقبل منّا الصلوات..) تُزكّى أي تُطهّر، .. جوهر الصلاة في مظهرها الأكمل هي هذه الصورة التي يحدّث عنها رسول الله في صلاته المعراجية. المفردة 2 من مفردات الصلاة: الصلاة على محمّد وآل محمّد. (مرور على جُملة مِن أحاديثهم الشريفة في [الكافي الشريف: ج2] وهم يُحدّثون أشياعهم عن الصلاة على محمّد وآل محمّد كُلّاً بحسب مرتبته..) إذا أردنا أن نسبر معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد إنّنا لا نستطيع أن نُدركها، وستتضح لكم الفكرة ● (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد) الدعاء ذكر وهو مخّ العبادة، يعني خُلاصة العبادة.. ما قيمتنا نحنُ وما قيمة عبادتنا؟! إذا كان لعبادتنا مِن قيمة فقيمتُها الانتماء لعبادة محمّد وآل محمّد.. وإلّا ما قيمة دعائنا مِن دون محمّد وآل محمّد؟! ● (عن السكوني عن أبي عبد الله، قال: مَن دعا ولم يذكر النبي رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبي رفع الدعاء). هذه هي الوسيلة الرافعة، حِين نستحضر هذه المعاني (معاني الاتّصال ببحار النور، بأجمل الجمال، أو نستحضر ما جاء في رواياتهم من صور نقلها سيّد الكائنات عن صلاته المعراجية والتي لا نعرف أسرارها إّلا أنّنا نستحضر صورة محمّد في معراجه بحسب ما ورد في كلماتهم الشريفة، وأوصلنا ركوعنا بركوعه وسجودنا بسجوده صلّى الله عليه وآله) وإلّا فتسبيحنا بمفرده لا يملك القدرة على الارتفاع ولا الركوع والسجود الذي يصدر منّا. ● (قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تجعلوني كقَدَح الراكب فإنّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أوّل الدعاء وفي آخره وفي وسطه). قدح الراكب: الوعاء الذي يحفظ فيه الراكب المُسافر مِقدار مِن الماء.. هذا المِثال الذي ذكره رسول الله أنا ذكرته مراراً في الحلقات المُتقدّمة، مِن أنّنا نتعامل مع محمّد وآل محمّد كما نتعامل مع الصيدلية، فقط عندما نحتاجهم نذهب إليهم.. بينما طعامنا وشرابنا يومياً نحتاجُ إليه. فرسول الله يقول لنا لا تتعاملوا معي كتعاملكم مع الدواء تلجؤون إليه عند الحاجة.. ولكن اجعلوني معكم دائماً وكونوا على وصال معي على طول الخط. ● نحنُ في زيارات آل محمّد نُخاطبهم ونقول: (اجعلوني مِن همّكم) كيف يجعلونا مِن همّهم ونحن لا نجعلهم مِن همّنا؟! ● (قال أبو عبد الله عليه السلام: مَن كانت له إلى الله عزّ وجل حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد؛ فإنّ الله عزّ وجل أكرم مِن أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، إذْ كانت الصلاة على محمّد وآل محمّد لا تُحجب عنه). أيّ سِرّ في هذه العبارة القصيرة التي تستجلبُ نظر الله؟! تعرفون ما معنى نظر الله؟! الناس كم تتمنى أن ينظر إليها شخصٌ مهم، ونحنُ هنا نتحدّث عن نظر الله.. والصلاة على محمّد وآلهِ لا تُحجب عن الله.. فأيّ سِرّ فيها؟ ● (عن عبد السلام بن نعيم قال قلت لأبي عبد الله: إنّي دخلتُ البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمّد وآل محمّد فقال: أما إنّه لم يخرج أحد بأفضل ممّا خرجت به) فهي أفضل الدعاء. نماذج أخرى مِن الحديث في مرتبة أعلى: ● حديث الإمام الصادق في [الكافي الشريف: ج1] (عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لمّا عُرج برسول انتهى به جبرئيل إلى مكان فخلّى عنه، فقال له: يا جبرئيل تُخلّيني على هذه الحالة؟ فقال: امضهْ فو اللّه لقد وطئتَ مكاناً ما وطئه بشرٌ وما مشي فيه بشرٌ قبلك) كلّ هذه الأحاديث قطعاً تأتي بلسان المدارة وتقريب المعاني، وإلّا أنّى لجبرئيل أن يتحدّث بهذا الأسلوب مع محمّد صلّى الله عليه وآله؟! فجبرئيل في عالم الدنيا وبمرأى ومسمع مِن الناس كان يجلس بين يدي رسول الله جِلسة العبد، وهذا في العالم الترابي.. أمّا هناك حِين تُشرق الحقائق فالأمر مختلف جدّاً. ● رواية أخرى: (سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام يقول: جعلتُ فداك كم عُرج برسول اللّه؟ فقال: مرّتين فأوقفه جبرئيل موقفاً فقال له: مكانك يا مُحمّد فلقد وقفتَ موقفاً ما وقفه ملكٌ قطّ ولا نبيّ، إنّ ربّك يصلّي فقال: يا جبرئيل وكيف يصلّي؟ قال: يقول: سبّوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والرّوح، سبقت رحمتي غضبي، فقال: اللّهمّ عفوك عفوك، قال: وكان كما قال اللّه (قٰاب قوسين أو أدنى) فقال له أبو بصير: جعلتُ فداك ما قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ما بين سيتها إلى رأسها، فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ولا أعلمه إلّا وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سمّ الإبرة – أي ثقب الإبرة – إلى ما شاء اللّه مِن نور العظمة، فقال اللّه تبارك وتعالى: يا محمّد قال: لبّيك ربّي، قال: مَن لأمّتك من بعدك؟ قال: اللّه أعلم، قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين، ثمّ قال أبو عبد اللّه لأبي بصير: يا أبا محمّد واللّه ما جاءت ولاية عليّ من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهة) هذه صور جئت بها أمثلة لنماذج من حديث العترة وهم يُحدّثون أشياعهم كلّاً بحسب مرتبته. وقفة عند معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد في أجزاء الصلاة (سواء كان في القنوت، أو مصحوباً بالتسبيح في ركوعنا وسجودنا، أو في التشهد الوسطي والأخير، في أي موطن من المواطن..) الصلاة على محمّد وآل محمّد هذه الجملة هي عبارة تُشير إلى صِلة لله بمحمّدٍ وآل محمّد نحن لا يسعنا أن نُدرك حقيقتها.. هذه الصِلة التي قال عنها إمام زماننا عليه السلام: (لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقك) وهم يقولون: إنّ لنا مع الله حالات لا يسعنا فيها لا نبيٌ مرسل ولا مَلَك مُقرّب.. وهي نفس المضامين التي تحدّثت عنها الروايات السابقة التي أشرتُ إليها (إنّك وطئتَ مكاناً ما وطئه بشرٌ وما مشي فيه بشرٌ قبلك) ● إذا كانت الصلاة علينا يُحدّثنا القرآن عنها فيقول: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبّحوه بُكرة وأصيلا* هو الذي يُصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم مِن الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما}. التسبيح والصلاة على محمّد وآله يلتقيان في جوهر واحد: نحن نُسبّحه تعالى وهو يُصلّي علينا، ونحنُ نُصلّي على محمّد وآله وهو يُصلّي علينا أيضاً. لهذا تسبيحُنا وصلاتنا على النبي وآله تُخرجنا مِن الظلمات إلى النور، لأنّ الله تعالى هو الذي يُصلّي علينا حِين نُسبّح وحِين نُصلّي على محمّد وآله. ● حديث صادق العترة في [الكافي الشريف] يُبين لنا ما الذي يحدث حينما نُصلّي على محمّد وآله: (إذا ذُكر النبيّ فأكثروا الصّلاة عليه، فإنّه مَن صلّى على النبي صلاةً واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ مِن الملائكة، ولم يبق شيء ممّا خلقه اللّه إلّا صلّى على العبد لصلاة اللّه عليه وصلاة ملائكته، فمَن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، قد برئ اللّه منه ورسوله وأهل بيته) ● في سورة التوبة {خذ مِن أموالهم صدقةً تطهّرهم وتُزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتكَ سكنٌ لهم والله سميع عليم} الخروج (مِن الظلمات إلى النور، مِن الضلالة إلى الهدى، مِن الجهل إلى العلم، مِن الكفر إلى الإيمان، مِن الشرك إلى التوحيد، مِن النجاسة إلى الطهارة..) الخروج من كلّ ذلك هذا هو السكن.. وهذا المعنى مذكور في الزيارة الجامعة الكبيرة حين نقول: (وجعل صلاتنا عليكم وما خصّنا به مِن ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفّارة لذنوبنا..) خلاصة موجزة: التسبيح هو إعلان عن ارتباطنا ببحر النور المُحمّدي، فحِين نُذهل بجمال الحقيقة المُحمّدية تنطقُ حقائقنا بتنزيه الخالق الذي خلق هذه الحقيقة، فالخالق الذي خلقها تجلّى في هذه الحقيقة، وجماله نحن لا نصل إليه لا نُدركه.. نحنُ نُدرك جماله من جمال الحقيقة المُحمّدية، فهذا هو التسبيح. وأمّا الصلاة على محمّد وآل محمّد: فهي صِلة وعلاقة ورابطة الله الباري تعالى بمحمّد وآل محمّد، ولا نستطيع أن نعرف هذه الصِلة ولكنّ الإمام الحُجّة أخبرنا أنّ هذه الصِلة تجعلهم في مقام (لا فرق بينكَ وبينها إلّا أنهم عبادك وخلقك). المفردة 3: التشهّد. مرّت الإشارة إليه في حديث الصلاة المعراجية لمحمّد صلّى الله عليه وآله حين يقول رسول الله: (فقال: ارفع رأسك، فرفعتُ رأسي فنظرتُ إلى شيءٍ ذهب منه عقلي، فاستقبلتُ الأرض بوجهي ويديّ فأُلهمتُ أن قلتُ “سبحان ربّي الأعلى وبحمده” لعلوّ ما رأيت، فقلتها سبعاً، فرجعتْ إليَّ نفسي، كلمّا قلتُ واحدة منها تجلّى عني الغَشي، فقعدتُ، فصار السجود فيه “سبحان ربّي الأعلى وبحمده”..) وتستمرّ الرواية في هذه الأجواء حتّى يأتي ذكر التشهّد (فألهمني الله أن قلت: “بسم الله وبالله، ولا إله إلا الله، والأسماء الحسنى كلّها لله”. فقال لي: يا محمّد صلّ عليك وعلى أهل بيتك، فقلت: “صلّى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل”..) فمشهد التشهّد في الصلاة المعراجية المُحمّدية هو هذا.. الله تعالى أمره أن يُصلّي على نفسه وعلى أهل بيته، وكان المشهد محفوفاً بصفوف الملائكة والنبيّين والمُرسلين.. فهؤلاء كانوا شهوداً يشهدون الحقيقة على أنفسهم (فالتشّهد يحتاج إلى شهود) فهم لا يشهدون لِمحمّد، الشاهد لِمحمّد هو الله وعلي.. وعليٌ هو مُحمّد فهو يشهد لنفسه بنفسه. ● وقفة عند حديث الإمام الباقر عليه السلام: (عن بكر بن حبيب قال: قلت لأبي جعفر – الباقر عليه السلام-: أي شيء أقول في التشهّد والقنوت؟ قال: قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس)، يعني لو كان التشهّد محددة بصيغة لهلك الناس ويقصد بالشيعة الناس، لأنّهم كانوا في زمان تقيّة والسُلطات كان تتعقّبهم ماذا يقولون في صلواتهم لتُشخّص الشيعة منهم فتُلاحقهم.. ولهذا وردت صِيغ عديدة في التشهّد إبتداءً من صيغة خالية حتّى مِن الصلاة على محمّد وآله، لا تشتمل إلّا على الشهادتين! ● مِن جُملة صِيغ التشهّد التي وردتْ عنهم صلوات الله عليهم ما جاء في [الفقه الرضوي] وهو تشهّد طويل، ممّا جاء فيه: (أشْهدُ أنَكَ نِعْمَ الربَ وأنّ محمّداً نِعْمَ الرسول وأنَ عليّ أبن أبي طالب نِعْمَ المولى،..) وممّا جاء فيه أيضاً: (اللهم صلّ على محمّدٍ المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلى الأئمة الراشدين من آل طه وياسين..) ثمّ الصلاة على إمام الزمان: (الّلهم صلّ على نورك الأنور، وعلى حبلِك الأطول، وعلى عروتِك الأوثق، وعلى وجهِك الأكرم، وعلى جنبِك الأوجب وعلى بابِك الأدنى، وعلى مسلك الصِراط، اللهم صلِ على الهادين المهديين ، الراشدين الفاضلين، الطيبين الطاهرين، الأخيار الأبرار..) ● الشهادة الثالثة ذِكْر عليّ واجبٌ قطعاً في التشهّد الوسطي والأخير، الصلاة مِن دون الشهادة الثالثة لا قيمة لها.. الطهور الحقيقي لصلاتنا هو بذكر عليّ عليه السلام. ذكرُ عليّ في صلاتنا يربط هذه الصلاة بصلاة محمّد وآل محمّد، ذكر عليّ في صلاتنا يربط ركوعنا بركوع محمّد في صلاة محمّد المعراجية. المفردة 4: التسليم القاعدة أنّ الصلاة تُفتتح بالتكبير وتنتهي بالتسليم.. وقبل أن أدخل في التسليم هناك مسألة مهمّة أريد الإشارة إليها وهي ما يرتبط بتضييع الصلاة، حين يُشير إمامنا الرضا فيقول: (ربّما لم يُرفع مِن الصلاة إلّا النصف، أو الثلُث، أو السُدُس، على قدْر إقبال العبد على صلاته، وربّما لا يُرفع منها شيء، تُردُّ في وجْهه كما يُردُّ الثوب الخَلِق – الممزق -، وتُنادي: ضيّعتني، ضيّعك الله كما ضيعتني، ولا يُعطي الله القلب الغافل شيئا) (سأسلّط الضوء على تضييع الصلاة عند المُخالفين، وعند علماء الشيعة، وأبيّن الصلاة عند أهل البيت كيف هي) تضييع الصلاة عند المُخالفين: وقفة عند نماذج مِن حديث المُخالفين في صحيح البُخاري تُشير إلى تضييع الصلاة عندهم، ولا غرابة مِن تضييع المُخالفين للصلاة فهذه أحاديثهم تُخبرنا أنّ أقواماً كثيرة مِن أمّة محمّد وأصحابه يردون على رسول الله عند الحوض فيُذادون ويُطردون من الحوض، لِما قد أحدثوا وبدّلوا وغيّروا وحرّفوا وانقلبوا على أعقابهم بعد النبي. ● صورة أُخرى مِن صور تضييع الصلاة عند مُخالفي أهل البيت (قراءة سطور ممّا جاء في كتابي [وفيّات الأعيان لابن خلّكان، وكتاب بداية المُجتهد ونهاية المُقتصد لابن رشد] الكتابان يشتملان على مضامين فاسدة مُفتراة على رسول الله (كقضيّة التسليم والحدث قبل التسليم في الصلاة، وأنّ المُصلّي يُخيّر بأن يُحدِث ويُصدر أصواتاً مِن دُبره، وبين أن يُسلّم على رسول الله)! كالرواية التي تبّناها أبو حنيفة في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد (إذا جلس الرجل في صلاته فأحدث قبل أن يُسلّم فقد تمّت صلاته) فهذا افتراء واضح على رسول الله وهو من مصاديق تضييع الصلاة والاستهانة بالصلاة.. فهم عمليّاً يُساوون بين الحدث وبين السلام على رسول الله وعلى أهل بيته الأطهار! وهذه القضيّة كانت مُنتشرة إلى الحدّ الذي جعل الأئمة يذكرون هذه القضيّة في أحاديثهم تقيّة. (فقد وردت روايات عن الأئمة في الكافي الشريف بهذهِ المضامين وهي تتحدّث بلسان التقيّة) ● مقطع فيديو يُحدثنا فيه الشيخ مازن السرساوي عن صلاة أبو حنيفة. تضييع الصلاة عند علماء الشيعة: وقفة عند حديث الإمام الصادق مع القاسم بن معاوية في [الاحتجاج] حول وجوب الشهادة الثالثة وأنّها كُتبت على كلّ شيء في عالم التكوين. (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروونَ حديثاً في مِعراجهم أنّه لمّا أُسري برسول الله رأى على العرش لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصديق، فقال الإمام: سبحان الله، غيروا كلّ شيءٍ حتّى هذا؟…) فبدأ الإمام الصادق يُحدّث القاسم بن معاوية عن الكتابة التكوينية للشهادة الثالثة على (على قوائم العرش، على مجرى الماء، على قوائم الكرسي، على جبهة إسرافيل، على جناح جبرئيل، على أكناف السماوات، على أطباق الأرض، على رؤوس الجبال، على الشمس، والقمر… إلى أن يقول صادق العترة: “فإذا قال أحدكم لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، فليقل عليّ أمير المؤمنين”) تعبير (فليقلْ) فعل مُضارع مسبوق بالّلام الأمرية فهو دال على الوجوب قطعاً.. فالإمام يُريد أن يقول أنّه كما كُتبت على كلّ أجزاء التكوين، فهي أيضاً مكتوبة كتابة شرعيّة واجبة في كلّ أجزاء التشريع الذي هو انعكاس للتكوين (يعني واجبة في الأذان، في الإقامة، في التشهّد الوسطي والأخير وفي كلّ أجزاء الصلاة، بل في كل موطن تُذكر فيه الشهادة الثالثة) خصوصاً وأنّ الرواية في بدايتها كانت في جوّ الحديث عن التحريف.. لكن الذي جرى هو أنّ الشيعة ضيّعتْ ذِكر عليّ في صلاتها.. ففي الأذان قالوا: يُؤتى به على نحو الاستحباب لا بعنوان الجزئية، ووالله هذه خيانة لأمير المؤمنين.. والبعض يستشكل أن تُذكر الشهادة الثالثة في الصلاة بحجّة أنّها مفسدة! فضيّع ذِكر عليّ، ووالله ما ضِعتم إلّا حينما ضاعت صلاتكم، وما ضاعت صلاتكم إلّا حينما ضيّعتم ذِكر عليّ هذا التضييع الأول: لقد ضيّع علماء الشيعة ذكر عليّ في الصلاة، في الأذان، في الإقامة، في التشهّد الوسطي والأخير. ● صورة أخرى من صور تضييع الصلاة عند علماء الشيعة وعامّة الشيعة أيضاً: أنّه حين تُذكر الصلاة يقولون: (إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر). وهم لا يعرفون جوهر هذه العبارة.. الصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر يعني أنّ جوهر الصلاة هو الصراط المُستقيم، والصراط المُستقيم في كلمات أهل الببت وفي أدعيتهم وزياراتهم هو فقط وفقط، هو عنوان خاصٌ بسيّد الأوصياء.. ولكن كبار علماء ومراجع الشيعة حرّفوا وجاؤوا بمعنى آخر). ● وقفة عند ما قاله شيخ الطائفة الطوسي في كتابه [التبيان: ج1] ● وقفة عند ما قاله السيّد الخوئي في كتابه [البيان] في معنى الصراط المُستقيم. ● وقفة عند ما قاله الشيخ الطبرسي في كتابه [مجمع البيان: ج1] وهو نسخة مُطابقة (copy) لِما جاء في كتاب التبيان.. علماً أنّ كتاب [مجمع البيان] للطبرسي هو التفسير المعتمد والمركزي عند المؤسسة الدينية والحوزة النجفية، وهو كتاب مشحون من أوّله إلى آخره بالفكر الناصبي.. وهذا هو السبب الذي جعل علماء الأزهر يمتدحون هذا الكتاب. (قراءة سطور ممّا كتبه شيخ الأزهر عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت في مدح كتابي “مجمع البيان للطبرسي، وكتاب التبيان للشيخ الطوسي”). لو كانت هذه التفاسير على منهج أهل البيت عليهم السلام هل أنّ القوم سيقولون عنها هذا المدح والثناء؟! نموذج يُبيّن جهل كبار مراجع الشيعة بمعاني الصلاة. ● وقفة عند سؤال وُجّه للسيّد الخوئي في كتابه [صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: ج1]: نصّ السؤال: إلى من يرجع الضمير في كلمتي (علينا، عليكم) في قولنا (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) بعد التشهد؟ جواب السيد الخوئي: (إلى المسلمين الصالحين، والمُصلّين معه أو غيرهم، واحتمل في الأخير إلى ملائكة الله تعالى، والله العالم). والمرجع الميرزا جواد التبريزي لم يُعلّق، ممّا يعني موافقته على ما كتبه السيّد الخوئي! ● إذا كان المرجع لا يعرف معاني صلاته، فمن ذا الذي يعرف إذن؟ والميرزا جواد التبريزي لم يُعلّق.. فأيّ تضييع لِمعاني الصلاة هذا؟ هل جواب السيّد الخوئي يُعدّ مِن الإقبال على الصلاة وهو لا يعرف على مَن يُصليّ في خاتمة صلاته؟! أليستْ الأمور بخواتيمها؟ تُسلّم على النبي، وتُسلّم على نفسك، وعلى عباد الله الصالحين ولا تُسلّم على آل محمّد؟! أيّ مهزلة هذه؟! أين أهل البيت في السلام عند السيّد الخوئي؟ لماذا الجميع موجودين في الصلاة يا علماءنا وأهل البيت غير موجودين؟ أيّ صلاةٍ هذه؟ (علماً أنّ السيّد الخوئي أجاب بهذا الجواب وقال أنّ معنى السلام في نهاية التسليم هو للملائكة، لأنّ المُخالفون يقولون بذلك). ● حين نقول في نهاية التسليم في الصلاة: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) إنّنا نتوجّه بهذا السلام إلى إمام زماننا.. لأنّنا في وقت نيّة الصلاة وافتتاحيّتها نستحضر إمام زماننا أمام أعيننا كما يقول إمامنا الرضا (واجعل واحداً مِن الأئمة نُصب عينيك) بإمام زماننا نفتتح الصلاة، وبإمام زماننا نختتم الصلاة (بكم فتح الله وبكم يختم الله). ● وقفة عند صيغة السلام في [الفقه الرضوي] (السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين) ● وقفة عند ما يقوله الميرزا جواد التبريزي في كتابه [أسرار الصلاة] (وكذا لا تدع في سلامك التسليم على الأئمة بما ورد وعلى الأنبياء والملائكة فإن تبعية السلف صار داءً عُضالاً، لا ينجو منها إلّا الأوحدي، واتّسع مجالها حتّى في العبادات والقربات، مثلاً: أرى الشيعة مولعين لذكر الشهادة الثالثة في أذانهم مع اعتقادهم أنّه لم يرد به رواية – وإن كان هذا الاعتقاد باطلاً – ويتركون السلام على الأئمة في صلاتهم مع اعتقادهم باستحبابه وهل هذا إلّا مِن جهة التعارف وعدمه – أي من جهة الالتزام بالأعراف-..). يُمكن أن أُناقش كلام الميرزا التبريزي في قوله (أنّ الشيعة مولعين لذكر الشهادة الثالثة في أذانهم) بأنّ منطقهم في القول بعدم الجزئية منطق شيطاني.. ● حديث الإمام الصادق عليه السلام في [الكافي الشريف: ج1] في معنى السلام على رسول الله. (عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبدالله: ما معنى السلام على رسول الله؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنته وابنيه وجميع الأئمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق، وأن يصبروا ويُصابروا ويرابطوا وأن يتّقوا الله ووعدهم أن يُسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأن يُنزّل لهم البيت المعمور ويُظهر لهم السقف المرفوع ويُريحهم مِن عدّوهم، والأرض التي يبدّلها الله من السلام، ويُسلّم ما فيها لهم لاشية فيها” قال: لا خُصومة فيها لعدوهم، وأن يكون لهم فيها ما يُحبّون، وأخذ رسول الله على جميع الائمة وشيعتهم الميثاق بذلك، وإنّما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله لعلّه أن يعجّله جلّ وعزّ ويعجّل السلام لكم بجميع ما فيه). هذا هو الميثاق المهدوي، إنّها الدولة المهدوية، إنّها دولة الرجعة، إنّها دولة الحق، دولة الدُوَل. لقطة أُخرى في معنى السلام على رسول الله (الله تعالى يشرح هنا معنى السلام) ● مُقتطفات مِن حديث صادق العترة (حديث الصلاة المعراجية للنبي) يقول فيه: (فقال لي: يا محمّد، سلّم – أي اختم الصلاة بالسلام -، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: يا محمّد إنّي أنا السلام والتحيّة والرحمة، والبركات أنت وذريّتك..) لقطة أخرى في معاني الصلاة على رسول الله – وقفة عند مُقتطفات من حديث سيّد الأوصياء في [بحار الأنوار: ج15] (..وخَلَق – اللهُ – مِن نُور الّلوح القلم – قلم التكوين – وقال له: اكتب توحيدي، فبقيَ القَلَم ألفَ عامٍ سكران مِن كلام الله تعالى، فلمّا أفاق، قال: اكتب، قال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب: “لا إله إلاّ الله ، مُحمّدٌ رسول الله ” فلمّا سمع القلمُ اسم مُحمّد صلّى الله عليه وآله خرّ ساجداً، وقال: سبحان الواحد القهار، سُبحانَ العَظيم الأعظم، ثُمّ رفعَ رأسه من السجود وكتب: “لا إله إلاّ الله، مُحمّدٌ رسول الله” ثمّ قال: يا ربّ ومن مُحمّد الّذي قرنتَ اسمهُ باسمكَ وذكرهُ بذكرك؟ قال اللهُ تعالى له: يا قلم، فلولاهُ ما خلقتُكَ، ولا خلقتُ خلْقي إلّا لأجله، فهو بشيرٌ ونذير، وسراجٌ منير، وشفيعٌ وحبيب، فعند ذلك انشقّ القلمُ مِن حلاوة ذِكْر مُحمّد صلَّى الله عليه وآله، ثُمّ قال القلم: السلامُ عليك يا رسول الله، فقال اللهُ تعالى: وعليكَ السلام منّي ورحمةُ الله وبركاته، فلأجل هذا صار السلام سُنّة والردّ فريضة..).